موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

إذا لم يمكن الدّفن في من مات في البر

الجهة الرابعة : إذا مات الميِّت في غير السفينة والبحر ولم يمكن دفنه في الأرض لمنع الحكومة أو منع ظالم آخر أو لصلابة الأرض أو نحو ذلك فهل يجب إلقاؤه في البحر حينئذ ، أو أن ذلك يختص بمن مات في البحر والسفينة؟

الصحيح وجوب ذلك ، لأنه الذي تقتضيه القاعدة ، لأن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً ، ولا يرضى الشارع باهانته أو باحراقه أو بأكل السباع إيّاه ، والميسور من التحفّظ عليه حينئذ هو إلقاؤه في البحر وإن كان موته في خارج البحر.

ويؤيده ما ورد في حق زيد عليه‌السلام في رواية سليمان بن خالد قال : « سألني أبو عبد الله فقال : ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم فيه عمي زيداً إلى أن قال كم إلى الفرات من الموضع الذي وضعتموه فيه؟ فقلت : قذفة حجر ، فقال : سبحان الله أفلا كنتم أوقرتموه حديداً وقذفتموه في الفرات وكان أفضل » (١).

وهي ضعيفة بأبي المستهل لتردده بين الممدوح والضعيف. والمراد بيحيى الحلبي هو يحيى بن عمران الثقة.

وفي مرسلة ابن أبي عمير عن رجل ذكره عن سليمان بن خالد قال « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : كيف صنعتم بعمي زيد؟ قلت : إنهم كانوا يحرسونه فلمّا شف الناس أخذنا جثته وقذفناه في حرف أي في طرف على شاطئ الفرات ، فلمّا أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه ، فقال : ألا أوقرتموه حديداً أو ألقيتموه في الفرات ، صلّى الله عليه ولعن الله قاتله » (٢) ويحتمل اتحاد الروايتين وكون الاختلاف لفظيّاً فقط.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٠٧ / أبواب الدّفن ب ٤١ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٠٧ / أبواب الدّفن ب ٤١ ح ٢.

٣٠١

[٩٩٥] مسألة ٣ : إذا ماتت كافرة كتابية أو غير كتابية ومات في بطنها ولد من مسلم (١) بنكاح أو شبهة أو ملك يمين تدفن مستدبرة للقبلة على جانبها الأيسر على وجه يكون الولد في بطنها مستقبلاً ، والأحوط العمل بذلك في مطلق الجنين ولو لم تلج الروح فيه ، بل لا يخلو عن قوّة.

______________________________________________________

إذا مات في البحر وأمكن دفنه في الأرض

الجهة الخامسة : إذا مات الميِّت في البحر إلاّ أنه أمكن دفنه في الأرض ولو بتأخير ساعة أو أكثر إذا لم يخف على الميِّت بطروء الفساد عليه لا يجوز إلقاؤه في البحر ، وقد علم ذلك مما أسلفناه فلاحظ.

إذا مات في بطن الكافرة الميِّتة ولد مسلم‌

(١) كما إذا كان للمسلم أمه كافرة فاستولدها ثم ماتت الأمة والولد في بطنها ، فلا وجه لاحتمال وجوب إخراج الولد عن بطن امه ليغسل ويكفن ويدفن ، إذ لا دليل على وجوب الإخراج من بطن الام.

وأمّا الغسل والكفن فهما واجبان في المولود الخارجي وليسا واجبين في الولد الذي لم يتولد ، وإنما منعوا عن دفن الولد بسبب دفن امه نظراً إلى الإجماع على عدم جواز دفن الكافر أو الكافرة في مقابر المسلمين.

ولكن هذا الإجماع على تقدير تحققه يمكن التخلّص عنه بدفنها والولد في بطنها في غير مقابر المسلمين والكفار بأن تدفن في موضع ثالث غيرهما.

على أن الوجه في هذا التسالم هو احترام المسلمين بأن لا يدفن في مقابرهم من هو محكوم بالكفر ، ولا ينافي هذا دفن الكافرة بتبع الولد المحكوم بالإسلام ، فإنها كالوعاء له نظير التابوت ، بل هذا مؤيد لاحترام المسلم حيث إنه يدفن كافر بتبع المسلم احتراماً له.

٣٠٢

[٩٩٦] مسألة ٤ : لا يعتبر في الدّفن قصد القربة ، بل يكفي دفن الصبي إذا علم أنه أتى به بشرائطه ولو علم أنه ما قصد القربة (١).

______________________________________________________

ويؤيِّد ذلك رواية أحمد بن أشيم عن يونس قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل ثم يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه فدنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب عليه‌السلام : يدفن معها » (١).

وعن المحقق في المعتبر أن الرواية ضعيفة السند بأحمد بن أشيم ، لأنه قد ضعفه الشيخ والنجاشي قدس‌سرهما فلا يمكن الاعتماد عليها (٢) هذا.

والرواية وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أن المنشأ في ضعفها أن أحمد بن أشيم مهمل في الرجال ولم يتعرّضوا لحاله ، فهو مجهول الحال لا يصح الاعتماد على روايته.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من أن المنشأ هو تضعيف الشيخ والنجاشي قدس‌سرهما إياه فالظاهر أنه من سهو القلم ، لأنه لا يوجد للرجل ذكر في كتب الرجال قبل المحقق قدس‌سره ولم يتعرض الشيخ والنجاشي لحاله وضعفه ، وإنما ذكره من ذكره بعد المحقق قدس‌سره أخذاً منه. فالمتحصل : أن الرواية غير صالحة للاستدلال بها وإنما تصلح للتأييد كما ذكرناه.

عدم اعتبار قصد القربة في الدّفن‌

(١) قدّمنا في الحنوط أن كون الواجب توصلياً معناه عدم اعتبار قصد القربة في امتثاله (٣) ، وهذا أمر غير سقوط الواجب بفعل الآخر ، فان الواجب التوصّلي ليس‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٠٥ / أبواب الدّفن ب ٣٩ ح ٢.

(٢) المعتبر ١ : ٢٩٢.

(٣) شرح العروة ٩ : ١٦٣.

٣٠٣

[٩٩٧] مسألة ٥ : إذا خيف على الميِّت من إخراج السبع إياه وجب إحكام القبر بما يوجب حفظه من القير والآجر ونحو ذلك (١). كما أن في السفينة إذا أريد إلقاؤه في البحر لا بدّ من اختيار مكان مأمون من بلع حيوانات البحر إياه بمجرد الإلقاء (٢).

______________________________________________________

بحيث يسقط بفعل الغير ، كما مثلنا بجواب السلام ، فإنه توصّلي لا يعتبر في سقوطه قصد الامتثال إلاّ أنه لا يسقط برد غير الذي سلّم عليه ، بل لا بدّ من رده بنفسه على من سلّم عليه.

بل قد يكون الواجب تعبدياً ولكنه يسقط بفعل الغير كما في قضاء العبادات عن الميِّت ، فإنه واجب على الولد الأكبر أو الولي إلاّ أن الغير إذا قضى عنه سقط عن ذمة الميِّت.

فالسقوط بفعل الغير أمر محتاج إلى الدليل ولا يلازم التوصلية بوجه. ومن هنا قلنا : إن الصبي إذا حنط الميِّت لم يسقط ذلك عن المكلفين.

نعم لا يبعد أن يقال في الدّفن بالسقوط نظراً إلى أن الغرض من دفن الميِّت ستره ومواراته ، فإنه إذا حصل ذلك ولو بزلزال أو فعل صبي أو مجنون لم يجب ثانياً على المكلفين أن ينبشوا قبره ويخرجوه ثم يدفنوه ، فان الدّفن بمعنى المواراة كما مرّ.

إذا خيف من إخراج الميِّت من قبره‌

(١) ظهر الوجه في ذلك مما قدمناه في معنى المواراة ، وذكرنا أن الواجب هو المواراة المطلقة لا مطلق المواراة ، وهذا لا يحصل في المكان الذي يخاف فيه من إخراج السبع إياه إلاّ بأحكام القبر بما يوجب حفظه من الجص والآجر والقير ونحو ذلك.

(٢) هذا مبني على العلم الخارجي بأن الغرض من إلقاء الميِّت في البحر إنما هو حفظه بالمقدار المتيسر منه على ما قدمنا ، وهذا الغرض ينافيه الإلقاء في محل يبتلعه فيه الحيوان بمجرّد الإلقاء فوراً.

٣٠٤

[٩٩٨] مسألة ٦ : مئونة الإلقاء في البحر من الحجر أو الحديد الذي يثقل به أو الخابية التي يوضع فيها تخرج من أصل التركة وكذا في الآجر والقير والساروج في موضع الحاجة إليها (١).

[٩٩٩] مسألة ٧ : يشترط في الدّفن أيضاً إذن الولي كالصلاة وغيرها (٢).

[١٠٠٠] مسألة ٨ : إذا اشتبهت القبلة يعمل بالظن (٣) ومع عدمه أيضاً يسقط‌

______________________________________________________

ويمكن استفادة ذلك ممّا رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان (١) ، إلاّ أنها ضعيفة لضعف طريق الصدوق إلى الفضل ، وإنما تصلح للتأييد.

بل لا يبعد استفادته من الصحيحة الآمرة بجعل الميِّت في خابية وسدها ثم إلقائها في البحر (٢) لأنّ الغرض من ذلك ليس إلاّ التحفظ على الميِّت من ابتلاع الحيوانات إيّاه ، فيلزم مراعاة ذلك بالمقدار المتيسر منه ، وقد تقدم أن جعله في الخابية هو المتعيّن على الأقوى والأحوط.

مئونة الإلقاء في البحر من أصل التركة‌

(١) وقد قدّمنا في مباحث التكفين (٣) أن الكفن وسائر المؤن تخرج من أصل التركة وكذلك الخابية وغيرها مما يحتاج إليه في دفن الميِّت أو بدله إلقائه في البحر.

(٢) قدّمنا أن إذن الولي غير معتبر في الدّفن ونحوه ، وإنما لا تجوز مزاحمته فراجع مبحث الأولياء في غسل الميِّت (٤).

إذا اشتبهت القبلة‌

(٣) لأن صحيحة زرارة الدالّة على إجزاء التحرِّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٤١ / أبواب الدّفن ب ١ ح ١ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١١٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٠٦ / أبواب الدّفن ب ٤٠ ح ١.

(٣) في ص ١٣٨.

(٤) شرح العروة ٨ : ٢٨٥.

٣٠٥

وجوب الاستقبال إن لم يمكن تحصيل العلم ولو بالتأخير على وجه لا يضر بالميِّت ولا بالمباشرين.

[١٠٠١] مسألة ٩ : الأحوط (*) إجراء أحكام المسلم على الطفل المتولد من الزنا من الطرفين إذا كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلماً (١) ، وأمّا إذا كان الزنا من أحد الطرفين وكان الطرف الآخر مسلماً فلا إشكال في جريان أحكام المسلم عليه.

______________________________________________________

القبلة (٢) لا تختص بالصلاة ، بل تدل على حجية الظن بالقبلة في جميع ما يشترط فيه القبلة كما في الدّفن والذبح والصلاة وغيرها. والمراد بالتحرِّي هو الأخذ بالأرجح والأولى وهو الظن عند اشتباه القبلة.

نعم هذا إنما هو فيما إذا لم يمكن تحصيل العلم بالقبلة ولو بالتأخير إذا لم يضر بالميِّت وإلاّ وجب التأخير ولم يكف الظن بالقبلة في شي‌ء ممّا يعتبر فيه القبلة ، لأنه إنما يكفي فيما إذا استوعب الجهل تمام الوقت ولا يكفي الاشتباه والجهل وقتاً ما أبداً.

حكم الطفل المتولِّد من الزِّنا‌

(١) إذ لم يرد في النصوص أن ولد الزنا ليس بولد ، وإنما ورد نفي التوارث وعدم إرثه وحسب (٣) كما ورد ذلك في القاتل (٤) ، وهو تخصيص في أدلّة الإرث ، ولا يدلّ على نفي الولدية بوجه.

إذن فهو ولد للمسلم ولا بدّ من دفنه ، فان الولد لغة هو من تكوّن من ماء رجل أو امرأة وهذا متحقق في المقام ، كما أن الولد عرفاً كذلك ، وحيث لم يرد في الشرع نفي الولدية عن ولد الزنا فهو ولد لغة وعرفاً وشرعاً.

__________________

(*) بل الأظهر.

(١) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ / أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨.

(٣) الوسائل ٢٦ : ٣٠ / أبواب موانع الإرث ب ٧.

٣٠٦

[١٠٠٢] مسألة ١٠ : لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفار (١) ، كما لا يجوز العكس أيضاً ، نعم إذا اشتبه المسلم والكافر

يجوز دفنهما في مقبرة المسلمين ، وإذا دفن أحدهما في مقبرة الآخرين يجوز النبش ، أما الكافر فلعدم الحرمة له ، وأما المسلم فلأن مقتضى احترامه عدم كونه مع الكفار (٢).

[١٠٠٣] مسألة ١١ : لا يجوز دفن المسلم في مثل المزبلة والبالوعة (٣) ونحوهما ممّا هو هتك لحرمته.

______________________________________________________

بل لا مناص من أن يكون ولد الزنا ولداً حقيقة ، فإن البنت المتولدة من الزنا لا يجوز للزاني أن يتزوّج بها ولا يفتي به أحد ، كما أن الولد من الزنا لا يجوز له الزواج بامه. فولد الزنا ولد حقيقة ، وبما أنه ولد لمسلم فيجب دفنه.

نعم إذا اشتبه الأمر ولم يعلم أن الولد مستند إلى الزنا أو إلى الفراش يحكم بلحوقه بالفراش وليس بالزنا ، وهذا أمر آخر ، لأن كلامنا إنما هو فيما علم استناد الولد إلى الزنا.

الأماكن التي لا يجوز فيها دفن المسلم‌

(١) لأنه توهين للمسلم ، وفي العكس الأمر كذلك ، لأن الكافر رجس ودفن الرجس في مقابر المسلمين وهن لهم ، واحترام المؤمن ميتاً كحرمته حياً.

(٢) بمعنى أن النبش إنما حرم لأجل احترام المسلم ، ونبش قبر المسلم لأجل رفع التوهين عنه احترام له لا أنه توهين له.

(٣) وكذا غير ذلك من الأماكن التي تعد توهيناً للمسلم ، لما تقدم من أن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيا.

٣٠٧

[١٠٠٤] مسألة ١٢ : لا يجوز الدّفن في المكان المغصوب (١) وكذا في الأراضي الموقوفة لغير الدّفن ، فلا يجوز الدّفن في المساجد والمدارس ونحوهما (٢)

______________________________________________________

(١) والوجه في ذلك ظاهر ، لأنه تصرّف في مال الغير من دون إذنه وهو حرام.

(٢) كالحسينيات. والوجه فيما أفاده في مثل المدارس والحسينيات وغيرهما من الأراضي الموقوفة لغير الدّفن أن الوقف تمليك للكلي أو الجهة ، كالوقف على العلماء أو السادات أو الفقراء فإنه تمليك للكلي ، وكالوقف لأجل صرفه في جهة خاصة كسبيل الله أو جهة أُخرى وهو تمليك للجهة ، غاية الأمر أن الملكية ليست طلقة.

ومن الظاهر أن الدّفن في ملك الغير طلقاً كان أو غير طلق ليس سائغاً ، لأن الوقوف حسبما يوقفها أهلها ، وحيث إن الواقف لم يوقفه للدفن فيكون الدّفن فيه كالدّفن في الأرض المغصوبة وهو حرام.

وأما المساجد فقد ذكرنا في بحث المكاسب أن الوقف في المساجد تحرير لرقبة الأرض نظير التحرير للعبد ، فكما أن العبد يحرّر من العبودية كذلك الأرض إذا جعلت مسجداً لأجل عبادة الله تكون محرّرة وحرّة عن المملوكية (١) ، ولعلّه إليه أشار سبحانه بقوله ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ ) (٢) بناء على أن المراد بالمساجد فيها هو الأماكن المجعولة مسجداً لا مساجد الإنسان من الجبهة وغيرها.

ولا بدّ فيه من مراعاة الجهة التي لأجلها حررت الأرض وهي جهة العبادة لله سبحانه ، فلا يجوز التصرف في المساجد في غير تلكم الجهة مثل الدّفن ، نعم قامت السيرة على جواز التصرف في المساجد بما لا يكون مزاحماً للعبادة كالجلوس والنوم فيها وإن كان مكروهاً ، وبما أن الدّفن فيها لم يقم دليل على جوازه فلا بدّ من الحكم بعدم جوازه.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٥ : ١٤٩.

(٢) الجن ٧٢ : ١٨.

٣٠٨

كما لا يجوز (*) الدّفن في قبر الغير قبل اندراس ميّته (١).

______________________________________________________

بل يمكن أن يقال : إن الدّفن في المساجد مزاحم للعبادة فيها ، لأن الصلاة على القبر مكروهة ، وجعل المسجد مدفناً يوجب منقصة فيه وهي تنافي العبادة التي لأجلها جعلت الأرض مسجداً ، كما أن الدّفن إذا كثر كرهت الصلاة فيه ، لأنها من الصلاة بين القبور وهي مكروهة ، نعم لو دفن في المسجد على نحو لا يصدق عليه عنوان القبر كما إذا دفن فيه بفرسخ من قعر الأرض لم يكن به بأس.

وما يقال من أن المساجد مساجد من تخوم الأرض إلى عنان السماء فهو مما لم يثبت بدليل ، نعم ورد ذلك في الكعبة وأنها كذلك من تخوم الأرض إلى عنان السماء (٢) ، إلاّ أنه ضعيف ، فهذا المعنى لم يثبت بدليل معتبر في البيت الحرام فضلاً عن المساجد.

(١) سيتضح الوجه في ذلك في ضمن المسألة الآتية فلاحظ.

كراهة حمل الميِّتين

المعروف بينهم كراهة حمل الميِّتين : الرجل والمرأة على سرير واحد. وقد استدل عليه بالمرسلة الناهية عن ذلك ، إلاّ أن الرواية مما لم يثبت لها أصل ، على أن الرواية لو كانت موجودة لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها.

نعم ورد في صحيحة محمد بن الحسن الصفار قال : « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : أيجوز أن يجعل الميِّتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس ، وإن كان الميِّتان رجلاً وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما؟ فوقع عليه‌السلام : لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد » (٣) وهي من حيث الدلالة والسند ظاهرة لا إشكال فيها.

__________________

(*) فيه منع ، بل الظاهر الجواز إذا كان القبر منبوشا.

(١) الوسائل ٤ : ٣٣٩ / أبواب القبلة ب ١٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٠٨ / أبواب الدّفن ب ٤٢ ح ١.

٣٠٩

دفن الميِّتين في قبر واحد

وأما دفن الميِّتين في قبر واحد فقد استدلوا على كراهته بتلك الرواية ، لأن حمل الميِّتين على سرير واحد إذا كان مكروهاً لدى الشارع مع كون المدة مدة الاجتماع والاقتران قليلة فيكون دفنهما في محل واحد مكروهاً بطريق أولى ، لأن المدة فيه طويلة.

وفيه : أن الرواية أخص من المدعى ، لاختصاصها بما إذا كان أحد الميِّتين رجلاً والآخر امرأة ، فلا يستفاد منها الكراهة فيما إذا كان الميِّتان كلاهما رجل أو كلاهما امرأة.

على أن حملهما في السرير الواحد يستلزم عادة اتصال أحدهما بالآخر بل كون أحدهما فوق الآخر وفيه من الحزازة ما لا يخفى ، وهذا بخلاف ما إذا دفنا في قبر واحد ، لعدم اتصال أحدهما بالآخر ولا كونه فوق الآخر ، بل يجعل أحدهما بجنب الآخر ويفصل بينهما بالتراب. هذا كله فيما إذا دفناهما مرة واحدة.

وأما إذا كان أحدهما مدفوناً سابقاً وأُريد دفن الآخر منه بعد ذلك فقد قالوا بحرمته واستدلّوا عليه بوجوه :

منها : أن ذلك يستلزم نبش القبر وهو حرام.

وأورد عليه في المدارك (١) وغيره بأن النبش لازم أعمّ ، وكلامنا إنما هو في جواز الدّفن في القبر بما هو كذلك لا من جهة استلزامه النبش ، كما إذا انفتح القبر بزلزال ونحوه أو جاز نبشه كما إذا ظهر أن الميِّت دفن من دون غسل مثلاً ، فهذا الوجه لا يرجع إلى محصل.

على أن صاحب الذخيرة (٢) ناقش في شمول الإجماع القائم على حرمة النبش للمقام لأنه دليل لبِّي ويقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو غير صورة النبش لأجل دفن ميت آخر.

__________________

(١) المدارك ٢ : ١٥١.

(٢) الذخيرة : ٤٤٤ السطر ١٤.

٣١٠

ومنها : أن الميِّت أحق بالقبر بدفنه فيه فالدّفن الثاني تصرف فيما هو حق الغير وهو غير جائز.

وفيه : أنه لم يقم دليل على أن القبر حق للميت ، وإنما الثابت جواز دفنه فيه وكونه قبراً له ، وأما أنه حقه بحيث يمنع عن جواز دفن الغير عنده فهو محتاج إلى الدليل.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة ، قال « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من جدّد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج عن ( من ) الإسلام » (١) ، لدلالتها على أن جعل القبر قبراً الذي هو معنى « جدد » محرم وخروج من الإسلام.

وفيه : أن الرواية غير قابلة للاستدلال بها سنداً ودلالة :

أمّا سنداً فلأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى وإن كان صحيحاً كما مرّ (٢) إلاّ أن محمد بن سنان ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه. على أن السند يحتوي على أبي الجارود وهو زياد بن المنذر رئيس الفرقة الجارودية الذي عبّر عنه الباقر عليه‌السلام بسرحوب ، وسرحوب اسم شيطان أعمى يسكن البحر ، وأبو الجارود كان أعمى أيضاً ، وقد ذكر الكشي أنه كان مكفوفاً أعمى ، أعمى القلب (٣) ، وقد ورد أنه كذّاب ملعون ، فلا يمكن الاعتماد على روايته (٤).

وأمّا من حيث الدلالة فلأنه لم يثبت أن لفظ الرواية هل هو « جدد » أو « حدد » بمعنى جعل القبر كقبور العامّة محدّداً ، أي مع التسنيم كما ورد في رواية سعد بن عبد الله (٥). وعن المفيد قدس‌سره (٦) أنه « خدد » أي نبش ، أو أنه « حدث » أي جعل القبر قبراً ، ومع عدم ثبوت أن لفظة الرواية أي شي‌ء هي لا يمكن الاستدلال بها بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٠٨ / أبواب الدّفن ب ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٩ / ١٤٩٧.

(٢) في ص ٢٨٢ ٢٨٣.

(٣) رجال الكشي : ٢٢٩ / ٤١٣.

(٤) وقد عدل عن ذلك ( دام فضله ) وبنى على وثاقة الرجل فليراجع المعجم ٨ : ٣٣٥.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٠٨ / أبواب الدّفن ب ٤٣ ح ١.

(٦) كما حكاه الشيخ في التهذيب ١ : ٤٥٩ ذيل ح ١٤٩٧.

٣١١

[١٠٠٥] مسألة ١٣ : يجب دفن الأجزاء المبانة من الميِّت حتى الشعر والسن والظفر (*) ، وأما السن والظفر من الحي فلا يجب دفنهما وإن كان معهما شي‌ء يسير من اللّحم ، نعم يستحب دفنهما ، بل يستحب حفظهما حتى يدفنا معه ، كما يظهر من وصيّة مولانا الباقر للصادق عليهما‌السلام. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن النبيّ ( صلوات الله عليه وآله ) أمر بدفن أربعة : الشعر والسن والظفر والدم ، وعن عائشة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه أمر بدفن سبعة أشياء : الأربعة المذكورة والحيض والمشيمة والعلقة (١).

______________________________________________________

على أن الحكم الوارد في الرواية أعني الخروج عن الإسلام لا يناسب شيئاً من هذه المعاني ، لعدم احتمال أن يكون تجديد القبر أو غيره من المعاني المتقدمة موجباً للخروج عن الإسلام ، أي كونه معصية بمثابة الكفر.

ولا يبعد أن يقال : إن معنى « جدد » أحدث قبراً زائداً على القبور ، بأن يكون كناية عن قتل شخص وإيجاد قبر له بسببه زائداً على القبور ، فان قتل النفس المحترمة من المعاصي المغلظة ، وهو يناسب الحكم بالخروج من الإسلام الوارد في الرواية.

الأجزاء المبانة من الميِّت تدفن معه‌

(١) لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب دفن الشعر والظفر والسن ونحوها ممّا لا تحله الحياة إذا كانت منفصلة عن الحي. ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى عدم قيام الدليل على الوجوب السيرة المستمرّة الجارية على عدم دفن الشعر المنفصل عن الحي عند الحلق والتنوير ونحوهما.

وقد ورد في بعض الأخبار أن شعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مجزوزاً مدّة (٢) ، نعم ورد الأمر بدفن السن والظفر من الحي معه في جملة من الأخبار رواها في‌

__________________

(*) على الأحوط فيها.

(١) الوسائل ٢ : ٨٣ / أبواب آداب الحمام ب ٤١ ح ٧. وفيه : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختضب وهذا شعره عندنا.

٣١٢

الوسائل في الباب السابع والسبعين من آداب الحمام (١) ، إلاّ أنها ضعيفة السند ، ومن أجل ذلك يبتني الحكم باستحباب الدّفن فيهما على التسامح في أدلة السنن.

وأما الشعر والسن ونحوهما من الميِّت فالمعروف بينهم وجوب دفنها. وعن الذخيرة إنه مما لم يعلم فيه خلاف (٢) ، وعن التذكرة دعوى الإجماع عليه (٣) ، وإن كان يحتمل أن يكون الإجماع راجعاً إلى استحباب جعله في الكفن لا إلى وجوب دفنه والدليل على ذلك بعد الإجماع لو تم إجماع مع عدم احتمال كون الإجماع تعبدياً في المسألة أحد أمرين :

أحدهما : استصحاب كونه واجب الدّفن قبل أن ينفصل عن الميِّت.

وفيه : مضافاً إلى أنه من الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكمية وقد بينّا مراراً (٤) عدم جريانه في الأحكام ، أن الاستصحاب غير جارٍ في المقام ، لأن كونه واجب الدّفن قبل الانفصال إنما هو من جهة وجوب دفن الميِّت بما له من التوابع ، وكون الشعر ونحوه من توابعه ، فاذا انفصل فلا يعد تابعاً للميت ، فلا يجري فيه الاستصحاب بل يتوقف الحكم بوجوب الدّفن فيه على دليل.

وثانيهما : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وقال : لا يمس من الميِّت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شي‌ء فاجعله في كفنه » (٥) وهي ضعيفة بإرسالها.

ودعوى : أن ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن ثقة ، مندفعة بما تقدم مراراً من أنّا علمنا أن ابن أبي عمير قد روى عن الضعيف في موارد ، على أن هذه الدعوى اجتهاد من الشيخ قدس‌سره حيث ذكر أنه علم من حال صفوان وابن أبي عمير أنهما لا يرويان ولا يرسلان إلاّ عن ثقة (٦) ، وهذا اجتهاد منه ( قدس الله نفسه ) وقد علم هو‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٢٧.

(٢) الذخيرة : ٩٠ السطر ٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٢ / ١٧٥.

(٤) منها ما في مصباح الأُصول ٣ : ٢٣٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٥٠٠ / أبواب غسل الميِّت ب ١١ ح ١.

(٦) عدّة الأُصول ١ : ٥٨ السطر ٨.

٣١٣

[١٠٠٦] مسألة ١٤ : إذا مات شخص في البئر ولم يمكن إخراجه يجب أن يسد ويجعل قبراً له (١).

[١٠٠٧] مسألة ١٥ : إذا مات الجنين في بطن الحامل وخيف عليها من بقائه وجب التوصّل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق (٢) ولو بتقطيعه قطعة قطعة ، ويجب أن يكون المباشر النساء أو زوجها ، ومع عدمهما فالمحارم من الرجال ، فان تعذر فالأجانب حفظاً لنفسها المحترمة.

______________________________________________________

بذلك باجتهاده لا أنهما أخبرا بذلك.

ونظيرها موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها : « لا يمس منه شي‌ء اغسله وادفنه » (١) وهي أيضاً غير قابلة للاستدلال بها على هذا المدعى ، لأنه مبني على أن يكون الضمير في قوله عليه‌السلام : « اغسله وادفنه » راجعاً إلى الظفر أو الشعر ، وهو ممنوع ، لأنه راجع إلى الميِّت وأن الواجب دفنه وغسله لا قص ظفره وشعره.

(١) لأنه أمر ميسور ، وأما مقدّماته من التغسيل والتحنيط والتكفين فتسقط للتعذّر ومعه لا بدّ من الصلاة على قبره.

إذا مات الجنين في بطن الحامل‌

(٢) هذه المسألة على طبق القاعدة ، لأن المرأة واجبة الحفظ لوجوب حفظ النفس المحترمة فلا مناص من إخراج الولد من بطنها ، ولا يحتاج في ذلك إلى النص.

نعم إن الذي يتصدّى لذلك لا بدّ أن يكون هو الزوج أو النساء أو محارمها ، ولا يجب ذلك على الزّوج وإن كان متمكِّناً من إخراج الولد ، وذلك لجواز مباشرة النساء للتوليد ، وذلك لجريان السيرة على تصدِّي النساء والقوابل لولادة المرأة ونحوها وإن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٠ / أبواب غسل الميِّت ب ١١ ح ٣.

٣١٤

ولو ماتت الحامل وكان الجنين حياً وجب إخراجه ولو بشق بطنها (١)

______________________________________________________

كان فيه النظر إلى العورة أو لمسها لكنه مستثنى عما دل على حرمتهما.

وعلى تقدير عدم الزوج والنساء فيتصدّى للإخراج محارمها وإن استلزم الإخراج النظر إلى العورة أو لمسها ، وعلى تقدير عدم المحارم يتصدّى له الأجنبي ، كل ذلك لوجوب حفظ النفس المحترمة كما مرّ.

وقد يستدلّ على ذلك برواية وهب بن وهب حيث ورد فيها : « في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوّف عليها؟ قال : لا بأس بأن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه » (١) بل قد يؤخذ بإطلاق الرجل في الرواية ويستدلّ به على جواز مباشرة الأجنبي للإخراج ولو مع التمكّن من الزوج أو النساء أو المحارم.

وفيه : أن الرواية ضعيفة السند بوهب بن وهب ، وهو الذي عبّر عنه بأكذب أهل البرية. على أنها ليست بصدد البيان من حيث تصدِّي الرجال الأجانب للإخراج ، وإنما تعرّضت للرجل لأنه المتمكِّن من إخراج الولد قطعة قطعة على الأغلب.

إذا ماتت الحامل والجنين حي‌

(١) هذه المسألة كسابقتها على طبق القاعدة ، وذلك لوجوب حفظ النفس المحترمة عن التلف ، ولا يحتاج فيها أيضاً إلى النص ، ومع ذلك قد وردت فيها جملة من الروايات :

منها : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في المرأة تموت ويتحرّك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد؟ قال فقال : نعم ، ويخاط بطنها » (٢).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٠ / أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٧٠ / أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ١.

٣١٥

فيشق جنبها الأيسر (*) (١) ويخرج الطفل ثم يخاط (٢) وتدفن‌

______________________________________________________

ومنها : ما عن علي بن يقطين قال : « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن المرأة تموت وولدها في بطنها؟ قال : شق ( يشق ) بطنها ويخرج ولدها » (٢).

ومنها : رواية وهب بن وهب المتقدمة حيث ورد في صدرها : « إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرّك يشق بطنها ويخرج الولد » وغير ذلك من الروايات التي أوردها في الوسائل (٣).

كيفية إخراج الجنين‌

(١) الأخبار الآمرة بالشق مطلقة ولا مقيد للشق بالجانب الأيسر ، ولا دليل عليه سوى الفقه الرضوي حيث صرح به فيه (٤) ، إلاّ أنه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها.

وكون الولد في الجانب الأيسر بحسب القواعد الطبّية لو صح ذلك أمر تكويني لا ربط له بالحكم الشرعي ، فلا مانع من شق جنبها الأيمن مثلاً حسب إطلاق الروايات وإن كان الشق من الجانب الأيسر أحوط.

(٢) لم يرد الأمر بالخياطة إلاّ في مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة ، وهي لإرسالها غير قابلة للاعتماد عليها ، نعم يمكن القول بوجوبه لأنه مقدّمة لتغسيل المرأة ، إذ مع شق بطنها لا يمكن تغسيلها.

وعليه لو فرضنا عدم وجوب التغسيل في حقها لفقدان الماء مثلاً أو لغير ذلك من الوجوه لا تجب خياطة موضع الشق وإن كانت الخياطة أحوط.

__________________

(*) هذا إذا احتمل دخله في حياته وإلاّ فلا خصوصية له.

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٠ / أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٧٠ / أبواب الاحتضار ب ٤٦ ح ٣ ٨.

(٣) المستدرك ٢ : ١٤٠ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ١ ، فقه الرضا : ١٧٤.

٣١٦

ولا فرق في ذلك بين رجاء حياة الطفل بعد الإخراج وعدمه (١) ، ولو خيف مع حياتهما على كل منهما انتظر حتى يقضي (٢).

______________________________________________________

(١) نسب الاشتراط بصورة رجاء الحياة في الطفل بعد إخراجه إلى أبي حنيفة (١). ولكن الصحيح عدم الاشتراط ، لإطلاق الروايات ولأن حفظ النفس المحترمة واجب على نحو الإطلاق بلا فرق بين قصر حياته وطولها ، فان كل حي تنقضي حياته ، غاية الأمر تكون حياة بعضهم أطول من حياة الآخر.

لو خيف على حياتهما‌

(٢) بأن علم أن كليهما لا يبقيان على قيد الحياة بل يموت أحدهما لا محالة إلاّ أنه لو أُخرج الولد خيف عليه من الموت ولو لم يخرج الولد خيف على امه ، فلا يمكن ترجيح إحدى النفسين المحترمتين على الأُخرى فلا بدّ من انتظار أمر الله سبحانه ، فاذا مات أحدهما وجب التحفظ على الآخر. هذا بالإضافة إلى الثالث الذي يريد إخراج الولد.

وأما الام فهل يجوز لها أن تقتل ولدها في بطنها تحفظاً على حياتها أو لا يجوز؟

التحقيق أن المقام يدخل تحت كبرى التزاحم ، لوجوب حفظ النفس المحترمة على الام ، فيجب عليها أن تتحفظ على نفسها كما يجب عليها أن تحفظ ولدها ، وحيث لا تتمكّن الام من امتثال كلا الأمرين فيدخل بذلك تحت كبرى المتزاحمين ، وبما أن التحفّظ على ولدها وصبرها لموتها أمر عسري حرجي في حقها فيرتفع الأمر بالتحفّظ على حياة ولدها ، وبذلك لا يبعد أن يقال بجواز قتلها ولدها تحفّظاً على حياتها ، غاية الأمر أن امتثال هذا الواجب يتوقف على مقدّمة محرمة وهي قتلها لولدها ، فالمقام من التزاحم بين وجوب ذيها وحرمة المقدّمة فيتقدّم الوجوب في ذي المقدّمة على الحرمة في المقدّمة كما هو الحال في جملة من المقامات. وهذه المسألة لم أر مَن تعرّض لها في الرسائل العملية فضلاً عن الكتب الاستدلالية.

__________________

(١) المغني ٢ : ٤١٤.

٣١٧

استدراك

تقدّم أنه لو خيف مع حياتهما على كل منهما انتظر حتى يقضى ، وذلك لأن تركه ترجيح لأحدهما على الآخر مع حرمة كل منهما لكونهما مسلمين أو مؤمنين ، فلا يجوز لثالث أن يتحفظ على أحدهما بإتلاف الآخر.

لأن المقدّمة إذا كانت محرمة لم يمكن تقديم الوجوب في ذي المقدّمة على الحرمة في المقدّمة فإنّ حفظ النفس الواجب في أحدهما يتوقف على المقدّمة المحرمة وهي إتلاف الآخر ، وهذا ليس بجائز إلاّ فيما إذا كان الوجوب في ذي المقدّمة من الأهمية بمرتبة أزال الحرمة عن المقدّمة الحرام ، كما هو كذلك في توقف إنقاذ النفس المحترمة على التصرّف في أرض الغير من دون إذنه.

وأما في أمثال المقام ممّا لم تثبت الأهمية في ذي المقدّمة لتساوي الحكمين أو عدم كون الوجوب أهم ، كما إذا توقّف حفظ المال المحترم على إتلاف مال محترم آخر فلا مرخص في ارتكاب المقدّمة المحرمة لأجل امتثال الأمر بذي المقدّمة ، بل لا بدّ من انتظار قضاء الله سبحانه وأن الام تموت حتى يتحفّظ على الولد بإخراجه من بطنها أو أن الولد يموت حتى يتحفّظ على الأُم بإخراجه كما تقدّم ، هذا كله بالإضافة إلى الثالث.

وأمّا وظيفة الأُم في نفسها وأنه هل يجوز لها أن تقتل ولدها تحفظاً على حياتها أو لا يجوز لها ذلك؟ الظاهر أنه لا مانع للُام من التحفظ على حياتها بأن تقتل ولدها والسر في ذلك ما ذكرناه في محلِّه من أن الضرر إذا توجّه إلى أحد شخصين لا يجب على أحدهما تحمّل الضّرر حتى لا يتضرّر الآخر (١) ، لأن التحمّل عسر وحرج فلا يكون مأموراً به ، وفي المقام لا يجب على الام أن تتحمّل الضرر بأن تصبر حتى تموت تحفّظاً على حياة ولدها ، لأنه عسر فلا يجب ذلك على الام ، ولعلّه من فروع قاعدة دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، فلا بأس في أن تتحفّظ الام على حياتها ولو بقتل ولدها ، هذا كلّه في الاستدراك.

__________________

(١) لاحظ مصباح الأُصول ٢ : ٥٦٣.

٣١٨

فصل

في المستحبّات قبل الدّفن وحينه وبعده

وهي أُمور :

الأوّل : أن يكون عمق القبر إلى الترقوة أو إلى قامة ، ويحتمل كراهة الأزيد.

الثاني : أن يجعل له لَحد مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بأن يحفر بقدر بدن الميِّت في الطول والعرض وبمقدار ما يمكن جلوس الميِّت فيه في العمق ، ويشق في الأرض الرخوة وسط القبر شبه النهر فيوضع فيه الميِّت ويسقف عليه.

الثالث : أن يدفن في المقبرة القريبة على ما ذكره بعض العلماء إلاّ أن يكون في البعيدة مزيّة بأن كانت مقبرة للصلحاء أو كان الزائرون هناك أزيد.

الرابع : أن توضع الجنازة دون القبر بذراعين أو ثلاثة أو أزيد من ذلك ، ثم ينقل قليلاً ويوضع ثم ينقل قليلاً ويوضع ثم ينقل في الثالثة مترسلاً ليأخذ الميِّت أهبته ، بل يكره أن يدخل في القبر دفعة فان للقبر أهوالاً عظيمة.

الخامس : إن كان الميِّت رجلاً يوضع في الدفعة الأخيرة بحيث يكون رأسه عند ما يلي رجلي الميِّت في القبر ثم يدخل في القبر طولاً من طرف رأسه أي يدخل رأسه أولاً ، وإن كان امرأة توضع في طرف القبلة ثم تدخل عرضا.

السادس : أن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة.

السابع : أن يسلّ من نعشه سلاًّ فيرسل إلى القبر برفق.

الثامن : الدعاء عند السل من النعش بأن يقول : « بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهمّ إلى رحمتك لا إلى عذابك ، اللهمّ افسح له في قبره ، ولقّنه حجته ، وثبّته بالقول الثابت ، وقنا وإياه عذاب القبر » ‌

٣١٩

وعند معاينة القبر : « اللهمّ اجعله روضة من رياض الجنة ، ولا تجعله حفرة من حفر النار » وعند الوضع في القبر يقول : « اللهمّ عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به » وبعد الوضع فيه يقول : « اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، وصاعد عمله ، ولقّه منك رضواناً » وعند وضعه في اللَّحد يقول :

« بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ثم يقرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي والمعوذتين وقل هو الله أحد ويقول : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » وما دام مشتغلاً بالتشريج يقول : « اللهمّ صِل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك فإنما رحمتك للظالمين » وعند الخروج من القبر يقول : « ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) اللهمّ ارفع درجته في عليين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين » وعند إهالة التراب عليه يقول : « ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه ، واصعد إليك بروحه ، ولقّه منك رضواناً ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك » وأيضاً يقول : « إيماناً بك وتصديقاً ببعثك ، ( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ، اللهمّ زدنا إيماناً وتسليماً ».

التاسع : أن تحلّ عقد الكفن بعد الوضع في القبر ، ويبدأ من طرف الرأس.

العاشر : أن يحسر عن وجهه ويجعل خده على الأرض ويعمل له وسادة من تراب.

الحادي عشر : أن يسند ظهره بلبنة أو مدرة لئلاّ يستلقي على قفاه.

الثاني عشر : جعل مقدار لبنة من تربة الحسين عليه‌السلام تلقاء وجهه بحيث لا تصل إليها النجاسة بعد الانفجار.

الثالث عشر : تلقينه بعد الوضع في اللحد قبل الستر باللبن ، بأن يضرب بيده‌

٣٢٠