موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٨٨٩] مسألة ٢ : يجزئ غسل الميِّت عن الجنابة والحيض (١) بمعنى أنّه لو مات جنباً أو حائضاً لا يحتاج إلى غسلهما ، بل يجب غسل الميِّت فقط ، بل ولا رجحان في ذلك وإن حكي عن العلاّمة قدس‌سره رجحانه.

______________________________________________________

إجزاء هذا الغسل عن غيره‌

(١) لأنّه مقتضى القاعدة من غير حاجة فيه إلى الدليل ، وذلك لما قدّمناه (١) من أن غسل الجنابة والحيض وغيرهما من الأغسال ليست بواجب نفسي وإنّما يجب من جهة اشتراط الطهارة في الصلاة ، بل ولم يقل أحد بالوجوب النفسي في غير الجنابة نعم فيها قول بالوجوب النفسي وقد عرفت اندفاعه ، لضعف الرواية المستدل بها عليه.

وحيث إنّ الميِّت غير مكلّف بالصلاة فلا يجب عليه الغسل من الجنابة أو غيرها بل لو قلنا بأنّها واجبات نفسية لا يجب في المقام ، لأنّ الميِّت لا يكلّف بشي‌ء.

فلا يجب على الحي سوى تغسيله بغسل الميِّت ، بل ولا يجب عليه تغسيله من الجنابة على تقدير حدوثها بعد تغسيله كما لو قاربه أحد بعد تغسيله ، وذلك لعدم الدليل عليه.

فلا يقاس المقام بالتداخل في الحي ، كما إذا كان جنباً ومسّ الميِّت أو هما مع الحيض وهكذا ، فانّ الواجب عليه أغسال متعددة بتعدد أسبابها فلا يمكن القول بالتداخل إلاّ أن يقوم دليل عليه كما ورد « إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد » (٢).

فالمتحصل : أن مقتضى القاعدة عدم وجوب التغسيل زائداً على غسل الميِّت من دون حاجة فيه إلى الدليل ، هذا.

وقد ورد في جملة من الروايات ما ربما يشعر بوجوب التغسيل زائداً على غسل‌

__________________

(١) في شرح العروة ٦ : ٣٤٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٦٢ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

٦١

الميِّت وهي أربع روايات عن العيص :

اثنان منها لا يمكن الاستدلال بهما على هذا المدّعى بوجه ، لاشتمالهما على أنّه « إذا مات الميِّت وهو جنب غسل غسلاً واحداً ثمّ اغتسل بعد ذلك » (١) أو « يغسل غسلة واحدة بماء ثمّ يغتسل بعد ذلك » (٢). وذلك لأنّ الأمر بالاغتسال ثانياً متوجّه إلى الغاسل من جهة مسّ الميِّت ، ولا يتوهّم دلالته على وجوب تغسيل الميِّت ثانياً من الجنابة أو الحيض أو غيرهما.

وثالثتها : ما رواه سعيد بن محمّد الكوفي عن محمّد بن أبي حمزة عن عيص قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يموت وهو جنب ، قال : يغسل من الجنابة ثمّ يغسل بعد غسل الميِّت » (٣).

وظاهرها أنّ الميِّت يغسل ثلاثاً ، تارة : من الجنابة قبل غسل الميِّت ، وأُخرى : من غسل الميِّت ، وثالثة : بعد غسل الميِّت ، وهذا ممّا لا معنى له ، لأن غايته أن يجب غسلان للجنابة ولغسل الميِّت ، وأمّا الأغسال الثلاثة فلا معنى له في مفروض الرواية.

والّذي يمكن أن تفسّر به الرواية أن يقال : إن معنى قوله « يغسل من الجنابة » مشدّداً أو مخفّفاً أي يغسل من المني ، لأنّه قد تطلق عليه الجنابة نظراً إلى أنّه سبب لها كما في بعض الأخبار « أصاب ثوبي الجنابة » فليراجع (٤).

ومعه يكون المأمور به غسل الميِّت والاغتسال بعده للغاسل من جهة مسّ الميِّت هذا.

على أن سندها ضعيف بسعيد بن محمّد الكوفي لعدم توثيقه.

ورابعتها : ما رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام في حديث‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٣١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٤١ / أبواب غسل الميِّت ب ٣١ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٤١ / أبواب غسل الميِّت ب ٣١ ح ٧. إذا قُرئ « بعد » بالضمّ بتقدير المضاف إليه فلا تدلّ الرواية على ثلاثة أغسال.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٨٢ / أبواب النجاسات ب ٤٣ ح ١ ، ٤٨٣ / ب ٤٤ ح ٤ وغيرها.

٦٢

[٨٩٠] مسألة ٣ : لا يشترط في غسل الميِّت أن يكون بعد برده (١) وإن كان أحوط (٢).

______________________________________________________

قال : « إذا مات الميِّت وهو جنب غسل غسلاً واحداً ثمّ يغسل بعد ذلك » (١).

وهذا أيضاً محمول على ما حملنا عليه رواياته الثلاثة المتقدمة ، أي يغسل غسل الميِّت لا زائداً عليه ، لقوله « غسلاً واحداً ثمّ يغسل » أي يغتسل من المس ، هذا مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال.

إذن لا يجب في مفروض المسألة إلاّ غسل واحد وهو غسل الميِّت دون الجنابة أو غيرها ، بل لا رجحان للتغسيل من أجلها ، لعدم دلالة الدليل عليه ولو بناءً على التسامح في أدلّة السنن ، إذ لم تثبت دلالة الرواية على الأمر بالتغسيل ثانياً للجنابة أو الحيض أو غيرهما ، لاحتمال إرادة الغسل من مسّ الميِّت كما مرّ.

فما حكي عن العلاّمة كما في المتن من رجحان ذلك (٢) ممّا لا موجب له.

غسل الميِّت غير مشروط بما بعد البرد‌

(١) لإطلاق ما دلّ على أنّ الميِّت لا بدّ من تغسيله فلا فرق بين أن يكون بعد برده أو قبله.

ودعوى : أنّ الحرارة ملحقة بالحياة لأنّها من شؤونها وتوابعها ، مندفعة بأنّ الأحكام المترتبة على الميِّت إنّما ترتبت على الموت ، سواء أكان بحرارته أم لم يكن كالتوارث ، لأنّه إذا مات الميِّت فمات ولد من أولاده قبل برد المورّث لا إشكال في أنّه ينتقل ماله إلى ولده ومنه إلى وارثه ، فلا فرق في وجوب تغسيله بين أن يكون قبل برده أو بعده. نعم ، المس قبل البرد لا يوجب الغسل كما مرّ.

(٢) ولو لاحتمال كون الحرارة ملحقة بالحياة في الواقع.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤١ / أبواب غسل الميِّت ب ٣١ ح ٨.

(٢) المنتهي ١ : ٤٣٢ السطر ٢٠ / كتاب الصلاة ، في تغسيل الميِّت.

٦٣

[٨٩١] مسألة ٤ : النظر إلى عورة الميِّت حرام (١) لكن لا يوجب بطلان الغسل إذا كان في حاله (٢).

[٨٩٢] مسألة ٥ : إذا دفن الميِّت بلا غسل جاز بل وجب نبشه لتغسيله أو تيممه (٣)

______________________________________________________

النظر إلى عورة الميِّت‌

(١) لإطلاق ما دلّ على أن عورة المؤمن على المؤمن حرام (١) فانّ الميِّت وإن كان بحسب الدقّة جماداً إلاّ أنّه بالنظر العرفي هو الحي السابق ، بل يشمله إطلاق قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ... وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ... ) (٢) لدلالتهما على أنّ المؤمن مأمور بغض البصر عن النظر إلى العورة مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين عورة الحي والميِّت ، وكذلك المؤمنة.

مضافاً إلى الأخبار الواردة في المقام الآمرة بأن يجعل على عورة الميِّت خرقة (٣) لأنّها بنفسها كافية في إثبات المدّعى ، إذ لولا حرمة النظر إلى عورته لا وجه للأمر بجعل الخرقة عليها.

(٢) لأنّه تكليف تحريمي مستقل لا ربط له بصحّة الغسل وعدمها ، وهو نظير ما إذا ارتكب عملاً محرماً حال تغسيله فإنّه لا يوجب بطلان تغسيله. وبعبارة اخرى عدم النظر إلى العورة ليس من شرائط صحّة الغسل ليبطل عند الإخلال به.

إذا دفن الميِّت بلا تغسيل‌

(٣) لإطلاق ما دلّ على وجوب تغسيل الميِّت وتكفينه ، فإنّه غير قاصر الشمول‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٩ / أبواب أحكام الخلوة ب ١ ، ٢ : ٣٢ / أبواب آداب الحمام ب ٣ ، وغيرهما.

(٢) النور ٢٤ : ٣٠ ٣١.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٢ ، ٣ وغيرهما.

٦٤

وكذا إذا ترك بعض الأغسال ولو سهواً ، أو تبين بطلانها أو بطلان بعضها. وكذا إذا دفن بلا تكفين أو مع الكفن الغصبي (١) وأمّا إذا لم يصلِّ عليه أو تبين بطلانها فلا يجوز نبشه لأجلها ، بل يصلّى على قبره (٢).

______________________________________________________

للتغسيل والتكفين بعد الدفن غير المأمور به.

ودعوى انصراف الأدلّة إلى ما قبل الدفن والميِّت قد دفن في المقام.

مندفعة بأنّ الأدلّة دلّت على وجوب التغسيل والتكفين قبل الدفن المأمور به ، وأمّا الدفن غير المأمور به كما في المقام فلا موجب لاختصاص الأدلّة بما قبله ، بل إطلاقها شامل لما بعده أيضاً من غير انصرافها إلى ما قبله ، فالمقتضي لوجوب التغسيل والتكفين بعد الدفن غير المأمور به موجود.

وأمّا ما يتوهّم أن يكون مانعاً عنه وهو حرمة النبش حيث يتوهّم أن وجوبهما حينئذ يزاحم الحرمة ، ففيه : أن حرمة النبش لم تثبت بدليل لفظي يمكن التمسُّك بإطلاقه ، وإنّما ثبتت بالإجماع ، والمقدار المتيقن منه ما إذا كان الدفن مأموراً به ، وفي المقام لا إجماع على حرمة النبش بوجه ، لذهاب جملة كثيرة إلى جوازه ، بل وجوبه ، بل لو كان دليل لفظي على حرمته كان الأمر كذلك ، لاختصاصه بما إذا كان الدفن صحيحاً شرعياً أي كان مأموراً به ولا يشمل الدفن غير المأمور به.

(١) لما عرفت ، فان حال التكفين حال التغسيل ، وكذلك الحال فيما إذا يمم الميِّت فدفن ووجد الماء بعد الدفن بزمان يجوز تأخير الغسل إليه ، فإنّه يكشف عن بطلان التيمم فيجب نبش القبر وتغسيله.

إذا دفن ولم يصل عليه‌

(٢) فانّ الصلاة على الميِّت وإن وجبت قبل الدفن ولكنّه إذا دفن الميِّت من دون صلاة اشتباهاً أو لمانع من حر أو برد شديدين ونحو ذلك صلِّي عليه وهو في قبره‌

٦٥

[٨٩٣] مسألة ٦ : لا يجوز أخذ الأُجرة على تغسيل الميِّت بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الأُجرة على وجه ينافي قصد القربة بطل الغسل أيضاً (١).

______________________________________________________

للأخبار الدالّة على ذلك (١).

عدم جواز أخذ الأُجرة على التغسيل‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

الاولى : لا تنافي بين كون العمل واجباً أي غير مرخص في تركه وبين أخذ الأُجرة عليه ، بلا فرق في ذلك بين الواجب الكفائي والعيني والتعييني والتخييري كما شرحناه في بحث أخذ الأُجرة على الواجبات (٢).

الثانية : عبادية العمل الأعم من المستحب والواجب لا تنافي أخذ الأُجرة عليه بأن يكون أخذ الأُجرة داعياً إلى إتيان العمل بقصد القربة ، وذلك لأن انتهاء الداعي القربي إلى شي‌ء من الدواعي الأخر دنيوية كانت أو أُخروية ضروري لا مناص عنه.

لأنّ إتيان العبادة بداعي أنّ الله أهل للعبادة مع قطع النظر عن الطمع في الجنّة أو الخوف من النار أو التخلّص من الفقر كما في صلاة اللّيل أو غير ذلك من الدواعي والأغراض الأُخروية أو الدنيوية ، لا نتصوّر صدوره إلاّ من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ولا نعقل ذلك من الأشخاص العاديين بوجه. فترى أنّه يصلّي صلاة اللّيل لئلاّ يبتلي بالفقر في حياته ، أو يأتي بالفرائض لئلاّ يعذّب بالنار أو لكي يدخل الجنّة أو لغير ذلك من الآثار المترتبة على العبادات ، فكون قصد القربة بداع آخر هو في طول الداعي القربي غير مانع عن صحّة العبادة.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨.

(٢) مصباح الفقاهة ٢ : ١٩٣.

٦٦

نعم ، لو كان داعيه هو القربة وكان الداعي على الغسل بقصد القربة أخذ الأُجرة صحّ الغسل ، لكن مع ذلك أخذ الأُجرة حرام إلاّ إذا كان في قبال المقدمات غير الواجبة فإنّه لا بأس به حينئذ.

______________________________________________________

بل الأمر الإجاري مؤكّد للعبادية ، وذلك لأنّ العمل لا يصدر بداعي أخذ الأُجرة عليه لعدم ترتب العمل عليه ، إذ يمكنه أن يأخذ الأُجرة ولا يأتي بالعمل في الخارج أصلاً ، ولو لم يكن له مناص [ إلاّ ] من الإتيان بالعمل كما في تغسيل الميِّت لأنّه بمرأى من المستأجر فيمكنه الإتيان بالعمل على وجه الفساد بأن يبقي مقداراً قليلاً من بدنه بدون غسل أو بغير ذلك من أنحاء الإفساد والإخلال.

كما أنّ العمل لا يصدر بداعي استحقاق الأُجرة ، لعدم الترتب بينهما ، فان استحقاق الأُجرة في عقد الإجارة يترتب على العقد ، إذ بتحقق العقد يستحق الأجير الأُجرة سواء عمل في الخارج أم لم يعمل ، غاية الأمر إذا لم يعمل وانقضت مدّة الإجارة تولد للمستأجر حق فسخ العقد فيطالبه بعين الأُجرة إن كانت موجودة أو ببدلها مثلاً أو قيمة إذا كانت تالفة ، فالاستحقاق يترتب على العقد لا على العمل. نعم ، استحقاق المطالبة بالأُجرة وعدم جواز تأخيره للمالك المستأجر يترتب على العمل ، لأنّ الأجير قبل العمل لا يستحق المطالبة بالأُجرة من المستأجر ويجوز له أن لا يدفعه إليه ، فلو أتى بالعمل بغاية توليد الحق الشرعي له في مطالبة المستأجر بالأُجرة وأن لا يجوز للمستأجر تأخيرها فهو صحيح ، إلاّ أنّه إتيان للعمل بقصد القربة والداعي القربي وليس من الإتيان بداعي أمرٍ آخر.

فالمتحصل : أنّ الإتيان بالعمل بداعي الأخذ الخارجي أو بداعي الأخذ الملكي أي صيرورة الأجر ملكاً له غير صحيح ، لأنّ الأخذ الخارجي والملكية لا يترتبان على العمل ، والأخذ بمعنى جواز المطالبة وحرمة الإبطاء في دفعها غاية مترتبة على العمل إلاّ أنّه داعٍ قربي ، وليس من الإتيان بالعمل بداعي أمر آخر.

إذن ينحصر الداعي إلى الإتيان بالعمل على الوجه الصحيح بالأمر والوجوب‌

٦٧

[٨٩٤] مسألة ٧ : إذا كان السدر أو الكافور قليلاً جدّاً بأن لم يكن بقدر الكفاية فالأحوط خلط المقدار الميسور وعدم سقوطه بالمعسور (١).

______________________________________________________

الناشئين من عقد الإيجار ، حيث يجب عليه شرعاً الإتيان بالعمل وفاءً لعقد الإجارة فالأمر الإجاري مؤكّد للإتيان بالعمل بقصد القربة لا أنّه منافٍ له.

ودعوى أنّ الأُجرة لا يمكن أن تكون داعياً إلى الداعي ، لاستناد العمل معه إلى الداعي الآخر كأخذ الأُجرة مثلاً فلا بدّ من إتيان العمل بداعي إباحة الأُجرة له نظير الإتيان بطواف النِّساء بداعي حلية النِّساء له أو حلية الرّجال عليها ، مندفعة بأن حلية النِّساء أو الرّجال وإن كانت مترتبة على طواف النِّساء ، وما أُفيد صحيح في الطواف إلاّ أنّه ليس بتام في الإجارة ، لأن حلية التصرف في الأُجرة مترتبة على العقد لا على العمل ، فانّ العقد بتماميته يوجب حلية التصرف في مال الإجارة سواء أتى الأجير بالعمل أم لم يأت به ، وغاية الأمر أنّه إذا لم يأت به وانقضت المدّة كان للمستأجر فسخ الإجارة والمطالبة باسترجاع الأُجرة بعينها أو ببدلها ، والغرض أنّ الحلية ليست غاية للعمل بوجه.

الجهة الثالثة : لا يجوز أخذ الأُجرة على التغسيل ، وهذا لا لأنّه واجب والوجوب ينافي أخذ الأُجرة عليه ، ولا لأنّه عبادي والعبادة تنافي أخذ الأُجرة عليها ، بل لما علمناه خارجاً من أنّ الغسل واجب مجاني وهو حق للميت على الأحياء لا بدّ من أن يصدر مجاناً ، نظير الأُجرة على الإتيان بفريضة الوقت مثلاً ، فأخذ الأُجرة على التغسيل حرام ، اللهمّ إلاّ أن يأخذها على المقدمات أو الخصوصيات الخارجة عن التغسيل المأمور به كالتغسيل بخصوص هذا الماء أو في مكان خاص ونحوهما.

إذا كان الخليط قليلاً جدّاً‌

(١) هذا الاحتياط يبتني على تمامية قاعدة الميسور في نفسها وعلى صحّة انطباقها على المقام ، وقد تقدم أن قاعدة الميسور غير صحيحة صغرىً وكبرى.

٦٨

[٨٩٥] مسألة ٨ : إذا تنجس بدن الميِّت بعد الغسل أو في أثنائه بخروج نجاسة أو نجاسة خارجة لا يجب معه إعادة الغسل.

بل وكذا لو خرج منه بول أو مني ، وإن كان الأحوط في صورة كونهما في الأثناء إعادته (١).

______________________________________________________

أمّا بحسب الكبرى فلعدم تمامية أدلّتها.

وأمّا بحسب الصغرى ، فلأنّ الواجب هو الغسل بماء السدر أو الكافور ، لا الماء الّذي فيه شي‌ء قليل منهما جدّاً بحيث لا يكون بمقدار الكفاية ، إذ لا يصدق عليه أنّه ميسور ذلك المعسور بل هو شي‌ء آخر مباين مع المأمور به.

إذا تنجّس بدن الميِّت‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

الاولى : أن بدن الميِّت أو كفنه إذا تنجس بنجاسة خارجة من الميِّت أو بنجاسة خارجية هل يجب غسلها وإزالتها عن الميِّت أو لا يجب؟.

الصحيح وجوب تطهير بدن الميِّت وكفنه من النجاسة الطارئة من الخارج أو الخارجة من الميِّت ثمّ دفنه طاهر البدن والكفن ، وذلك لموثقة روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن بدا من الميِّت شي‌ء بعد غسله فاغسل الّذي بدا منه ولا تعد الغسل » (١) فإنّ الرواية وإن كانت واردة في خصوص النجاسة الخارجة من الميِّت ، إلاّ أنّه من جهة الغالب ، وإلاّ فلا فرق بينها وبين النجاسة الخارجية قطعاً ، فمقتضى الموثقة وجوب تطهير البدن من النجاسات.

والظاهر أنّ الرواية موثقة ، لأن غالب بن عثمان الواقع في سندها وإن كان اسماً لجماعة من الرواة بعض موثق وبعض ضعيف ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه غالب الموثق ، لأنّ الشيخ ذكر أن غير الموثق ممّن يروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأنّ الموثق لا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ١.

٦٩

يروي عن الأئمة بلا واسطة (١) وهو في السند كذلك.

وقد عبّر عنها بالموثقة في الحدائق (٢) والجواهر (٣) وغيرهما. والوجه في كونها موثقة أن غالب بن عثمان الواقع في سندها الظاهر أنّه هو غالب المنقري الثقة وتوضيحه : أنّ الشيخ قدس‌سره ذكر شخصين مسمين بغالب بن عثمان أحدهما الشاعر والآخر المنقري وعدّهما من أصحاب الصادق عليه‌السلام (٤).

وذكر النجاشي أن غالب بن عثمان الشاعر زيدي والمنقري ثقة (٥).

ثمّ تعرّض الشيخ قدس‌سره لثالث مسمى بهذا الاسم في أصحاب الكاظم عليه‌السلام وقال : إنّه واقفي (٦). وظاهره انّه شخص ثالث مسمى بهذا الاسم غير الشاعر والمنقري ، لما عرفت من أن أحدهما زيدي بشهادة النجاشي والآخر عدل إمامي فيكون الواقفي شخصاً ثالثاً.

ويحتمل أن يكون المراد به هو أحد الأولين : الشاعر أو المنقري وغاية الأمر أنّ النجاشي يعتقد بأن أحدهما زيدي والشيخ يعتقد وقفه.

ثمّ تعرّض الشيخ لغالب رابع ممّن لم يرو عنهم عليهم‌السلام وذكر له طريقين : أحدهما حسن بن علي بن فضال والآخر غيره كما في الفهرست (٧) وهذا غالب رابع لو كان سابقه ثالثاً وإلاّ فهو ثالث من المسمين بغالب. والشيخ لم يوثق واحداً منهم وإنّما النجاشي وثق المنقري كما مرّ.

وذكر في ترجمة روح بن عبد الرحيم : روى عنه غالب بن عثمان (٨). والظاهر أنّ‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٦٧ / ٣٨٣٩.

(٢) الحدائق ٣ : ٤٦٧ / مكروهات غسل الميِّت.

(٣) الجواهر ٤ : ٢٤٨.

(٤) رجال الطوسي : ٢٦٧ / ٣٨٣٩ ، ٣٨٤١.

(٥) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٥ ، ٨٣٦.

(٦) رجال الطوسي : ٣٤١ / ٥٠٩١.

(٧) الفهرست : ١٢٣ / ٥٦٢.

(٨) رجال النجاشي : ١٦٨ / ٤٤٤.

٧٠

المراد به ليس إلاّ أحد الأولين الشاعر أو المنقري وليس مردداً بين الأربعة أو الثلاثة ، وذلك لأنّ النجاشي لم يتعرّض لمن سمي بهذا الاسم إلاّ للشاعر والمنقري فكيف يعرف روح بن عبد الرحيم ويميّزه بمن لم يتعرّض له أصلاً.

ثمّ الظاهر أنّ المراد به هو المنقري الثقة ، لأنّ النجاشي ذكر أن له كتاباً يرويه عنه جماعة ، فهو المشهور بين الرواة دون الشاعر حيث لم ينقل من يروي عنه أصلاً وإنّما ذكر النجاشي أن له أحاديث مجموعة.

فحيث إنّ المشهور هو المنقري وهو الّذي يروي عنه جماعة يكون هو الراوي عن روح بن عبد الرحيم دون غيره ، إذ لم يتعرّضوا أن له رواية يرويها عنه الرواة ، ومن هنا قلنا إنّ الظاهر كون الرواية موثقة.

ويؤيّدها رواية الكاهلي والحسين بن المختار (١) والوجه في عدّها مؤيّدة أن في سندها محمّد بن سنان ، هذا كلّه في البدن.

وأمّا وجوب غسل الكفن من النجاسات فلرواية عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا خرج من منخر الميِّت الدم أو الشي‌ء بعد الغسل وأصاب العمامة أو الكفن قرض ( منه ) بالمقراض » (٢). ولما عن أبي عبد الله عليه‌السلام من أنّه « إذا خرج من الميِّت شي‌ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض منه » (٣).

وهاتان الروايتان وإن كانتا ضعيفتين على طريق الكليني لوجود سهل بن زياد في سند الاولى ولإرسال الثانية ، إلاّ أنّهما بحسب طريق الشيخ معتبرتان ، لأنّ الشيخ روى أُولاهما بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن عبد الله الكاهلي وهو سند صحيح ، وثانيتهما رواها عن علي بن الحسين عن محمّد ابن أحمد بن علي عن أبي طالب عبد الله بن الصلت عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمّد‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ٣.

٧١

عن غير واحد من أصحابنا.

ومحمّد بن أحمد بن علي هو شيخ والد الصدوق وهو الّذي أثنى عليه الصدوق (١) بأنّه من الزّهاد والعبّاد وغير ذلك ممّا هو فوق التوثيق ، فلا إشكال في الروايتين من حيث السند ، فلا حاجة إلى دعوى انجبارهما بعمل الأصحاب كما عن بعضهم كما أن دلالتهما على المدعى واضحة وإنّما أُمر بالقرض فيهما ، لأنّه أسهل من التطهير وإلاّ فلا خصوصية له غير التطهير بوجه.

إذا خرجت من الميِّت نجاسة خبثية

الجهة الثانية : إذا خرج من الميِّت شي‌ء من النجاسات الخبثية كالدم لا الحدثية من بول أو غائط أو مني أو أصابه من الخارج فهل يجب إعادة الغسل عليه؟.

الصحيح عدم وجوب إعادته ويكفينا أصالة البراءة عن وجوبها مع قطع النظر عن الدليل والمطلقات الدالّة على أنّ الميِّت يغسل أغسالاً ثلاثة ، لإطلاقها من حيث خروج شي‌ء من النجاسات قبلها أو بعدها أو أثناءها.

بل يمكن الاستدلال على عدم الوجوب بموثقة روح المتقدمة بالتقريب الآتي في الجهة الثالثة.

إذا خرجت من الميِّت نجاسة حدثية

الجهة الثالثة : إذا خرج من الميِّت شي‌ء من النجاسات الحدثية من بول أو غائط أو مني فهل يجب إعادة الغسل؟

قد يقال بوجوب الإعادة حينئذ ، إلاّ أنّ الصحيح وفاقاً للمشهور عدم وجوب الإعادة ، ويدلُّ عليه موثقة روح بن عبد الرحيم (٢) حيث دلّت على أنّ الميِّت إذا بدا‌

__________________

(١) كمال الدين : ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ١.

٧٢

منه شي‌ء غسل الّذي بدا منه ولا يعاد الغسل ، مؤيّدة برواية الكاهلي والحسين بن المختار (١).

كما تقتضيه المطلقات الآمرة بالغسل ثلاثاً (٢) فان مقتضى إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين خروج نجاسة منه بعد ذلك وعدمه.

وقد يستدل عليه برواية يونس (٣) وموثقة عمّار (٤) المتقدِّمتين الدالّتين على أنّ الميِّت يغمز أو يمسح بطنه رفيقاً فان خرج منه شي‌ء فانقه ثمّ اغسله ، حيث دلّتا على عدم وجوب الإعادة بخروج شي‌ء من الميِّت حينئذ.

والاستدلال بهاتين الروايتين إنّما يتم في مورد واحد ولا يتم على نحو الإطلاق لأن موردهما ما إذا خرج شي‌ء من الميِّت بين الغسلين الأوّلين والثالث ، وأمّا لو خرج بين الأوّل والثاني أو في أثناء غسل واحد فلا دلالة لهما على عدم وجوب الإعادة بسببه ، فإنّه عليه‌السلام بعد الأمر بتغسيله بالكافور قال « ... فان خرج منه شي‌ء فانقه ثمّ اغسل ... » (٥) وهذا كما ترى يختص بما ذكرناه.

نعم ، لو بنينا على أنّ الواجب في غسل الميِّت شي‌ء واحد وكل واحد من الأغسال جزء من المأمور به المركب كغسل الرأس بالإضافة إلى غسل الجنابة مثلاً كما قوّاه صاحب الجواهر قدس‌سره (٦) لأمكن الاستدلال بهما على عدم وجوب الإعادة فيما لو خرجت النجاسة في أثناء الغسل لأنّه موردهما حينئذ ، إلاّ أن إثبات ذلك مشكل كما تقدّم (٧) ، لأن كل واحد من الأغسال واجب بحياله واستقلاله.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٨٤ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١٠.

(٥) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

(٦) الجواهر ٤ : ١٢٠ / في اعتبار نيّة الغاسل.

(٧) في ص ٤٣.

٧٣

ومعه يمكن الاستدلال بموثقة روح المتقدمة على عدم وجوب الإعادة لو خرجت نجاسة بين الأوّل والثاني أو بينه وبين الثالث إذ يصدق أنّه بدا بعد الغسل ، لما تقدّم من أن كل واحد من الأغسال الثلاثة غسل ميت كما تقدم.

وأمّا النجاسة الخارجة في أثناء الغسل الواحد فلا ، بل يمكن الاستدلال بموثقة روح على وجوب الإعادة فيما لو خرجت النجاسة قبل تمامية الغسل ، وذلك لأنّ الإمام عليه‌السلام قيّد الحكم بعدم وجوب الإعادة بما إذا خرج منه شي‌ء بعد الغسل ، فانّ التقييد بالبعدية يدل بمفهوم الوصف على أن نفي الوجوب مختص بصورة خروج النجاسة بعد الغسل ، فلو خرجت قبله في أثنائه وجب إعادة الغسل وهذا استدلال بمفهوم الوصف كما عرفت.

ولا يستدل بمفهوم الشرط فيها في قوله عليه‌السلام « إن بدا » لأن مفهومه إذا لم يبد منه شي‌ء ، وهو سالبة بانتفاء موضوعها ، وأمّا مفهوم الوصف فقد قوينا في محلِّه (١) أنّ الإتيان به في الكلام يدل على اختصاص الحكم بواجد القيد والوصف وإلاّ لكان أخذه في الكلام لغواً لا محالة.

ولا يمكن الجواب عن ذلك بأن موثقة عمار ورواية يونس المتقدمتين تدلاّن على عدم وجوب الإعادة ، فنخرج بهما عمّا يقتضيه مفهوم الوصف في موثقة روح ، وذلك لما تقدم من أن موردهما ما إذا خرجت النجاسة بين الغسل الثاني والثالث ، وكلامنا فيما لو خرجت في أثناء غسل واحد ، فالروايتان أجنبيتان عمّا يدل المفهوم على وجوب الإعادة فيه.

ما هو الصحيح في الجواب

والصحيح في الجواب عن هذا المفهوم : أنّ التقييد ببعد الغسل في الموثقة إنّما هو من جهة كون الحكم الوارد فيها خاصّاً به ، فانّ الحكم إنّما ترتب على عدم الإعادة‌

__________________

(١) راجع محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.

٧٤

والإعادة هي الوجود الثاني للشي‌ء ، فلا مناص من أن يتحقق الغسل أوّلاً ثمّ يحكم بوجوب إعادته أو عدمه إذا خرجت نجاسة حينئذ ، إذ لا مورد لهذا الحكم قبل تحقق الغسل ، وليس التقييد من جهة وجوب الإعادة فيما لو خرجت في الأثناء ، نعم الإعادة في باب الصلاة تستعمل كثيراً في الوجود الأوّل أيضاً ، فترى أنّه ورد : إذا تكلّم في صلاته أعادها (١) أو : لو أحدث في صلاته أعادها (٢) إلاّ أنّه في الحقيقة من الاستعمال في الوجود الثاني ، وذلك لما ذكرناه في بحث الصحيح والأعم (٣) من أنّ الصلاة اسم للتكبيرة والطهور والركوع والسجود ، فقد تكون الركعة الواحدة مصداقاً للصلاة ، فلو صلّى بعد الإتيان بالركعة الواحدة كانت إعادة للصلاة ووجوداً ثانياً لها لا محالة.

وعلى الجملة : قد تستعمل الإعادة في الوجود الأوّل إلاّ أن معناها هو الوجود الثاني للشي‌ء ، وحيث إنّ الحكم مترتب على عدمها في الموثقة ، ولا معنى لها قبل الوجود فقد قيّد فيها بـ « بعد الغسل » إذ لا إعادة قبله ، لا أنّ النجاسة لو وقعت في أثنائه وجبت فيه الإعادة ، وعليه فلا دليل على وجوب الإعادة فيما لو خرجت في الأثناء ، ومقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الغسل ثانياً ، كما أن مقتضى الإطلاقات أنّ الواجب هو الأغسال الثلاثة ، خرجت نجاسة في أثنائها أو بين الأوّل والثاني أو الثالث والثاني أم لم تخرج ، هذا.

وقد يستدل على وجوب الإعادة فيما لو خرجت النجاسة في الأثناء بالأخبار المستفيضة الدالّة على أن غسل الميِّت كغسل الجنابة أو أنّه غسل الجنابة (٤) فكما أن خروج النجاسة الحدثية في أثناء الغسل أي غسل الجنابة موجب للإعادة كذلك في غسل الميِّت.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٣٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١.

(٣) راجع محاضرات في أُصول الفقه ١ : ١٦٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٨٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٣.

٧٥

خصوصاً إذا كان في أثناء الغسل بالقراح (١) نعم ، يجب إزالة تلك النجاسة عن جسده ولو كان بعد وضعه في القبر (٢) إذا أمكن بلا مشقّة ولا هتك.

______________________________________________________

وفيه : أنّ الظاهر المستفاد من تلكم الأخبار أن كيفية غسل الميِّت مثل كيفية غسل الجنابة ، لا أنّ الأحكام المترتبة على غسل الجنابة مترتبة على غسل الميِّت أيضاً ، فإنّ المكث في المساجد لا يجوز قبل غسل الجنابة للجنب وليس الأمر كذلك في الميِّت ، إذ يجوز أن يوضع في المساجد قبل التغسيل ، ولا يحتمل المنع عنه بدعوى أنّه جنب أو أنّه لم يغسل وهو كالجنب قبل الغسل. وفي غسل الجنابة إذا كان الخارج في الأثناء هو المني فلا إشكال في وجوب الإعادة ، ولو كان الخارج هو البول أو الغائط أو النوم فوجوب الإعادة حينئذ وإن كان مورد الكلام إلاّ أنّا قوينا وجوبها حينئذ. ولكن في غسل الميِّت لا تجب الإعادة خرجت النجاسة بعده أو في أثنائه.

(١) لاحتمال أن يكون الغسلان الأوّلان كالمعدّ والمقدّمة ويكون الغسل المطهّر هو الأخير.

خروج النجاسة بعد الوضع في القبر‌

(٢) وذلك لإطلاق موثقة روح بن عبد الرحيم المتقدِّمة (١) والروايتين المتقدِّمتين (٢) عن طريق الشيخ الواردتين في الكفن ، ولا وجه لتقييد وجوب الإزالة بما إذا كان قبل وضعه في القبر. نعم ، هذا فيما إذا وضع في قبره ولم يقبر أي لم يجعل عليه التراب فان مقتضى إطلاق الروايات التخيير فيه بين الغسل والقرض إذا كان المتنجس هو الكفن.

وأمّا ما عن بعضهم من اعتبار القرض إذا كان في القبر والغسل إذا لم يوضع فيه فلا وجه له ، لأنّه جمع تبرعي لا شاهد له.

__________________

(١) في ص ٦٩.

(٢) في ص ٧١.

٧٦

[٨٩٦] مسألة ٩ : اللوح أو السرير الّذي يغسل الميِّت عليه لا يجب غسله بعد كل غسل من الأغسال الثلاثة (١) نعم ، الأحوط غسله لميت آخر ، وإن كان الأقوى طهارته بالتبع ، وكذا الحال في الخرقة الموضوعة عليه فإنّها أيضاً تطهر بالتبع ، والأحوط غسلها.

______________________________________________________

وأمّا إذا جعل عليه التراب وقبر ثمّ علم بخروج ما ينجس بدنه أو كفنه لم يجب تطهيره لحرمة النبش ، بل التنجس بعد ما قبر الميِّت أمر غالبي ، لأنّه بعد تلاشي بعض أعضائه يخرج منه الدم وغيره فينجس به جسده أو كفنه لا محالة.

طهارة الآلات بالتبع‌

(١) بل لا فائدة في غسل السرير أو اللوح بعد الغسلة الأُولى والثانية ، فانّ طهارة المواضع الأُخرى أو نجاستها ليست لها مدخلية في صحّة التغسيل وبطلانه ، وأمّا الموضع الّذي يوضع عليه الميِّت فهو يتنجس بمجرد وضعه فيه ، فالتطهير بعد كل غسلة من الغسلتين لغو لا أثر له ، فلا ثمرة في البحث عن كون السرير يطهر بالتبع أو لا يطهر.

نعم ، بعد الغسلة الثالثة تظهر الثمرة للحكم بطهارة السرير بالتبعية وعدمه ، لأنّه لو كان محكوماً بالطهارة جاز أن يعامل معه معاملة الأشياء الطاهرة وإلاّ فلا بدّ من تطهيره.

والصحيح طهارة السرير وغيره ممّا يستعمل في تطهير الميِّت وتغسيله بالتبع ، وذلك لسكوت الأخبار الواردة في وجوب تغسيل الميِّت عن التعرّض لوجوب تطهير السرير أو غيره ممّا لا بدّ منه في التغسيل ، وهذا يدلّنا على حصول الطهارة له بالتبع كما تقدمت الإشارة إليه في بحث المطهرات (١).

__________________

(١) شرح العروة ٤ : ٢١٣.

٧٧

فصل

في آداب غسل الميِّت

وهي أُمور :

الأوّل : أن يجعل على مكانٍ عالٍ من سرير أو دكّة أو غيرها ، والأولى وضعه على ساجة وهي : السرير المتخذ من شجر مخصوص في الهند ، وبعده مطلق السرير وبعده المكان العالي مثل الدكّة ، وينبغي أن يكون مكان رأسه أعلى من مكان رجليه.

الثاني : أن يوضع مستقبل القبلة كحالة الاحتضار بل هو أحوط.

الثالث : أن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه ، بشرط الاذن من الوارث البالغ الرشيد ، والأولى أن يجعل هذا ساتراً لعورته.

الرابع : أن يكون تحت الظلال من سقف أو خيمة والأولى الأوّل.

الخامس : أن يحفر حفيرة لغسالته.

السادس : أن يكون عارياً مستور العورة.

السابع : ستر عورته وإن كان الغاسل والحاضرون ممّن يجوز لهم النظر إليها.

الثامن : تليين أصابعه برفق ، بل وكذا جميع مفاصله إن لم يتعسر وإلاّ تركت بحالها.

التاسع : غسل يديه قبل التغسيل إلى نصف الذراع في كل غسل ثلاث مرّات والأولى أن يكون في الأوّل بماء السدر ، وفي الثاني بماء الكافور ، وفي الثالث بالقراح.

العاشر : غسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي مع المحافظة على عدم دخوله في اذنه أو أنفه.

٧٨

الحادي عشر : غسل فرجيه بالسدر أو الأشنان ثلاث مرّات قبل التغسيل. والأولى أن يلف الغاسل على يده اليسرى خرقة ويغسل فرجه.

الثاني عشر : مسح بطنه برفق في الغسلين الأوّلين إلاّ إذا كانت امرأة حاملاً مات ولدها في بطنها.

الثالث عشر : أن يبدأ في كل من الأغسال الثلاثة بالطرف الأيمن من رأسه.

الرابع عشر : أن يقف الغاسل إلى جانبه الأيمن.

الخامس عشر : غسل الغاسل يديه إلى المرفقين بل إلى المنكبين ثلاث مرّات في كل من الأغسال الثلاثة.

السادس عشر : أن يمسح بدنه عند التغسيل بيده لزيادة الاستظهار إلاّ أن يخاف سقوط شي‌ء من أجزاء بدنه فيكتفي بصبّ الماء عليه.

السابع عشر : أن يكون ماء غسله ست قرب.

الثامن عشر : تنشيفه بعد الفراغ بثوب نظيف أو نحوه.

التاسع عشر : أن يوضأ قبل كل من الغسلين الأوّلين وضوء الصلاة مضافاً إلى غسل يديه إلى نصف الذراع.

العشرون : أن يغسل كل عضو من الأعضاء الثلاثة في كل غسل من الأغسال الثلاثة ثلاث مرّات.

الحادي والعشرون : إن كان الغاسل يباشر تكفينه فليغسل رجليه إلى الركبتين.

الثاني والعشرون : أن يكون الغاسل مشغولاً بذكر الله والاستغفار عند التغسيل ، والأولى أن يقول مكرراً : « رب عفوك عفوك » أو يقول : « اللهمّ هذا بدن عبدك المؤمن وقد أخرجت روحه من بدنه وفرقت بينهما فعفوك عفوك » خصوصاً وقت تقليبه.

الثالث والعشرون : أن لا يظهر عيباً في بدنه إذا رآه.

٧٩

فصل

في مكروهات الغسل

الأوّل : إقعاده حال الغسل.

الثاني : جعل الغاسل إيّاه بين رجليه.

الثالث : حلق رأسه أو عانته.

الرابع : نتف شعر إبطيه.

الخامس : قص شاربه.

السادس : قص أظفاره ، بل الأحوط تركه وترك الثلاثة قبله.

السابع : ترجيل شعره.

الثامن : تخليل ظفره.

التاسع : غسله بالماء الحار بالنار أو مطلقاً إلاّ مع الاضطرار.

العاشر : التخطي عليه حين التغسيل.

الحادي عشر : إرسال غسالته إلى بيت الخلاء بل إلى البالوعة ، بل يستحب أن يحفر لها بالخصوص حفيرة كما مرّ.

الثاني عشر : مسح بطنه إذا كانت حاملاً.

[٨٩٧] مسألة ١ : إذا سقط من بدن الميِّت شي‌ء من جلد أو شعر أو ظفر أو سن يجعل معه في كفنه (*) ويدفن ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب حفظ السن الساقط ليدفن معه كالخبر الّذي ورد : إن سناً من أسنان الباقر عليه‌السلام سقط فأخذه وقال : الحمد لله ، ثمّ أعطاه للصادق عليه‌السلام وقال :

__________________

(*) على الأحوط.

٨٠