موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٩٨٨] مسألة ٢٠ : يستحب المبادرة إلى الصلاة على الميِّت وإن كان في وقت فضيلة (*) الفريضة ، ولكن لا يبعد ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه (١)

______________________________________________________

الصلاة على الجنائز؟ فقال : لا » (٢).

ومنها : ما رواه الصدوق في العيون والعلل بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام قال : « إنما جوزنا الصلاة على الميِّت قبل المغرب ... » (٣).

نعم ورد في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع » (٤). وحملها الشيخ على التقية (٥) ، وحملها بعض على الكراهة وأقلية الثواب ، إلاّ أنها ضعيفة السند بوجود القاسم بن محمد الجوهري في طريقها فلا تعارض الأخبار المعتبرة المتقدمة ، ولا نحتاج إلى حملها على التقية أو الكراهة أو نحوهما.

استحباب المبادرة إلى صلاة الجنازة‌

(١) ورد في هذه المسألة روايات :

منها : ما رواه هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميِّت إلاّ أن يكون الميِّت مبطوناً أو نفساء أو نحو ذلك » (٦) أي يخاف عليه من الفساد بوجه ما. وهي ضعيفة بيزيد بن إسحاق‌

__________________

(*) استحباب تقديمها على الفريضة في وقت فضيلتها وعلى القضاء لا يخلو من إشكال.

(١) الوسائل ٣ : ١٠٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٤ ، عيون أخبار الرضا : ٢ : ١١٥ ، علل الشرائع : ٢٦٨ / ٩.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٥. والقاسم بن محمد الجوهري موجود في أسناد كامل الزيارات ، ولأجله عدل ( دام ظله ) في [ المعجم ١٥ : ٥١ ] عما أفاده في المقام وبنى على وثاقة الرجل.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢١ / ١٠٠٠.

(٥) الوسائل ٣ : ١٢٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ١.

٢٨١

شعر ، اللهمّ إلاّ أن نعتمد على توثيق العلاّمة (١) ونحن لا نعتمد عليه (٢).

ومنها : ما عن جابر قال « قلت لأبي الحسن ( جعفر ) عليه‌السلام : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال : عجل الميِّت إلى قبره إلاّ أن تخاف أن تفوت وقت الفريضة ، ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها » (٣) وهي ضعيفة السند بعمرو بن شمر.

ومنها : ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرت الشمس أي عند الغروب لبقاء الحمرة حينئذ أتصلح أو لا؟ قال : لا صلاة في وقت صلاة ، وقال : إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز » (٤). وهي ضعيفة السند من جهة عدم اعتمادنا على طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى كما تقدم غير مرة أو من جهة عبد الله بن الحسن في طريقها الثاني.

وهي تدل على أن صلاة الميِّت متأخرة عن فريضة الوقت ، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المتن من أنه لا يبعد ترجيح تقديم وقت الفضيلة مع ضيقه ، ممّا لا دليل عليه.

والوجه في عدم الاعتماد على طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى هو أن طريق الشيخ إلى نوادر أحمد بن محمد بن عيسى وإن كان صحيحاً إلاّ أنه ذكر في المشيخة (٥) طرقه إلى أحمد بن محمد بن عيسى متقسطة حيث قال : ومن جملة ما رويته عن أحمد بن محمد بن عيسى بهذا السند. وهو طريق صحيح ، ثم قال : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد بن عيسى ما رويته بهذا الإسناد عن محمد بن علي ابن محبوب عن أحمد بن محمد. ومراده بهذا الإسناد ما ذكره قبل ذلك بلا فصل : وما‌

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٢٩٥ / ١٠٩٨.

(٢) عدل ( دام ظله ) عن ذلك في [ المعجم ٢١ : ١١٥ ] وبنى على وثاقة الرجل لوجوده في أسناد كامل الزيارات.

(٣) الوسائل ٣ : ١٢٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ٢.

(٤) الوسائل ٣ : ١٢٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ٣.

(٥) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٤٢ ، ٧٢ ، وطريقه إلى النوادر في ص ٧٤.

٢٨٢

ذكرته في هذا الكتاب عن محمد بن علي بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله يعني الغضائري عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب.

وحيث إنه طريق ضعيف ، لعدم توثيق أحمد بن محمد بن يحيى وإن كان من الأجلاء ومن ثمة نتعامل معه معاملة الضعيف فلا يمكننا الاعتماد على ما يرويه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى ، لاحتمال أن يكون ما يرويه عن الرجل هو ما رواه عنه بطريقه الضعيف.

إلاّ أنّا راجعنا الفهرست (١) فوجدنا أن للشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب طرقاً ثلاثة :

أحدها : ما قدّمنا نقله عن المشيخة بعينه ، وهو ضعيف.

وثانيها : ما ذكره بقوله : وأخبرنا بها أي بجميع كتبه ورواياته أيضاً جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة عنه. وهذا أيضاً ضعيف بأبي المفضل.

وثالثها : ما ذكره بقوله : وأخبرنا بها أيضاً جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس عنه. وهذا طريق صحيح ، وبهذا نبني على صحّة طريق الشيخ إلى كل من محمد بن علي بن محبوب وأحمد بن محمد بن عيسى ونحكم بصحّة الرواية في المقام ، كما عبّر عنها بالصحيحة صاحب الحدائق (٢) وغيره. وهي تدل على أن صلاة الميِّت إنما هي متأخرة عن فريضة الوقت ، هذا كلّه في مزاحمة صلاة الميِّت مع فضيلة الوقت.

وأما إذا زاحمت النافلة فذكر الماتن قدس‌سره أولوية تقديمها على النافلة ، لكنه إن أراد من النافلة النوافل المبتدأة فلا إشكال في أنها نافلة مستحبة وصلاة الميِّت فريضة واجبة فتتقدّم عليها ، لأن الفريضة تتقدم على النافلة. وإن أراد منها النوافل المرتبة اليومية فلا وجه للحكم بتقديم صلاة الميِّت عليها لأنها متقدِّمة على الفرائض‌

__________________

(١) الفهرست : ١٤٥ / ٦٢٣.

(٢) الحدائق ١٠ : ٤٧٧.

٢٨٣

وقد ورد إنما جعل الذراع والذراعان لمكان النافلة ، وقد بينا أن الفريضة تتقدّم على صلاة الميِّت ومعه تكون النافلة المقدمة على الفريضة مقدمة على صلاة الميِّت أيضاً.

وأمّا تقديمها على قضاء الفريضة فقد ذكر الماتن قدس‌سره أولوية تقديمها على القضاء. ولا وجه له ، لأن كلا منهما فريضة واجبة لا وجه لأولوية تقديم إحداهما على الأُخرى ، وكلامنا في سعة الوقت طبعاً من كلا الصلاتين.

بل يمكن القول بتقدّم القضاء على صلاة الميِّت ، لأن القضاء في سعة الوقت يتقدم على فريضة الوقت وهي متقدمة على صلاة الميِّت ، والمتقدم على المتقدم على شي‌ء متقدم على ذلك الشي‌ء.

وأمّا إذا زاحمت صلاة الميِّت مع الفريضة فهذه على وجوه ثلاثة :

الأوّل : أن يضيق وقت صلاة الميِّت دون الفريضة لحرارة الهواء أو للخوف من العدو أو لغير ذلك من الوجوه. ولا إشكال في تقدم صلاة الميِّت على الفريضة حينئذ.

الثاني : أن يضيق وقت الفريضة دون صلاة الميِّت. ولا إشكال في تقدم الفريضة على صلاة الميِّت حينئذ.

الثالث : ما إذا كان الضيق من الناحيتين لأن الجنازة لو تأخّرت تلاشت مثلاً والفريضة لو تأخرت ذهب وقتها. وفي هذه الصورة قد يفرض التزاحم بين الفريضة وصلاة الميِّت دون الدّفن ، لإمكانه في أي وقت أُريد الدّفن أو أن غيره يدفن وهو يشتغل بالفريضة. وأُخرى يفرض التزاحم بين الفريضة والدّفن.

أمّا الفرض الأوّل : فإن تمكّن من إدراك ركعة واحدة من الفريضة في وقتها قدم صلاة الميِّت ، فانّ مَن أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله.

وأمّا إذا لم يتمكن من ذلك فيقع التزاحم بين الصلاة على الميِّت والأجزاء الاختيارية من الصلاة دون الأجزاء الاضطرارية منها بأن يومئ للركوع والسجود ويترك السورة وهكذا ، فيتعيّن تقديم الصلاة على الميِّت ويكتفى بالأجزاء الاضطرارية من الصلاة لأنه مضطر إلى ترك الركوع والسجود ، وإلى الإيماء لهما من جهة عدم إمكان التأخير في صلاة الميِّت.

٢٨٤

كما أن الأولى تقديمها على النافلة وعلى قضاء الفريضة ويجب تقديمها على الفريضة فضلاً عن النافلة في سعة الوقت إذا خيف على الميِّت من الفساد ، ويجب تأخيرها عن الفريضة مع ضيق وقتها وعدم الخوف على الميِّت ، وإذا خيف عليه مع ضيق وقت الفريضة تقدم الفريضة ويصلى عليه بعد الدّفن ، وإذا خيف عليه من تأخير الدّفن مع ضيق وقت الفريضة يقدم الدّفن وتقضى الفريضة (*) ، وإن أمكن أن يصلِّي الفريضة مومئاً صلّى ولكن لا يترك القضاء أيضاً‌

______________________________________________________

نعم ذكر الماتن قدس‌سره أنه يقضي الصلاة خارج الوقت ، ولكنه أمر لا ملزم له وإن كان أحوط ، وهذا فيما إذا كانت المزاحمة بين أصل صلاة الميِّت وبين الفريضة.

وأما إذا كانت المزاحمة بين الفريضة وبين الصلاة على الميِّت قبل دفنه لا أصلها فالمزاحمة حينئذ إنما هي بين الأجزاء الاختيارية من الصلاة وبين شرط صلاة الميِّت وهو أن يكون قبل الدّفن ، ومعه لا يمكن الحكم بتقديم صلاة الميِّت وشرطها على الفريضة ، بل الأجزاء الاختيارية من الفريضة مقدمة على شرط صلاة الميِّت لأهميتها ، لأنها عماد الدين ومعه يتعيّن الصلاة على قبره بعد دفنه.

وأمّا إذا فرضنا أن ذلك غير ممكن أيضاً : إمّا أن يصلِّي على الميِّت وإما أن يأتي بالفريضة ، فلا مناص من تقديم الفريضة ودفن الميِّت ثم الصلاة على قبره ، فإن فريضة الصلاة من أركان الدين ومما بني عليه الإسلام وهي عماد الدين فلا يتقدم عليها مثل صلاة الميِّت ، هذا كله إذا كان التزاحم بين صلاة الميِّت وصلاة الفريضة.

وأما الفرض الثاني : وهو التزاحم بين الفريضة والدّفن لأن الجنازة لو تأخّرت أكلتها السباع أو سرقت أو غرقت أو أُحرقت أو نحو ذلك ، والفريضة لو تأخرت انقضى وقتها ، فيأتي فيه ما تقدم في الفرض الأوّل ، أي أنه إن تمكن من إدراك ركعة واحدة من الفريضة في وقتها وجب تقديم الدّفن ، لأن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة.

__________________

(*) في إطلاقه إشكال بل منع.

٢٨٥

[٩٨٩] مسألة ٢١ : لا يجوز على الأحوط (*) إتيان صلاة الميِّت في أثناء الفريضة وإن لم تكن ماحية لصورتها ، كما إذا اقتصر على التكبيرات وأقلّ الواجبات من الأدعية في حال القنوت مثلا (١).

______________________________________________________

وإذا لم يتمكّن من ذلك فيقع التزاحم بين الدّفن وبين الأجزاء الاختيارية من الصلاة فتنتقل النوبة إلى الاكتفاء بالأجزاء الاضطرارية من الصلاة مع تقديم الدّفن.

وإذا لم يتمكّن من ذلك فقد ذكر الماتن قدس‌سره أن الدّفن يقدّم على صلاة الفريضة فيأتي بها قضاء.

وهذا لا يمكن المساعدة عليه على نحو الإطلاق ، لأنه إنما يصح فيما إذا كان الميِّت من الأكابر والأعاظم من أهل الدين بحيث لو سرقت جنازته مثلاً ولم يدفن انهتك الدين وكان هتكاً للإسلام فيتقدّم الدّفن على الصلاة لأهميته. وأما الأشخاص العاديون الذين لا يلزم هتك الدين من عدم دفنهم فلا يمكن تقديمه على الصلاة مع أنها ممّا بني عليه الإسلام ومن أركان الدين ، ومن ثمة كتبنا في التعليقة : في إطلاقه إشكال بل منع.

إتيان صلاة الجنازة في أثناء الفريضة‌

(١) لا إشكال في عدم الجواز إذا كانت ماحية لصورة الفريضة ، لأنه وإن لم يكن منصوصاً إلاّ أن للصلاة صورة وهيئة خاصة بالارتكاز ، وإذا كان الإتيان بصلاة الميِّت ماحياً لها فلا يجوز الإتيان بها نظير الفصل الطويل بين أجزائها.

وأمّا إذا لم تكن ماحية لصورة الفريضة كما إذا أتى بالتكبيرات سريعاً واقتصر على أقل الواجب من الدعاء فلا مانع من الإتيان بها في أثناء الفريضة ، ولا دليل على عدم جواز الإتيان بها في أثناء الفريضة ، كما أن الفريضة لا مانع من الإتيان بصلاة‌

__________________

(*) وإن كان الجواز غير بعيد.

٢٨٦

[٩٩٠] مسألة ٢٢ : إذا كان هناك ميِّتان يجوز أن يصلِّي على كل واحد منهما منفرداً ، ويجوز التشريك بينهما في الصلاة فيصلِّي صلاة واحدة عليهما وإن كانا مختلفين في الوجوب والاستحباب ، وبعد التكبير الرابع يأتي بضمير التثنية (١) ، هذا إذا لم يخف عليهما أو على أحدهما من الفساد ، وإلاّ وجب التشريك أو تقديم من يخاف فساده.

[٩٩١] مسألة ٢٣ : إذا حضر في أثناء الصلاة على الميِّت ميت آخر يتخيّر المصلِّي بين وجوه (٢) : الأوّل : أن يتم الصلاة على الأوّل ثم يأتي بالصلاة على الثاني.

______________________________________________________

الميِّت في أثنائها (١) ، لأنها ليست إلاّ دعاءً وتهليلاً وتسبيحاً ، نظير الإتيان بصلاة الآيات في أثناء الفريضة وبالعكس.

إذا تعدّدت الجنازة‌

(١) قد وردت النصوص في ذلك (٢) واعتبر الترتيب بين الجنائز في بعضها وأن جنازة الرجل تتقدم على جنازة المرأة وأنها توضع في مقابل ألية الرجل وهكذا على نحو الدرج ويقوم المصلي في وسطها.

إلاّ أن صحيحة هشام بن سالم دلت على عدم اعتبار الترتب بينهما بوجه ، « لا بأس أن يقدّم الرجل وتؤخّر المرأة ويؤخّر الرجل وتقدّم المرأة » (٣).

إذا تواردت جنازة في أثناء الصلاة على جنازة‌

(٢) ذكر الماتن قدس‌سره فيه وجوهاً :

__________________

(١) لعلّ المناسب : كما أنّ الفريضة لا مانع من الإتيان بها في أثناء صلاة الميِّت.

(٢) الوسائل ٣ : ١٢٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٢٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٦.

٢٨٧

الثاني : قطع الصلاة واستئنافها بنحو التشريك.

الثالث : التشريك في التكبيرات الباقية وإتيان الدعاء لكل منهما بما يخصه والإتيان ببقية الصلاة للثاني بعد تمام صلاة الأوّل‌

______________________________________________________

الأوّل : أن يتم الصلاة على الاولى ثم يستأنفها للثانية. وهذا على طبق القاعدة ، إذ لا ملزم للقطع والتشريك ، فيتمها ثم يصلِّي للجنازة الثانية.

الثاني : أن يقطع صلاته على الاولى ويستأنفها لهما معاً من الابتداء ، لعدم الدليل على حرمة قطعها ، فلو قلنا بها فإنما هي في صلاة ذات ركوع وسجود ، فله قطعها واستئناف صلاة الميِّت لهما معاً أو لكل منهما منفرداً ولو بتقديم الثانية على الاولى.

الثالث : أن يشرك الثانية مع الاولى في التكبيرات الباقية مع مراعاة الدعاء لكل منهما في التكبيرات ، فاذا تمّت الخامسة يأتي ببقية التكبيرات للثانية.

وهذا هو الذي يستفاد من النص الوارد في المقام وهو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو اثنتين ووضعت معها اخرى كيف يصنعون؟ قال : إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا رفعوا الاولى وأتموا ما بقي على الأخيرة ، كل ذلك لا بأس به » (١).

وذكر في الوسائل أنه استدل بها جماعة على التخيير بين قطع الصلاة على الاولى واستئنافها عليهما وبين إكمال الصلاة على الاولى وإفراد الثانية بصلاة ثانية ، وهذا كما ذكره الشهيد (٢) أمر لا يمكن استفادته من الصحيحة كما هو ظاهر.

واحتمل في الوسائل أن يراد من التكبير هنا مجموع التكبير على الجنازتين أي التكبيرات العشرة بمعنى أنهم يتمون الاولى ويستأنفون صلاة الأُخرى ويتخيرون في رفع الاولى وتركها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٢٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٤ ح ١.

(٢) الذكرى : ٦٣.

٢٨٨

مثلاً إذا حضر قبل التكبير الثالث يكبّر ويأتي بوظيفة صلاة الأوّل وهي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وبالشهادتين لصلاة الميِّت الثاني ، وبعد التكبير الرابع يأتي بالدعاء للميت الأوّل وبالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للميت الثاني وبعد الخامسة تتم صلاة الأوّل ويأتي للثاني بوظيفة التكبير الثالث وهكذا يتم بقية صلاته ، ويتخير في تقديم وظيفة الميِّت الأوّل أو الثاني بعد كل تكبير مشترك هذا مع عدم الخوف على واحد منهما (١) ، وأما إذا خيف على الأوّل يتعيّن الوجه الأوّل ، وإذا خيف على الثاني يتعيّن الوجه الثاني أو تقديم الصلاة على الثاني بعد القطع ، وإذا خيف عليهما معاً (٢) يلاحظ قلّة الزمان في القطع والتشريك بالنسبة‌

______________________________________________________

وفيه : أن الإمام عليه‌السلام عبّر بقوله « وأتموا » ولم يقل : واستأنفوا. وهذا يدل على إرادة ما ذكرناه من التشريك في التكبيرات الباقية مع مراعاة الدعاء لكل منهما بحسب التكبيرات ثم بعد الخامسة لهم أن يرفعوا الجنازة الأُولى ولهم أن يبقوها حتى تنتهي تكبيرات الجنازة الثانية.

(١) والوجه فيما أفاده واضح لا يحتاج إلى البيان.

(٢) وتوضيحه : أن التشريك قد يوجب طول الزمان بالإضافة إلى الميِّتين كما إذا وضعت الجنازة الثانية قبل التكبيرة الثانية ، فإنه حينئذ لو شركهما من الثانية إلى آخر التكبيرات لاستلزم هذا أن يأتي بستة أدعية : الثلاثة الباقية والثلاثة للميت الثاني يأتي بهما مع الثلاثة له ، ومع الدعاء الأوّل بعد التكبيرة الأُولى تصير الأدعية سبعة وهذا بخلاف ما لو قطعها وصلّى لهما فإنه يستلزم خمسة أدعية بعد التكبيرات واحد لما قطعه وأربعة لما استأنفه من الصلاة ، وكذلك الحال بالإضافة إلى الميِّت الثاني ومعه يتعيّن القطع دون التشريك.

وقد يكون القطع موجباً لطول الزمان دون التشريك (١) وهذا كما إذا وضعت الجنازة‌

__________________

(١) لعلّ المناسب : وقد يكون التشريك موجباً لطول الزّمان بالإضافة إلى الثاني.

٢٨٩

إليهما إن أمكن ، وإلاّ فالأحوط عدم القطع (١).

______________________________________________________

الثانية بعد الدعاء الثاني ، فإنه لو أراد القطع للزم أن تتأخّر الجنازة الأُولى بمقدار ستة أدعية : الأربعة المستأنفة والدعاءان المتقدِّمان ، وهذا بخلاف ما لو شركهما فإنه بالإضافة إلى كل من الميِّتين يستلزم التأخر بمقدار ستة أدعية ، وحينئذ يتعيّن القطع.

وقد يكون التشريك أقل زماناً بالإضافة إلى أحدهما والقطع بالإضافة إلى الآخر كما إذا وضعت الجنازة الثانية بعد الدعاء الثالث ، فان القطع أقل زماناً بالإضافة إلى الميِّت الثاني فإنه يستلزم التأخير بمقدار أربعة أدعية ولكنه بالإضافة إلى الميِّت الأوّل يوجب التأخر بمقدار سبعة أدعية : الأربعة المستأنفة والثلاثة المتقدمة ، والتشريك أقل زماناً بالإضافة إلى الميِّت الأوّل لاستلزامه التأخر بمقدار خمسة أدعية.

(١) لعلّ نظره قدس‌سره إلى الترجيح بالأسبقية في الزمان ، فانّ القطع موجب للتأخّر في الجنازة الأُولى ، والأسبقية في الزمان وإن كنّا نلتزم بكونها مرجحة إلاّ أن موردها ما إذا كانت الأسبقية في الامتثال ، كما إذا وجب عليه صوم هذا اليوم واليوم الثاني ولم يقدر على كليهما ، فإنه لو صام هذا اليوم عجز عجزاً وجدانياً عن الصوم في اليوم الثاني فلا يمكن تكليفه به فيسقط ، وأما لو أراد صوم اليوم الثاني وترك الصوم في هذا اليوم فهو ترك مستند إلى العمد والاختيار وهو حرام ، ومن هنا كان الصوم الأسبق في الزمان متعيناً في حقه.

وهذا بخلاف المقام أعني ما إذا كان أحدهما أسبق في الوجوب على الآخر كما إذا مات الأوّل قبل الثاني أو كان أسبق بحسب الإرادة ، فان الأسبقية لا تكون مرجحة حينئذ ، بل يتخير المكلف حينئذ بين الأمرين ، فله أن يقطع ويستأنف الصلاة لهما وله أن يشركهما في الصلاة.

٢٩٠

فصل

في آداب الصّلاة على الميِّت

وهي أُمور :

الأوّل : أن يكون المصلي على طهارة من الوضوء أو الغسل أو التيمّم ، وقد مرّ جواز التيمّم مع وجدان الماء أيضاً إن خاف فوت الصلاة لو أراد الوضوء بل مطلقاً (*).

الثاني : أن يقف الإمام والمنفرد عند وسط الرّجل بل مطلق الذّكر ، وعند صدر المرأة بل مطلق الأُنثى ، ويتخير في الخنثى. ولو شرّك بين الذّكر والأُنثى في الصلاة جعل وسط الرّجل في قبال صدر المرأة ليدرك الاستحباب بالنسبة إلى كل منهما.

الثالث : أن يكون المصلِّي حافياً ، بل يكره الصلاة بالحذاء ، دون مثل الخف والجورب.

الرابع : رفع اليدين عند التكبير الأوّل بل عند الجميع على الأقوى.

الخامس : أن يقف قريباً من الجنازة بحيث لو هبّت الريح وصل ثوبه إليها.

السادس : أن يرفع الإمام صوته بالتكبيرات بل الأدعية أيضاً ، وأن يسرّ المأموم.

السابع : اختيار المواضع المعتادة للصلاة التي هي مظان الاجتماع وكثرة المصلين.

الثامن : أن لا توقع في المساجد ، فإنّه مكروه عدا مسجد الحرام.

التاسع : أن تكون بالجماعة ، وإن كان يكفي المنفرد ولو امرأة.

__________________

(*) مرّ أن الأحوط عند عدم خوف فوت الصلاة الإتيان به رجاء.

٢٩١

العاشر : أن يقف المأموم خلف الإمام وإن كان واحداً بخلاف اليومية ، حيث يستحب وقوفه (*) إن كان واحداً إلى جنبه.

الحادي عشر : الاجتهاد في الدعاء للميت والمؤمنين.

الثاني عشر : أن يقول قبل الصلاة : « الصلاة » ثلاث مرات.

الثالث عشر : أن تقف الحائض إذا كانت مع الجماعة في صف وحدها.

الرابع عشر : رفع اليدين عند الدعاء على الميِّت بعد التكبير الرابع على قول بعض العلماء ، لكنه مشكل إن كان بقصد الخصوصية والورود.

[٩٩٢] مسألة ١ : إذا اجتمعت جنازات فالأولى الصلاة على كل واحد منفرداً وإن أراد التشريك فهو على وجهين :

الأوّل : أن يوضع الجميع قدام المصلي مع المحاذاة ، والأولى مع اجتماع الرجل والمرأة جعل الرجل أقرب إلى المصلي حراً كان أو عبداً ، كما أنه لو اجتمع الحر والعبد جعل الحر أقرب إليه ، ولو اجتمع الطفل مع المرأة جعل الطفل أقرب إليه إذا كان ابن ست سنين وكان حرّا ، ولو كانوا متساوين في الصفات لا بأس بالترجيح بالفضيلة ونحوها من الصفات الدينية ، ومع التساوي فالقرعة ، وكل هذا على الأولوية لا الوجوب ، فيجوز بأي وجه اتفق.

الثاني : أن يجعل الجميع صفاً واحداً ويقوم المصلِّي وسط الصف ، بأن يجعل رأس كلٍّ عند ألية الآخر شبه الدرج ، ويراعي في الدعاء لهم بعد التكبير الرابع تثنية الضمير أو جمعه وتذكيره وتأنيثه ، ويجوز التذكير في الجميع بلحاظ لفظ الميِّت ، كما أنه يجوز التأنيث بلحاظ الجنازة.

__________________

(*) بل هو الأحوط على ما سيجي‌ء.

٢٩٢

فصل في الدّفن‌

يجب كفاية دفن الميِّت بمعنى مواراته في الأرض بحيث يؤمن على جسده من السباع ومن إيذاء ريحه للناس (١)

______________________________________________________

فصل في الدّفن‌

(١) الكلام في ذلك يقع من جهات :

وجوب الدّفن

الاولى : في وجوبه ، ولا إشكال في وجوب الدّفن شرعاً. ويكفي فيه التسالم من المسلمين قاطبة وعدم نقل الخلاف في المسألة ، مضافاً إلى ما ورد في الشهيد من أنه إذا أدركه المسلمون وبه رمق غسل وكفن ثم صلي عليه فيدفن (١) وما ورد في السقط من أنه إذا كان تاماً غسل وكفن ودفن (٢) ، وما ورد في الأعضاء الموجودة من بدن الميِّت من أنها تغسل وتكفن ثم يصلى عليها فتدفن (٣) إلى غير ذلك من الأخبار.

مقدار الحفر

الثانية : في مقدار الحفر. الدّفن والإقبار الواردان في الأخبار بمعنى واحد ، والمراد منهما مواراة الميِّت على وجه الإطلاق ، فإنه إذا حفر بمقدار شبر وجعل عليه التراب بهذا المقدار أو بمقدار شبرين وإن كان يستر جسد الميِّت إلاّ أنه ستر ومواراة من جهة النظر فقط ، وليس ستراً ومواراة من جهة انتشار رائحته وأكل السباع إياه. والظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠١ / أبواب غسل الميِّت ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨.

٢٩٣

ولا يجوز وضعه في بناء أو في تابوت ولو من حجر بحيث يؤمن من الأمرين مع القدرة على الدّفن تحت الأرض ، نعم مع عدم الإمكان لا بأس بهما ، والأقوى كفاية (*) مجرّد المواراة في الأرض بحيث يؤمن من الأمرين من جهة عدم وجود السباع أو عدم وجود الإنسان هناك ، لكن الأحوط كون الحفيرة على الوجه المذكور وإن كان الأمن حاصلاً بدونه.

______________________________________________________

من الدّفن والإقبار هو المواراة المطلقة من جميع الجهات ، وهذا لا يتحقق إلاّ بحفر الأرض مقدار متر أو مترين على اختلاف الأراضي.

فما ذكره صاحب الجواهر قدس‌سره من أنه لا دليل على لزوم الحفر بذلك المقدار بل اللازم هو مطلق المواراة الصادق على ما إذا كان الحفر بمقدار شبر واحد (٢) مما لا يمكن المساعدة عليه ، فان المعتبر هو المواراة المطلقة لا مطلق المواراة ، فقد أُخذ في مفهومها الحفر بمقدار يستر بدن الميِّت من حيث النظر وانتشار الرائحة وأكل السبع ، وهذا لا يحصل إلاّ بحفر مقدار متر أو مترين ونحو ذلك.

ما يراد بالدّفن

الثالثة : الظاهر من الدّفن والإقبار هو الدّفن في باطن الأرض بأن يكون الجسد تحت الأرض. ولا يصدق شي‌ء منهما بجعل الميِّت في بناء فوق الأرض ولو مع فرض العلم ببقائه إلى الأبد وعدم صيرورته خراباً ، أو بثقب الحجر العظيم وجعل الميِّت فيه وسدّه وإن كانت نتيجته هي نتيجة الإقبار ، بل لا بدّ أن يحفر له حفيرة في الأرض ويكون تحت الأرض أيضاً.

اللهمّ إلاّ أن تكون الأرض صلبة لا يمكن حفرها فإنه لا بدّ من جعله في بناء أو نحو ذلك مما يستر بدنه ، وهذا لا لقاعدة الميسور ، لعدم تماميتها ، بل للعلم الخارجي‌

__________________

(*) بل الأقوى عدم كفاية ذلك.

(١) الجواهر ٤ : ٢٩١.

٢٩٤

[٩٩٣] مسألة ١ : يجب كون الدّفن مستقبل القبلة (١)

______________________________________________________

بأن الشارع لا يرضى بهتك المؤمن وإهانته بجعله عرضة لأكل السباع إياه أو انتشار رائحته ، فإن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً.

مطلوبية المواراة الفعلية

الجهة الرابعة : هل المعتبر هي المواراة الفعلية أو الشأنية بحيث لو فرضنا مورداً لا يوجد فيه إنسان ليتأذى من رائحة الميِّت ولا سبع ليخرجه من قبره ويفترسه فيكفي ستر جسد الميِّت بمقدار شبر واحد؟

الصحيح اعتبار المواراة الفعلية ، وهي تختلف باختلاف الأماكن ، ففي الأماكن التي يوجد فيها الإنسان والسبع لا تتحقق المواراة الفعلية إلاّ بحفر الأرض مقدار متر أو مترين ونحوهما ، وفيما لا يوجد فيه شي‌ء منهما يكفي الحفر بمقدار شبر فإنه مواراة فعلية بالإضافة إلى ذلك المكان حقيقة.

وبعبارة اخرى : لا بدّ أن تكون المواراة حقيقية لا فرضية ، بأن يقال : اللاّزم هو دفنه على نحو لو وجد إنسان أو سبع كان بدن الميِّت مستوراً من جميع الجهات والمواراة بمقدار شبر في الأماكن التي لا يوجد فيها إنسان أو سبع مواراة حقيقية وإن كان الأحوط أن يحفر بمقدار متر أو مترين.

اشتراط استقبال القبلة‌

(١) وليس مستنده التسالم ولا روايتي الدعائم (١) والرضوي (٢) بل مستنده صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان البراء بن المعرور الأنصاري بالمدينة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة وأنه حضره الموت وكان‌

__________________

(١) ، (٢) المستدرك ٢ : ٣٧٥ / أبواب الدّفن ب ٥١ ح ٢ ، دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨ ، فقه الرضا : ١٧٠.

٢٩٥

على جنبه الأيمن (١) بحيث يكون رأسه (*) إلى المغرب ورجله إلى المشرق (٢)

______________________________________________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى البراء أن يجعل وجهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى القبلة ... فنزل به الكتاب وجرت به السنة » (٢) ، لدلالتها على أن الشارع المقدس أمضى تلك الوصية وصار معمولاً بها بين المسلمين.

اعتبار كونه على الجنب الأيمن‌

(١) استدل عليه بالتسالم وروايتي الدعائم والفقه الرضوي (٣). ولكن الصحيح أن يستدل عليه بصحيحة محمد بن عيسى اليقطيني عن يعقوب بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الميِّت كيف يوضع على المغتسل ، موجهاً وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال : يوضع كيف تيسر ، فاذا طهر وضع كما يوضع في قبره » (٤).

فهي تدل على أن للوضع في القبر كيفية خاصّة ، وإلاّ فلا معنى لقوله : « كما يوضع في قبره » وبما أن السيرة الخارجية جرت على دفنه ووضعه في القبر على جانبه الأيمن ولم يرد في الأخبار ردع عنها فنعلم أن الكيفية المعتبرة شرعاً في الدّفن هي تلكم الكيفية الدارجة عند المتدينين.

الاشتباه في كلام الماتن‌

(٢) في عبارة الماتن قدس‌سره هنا وفي بحث صلاة الجنائز اشتباه ظاهر ، فان ما‌

__________________

(*) هذا فيما إذا كانت القبلة في طرف الجنوب.

(١) الوسائل ٣ : ٢٣٠ / أبواب الدّفن ب ٦١ ح ١.

(٢) المتقدِّمتين آنفاً.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٩١ / أبواب غسل الميِّت ب ٥ ح ٢.

٢٩٦

وكذا في الجسد بلا رأس ، بل في الرأس بلا جسد بل في الصدر وحده (*) ، بل في كل جزء يمكن فيه ذلك (١).

[٩٩٤] مسألة ٢ : إذا مات ميت في السفينة (٢) فإن أمكن التأخير ليدفن في‌

______________________________________________________

إفادة إنما يتم إذا كانت القبلة في طرف الجنوب كما في بلادنا ونحوها ، إلاّ أن القبلة لا يلزم أن تكون في طرف الجنوب دائماً ، بل قد تكون في طرف الشمال فلا بدّ أن يكون رأس الميِّت إلى المشرق ورجله إلى المغرب ، وقد تكون في المشرق فلا بدّ أن يكون رأسه إلى الجنوب ورجلاه إلى الشمال ، وقد تكون القبلة في طرف المغرب فتعكس هيئة الدّفن.

وهذا وإن كان تصويره في سائر البلاد يحتاج إلى التأمل اليسير إلاّ أنه في مكة نفسها بمكان من الوضوح ، لأن البيت زاده الله شرفاً قد أُحيط بالبلد ، فقد يدفن الميِّت في طرف الجنوب وأُخرى في طرف الشمال وثالثة في طرف المشرق ورابعة في طرف المغرب.

(١) يعني : ما ذكرناه من وجوب دفن الميِّت على يمينه مستقبل القبلة يأتي في أعضاء الميِّت أيضاً ، والأمر كما أفاده ، لما استفدناه من الصحيحة المتقدمة من أن للدفن هيئة خاصة بلا فرق في ذلك بين دفن الميِّت التام ودفن الأعضاء.

إذا مات في السفينة

(٢) الكلام في هذه المسألة يقع في جهات.

الاولى : أن الاستقبال المعتبر في دفن الميِّت هل يعتبر في إلقاء الميِّت في البحر؟

الصحيح عدم اعتبار الاستقبال حينئذ ، لأن الصحيحة إنما دلت على اعتباره في الدّفن ، والإلقاء في البحر ليس بدفن وإنما هو بدل عنه ، ولم يقم دليل على اعتبار‌

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما بعده.

٢٩٧

الأرض بلا عسر وجب ذلك ، وإن لم يمكن لخوف فساده أو لمنع مانع يغسّل ويكفّن ويحنّط ويصلّى عليه ويوضع في خابية ويوكأ رأسها ويلقى في البحر مستقبل القبلة على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب الاستقبال ، أو يثقل الميِّت بحجر أو نحوه بوضعه في رجله ويلقى في البحر كذلك ، والأحوط (١) مع الإمكان اختيار الوجه الأوّل ، وكذا إذا خيف على الميِّت من نبش العدو قبره وتمثيله.

______________________________________________________

الاستقبال في البدل أيضاً ، نعم الوجه الاعتباري يساعد الاشتراط في البدل أيضاً ، إلاّ أنه غير قابل للاعتماد عليه.

تعيين الوظيفة في المسألة

الثانية : هل المكلف مخير بين جعل الميِّت في خابية وسد رأسها وإلقائها في البحر وبين تثقيل الميِّت بحجر أو نحوه وإلقائه فيه فيما إذا مات في السفينة لعدم إمكان الإقبار فيها لأنها ليست بأرض ، أو أن المتعين هو الأوّل فحسب؟

الذي دلّت عليه صحيحة أيوب بن الحر قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال : يوضع في خابية ويوكأ رأسها وتطرح في الماء » (٢) تعيّن الأوّل فقط ، لأنها ظاهرة في ذلك ، ولا موجب لرفع اليد عن ظهورها بوجه.

نعم المشهور بينهم هو التخيير ، ولا مستند لهم سوى الجمع بين الصحيحة وبين الأخبار الآمرة بتثقيل الميِّت وإلقائه في الماء.

منها : رواية أبي البختري وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا مات الميِّت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يصلى‌

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ٣ : ٢٠٥ / أبواب الدّفن ب ٤٠ ح ١.

٢٩٨

عليه ثم يوثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء » (١).

وقد رواها الصدوق بعينها مرسلة (٢) كما رواها الحميري عن السندي بن محمد عن أبي البختري (٣). وهي بجميع طرقها ضعيفة السند ، لوجود وهب بن وهب الذي قيل في حقه : أنه أكذب أهل البرية.

ومنها : مرسلة أبان عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « في الرجل يموت مع القوم في البحر ، فقال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى في البحر » (٤) وهي مرسلة. ويحتمل أن يكون المراد بالرجل فيها هو وهب بن وهب الراوي للرواية السابقة.

ومنها : مرفوعة سهل بن زياد رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط ، قال : يكفن ويحنط في ثوب ( ويصلى عليه ) ويلقى في الماء » (٥).

ومنها : ما في الفقه الرضوي : « وإن مات في سفينة فاغسله وكفنه وثقّل رجليه وألقه في البحر » (٦) وهي لم يثبت كونها رواية فضلاً عن كونها معتبرة ، ومعه لا وجه للاستدلال بها على ما ذهب إليه المشهور ، لضعفها وعدم صلاحيتها لمعارضة الصحيحة المتقدمة الدالّة على تعين وضع الميِّت في خابية وإلقائه في البحر.

وقد علل المحقق الهمداني قدس‌سره الاستدلال بتلكم الروايات بأنها مستفيضة الرواية (٧).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٠٦ / أبواب الدّفن ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٩٦ / ٤٤١.

(٣) قرب الإسناد : ١٣٨ / ٤٩١.

(٤) الوسائل ٣ : ٢٠٦ / أبواب الدّفن ب ٤٠ ح ٣.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٠٧ / أبواب الدّفن ب ٤٠ ح ٤.

(٦) المستدرك ٢ : ٣٤٥ / أبواب الدّفن ب ٣٧ ح ١ ، فقه الرضا : ١٧٣.

(٧) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٤٢٠ السطر ٣٠.

٢٩٩

وفيه : أن الرواية المستفيضة هي التي توجب أقل مراتب الاطمئنان بصدورها عن المعصوم عليه‌السلام ، ومع انحصار الرواية في ثلاث أو أربع وكلها ضعاف كيف تكون الرواية مستفيضة وموجبة للاطمئنان بصدورها؟

نعم إذا لم توجد خابية ولم يتمكن المكلف منها يتعين تثقيل الميِّت بحجر أو حديد وإلقاؤه في البحر. وهذا لا يستند إلى تلكم الروايات الضعيفة ، بل لأنه مقتضى القاعدة ، للعلم الخارجي بأن الشارع لا يرضى بإهانة المؤمن أو أكله الحيوانات ، فهو أقل مراتب الستر والحفظ حينئذ ، وعليه فيكون التثقيل في طول الوضع في الخابية لا أنه في عرضه كما هو المشهور.

الوجوب في المسألة مشروط بالعجز عن الدّفن

الجهة الثالثة : في أن وجوب الوضع في الخابية بالكيفية المتقدمة هل يختص بما إذا لم يمكن دفنه في الأرض كالشاطئ ، أو يعمه وما إذا كان الدّفن في الأرض ممكناً للمكلفين؟ نسب إلى المفيد في المقنعة (١) وإلى المحقق في المعتبر (٢) الجواز أخذاً بإطلاق الصحيحة.

وهذه النسبة على تقدير صحّتها وإمكان استفادتها من كلامهما قدس‌سرهما لا يمكن المساعدة عليها ، وهذا لا لأجل انصراف الصحيحة إلى صورة العجز وعدم التمكن من الدّفن كما قيل بل لأن في نفس الصحيحة قرينة على الاختصاص وهي قوله : « كيف يصنع به » فإنها ظاهرة في عدم إمكان إيصاله إلى الأرض ودفنه ، وإلاّ فمع إمكانه لا وجه لقوله في السؤال : « كيف يصنع به » فإنه نظير السؤال عن أن الميِّت إذا مات في بيته كيف يصنع به ، فإنه يصنع به كما يصنع بسائر الموتى.

وعليه أي بناء على الاختصاص لا يجوز الإلقاء في البحر إذا أمكن دفنه في الأرض أو في شاطئ البحر ولو بعد تأخير ساعة أو يوم مع الأمن من طروء الفساد على الميِّت حينئذ.

__________________

(١) لاحظ المقنعة : ٨٦.

(٢) المعتبر ١ : ٢٩١.

٣٠٠