موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٩٧٠] مسألة ٢ : إذا لم يتمكّن من الصلاة قائماً أصلاً يجوز أن يصلِّي جالساً (١) وإذا دار الأمر بين القيام بلا استقرار والجلوس مع الاستقرار يقدّم القيام (٢) وإذا دار بين الصلاة ماشياً أو جالساً يقدّم الجلوس (*) إن خيف على الميِّت من الفساد مثلاً ، وإلاّ فالأحوط الجمع (٣).

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من أن اعتباره يختص بحال الاختيار ويسقط عند التعذر ، إذ لا دلالة في دليله على اعتباره مطلقاً ، مضافاً إلى القطع بأن الميِّت لا يدفن بلا صلاة لأجل تعذر القيام أو الاستقبال في المصلي.

(٢) لأن الاستقرار إنما اعتبرناه في الصلوات الحقيقية بالإجماع ، وفي صلاة الميِّت نقول بالاستقرار احتياطاً إلحاقاً لها بالصلوات الحقيقية وإلاّ فلا دليل على اعتباره في المقام ، كما أنه في الصلوات الحقيقية مختص بما إذا لم يكن مزاحماً بشرط أو جزء آخر ومع استلزامه ترك شي‌ء منهما لا يشمله الإجماع.

(٣) تقديم الجلوس يبتني على القول بالأخذ بما يحتمل تعينه عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فان الجلوس محتمل التعيين لأنه التزم به بعضهم.

لكن ذكرنا في محله أن مقتضى القاعدة هو التخيير ، لجريان البراءة عن تعين ما يحتمل تعينه (٢). وفي المقام يتخيّر بين الأمرين بين الصلاة جالساً والميِّت قدامه وبين الصلاة ماشياً وهو قائم من غير أن يكون الميِّت قدامه لأن مقتضى إطلاق ما دل على اعتبار القيام هو أن القيام معتبر سواء تمكن من الوقوف أم لم يتمكن ، كما أن مقتضى ما دلّ على اعتبار وقوف المصلي خلف الميِّت محاذياً له أنه معتبر مطلقاً سواء تمكّن من القيام أم لم يتمكن فيتساقطان وينتج التخيير المذكور.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٤٨ فما بعد ، محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢٧٥.

٢٦١

[٩٧١] مسألة ٣ : إذا لم يمكن الاستقبال أصلاً سقط (١) وإن اشتبه صلّى إلى أربع جهات (*) إلاّ إذا خيف عليه الفساد فيتخير ، وإن كان بعض الجهات مظنوناً صلّى إليه وإن كان الأحوط الأربع (٢).

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من اختصاص شرطيته بحال التمكّن (٢).

(٢) يقع الكلام في هذه المسألة من جهتين :

الجهة الأُولى : ما إذا كان بعض الجهات مظنون القبلة. ولا ينبغي الإشكال في تعين الجهة المظنونة حينئذ ، لأن ما دل على اعتبار الظن بالقبلة وهو صحيحة زرارة : « يجزئ التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (٣) غير مختص بالصلاة الحقيقية ، بل يعم صلاة الميِّت والذبح وغيرهما ممّا يشترط فيه استقبال القبلة.

الجهة الثانية : ما إذا لم يكن بعض الجهات مظنون القبلة. وقد أفتى الماتن قدس‌سره حينئذ أنه يصلِّي إلى أربع جهات ، والوجه في ذلك أُمور :

منها : العلم الإجمالي.

ومنها : رواية الخراش عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت : جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : ليس كما يقولون ، إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه » (٤).

ومنها المرسلتان : روي : « المتحيِّر يصلِّي إلى أربع جوانب » (٥) وروى في مَن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أن يصلِّي إلى أربعة جوانب (٦).

__________________

(*) تجزئ الصلاة إلى ثلاث جهات على أن يكون الفصل بينها على حد سواء ، بل لا تبعد كفاية الصلاة إلى جهة واحدة.

(١) تقدّم في ص ٢٥٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٦ ح ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٣١١ / أبواب القبلة ب ٨ ح ٥.

(٤) الوسائل ٤ : ٣١٠ / أبواب القبلة ب ٨ ح ٤.

(٥) الوسائل ٤ : ٣١٠ / أبواب القبلة ب ٨ ح ١.

٢٦٢

[٩٧٢] مسألة ٤ : إذا كان الميِّت في مكان مغصوب والمصلِّي في مكان مباح صحّت الصلاة (١).

[٩٧٣] مسألة ٥ : إذا صلّى على ميتين بصلاة واحدة وكان مأذوناً من ولي أحدهما دون الآخر أجزأ بالنسبة إلى المأذون فيه دون الآخر (*) (٢).

______________________________________________________

ولا يتم شي‌ء من الوجوه ، وذلك لأن المرسلتين لضعفهما لا يمكن الاعتماد عليهما ورواية خراش ضعيفة السند بخراش ومن قبله. مضافاً إلى ضعف دلالتها ، فإنها تقتضي أن المكلف إذا تحرى واجتهد لا يعمل بظنه ، بل يصلِّي إلى أربع جهات مع أنّا نلتزم بوجوبها إلى ما ظن كونه قبلة حينئذ من دون أن نوجب الصلاة إلى أربع جهات.

وأمّا العلم الإجمالي فهو وإن كان يقتضي الاحتياط إلاّ أن الصلاة إلى أربع جهات غير لازمة ، وذلك لأن الدائرة الفلكية إذا قسمت إلى ثلاث قطع اشتملت كل قطعة منها على ما بين المشرق والمغرب ، والصلاة إلى ما بينهما عند عدم التمكن من القبلة كافٍ في الصلاة.

هذا كلّه حسبما تقتضيه القاعدة ، وإلاّ فمقتضى صحيحة زرارة الثانية الدالّة على أن المتحيِّر يكتفي بالصلاة إلى جهة واحدة (٢) كفاية الصلاة مرة واحدة ، ولا يحتمل أن يكون المتحير في الصحيحة تصحيف المتحري ، لقوله بعد ذلك : « أبداً أين ما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » فإن المتحري إنما يتوجه إلى ما ظن كونه قبلة ولا يصدق في حقه : أين ما توجّه. ثم لو قلنا بوجوب الصلاة إلى أربع جهات إلاّ أنه لم يتمكن منها ولو خوفاً على الجنازة من الفساد فيكفيه الصلاة إلى جهة واحدة من غير ريب.

(١) لأن الإباحة على تقدير اعتبارها في صلاة الميِّت إنما هي شرط معتبر في صلاة المصلِّي ومكانه لئلاّ تقع صلاته باطلة ، وأما كون الميِّت في محل مغصوب فلا يضر بصحّة صلاته.

(٢) هذا منه قدس‌سره مبني على اعتبار إذن الولي في الصلاة على الميِّت ، وقد‌

__________________

(*) على الأحوط كما تقدم.

(١) الوسائل ٤ : ٣١١ / أبواب القبلة ب ٨ ح ٢.

٢٦٣

[٩٧٤] مسألة ٦ : إذا تبيّن بعد الصلاة أن الميِّت كان مكبوباً وجب الإعادة بعد جعله مستلقياً على قفاه (١).

[٩٧٥] مسألة ٧ : إذا لم يصل على الميِّت حتى دفن يصلّى على قبره ، وكذا إذا تبيّن بعد الدّفن بطلان الصلاة من جهة من الجهات (٢).

______________________________________________________

تقدّم منّا تفصيل الكلام في ذلك في بحث الأولياء في غسل الأموات (١).

(١) لعدم كون الصلاة حينئذ واجدة للشرائط فتبطل وتجب إعادتها واجدة لما يعتبر فيها.

لو لم يصل على الميِّت حتى دفن‌

(٢) الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :

إحداهما : أن من لم يدرك الصلاة على الميِّت حتى دفن يعني صلِّي عليه قبل الدّفن ولكنه لم يصل عليه بشخصه فلا محالة تكون صلاته على قبره مستحبة في حقه على تقدير الجواز ، فهل يجوز (٢) له الصلاة على قبره أو يستحب أو يكره؟ يأتي الكلام عليه في الفروع المقبلة إن شاء الله (٣).

وثانيتهما : إذا دفن الميِّت ولم يصل عليه أو صلِّي عليه بصلاة فاسدة فهل تجب الصلاة على قبره أو لا تجب؟

ذهب المحقق (٤) والعلاّمة (٥) وصاحب المدارك (٦) إلى عدم الوجوب. والصحيح وجوب‌

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ٢٨٠.

(٢) لعلّ المناسب : فهو لا يجوز ....

(٣) في ص ٢٦٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٥) المنتهي ١ : ٤٥٠ السطر ٦.

(٦) المدارك ٤ : ١٨٨.

٢٦٤

الصلاة على قبره ، وذلك لأن مقتضى الإطلاقات وجوب الصلاة على كل ميت ، وإنما قيدناه بأن يكون قبل الدّفن عند التمكن والاختيار.

وتوضيحه : أن مقتضى صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يصلِّي الرجل على الميِّت بعد الدّفن » (١) جواز الصلاة على الميِّت بعد الدّفن ومشروعيتها ، وإذا جازت وجبت بمقتضى المطلقات الآمرة بالصلاة.

ويؤيده رواية مالك مولى الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا فاتتك الصلاة على الميِّت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن » (٢). والوجه في جعلها مؤيدة عدم توثيق مالك مولى الحكم. ونظيرها رواية أُخرى (٣).

إلاّ أنه قد يتوهم أنها معارضة بجملة من الأخبار ، وهو الذي دعا المحقق والعلاّمة وصاحب المدارك أن يذهبوا إلى عدم الوجوب.

منها : ما رواه محمد بن مسلم أو زرارة قال : « الصلاة على الميِّت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء ، قال قلت : فالنجاشي لم يصل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : لا ، إنما دعا له » (٤). وهذه الرواية على تقدير حجيتها شارحة لصحيحة هشام المتقدمة.

إلاّ أنها ضعيفة السند بنوح بن شعيب الظاهر كونه الخراساني بقرينة رواية ابن هاشم عنه. على أن دلالتها قاصرة على المدعى ، لأن ظاهرها إرادة الصلاة بعد الدّفن فيما إذا صلِّي على الميِّت قبل الدّفن بقرينة قضية النجاشي ، فإنه كان قد صلِّي عليه قبل دفنه وأراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلِّي عليه بعد دفنه ، وهذا خارج عما نحن فيه ، لأن كلامنا فيما إذا لم يصل على الميِّت قبل دفنه.

كذا ذكر أوّلاً ثم أفاد : أن الرواية لا تعارض الصحيحة وإنما تدل على جواز الدعاء‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ : ١٠٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٥.

٢٦٥

على الميِّت بعد ما دفن ، والصلاة في الصحيحة إنما هي بمعناها لا بمعنى الدعاء ، لعدم احتمال حرمة الدعاء للميت بعد ما دفن حتى ينفى عنه البأس ، فهي كالصريحة في إرادة الصلاة المتعارفة على الميِّت ولا يمكن حملها على الدعاء فلا معارضة بينهما.

ومنها : ما رواه جعفر بن عيسى قال : « قدم أبو عبد الله عليه‌السلام مكة فسألني عن عبد الله بن أعين فقلت : مات ، قال : مات؟ قلت : نعم ، قال : فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلِّي عليه ، قلت : نعم ، فقال : لا ، ولكن نصلِّي عليه ههنا فرفع يده يدعو واجتهد في الدعاء وترحم عليه » (١).

وهي كالرواية السابقة ضعيفة سنداً بالحسين بن موسى ، ودلالة لعين ما تقدم في السابقة فإن عبد الله بن أعين قد صلِّي عليه ودفن لا محالة.

ومنها : رواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه أو يتكأ عليه » (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بزياد بن مروان قصور دلالتها على المدعى ، فان الظاهر إرادة الصلاة على القبر وجعله مصلى لا الصلاة على الميِّت بعد دفنه ، وهو مكروه لا محالة.

ومنها : ما رواه محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة قال « قلت للرضا عليه‌السلام : يصلّى على المدفون بعد ما يدفن؟ قال : لا ، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : بل لا يصلى على المدفون بعد ما يدفن ولا على العريان » (٣) ولكنها ضعيفة السند من جهات فلاحظ.

ومنها : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في حديث : « ولا يصلى‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٨.

٢٦٦

عليه وهو مدفون » (١).

وهذه الرواية معتبرة من حيث السند ، إلاّ أن دلالتها على المدعى قاصرة ، وذلك لورودها في ذيل الرواية المتقدمة الواردة في الصلاة على الميِّت المقلوب وأنه إذا صلِّي عليه وهو مقلوب تعاد الصلاة عليه ، وإن كان قد حمل ودفن فقد مضت الصلاة عليه وهو مدفون ، أي بعد ما صلِّي عليه قبل دفنه. وهذا أجنبي عما نحن فيه من الصلاة على الميِّت بعد دفنه بلا صلاة عليه قبل ذلك ، وإنما نشأ توهم المعارضة منها من تقطيع صاحب الوسائل حيث روى الجملة الأخيرة في المقام وروى تمامها في بابه (٢) ويستفاد منها أن المقلوب إذا صلِّي عليه وكان مقلوباً ثم دفن لا تجب إعادة الصلاة عليه ثانياً.

ومنها : موثقة عمار بن موسى قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فاذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلاّ إزار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه ( به )؟ قال : يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن ، قلت : فلا يصلى عليه إذا دفن؟ فقال : لا يصلى على الميِّت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان » (٣).

ولا إشكال فيها من حيث السند ، إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأنها ناظرة إلى بيان الشرطية وأن الصلاة يشترط وقوعها بعد الغسل والكفن وقبل الدّفن ، ولا نظر لها إلى أنه إذا دفن من غير صلاة لا يصلى عليه وهو في قبره.

فلا دلالة في شي‌ء من هذه الروايات على خلاف صحيحة هشام ولا معارض لها.

ثم لو تنازلنا عن ذلك وفرضناهما متعارضين فنرجع إلى ما تقتضيه المطلقات‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٧.

(٢) لا يخفى أنه روى صدرها فقط في الوسائل ٣ : ١٢٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٢ ، وروى الباقي في ص ١٠٧ / ب ١٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ١.

٢٦٧

الدالّة على وجوب الصلاة على كل ميت ومنه من دفن من دون الصلاة عليه ، فإنه كغيره من الأموات لا يحتمل استثناؤه عن حكمه.

ثم إن مقتضى إطلاق كلام الماتن قدس‌سره في المقام وتصريحه فيما يأتي من الفروع أن بطلان الصلاة إذا استند إلى انقلاب الميِّت وكون رجليه موضع رأسه وبالعكس يوجب الصلاة على قبره أيضاً.

وفيه : أن مقتضى الموثقة المتقدمة الواردة في الصلاة على الميِّت المقلوب أنه إنما تجب إعادتها فيما إذا لم يدفن ، وأما إذا دفن فلا تجب الصلاة عليه بعد دفنه ، فما صلِّي عليه أجزأه ولو كان مقلوباً على الفرض ، وكأنه شرط ذكرى. فهذا الفرد من الصلاة الفاسدة مستثنى عن بقية الصلوات الفاسدة.

ثم إن صاحب الجواهر قدس‌سره ذكر أن من لم يصل عليه قبل أن يدفن وجبت الصلاة عليه بعد دفنه وفي قبره بلا فرق في ذلك بين استناد ذلك إلى النسيان والغفلة أو إلى العمد (١).

وفيه : أن مقتضى ما دل على أن الصلاة قبل الدّفن والأمر بها قبله هو اشتراط الدّفن بكونه واقعاً بعد الصلاة على الميِّت لكون تلك الأوامر إرشادية ، فإذا لم يصل عليه عمداً فدفن فهو دفن غير مأمور به فلا بدّ من أن ينبش الميِّت ويصلّى عليه ثم يدفن.

وعلى الجملة : إن الاحتمالات في المسألة ثلاثة (٢) :

أحدها : أن يخرج الميِّت من قبره ويصلى عليه وهو خارج القبر ، لعدم جواز الصلاة عليه وهو مدفون. وهذا مجرّد احتمال لم يلتزم به أحد فهو ساقط.

وثانيها : ما ذهب إليه المحقق في المعتبر (٣) ونسب إلى العلاّمة في بعض كتبه (٤).

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ١١٢.

(٢) لعلّ المناسب أن يُقال : وأمّا إذا لم يصلّ عليه غفلة أو نسياناً فالاحتمالات في ....

(٣) المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٤) المنتهي ١ : ٤٥٠ السطر ٦.

٢٦٨

[٩٧٦] مسألة ٨ : إذا صلّى على القبر ثم خرج الميِّت من قبره بوجه من الوجوه فالأحوط إعادة الصلاة عليه (١).

______________________________________________________

وثالثها : ما ذهب إليه المشهور من وجوب الصلاة عليه وهو في قبره ، لعدم الدليل على جواز إخراجه من القبر. وهذا هو الصحيح للصحيحة المتقدمة ، ومن هنا ذكر صاحب الجواهر قدس‌سره أن المسألة لا شبهة فيها ، وهو كما أفاده. هذا كله في الجهة الثانية.

وأما الجهة الأُولى فحيث لم يدلنا دليل على استحباب الصلاة على الميِّت ثانياً بعد ما صلِّي عليه ودفن فلا يجوز الإتيان بها ثانياً بعنوان الأمر والاستحباب ، نعم لا بأس بالإتيان بها رجاء ، لذهاب الأصحاب إلى جوازها وإن قيل إنها أقل ثواباً وإنها مكروهة.

إذا خرج الميِّت من قبره‌

(١) إذا بنينا على أن الصلاة على الميِّت إنما تجب خارج القبر لعدم جواز الصلاة عليه وهو في قبره أو سقوط الصلاة حينئذ ثم خرج الميِّت من قبره بوجه من الوجوه فلا إشكال في وجوب الصلاة عليه ، لأنه ميت لم يصل عليه وهو خارج القبر. وأما إذا بنينا على وجوب الصلاة عليه وهو في قبره كما هو المشهور المنصور فهل تجب الصلاة عليه ثانياً إذا خرج عن قبره بوجه من الوجوه أو لا تجب؟

تبتني هذه المسألة على أن جواز الصلاة عليه وهو في قبره هل هو حكم واقعي اضطراري ، أو هو حكم ظاهري وأن الميِّت ما دام في قبره تجوز الصلاة عليه وهو في قبره وبالاستصحاب أو بالاعتقاد أثبتنا أنه لا يخرج عن قبره وصلينا عليه.

بناء على الأوّل لا تجب الصلاة عليه ثانياً ، لإجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراري عن الواقعي ، لأنه مأمور به واقعاً ولا يصلى عليه مرتين.

وبناء على الثاني يجب إعادتها ، لعدم كون الحكم الظاهري أو الخيالي مجزئاً عن الحكم الواقعي.

٢٦٩

[٩٧٧] مسألة ٩ : يجوز التيمّم لصلاة الجنازة وإن تمكّن من الماء (*) ، وإن كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن من الوضوء أو الغسل أو صورة خوف فوت الصلاة منه (١).

______________________________________________________

والظاهر من قوله عليه‌السلام في الصحيحة : لا بأس من أن يصلّى على الميِّت وهو في قبره (٢) هو الجواز الواقعي ، لما قدّمناه من أن مقتضى الجمع بينها وبين ما دل على أن الصلاة يشترط كونها قبل الدّفن ، أن الدفن إذا كان مشروعاً كما إذا كان قبل الصلاة نسياناً أو غفلة لا عمداً جازت الصلاة على الميِّت وهو في قبره.

ومعه إذا خرج عن قبره بسبب من الأسباب لا تجب الصلاة عليه ثانياً ، إذ لا يصلّى على ميت مرّتين ، فتكون هذه الصورة مقيدة لما دل على اشتراط كون الصلاة قبل الدّفن ، نعم لا بأس بإعادة الصلاة حينئذ احتياطاً كما ورد في المتن.

مشروعية التيمّم لصلاة الجنازة‌

(١) قدمنا أن صلاة الجنازة ليست بصلاة ذات ركوع وسجود ومن ثم لا يشترط فيها الطهارة من الحدث الأكبر فضلاً عن الحدث الأصغر ، ويجوز للجنب والحائض أن يصليا على الميِّت إلاّ أن كونها مع الطهارة أحب.

وقد ورد في النص : أن من خاف فوت صلاة الجنازة له أن يتيمم (٣) بدلاً عن الغسل أو الوضوء كما أن من كان معذوراً ولا يتمكن من الماء يجوز له التيمّم بدلاً عنهما ، لأنه طهارة في حقه والصلاة مع الطهارة أحب. وأما من لا يخاف فوت الصلاة ولا أنه غير متمكن من الماء فلم يثبت استحباب التيمّم في حقه ، نعم لا بأس بالتيمّم رجاء.

__________________

(*) الأحوط في هذا الفرض الإتيان به رجاء.

(١) وهي صحيحة هشام المتقدِّمة في ص ٢٦٥.

(٢) الوسائل ٣ : ١١١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٦.

٢٧٠

[٩٧٨] مسألة ١٠ : الأحوط (*) ترك التكلّم في أثناء الصلاة على الميِّت وإن كان لا يبعد عدم البطلان به (١).

[٩٧٩] مسألة ١١ : مع وجود مَن يقدر على الصلاة قائماً في إجزاء صلاة العاجز عن القيام جالساً إشكال ، بل صحّتها أيضاً محل إشكال (٢).

______________________________________________________

وقد يتوهم أن مضمرة سماعة قال : « سألته عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال : يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمّم به » (٢) تدل على استحباب التيمّم لصلاة الجنائز وإن لم يخف فوت الصلاة أو لم يكن معذوراً من الماء حيث لم تقيد التيمّم بشي‌ء من ذلك.

ويدفعه : إن الجنازة في المضمرة فرضت كونها مارة لا واقفة ، وسؤاله بعد ذلك بقوله : « كيف يصنع » يدلنا على أنه يخاف فوت الصلاة عليها ، وإلاّ لم يكن وجه لسؤاله هذا ، فإنه يصنع كما يصنع بقية الناس.

التكلّم في أثناء صلاة الجنازة‌

(١) لم يقم دليل على أن التكلم مبطل للصلاة على الميِّت ، لأنها ليست صلاة ذات ركوع وسجود ، نعم يشترط أن لا يكون التكلم على نحو يقطع الهيئة الاتصالية للصلاة ، إذ لكل مركب هيئة فإذا كان التكلم قاطعاً لهيئتها فلا محالة يوجب البطلان وإن كان الأحوط ترك التكلم في أثنائها مطلقا.

الصلاة على الجنازة قاعداً‌

(٢) قد قدّمنا الكلام في هذه المسألة في شرطية قيام المصلي على الميِّت وذكرنا الوجه فيه وهو أن المكلف هو الطبيعي دون الفرد ، ومع وجود فرد يتمكّن من القيام أو الاستقبال أو غيرهما من الشرائط المعتبرة في الواجب لا تكون صلاة العاجز‌

__________________

(*) لا يترك.

(١) الوسائل ٣ : ١١١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٥.

٢٧١

[٩٨٠] مسألة ١٢ : إذا صلّى عليه العاجز عن القيام جالساً باعتقاد عدم وجود مَن يتمكّن من القيام ثم تبين وجوده فالظاهر وجوب الإعادة ، بل وكذا إذا لم يكن موجوداً من الأوّل لكن وجد بعد الفراغ من الصلاة ، وكذا إذا عجز القادر القائم في أثناء الصلاة فتمّمها جالساً فإنّها لا تجزئ عن القادر ، فيجب عليه الإتيان بها قائماً (١).

[٩٨١] مسألة ١٣ : إذا شك في أن غيره صلّى عليه أم لا بنى على عدمها (٢) وإن علم بها وشكّ في صحّتها وعدمها حمل على الصحّة (٣) وإن كان من صلّى عليه فاسقاً ، نعم لو علم بفسادها وجب الإعادة وإن كان المصلِّي معتقداً للصحّة وقاطعاً بها (٤).

[٩٨٢] مسألة ١٤ : إذا صلّى أحد عليه معتقداً بصحّتها بحسب تقليده أو اجتهاده لا يجب على من يعتقد (*) فسادها بحسب تقليده أو اجتهاده نعم لو علم علماً قطعيّاً ببطلانها وجب عليه إتيانها وإن كان المصلِّي أيضاً قاطعاً بصحّتها (٥).

______________________________________________________

مجزئة. وأيضاً الاعتقاد والتخيل لا يوجبان الإجزاء ، فمع وجود من يتمكّن من الصلاة التامة لا يمكن الاكتفاء بصلاة الفرد العاجز كما هو ظاهر.

(١) ظهر حكم هذه المسألة ممّا قدّمناه (٢) ، فلا حاجة إلى إعادته.

(٢) للاستصحاب ، أو بنى على وجوبها لقاعدة الاشتغال.

(٣) لأصالة الصحّة الجارية عليها السيرة القطعية المستمرة.

(٤) كما يأتي إن شاء الله.

إذا صلّى على الميِّت معتقداً صحتها‌

(٥) قد يرى الآخر بطلان تلك الصلاة على الميِّت الصادرة من المصلّي بالعلم‌

__________________

(*) بل يجب عليه ، إذ لا فرق بين القطع الوجداني والتعبدي.

(١) في ص ٢٥٨.

٢٧٢

[٩٨٣] مسألة ١٥ : المصلوب بحكم الشرع لا يصلّى عليه قبل الإنزال ، بل يصلّى عليه بعد ثلاثة أيام بعد ما ينزل ، وكذا إذا لم يكن بحكم الشرع لكن يجب إنزاله فوراً والصلاة عليه ، ولو لم يمكن إنزاله يصلّى عليه وهو مصلوب مع مراعاة الشرائط بقدر الإمكان (١).

______________________________________________________

الوجداني ولا إشكال حينئذ في وجوبها عليه ثانياً ، لعلمه بالتكليف وعدم سقوطه عن ذمّته بعمل المصلّي.

وقد يرى بطلانها باجتهاد أو تقليد كما لو صلّى عليها وتكلّم المصلِّي في أثنائها لاعتقاده عدم كون التكلّم مبطلاً لها ، والآخر يعتقد كونه مبطلاً لها باجتهاد أو تقليد فهل يجوز له الاجتزاء بتلك الصلاة؟

وهذه المسألة وإن عنونت في المقام إلاّ أنها سارية في كل واجب كفائي يأتي به الفاعل صحيحاً في نظره وهو باطل عند الآخر بحسب اجتهاده أو تقليده ، وكذلك الحال في غير الواجب كما لو طهر المسجد بماء قليل ملاقٍ النجس باعتقاد أن القليل كالكثير لا ينفعل بالملاقاة ، أو أنه غسل الميِّت بذاك الماء أو ذبح ذبيحة بآلة غير حديدية كالصفر والنحاس باعتقاد أن الحديد لا خصوصية له مع أن الآخر يرى نجاسة القليل بالملاقاة أو اشتراط الذبح الشرعي بآلة الحديد وهكذا.

والصحيح عدم جواز الاجتزاء بفعل الغير حينئذ ، وذلك لأن التكليف قد تنجز في حقه بعلمه ، وعمل العامل لا يسقط الأمر عنه لبطلان عمل الغير عنده أو عند مجتهده ، ولعدم دلالة الدليل على كفايته إذا كان صحيحاً عنده ، فلا بدّ من إعادة الصلاة على الميِّت في المقام ، كما ولا بدّ من غسل المسجد أو الميِّت ثانياً والاجتناب عن الذبيحة في المثال.

حكم المصلوب بحكم الشرع‌

(١) ما أفاده قدس‌سره في المصلوب الذي لم يصلب بحكم الشرع متين ، فإنه‌

٢٧٣

لا بدّ من إنزاله فوراً ثم الصلاة عليه لو أمكن ، وإلاّ صلِّي عليه وهو مصلوب كما ورد في حق زيد رحمه‌الله (١).

وأما المصلوب بحكم الشرع فما أفاده من إنزاله بعد ثلاثة أيام والصلاة عليه وإن كان مشهوراً إلاّ أنه لا يمكن المساعدة عليه ، لأن الأخبار الواردة فيه ضعيفة الإسناد ونقل صاحب الوسائل قدس‌سره في أبواب حد المحارب ثلاث روايات تدل على ذلك :

الاولى : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام صلب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله في اليوم الرابع فصلى عليه ودفنه » (٢) وهي ضعيفة بالنوفلي (٣).

والثانية : « أن رسول الله قال : لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن » (٤) وهي أيضاً ضعيفة بالنوفلي الموجود في طرقها.

والثالثة : ما رواه الصدوق مرسلاً « قال الصادق عليه‌السلام : المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام ... » (٥) وهي ضعيفة لإرسالها.

ونقل في الوسائل في باب التاسع والأربعين من أبواب الاحتضار رواية رابعة عن أبي عبد الله قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن » (٦) ، وهي أيضاً ضعيفة السند بموسى بن عيسى الذي لم يوثق وبمحمد بن ميسر الضعيف أو المردّد بين الثقة والضعيف.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٣٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٨ : ٣١٩ / أبواب حد المحارب ب ٥ ح ١.

(٣) تبدل رأيه ( دام ظله ) فبنى على وثاقة النوفلي ، راجع المعجم [ ٧ : ١٢٢ ] ليظهر لك الحال.

(٤) الوسائل ٢٨ : ٣١٩ / أبواب حد المحارب ب ٥ ح ٢.

(٥) الوسائل ٢٨ : ٣١٩ / أبواب حد المحارب ب ٥ ح ٣ ، الفقيه ٤ : ٤٨ / ١٦٦.

(٦) الوسائل ٢ : ٤٧٦ / أبواب الاحتضار ب ٤٩ ح ١. هذا وقد تبدل رأيه ( دام ظله ) فبنى على وثاقة محمد بن ميسر على ما أفاد في المعجم ١٨ : ٣٠٦ ، فالضعف من جهة موسى بن عيسى فقط.

٢٧٤

[٩٨٤] مسألة ١٦ : يجوز تكرار الصلاة على الميِّت سواء اتحد المصلي أو تعدد ، لكنّه مكروه (١)

______________________________________________________

إذن لا يجوز تأخير إنزال الجنازة عن الخشبة ، لأنه هتك للمؤمن وهو حرام ، وإنما يجوز بمقدار دلالة الدليل وهو صلبه ، والغرض منه الموت فاذا تحقق الغرض وجب إنزاله والصلاة عليه ودفنه.

إعادة الصلاة على الميِّت‌

(١) الأخبار الواردة في جواز تكرار الصلاة على قسمين :

القسم الأوّل : هو حكاية فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الوصي عليه‌السلام وأنه صلّى على حمزة سبعين صلاة وكبّر عليه سبعين تكبيرة (١) أي أربع عشرة صلاة ، وكبّر أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف وكان بدرياً خمساً وعشرين تكبيرة (٢) أي خمس صلوات.

ولا يمكن الاستدلال بها على جواز تكرار الصلاة في غير موردها ، لأن الفعل إنما يدل على المشروعية في مورده ولا سيما بملاحظة التعليل بأنه كان بدرياً ، وكذا ما ورد من أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى عليه جماعة كثيرة فلاحظ (٣) ، إذ لعل ذلك من الخصوصيات للبدريين أو للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

القسم الثاني : هو أخبار تدل على جواز التكرار ، إلاّ أنها ضعيفة الإسناد لا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء. وإليك تلكم الأخبار :

منها : ما عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الميِّت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلِّي عليه » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٨٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢ ، ٩ ، ١٠ ، ١١.

(٤) الوسائل ٣ : ٨٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩.

٢٧٥

ومنها : ما عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الجنازة لم أُدركها حتى بلغت القبر أُصلِّي عليها؟ قال : إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها » (١).

وهاتان الروايتان ضعيفتان ، لأن في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال : ابن الزبير وهو ضعيف (٢).

ومنها : ما رواه في الوسائل عن عمرو بن شمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج على جنازة امرأة من بني النجار فصلّى عليها فوجد الحفَرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجي‌ء قوم ( أقوام ) إلاّ قال لهم : صلّوا عليها » (٣).

وهي ضعيفة بعمرو بن شمر لعدم توثيقه ، بل قيل إنه كان وضّاعاً. على أن الرواية بهذا الإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام لم نعثر عليها ، والموجود في الاستبصار بهذا السند إنما هو عن أبي جعفر عليه‌السلام لا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) كما أنها رويت في أحكام الميِّت من التهذيب عن عمرو بن شمر (٥) لا بهذا الإسناد ، ولعلّه سهو من القلم.

هذا على أن هناك عدة من الروايات المعتبرة دلت على نفي المشروعية.

منها : موثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة فلما فرغ منها جاء قوم لم يكونوا أدركوها فكلّموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعيد الصلاة عليها فقال : قد قضيت‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٠.

(٢) الحديثان معتبران ، فان طريق النجاشي رحمه‌الله يصحح طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ابن فضال كما أفاده في أصل الكبرى في المعجم [ ١ : ٧٨ ] ذيل المقدّمة الرابعة من المدخل.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٢.

(٤) الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٥ / ١٠١٢.

٢٧٦

إلاّ إذا كان الميِّت من أهل العلم والشرف والتقوى (١).

______________________________________________________

الصلاة عليها ولكن ادعوا لها » (١) فان الحسين بن علوان موثق كما ورد في ترجمة أخيه الحسن ، حيث ذكروا أنه أوثق من أخيه (٢) فدلّ على وثاقة الحسين.

ومنها : موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها ، فقال : إن الجنازة لا يصلى عليها مرتين ، ادعوا لها وقولوا خيراً » (٣).

ومع ذلك فقد ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره : أن الطائفة الدالّة على نفي الجواز ضعيفة السند ، ومقتضى الجمع بينها وبين ما دل على الجواز هو الحكم بجواز التكرار على كراهة (٤).

ولكنك عرفت أن الأمر بالعكس والطائفة الدالّة على الجواز ضعيفة السند ومعه لا يمكن الحكم بالجواز ، بل الأمر كذلك حتى لو بنينا على أن الطائفة المانعة ضعيفة أيضاً ، وذلك لأن المشروعية على خلاف القاعدة وتحتاج إلى دليل ، حيث إن العبادات توقيفية فهي محتاجة إلى المجوز.

إذن فإن تم إجماع هناك على المشروعية فهو وإلاّ فلا يجوز التكرار بمقتضى الأخبار والقاعدة ، نعم لما كان المشهور هو الجواز لا بأس بالتكرار رجاء.

(١) كما يستفاد من فعل علي عليه‌السلام وتكراره الصلاة على سهل بن حنيف البدري.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٣ ، ٢٤.

(٢) كما تقدّم في ص ٢٤٨.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٣.

(٤) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٥١٠ السطر ٣.

٢٧٧

[٩٨٥] مسألة ١٧ : يجب أن تكون الصلاة قبل الدّفن (١) فلا يجوز التأخير إلى ما بعده ، نعم لو دفن قبل الصلاة عصياناً أو نسياناً أو لعذر آخر أو تبين كونها فاسدة ولو لكونه حال الصلاة عليه مقلوباً (*) لا يجوز نبشه لأجل الصلاة بل يصلّى على قبره مراعياً للشرائط من الاستقبال وغيره وإن كان بعد يوم وليلة (٢) بل وأزيد أيضاً إلاّ أن يكون بعد ما تلاشى ولم يصدق عليه الشخص الميِّت فحينئذ يسقط الوجوب ، وإذا برز بعد الصلاة عليه بنبش أو غيره فالأحوط إعادة الصلاة عليه.

______________________________________________________

الصلاة محلّها قبل الدّفن‌

(١) تقدّمت هذه المسألة (٢) وذكرنا أن الميِّت إذا دفن من دون صلاة نسياناً أو اشتباهاً صلِّي على قبره ، وزاد قدس‌سره هنا التسوية في وجوب الصلاة على قبره بين العصيان والنسيان. وهو ممنوع ، لاشتراط وقوع الدّفن بعد الصلاة ، فالدّفن عمداً قبلها كلا دفن وهو دفن غير مشروع فلا بدّ معه من النبش والصلاة عليه ثم الدّفن.

ولا ينافي ذلك حرمة النبش ، لأنها ثبتت بالإجماع ، وتختص بما إذا كان الدّفن مشروعاً ، وإلاّ فلو دفن من غير غسل لا إشكال في جواز النبش لتغسيله ثم دفنه.

كما أنه زاد قوله : ولو لكونه حال الصلاة عليه مقلوباً. لما قدمناه من أنه إذا انكشف بعد الدّفن أن الميِّت كان مقلوباً لا تجب الصلاة عليه ثانياً للموثقة المتقدِّمة (٣).

(٢) ذكره بعضهم ، وعن بعضٍ ثلاثة أيام ، إلاّ أن شيئاً من ذلك لا دليل عليه ، بل المدار على صدق الصلاة على الميِّت ، فاذا كان الجسد باقياً ولم يكن متلاشياً وجبت الصلاة عليه ، وإذا تلاشى وانعدم فلا تجب.

__________________

(*) الظاهر أنه لا حاجة إلى الإعادة بعد الدّفن في هذا الفرض.

(١) في ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٩ ح ١. وقد تقدّمت في ص ٢٥٤.

٢٧٨

[٩٨٦] مسألة ١٨ : الميِّت المصلّى عليه قبل الدّفن يجوز الصلاة على قبره (*) أيضاً ما لم يمض أزيد من يوم وليلة (١)

______________________________________________________

(١) إن قلنا بعدم جواز تكرار الصلاة على الميِّت قبل الدّفن كما بنينا عليه فلا إشكال في عدم جواز الصلاة ثانياً وثالثاً إلى يوم وليلة بعد الدّفن ، لأنها إذا لم تجز قبل الدّفن فعدم جوازها بعد الدّفن بطريق أولى.

وإن قلنا بجواز تكرارها قبل الدّفن فالظاهر أن تكررها بعد الدّفن ليس بجائز وذلك لأن الصحيحة الدالّة على أنه لا بأس بالصلاة على الميِّت وهو في قبره (٢) غاية ما تدلّ عليه أن الصلاة لا يشترط كونها واقعة قبل الدّفن بل تجوز بعده أيضاً. كما أن الرواية الأُخرى الدالّة على أنه لا يجوز الصلاة على الميِّت وهو في قبره (٣) تدل على الاشتراط وأن الصلاة لا بدّ أن تقع قبل الدّفن.

ولم يفرض في الصحيحة أن الميِّت قد صلِّي عليه ، فلا يستفاد منها أن الميِّت الذي صلِّي عليه مرّة يجوز أن يصلّى عليه بعد دفنه أيضاً ، وحيث إن العبادات توقيفية فلا مناص من التماس دليل يدلّ على الجواز وهو مفقود.

والذي يؤيد ما ذكرناه قضيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه لو جازت الصلاة مكرّرة على الميِّت بعد دفنه لجاز هذا في حق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يؤخر دفنه ثلاثة أيام ليصلِّي عليه المسلمون عشرة عشرة قبل دفنه ، هذا.

ثم لو تنازلنا عن ذلك وسلمنا جواز التكرار بعد الدّفن فلا دليل على التقييد بيوم وليلة ، بل لازم ذلك جواز تكرارها ما دام الميِّت لم يتلاش ولو بعد سنين متمادية ، وهذا أمر مستنكر عادة.

__________________

(*) فيه إشكال ، ولا بأس بالإتيان بها رجاء.

(١) تقدّمت في المسألة ٧ ص ٢٦٥.

(٢) تقدّمت جميع الروايات المانعة في المسألة ٧.

٢٧٩

وإذا مضى أزيد من ذلك فالأحوط الترك (١).

[٩٨٧] مسألة ١٩ : يجوز الصلاة على الميِّت في جميع الأوقات بلا كراهة حتى في الأوقات التي يكره النافلة فيها عند المشهور (٢) من غير فرق بين أن يكون الصلاة على الميِّت واجبة أو مستحبة.

______________________________________________________

(١) إذا أتى بها بعنوان المشروعية ، وإن أتى بها رجاء فلا بأس ولا إشكال.

لا تحديد لصلاة الجنازة من حيث الأوقات‌

(٢) لأنها ليست بصلاة ذات ركوع وسجود وإنما هي دعاء ولا وقت معين للدعاء ولا يكره في شي‌ء من الأوقات ، هذا بحسب القاعدة.

وأما بحسب الأخبار فقد ورد ذلك في جملة من الروايات :

منها : ما عن عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع ، إنما هو استغفار » (١).

ومنها : ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « يصلى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع وسجود ، وإنما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » (٢).

وهما روايتان معتبرتان. ويأتي إن شاء الله في مبحث الصلاة (٣) معنى قوله عليه‌السلام : « تغرب بين قرني شيطان وتطلع ... ».

ومنها : موثقة الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد عن أبان عن محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل يمنعك شي‌ء من هذه الساعات عن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٢.

(٣) ضمن المسألة [١٢٠٨] الخامس.

٢٨٠