موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

مختصات المؤمن لينفى وجوبه عن المستضعف هذا ، بل لولا التسالم على أن المخالف يصلى عليه بأربع تكبيرات أمكننا المناقشة في أصل هذا الحكم ، وذلك لأن المنافق الذي كان يصلِّي عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأربع هو الذي لم يكن مسلماً باطناً وإنما كان يظهر الإسلام كذباً ، لقوله تعالى ( وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) (١) وقوله تعالى ( وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ) (٢) وأين هذا من المنافق في عصر الأئمة وفي ألسنة الأخبار ، إذ المنافق فيهما بمعنى المسلم المنكر للولاية.

ولكن الموجود في كلماتهم أن المنافق بمعنى المنكر للولاية يصلى عليه بأربع تكبيرات مستدلاً عليه بروايتين :

إحداهما : ما رواه الصدوق عن الحسين بن النضر ، قال « قال الرضا عليه‌السلام : ما العلة في التكبير على الميِّت خمس تكبيرات؟ قال : رووا أنها اشتقت من خمس صلوات ، فقال : هذا ظاهر الحديث فأما في وجه آخر فان الله فرض على العباد خمس فرائض : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة فمن قبل الولاية كبّر خمساً ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعاً ، فمن أجل ذلك تكبّرون خمساً ومن خالفكم يكبّر أربعاً » (٣).

وثانيتهما : ما رواه أبو بصير قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأي علة ( شي‌ء ) تكبّر على الميِّت خمس تكبيرات ويكبّر مخالفونا بأربع تكبيرات؟ قال : لأن الدعائم التي بني عليها الإسلام خمس : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة ، وإنكم أقررتم بالخمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ، فمن ذلك يكبّرون على موتاهم أربع تكبيرات وتكبّرون خمساً » (٤) فان المصرح به في الروايتين أن المخالف يكبّر في صلاته بأربع‌

__________________

(١) المنافقون ٦٣ : ١.

(٢) البقرة ٢ : ١٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٧٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٦ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٨٢ / ٢٠.

(٤) الوسائل ٣ : ٧٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٧.

٢٤١

تكبيرات والمؤمن بخمس تكبيرات.

والجواب عن هذا الاستدلال : أن الروايتين دلتا على حكم المصلي وأنه لو كان مؤمناً فيكبّر خمس تكبيرات ولو كان مخالفاً فأربع ، ولا تدل على حكم الميِّت ولا تتعرّض له وأنه إذا كان مؤمناً أو مخالفاً يصلى عليه بأية كيفية.

على أن سند الروايتين ضعيف ، أما الأُولى : فلتردد الحسين بن النضر بين شخصين كلاهما غير موثق ، وإن سها المامقاني قدس‌سره ولم يتعرض للحسين بن النضر أصلاً.

وأمّا الثانية : فلوجود علي بن أحمد الذي هو شيخ الصدوق ، ومحمد بن أبي عبد الله نعم لو كان هو في أول السند لحكمنا بوثاقته لأنه حينئذ « محمد بن محمد » الموثق دون ما إذا كان في وسطه كما في المقام و « موسى بن عمران » و « الحسين بن يزيد » الذي هو النوفلي ، نعم « علي بن أبي حمزة البطائني » موثق وإن كان خبيثاً قد أكل أموال الإمام عليه‌السلام (١).

فالمتحصل : أن المستضعف يصلى عليه بخمس تكبيرات.

وأمّا الدعاء في الصلاة على المستضعف فقد أطبقت الأخبار وهي بين صحيحة وموثقة على أن في الصلاة على المستضعف يدعى للمؤمنين لا للميت (٢) وبهذا تفترق الصلاة على الميِّت المؤمن من الصلاة على المستضعف ، ففي الأُولى يصلِّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدعو للميت ، وفي الثانية يصلِّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدعو للمؤمنين.

الصّلاة على المخالفين

وأمّا الصلاة على المخالف فقد ذهب صاحب الحدائق قدس‌سره إلى عدم‌

__________________

(١) هذا كلّه ما أفاده ( دام ظلّه ) لدى البحث ، غير أنه عدل عن ذلك أخيراً فبنى على ضعف البطائني [ المعجم ١٢ : ٢٣٤ ] ووثاقة محمد بن أبي عبد الله النوفلي [ المعجم ٧ : ١٢٢ ] وابن عمران [ المعجم ٢٠ : ٦٦ ] ويظهر الوجه في ذلك كله بالمراجعة إلى معجم الرجال عند التعرض لترجمتهم.

(٢) الوسائل ٣ : ٦٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣.

٢٤٢

وجوب الصلاة عليه كالكافر ، ونسبه إلى بعضهم (١) ، وهذا يبتني على مسلكه من كفر المخالفين وإنما أُمرنا بالمعاشرة معهم تقية.

وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لما قدّمناه في محلِّه من أن المخالف مسلم محكوم بالطهارة ويترتب عليه ما يترتب على المسلم من الآثار التي منها وجوب الصلاة عليه بخمس تكبيرات (٢).

والظاهر من كلمات الأكثرين وجوب خمس تكبيرات في الصلاة عليه ، وهذا الظهور في كلام العلاّمة في قواعده قوي بل كاد يكون صريحاً ، حيث إنه بعد ما بيّن أن صلاة الميِّت خمس تكبيرات قال : وتقول بعد الاولى كذا وبعد الثانية كذا ... وتقول بعد الرابعة كذا إن كان مؤمناً ، وكذا إن كان مخالفاً ، ثم تكبّر الخامسة فتنصرف (٣). بل صرح به الصدوق في هدايته (٤) ، بل ادعي عليه الإجماع في كلمات بعضهم ، ولكن ذهب المحقق قدس‌سره إلى وجوب أربع تكبيرات في الصلاة على المخالف (٥) ، ولعلّ هذا هو المشهور فيما بين من تأخر عنه. وذهب بعضهم إلى التخيير بين التكبير عليه بأربع أو بخمس.

والصحيح من هذه الأقوال هو الأوّل الموافق لظاهر إطلاق الأكثرين ، وذلك للمطلقات الدالّة على أن الصلاة على الميِّت خمس تكبيرات كالصحيحة الواردة في صلاة هبة الله بن آدم على أبيه آدم عليه‌السلام (٦) حيث ورد في ذيلها أن الصلاة بخمس تكبيرات سنة جارية في ولد آدم إلى يوم القيامة ، وتخصيص المخالف يحتاج إلى دليل مخصص ولا دليل عليه إلاّ أمران ، كلاهما لا يمكن المساعدة عليهما.

__________________

(١) الحدائق ١٠ : ٣٦٠.

(٢) شرح العروة ٣ : ٦٣ ٦٤.

(٣) القواعد ١ : ٢٣١.

(٤) الهداية : ٢٦.

(٥) الشرائع ١ : ١٠٦.

(٦) الوسائل ٣ : ٧٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٣.

٢٤٣

أحدهما : الأخبار الواردة في أن الصلاة على المؤمن خمس تكبيرات وعلى المنافق أربع (١) ، وهي وإن كان بعضها صحيحاً ومعتبراً إلاّ أنّا قدمنا عدم دلالتها على وجوب الأربع في المخالف ، لأن المنافق غير المخالف ، فان المنافق هو المضمر للكفر والمظهر للإسلام كذباً ، والمخالف مسلم وغير مضمر للكفر إلاّ أنه لا يعتقد بالولاية ، وأين أحدهما من الآخر؟

وثانيهما : ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى وقد اشتملت على أن المؤمن يصلّى عليه بخمس والمنافق بأربع (٢) وهي ظاهرة في المدعى لو خليت ونفسها لكونها صادرة عن الإمام الرضا عليه‌السلام والمنافق في عصره في مقابل المؤمن المعتقد بالولاية وظاهره المخالف.

إلاّ أنها أيضاً غير صالحة للاستدلال بها ، لأنها بملاحظة ما في قبالها من الروايات المتقدِّمة التي قلنا إن المراد بالمنافق فيها غير المخالف جزماً لا بدّ من حملها على غير المخالف. ويعضده الشهرة المنعقدة بين الأصحاب على العمل بالمطلقات المتقدمة وعدم الفرق في ذلك بين الشيعة والمخالفين. على أنّا قد ناقشنا في سندها ، لأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى قد ذكر متبعضاً ولا يدري أن ما يرويه من الأخبار التي رواها عنه بطريقه الصحيح أو مما رواه عنه بطريقه الضعيف.

فالمتحصل : أن الصلاة على المخالف كالصلاة على المؤمن من حيث وجوب التكبير خمساً.

حكم الصّلاة على المخالف من حيث الدعاء

وأمّا من حيث الدعاء فيختلفان حيث يدعى على الميِّت المخالف ويدعى له في المؤمن ، وذلك لأن المخالف غير المستضعف الذي قدمنا حكمه إما معاند أو جاهل‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٧٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٧٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩٢ / ٤٣٩. وقد تقدّم اعتبار طريق الشيخ إلى جميع روايات أحمد بن محمد بن عيسى فلاحظ ص ٢٤٠ التعليقة (٣).

٢٤٤

مقصِّر وكلاهما عدو الله ، وقد ورد في صحيحة الحلبي الأمر بالدعاء على الميِّت إذا كان عدو الله (١) ، والمخالف لو لم يكن مبغضاً لأهل البيت عليهم‌السلام إلاّ أنه بالأخرة يبغض عدو عدو أهل البيت فهو عدو الله ، فتشمله الصحيحة كما عرفت.

على أنه ورد الدعاء على الميِّت إذا كان جاحداً للحق ، ولا إشكال في صدق هذا العنوان على المخالف ، إذ لا يعتبر في الجحد إلاّ إنكار الحق علم به أم لم يعلم.

ولأن الدعاء للميت مختص بالمؤمن ، لما ورد في الميِّت الذي لا يعلم مذهبه من تعليق الدعاء له على كونه مؤمناً بقوله : اللهمّ إن كان مؤمناً فكذا (٢) فلو لم يكن الدعاء للميت مخصوصاً بالمؤمن لم يكن لهذا التعليق وجه ، فالمخالف لا يجوز الدعاء له.

الصّلاة على المنافق

وأما الصلاة على المنافق وهو الذي لا يعتقد بالإسلام واقعاً إلاّ أنه يلتزم به ظاهراً ولا يبرز مخالفته لقواعده وأحكامه بحسب العمل ، وقد كان كثيراً في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا ينبغي الشبهة في أن الصلاة عليه بأربع تكبيرات ، لجملة من الصحاح وغيرها.

وأما إطلاق كلمات الأصحاب كالصدوق (٣) وابن زهرة (٤) حيث ذكروا أن الصلاة على الميِّت خمس تكبيرات وتقول بعد التكبيرة الأُولى كذا ... وبعد الرابعة تدعو للميت إن كان مؤمناً وتدعو عليه إن كان منافقاً وتكبّر الخامسة وتنصرف ، فلا يحتمل إرادتهم من المنافق هذا المعنى ، بل المراد به في كلماتهم هو المنافق بمعنى المخالف الذي قدّمنا حكمه ، وذلك لوجود الأخبار المعتبرة الدالّة على أن المنافق يصلى عليه بأربع تكبيرات.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٦٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ١ ، ٤.

(٣) المقنع : ٧٠.

(٤) لاحظ الغنية : ١٠٤.

٢٤٥

وإن كان مجهول الحال يقول : « اللهمّ إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ». وإن كان طفلاً يقول : « اللهمّ اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجرا » (١).

______________________________________________________

الصلاة على من لم يعرف حاله

وأما من لا يعرف مذهبه وحاله فالظاهر وجوب التكبير عليه بخمس ، وذلك للإطلاقات وللأصل ، حيث إنها دلت على أن الصلاة على الميِّت خمس تكبيرات ، ولم يخرج عنها سوى المنافق ، ولا يدري أن مجهول الحال منافق ، ومقتضى الأصل عدم كونه منافقاً فيجب التكبير عليه بخمس.

وأما من حيث الدعاء فيختلف عن المؤمن في أن الدعاء له لا بدّ أن يكون معلقاً بأن يدعى له على تقدير كونه مؤمناً ، وذلك لما ورد من أن الميِّت المجهول حاله يدعى له معلقاً كقوله : اللهمّ إن كان مؤمناً فكذا ، وإن كان مخالفاً فكذا.

وأما الدعاء للمؤمنين فمقتضى جملة من الروايات وإن كان أنه يدعو للمؤمنين في الصلاة على من لا يعرف حاله ، إلاّ أن مقتضى صحيحة الحلبي التي فصلت بين المستضعف ومن لا يعرف حاله وأنه يدعى في الصلاة عليه للمؤمنين دون من لا يعرف حاله (١) عدم جواز الدعاء المخصوص بالمؤمنين في الصلاة على الميِّت الذي لا يعرف حاله.

فقد تحصل : أن الواجب في التكبير هو الخمس مطلقاً إلاّ في المنافق ، نعم تختلف الأدعية باختلاف الميِّت من كونه مؤمناً أو مستضعفاً أو غير ذلك.

إذا كان الميِّت طفلاً‌

(١) بقي الكلام في الصلاة على الطفل ، وهل يجب فيها الدعاء أم لا؟ لا إشكال في أن الأوامر الواردة بالدعاء للميت لا تشمل الصبي ، لأنها تضمنت الدعاء وطلب‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٤.

٢٤٦

المغفرة له والتجاوز عن معاصيه وسيئاته ، والطفل ليس عنده سيئات ولا معاصي لكونه غير مكلف بشي‌ء.

والصحيح أن يدعى في الصلاة على الطفل بما يدعى به في المستضعف من الدعاء للمؤمنين ، وقد تقدم أن الدعاء مقوم لصلاة الميِّت ولا صلاة من دونه.

نعم ورد في رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام في الصلاة على الطفل أنه كان يقول : « اللهمّ اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً » (١) ، إلاّ أنها ضعيفة السند وغير قابلة للاعتماد عليها من جهة المنبه بن عبد الله لعدم توثيقه في الرجال ، هذا.

ولكن التأمل يقضي بصحتها ، وذلك لأن المنبه بن عبد الله وإن لم يوثق صريحاً في الرجال إلاّ أن النجاشي ذكر أنه صحيح الحديث (٢) وهذا توثيق منه له بل فوقه. ولا يقاس هذا بمثل قول الصدوق في أوائل من لا يحضره الفقيه : إن ما أُورده في كتابي حجّة بيني وبين ربِّي (٣) ، فإنه فرق بين أن يقال : الرواية صحيحة كما في قول الصدوق وبين أن يقال : الراوي صحيح الحديث ، فإن الأوّل يحتمل الاجتهاد أي بأن تكون الرواية صحيحة في نظره وهذا بخلاف الثاني ، فإن كون راوٍ صحيح الحديث إنما يكون فيما إذا كان ثقة في إخباره.

ثم إن معنى الرواية الصحيحة عندهم هو كونها حجة شرعية وليس بمعنى كون الراوي فيها عدلاً إمامياً ، فإنه اصطلاح حديث نشأ عند تقسيم الرواية ، وعليه فالمنبه ابن عبد الله لا بأس بروايته.

وأمّا الحسين بن علوان الواقع في سند الرواية فقد ذكره الشيخ (٤) والنجاشي (٥) وله‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٩٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٢ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ٤٢١ / ١١٢٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣.

(٤) الفهرست ٥٥ / ٢٠٨.

(٥) رجال النجاشي ٥٢ / ١١٦.

٢٤٧

[٩٦٢] مسألة ١ : لا يجوز أقل من خمس تكبيرات إلاّ للتقية أو كون الميِّت منافقاً وإن نقص سهواً بطلت ووجب الإعادة إذا فاتت الموالاة ، وإلاّ أتمّها (١).

[٩٦٣] مسألة ٢ : لا يلزم الاقتصار في الأدعية بين التكبيرات على المأثور (٢)

______________________________________________________

كتاب ، فإنهما لا يذكران من الرواة إلاّ من له كتاب ، فما في رجال النجاشي من أن الحسين بن علوان ليس له كتاب فهو من غلط النسخة والصحيح هو الحسن ، فإنه لو لم يكن له كتاب لم يورده النجاشي في كتابه ، على أنه صرح بعد فصل غير طويل أن للحسين كتاباً مختلطاً رواياته.

ثم إن النجاشي ذكر عند ترجمته : أن الحسين بن علوان عامي وأخوه الحسن ثقة. ووقع الكلام بينهم في أن « ثقة » خبر لقوله : « وأخوه » أو يرجع إلى الحسين بن علوان المترجم أو أنها مجملة؟ وظاهر العبارة هو الأوّل. إلاّ أنه وثقه ابن عقدة حيث قال : وأخوه الحسن أوثق منه (١). فإنه أفعل التفضيل فيدل على أن الحسين ثقة أيضاً غاية الأمر أن الحسن أوثق ، فلا إشكال في سند الرواية من هذه الجهة أيضاً.

وأمّا عمرو بن خالد فقد وثقه ابن فضال (٢) ، وحيث إن بني فضال موثقون فنعتمد على توثيقاتهم.

وأمّا زيد بن علي بن الحسين فهو من الجلالة بمكان ، فلا مناقشة في الرواية بحسب السند ، إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المراد لاشتمالها على حكاية فعل الإمام عليه‌السلام ولا دلالة فيه على الوجوب.

(١) لأنه مقتضى القاعدة فتبطل بترك شي‌ء ممّا يعتبر فيها. ولا يمكن تصحيحها بقاعدة لا تعاد ، لاختصاصها بصلاة ذات ركوع وسجود ، فلا بدّ من إعادتها إلاّ أن لا تفوت الموالاة فيتمها حينئذ بالإتيان بالتكبيرة الخامسة مثلاً.

(٢) لما تقدّم من أنه ليس في صلاة الميِّت دعاء مؤقت فيجوز له أن يدعو بما شاء‌

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٧ : ٣٤.

(٢) معجم رجال الحديث ١٤ : ١٠٣.

٢٤٨

بل يجوز كل دعاء بشرط اشتمال الأوّل على الشهادتين والثاني على الصلاة على محمد وآله والثالث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بالغفران وفي الرابع على الدعاء للميت ، ويجوز قراءة آيات القرآن والأدعية الأُخر ما دامت صورة الصلاة محفوظة.

[٩٦٤] مسألة ٣ : يجب العربية في الأدعية بالقدر الواجب (١) وفيما زاد عليه يجوز الدعاء بالفارسية ونحوها.

[٩٦٥] مسألة ٤ : ليس في صلاة الميِّت أذان ولا إقامة (٢) ولا قراءة الفاتحة (٣)

______________________________________________________

نعم لا بدّ من التحفظ على الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدعاء للميت على مسلكنا وعلى الأُمور المعتبرة عند الماتن ، إلاّ أن له أن يأتي بهما بأي كيفية أراد ، إذ لا دعاء مؤقت في صلاة الميِّت.

(١) لأن الأخبار المشتملة على الأدعية (١) وإن كانت مختلفة إلاّ أنها بأجمعها مشتركة في كون الأدعية بالعربية ، فالعربية معتبرة في صلاة الميِّت ، نعم هذا في المقدار الواجب ، وأما الزائد عليه فهو مخير بين الدعاء بالعربية وغيرها من الألفاظ لأنه على كل حال تهليل وتسبيح وتكبير.

(٢) لاختصاصهما بالفرائض ، ولا يجوزان في غيرها من الصلوات فضلاً عمّا نحن فيه الذي هو ليس بصلاة.

(٣) لعدم اشتمال الأخبار لها فيجوز الإتيان بها بعنوان القرآن لا بعنوان القراءة المعتبرة في الصلاة ، نعم وردت القراءة في صلاة الميِّت في روايتين ضعيفتين :

إحداهما : ما عن الشيخ بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وقد تقدم ضعف هذا السند (٢).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ وغيره من الأبواب.

(٢) تقدّمت الرواية في ص ٢٣٨ ، كما قدّمنا ضعفها بحمزة بن بزيع.

٢٤٩

ولا الرّكوع والسّجود (١) والقنوت (٢) والتشهّد (٣) والسّلام (٤) ولا التكبيرات الافتتاحية وأدعيتها ، وإن أتى بشي‌ء من ذلك بعنوان التشريع كان بدعة وحراما.

______________________________________________________

وثانيتهما : ما رواه عن عبد الله بن ميمون وهو عن جعفر بن محمد بن عبد الله (١). كذا في الوسائل ، والصحيح عبيد الله ، وهو لم يوثق في الرجال.

على أنّا لو أغمضنا عن سندها فهي وسابقتها لأجل كونهما في مقابل الأخبار الواردة في صلاة الجنائز وهي ساكتة عن بيان وجوب الفاتحة فيها مع كونها بصدد البيان لا بدّ من حملها على التقية ونحوها ، ولا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بوجوب قراءة الفاتحة في صلاة الأموات بوجه.

(١) وقد صرح بذلك في بعض الروايات وأنه لا سجود ولا ركوع فيها وأنها ليست إلاّ تهليلاً أو تكبيراً أو تحميداً.

(٢) لعدم وروده في شي‌ء من الروايات ، نعم لا بأس برفع اليدين للدعاء ، وإنما لا يجوز الإتيان به بعنوان القنوت المعتبر في الصلاة.

(٣) الظاهر المطمأن به أن الماتن قدس‌سره أراد التشهد في الصلاة أعني الجلوس بالكيفية المعتبرة في الصلاة ، وهو غير معتبر في صلاة الأموات ، إذ لا دليل عليه لعدم وروده في الأخبار.

وأمّا أصل التشهد فهو معتبر فيها على ما يراه الماتن كما تقدّم.

(٤) لا يعتبر فيها السلام لعدم وروده في الأخبار ، نعم ورد في بعض الموثقات كموثقتي سماعة وعمار « وإذا فرغت سلمت عن يمينك » (٢) و « تسلم » (٣) إلاّ أنها محمولة على التقيّة لموافقتها العامّة ، أو محمولة على السلام المستحب عند التوديع كما حمله عليه صاحب الوسائل قدس‌سره.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٤. وجعفر بن محمد بن عبد الله القمي موجود في أسناد كامل الزيارات فالسند معتبر على ذلك.

(٢) ، (٣) الوسائل ٣ : ٦٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١١.

٢٥٠

وناقش صاحب الوافي في حملها على التقية نظراً إلى أنهما اشتملتا على الأمر بالتكبيرات الخمسة وهو على خلاف التقية ، لأن العامة إنما يرون صلاة الميِّت أربع تكبيرات ومعه كيف يمكن حملهما على التقية (١).

وفيه : أن العامة بأجمعهم لم يكونوا ملتزمين بكونها أربع تكبيرات في تلكم العصور ، بل كان فيهم من يلتزم بالتخيير بين الأربع والخمس نظراً لما رواه من أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد يصلِّي بأربع وأُخرى بخمس تكبيرات (٢) نعم صار القول بالأربع مشهوراً ومتسالماً عليه بينهم بعد حصر المذاهب في الأربعة. إذن فلا تكون الرواية الآمرة بخمس تكبيرات منافية للتقية ، لاحتمال اختياره عليه‌السلام الخمس عملاً بالتخيير ، هذا. على أنه يمكن أن تكون الرواية الواحدة ببعض جملاتها موافقة للعامة وببعضها الآخر مخالفة لهم فيعامل مع الأُولى معاملة الموافق للعامّة دون الثانية ، هذا.

وممّا ينبغي الإشارة إليه أنّا ذكرنا سابقاً (٣) أن التكبيرات الخمسة مقومة لصلاة الميِّت إلاّ أنه إذا زاد عليها سهواً فلا ينبغي الإشكال في عدم بطلانها بذلك ، إذ لا دليل على أن الزيادة مانعة عن الصلاة. وما ورد من أن من زاد في صلاته استقبل صلاته استقبالاً (٤) فهو مختص بالصلوات ذات الركوع والسجود.

ومن هنا يظهر أنه لو زاد على الخمس عمداً لا تبطل صلاته أيضاً لعدم الدليل عليه ، نعم إذا نوى الزيادة من الابتداء وقصد الإتيان بصلاة ذات ست تكبيرات بطلت ، إذ لا أمر بصلاة ذات ست تكبيرات فلا تتحقق منه نية الصلاة ، وأمّا إذا قصده في الأثناء ولا سيما بعد الخامسة فلا ينبغي الشبهة حينئذ في صحّة الصلاة.

__________________

(١) الوافي ٢٤ : ٤٥٤.

(٢) المغني ٢ : ٣٨٧.

(٣) في ص ٢٢٥.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩.

٢٥١

[٩٦٦] مسألة ٥ : إذا لم يعلم أن الميِّت رجل أو امرأة يجوز أن يأتي بالضمائر مذكرة بلحاظ الشخص والنعش والبدن وأن يأتي بها مؤنثة بلحاظ الجثة والجنازة ، بل مع المعلومية أيضاً يجوز ذلك (١) ولو أتى بالضمائر على الخلاف جهلاً أو نسياناً (٢) لا باللحاظين المذكورين فالظاهر عدم بطلان الصلاة.

[٩٦٧] مسألة ٦ : إذا شك في التكبيرات بين الأقل والأكثر بنى على الأقل (٣).

______________________________________________________

(١) باعتبار الجسد والجثة.

إذا لم يعلم أن الميِّت رجل‌

(٢) كما إذا كان عالماً بأنه رجل أو امرأة إلاّ أنه نسي فلا مانع من أن يحكم بتخييره وذلك لأنه إذا أرجع الضمير المؤنث إلى المذكر فهو من الاشتباه في التطبيق ، كما إذا قال يا عمرو بدلاً من قوله يا زيد عند الخطأ ، فإنه لا يعد غلطاً حينئذ ، والخطأ في التطبيق غير مانع عن الصحّة.

إذا شكّ في الدعاء‌

(٣) لم يتعرّض للشك في الدعاء ، وحاصله : أنه إذا شك في الدعاء الثاني كالدعاء للميت أنه أتى بالدعاء السابق عليه في التكبيرة المتقدمة أم لم يأت به ، لا مانع من الحكم بصحّة الصلاة والإتيان بالدعاء بقاعدة التجاوز ، لعدم اختصاصها بباب الصلاة وإن أصر عليه شيخنا الأُستاذ قدس‌سره وذكر أن عدم جريانها في الطهارات الثلاث من باب التخصّص لا التخصيص لاختصاص القاعدة بالصلاة (١) ، إلاّ أنّا ذكرنا عدم اختصاص أدلّتها بباب الصلاة (٢) فلا مانع من التمسك بها عند الشك في الإتيان بالدعاء.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٦.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٨٠.

٢٥٢

نعم لو كان مشغولاً بالدعاء بعد الثانية أو بعد الثالثة فشك في إتيان الاولى في الأوّل أو الثانية في الثاني بنى على الإتيان وإن كان الاحتياط أولى (*).

[٩٦٨] مسألة ٧ : يجوز أن يقرأ الأدعية في الكتاب خصوصاً إذا لم يكن حافظاً لها (١).

______________________________________________________

الشكّ في التكبيرات

وأما الشك في التكبيرات فقد ذكر الماتن قدس‌سره أنه يبني على الأقل بالاستصحاب إلاّ أنه إذا كان مشغولاً بالدعاء بعد الثانية أو بعد الثالثة فشك في إتيان التكبيرة الاولى في الأوّل أو الثانية في الثاني لا مانع من البناء على الإتيان بها لقاعدة التجاوز وإن كان الاحتياط أولى.

إلاّ أن إجراء قاعدة التجاوز في المقام مبني على أن يكون للأدعية محل مقرر شرعي ليصدق التجاوز عند التجاوز عنه ، وعلى تقدير القول بالمحل تجري القاعدة في التكبيرة الأُولى إذا شك فيها بعد الدخول في الدعاء عقيبها فلا حاجة إلى التقييد المذكور في المتن : نعم لو كان مشغولاً بالدعاء بعد الثانية ، هذا.

ولكن الصحيح أن الأدعية ليس لها محل مقرر شرعاً ، فلو رأى نفسه يصلِّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس له البناء على تحقق التكبيرة الثانية ، لعدم كون محلها بعد التكبيرة الثانية ، بل يجوز الإتيان بالصلاة على النبي وآله بعد الأُولى أيضاً وهكذا.

(١) لعدم اشتراط كونها مقروءة عن ظهر القلب ، وهو ظاهر.

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

٢٥٣

فصل

في شرائط صلاة الميِّت

وهي أُمور :

الأوّل : أن يوضع الميِّت مستلقيا.

الثاني : أن يكون رأسه إلى يمين المصلي ورجله إلى يساره (١).

الثالث : أن يكون المصلي خلفه محاذياً له لا أن يكون في أحد طرفيه إلاّ إذا طال صف المأمومين.

______________________________________________________

فصل في شرائط صلاة الميِّت‌

(١) ويدلُّ على هذين الشرطين موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « أنه سئل عمّن صلِّي عليه فلما سلم الإمام فإذا الميِّت مقلوب ، رجلاه إلى موضع رأسه ، قال : يسوّى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن ، فان دفن فقد مضت الصلاة عليه ، ولا يصلّى عليه وهو مدفون » (١).

أمّا دلالتها على اعتبار كون رأس الميِّت إلى يمين المصلي ورجلاه إلى يساره فهي ظاهرة.

وأمّا دلالتها على اعتبار كون الميِّت مستلقياً فلأنه الوضع المتعارف المعهود عند وضع رأس الميِّت إلى اليمين ورجليه إلى اليسار. على أنه يمكن الاستدلال عليه بما ورد في الصلاة على العاري من وضعه في قبره وستر عورته بلبن ونحوه (٢) ، فإنه لو جاز جعل الميِّت على وجهه بأن يكون ظاهراً عند المشاهدة والرؤية لم يحتج إلى ستر‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ١٣١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦.

٢٥٤

الرابع : أن يكون الميِّت حاضراً فلا تصح على الغائب وإن كان حاضراً في البلد (١).

______________________________________________________

عورته باللبن والتراب ، بل جسده كان يستر عورته وأما دبره فتستره الأليتان.

وكذا لو جاز جعله على يمينه أو يساره في قبره فلا ترى معه عورته ، ومن ذلك يستكشف اعتبار كون الميِّت على قفاه هذا ، مضافاً إلى أن المسألة مورد التسالم بين الأصحاب.

اعتبار حضور الميِّت‌

(١) ويدلُّ عليه وعلى ما تقدمه بالإضافة إلى أن المسألة متسالم عليها عندهم ما ورد في صحيحة أبي ولاد من قوله في الدعاء : « اللهمّ إن هذا المسجّى قدامنا عبدك » (١) فيعلم منه أن الميِّت لا بدّ من كونه قدّام الإمام ولا بدّ من كونه حاضراً.

وكذا يستفاد هذا ممّا ورد في كيفية وضع الميِّت إذا تعدّد وكان البعض رجلاً والبعض امرأة حيث إن المرأة توضع محاذية لركبتي الميِّت الرجل (٢) ، فيدل ذلك على أنه لا يجوز أن يجعل خلف المصلي كما تراه العامة ، وكذلك تدل على أن الميِّت لا بدّ أن يكون حاضراً.

وأما ما ورد من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على النجاشي عند ما سمع بموته وارتفعت الجبال وسطحت الأرض حتى رآه النبيّ (٣) فهي ضعيفة السند لا يمكن الاستدلال بها. على أنها معارضة بما ورد عن زرارة أو محمد بن مسلم من أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصلّ على النجاشي بل دعا له (٤).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ١٢٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ١٠.

(٤) الوسائل ٣ : ١٠٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٥.

٢٥٥

الخامس : أن لا يكون بينهما حائل كستر أو جدار (١) ولا يضر كون الميِّت في التابوت ونحوه.

السادس : أن لا يكون بينهما بعد مفرط على وجه لا يصدق الوقوف عنده إلاّ في المأموم مع اتصال الصفوف.

السابع : أن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علواً مفرطا (٢).

الثامن : استقبال المصلِّي القبلة (٣).

______________________________________________________

ويستفاد أيضاً اعتبار ذلك مما ورد من أن علياً عليه‌السلام كان يدخل عشرة عشرة للصلاة على النبي (١) فإنه لو جازت الصلاة على الميِّت من بعيد لم يحتج إلى ذلك ، بل جاز لكل أحد أن يصلِّي على النبي ولو في بيته أو غيره من المواضع.

(١) بحيث يمنع عن صدق الحضور عنده دون مثل التابوت والساتر ونحوهما ، إذ معه يصدق أن الميِّت حاضر عنده.

(٢) علواً لا يصدق معه الكون عنده ، وأما المقدار غير المانع عن صدقه كشبر أو شبرين فلا يضرها.

اعتبار استقبال المصلي القبلة‌

(٣) هذه المسألة متسالم عليها بين الأصحاب ، وتدل عليه صحيحة داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري الواردة في المصلوب وكيفية الصلاة عليه « .... إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن ، وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فإن ما بين المشرق والمغرب قبلة ، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن ، وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر ، وكيف كان منحرفاً فلا تزائلن مناكبه وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة » (٢) حيث دلّت على أن الاستقبال معتبر في الصلاة على الأموات ، وحيث‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ١٣٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٥ ح ١.

٢٥٦

التاسع : أن يكون قائما (١).

______________________________________________________

إنه غير ممكن في مفروض الحديث اتسعت القبلة بالإضافة إليه وكان ما بين المشرق والمغرب قبلة.

والوجه في عدم التمكن من الاستقبال فيها أن المكلف وإن كان يتمكن من الاستقبال عقلاً كما إذا قام خلف المصلوب الذي وجهه إلى القبلة إلاّ أنه غير متمكن منه شرعاً ، لاعتبار أن يكون الإمام مستقبلاً لمنكب المصلوب ومعه لا يتمكن من الاستقبال شرعاً.

ودعوى أن الرواية أعرض عنها الأصحاب لعدم ذكرهم لها في مصنفاتهم في كيفية الصلاة على المصلوب ، مندفعة بأن مضمون الرواية وهو اتساع جهة القبلة عند عدم التمكن من القبلة وإجزاء ما بين المشرق والمغرب ممّا لم يعرض عنه الأصحاب وإنما لم يتعرضوا له لا أنّهم أعرضوا عنه.

ويدلُّ عليه أيضاً ما رواه الحلبي قال : « سألته عن الرجل والمرأة يصلّى عليهما ، قال : يكون الرجل بين يدي المرأة ممّا يلي القبلة فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره ويكون رأسها أيضاً ممّا يلي يسار الإمام ورأس الرجل ممّا يلي يمين الإمام » (١) حيث دلّت على اعتبار القبلة في الصلاة على الميِّت.

ونظيرها رواية أُخرى وهي ما رواه عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال « قلت : أرأيت إن فاتني تكبيرة أو أكثر ، قال : تقضي ما فاتك ، قلت : استقبل القبلة؟ قال : بلى وأنت تتبع الجنازة » (٢).

اعتبار القيام في المصلي‌

(١) وهذا الشرط متسالم عليه بينهم أيضاً ، وتدل عليه الصحيحة المتقدِّمة (٣) الدالّة‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٢٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٤.

(٣) في الأمر الثامن.

٢٥٧

على أنه يقوم قبال المنكب الأيمن أو الأيسر ، فيستفاد منها اعتبار القيام في الصلاة على الميِّت.

ثم إن هذا الشرط كسابقه يختصّان بحال التمكن لأنه القدر المتيقن من التسالم ولم تدلّنا الأخبار إلاّ على اعتباره في مَن يتمكّن منهما ، وعليه فلو صلّى على ميت قاعداً أو إلى غير القبلة لعجز ثم تجددت له القدرة على الصلاة قائماً أو مستقبلاً أو وجد شخص يتمكن من الشرطين ، أو أنه كان هناك شخصان أحدهما متمكن من القيام والاستقبال دون الآخر فلو صلّى العاجز فصلاته جائزة أو لا؟ وعلى تقدير صحتها هل تجزئ عن الصلاة التامّة أو لا تجزئ؟

وهذان فرعان يتعرض لهما الماتن في الفروع الآتية إلاّ أنّا نتعرّض لهما في المقام.

أمّا إذا كان هناك شخصان أحدهما عاجز عن القيام والاستقبال والآخر متمكن منهما فالصحيح عدم جوازها للفاقد ، لأن التكليف إنما يترتب على الطبيعي الجامع بين الأفراد لا على خصوص العاجز أو غيره ، فصلاة العاجز غير مأمور بها في نفسها.

ثم لو أتى بها العاجز فاقدة للقيام أو الاستقبال رجاء لا دليل على كونها مجزئة وموجبة لسقوط التكليف عن القادر عليهما ، لعدم كونها مصداقاً للمأمور به ، بل لا بدّ من إتيان المكلف القادر عليهما بما لها من شروط.

وأمّا الفرع الأوّل فقد ذكر المحقق الهمداني أنه بعد تجدد القدرة له أو حضور شخص قادر على الاستقبال والقيام إذا شك في وجوب الإعادة وعدمه فهو شك في التكليف ندفعه بالبراءة (١).

إلاّ أن الصحيح خلافه وفاقاً للماتن قدس‌سره حيث ذهب إلى وجوب إعادة الصلاة حينئذ وذلك لقاعدة الاشتغال ، لأنه بتجدّد القدرة أو بحضور شخص قادر يستكشف عدم كون المأتي به مأموراً به من الابتداء ، إذن مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم إعادتها.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( كتاب الصلاة ) : ٥٠٣ السطر ٢٥.

٢٥٨

العاشر : تعيين الميِّت على وجه يرفع الإبهام ولو بأن ينوي الميِّت الحاضر أو ما عيّنه الإمام (١).

الحادي عشر : قصد القربة (٢).

الثاني عشر : إباحة المكان (*) (٣).

الثالث عشر : الموالاة بين التكبيرات والأدعية على وجه لا تمحى صورة الصلاة (٤).

______________________________________________________

اعتبار تعيين الميِّت والقربة وإباحة المكان‌

(١) لأن من مقوّمات صلاة الميِّت الدعاء للميت ولا معنى لدعاء المردد ، لأن المردد لا وجود له ليدعى له فلا مناص من تعيين الميِّت ولو بأن ينوي الميِّت الحاضر أو ما عيّنه الإمام.

(٢) لأنها من العبادات وهي تحتاج إلى قصد القربة والإضافة إلى الله سبحانه نحو إضافة.

(٣) هذا لم يقم عليه دليل ، لأن حرمة التصرّف تمنع عن صحّة العبادة فيما إذا كانتا متحدتين ولا اتحاد بينهما في المقام ، لأن صلاة الميِّت ليست إلاّ جملة من التكبيرات والأذكار ، والتكلم في المكان المغصوب لا يعدّ تصرّفاً فيه كما لا يخفى. وهكذا الأمر في الصلوات المفروضة فيما إذا كانت السجدة واقعة على محل مباح ، نعم لو كانت السجدة على أرض مغصوبة بطلت ، إذ أُخذ في مفهوم السجدة الاعتماد على الأرض ، ومع حرمته لا تقع السجدة مصداقاً للمأمور به.

اعتبار الموالاة والاستقرار‌

(٤) إنما تعتبر الموالاة لتعدّ الأشياء المتشتة شيئاً واحداً لدى العرف للتتابع ، فلا يجزئ ما إذا كبّر ثم اشتغل بشي‌ء كالمطالعة ثم كبّر ثانية بعد مدة.

__________________

(*) على الأحوط.

٢٥٩

الرابع عشر : الاستقرار بمعنى عدم الاضطراب على وجه لا يصدق معه القيام بل الأحوط كونه بمعنى ما يعتبر في قيام الصلوات الأُخر (١).

الخامس عشر : أن تكون الصلاة بعد التغسيل والتكفين والحنوط كما مرّ سابقا (٢).

السادس عشر : أن يكون مستور العورة إن تعذّر الكفن ولو بنحو حجر أو لبنة (٣).

السابع عشر : إذن الولي.

[٩٦٩] مسألة ١ : لا يعتبر في صلاة الميِّت الطهارة من الحدث والخبث وإباحة اللباس وستر العورة (٤) وإن كان الأحوط اعتبار جميع شرائط الصلاة حتى صفات الساتر من عدم كونه حريراً أو ذهباً أو من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وكذا الأحوط (*) مراعاة ترك الموانع للصلاة كالتكلم والضحك والالتفات عن القبلة.

______________________________________________________

(١) قسم الاستقرار إلى قسمين :

أحدهما : الاستقرار في مقابل الاضطراب كالطفرة على وجه لا يصدق عليه القيام وهذا لا يجزئ في الصلاة.

وثانيهما : الاستقرار بمعنى ما يعتبر في قيام الصلوات المفروضة ، وذكر أن اعتباره في المقام أحوط ، إلاّ أن الصحيح عدم اعتباره في المقام ، لأن دليله في الفرائض هو الإجماع وهو مختص بها.

(٢) وتقدّم وجهه.

(٣) تقدّم أيضاً وجهه.

(٤) إذ لم يقم على اعتبارها دليل ، وإنما اعتبرت في الصلاة الحقيقية كما التزم بذلك بحر العلوم قدس‌سره في منظومته في غير حلية المكان (٢).

__________________

(*) لا يترك.

(١) الدرّة النجفية : ٧٧.

٢٦٠