موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٨٨٢] مسألة ٧ : إذا لم يكن عنده من الماء إلاّ بمقدار غسل واحد فان لم يكن عنده الخليطان أو كان كلاهما أو السدر فقط صرف ذلك (*) الماء في الغسل الأوّل. ويأتي بالتيمم بدلاً عن كل من الآخرين على الترتيب ، ويحتمل التخيير في الصورتين الأُوليين في صرفه في كل من الثلاثة في الأُولى ، وفي كل من الاولى والثاني في الثانية. وإن كان عنده الكافور فقط فيحتمل أن يكون الحكم كذلك ويحتمل أن يجب صرف ذلك الماء (**) في الغسل الثاني مع الكافور ، ويأتي بالتيمم‌

______________________________________________________

له وجود ودوام ، ومن هنا بنينا على أنّ الطهارة هي نفس تلكم الأفعال وفاقاً لتعبير الأصحاب : الطهارات الثلاثة ، ويعنون بها الوضوء والغسل والتيمم.

فعليه الطهارة متعدِّدة في المقام ، فانّ الواجب قد يكون طهارة واحدة كما في الوضوء ، وقد يكون طهارتين كالغسل والوضوء كما في الاستحاضة المتوسطة وغير الجنابة من الأغسال على غير مسلكنا ، وقد يكون طهارات ثلاثاً كما في المقام ، فانّ الواجب ثلاثة أغسال للميت أي ثلاث طهارات ومع التعذّر يجب التيمم ثلاث مرّات.

نعم ، الأحوط خروجاً عن الخلاف أن ينوي في التيمم الثالث البدلية من المجموع أو عن الغسل بالقراح أي على ما هو الواجب واقعاً لأنّه بذلك يجزم بالامتثال ، إذ الواجب إن كان هو التيمم الواحد بدلاً عن الجميع فقد أتى به ، وإن كان هو التيممات المتعدِّدة فقد أتى بها على الفرض ، ومن ثمة ذكر الماتن : « وإن نوى في التيمم الثالث ما في الذمّة من بدلية الجميع أو خصوص الماء القراح كفى في الاحتياط » وظاهره أن طريق الاحتياط منحصر بذلك ، إلاّ أنّه لا ينحصر به ، لأنّه لو نوى البدلية عن الجميع أو عن أحد الأغسال في غير التيمم الثالث ، أيضاً يتحقق الاحتياط ، كما لو‌

__________________

(*) هذا في الصورتين الأخيرتين ، ولا يبعد وجوب صرفه في الصورة الاولى في الغسل الأخير ويتيمم للأوّلين ، والأحوط أن يقصد به ما في الذمّة مع تقديم تيممين عليه وتأخير تيممين عنه.

(**) هذا الاحتمال هو الأظهر.

٤١

بدل الأوّل والثالث ، فييممه أوّلاً ثمّ يغسله بماء الكافور ثمّ ييممه بدل القراح (١).

______________________________________________________

نوى ذلك في التيمم الثاني أو الأوّل مع فرض الإتيان بالباقي بعد ذلك.

صور المسألة‌

(١) ذكر للمسألة صوراً أربعة :

الأُولى : ما إذا تعذّر الخليطان.

الثانية : ما إذا أمكن السدر دون الكافور.

الثالثة : عكس الصورة الثانية.

الرابعة : ما إذا أمكن الخليطان.

أمّا الصورة الأُولى

فقد ذكر قدس‌سره أنّ المتعيّن صرف الماء بدلاً عن الغسل بالسدر ، ثمّ يأتي بالتيمم بدلاً عن الغسل بالكافور والقراح ، وبعده احتمل التخيير بين صرفه في الغسل الأوّل وصرفه في الغسل الثاني أو الثالث ، وقد التزم جمع من الأصحاب بهذا التخيير.

وعن الشهيد (١) والمحقق (٢) الثانيين قدس‌سرهما تعين صرفه في الغسل الأوّل ، وذلك نظراً إلى الترتيب المعتبر بين الأغسال ولزوم الإتيان بالثاني بعد الأوّل والثالث بعد الثاني ، وإذا صرفه في الأوّل ينطبق عليه فاقد الماء فيجوز له التيمم بدلاً عن الثاني والثالث.

والصحيح لا هذا ولا ذاك لا التخيير ولا تعين الأوّل بل اللاّزم هو الصرف في الغسل الأخير أعني الغسل بالماء القراح وذلك لأنّا إن قلنا بأنّ الأغسال الثلاثة بمنزلة الغسل الواحد وله أثر واحد وهو الطهارة ، والغسل الأوّل جزء والثاني جزء‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٥ / أحكام الأموات.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٣٧٣ ، رسائل المحقق ١ : ٩٣.

٤٢

آخر والثالث جزء ثالث ، غاية الأمر يتميّز هذا الغسل عن باقي الأغسال بأنّه يعتبر فيه غسل الرأس ثلاث مرّات بالسدر والكافور والقراح ، وكذا الجانب الأيمن يعتبر غسله ثلاثاً ، وكذا الجانب الأيسر يعتبر فيه الغسل ثلاثاً على الترتيب المذكور في محلِّه ، وقد قوّاه صاحب الجواهر (١) وشيخنا الأنصاري (٢) والمحقق الهمداني (٣) وغيرهم فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل أصلاً والانتقال إلى التيمم لتعذّر جزء أو جزأين من المأمور به فيسقط. ولا يلتزمون بجريان قاعدة الميسور في أجزاء الغسل الواحد كما إذا فرضنا أنّ الجنب لا يتمكّن إلاّ من غسل ثلثي بدنه ، فإنّه لم يتوهّم أحد وجوبه وكفايته عن التيمم.

وكذا الحال فيما نحن فيه ، كما إذا لم يف ماء السدر إلاّ بنصف الميِّت أو ثلثيه لا يلتزمون بوجوب هذا الميسور وإغنائه عن التيمم ، إذن لا يجب الغسل في المقام أصلاً حتّى نتكلّم في أنّه يجب صرف الماء في الأوّل أو يتخيّر حينئذ ، فلا موضوع لهذا البحث أصلاً.

ثمّ لو تنازلنا عن ذلك وقلنا بجريان القاعدة ووجوب الغسل حينئذ لأنّه ميسور من المعسور فرضاً ، فلما ذا يجب التيمم معه ، فانّ الغسل الواحد قد تحقق الميسور منه ولا معنى لوجوب التيمم بدلاً عن الجزء المعسور ، لأنّ التيمم بدل عن الغسل والطهور ولا بدلية له عن جزء الغسل أو الوضوء ، فالجمع بين الغسل والتيمم غير صحيح ، بل اللاّزم على هذا القول سقوط الغسل والانتقال إلى التيمم.

وأمّا إن قلنا بتعدد الواجب وأن كل غسل من الثلاثة غسل مأمور به مستقلا ويترتب عليه الطهارة مستقلا ، نعم الطهارة المطلقة للميت تتوقف على إكمال الثلاث كما هو الصحيح ، فهو مورد للأقوال من التخيير أو تعين الأوّل أو الأخير ، لأنّه إذا تعذّر شرط لا يستتبع هذا سقوط شرط آخر عن الوجوب ، كما إذا لم يتمكّن من‌

__________________

(١) الجواهر ٤ : ١٢٠ / لزوم النيّة في غسل الميِّت.

(٢) كتاب الطّهارة : ٢٩٤ السطر ٢٢.

(٣) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٨٥ السطر ١٤.

٤٣

التستّر في الصلاة فإنّه لا يسقط به شرطية الاستقبال وبالعكس ، فالتكلّم في المسألة يبتني على تعدّد المأمور به.

إذا عرفت هذا فنقول : الصحيح تعين الصرف في الغسل الأخير ، لأنّ المدرك في وجوب الغسل بالقراح عند تعذّر الغسل بالسدر أو الكافور منحصر بقاعدة الميسور كما مرّ وهي غير تامّة في نفسها ، ولا تنطبق على المقام ، لأنّ الغسل بالقراح مغاير للغسل بالسدر ، لا أنّه ميسور من المعسور ، نظير ما إذا وجب إكرام العالم فتعذّر وأكرم الرجل الجاهل بدعوى أنّه ميسور من المعسور ، لأنّه يعد مغايراً للمعسور لا ميسوراً منه. إذن لا بدّ عند تعذّر الغسل بالسدر أو الكافور من الانتقال إلى التيمم بدلاً عنهما.

وأمّا الغسل الثالث فبما أنّه ممكن للمكلّف فيجب الإتيان به بنفسه ، هذا.

ثمّ لو تنازلنا عن ذلك وبنينا على تمامية القاعدة وانطباقها على المقام فالأمر كما ذكرنا أيضاً ، وذلك لعدم دلالة الدليل على جواز تفويت الواجب إبقاءً لميسور الواجب المتعذّر ، فلا مسوغ لترك الغسل بالقراح إبقاءً للميسور من الغسل بالسدر المتعذّر على الفرض. بل مقتضى قاعدة الميسور خلافه ، لأنّها تقتضي الإتيان بالواجب الميسور وهو الغسل بالقراح وعدم سقوطه بتعذّر الواجبين الأوّلين.

نعم ، الأحوط أن يأتي بتيممين بعد الغسل بالقراح خروجاً عن شبهة الخلاف وتحصيلاً للجزم بالامتثال ، لأنّ الواجب لو كان ما ذكرناه من صرف الماء في الأخير فقد أتى به ، كما أنّه لو كان الواجب صرفه في الأوّل والتيمم للأخيرين فقد أتى به أيضاً.

وأمّا الصورة الثانية

وهي ما إذا أمكن السدر وتعذّر الكافور ، فلا يجوز حينئذ صرف الماء في الغسل الثاني أي في الغسل بالكافور لقاعدة الميسور ، وذلك لعين ما تقدم من عدم تمامية القاعدة في نفسها وعدم انطباقها في المقام ، بل وعدم جواز تفويت الواجب إبقاءً‌

٤٤

للميسور من المعسور ولو بناءً على تمامية القاعدة ، فالمتعيّن صرفه إمّا في الغسل بالسدر الممكن وإمّا في الغسل بالقراح.

ولكن الصحيح صرفه في خصوص الغسل بالسدر ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في المقام لاشتمالها على كلمة « ثمّ » دلّتنا على اعتبار الترتيب في الأغسال ، فيعتبر في صحّة الغسل بالكافور أو القراح أن يتأخّرا عن الغسل بالسدر بحيث لو أتى بهما قبله عصياناً أو نسياناً وقعا باطلين ، وإن كان الغسل بالسدر صحيحاً ، نظير اعتبار الترتيب في العصر بالإضافة إلى الظهر ، وحيث إنّ السدر موجود فيجب صرف الماء فيه بمقتضى الأخبار ، وبعده يكون المكلّف فاقداً للماء فيجوز له التيمم بدلاً عن الكافور والقراح.

وبعبارة اخرى : المسوغ للتيمم أحد أمرين : إمّا الفقدان الحقيقي الوجداني ، أو الفقدان التعبّدي كما إذا كان متمكّناً من الماء عقلاً إلاّ أنّ الشارع منعه عن التصرف فيه لأنه مغصوب أو موجب لهلاكته ، فانّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً ، وليس شي‌ء منهما متحققاً بالإضافة إلى الغسل بالسدر ، أمّا الوجدان فظاهر ، لأنّه متمكّن منه على الفرض لوجود الماء والسدر ، وأمّا التعبّد فلعدم دلالة الدليل على وجوب صرف الماء في الثالث ، إذ المشهور إنّما يقول بالتخيير لا بتعين صرفه في الأخير حتّى يحرم استعماله في الأوّل ، فهو متمكّن منه تعبّداً ووجداناً فلا يسوغ له التيمم بدلاً عن الغسل بماء السدر ، بل لا بدّ من أن يأتي به بنفسه ، وبعده يصدق عليه أنّه فاقد الماء حقيقة فيجوز له التيمم بدلاً عن الغسل بالكافور والقراح.

وهذا نظير المستحاضة القليلة الّتي يجب أن تتوضأ لكل صلاة ، فإنّها إذا لم تتمكّن من الوضوء إلاّ لإحدى الصلاتين كالظهر والعصر لم يجز لها التيمم لصلاة الظهر وإبقاء الماء لصلاة العصر ، لما تقدم من أنّ المسوّغ للتيمم إمّا هو الفقدان الحقيقي أو التعبّدي وليس في المقام شي‌ء منهما ، فيتعيّن صرفه في الوضوء للظهر وبعد ذلك يجوز لها أن تتيمم للعصر ، لأنّها فاقدة للماء حقيقة.

٤٥

وأمّا الصورة الثالثة

وهي ما إذا أمكن الكافور دون السدر فهل يتخيّر بين صرف الماء في الغسل بالكافور وصرفه في الغسل بالقراح ، بعد سقوط الغسل بالسدر للتعذّر ووصول النوبة فيه إلى التيمم؟

فقد ظهر ممّا قدّمناه في الصورتين المتقدمتين تعين صرف الماء في الغسل بالكافور مع التيمم قبله بدلاً عن الغسل بالسدر وبعده بدلاً عن الغسل بالقراح ، وذلك لما تقدّم من عدم جريان قاعدة الميسور في نفسها ، وعدم انطباقها في المقام لو جرت لمغايرة الغسل بالماء مع الغسل بالسدر وعدم كونه ميسوراً منه ، فينتقل الأمر في الغسل بالسدر إلى التيمم لتعذّره ، وبما أنّ الغسل بالكافور متمكّن منه في حقّه لوجود الماء مع الكافور فيجب صرفه فيه ، إذ لا مسوغ للتيمم بدلاً عنه ، فانّ المسوغ إمّا هو الفقدان الحقيقي وهو ظاهر الانتفاء ، وإمّا هو الفقدان التعبّدي فلعدم الدليل على وجوب صرفه في الغسل بالقراح ، لأنّ المخالف يدّعي التخيير لا التعيين فيجوز معه صرف الماء في الغسل بالكافور ، وغسل الميِّت إذا جاز وجب ، وبعده يكون المكلّف فاقداً للماء حقيقة فيسوغ له التيمم بدلاً عن القراح.

وأمّا الصورة الرابعة

وهي ما إذا أمكن كلا الخليطين ، فالمحتمل فيها ابتداءً هو التخيير بين الأغسال الثلاثة للتمكّن من أحدها وإن لم يتعرّض الماتن له وإنّما تعرّض للتخيير بين الغسلين إلاّ أنّ الصحيح وجوب صرفه في الغسل بالسدر ، لأنّه متمكّن منه وجداناً وهو واضح ، وتعبّداً لعدم احتمال تعين الثاني والثالث فيجوز صرفه في الأوّل ، وقد عرفت أنّ غسل الميِّت إذا جاز وجب ، وبعده ينتقل إلى التيمم في الغسل بالكافور والقراح ، لعدم التمكّن منهما عقلا.

٤٦

[٨٨٣] مسألة ٨ : إذا كان الميِّت مجروحاً أو محروقاً أو مجدوراً أو نحو ذلك ممّا يخاف معه تناثر جلده ييمم كما في صورة فقد الماء ثلاثة تيممات (١).

______________________________________________________

وما ذكرناه في هذه الصورة يبتني على تعدّد الواجب في غسل الميِّت ، وأمّا إذا قلنا بأنّ الواجب هو أمر واحد فقد عرفت أن مقتضى القاعدة حينئذ هو سقوط الغسل ، وقاعدة الميسور لا تجري في أجزاء الغسل الواحد لما مرّ.

وما ذكرناه في الصور المتقدمة بناءً على تعدّد الواجب المأمور به فهو يبتني على أمرين:

أحدهما : عدم جريان قاعدة الميسور في المقام ، إمّا لعدم تماميتها في نفسها أو لعدم انطباقها عليه ، لعدم كون الغسل بالقراح ميسوراً من المأمور به المعسور ، أو لأنّ تفويت الواجب لإدراك الميسور من الواجب الآخر غير جائز ولا تشمله القاعدة.

وثانيهما : أن أمر الماء إذا دار صرفه بين أمرين مترتبين لا يجوز صرفه في الأخير مع التمكّن من الصرف في الأوّل ، بلا فرق في ذلك بين المقام وغيره كما في المستحاضة.

ولا يقاس هذا بما إذا دار الأمر بين الإتيان بجزء من الواجب أو جزء آخر ، فإنّه يجب الإتيان بالأخير دون الأوّل عند بعضهم إذا كان أهم ، أو لا يجب شي‌ء منهما للتعارض عندنا.

هذا كلّه فيما إذا أمكن واحد من الأغسال الثلاثة ، ومنه يظهر الحال فيما إذا أمكن اثنان منها وتعذّر واحد : إمّا الأوّل والثاني أو الثاني والثالث أو الأوّل مع الثالث ، فإنّه يأتي بالمتمكّن منه وينتقل في المتعذّر إلى التيمم على النحو المتقدم في المسألة.

إذا كان الميِّت مجروحاً أو نحوه‌

(١) ظهر الحال في هذه المسألة ممّا ذكرناه في المسألة السادسة ، وهي ما إذا تعذّر الماء عقلا ، وذلك لأن المتعذّر شرعاً كالمتعذّر عقلا فينتقل الأمر معه إلى التيمم مرّة واحدة أو متعدداً على الخلاف المتقدم ، لعموم أدلّة البدلية بدلية التراب عن الماء.

٤٧

[٨٨٤] مسألة ٩ : إذا كان الميِّت محرماً لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني (١) إلاّ أن يكون موته بعد طواف الحج (*) أو العمرة (٢)

______________________________________________________

كما تقدّم في تلك المسألة بيان الأدلّة الّتي استدلّ بها على وجوب التيمم حينئذ ومنها رواية زيد بن علي عليهما‌السلام فليراجع.

إذا كان الميِّت محرما‌

(١) المسألة متسالم عليها بينهم ولم ينقل فيها خلاف من أحد ، وتدل عليه جملة متضافرة من النصوص فيها الصحاح والموثقة وغيرهما (٢) وهذا تخصيص في أدلّة وجوب تغسيل الميِّت ثلاثاً أحدها الكافور ، بلا فرق في ذلك بين الإحرام في الحج للتمتّع أو القرآن أو المفرد ، ولا بين العمرة المفردة أو عمرة التمتع. وهذا ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الكلام في الاستثناء من الاستثناء وهو ما يأتي في المسألة الآتية.

الاستثناء من الاستثناء‌

(٢) ذكره جمع كثير ، والكلام في مدركه ، لأن مقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق في المحرم بين أن يموت قبل الطواف أو بعده ، ولم يرد في خصوص المحرم الميِّت بعد الطواف رواية تدل على وجوب تغسيله بالكافور ، ومن ثمة استشكل في ذلك صاحب الحدائق قدس‌سره حيث قال : والمسألة محل توقف ، وإن مال إلى الجواز بقوله : وإن كان ما اختاره في النهاية لا يخلو عن قرب (٣).

والّذي ينبغي أن يقال : إنّ المتفاهم عرفاً من الأخبار الواردة في المقام أنّ تحريم‌

__________________

(*) بل بعد السعي في الحجّ وأمّا العمرة فلا استثناء فيها أصلاً.

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣.

(٢) الحدائق ٣ : ٤٣٢.

٤٨

تغسيل المحرم الميِّت بالكافور إنّما هو من جهة إحرامه قبل الموت ، وإلاّ فالموت لا خصوصية له في التحريم قطعاً ، فالشارع قد أجرى عليه أحكام الإحرام بعد الموت كما كانت تجري عليه قبل الموت.

وهذا هو الّذي تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، لأنّه لو كانت المناسبة بينهما قرينة عرفية في مورد فالمقام أولى بذلك ، لأنّ المناسبة فيه من أظهر أنحاء المناسبات لأنّ المحرم يحرم عليه استعمال الطيب حياً فكذلك بعد الموت بمقتضى الروايات.

ويؤكّده النبوي الدال على أنّ المحرم الميِّت لا يغسل بالكافور لأنّه يحشر يوم القيامة ملبياً (١).

وعليه فالاستثناء من الاستثناء في محلِّه ، لاختصاص الحكم حينئذ بالمحرم الميِّت الّذي كان يحرم عليه استعمال الطيب ، وأمّا إذا مات بعد الخروج من إحرامه فلا مانع من تغسيله بالكافور ، للمطلقات الدالّة على وجوب تغسيل الميِّت به ، فهذا المقدار ممّا لا ينبغي الشبهة فيه ، وإنّما الكلام فيما يخرج به عن الإحرام.

أمّا في الحج : فقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّه لا بأس بتغسيله بالكافور لو مات بعد الطواف.

ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور ، من أنّ الخروج عن الإحرام في الحج إنّما هو بالسعي بين الصفا والمروة الّذي أُطلق عليه الطواف في بعض الأخبار ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة فيما يتحلل به عن إحرام الحج مختلفة ، فقد دلّت بعضها على أنّه يخرج عنه بطواف النِّساء (٢) وآخر على أنّه يخرج عنه بالطواف (٣) ، وثالث دلّ على أنّه يخرج عنه بالسعي (٤) ، والطائفة الاولى تحمل على الطواف ، للأخبار الدالّة على أنّ‌

__________________

(١) المستدرك ٢ : ١٧٧ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣ ح ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ١ ، ٢ ، وفي ص ٢٤٩ / أبواب زيارة البيت ب ٤ وغيره.

(٣) ٤ ) راجع الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ح ١ ، ٢ ، ٢٤٩ / أبواب زيارة البيت ب ٤.

٤٩

وكذلك لا يحنط بالكافور (١) بل لا يقرب إليه طيب آخر.

[٨٨٥] مسألة ١٠ : إذا ارتفع العذر عن الغسل أو عن خلط الخليطين أو أحدهما بعد التيمم أو بعد الغسل بالقراح قبل الدفن تجب الإعادة (٢).

______________________________________________________

التحلّل بالطواف ، والثانية تحمل على السعي ، لما دلّ على أنّ التحلل بالسعي ولو بإرادة طبيعي الطواف منه الصادق على السعي ، لأنّه طواف أيضاً بهذا المعنى ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، والمظنون بل المطمأن به أنّ الماتن لا يرى التحليل بالطواف وإنّما ذهب إليه بعض.

وهل صلاة الطواف داخلة أم لا؟ فيه كلام. وعليه فالصحيح أن يقال : إلاّ أن يكون موته بعد سعي الحج ، والظاهر أنّه اشتباه أو غفلة من الماتن أو المحشين.

وأمّا في العمرة ففيها اشتباه ثانٍ ، وذلك لأنّ التحليل عن إحرامها يحصل بالتقصير تارة وبالحلق أُخرى في العمرة المفردة ، وبالتقصير فقط في عمرة التمتع ولا يحصل الإحلال فيها بالطواف فراجع.

(١) لقوله عليه‌السلام في جملة من الروايات « لا يمسّ الطيب » أو « ولا يقربه طيب » (١) بل صرّح بعدم جواز التحنيط بالطيب في جملة من الأخبار (٢) فراجع.

إذا ارتفع العذر قبل الدفن‌

(٢) لأنّ المدرك في وجوب تيمم الميِّت حينئذ إمّا رواية زيد الدالّة على أنّ المجدور إذا مات ييمم (٣) ، ولا يتحقق في موردها ارتفاع العذر بعد التيمم ، وإمّا المطلقات الدالّة على بدلية التيمم أو التراب عن الماء كما هو الصحيح وهي إنّما تدل على‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣.

(٢) نفس المصدر.

(٣) الوسائل ٢ : ٥١٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٦ ح ٣.

٥٠

وكذا بعد الدفن إذا اتّفق خروجه بعده على الأحوط (*) (١)

______________________________________________________

البدلية في صورة فقدان الماء ، ومن الظاهر أنّ المراد به ليس هو الفقدان آناً ما أو ساعة أو ساعتين ، بل المراد به الفقدان في جميع أزمنة الواجب ووقته ، فإذا يمم الميِّت ثمّ وجد الماء أو الخليطان أو أحدهما قبل أن يدفن كشف عن عدم كون التيمم مأموراً به واقعاً ، لعدم تحقق شرطه وإن كان اعتقد فقدانه أو اعتمد على الاستصحاب أو البيّنة ونحوها ، إلاّ أنّ الأمر الخيالي أو الظاهري لا يجزي عن المأمور به الواقعي بوجه فتجب الإعادة في مفروض الكلام.

ارتفاع العذر بعد الدفن‌

(١) إذا اتّفق خروج الميِّت بزلزلة أو نحوها ، والكلام في هذه المسألة يقع في صورتين :

إحداهما : ما إذا ارتفع العذر في زمان لا يجوز تأخير الدفن إليه ، كما إذا وجد الماء بعد الدفن بعشرة أيّام ، لعدم جواز التأخير في الدفن إلى عشرة أيّام.

ثانيتهما : ما إذا ارتفع العذر في وقت يجوز التأخير في الدفن إليه.

أمّا الصورة الاولى : فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الإعادة ، لأن عدم ارتفاع العذر إلى وقتٍ لا يجوز تأخير الدفن إليه يكشف عن أنّ الأمر بالتيمم كان أمراً واقعياً ، لتحقق شرطه وهو فقدان الماء مثلاً إلى زمان [ لا ] يجوز التأخير إليه وقد امتثله المكلّف على الفرض فلا موجب للإعادة ، فإن ظرف التغسيل الواجب أو بدله إنّما هو قبل الدفن الأوّل ، لما دلّ على أنّ الميِّت يغسل ويكفن ويصلّى عليه ويدفن والمفروض عدم التمكّن من التغسيل في ذلك الوقت ، وأمّا الدفن الثاني فهو إنّما يجب بأمر آخر غير الأمر الأوّل ، ولم يقم دليل على وجوب التغسيل قبل الدفن الثاني أيضاً ، ومع الشك فالمرجع هو البراءة لا المطلقات ، لأنّها إنّما تدل على وجوب‌

__________________

(*) بل على الأقوى ، كما أنّ الأظهر وجوب النبش إذا لم يستلزم الهتك.

٥١

التغسيل قبل الدفن الأوّل لا الثاني كما مرّ.

وقد يستدل على عدم وجوب الإعادة حينئذ بوجوب الفورية في الدفن الثاني لأنّه على القول بها ينافي التغسيل.

وفيه : أنّ الفورية على القول بها لم تثبت بدليل لفظي يمكن التمسُّك بإطلاقه وإنّما ثبتت بالإجماع وهو دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو غير صورة وجوب التغسيل قبل الدفن.

على أن معنى الفورية عدم جواز المسامحة في الإتيان بالمأمور به ، وأمّا عدم جواز الإتيان بما يجب الإتيان به فلا ، لعدم كونه منافياً للفورية في الامتثال ، فالصحيح في الاستدلال على عدم وجوب الإعادة ما ذكرناه.

وأمّا الصورة الثانية : فالصحيح فيها وجوب الإعادة ، لأن وجدان الماء وارتفاع العذر في زمان جاز التأخير إليه في الدفن يكشف عن كون التيمم غير مأمور به بالأمر الواقعي لعدم تحقق شرطه ، واعتقاد الفقدان أو قيام البيّنة عليه أو الاعتماد فيه على الأصل لا يوجب الإجزاء ، لأنّ الأمر التخيلي أو الظاهري لا يقتضي الإجزاء كما مرّ.

بل لو تمكّن المكلّف في مفروض الكلام من التغسيل المأمور به قبل خروجه عن قبره لا يبعد القول بجواز النبش لإعادة التغسيل ، وذلك لكشف ذلك عن عدم كون التيمم مأموراً به بالأمر الواقعي ، فالدفن قد وقع قبل التغسيل المأمور به فينبش القبر ويعاد على الميِّت غسله.

ودعوى أنّ النبش محرم ، والتمكّن بعد الدفن يكشف عن كون التيمم مأموراً به واقعاً ، لعدم التمكّن من الماء إلى وقت الدفن وعدم جواز إخراجه من قبره.

مندفعة بأنّ النبش لم يقم دليل على حرمته سوى الإجماع المستند إلى حرمة هتك المؤمن ، لأن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً. والأدلّة اللبية يقتصر فيها على المورد المتيقن ، وهو ما إذا كان الدفن بعد الغسل المأمور به ، لا ما إذا وقع قبله فلا مانع من نبش القبر محافظاً على احترام المؤمن وتغسيله.

بل قد التزم المشهور بجواز النبش فيما إذا ظهر أنّ الغسل لم يقع على الوجه الصحيح‌

٥٢

[٨٨٦] مسألة ١١ : يجب أن يكون التيمم بيد الحيّ لا بيد الميِّت (١)

______________________________________________________

كما إذا كان بالماء النجس أو غير ذلك ممّا يوجب بطلان التغسيل ، وكذلك الحال في الإخلال بالكفن. نعم ، لا يجوز النبش للإخلال بالصلاة كما يأتي في محلِّه (١).

وكيف كان ، فالنبش في هذه الصورة لا يبعد جوازه وإن كان يظهر من الماتن في المقام عدم الجواز ، لأنّه تعرّض لوجوب إعادة الغسل إذا اتفق خروج الميِّت من قبره فان ظاهره عدم جواز إخراجه بالاختيار للتغسيل ، ولكنّه تعرض للمسألة في الكلام على النبش ولم يبن على أحد الطرفين ، بل استشكل في المسألة.

هل التيمم لا بدّ أن يقع بيد الحي؟

(١) مقتضى الاحتياط الجمع بين التيمم بيد الميِّت والحيّ ، إلاّ أنّ الأقوى وجوبه بيد الميِّت ، لأنّ المدرك إن كان رواية زيد بن علي فقد ورد فيها « يمموه » (٢) والتيمم قائم بالميت. وكذا لو كان المدرك هو المطلقات الدالّة على أنّ التيمم أو التراب أحد الطهورين (٣) لأنّ التيمم متقوم بضرب اليدين على الأرض فلا يتحقق بدونه ، فلا بدّ من أن يضرب يدي الميِّت على الأرض وإلاّ فلو ضرب الحيّ يديه على الأرض ومسح بهما وجه الميِّت لم يتحقق من الميِّت.

توضيح وتفصيل

لا إشكال ولا خلاف في أنّ الوضوء والغسل والتيمم يعتبر فيها المباشرة فلا يكفي فعل الغير فيها مع تمكّن المكلّف من المباشرة لها بنفسه.

وأمّا إذا عجز المكلّف عن المباشرة فيسقط اعتبارها فيوضئه أو يغسله الغير ، لأنّ الوضوء والغسل ليسا إلاّ عبارة عن إجراء الماء على البدن أو أعضاء الوضوء ، وهذا‌

__________________

(١) في المسألة [٩٨٥].

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٥ ، ٣٨٥ / ب ٢٣.

٥٣

يتحقق بفعل الغير أيضاً ، وقد ورد في بعض الأخبار أنّ الصادق عليه‌السلام كان به وجع شديد فأمر الغلمان أن يصبّوا الماء على بدنه في الاغتسال (١) هذا كلّه في الغسل والوضوء.

وأمّا التيمم فهو كالغسل والوضوء أيضاً ، فإذا لم يتمكّن المكلّف من مباشرته سقطت ووجب أن ييممه الغير ، بأن يأخذ الغير بيدي العاجز ويضربهما على وجه الأرض ثمّ يمسح بهما وجهه ويديه ، لا أن يضرب الغير بيديه على الأرض ، وذلك لأنّ التيمم يتقوم بضرب اليدين على الأرض فلا يتحقق التيمم من العاجز إلاّ بضرب يديه على الأرض ، وحيث إنّه عاجز عن ذلك بالمباشرة فيوجد الغير ضرب يدي العاجز على الأرض فيه.

بل عن صاحب الجواهر دعوى الإجماع عليه حيث قال : لم أقف على قائل بغيره (٢).

نعم ، إذا عجز المكلّف عن ذلك أيضاً ولم يمكن أن يضرب الغير بيدي العاجز على الأرض لليبس أو لغيره من الأُمور سقط اعتبار ضرب اليدين ، ووجب على الغير أن يضرب بيديه على الأرض ويمسح بهما على وجه العاجز ويديه. فالواجب أوّلاً هو المباشرة ، ومع التعذّر يقوم الغير به مع وجوب ضرب يدي العاجز على الأرض ، ومع العجز عنه يسقط اعتباره أيضاً ويجب على الغير ضرب يديه على الأرض ولا ينتقل من مرتبة إلى دونها إلاّ بالعجز عنها.

والدليل على وجوب ضرب الغير يديه على الأرض في المرتبة الثالثة ، هو أنّا لا نحتمل سقوط التكليف بالصلاة عن العاجز عن التيمم ، وذلك لعدم كونه فاقداً للطهورين الماء والتراب لوجود التراب عنده ، وغاية الأمر لا يمكنه أن يضرب يديه على الأرض ولو بواسطة الغير ، فيجب على الغير أن يحصّل له الطهور بضرب يديه على وجه الأرض ثمّ يمسح بهما وجه العاجز ويديه ، فالحكم على طبق القاعدة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧٨ / أبواب الوضوء ب ٤٨.

(٢) الجواهر ٥ : ١٧٩ / كتاب التيمم.

٥٤

وإن كان الأحوط (*) تيمم آخر بيد الميِّت إن أمكن ، والأقوى كفاية ضربة واحدة للوجه واليدين وإن كان الأحوط التعدد (١).

______________________________________________________

وممّا تقتضيه أدلّة بدلية التيمم من دون حاجة فيه إلى نص بالحصوص ، هذا كلّه في العاجز الحيّ.

وأمّا الميِّت ، فالأمر فيه كما عرفت ، لأنّه الّذي تقتضيه القاعدة وأدلّة البدلية ، نعم المشهور القائلون بوجوب ضرب الغير يدي العاجز على الأرض في العاجز الحي مع التمكّن منه يلتزمون في المقام بأنّ الحي يضرب يديه على الأرض ويمسح بهما وجه الميِّت ويديه.

لكن عرفت أنّ الصحيح وجوب ضرب يدي الميِّت على الأرض مع الإمكان ، نعم الأحوط هو الجمع بين التيمم بضرب الحي يديه على الأرض وبين التيمم بضرب يدي الميِّت عليها ، انتهى التوضيح.

وقد يقال : إنّ التيمم بدل عن الغسل ، فكما أنّ الغسل واجب على الحيّ دون الميِّت فكذلك التيمم واجب على الحي دون الميِّت.

ويندفع بأنّ الغسل إنّما يقع على الميِّت لأنّه الّذي يغسل بدنه ، غاية الأمر بالمباشرة من الحي ، وهذا لا يقتضي أن يكون بدله وهو التيمم قائماً بالحي. بل يقتضي أن يكون التيمم كالغسل قائماً بالميت بمباشرة الحي ، إذن يجب أن يكون التيمم بيد الميِّت لا بيد الحي.

بل لعل القائل بكون التيمم واجباً على الحي نظر إلى أنّ الميِّت تيبست يداه ولا يمكن أن يضرب بهما على الأرض ، والأمر حينئذ كما ذكر لا بدّ من أن يكون التيمم بيد الحي إلاّ أنّه إذا أمكن بيد الميِّت وجب ، كما مرّ أنّ الاحتياط يقتضي الجمع.

(١) كما يأتي في محلِّه.

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

٥٥

[٨٨٧] مسألة ١٢ : الميِّت المغسّل بالقراح لفقد الخليطين أو أحدهما ، أو الميمم لفقد الماء أو نحوه من الأعذار لا يجب الغسل بمسه (*) (١) وإن كان أحوط.

فصل في شرائط الغسل‌

وهي أُمور (٢) :

الأوّل : نيّة القربة على ما مرّ في باب الوضوء.

______________________________________________________

مسّ الميِّت عند تعذّر الغسل المأمور به‌

(١) بل يجب الغسل بمسّه إذا كان الميِّت ميمماً ، لما تقدم في مبحث غسل مسّ الميِّت (٢) من أنّه يصدق أنّ الميِّت مسّه قبل التغسيل فيجب الغسل بمسّه.

وما دلّ على بدلية التيمم مقام الغسل إنّما يقتضي قيامه مقام الغسل وحسب ، وأمّا كونه كالغسل بالإضافة إلى سائر الواجبات والأحكام أيضاً فلا ، فليراجع.

نعم ، إذا غسل الميِّت بالقراح بدلاً عن الغسل بالخليط وقلنا بصحّته لم يجب الغسل بمسّه ، لأنّه يصدق عليه أنّه مسّ بعد التغسيل المأمور به.

فصل في شرائط الغسل‌

(٢) الشرائط المذكورة في المقام هي الشرائط المتقدمة المعتبرة في الوضوء وغسل الجنابة وغيرهما ، كاعتبار النيّة لكونه عبادة ، واعتبار طهارة الماء واعتبار طهارة البدن ، وتخليل الشعر لوصول الماء إلى البشرة على خلاف الوضوء ، وإباحة الماء لعدم‌

__________________

(*) مرّ أنّ الأظهر وجوبه عند مسّ الميِّت الميمم.

(١) راجع شرح العروة ٨ : ٢١٠.

٥٦

الثاني : طهارة الماء.

الثالث : إزالة النجاسة (*) عن كل عضو قبل الشروع في غسله ، بل الأحوط إزالتها عن جميع الأعضاء قبل الشروع في أصل الغسل ، كما مرّ سابقاً.

الرابع : إزالة الحواجب والموانع عن وصول الماء إلى البشرة ، وتخليل الشعر والفحص عن المانع إذا شكّ في وجوده.

الخامس : إباحة الماء وظرفه (**) ومصبه ومجرى غسالته ومحل الغسل والسدة والفضاء الّذي فيه جسد الميِّت وإباحة السدر والكافور. وإذا جهل بغصبية أحد المذكورات أو نسيها وعلم بعد الغسل لا تجب إعادته. بخلاف الشروط السابقة فإن فقدها يوجب الإعادة وإن لم يكن عن علم وعمد (١).

______________________________________________________

إمكان التقرب بالمعصية والمبغوض ، وغير ذلك من الشروط ، نعم يزيد في هذا الغسل اشتراط الإباحة في الخليطين أيضاً ، لأنّهما كالماء دخيلان في غسل الميِّت.

العلم بالغصبية بعد الغسل‌

(١) ما أفاده قدس‌سره إنّما يتم في نسيان الغصبية فيما إذا كان النسيان معذّراً ، كما في نسيان غير الغاصب الغصب ، وذلك لحديث الرفع (٣) وغيره ممّا دلّ على ارتفاع الحكم الواقعي في موارد النسيان ، فإنّه مع عدم حرمة التصرف في الماء مثلاً لا مانع من التغسيل والتقرّب به.

نعم ، إذا لم يكن النسيان معذّراً كما في نسيان الغاصب ، لأنّه مكلّف بالاجتناب عمّا غصبه حتّى في حالة النسيان ، إذ أنّه وإن كان التكليف ممتنعاً حينئذ ، إلاّ أنّه امتناع‌

__________________

(*) تقدّم حكم ذلك [ في فصل شرائط الوضوء الشرط الثاني ـ ، وفي المسألة ٦٦٦ ].

(**) الكلام هنا كما تقدم في باب الوضوء وغسل الجنابة [ في فصل شرائط الوضوء الشرط الرابع ـ ] ، وحكم السدر والكافور كحكم الماء.

(١) الخصال ٢ : ٤١٧ / باب التسعة ح ٩.

٥٧

[٨٨٨] مسألة ١ : يجوز تغسيل الميِّت من وراء الثياب ولو كان المغسل مماثلاً بل قيل : إنّه أفضل ، ولكن الظاهر كما قيل (*) أنّ الأفضل التجرّد في غير العورة مع المماثلة (١).

______________________________________________________

بالاختيار ولا ينافي الاختيار ، لأن عجزه مستند إلى قدرته واختياره ، وحديث الرفع لا يقتضي رفعه حينئذ ، لأنّه إنّما ورد للامتنان ولا امتنان في رفع الحرمة عن تصرفات الغاصب ، لأنّه إتلاف لمال الناس وإضرار بهم ، بل لعل الأكثر في الغاصب ذلك ، حيث إنّه ينسى ما اغتصبه من أموال الناس بعد الغصب.

وأمّا في موارد الجهل بالغصبية فلا يتم ما أفاده قدس‌سره ، وذلك لبقاء الحرمة الواقعية بحالها كما ذكرناه في بحث الوضوء (٢) ، والمحرّم لا يكون مصداقاً للواجب والمبغوض لا يتقرّب به وإن كان المكلّف معذوراً في عمله ظاهراً.

نعم ، هذا إنّما هو في الماء في الوضوء وسائر الأغسال ، وكذا الخليطان في المقام ، لأن حكمهما حكم الماء ، وأمّا في المكان والفضاء والسدة والإناء وغيرها فلا مانع من التغسيل بها عند الجهل بحرمتها ، والسر فيه : أنّ المأمور به هو الغسلتان والمسحتان أو صبّ الماء على البدن فقط ، والمفروض إباحته لإباحة الماء على الفرض ، وإنّما المحرم هو التصرّف في المكان والسدة والفضاء والإناء ونحوها وهي أُمور خارجة عن المأمور به. وإنّما لم نقل بصحّة الغسل والوضوء مع العلم بحرمة المذكورات للتزاحم بين الإتيان بالواجب وارتكاب الحرام ، فإذا جهلنا بحرمتها لم تكن مزاحمة بين وجوب الوضوء أو الغسل وحرمة تلك الأُمور ، لعدم فعليتها فيقع الغسل والوضوء صحيحاً لا محالة.

تغسيل الميِّت من وراء الثياب‌

(١) لا إشكال في جواز تغسيل الميِّت مجرّداً أو من وراء الثياب ، وإنّما الكلام في أنّ المستحب هو التغسيل مجرّداً والتغسيل من وراء الثوب أمر جائز كما ذهب إليه المشهور‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) في شرح العروة ٥ : ٣١٨.

٥٨

أو أنّ المستحب هو التغسيل من وراء الثياب والتغسيل مجرّداً جائز كما التزم به جماعة ، أو أنّه لا هذا ولا ذاك بل يتخيّر بين الأمرين كما عن المحقق الثاني (١)؟

ومنشأ الخلاف بينهم في المسألة أنّه ورد في رواية يونس المتقدمة الأمر بالتغسيل مجرداً حيث قال : « فان كان عليه قميص فأخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته » (٢).

وورد في جملة من الصحاح الأمر بتغسيله من فوق الثياب :

منها : صحيحة يعقوب بن يقطين « ولا يغسلن إلاّ في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه » (٣).

ومنها : صحيحة ابن مسكان (٤) وصحيحة سليمان بن خالد (٥) ، فوقع الكلام في أنّ الأمر بالتغسيل مجرّداً محمول على الاستحباب في رواية يونس والأمر بالتغسيل من وراء الثياب في تلك الصحاح محمول على الجواز ، أو أنّ الأمر بالعكس.

قد يقال بأن رواية يونس لا يمكن أن تعارض الصحاح المتقدمة لضعفها بالإرسال ، فيتعيّن القول باستحباب التغسيل من وراء الثياب.

ويردّه : أنّ رواية يونس لا تندرج تحت المراسيل ، لأنّ إبراهيم بن هاشم إنّما يرويها عن رجاله ، وهو كرواية الكليني عن عدّة من أصحابنا أو الرواية عن غير واحد ، وقد مرّ غير مرّة أنّ مثل ذلك لا يعد من المراسيل ، لدلالة هذا التعبير على أنّ الرواية رواها الجميع أو عدّة منهم أو جماعة كثيرة ، ومن ثمة لم يسند الرواية إلى راوٍ بخصوصه ، ومن المطمأن به أن رجال إبراهيم بن هاشم أو عدّة من أصحابنا أو غير واحد من الأصحاب مشتمل على الثقات ، ولا يمكن عادة أن يكون الجميع غير موثقين فالرواية لا إشكال فيها من حيث السند ، إذن لا بدّ من تحقيق المستحب منهما.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٣٧٥ / كيفيّة غسل الميِّت.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٨٠ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٧.

(٤) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١.

(٥) الوسائل ٢ : ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٦.

٥٩

والصحيح كما التزم به صاحب الحدائق (١) قدس‌سره أن نلتزم باستحباب التغسيل من وراء الثياب ، وذلك لأن معتبرة يونس الآمرة بالتغسيل مجرّداً وصحيحة يعقوب بن يقطين الآمرة بالتغسيل من وراء الثياب مطلقتان ، وصحيحتي ابن مسكان وسليمان بن خالد مقيّدتان بالاستطاعة حيث ورد فيهما « إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسّله من تحته » (٢) أو « فيغسل من تحت القميص » (٣).

إذن يمكننا الجمع بين الصحيحة المتقدمة ومعتبرة يونس بهاتين الصحيحتين ، فيكون المأمور به هو التغسيل من تحت الثياب على تقدير التمكّن منه وإلاّ فيغسل مجرّداً. فصحيحة ابن يقطين محمولة على صورة التمكّن ومعتبرة يونس على صورة عدم الاستطاعة من التغسيل وراء الثياب.

والمراد بالاستطاعة هو التمكّن العرفي ، وكلا الأمرين كثير الوقوع ، فانّ الميِّت قد يكون مسبوقاً بالمرض وتطول مدّته ويكون بدنه وسخاً لا يمكن للغاسل تغسيله من وراء الثياب عرفاً فيغسله مجرّداً. وإذا أمكنه غسله من وراء الثياب فليس عدم الاستطاعة من التغسيل وراء الثياب أمراً نادراً ، ومعه يتعين القول باستحباب التغسيل من وراء الثياب لو أمكن دون العكس ودون التخيير ، للأمر به مع التمكّن منه فلا تخيير في البين.

ثمّ إن ثوب الميِّت وإن كان يتنجس إذا كان على بدنه عند التغسيل إلاّ أنّه يطهر بالتبع من دون حاجة إلى عصره أو غسله ثانياً ، وذلك للأمر بالتغسيل مع الثوب إمّا على تمام بدنه وإمّا على عورته من دون إشارة إلى لزوم غسل القميص أو الخرقة وعصرهما ، وإن كان العصر وإخراج الغسالة معتبراً في تطهيرهما على تقدير عدم كونهما على بدن الميِّت.

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٤٤٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٧٩ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٢ ح ٧.

٦٠