موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٩٤٦] مسألة ٥ : يجوز أن يصلِّي على الميِّت أشخاص متعدِّدون فرادى في زمان واحد وكذا يجوز تعدّد الجماعة ، وينوي كل منهم الوجوب (*) ما لم يفرغ منها أحد ، وإلاّ نوى بالبقية الاستحباب ، ولكن لا يلزم قصد الوجوب والاستحباب بل يكفي قصد القربة مطلقاً (١).

______________________________________________________

ثم إنه إذا لم يمكن الدّفن لعذر فهل تجب الصلاة والتكفين أو لا تجب؟ ذكر الماتن قدس‌سره أنها تجب ولا تسقط سائر الواجبات ، وذلك لأن الدّفن يجب وقوعه بعد الصلاة والتكفين للتسالم وللأخبار المشتملة على ذكر الدّفن عقيبها وإن لم يذكر مترتباً حتى في الموثقة المتقدمة ، حيث دلت على أن الميِّت لا يصلّى عليه بعد ما يدفن فالدّفن هو الذي يقع بعد الصلاة.

وأما أن الصلاة مشروطة بأن تقع قبل الدّفن ليترتب عليه عدم وجوبها إذا لم يقع الدّفن بعدها فهو مما لا يمكن استفادته من الأخبار ، وعليه فكل واحد من التجهيزات واجب مستقل في نفسه لا يسقط أحدها بتعذر الآخر ، لإطلاق أدلته بلا حاجة في إيجاب المقدور منها إلى التشبث بقاعدة الميسور.

هل يصلِّي أشخاص متعدِّدون على الميِّت؟

(١) بنى الماتن قدس‌سره على الجواز لوجوب الصلاة على كل واحد من المكلفين كفاية قبل إتيان أحد منهم وإتمامها ، وينوي كل منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد. وتفصيل الكلام في ذلك أن للمسألة صوراً ثلاثاً :

الاولى : ما إذا علم الثاني فرادى أو جماعة أن الأوّل لا يتم صلاته قبل إتمامه بل هذا يتمها قبل أن يتم الأوّل.

ولا إشكال في هذه الصورة في أن الثاني يجوز أن ينوي الوجوب ، لبقاء الوجوب الكفائي وعدم سقوطه قبل إتمامه الصلاة لأنه يتمها قبل أن يتمها الأوّل ، وإنما السقوط يستند إلى فعل الثاني فله أن ينوي الوجوب من الابتداء.

__________________

(*) لا تجوز نيّة الوجوب مع العلم أو الاطمئنان بفراغ غيره قبله كما مرّ.

٢٠١

[٩٤٧] مسألة ٦ : قد مرّ (*) سابقاً أنه إذا وجد بعض الميِّت (١) ، فان كان مشتملاً على الصدر أو كان الصدر وحده بل أو كان بعض الصدر المشتمل على القلب أو كان عظم الصدر بلا لحم وجب الصلاة عليه ، وإلاّ فلا ، نعم الأحوط الصلاة على العضو التام من الميِّت وإن كان عظماً كاليد والرجل ونحوهما وإن كان الأقوى خلافه ، وعلى هذا فان وجد عضواً تاماً وصلّى عليه ثمّ وجد آخر فالظاهر الاحتياط بالصلاة عليه أيضاً إن كان غير الصدر أو بعضه مع القلب وإلاّ وجبت (٢).

______________________________________________________

الثانية : ما إذا علم الثاني أنّ الأوّل يتم صلاته قبل أن يتمّها هو أو علم أن ثالثاً يشرع في الصلاة ويتمها قبله.

ولا يجوز له حينئذ أن ينوي الوجوب من الابتداء ، لأن الواجب الكفائي يسقط عن وجوبه في أثناء صلاته فلا تقع الأجزاء البعدية على صفة الوجوب ، وحيث إن الواجب ارتباطي فمع عدم كون بعض الأجزاء واجباً لا يمكنه نية الوجوب من الابتداء.

الثالثة : ما إذا شك في أن الأوّل يتمها قبله أو أنه يتمها قبل الأوّل.

ويجوز فيها أن يأتي بها بنية الوجوب لاستصحاب عدم تحقق المسقط قبل فراغه من الصلاة. ومما بيناه يظهر أن ما أفاده الماتن من نية كل منهم الوجوب ما لم يفرغ منها أحد وإلاّ نوى بالبقية الاستحباب مما لا يمكن المساعدة عليه.

إذا وجد بعض الميِّت‌

(١) قد أسلفنا أن الصلاة على أعضاء الميِّت غير واجبة إلاّ أن يكون صدراً مشتملاً على القلب على تفصيل قد تقدّم (٢).

(٢) إذا بنينا على وجوب الصلاة على كل عضو تام فتوًى أو احتياطاً لا بدّ من‌

__________________

(*) وقد مر الكلام فيه [ في المسألة ٨٧٣ ].

(١) في شرح العروة ٨ : ٤٠٠.

٢٠٢

[٩٤٨] مسألة ٧ : يجب أن تكون الصلاة قبل الدّفن (١).

[٩٤٩] مسألة ٨ : إذا تعدّد الأولياء في مرتبة واحدة وجب الاستئذان من الجميع على الأحوط (٢)

______________________________________________________

إعادتها إذا صلّى على عضو أو أعضاء ثم وجد آخر ، لأنه موضوع جديد.

نعم إذا كانت هناك أعضاء مجتمعة كفت الصلاة عليها مرة واحدة ، وأما إذا صلّى ثم وجد عضواً آخر فلا مناص من إعادة الصلاة عليه إن فتوًى ففتوى وإن احتياطاً فاحتياطاً.

الصلاة يعتبر أن تكون قبل الدّفن‌

(١) لما تقدم من موثقة عمار وغيرها مما دل على أن الميِّت يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن على التقريب المتقدم ، ولكن لا بمعنى أن الصلاة يشترط فيها كونها قبل الدّفن بحيث لو لم يمكن الدّفن في مورد لم تجب الصلاة على الميِّت ، بل بمعنى أن الصلاة لا يجوز تأخيرها عن الدّفن كما مر.

إذا تعدّد الأولياء‌

(٢) أما أصل ثبوت الولاية فقد تكلمنا فيه مفصلاً في بحث الأولياء في فروع غسل الميِّت (١) ، وقد تقدم منه قدس‌سره هناك الفتوى بوجوب الاستئذان من الجميع عند التعدد ، وفي المقام ذكره على نحو الاحتياط ، وهما كلامان متهافتان.

والاستئذان من الجميع هو الصحيح لما دل على أن أولاهم بميراثه أولاهم بالصلاة عليه ، ومن الظاهر أن الولدين مثلاً كلاهما أولى بميراثه ، فالولاية ثابتة للمجموع لا لكل واحد واحد فلا مناص من الاستئذان من كليهما.

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ٢٨٠.

٢٠٣

ويجوز لكل منهم (*) الصلاة من غير الاستئذان من الآخرين (١) ، بل يجوز أن يقتدى بكل واحد منهم مع فرض أهليتهم جماعة (٢).

______________________________________________________

(١) ذكر قدس‌سره أنه يجوز إذا تعدّد الأولياء لكل منهم أن يصلِّي على الميِّت بدون استئذان من الآخر.

ولعل نظره قدس‌سره من ذلك إلى أن ما دل على أن الولي متقدم على غيره كقوله : أولاهم بميراثه أولاهم بالصلاة عليه (٢) ناظر إلى غير الولي وأن الولي مقدم وأولى من غير الولي وأولى بالصلاة عليه ، وأما بالإضافة إلى نفس الأولياء فلا نظر له بوجه ، فلا يدل على أن أياً منهم مقدم على غيره وأياً منهم متأخر ، نظير قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٣) حيث إنه ينظر إلى غير اولي الأرحام ، ويدلُّ على أنهم يرثون من الميِّت دون غيرهم ، وأما أن أياً منهم يرث أو لا يرث فلا يستفاد منها بوجه.

إذن لم يستفد من أدلة الولاية تقدم بعض الأولياء على بعض آخر وتوقف صلاة بعضهم على إذن الآخر.

وفيه : ما تقدم من أن الولاية قد ثبتت للمجموع فلا بدّ إما أن يصلِّي المجموع على الميِّت أو يصلِّي واحد بإذن المجموع ، فأحد الأولياء لا يمكنه الصلاة على الميِّت بدون استئذان المجموع الباقي.

(٢) إذا بنينا على جواز صلاة كل واحد من الأولياء بدون استئذان الآخرين فهل يصح لثالث أجنبي أن يقتدي به أو لا يصح؟

__________________

(*) بناء على وجوب الاستئذان يشكل جواز الصلاة لبعض الأولياء من دون استئذان من الآخرين.

(١) الوسائل ٣ : ١١٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣. ولا يخفى أن الوارد هو : يصلِّي على الجنازة أولى الناس بها ....

(٢) الأنفال ٨ : ٧٥.

٢٠٤

[٩٥٠] مسألة ٩ : إذا كان الولي امرأة يجوز لها المباشرة (١) ، من غير فرق بين أن يكون الميِّت رجلاً أو امرأة ، ويجوز لها الإذن للغير كالرجل من غير فرق.

______________________________________________________

ذكر قدس‌سره جوازه ، وهو الصحيح ، وذلك لأن اقتداء الأجنبي به مؤكد للولاية لا أنه مزاحم ومعارض لها ، وذلك لأن صلاة الميِّت حينئذ ليست صلاة مستقلة حتى يتوهم كونها معارضة لولاية الولي ، وإنما هي صلاة تبعية متابعة لصلاة الولي التي بنينا على جوازها من دون استئذان الآخرين فلا وجه لعدم جوازها.

إذا كانت المرأة وليّا‌

(١) لأنه مقتضى إطلاقات الأخبار الدالّة على أن الميِّت يغسل ويكفن ويصلى عليه فيدفن ، فلا تشترط المماثلة إلاّ في التغسيل ، مضافاً إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت : المرأة تؤم النساء؟ قال : لا ، إلاّ على الميِّت إذا لم يكن أحد أولى منها ... » (١).

ومقتضى الشرطية في الصحيحة أنه إذا كان هناك من هو أولى منها لا يجوز لها الصلاة على الميِّت ، وهو كذلك ، إذ لا يجوز الصلاة لغير الولي مع وجود الولي ، اللهمّ إلاّ أن يأذن الولي لها.

وعدم جواز صلاتها على الميِّت حتى مع الإذن منه مما لا يمكن استفادته من الصحيحة ، فكما أن الرجل يمكنه الصلاة على المرأة كذلك المرأة يمكنها أن تصلي على الرجل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ١.

٢٠٥

[٩٥١] مسألة ١٠ : إذا أوصى الميِّت بأن يصلِّي عليه شخص معيّن فالظاهر وجوب إذن الولي له ، والأحوط له الاستئذان من الولي ، ولا يسقط اعتبار إذنه (*) بسبب الوصيّة وإن قلنا بنفوذها ووجوب العمل بها (١).

______________________________________________________

إذا عيّن الميِّت من يصلِّي عليه‌

(١) يقع الكلام في هذه المسألة من جهات :

الاولى : في أصل نفوذ الوصية ، وقد تقدم في مبحث أولياء الميِّت أن الميِّت أولى بنفسه من غيره ، وإنما جعل الولي ولياً مراعاة لحق الميِّت فلا مانع من وصيته في تلك الأُمور (٢) ، فلا يتوهم أنها من وظائف الأحياء ولا تنفذ الوصية فيما هو راجع إلى غيره ، لما عرفت من كونها حقوقاً راجعة إلى الميِّت ، والميِّت أولى بنفسه من غيره.

الثانية : هل يمكن الولي منع الموصى له بالصلاة على الميِّت عن ذلك؟ الصحيح لا لأنه من فروع نفوذ الوصية ، فإنها مع نفوذها لا يمكن لغيره المنع عنها ، لعدم جواز تبديل الوصية وتغييرها ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٣).

الثالثة : هل يجب على من أوصى الميِّت إليه أن يستأذن من الولي؟ الصحيح عدم الوجوب ، لأن الاستئذان من الولي إنما هو فيما يجوز أن يتصدى له الولي في نفسه أو يرخص لغيره ، وأما ما لا يجوز له التصدي له فلا موجب للاستئذان منه في ذلك ، نعم لا بأس بالاستئذان منه احتياطاً.

ثم إنه قد يتوهم التنافي بين قول الماتن : والأحوط له الاستئذان من الولي ، وبين قوله المتصل به : ولا يسقط اعتبار إذنه بسبب الوصية ، فإن الأوّل احتياط ، ومعناه أنه يمكن أن لا يجب الاستئذان من الولي كما اخترناه ، والثاني فتوى بوجوب الاستئذان منه وهما لا يجتمعان.

__________________

(*) على الأحوط ولا يبعد سقوطه.

(١) شرح العروة ٨ : ٣٠٠.

(٢) البقرة ٢ : ١٨١.

٢٠٦

[٩٥٢] مسألة ١١ : يستحب إتيان الصلاة جماعة (١)

______________________________________________________

ولكنه مندفع بأنّا إن قرأناه « ولا يسقط » بالرفع يكون قوله : الأحوط ... قرينة على أن المراد عدم السقوط احتياطاً لا فتوى ، وإن قرأناه بالنصب بتقدير أن : وأن لا يسقط ، عطفاً على الاستئذان فالأمر ظاهر ، لأن معناه أن الأحوط أن لا يسقط اعتبار إذنه ، فلا مناقضة في الكلام.

استحباب صلاة الميِّت جماعة‌

(١) كما يجوز إتيانها فرادى ، وذلك للإطلاقات ، ولأن الجماعة لو كانت معتبرة في صلاة الميِّت كصلاة الجمعة ونحوها لانتشر ذلك وذاع لكثرة الابتلاء بها مع أنه لم نقف على قائل بوجوبها.

وأما الدليل على مشروعية الجماعة فيها فهو سيرة الأئمة والمتشرعة ، حيث كانوا يصلون على الأموات جماعة ، وما ورد في غير واحد من الأخبار من أن المأموم إذا أدرك الإمام بعد التكبيرة الأُولى فعل كذا وكذا (١).

وهل الجماعة مستحبة في صلاة الميِّت أو أنها كالصلاة فرادى؟ لم نقف على رواية تدلنا على استحبابها في المقام. ويمكن الاستدلال على استحبابها مضافاً إلى الإجماع المدعى على مشروعيتها بالارتكاز ، لأن الجماعة بعد ما كانت مشروعة فهي مستحبة بالارتكاز عند المتشرعة.

نعم لا يمكن الاستدلال على استحبابها في صلاة الجنائز بما ورد من استحباب الصلاة جماعة وأنها كأربعة وعشرين صلاة منفردة أو خمسة وعشرين ، وفي بعضها إنها تعادل ثواب أربعة وعشرين صلاة فرادى وهي أيضاً صلاة واحدة فيكون ثوابها معادلاً لثواب أربعة وعشرين صلاة فرادى (٢) ، وإنما لا يمكن الاستدلال بها في المقام‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٨٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ١ ، ولعلّ المناسب : خمس وعشرين صلاة.

٢٠٧

والأحوط بل الأظهر اعتبار اجتماع شرائط الإمامة فيه من البلوغ والعقل والإيمان والعدالة (١) وكونه رجلاً للرجال وأن لا يكون ولد زنا (١)

______________________________________________________

لأنها وردت في الجماعة في الصلاة ولا صلاة إلاّ بطهور ، وصلاة الميِّت ليست بصلاة حقيقية لعدم اعتبار الطهور والركوع والسجود فيها.

ما يعتبر في صلاة الميِّت للإمام‌

(١) لا ينبغي الشبهة في اعتبار الإيمان في الإمام في صلاة الجنائز ، لأن عمل المخالف باطل وغير مقبول ، ولا معنى للائتمام في العمل الباطل بوجه وإن لم يتعرض الماتن قدس‌سره له.

وأما بقيّة الشرائط المذكورة فظاهر كلام السيد بحر العلوم في منظومته عدم اعتبار شي‌ء منها في إمام صلاة الميِّت سوى الإيمان (٢). إلاّ أن الصحيح اعتبار البلوغ والعقل وطهارة المولد.

أما اعتبار العقل وطهارة المولد فلما ورد من أن خمساً لا يؤمّون الناس على كل حال : المجنون وولد الزنا ... (٣) ، وكأن الثاني لخسته وعدم قابليته للإمامة ، والائتمام مطلق لا يختص بالإمامة في الفرائض والصلوات.

وأما البلوغ فلأن الصبي إن بنينا على عدم مشروعية عباداته فواضح أن الائتمام في العمل الباطل ممّا لا معنى له ، وأما إذا بنينا على مشروعيتها كما هو الصحيح فأيضاً لا يجوز الائتمام به ، لعدم مشروعية الجماعة في غير الفرائض إلاّ في موارد خاصة كصلاة الاستسقاء والعيدين بناء على عدم وجوبها ونحوهما ، وصلاة الصبي على الميِّت نافلة وليست بواجبة وفريضة ، فلا يجوز الائتمام بالصبي في صلاة الميِّت.

__________________

(*) اعتبار العدالة مبني على الاحتياط ولا يبعد عدمه.

(١) الدرة النجفية : ٧٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٥ ح ٥.

٢٠٨

بل الأحوط اجتماع شرائط الجماعة أيضاً من عدم الحائل ، وعدم علو مكان الإمام وعدم كونه جالساً مع قيام المأمومين ، وعدم البعد بين المأمومين والإمام وبعضهم مع بعض.

[٩٥٣] مسألة ١٢ : لا يتحمل الإمام في الصلاة على الميِّت شيئاً عن المأمومين (١).

[٩٥٤] مسألة ١٣ : يجوز في الجماعة أن يقصد الإمام وكل واحد من المأمومين الوجوب (٢) لعدم سقوطه ما لم يتم واحد منهم.

______________________________________________________

وأمّا العدالة فلا تعتبر في إمام صلاة الجنائز ، وذلك لإطلاق ما دل على وجوب صلاة الجنائز وعدم قيام الدليل على اعتبارها في المقام. وأما النواهي الواردة عن الصلاة خلف من لا يوثق بدينه (١) فهي جميعها مختصة بالجماعة في الصلاة ، وقد تقدم أن صلاة الميِّت ليست بصلاة حقيقة ، فعدم اشتراط العدالة في صلاة الجنائز من باب التخصص لا التخصيص فيما دل على اعتبار العدالة في الإمام.

ومن هذا يظهر عدم اعتبار بقية الشرائط المعتبرة في نفس صلاة الجماعة من عدم الحائل ، وعدم علو الإمام عن مكان المأموم زائداً على شبر واحد ، وعدم كون الفصل بين الإمام والمأموم وبعض المأمومين مع بعض آخر زائداً على المقدار المذكور في فروع صلاة الجماعة وهو متر واحد ، لاختصاصها بالجماعة في الصلاة ، وصلاة الميِّت ليست بصلاة حقيقية.

(١) لوضوح أن التحمل إنما هو في قراءة الفاتحة والسورة وهما مختصتان بالصلاة وغير مطلوبتين في صلاة الجنائز ، ولم يقم دليل على التحمل في غيرهما.

(٢) لما تقدم من وجوب صلاة الجنائز على كل واحد كفاية ولا يسقط إلاّ بعد إتمامها ، ومعه يجوز قصد الوجوب لكل واحد من الإمام والمأموم إذا علم بأنه يتمها‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ، ١١ ، ١٢.

٢٠٩

[٩٥٥] مسألة ١٤ : يجوز أن تؤم المرأة جماعة النِّساء ، والأولى بل الأحوط أن تقوم في صفهنّ ولا تتقدّم عليهنّ (١).

______________________________________________________

قبل صاحبه أو شك في ذلك ، ولا يجوز له قصد الوجوب إذا علم بأن الآخر سيتمها قبله على التفصيل المتقدم في المسألة الخامسة.

إمامة المرأة للنِّساء في صلاة الميِّت‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :

الجهة الاولى : في أصل مشروعية إمامة المرأة للنساء ، وهذا مما لا ينبغي الشبهة فيه لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت : المرأة تؤم النساء؟ قال عليه‌السلام : لا ، إلاّ على الميِّت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهنّ في الصف معهنّ فتكبّر ويكبّرن » (١) وهي مروية بعدّة طرق :

منها : ما هو صحيح من غير كلام ، وهو الذي رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حريز عن زرارة (٢).

ومنها : ما هو صحيح على الأظهر ، وهو الذي رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة (٣) ، لأن في طريق الصدوق إليه ابن عبيد ، وقد بينا وثاقته وإن ذهب جماعة إلى ضعفه ، فالطريق صحيح على مختارنا.

ومنها : ما هو ضعيف وهو ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن مسعود العياشي (٤).

وهناك روايات اخرى غير هذه الصحيحة لكنها ضعاف ، وقد تقدم أن دلالتها‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣١ / ١٠٣٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٩ / ١١٧٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٦ / ٤٨٨.

٢١٠

على المدعى ممّا لا ينبغي الشبهة فيه ، لدلالتها على جواز إمامة المرأة وهو المسئول عنه فيها ، لا تعيينها لينافيه قوله عليه‌السلام : « إذا لم يكن أحد أولى منها ».

الجهة الثانية : في كيفية إمامتها وأنها هل تجب أن تقف المرأة الإمام في وسطهنّ وفي صفّهنّ بحيث لو تقدمتهنّ بطلت جماعتها ، أو أنه يجوز أن تتقدّم عليهنّ كما في الرجال وإنما يستحب أن تقف في صفّهنّ ، أو يكره تقدمها عليهنّ؟

ذكروا أن المعروف هو الأخير وأن تقدمها عليهن مكروه أو يستحب لها الوقوف في صفهنّ لا أنه لازم في جماعتها ، بل قيل إنه لم يعثر على قائل بالخلاف تصريحاً وذلك حملاً للأمر الوارد في الصحيحة على الاستحباب أو النهي عن تقدّمها عليهنّ كما في بعض الأخبار (١) على الكراهة.

والكلام يقع في وجه ذلك وأنه لماذا حملوا الأمر في الصحيحة على الاستحباب أو النهي عن تقدمها عليهن على الكراهة؟

وقد ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره (٢) في وجه ذلك أمرين :

أحدهما : ما حاصله : أن الأمر بالوقوف في صفهن إنما ورد في مورد توهم الحظر لتخيل أن تلك الجماعة كجماعة الرجال لا بدّ من وقوف الإمام فيها متقدِّماً على المأمومين ، والأمر الوارد عند توهم الحظر لا يدل على الوجوب ، كما أن النهي عن تقدّمها عليهنّ ورد في مقام توهم الوجوب وهو ظاهر في غير الحرمة.

وهذا مما لا يمكن المساعدة عليه :

أمّا أولاً : لأن السؤال في الصحيحة إنما هو عن أصل مشروعية إمامة المرأة وعدمها وهي إنما وردت لبيان مشروعيتها ، وإنما تعرضت لكيفيتها تفضلاً منه وامتناناً ، ومعه لا مجال للقول بأن الأمر بالوقوف في صفهنّ ورد في مقام توهم الحظر ، لأنه لم يسأل عن كيفية الصلاة أصلاً ليتوهّم الحظر أو الوجوب ، بل ليس هناك إلاّ الجهل بالمشروعية‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ٢ ، ٣.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٤٩٧ السطر ١٠.

٢١١

وكيفية إمامتها ، فلا ملزم لصرف ظاهر الأمر والنهي بحملهما على الاستحباب والكراهة.

وثانياً : أنّا ذكرنا مراراً أن تلك الأوامر والنواهي ليست ظاهرة في النفسية والمولوية لتحمل على الجواز في مورد توهم الحظر ، وإنما هي ظاهرة في الإرشاد إلى الشرطية والمانعية ، وعليه فالصحيحة تدل على شرطية وقوف المرأة في صف النساء فتبطل جماعتها بالإخلال بها.

وثالثاً : لو سلمنا كونها أوامر نفسية وأنها واردة في مورد توهم الحظر فغاية ما يترتّب عليه دلالتها على الجواز ، ولا يكاد يستفاد منها الاستحباب والكراهة بوجه فيحتاج في إثباتهما إلى دلالة دليل آخر وهو مفقود.

وثانيهما : أن الصحيحة محمولة على الكراهة في صدرها ، حيث نفت مشروعية إمامة المرأة في غير صلاة الأموات مع العلم خارجاً بجواز إمامتها في سائر الفرائض فصدرها محمول على الكراهة.

وقوله عليه‌السلام : « تقوم وسطهن » ناظر إلى كيفية إمامتها في صلاة الأموات وأنها لا تغاير كيفيتها المعتبرة في الفرائض ، وحيث إن تقدمها على المأمومات في الفرائض ليس بواجب فليكن الحال في جماعتها في صلاة الأموات أيضاً كذلك ، بمعنى أن تقدمها عليهن ليس بواجب.

ويرد على هذا الوجه : أن الصحيحة بصدرها نفت مشروعية الجماعة في الفرائض بالإضافة إلى المرأة ، ومعه كيف يمكن أن يقال : إن قوله عليه‌السلام بعد ذلك : « تقوم وسطهنّ في الصف معهنّ » ناظر إلى أن الجماعة في سائر الفرائض ليست مغايرة بحسب الكيفية مع الجماعة في صلاة الميِّت ، بل ظاهره أن الإمام عليه‌السلام بصدد بيان ما هو الشرط في الجماعة المشروعة منها وهي الجماعة في صلاة الأموات فحسب.

ويرد عليه ثانياً : أنّا لو فرضنا أنه ناظر إلى ما أفاده فننقل الكلام إلى إمامتها في باقي الفرائض فنقول : إن مقتضى الأمر بالوقوف في صفهن أو النهي عن تقدمها عليهن شرطية ذلك في صحّة جماعتها مطلقاً ، فما الدليل على استحباب ذلك أو كراهة تقدمها عليهنّ في سائر الفرائض؟

٢١٢

[٩٥٦] مسألة ١٥ : يجوز صلاة العُراة على الميِّت فرادى وجماعة ، ومع الجماعة يقوم الإمام في الصف كما في جماعة النِّساء فلا يتقدّم ولا يتبرّز ، ويجب عليهم ستر عورتهم ولو بأيديهم ، وإذا لم يمكن يصلّون جلوساً (*) (١).

______________________________________________________

فالمتحصل : أن مقتضى الصحيحة أنّ وقوفها في صف النساء شرط في صحّة الجماعة ولا دليل على استحبابه أو كراهة التقدم.

ودعوى : أن الدليل على ذلك هو الإجماع والتسالم على عدم الوجوب في إمامة المرأة ، مندفعة بأن تحصيل الإجماع في هذه المسألة في غاية الصعوبة ، ولا سيما بملاحظة ما حكي عن الفاضل الهندي في كشف اللثام من نقل القول بالوجوب عن كثير (٢).

بقي في المقام المطلقات الدالّة على لزوم تقدم الإمام على المأمومين في الجماعة ، ولا إشكال في شمولها للمقام.

وقد ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أن بالقرينتين المتقدمتين تتقدّم المطلقات على ما دلّ على خلافها في صلاة الأموات.

وفيه : أن المطلق كيف يتقدم على المقيد ، بل الأمر معكوس ، ولا مناص من تقييد المطلقات بتلك الصحيحة ، وحاصله : أن الجماعة في الأموات تمتاز عن بقية الجماعات في كونها مشروطة بعدم تقدّم الإمام على المأمومات.

صلاة العراة على الميِّت‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

الاولى : في مشروعية صلاة العراة على الميِّت ، وهذه مما لا شبهة فيها لعدم اشتراط صلاة الميِّت بالتستر ، لما تقدم من أن الشرائط المعتبرة في الفرائض غير معتبرة في صلاة الأموات بوجه.

__________________

(*) هذا إذا لم يتمكن من الصلاة فرادى قائماً متستراً وإلاّ لم تجز الصلاة جماعة جلوساً.

(١) كشف اللثام ٢ : ٣٢٣.

٢١٣

وثانياً : أنّا لو سلمنا أن ستر العورة معتبر في صلاة الأموات أيضاً كغيرها فلا شبهة في اختصاص اعتباره في الفرائض بصورة التمكن منه فيسقط اعتباره لدى العجز عنه ولا يزيد الفرع على الأصل ، وصلاة الأموات كذلك لا يعتبر فيها التستر عند العجز عنه كما في العراة.

ما هي الوظيفة عند الأمن من النظر؟

الثانية : إذا أمن العراة من الناظر المحترم بأن يكونوا جميعاً فاقدي البصر أو كائنين في الظلمة أو غضوا من أبصارهم عما سواهم أو تستروا بأيديهم أو نحو ذلك جاز لهم أن يصلوا على الميِّت جماعة كما يجوز لهم الصلاة فرادى.

وأما إذا لم يأمنوا من الناظر المحترم بوجه من الوجوه فلا يمكن الحكم بمشروعية الجماعة في حقهم مطلقاً حتى مع الجلوس كما في المتن وذلك لمنافاة الجماعة مع القيام المعتبر في صلاة الميِّت كما يأتي عن قريب ، والجماعة المنافية للشرط الواجب لا دليل على مشروعيتها بوجه ، وقد تقدم أنه لا إطلاق في الأدلة الدالّة على مشروعية الجماعة في صلاة الأموات ليصح التمسك بإطلاقه في المقام ، وإنما استفدنا مشروعيتها ممّا ورد في الأحكام كما تقدّم ، بل لا بدّ في هذه الصورة من الصلاة على الميِّت فرادى.

إذا لم يمكن الصلاة فرادى أيضاً

الجهة الثالثة : إذا لم يمكن الصلاة على الميِّت فرادى أيضاً مع التستر لعدم الأمن من الناظر المحترم تقع المزاحمة بين ما دل على اعتبار القيام في صلاة الأموات وبين ما دل على اعتبار التستر ، وحيث إن وجوب التستر أقوى من شرطية القيام في الصلاة فلا مناص من الحكم بسقوط شرطية القيام حينئذ ووجوب الصلاة جالساً ، وحينئذ لا يفرق بين الفرادى والجماعة ، لأن الجماعة حينئذ لا تنافي الشرط الواجب ، لأن سقوط شرطيته مستند إلى التزاحم لا إلى الجماعة فيصلون فرادى أو جماعة عن جلوس.

فما أفاده الماتن قدس‌سره من أنه إذا لم يمكن التستر صلوا عن جلوس لا يمكن‌

٢١٤

[٩٥٧] مسألة ١٦ : في الجماعة من غير النساء والعُراة الأولى أن يتقدّم الإمام ويكون المأمومون خلفه ، بل يكره وقوفهم إلى جنبه ولو كان المأموم واحداً (١).

______________________________________________________

المساعدة على إطلاقه ، بل لا بدّ من التفصيل بما قدّمناه.

لزوم تقدّم الإمام على المأمومين

الجهة الرابعة : أن في صورة مشروعية الجماعة لا بدّ من أن يتقدّم الإمام على المأمومين حسب المطلقات الدالّة على ذلك.

ودعوى : أنه حينئذ يقف في صف المأمومين مثل إمامة المرأة للنساء ، مندفعة بأنه قول من غير دليل يدل عليه ، إذ لا يوجد عليه أي دليل حتى رواية ضعيفة ، وإنما ورد ذلك في إمامة المرأة فقط كما تقدّم.

أولويّة كون المأمومين خلف الإمام‌

(١) بعد ما ثبتت مشروعية الجماعة في صلاة الأموات فكيفيتها مثل كيفية الجماعة في باقي الصلوات لأن كلتيهما جماعة ، فلو كان بينهما مغايرة في الكيفية لوجب التنبيه عليه. ويدلنا على ذلك ما ورد في إمامة المرأة في صلاة الميِّت ، حيث دلّ على أنها تقف في صفهن ولا تتقدّم عليهنّ (١) فكأنه دل على أنها تمتاز عن بقية الجماعات بذلك.

وعليه فحيث إنهم ذكروا أن الأفضل فيما إذا كان المأموم واحداً أن يقف عن يمين الإمام لا خلفه ، لما ورد في الأخبار (٢) من التأخر بمقدار قليل تحقيقاً للجماعة ، أو أنه يكره أن يقف خلفه فلا بدّ في المقام من الالتزام بذلك إذا كان المأموم واحداً فيكره له الوقوف خلفه أو يستحب له الوقوف عن يمينه ، بل على ما ذكرناه في فروع صلاة‌

__________________

(١) تقدّم في ص ٢١٠ مسألة ١٤.

(٢) الوسائل ٣ : ١١٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥.

٢١٥

[٩٥٨] مسألة ١٧ : إذا اقتدت المرأة بالرجل يستحب أن تقف خلفه وإذا كان هناك صفوف الرجال وقفت خلفهم (١) وإذا كانت حائض بين النساء وقفت في صف وحدها (٢).

______________________________________________________

الجماعة من لزوم الوقوف عن اليمين عند وحدة المأموم وعدم كفاية الوقوف خلفه (١) لا يشرع له الوقوف خلف الإمام في صلاة الجنائز إذا كان واحداً.

ولم يرد في المقام ما يدلنا على امتياز الجماعة في صلاة الأموات بقيام المأموم الواحد خلف الإمام سوى رواية اليسع بن عبد الله على رواية الكليني (٢) ، وقاسم بن عبد الله على طريق الشيخ (٣) ، وإن كان يظهر من الوسائل أن الرواية على كلا الطريقين من اليسع.

نعم الرواية واحدة في المضمون وبقية السند وإنما يختلفان في اليسع وقاسم ، وهي بكلا طريقيهما ضعيفة لعدم توثيق الرجلين ، ومعه تبقى الإطلاقات الدالّة على أن المأموم إذا كان واحداً يقف عن يمين الإمام بحالها وشاملة للمقام.

يستحب للمرأة الوقوف خلف الرّجل‌

(١) لما تقدّم مكرّراً من اتحاد الجماعة في صلاة الأموات مع الجماعة في باقي الفرائض بعد مشروعيتها.

(٢) أما أصل جواز صلاتها على الميِّت فلأجل عدم اشتراطها بالطهارة الحدثية والخبثية ، وأما وقوفها صفاً وحدها وعدم وقوفها معهن في صفهن فلأجل جملة من الأخبار الدالّة على ذلك (٤) وفيها صحيحة وموثقة وغيرهما.

__________________

(١) بعد المسألة [١٩٨٠].

(٢) الوسائل ٣ : ١٢٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٨ ح ١. الكافي ٣ : ١٧٦ / ١.

(٣) اليسع بن عبد الله على طريق الشيخ رحمه‌الله أيضاً ، نعم في التهذيب [ ٣ : ٣١٩ / ٩٩٠ ] القاسم.

(٤) الوسائل ٣ : ١١٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢.

٢١٦

[٩٥٩] مسألة ١٨ : يجوز في صلاة الميِّت العدول من إمام إلى إمام (١) في الأثناء (١). ويجوز قطعها أيضاً اختياراً (٢).

______________________________________________________

العدول من إمام إلى إمام‌

(١) لم نقف على مستند له في ذلك ، فإنه بعد ما شرع في الجماعة فتحتاج مشروعية دخوله في جماعة ثانية إلى دليل والأصل عدم مشروعيتها ، وذلك لأن مشروعية الجماعة وكفايتها على خلاف القاعدة فتحتاج إلى دليل ، والدليل إنما دل على مشروعيتها في الجماعات المتعارفة ، وأما الجماعة في نصف الصلاة بإمام ثم في نصفها الآخر بإمام آخر فهو مما لا دليل على مشروعيته.

وليست هذه من الكيفيات لتكون الجماعة في المقام تابعة للجماعة في غيرها ، وإنما هي حكم آخر غير كيفية الجماعة لا بدّ فيه من دليل ، نعم يجوز هذا في الفرائض إذا حدث بالإمام حدث ، وفي المقام لم تثبت مشروعيته فلا يمكن الاجتزاء بها ، اللهمّ إلاّ إذا كانت واجدة للشرائط لتقع انفراداً ، لما يأتي من جواز قطع تلك الصّلاة (٢).

جواز قطع صلاة الميِّت‌

(٢) بلا فرق في ذلك بين هذه الصلاة وباقي الصلوات والعبادات ، فان الفرد المأتي به لم يتعلق به تكليف ليكون واجباً ويحرم قطعه بناء على حرمة قطع المأمور به ، وإنما هو فرد الواجب وله أن يرفع اليد عنه ويأتي بفرد آخر غيره كما هو الحال في جميع الواجبات الموسعة ، نعم لا يجوز رفع اليد عنه في المضيق لاستلزامه تفويت الواجب كما في الصلاة آخر الوقت ونحوها ، كما لا يجوز القطع بعد الشروع في الحج وإن كان فاسداً.

وقد ذكروا عدم جواز القطع في الصلاة أيضاً لقوله تعالى : ( وَلا تُبْطِلُوا

__________________

(*) في جوازه إشكال بل منع.

(١) لعلّ المناسب : لما يأتي من جواز العدول عن الجماعة إلى الانفراد.

٢١٧

كما يجوز العدول عن الجماعة إلى الانفراد (١)

______________________________________________________

أَعْمالَكُمْ ) (١) إلاّ أن في دلالته على المدعى ما لا يخفى على الفطن ، لأنه إنما يدل على أن العمل بعد ما تحقق صحيحاً في الخارج لا يجوز قلبه باطلاً بالإحباط ، نظير قوله تعالى ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (٢) ولا يستفاد منها حرمة رفع اليد عن العمل قبل تحققه في الخارج ، على أنه يستلزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن ، وكيف كان فلا مانع من القطع في المقام.

وأما ما ورد من أن أولها التكبيرة وآخرها التسليمة (٣) حيث ذكروا أنها تدل على أن الكلام يحرم بعد التكبيرة ولا يحل إلاّ بعد التسليمة ، فهو على تقدير دلالته على ذلك يختصّ بالصلوات ذات الركوع والسجود بقرينة ذكر التسليمة فيه ، ولا يشمل ما يسمّى صلاة تسامحاً مثل المقام ، فله أن يقطع صلاته ليشرع فيها من الابتداء أو لئلاّ يصلِّي أصلاً.

العدول عن الجماعة إلى الانفراد‌

(١) لأن حرمة رفع اليد عن الجماعة بعد الشروع فيها تكليف لا نعلم بتوجهه إلينا ، ومقتضى البراءة عدمه ، فجواز العدول على طبق القاعدة ، وهذا لا يختص بالمقام بل يجوز في سائر الجماعات أيضاً.

نعم إذا كان بانياً على العدول من الابتداء لم يجز هذا في المقام وغيره ، لأن العدول إنما جاز وثبتت مشروعيته في الجماعة المشروعة ، ومرجع هذا البناء من الابتداء إلى أنه يريد الجماعة والائتمام في ركعة أو في تكبيرة مثلاً ، والجماعة في غير الصلاة التامة لم تثبت مشروعيتها ليجوز فيها العدول.

__________________

(١) محمد ٤٧ : ٣٣.

(٢) البقرة ٢ : ٢٦٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ، ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١.

٢١٨

لكن بشرط أن لا يكون بعيداً عن الجنازة بما يضر (١) ولا يكون بينه وبينها حائل ولا يخرج عن المحاذاة لها.

[٩٦٠] مسألة ١٩ : إذا كبّر قبل الإمام في التكبير الأوّل له أن ينفرد وله أن يقطع (٢) ويجدده مع الإمام ، وإذا كبّر قبله فيما عدا الأوّل له أن ينوي الانفراد وأن يصبر حتى يكبّر الإمام فيقرأ معه الدعاء ، لكن الأحوط إعادة التكبير بعد ما كبّر الإمام ، لأنه لا يبعد اشتراط تأخّر المأموم عن الإمام في كل تكبيرة أو مقارنته معه وبطلان الجماعة مع التقدّم وإن لم تبطل الصلاة (٣).

______________________________________________________

(١) بأن يكون جامعاً للشرائط من القرب والمحاذاة مع الميِّت ونحوهما ، وإلاّ فلا تصح صلاته منفردة ليجوز له العدول من الجماعة إلى الانفراد.

إذا كبّر قبل الإمام‌

(٢) إذا كان هذا في التكبيرة الأُولى دار أمره بين أن يتمها منفردة وبين أن يقطع ويرفع يده عنها ثم يشرع جماعة أو فرادى ، ولا يمكن تتميمها جماعة إذ لا جماعة حينئذ ، لأنه لا معنى للجماعة مع عدم كون الإمام مصلياً ، والمفروض أن المأموم كبّر والإمام لم يدخل في الصلاة فهو منفرد. والعدول من الانفراد إلى الجماعة يحتاج إلى دليل يدل على مشروعيته ولا دليل عليه في المقام ، فليس له أن يصبر إلى أن يلحق الإمام فيتابعه في التكبير الثاني.

وقياس ذلك بالعدول من جماعة إلى جماعة ممّا لم يظهر لنا وجهه ، فإن المسألتين من واديين وإحداهما غير الأُخرى ، حيث إن هناك جماعة باقية بحالها وإنما الاختلاف في شخص الإمام ، وأما في المقام فلا جماعة ابتداء ليجوز له العدول إلى الجماعة ، وإنما كانت صلاته فرادى لعدم دخول الإمام في الصلاة ، فالمقايسة في غير محلّها.

لو كبّر قبل الإمام فيما عدا الأوّل‌

(٣) قد يكون تكبيره فيما عدا الأوّل قبل الإمام ناشئاً عن سهو وقد يكون مستنداً‌

٢١٩

إلى العمد والاختيار.

أمّا إذا كبّر قبله سهواً فالصحيح عدم بطلان صلاته بل ولا جماعته بذلك ، لعدم الدليل على كونه موجباً للبطلان ، والأصل عدم بطلانها به فوجوده كالعدم لا يترتب عليه أثر. ويؤيده أن المأموم لو ركع قبل الإمام سهواً لم تبطل بذلك صلاته ولا جماعته بل وجوده كالعدم فيرفع رأسه ثم يركع مع الإمام ، فإذا لم يكن الركوع الذي أتى به سهواً موجباً لبطلان الصلاة والجماعة فلا تكون التكبيرة المأتي بها سهواً مبطلة للصلاة والجماعة بطريق أولى.

وأمّا إذا كبّر قبله عمداً فالصحيح أنه ينفرد بذلك عن الجماعة وترتفع جماعته وذلك لما دلّت عليه الأدلة الواردة في المقام من أن صلاة الميِّت تشتمل على خمس تكبيرات ، فلو فرضنا في المقام عدم بطلان جماعته ووجب أن يكبّر مع الإمام بعد ذلك كانت تكبيراته ستة ، وعدم احتساب التكبيرة المأتي بها عمداً من التكبيرات يحتاج إلى دليل ، لعدم قصورها عن كونها فرداً للمأمور به ، وحصول الامتثال بها قهري فلا وجه لعدم سقوط الأمر به.

وأمّا ما رواه الحميري عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه‌السلام عن الرجل يصلِّي له أن يكبّر قبل الإمام؟ قال عليه‌السلام : « لا يكبِّر إلاّ مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبير » (١) وقد أوردها في صلاة الجنائز ، وذكر صاحب الوسائل قدس‌سره أن الظاهر أن علي بن جعفر أوردها في صلاة الجنائز (٢) فلا يمكن الاستدلال بها لضعف سندها ودلالتها :

أمّا في سندها فالضعف لوجود عبد الله بن الحسن فيها ، وهو وإن كان شريفاً بحسب النسب إلاّ أنّا لم نعثر له على توثيق في الرجال ، فلا يمكننا الاعتماد على روايته.

وأمّا بحسب الدلالة فلقوله : عن الرجل يصلِّي ... ، فإنها واردة في الصلاة ، وليست صلاة الأموات صلاة حقيقة ، إذ لا صلاة إلاّ بطهور ولا يعتبر الطهور في صلاة الأموات‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠١ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١. قرب الاسناد : ٢١٨.

(٢) لم يذكر كلام صاحب الوسائل هذا في الطبعة الجديدة.

٢٢٠