موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٩٦١] مسألة ٢٠ : إذا حضر الشخص في أثناء صلاة الإمام له أن يدخل في الجماعة فيكبِّر بعد تكبير الإمام الثاني أو الثالث مثلاً ويجعله أوّل صلاته وأوّل تكبيراته فيأتي بعده بالشهادتين (١)

______________________________________________________

فهي غير شاملة لصلاة الأموات.

وأما إيراد علي بن جعفر أو الحميري للرواية في صلاة الجنائز فهو مبني على استنباطه ، بمعنى أنه اجتهاد منه ولو بتوهم شمولها للمقام بحسب الإطلاق.

الحضور في أثناء صلاة الإمام‌

(١) للبحث في المسألة جهات :

الاولى : لا إشكال في أن الجماعة في صلاة الأموات غير مشروطة بحضورها من الابتداء ، بل لو حضرها المكلف بعد تكبير الإمام الثاني أو الثالث أيضاً جاز له الدخول فيها ، وذلك لعدّة روايات فيها الصحاح وغيرها (١).

الثانية : في محل الدخول. هل لا بدّ من أن يصبر حتى يكبِّر الإمام فيدخل معه في الصلاة أو يجوز له الدخول فيها والإمام مشغول بالدعاء؟

الصحيح هو الثاني. وقد يقال : إن المدرك فيه الإجماع ولا يستفاد ذلك من النصوص.

وفيه : أن صحيحة العيص لا مانع من الاستدلال بها في المقام ، بل هي صريحة في ذلك ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك من الصلاة على الميِّت تكبيرة ، قال عليه‌السلام : يتم ما بقي » (٢). لدلالتها على جواز الدخول في الجماعة فيما إذا أدرك الإمام بعد التكبيرة الرابعة وقبل الخامسة ، فلو فرضنا أن دخوله في الجماعة مشروط بتكبير الإمام لم يمكنه الدخول فيها في مفروض الرواية ، لأنه بعد‌

__________________

(١) يأتي التعرّض لها في المسألة.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٢.

٢٢١

التكبيرة الخامسة لا تبقى جماعة ولا صلاة ليدخل فيها المأموم ، فهي كالصريحة في جواز دخول المأموم فيها عند قراءة الإمام.

الثالثة : هل يقتصر المصلي حينئذٍ بما أدركه مع الإمام أو يجب عليه قضاء ما فاته بعد إتمام الإمام؟

ورد في جملة كثيرة من الأخبار أنه يقضي ما فاته بعد الصلاة كصحيحة العيص المتقدِّمة وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميِّت فليقض ما بقي متتابعاً » (١).

وورد في رواية إسحاق بن عمار الموثقة سنداً لاشتماله على غياث بن كلوب وهو ممّن وثّقه الشيخ في العدّة (٢) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « أن عليّاً عليه‌السلام كان يقول : لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز » (٣) وظاهرها نفي مشروعية القضاء.

ولأجل تعارضهما يرفع اليد عن ظاهر الثانية بصراحة الطائفة الأُولى ويجمع بينهما بحمل الثانية على نفي القضاء وجوباً وحمل الاولى على أنها تقضى جوازاً أو استحباباً.

وأما لو ناقشنا في هذا الجمع نظراً إلى أن كلتيهما واردتان في القضاء وقد أثبتته إحداهما ونفته الأُخرى فلا يمكن الجمع بينهما بما ذكر ، فلا مناص من الأخذ بالطائفة الأُولى وحمل الثانية على التقيّة لموافقتها لما ذهب إليه ابن عمر (٤).

الرابعة : بناء على وجوب القضاء أو جوازه فهل يقضي ما فاته من الأدعية والتكبيرات معاً أو يقضي التكبيرات فقط؟

مقتضى النصوص الواردة في المقام أنه يقضي التكبيرات دون الأدعية ، لما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله عليه‌السلام : « إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ١.

(٢) عدّة الأُصول ١ : ٥٦ السطر ١٣.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٦.

(٤) المغني لابن قدامة ٢ : ٣٧٣ ، المجموع ٥ : ٢٤٣ ، عمدة القارئ ٨ : ٣٨.

٢٢٢

وهكذا على الترتيب بعد كل تكبيرة من الإمام يكبّر ويأتي بوظيفته من الدعاء وإذا فرغ الإمام يأتي بالبقيّة فرادى وإن كان مخفّفاً ، وإن لم يمهلوه أتى ببقيّة التكبيرات ولاء من غير دعاء ، ويجوز إتمامها خلف الجنازة إن أمكن الاستقبال وسائر الشرائط.

______________________________________________________

الصلاة على الميِّت فليقض ما بقي متتابعاً » لظهورها في إرادة قضاء ما بقي من التكبيرات. مضافاً إلى قوله « متتابعاً » الظاهر فيما ذكرناه ، إذ مع الأدعية لا تقع التكبيرات متتابعة ، وقد صرح بالباقي من التكبيرات في بعضها.

ولا ينافي ذلك ما ورد في صحيحة علي بن جعفر عليه‌السلام من أنه يتم ما بقي من التكبيرات مخففة ويبادر إلى رفع الجنازة (١) لأن ظاهر التخفيف في التكبيرات إرادة التكبيرات من دون الأدعية ، وإلاّ فلا معنى للتخفيف في نفس التكبيرة.

الجهة الخامسة : إذا لم يتمكن المصلي من إتمام التكبيرات بعد فراغ الإمام لرفع الجنازة وعدم إمهاله ، فهل له أن يقضي التكبيرات خلف الجنازة ماشياً؟

ورد في روايتين إحداهما مرسل القلانسي أن « الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين ، فقال عليه‌السلام : يتم التكبير وهو يمشي معها ، فان لم يدرك التكبير كبّر عند القبر ، فان كان أدركهم وقد دفن كبّر على القبر » (٢).

وثانيتهما رواية عمرو بن شمر (٣) وهي قريبة من الأُولى ، إلاّ أنهما ضعيفتان بعمرو ابن شمر وبإرسال الاولى ، فلا يمكن الحكم بوجوب ذلك أو استحبابه إلاّ بناء على التسامح في أدلّة السنن.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٧.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٥.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٤.

٢٢٣

فصل

في كيفيّة صلاة الميِّت

وهي أن يأتي بخمس تكبيرات (١)

______________________________________________________

فصل في كيفية صلاة الميِّت‌

(١) لا إشكال في أن صلاة الميِّت عندنا إنما هي بخمس تكبيرات ، وقد دلت على ذلك جملة من الروايات فيها الصحاح وغيرها ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « التكبير على الميِّت خمس تكبيرات » (١) وغيرها.

وفي بعضها أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلِّي بأربع تكبيرات تارة وبخمس اخرى (٢).

وورد شرح ذلك في بعض الأخبار الأُخر بمضمون أن كل تكبيرة رمز إلى أصل ومبدأ من المبادي الإسلامية من الصوم والصلاة والزكاة والحج والولاية ، ولأجله كان يصلِّي بأربع تكبيرات على المنافقين المنكرين للولاية وبخمس تكبيرات على المؤمنين (٣). هذا كله في رواياتنا.

وأما روايات العامة فقد اختلفت في ذلك ، ففي بعضها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلِّي بست أو سبع تكبيرات (٤) وفي بعضها الآخر أن عمر جمع أصحابه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٧٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٧٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١ وغيره.

(٣) الوسائل ٣ : ٧٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٦ ، ١٧ ، ١٨.

(٤) راجع شرح صحيح مسلم للنووي بهامش إرشاد الساري ٤ : ٢٨٤ وبدائع الصنائع ١ : ٣١٢ وفي الأخير : أنّ الروايات اختلفت في فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرُوي عنه الخمس والسبع والتسع ونحو من ذلك.

٢٢٤

واستقرّ رأيه على أن يصلِّي على الميِّت بأربع تكبيرات (١) وكأنه لولايته على الإسلام والمسلمين.

وكيف كان ، فكونها خمس تكبيرات مما لا إشكال فيه عندنا ، فلو نقص منها تكبيرة بطلت لانتفاء المركب بانتفاء بعض أجزائه. ولا يشملها حديث لا تعاد لاختصاصه بصلاة ذات ركوع وسجود وطهور.

وأمّا إذا زاد عليها فان كان سهواً فلا يكون موجباً لبطلانها ، لأنها زيادة بعد انتهاء العمل ، والزيادة بعد العمل لا توجب البطلان. وأمّا إذا كانت الزيادة عمدية فالصحيح أنها أيضاً لا توجب البطلان ، لكونها زيادة بعد العمل لانتهاء الصلاة بعد الخمس اللهمّ إلاّ أن يرجع إلى التشريع في أصل العمل بأن يبني من الابتداء على أنها ست تكبيرات فيأتي بها بهذا البناء والتشريع ، وإلاّ فلو بنى على أن يأتي بالزائد بعد الخمس فهو لا يوجب بطلانها.

الزيادة في التكبير

وهل تستحب الزيادة في التكبير إذا كان الميِّت من أهل الفضل والسداد؟ ربما يقال بالجواز ، وقد نسب ذلك إلى جماعة ، إلاّ أن الصحيح عدم جواز الزيادة ولو بعنوان الجزء الاستحبابي بأن يكون جزءاً ومعتبراً في التشخص لا في أصل العمل ، وذلك لأن ما استدل به على الجواز ضعيف إما سنداً وإما دلالة ، لكونه مبتلى بالمعارض أو لغيره من الوجوه ، وإما من كلتا الجهتين ، وإليك نصها :

منها : صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على حمزة سبعين صلاة وكبّر عليه سبعين تكبيرة » (٢).

والمراد بسبعين صلاة ليس هو سبعين صلاة الميِّت بل المراد بها الدعاء ، إذ لا يعقل‌

__________________

(١) راجع نفس المصدر.

(٢) الوسائل ٣ : ٨١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٣.

٢٢٥

سبعون صلاة مع التكبير بسبعين تكبيرة ، لأن في كل صلاة يعتبر خمس تكبيرات ومضروب الخمس في سبعين ثلاثمائة وخمسون تكبيرة ، فلا يمكن سبعون صلاة بهذا المقدار من التكبيرات.

ولا دلالة لها على جواز التكبير سبعين مرة ، وذلك لأن المراد بالرواية ليس هو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبّر سبعين مرّة في صلاة واحدة ، بل إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على حمزة بخمس تكبيرات ، ثم بعدها جاؤوا بشهيد ثان ولم ترفع جنازة حمزة وصلّى عليه بخمس أيضاً ، ثم جاؤوا بثالث وجنازة حمزة لم ترفع وهكذا إلى أن أصاب حمزة سبعين تكبيرة كما ورد في رواية عيون أخبار الرضا عليه‌السلام فراجع (١).

ونظيره ما صنعه علي عليه‌السلام في صلاته على سهل بن حنيف حيث ورد في رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمزة سبعين تكبيرة وكبّر علي عليه‌السلام عندكم على سهل بن حنيف خمساً وعشرين تكبيرة ، قال : كبّر خمساً خمساً كلما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبّر عليه خمساً حتى انتهى إلى قبره خمس مرات » (٢).

والجزم بذلك أو احتمال إرادته من الرواية يمنع عن الاستدلال بها على استحباب الزيادة في التكبير.

ومنها : ما عن أمالي الصدوق عن ابن عباس « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على فاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين عليه‌السلام صلاة لم يصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة ، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة فقال له عمار : لِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟ قال : نعم يا عمار التفتّ عن يميني فنظرت إلى أربعين‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٧ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ٤٥ / ١٦٧.

(٢) الوسائل ٣ : ٨١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٥.

٢٢٦

صفاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة » (١).

وهي ضعيفة السند بأبي الحسن العبدي لأنه مهمل ، وفي السند جعفر بن محمد بن سرور وهو أيضاً لم يوثق وإن كان من مشايخ الصدوق قدس‌سره. وعباية بن ربعي يمكن الاعتماد عليه لأنه ورد في حقه أنه من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو موجب للاعتماد عليه ، وابن عباس مختلف فيه كما هو معروف. والسند مذكور في باب ٢٦ من أبواب التكفين فليراجع (٢).

ومنها : رواية الحسن بن زيد قال : « كبّر علي بن أبي طالب عليه‌السلام على سهل بن حنيف سبع تكبيرات وكان بدرياً وقال : لو كبّرت عليه سبعين لكان أهلاً » (٣).

وهي ضعيفة السند بأحمد بن عبد الله العلوي وعلي بن الحسن الحسيني وحسن بن زيد ، ومعارضة بصحيحة أو حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كبّر أمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل بن حنيف وكان بدرياً خمس تكبيرات » (٤).

ومنها : رواية جابر قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التكبير على الجنازة هل فيه شي‌ء مؤقت؟ فقال : لا ، كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد عشر وتسعاً وسبعاً وخمساً وستاً وأربعاً » (٥) وهي ضعيفة بعمرو بن شمر ومعارضة بما دلّ على وجوب التكبير بخمس.

ومنها : رواية عقبة عن جعفر قال : « سئل جعفر عليه‌السلام عن التكبير على الجنائز ، فقال : ذلك إلى أهل الميِّت ما شاؤوا كبّروا ... » (٦) وهي ضعيفة السند بعقبة.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٨ ، أمالي الصدوق : ٢٥٨ / ١٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٨ / أبواب التكفين ب ٢٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٢.

(٤) الوسائل ٣ : ٨٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ٨٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٧.

(٦) الوسائل ٣ : ٨٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٨.

٢٢٧

ومنها : رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل : « إن آدم لما مات .... وقد كان يكبّر على أهل بدر تسعاً وسبعاً » (١) وهي ضعيفة بمحمد بن الفضيل ومعارضة بما دل على أنه عليه‌السلام صلّى على سهل بن حنيف بخمس وأنه كان بدرياً.

ومنها : رواية على بن موسى بن طاوس عن عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر ... ثم قال : « يا علي كن أنت وفاطمة والحسن والحسين وكبّروا خمساً وسبعين تكبيرة وكبّر خمساً وانصرف » (٢).

وهي ضعيفة السند بعيسى بن المستفاد وبمجهولية طريق ابن طاوس إليه لأن بينهما وسائط ، وباحتمال أن يكون ذلك من مختصات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : رواية سعد بن هبة الله الراوندي في قصص الأنبياء عن أبي حمزة عن علي ابن الحسين عليه‌السلام في حديث وفاة آدم عليه‌السلام قال : « فخرج هبة الله وصلّى عليه وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ، سبعين لآدم وخمسة لأولاده » (٣).

وهي ضعيفة لمجهولية طريقه إلى ابن بابويه ، ولو صحت فإنما كانت مختصة بتلك الشريعة ولا يمكن إسراؤها إلى شريعتنا ، وهي معارضة بما دل على أنه كبّر عليه ثلاثين تكبيرة وأن السنة فينا خمس تكبيرات كما ورد في رواية أُخرى لأبي حمزة.

ومنها : رواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام وهي بمضمون سابقتها (٤).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٨٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١١.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٤. قصص الأنبياء : ٥٩ / ٣٤.

(٤) الوسائل ٣ : ٨٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٥.

٢٢٨

يأتي بالشهادتين بعد الاولى (*) والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الثانية والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة والدعاء للميت بعد الرابعة ثم يكبّر الخامسة وينصرف ، فيجزي أن يقول بعد نية القربة وتعيين الميِّت ولو إجمالاً : « الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، الله أكبر ، اللهمّ صل على محمد وآل محمد ، الله أكبر ، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، الله أكبر اللهمّ اغفر لهذا الميِّت ، الله أكبر » (١).

______________________________________________________

ما ذكره المحقِّق في شرائعه‌

(١) ذكر المحقق في شرائعه أن الواجب في الصلاة على الميِّت إنما هو التكبير خمساً ولا يجب الدعاء بعدها وفي أثنائها وإنما هو أمر مستحب (٢). ولا نعرف له موافقاً في ذلك لا من أصحابنا ولا من العامّة ، وهو متفرد في ذلك.

وذهب صاحب الحدائق إلى أن الواجب هو أصل الدعاء لا على الكيفية المتعارفة بين المسلمين ، ونسبه إلى جماعة وإلى ابن الجنيد (٣).

والقول الثالث هو المعروف والمشهور ، بل ادعي عليه الإجماع وهو وجوب الدعاء على الكيفية المتعارفة اليوم ، أعني وجوب الشهادتين بعد التكبيرة الأُولى والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله بعد الثانية والدعاء للمؤمنين بعد الثالثة والدعاء للميت بعد الرابعة.

أمّا ما ذهب إليه المحقق قدس‌سره فقد استدل له بوجوه :

منها : أصالة البراءة عن وجوب الدعاء ، لأنه شك في التكليف الزائد فينفى بالبراءة.

__________________

(*) على الأحوط ، والأولى أن يؤتى بهما وبالصلاة على النبي وآله وعلى سائر الأنبياء عليهم‌السلام وبالدعاء للمؤمنين والمؤمنات وللميت بعد كل تكبيرة من التكبيرات الأربع.

(١) الشرائع ١ : ١٠٦.

(٢) الحدائق ١٠ : ٤٠٥.

٢٢٩

ومنها : إطلاق الأخبار الدالّة على أن صلاة الميِّت خمس تكبيرات وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا صلّى بخمس علم أن الميِّت مؤمن وإذا صلّى بأربع علم أنه منافق ، حيث إنها مطلقة لم تقيد التكبيرات فيها بالدعاء ، فاذا شككنا في وجوبه فندفعه بالإطلاق.

ومنها : أن الأخبار الآمرة بالدعاء مختلفة ، ولا يوجد اثنان منها ضعيفين أو معتبرين متحدين في المدلول ، فلو كان الدعاء واجباً كالتكبير لم تختلف الأخبار في المفاد وهذا آية الاستحباب.

ويرد عليها : أما أصالة البراءة فإن المورد وإن كان في نفسه مجرى لها ، لأنه من الشك في التكليف إلاّ أنها متوقفة على الشك ولا شك عندنا في وجوب الدعاء للأخبار الدالّة عليه كما سيتضح.

وأمّا الإطلاق ففيه : أن الأخبار الواردة في المقام إنما هي ناظرة إلى بيان أن الواجب من التكبيرات هو خمس في قبال العامة التي تقول بأن الواجب منها أربع تكبيرات وليس لها نظر إلى أنها هل يعتبر معها دعاء أم لا يعتبر ، فلا إطلاق في الأخبار حتى يتمسّك به. هذا على أنّا لو سلمنا إطلاقها لم يمكن الاستدلال بها كالسابق البراءة لأنه إنما يمكن التمسك به عند الشك ولا شك لنا في طروء المقيد لها ، للأخبار الدالّة على التقييد ، ومع المقيد لا مجال للتمسك بالإطلاق.

وأمّا اختلاف الروايات فهو وإن كان كذلك إلاّ أنه إنما يدل على أن الدعاء الوارد في هذه الرواية ليس واجباً معيناً وكذا الدعاء الوارد في الرواية الأُخرى للمعارضة ، وأما أنه ليس بواجب أصلاً فلا.

بل لا بدّ من الالتزام بوجوب الدعاء مخيراً ، وأن الواجب هو الجامع المنطبق على كل واحد من الأدعية الواردة ، وذلك لما ذكرناه من أن للأمر ظهورين : ظهور في الوجوب وظهور في التعيين ، فاذا جاءنا دليلان على وجوب شيئين وعلمنا أن كليهما غير واجب وإنما الواجب أحدهما فلا مناص من رفع اليد عن ظهور الدليلين في التعيين والالتزام بوجوب أحدهما مخيراً.

٢٣٠

ما يدل على وجوب الدعاء في صلاة الجنائز

ويؤيِّد ما ذكرناه من وجوب أصل الدعاء في صلاة الميِّت رواية أبي بصير : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالساً فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنازة فقال عليه‌السلام : خمس تكبيرات ، ثم دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنازة فقال عليه‌السلام : أربع صلوات ، فقال الأوّل : جعلت فداك سألتك فقلت خمساً وسألك هذا فقلت أربعاً ، فقال عليه‌السلام : إنك سألتني عن التكبير وسألني هذا عن الصلاة ، ثم قال عليه‌السلام : إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات » (١).

وهي صريحة في أن صلاة الميِّت يعتبر فيها الدعاء زائداً على التكبيرات الخمسة.

ورواية الفضل عن الرضا عليه‌السلام : « إنما أُمروا بالصلاة على الميِّت ليشفعوا له وليدعوا له بالمغفرة » (٢) حيث دلت على اعتبار الدعاء فيها.

كما يدل على ما ذكرناه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ليس في الصلاة على الميِّت قراءة ولا دعاء مؤقت ، تدعو بما بدا لك » (٣) وذلك لما ذكرناه في مفهوم الوصف من أن له مفهوماً غير المفهوم المدعى للقيود ، بمعنى أنه إذا ورد : أكرم الرجل العالم ، لم يدل ذلك على أن الرجل العادل غير واجب الإكرام ، إذ لا يستفاد منه العلية المنحصرة ، بل يمكن أن يدلنا دليل ثان على أن العدالة علة أُخرى للإكرام.

إلاّ أنه يدل على أن للعالمية مدخلية في ترتب الحكم على موضوعه وأن وجوب الإكرام لم يترتّب على طبيعي الرجل ، بل على الحصة الخاصة منه وهو المقيد بالعلم وإلاّ لكان أخذه في لسان الدليل لغواً محضاً.

وعلى هذا يتبيّن أن نفي الوجوب في الصحيحة إنما ترتب على الدعاء المؤقت أي‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٧٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٧٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٢١.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ١.

٢٣١

المعين ، وأما أصل الدعاء فلم ينف وجوبه فيها ، فيستفاد منها أن أصل الدعاء واجب في صلاة الأموات لا محالة.

ويدلُّ على وجوب الدعاء في صلاة الميِّت أيضاً موثقة يونس الدالّة على أنها تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل (١) فدلّت على وجوب الدعاء زائداً على التكبير ، نعم استفدنا من الأخبار الواردة في المقام أن الجمع بين التسبيح والتحميد والتهليل ليس بواجب بل يكفي بعضها.

ويدلُّ على ذلك أيضاً ما ورد من الدعاء على الميِّت إذا كان منافقاً وللميت إذا كان مؤمناً غير منافق (٢) ، لدلالته على وجوب الدعاء في صلاة الميِّت بتلك الكيفية ، أعني الدعاء عليه إذا كان منافقاً والدعاء له إذا لم يكن منافقاً ، هذا كلّه.

على أن الدعاء لو لم يكن معتبراً في صلاة الأموات لم يصح إطلاق الصلاة عليها ولو مجازاً ، لأن التكبير ليس بصلاة أصلاً ، كما أنه لا يصح إضافتها إلى الميِّت ، إذ مجرّد التكبير لا معنى لإضافته إلى الميِّت أو غيره ، فلا يصح القول : الصلاة على الميِّت ، إلاّ أن يشتمل على الدعاء للميت ، فالدعاء له مقوم للصلاة عليه ، فما ذهب إليه المحقق ممّا لا وجه له.

ما ذهب إليه المشهور في المسألة

وأما ما ذهب إليه المشهور من اعتبار الدعاء على الكيفية المتعارفة الدارجة اليوم فهو ممّا لم يرد فيه رواية سوى رواية أُمّ سلمة والدة محمد بن مهاجر ، قالت : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى على ميت كبّر وتشهّد ثم كبّر وصلّى على الأنبياء ودعا ثم كبّر ودعا للمؤمنين ثم كبّر الرابعة ودعا للميت ثم كبّر الخامسة وانصرف » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٨٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٦٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ، ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٦٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

٢٣٢

إلاّ أنها غير قابلة للاستدلال بها من وجوه :

الأوّل : أنها إنما وردت لبيان أن التكبير الواجب في صلاة الميِّت خمس لا أربع لأنّ أُمّ سلمة ابتلت بامرأة من المنافقات في طريق مكة واستشكلت عليها بأنكم تخالفون المسلمين في جميع الأُمور حتى الصلاة على الميِّت فإنها أربع تكبيرات والشيعة تصلي بخمس ، وأُم سلمة حكت ذلك إلى الصادق عليه‌السلام وهو في مقام رد تلك الدعوى استشهد بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعله ، فلا نظر لها إلى أن الدعاء واجب فيها على تلك الكيفية.

الثاني : أنها حكاية فعل والفعل لا يدل على الوجوب.

الثالث : أنها مخالفة لما عليه المشهور ولا تنطبق عليه ، وذلك لاشتمالها على أنه بعد التكبيرة الأُولى تشهّد ، أي شهد بوحدانية الله سبحانه ، ولا دلالة لها على أنه شهد الشهادتين كما يعتبره المشهور ، واشتملت على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التكبيرة الثانية صلّى على الأنبياء ودعا مع أن المشهور يقولون بلزوم الصلاة على خصوص نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون دعاء أو صلاة على الأنبياء ليشمل نبينا ضمناً ، نعم اشتملت الرواية على الصلاة على محمد وآله ( صلوات الله عليهم ) على مرسلة الصدوق (١) إلاّ أنها أيضاً ضعيفة بالإرسال.

الرابع : أنها ضعيفة سنداً ، لعدم ثبوت وثاقة أُم سلمة وإن كانت مؤمنة. وتعبير الجواهر عنها بصحيحة محمد بن مهاجر (٢) لا دلالة فيه على صحّة الرواية سنداً ، لأنه لم يقل صحيحة أُم سلمة وإنما قال : صحيحة محمد بن مهاجر ، ومعناه أن الرواية إلى محمد بن مهاجر صحيحة وثبت شرعاً أنه قد أخبر عن امه ، وساكت عن صحتها بالإضافة إلى امه.

__________________

(١) المصدر السابق ، الفقيه ١ : ١٠٠ / ٤٦٩.

(٢) الجواهر ١٢ : ٣٤.

٢٣٣

تفصيل الكلام في القول الثاني

يبقى القول الثاني وهو وجوب الدعاء في صلاة الميِّت لكن لا على الكيفية المتداولة اليوم فتفصيل الكلام فيه :

أن الأخبار الواردة في الدعاء فيها مختلفة باختلاف الأدعية الواردة فيها كيفاً وكمّاً ولا بدّ فيها من الالتزام بأحد أمرين :

أحدهما : أن يلتزم بالتخيير بين الأدعية الواردة في الروايات وأنه إذا دعا بواحد مما ورد فيها أجزأه. وهذا هو الذي تقتضيه القاعدة الأولية ، لأنه إذا ورد دليلان ودل كل واحد منهما على وجوب شي‌ء وعلمنا خارجاً بعدم وجوبهما معاً فلا مناص من الالتزام بوجوب أحدهما على نحو التخيير.

إلاّ أنه في خصوص المقام غير ممكن لما ورد في صحيحة جماعة من الأعاظم كزرارة ومحمد بن مسلم أنه ليس في صلاة الميِّت دعاء مؤقت (١). والقول بوجوب واحد مما ورد في الأخبار على نحو التخيير التزام بوجوب دعاء معين ومحدود والصحيحة صرحت بأنه ليس فيها دعاء مؤقت ومحدد بل يدعو بما بدا له.

وثانيهما : وهو المتعين ، أن يؤخذ بالقدر المشترك بين الأخبار الواردة أعني ما اشتملت عليه الأخبار كلّها ، وأما الزائد عليه فيدفع وجوبه بالروايات الفاقدة له. والمقدار المشترك الذي تشتمل عليه الأخبار كلها هو الصلاة على النبي والدعاء للميت وحسب مع مراعاة الترتيب بينهما بتقديم الأوّل على الثاني ولو بأن يصلِّي على النبي بعد التكبيرة الأُولى ويدعو للميت بعد الرابعة ، والزائد عليهما مدفوع بالأخبار الفاقدة له.

وأمّا تطبيق الأخبار على ذلك فهو يتوقف على التعرض لكل واحد من الأخبار على حدة.

ففي صحيحة أو حسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الصلاة على الميِّت‌

__________________

(١) تقدّمت قريباً.

٢٣٤

قال : تكبّر ثم تصلِّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تقول : اللهمّ عبدك ابن عبدك ابن أمتك لا أعلم منه إلاّ خيراً وأنت أعلم به منّا ، اللهمّ إن كان محسناً فزد في إحسانه ( حسناته ) وإن كان مسيئاً فاغفر له .... ، ثمّ تكبّر الثانية وتقول : اللهمّ إن كان زاكياً فزكّه وإن كان خاطئاً فاغفر له ، ثم تكبّر الثالثة وتقول : اللهمّ لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، ثم تكبّر الرابعة وتقول : اللهمّ اكتبه عندك في عليين واخلف على عقبه .... ثم كبّر الخامسة وانصرف (١).

وهذه الصحيحة قد اشتملت على أُمور ثلاثة : الصلاة على النبي والدعاء للميت والدعاء لنفس المصلي ، والأوّلان هما القدر المشترك بين الأخبار كما سيتّضح ، والثالث أمر زائد يدفع وجوبه ببقية الأخبار الفاقدة له.

وأما صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تكبّر ثم تشهد ثم تقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة صلّ على محمد وأهل بيته ، جزى الله عنّا محمداً خير الجزاء بما صنع بأُمته وبما بلغ من رسالات ربه ، ثم تقول : اللهمّ عبدك ... ، ثم تكبّر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات » (٢) فهي قد اشتملت على الشهادة وعلى الصلاة على النبيّ وعلى الدعاء للميت ، والأخيران يؤخذ بهما لاشتراك الأخبار فيهما ، والتشهد سواء حملناه على الشهادتين أو على خصوص الشهادة بالوحدانية يدفع وجوبه ببقية الأخبار الفاقدة له كصحيح زرارة المتقدم.

ومنها : صحيحة أبي ولاد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التكبير على الميِّت؟ فقال : خمس ، تقول في أوّلهنّ : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد ، ثم تقول : اللهمّ إنّ هذا المسجّى .... » (٣) وهي قد اشتملت على الشهادة بالوحدانية والصلاة على النبيّ وآله والدّعاء للميت ، وحالها حال سابقتها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٦١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٦٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٥.

٢٣٥

ومنها : موثقة سماعة في حديث قال : « سألته عن الصلاة على الميِّت فقال : خمس تكبيرات ، تقول إذا كبّرت : أشهد أن لا إله إلاّ الله .... » (١) وهذه الموثقة اشتملت على جميع ما اعتبره المشهور في صلاة الميِّت ولكن لا على تلك الكيفية المعروفة ، إلاّ أن الصلاة على محمد وآل محمد والدعاء للميت لا بدّ من أخذهما لكونهما من القدر المشترك بين جميع الأخبار ، والزائد عليهما من الشهادتين والدعاء للمؤمنين يدفع وجوبه ببقية الأخبار الفاقدة لهما. هذا كله في الأخبار المعتبرة.

وأما الأخبار الضعاف فربما يحتمل من رواية إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الصلاة على الجنائز تقول : اللهمّ أنت خلقت هذه النفس وأنت أمتّها ، تعلم سرها وعلانيتها ، أتيناك شافعين فيها شفعاء ، اللهمّ ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت » (٢) عدم وجوب الصلاة على النبيّ فيها.

غير أنه يندفع بضعف سند الرواية لوجود أحمد بن عبد الرّحيم ( الرّحمن ) أبي الصخر فإنه مهمل في الرجال ، وبعدم دلالة الرواية على عدم وجوب الصلاة على النبي لأنها إنما تدل على وجوب الدعاء المذكور فيها ، ولا تدل على عدم وجوب غيره حيث قال : « تقول » ، ويدلُّ على ذلك عدم اشتمالها على وجوب التكبيرات الخمس فلاحظ.

وأما رواية كليب الأسدي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التكبير على الميِّت؟ فقال بيده خمساً ، قلت : كيف أقول إذا صليت عليه؟ قال تقول : اللهمّ عبدك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه .... » (٣) فهي وإن كانت تدل على عدم وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أنها ضعيفة السند بكليب الأسدي لعدم توثيقه ، نعم ورد في رواية أبي أُسامة السؤال منه عليه‌السلام عن أن كليباً إذا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٦٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٦٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٧.

٢٣٦

والأولى أن يقول بعد التكبيرة الأُولى : « أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً صمداً فرداً حيّاً قيّوماً دائماً أبداً لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدِّين كله ولو كره المشركون » وبعد الثانية : « اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، أفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وصلِّ على جميع الأنبياء والمرسلين » وبعد الثالثة : « اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، تابع اللهمّ بيننا وبينهم بالخيرات إنك على كل شي‌ء قدير » وبعد الرابعة : « اللهمّ إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهمّ إنّك قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه ، اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلاّ خيراً وأنت أعلم به منّا ، اللهمّ إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر لنا وله ، اللهمّ احشره مع من يتولاّه ويحبّه وأبعده ممّن يتبرّأ منه ويبغضه ، اللهمّ ألحقه بنبيِّك وعرف بينه وبينه ، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين ، اللهمّ اكتبه عندك في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين واجعله من رفقاء محمد وآله الطاهرين وارحمه وإيّانا برحمتك يا أرحم الراحمين ». والأولى أن يقول بعد الفراغ من الصلاة : ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) وإن كان الميِّت امرأة يقول بدل قوله « هذا المسجّى ... » إلى آخره : « هذه المسجّاة قدّامنا أمتك وابنة عبدك وابنة أمتك » وأتى بسائر الضمائر مؤنّثاً.

______________________________________________________

جاءه خبر عنكم سلّم فمدحه عليه‌السلام بتسليمه لأخبارهم الواصلة إليه (١).

__________________

(١) رجال الكشي : ٣٢٩ ، معجم رجال الحديث ١٥ : ١٢٥.

٢٣٧

إلاّ أنها لا تدل على أن ذلك هو كليب الأسدي الراوي لهذه الرواية (١) ، نعم روى هو ما يفيد مدحه عنه عليه‌السلام إلاّ أن الراوي لها إنما هو كليب الأسدي نفسه (٢) فلا يمكن الاعتماد على روايته.

وفي رواية علي بن سويد عن الرضا عليه‌السلام قال : « في الصلاة على الجنائز تقرأ في الأُولى بأُمّ الكتاب وفي الثانية تصلِّي على النبيّ وآله وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات وتدعو في الرابعة لميتك والخامسة تنصرف بها » (٣) وهي ضعيفة بحمزة بن بزيع عمّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

وفي رواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه‌السلام قال « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جنازة ... » (٤) وهي ضعيفة السند بإبراهيم بن مهزيار لأنه محل كلام.

وفي رواية يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال : الصلاة على الجنائز ... » (٥) وهي ضعيفة بالحسين بن أحمد ، وفي نسخة الوسائل ( الحسن بن أحمد المنقري عن يونس ) وهو غلط ، لأن الموجود في الرجال الحسين بن أحمد المنقري لا الحسن (٦).

فالمتحصل إلى هنا : أن الواجب في الصلاة على الميِّت غير التكبيرات أمران : أحدهما : الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وثانيهما : الدعاء للميت.

__________________

(١) وقد جعل ذلك مؤكداً في معجم الرجال ١٥ : ١٢٤ بعد ما وثق الرجل بوجوده في أسناد كامل الزيارات.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الوسائل ٣ : ٦٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٨.

(٤) الوسائل ٣ : ٦٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٩. وقد وقع إبراهيم بن مهزيار في أسانيد كامل الزيارات ولأجله وثقه ( دام ظله ) في المعجم ١ : ٢٨٠ فراجع.

(٥) الوسائل ٣ : ٦٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١٠.

(٦) ووقوع الرجل في أسناد تفسير علي بن إبراهيم غير موجب للحكم بوثاقته بعد كونه معارضاً بتضعيف النجاشي [ رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٨ ] فلاحظ.

٢٣٨

وإن كان الميِّت مستضعفاً يقول بعد التكبيرة الرابعة : « اللهمّ اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدنٍ التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم » ‌

______________________________________________________

والأولى كما أشرنا إليه في التعليقة أن يجمع بين الأدعية بعد كل تكبيرة ، لما ورد في موثقة سماعة من الأمر بالشهادتين والصلاة على محمد وآله والدعاء للمؤمنين والدعاء للميت ، وقال : « فان قطع عليك التكبيرة الثانية أي قطعها الإمام بأن كبّر قبله فلا يضرّك ، تقول : اللهمّ هذا عبدك ابن عبدك وابن أمتك ... » إلى آخر الحديث (١).

ثمّ إنّ المستفاد ممّا دلّ على التتابع في التكبيرات إذا رفعت الجنازة من محلِّها أن التتابع والتعاقب بين التكبيرات ليس جائزاً عند إبقاء الجنازة في محلِّها ، وعليه فلا يجوز الاتصال والتعاقب بينها في الصلاة على الميِّت ، بل لا بدّ من الفصل بينها بالصلاة على الميِّت (٢) بعد واحدة منها والدعاء للميت بعد الأُخرى والتسبيح والتهليل والتحميد بعد الأُخريين حسبما يستفاد من موثقة يونس الدالّة على أن صلاة الميِّت تكبير وتسبيح وتهليل وتحميد (٣) ، وعلى الجملة لا بدّ من الإتيان بشي‌ء من ذلك بعد كل تكبيرة.

هذا كلّه في الصلاة على المؤمن ، ويبقى الكلام في الصلاة على المستضعف ومن لم يعلم مذهبه والمخالف.

الصلاة على المستضعفين

أما المستضعف وهو الذي لا يعاند الإسلام والحق وإنما لم يلتزم به لقصور فيه بحيث لو بيّن له الحق لقبله ، وهذا يتفق كثيراً في العجزة والنساء وعامّة القاصرين فالصحيح أن الصلاة عليه إنما هي بخمس تكبيرات ، وذلك لإطلاق ما دل على أن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٦.

(٢) الصحيح : النبيّ.

(٣) الوسائل ٣ : ٨٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ٧ ح ٢.

٢٣٩

صلاة الميِّت خمس تكبيرات (١) ، ولا نعرف من يصرح بذلك من الأصحاب ولا من صرح بخلافه.

نعم قد يتوهّم أن ما رواه إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن الصلاة على الميِّت فقال : أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق فأربع ولا سلام فيها » (٢) يدل على أن التكبيرات الخمسة منحصرة بالصلاة على المؤمن ، ولما لم يكن المستضعف بمؤمن فلا تجب خمس تكبيرات في الصلاة عليه.

ويندفع بأن الرواية لا دلالة لها على ذلك ، لأن المؤمن في الرواية مقابل المنافق لا مقابل المستضعف ، فكما أنه ليس بمؤمن كذلك ليس بمنافق ، فالرواية غير شاملة لحكمه فتبقى الإطلاقات شاملة له من دون مزاحم. على أنها ضعيفة السند ، لأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى قد ذكر مقسطاً ، ولم يعلم أن هذه الرواية من الجملة التي رواها بطريقه الصحيح أو من الجملة التي رواها عنه بطريق غير صحيح لاشتماله على أحمد بن محمد بن يحيى (٣) ، فالرواية غير صحيحة وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة (٤) ، ولعلّه من جهة وثاقة أحمد بن محمد بن يحيى عنده ، وعليه لا خدشة في صحّة طريق الشيخ إلى الرجل.

نعم ورد في جملة روايات معتبرة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا صلّى على ميت بأربع تكبيرات اتهم الميِّت بالنفاق وإذا صلّى على ميت بخمس عرف أنه مؤمن (٥) ، وظاهرها أن الخمس تختص بالمؤمن.

إلاّ أنّ الصحيح عدم دلالتها على ذلك ، لأن المؤمن فيها في قبال المنافق ، وهي تدل على أن الأربع تكبيرات من مختصات المنافق ، ولم يعلم دلالتها على أن الخمس من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٧٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٧٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ٥ ، ٩١ / ب ٩ ح ١.

(٣) وقد تبدل رأي الأُستاذ في طريق الشيخ إلى روايات أحمد بن محمد بن عيسى والتزم بصحّة الطريق من وجه آخر. راجع المعجم ٣ : ٨٨ ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى.

(٤) الحدائق ١٠ : ٤٢٠.

(٥) الوسائل ٣ : ٧٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١ ، ١٨ ، ٢٥.

٢٤٠