موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ولا إشكال في سندها إلاّ من جهة طلحة بن زيد ، حيث ذكروا أنه ضعيف ، إلاّ أن الشيخ ذكر أن كتابه معتمد عليه بين الأصحاب (١) وهو توثيق للرجل ، ومنه يظهر أن ضعفه إنما كان في عقيدته وإيمانه لا في وثاقته ورواياته.

ومنها : موثقته الأُخرى عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : « صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله » (٢) وقد عرفت وثاقة الرجل فلا إشكال في سندها.

ومنها : صحيحة أو حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا قتل قتيل فلم يوجد إلاّ لحم بلا عظم لم يصل عليه ، وإن وجد عظم بلا لحم صلِّي عليه » (٣) صلاة الجنائز.

وممّا استدلّوا به على وجوب الصلاة على المؤمن والمخالف رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّوا على المرجوم من أُمتي وعلى القاتل نفسه ، لا تَدَعوا أحداً من أُمّتي بلا صلاة » (٤).

والغرض من التعرض لهذه الرواية أن صاحب الوسائل رواها عن محمد بن سعيد عن غزوان السكوني ، والشيخ في التهذيب عن محمد بن سعيد عن غزوان عن السكوني (٥).

وذكر الأردبيلي قدس‌سره في جامع الرواة أن كلا النسختين غلط والصحيح محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني ، وذلك بقرينة أن محمد بن سعيد بن غزوان كثيراً ما يروي عن السكوني ، على أنه ليس من المعنونين بالسكوني من يسمى بغزوان (٦).

__________________

(١) الفهرست : ٨٦ / ٣٧٣.

(٢) الوسائل ٣ : ١٣٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٨.

(٤) الوسائل ٣ : ١٣٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٢٨ / ١٠٢٦.

(٦) جامع الرواة ٢ : ١١٧.

١٨١

وما ذكره قدس‌سره هو الصحيح ، لأن الشيخ رواها في الاستبصار عن محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني (١) ، وكأن الأردبيلي لم يراجع الاستبصار وإلاّ لاستشهد به على ما استنبطه ، نعم الرواية ضعيفة بمحمد بن سعيد.

ومنها : غير ذلك من الأخبار المعتبرة التي لا يبعد تواترها ، وبهذا يظهر صحّة ما ذهب إليه المشهور من عدم الفرق في وجوب الصلاة على الميِّت بين الموافق والمخالف.

الجهة الثانية : هل يجب تحنيط الشهيد أو لا يجب تحنيطه كما لا يجب تغسيله ولا تكفينه؟

قد يبدو من تعرض الفقهاء لحكم الشهيد في بابي التغسيل والتكفين ومن استثنائهم إياه عن وجوبهما وعدم تعرضهم له في باب التحنيط وعدم استثنائهم إياه عن وجوبه أن الشهيد يجب تحنيطه.

إلاّ أن الأمر ليس كذلك ، فان الشهيد لا يجب تحنيطه كما لا يجب تغسيله وتكفينه وذلك لما استفدناه من الأخبار الواردة في الشهيد من أن التحنيط يلازم التكفين فمتى وجب التكفين وجب التحنيط ، وحيث إن الشهيد لا يجب تكفينه فلا يجب تحنيطه أيضاً.

ففي موثقة أبي مريم الأنصاري (٢) : « الشهيد إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلِّي عليه ، وإن لم يكن به رمق كفن في أثوابه » حيث دلت على أن التحنيط إنما هو فيما إذا وجب تكفين الميِّت كما إذا لم يكن شهيداً أو قد أدركه المسلمون وبه رمق ، وأما إذا وجب أن يدفن بثيابه ولم يجب تكفينه لم يجب تحنيطه أيضاً.

بل صرح في صحيحة زرارة أو حسنته بأن الشهيد لا يحنط ، حيث ورد فيها : « قلت له : كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال : نعم في ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل ويدفن كما هو » (٣).

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٤٦٨ / ١٨١٠.

(٢) المتقدِّمة في ص ١٧٩.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٨.

١٨٢

نعم إذا جرّد الشهيد عن ثيابه ووجب أن يكفن نلتزم فيه بوجوب التحنيط للمطلقات الآمرة به ، فان موضوع عدم وجوب التحنيط هو الذي يدفن بثيابه ، فاذا جرّدت ثياب الشهيد ولم يدفن بثيابه انتفى موضوع عدم الوجوب ووجب تحنيطه للمطلقات.

الجهة الثالثة : ورد في بعض الأخبار ما ظاهره أن الشهيد لا تجب الصلاة عليه كما لا يجب له التغسيل والتكفين والتحنيط ، وهي رواية عمار : « إنّ علياً عليه‌السلام لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال ودفنهما في ثيابهما ولم يصل عليهما » (١) وأوّلها صاحب الوسائل قدس‌سره بأن عليّاً عليه‌السلام لم يصل عليهما ، ولعلّه كان صلّى عليهما غيره فلا دلالة لها على عدم وجوب الصلاة على الشهيد.

وذكر بعضهم أنها من مفتريات العامّة على عليّ عليه‌السلام لأنه كيف يترك الصلاة عليهما مع أنها واجبة على الشهيد؟!

والإنصاف أن ظاهر الرواية يدل على عدم وجوب الصلاة على الشهيد ، لبعد أن تكون واردة لبيان القصة ولمجرّد التأريخ فحسب وأن علياً لم يصل عليهما ، إلاّ أنها ضعيفة سنداً وإن رويت بعدة طرق إلاّ أن جميعها في سندها مسعدة بن صدقة (٢) وهو ضعيف فلا يمكن الاعتماد عليها ، بل قد ورد في بعض الأخبار أن الشهيد يصلّى عليه وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على حمزة (٣) فليراجع.

الجهة الرابعة : روى صاحب الوسائل في الباب الثالث عشر من صلاة الجماعة عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم ، لأنه ضيع من السنة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ولا يصلى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٧ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٤.

(٢) مسعدة بن صدقة ثقة لوجوده في كامل الزيارات ، وتعرض له في المعجم ١٩ : ١٥١.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٨ ، ٩.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٢٠ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٣ ح ١.

١٨٣

ومقتضى ظاهرها عدم وجوب الصلاة على الأغلف ، إلاّ أن الرواية ضعيفة السند بالحسين بن علوان وغيره فلا يمكن الاعتماد عليها في قبال المطلقات الدالّة على وجوب صلاة الأموات على كل مسلم.

الجهة الخامسة : روى في الوسائل في كتاب الأشربة المحرمة روايتين تدلان بظاهرهما على أن شارب الخمر لا يصلى عليه :

إحداهما : ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أُصلِّي على غريق خمر » (١).

وثانيتهما : موثقة عمار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون مسلماً عارفاً إلاّ أنه يشرب المسكر هذا النبيذ ، فقال : يا عمار إن مات فلا تصل عليه » (٢) ولا دلالة في شي‌ء منهما على عدم جواز الصلاة على شارب الخمر.

أما الرواية الاولى فلأن الوارد فيها « غريق خمر » بفتح الغين وكسرها لأنهما بمعنى واحد ، غاية الأمر أن الماء إذا أحاط به فمات فيقال له غريق بالفتح وإن لم يمت فهو غريق بالكسر وهذا لا يصح إطلاقه إلاّ على من كان مدمن الخمرة ومستمرّاً على شربها على الدوام بحيث صح أن يقال إنه غريق في الخمر ، وهذا غير شارب الخمر كما لا يخفى.

على أنها لا تدل إلاّ على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يصلِّي عليه ولعله لأجل مبغوضيته عند الله ، ولم تدل على نهي الناس عن الصلاة عليه ، مضافاً إلى أنها ضعيفة السند بمحرز فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

وأما الرواية الثانية فهي من حيث السند موثقة ، لأن طريق الشيخ إلى عمار صحيح ، إلاّ أن دلالتها قاصرة ، لأن نهي شخص عن المباشرة والتصدي للواجب الكفائي لا يدل على سقوطه عن ذمة الجميع ، ولعله إنما أراد أن لا يقوم عمار بذلك الواجب الكفائي لما فيه من الحزازة.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣١٠ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٣١٢ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١١ ح ٦.

١٨٤

ولا تجوز على الكافر بأقسامه حتى المرتد فطريّاً (١) أو مليّاً مات بلا توبة (٢).

______________________________________________________

على أنّا لو سلمنا دلالتها عليه فهي معارضة بما هو أقوى منها دلالة وسنداً ، وهو صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قلت له : شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا؟ فقال : نعم » (١) فإنها صريحة في الجواز وصحيحة السند ، غاية الأمر أن نحمل الموثقة على الكراهة جمعاً بين الروايتين. هذا تمام الكلام في الجهات التي ينبغي التعرض لها في المقام.

الكافر لا يُصلّى عليه‌

(١) لقوله تعالى ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) (٢).

وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنه سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت ، قال : لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وإن كان أباه » (٣). وهي وإن كانت واردة في النصراني إلاّ أنها تدل على ثبوت الحكم في غيره من فرق الكفار كالمجوسي واليهودي والملحد والمشرك وغيرها بالأولوية ، لأن النصراني أقل خبثاً وكفراً من غيره فاذا ثبت الحكم في حقه ثبت في غيره بالأولوية.

والمرتد داخل في أقسام الكفار ومشمول لهذا الحكم ، هذا كله. مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية على عدم إقامة الصلاة على الكفار مطلقاً نصرانياً كان أو غيره.

(٢) ظاهر ذلك أنه راجع إلى المرتد عن ملة وأنه إذا تاب قبل أن يموت يصلى عليه وتجري عليه بقية أحكام المسلمين ، وهذا بخلاف المرتد عن فطرة فإنه تاب أم لم يتب لا يُصلّى عليه.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٣٣ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ١.

(٢) التوبة ٩ : ٨٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٥١٤ / أبواب غسل الميِّت ب ١٨ ح ١.

١٨٥

ولا تجب على أطفال المسلمين إلاّ إذا بلغوا ست سنين (١)

______________________________________________________

وفيه : أنّا قدمنا أن الفطري كالملي تقبل توبته ويعامل معه معاملة المسلمين ، ولا ينافي هذا وجوب قتله وبينونة زوجته وانتقال أمواله إلى ورثته ، فهو ميت تعبداً ولا تقبل توبته من هذه الجهات وتقبل في غيرها ، وبهذا صرح الماتن في التكلم عن مطهرية الإسلام وقبول توبته وعدمه (١) ، ومعه لا وجه لهذا التقييد إلاّ أن نرجعه إلى المرتد بكلا قسميه وأنه لو تاب قبل موته صلِّي عليه.

لا تجب الصلاة على أطفال المسلمين‌

(١) هذا هو المعروف والمشهور بل ادعي عليه الإجماع. وعن ابن الجنيد وجوب الصلاة على المستهل من الأطفال (٢) أي على كل طفل ولد حياً ، وهذا موافق للعامة لأنهم ملتزمون به. وعن ابن أبي عقيل عدم وجوبها إلاّ إذا بلغ (٣) ، وإليه مال في الوافي حيث ذكر أن الصلاة إنما تجب على الميِّت الطفل فيما إذا كان الطفل وجبت عليه الصلاة في حياته وتستحب إذا كانت الصلاة مستحبة عليه ، كما إذا عقل الصلاة وكان له ست سنين ، ولا تشرع إذا لم تكن الصلاة مشروعة عليه كما إذا كان الطفل أقل من ست سنين (٤) ، هذه هي أقوال المسألة.

ويدلّ على القول المعروف صحيحة زرارة وعبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ قال : إذا عقل الصلاة قلت : متى تجب الصلاة عليه؟ فقال : إذا كان ابن ست سنين ، والصيام إذا أطاقه » (٥). فان قوله : « إذا عقل الصلاة » وإن كان لا يدل على التحديد بحسب الزمان وإنما يدل‌

__________________

(١) في المسألة [٣٨٢].

(٢) حكاه العلاّمة في المختلف ٢ : ٣٠٨ مسألة ١٩٣.

(٣) حكاه العلاّمة في المختلف ٢ : ٣٠٨ مسألة ١٩٣.

(٤) الوافي ٢٥ : ٤٩٦.

(٥) الوسائل ٣ : ٩٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ١.

١٨٦

على التحديد بما إذا عقل الصلاة ، إلاّ أن قوله في الجواب عن الزمان الذي تجب الصلاة عليه : « إذا كان ابن ست سنين » يدلنا على أن عقل الصلاة إنما يبدأ بست سنين ، إذ لا معنى للأمر عليه بالصلاة وهو لا يعقل الصلاة.

نعم مقتضى إطلاق تلك الجملة « إذا عقل الصلاة » أن الطفل إذا عقل الصلاة وهو ابن خمس سنين لا بدّ من الصلاة على جنازته ، فإن النسبة بينهما عموم من وجه ، إذ قد يكون الطفل ذكيا يعقل الصلاة قبل الست وقد يكون غبياً لا يعقلها بعد السبع وقد يعقلها ابن ست سنين ، إلاّ أنه لا بدّ من تقييدها بما إذا كان له ست سنين بمقتضى الصحيحة الثانية له الواردة في موت ابنٍ لأبي جعفر عليه‌السلام حيث ورد فيها : « أما إنه لم يكن يصلى على مثل هذا ، وكان ابن ثلاث سنين ، كان علي عليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئاً فنحن نصنع مثله ، قال قلت : فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين » (١).

فان قوله : « وكان ابن ست سنين » إما عطف تفسير وبيان للجملة السابقة عليه إذا قلنا إن عقل الصلاة لا يتحقق إلاّ في ست سنين ، وإمّا تقييد لإطلاقها إذا عقل الصلاة ، حيث يمكن تحققه قبل الست وفي الست فنقيده بما إذا كان عقلها وهو ابن ست سنين لا قبلها ، كما أنه بذلك نقيد إطلاق الصحيحة الأُولى.

واحتمال أن قوله في الصحيحة الثانية : « فمتى تجب الصلاة عليه » (٢) معناه : متى تجب على نفس الصبي الصلاة وليس معناه السؤال عن الزمان الذي تجب فيه الصلاة على جنازته ، ساقط لأن كلمة الفاء في قوله « فمتى » كالصريح في أن السؤال إنما هو عن الزمان الذي تجب فيه الصلاة على جنازته ، وذلك لأنه عليه‌السلام قبل ذلك نفى وجوبها على الطفل الذي له ثلاث سنين فسأله الراوي تفريعاً على ذلك عن الزمان الذي تجب فيه الصلاة على جنازة الطفل فأجاب عليه‌السلام : « إذا عقل ... ».

وهناك صحيحة ثالثة رواها محمد بن مسلم : « في الصبي متى يصلى عليه؟ قال : إذا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٩٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٣.

(٢) الوارد في الصحيحة : فمتى تجب عليه الصلاة.

١٨٧

عقل الصلاة ، قلت : متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال : لِست سنين » (١) كذا في الحدائق (٢) ، وعليه فهي صريحة فيما ادعاه المشهور في المقام وتدل على أن عقل الصلاة يلازم ست سنين.

إلاّ أنها في الوسائل والتهذيب رويت من دون لفظة « عليه » هكذا : « متى يصلِّي؟ قال : إذا عقل ... » (٣). وعليه فالصحيحة خارجة عن محل الكلام ، والظاهر أن الاشتباه من صاحب الحدائق قدس‌سره فان التهذيب والوسائل خاليان عن لفظة ( عليه ) بل لو كانت الرواية كما ينقلها في الحدائق لوجب أن يذكرها صاحب الوسائل في باب الصلاة على الموتى الأطفال ، ولم يكن مناسباً نقلها في باب استحباب أمر الصبيان بالصلاة.

وكيف كان ، فالصحيحة غير صريحة في مدعى المشهور إلاّ أنها مع ذلك تدل على الملازمة بين عقل الصبي وست سنين ، ويمكن أن يقيد بها الصحيحة المتقدمة.

كما أنه بذلك يظهر المراد مما ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الصبي أيصلّى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال : إذا عقل الصلاة فصلّ عليه » (٤). فان معناها على ما ذكرناه أن الصلاة على الطفل الميِّت إنما تجب إذا عقل الصلاة بأن يتم له ست سنين ، وحيث إن الطفل الذي له خمس سنين لم يعقل الصلاة فلا تجب الصلاة على جنازته ، هذا كله فيما سلكه المشهور.

وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد فتدل عليه جملة من الأخبار المعتبرة الدالّة على الأمر بالصلاة على الطفل إذا تولد حيّاً (٥) ، إلاّ أنها معارضة بالأخبار المتقدمة الدالّة على أنها إنما تجب فيما إذا بلغ ست سنين ، وما ورد في أن الصلاة لا تجب على الطفل وإنما‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٨ / أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٢.

(٢) الحدائق ١٠ : ٣٦٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٨١ / ١٥٨٩.

(٤) الوسائل ٣ : ٩٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٤.

(٥) الوسائل ٣ : ٩٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٤.

١٨٨

صنعه الإمام عليه‌السلام مراعاة لما صنعه الناس أو كراهية أن يقولوا إن الشيعة أو بني هاشم لا يصلون على أطفالهم ، وإلاّ فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصل على ولده حين مات ، وعلي عليه‌السلام لم يكن صلّى على الطفل.

فما ذهب إليه ابن الجنيد مما لا دليل عليه ، فان الأخبار الدالّة على ما ذهب إليه لا بدّ من حملها على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما تقدم من الأخبار الدالّة على أن وجوب الصلاة على الطفل منوط بما إذا عقل الصلاة حال حياته ، أو أن تحمل على التقية ، لدلالة جملة من الأخبار المشار إليها على أن الإمام عليه‌السلام صلّى على ولده تقية ولئلاّ يقول الناس إنهم لا يصلون على أطفالهم (١).

نعم في رواية قدامة بن زائدة قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على ابنه إبراهيم فكبّر عليه خمساً » (٢) وهي معارضة لما دلّ على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصلّ على ولده (٣) وما تقدم من أن علياً عليه‌السلام لم يكن يصلِّي على الطفل الذي لم يبلغ ست سنين (٤).

وتوقف في الحدائق في التوفيق بينهما نظراً إلى أن الرواية لا يمكن حملها على التقية لاشتمالها على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر عليه خمساً ، والعامّة لا تقول به (٥).

إلاّ أن الصحيح عدم صلاحيتها لمعارضة الأخبار الدالّة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصل على ولده وأن علياً عليه‌السلام لم يصل على الطفل ، وذلك لضعفها بقدامة بن زائدة ، فهل الأخبار الدالّة على أن الطفل إذا ولد حياً تجب الصلاة على جنازته محمولة على الاستحباب أو على التقية؟

ذهب في الحدائق إلى الثاني ، نظراً إلى أن ما دلّ على أنه عليه‌السلام إنما صلّى على‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٩٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٣ ، ٩٨ : ب ١٥ ح ١ ، ٤ ، ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٩٨ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٩٩ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٥ ح ٢.

(٤) الوسائل ٣ : ٩٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٣ ، ٩٨ : ب ١٥ ح ١.

(٥) الحدائق ١٠ : ٣٧٤.

١٨٩

ولده لئلاّ يقول الناس إنهم لا يصلّون على أطفالهم صريحة في التقيّة (١). إلاّ أن الظاهر أنها محمولة على الاستحباب ، ولا ينافي ذلك صدور الصلاة عنه تقيّة ، لأن غاية ما هناك أن تكون الصلاة على المتولد حيّاً مستحبّة بالعنوان الثانوي ، لأنه كما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره (٢) لا مانع من أن يكون شي‌ء محكوماً بحكم بعنوانه الأولي ويكون محكوماً بحكم آخر بملاحظة العنوان الثانوي ، ومعه لا مانع من أن تكون الصلاة على الطفل مستحبة ويكون الداعي إلى تشريع هذا الحكم وجعله ملاحظة ما يصنعه الناس لئلاّ يشنع على الشيعة بأنهم لا يصلون على أطفالهم. هذا كله فيما ذهب إليه ابن الجنيد.

ما ذهب إليه ابن أبي عقيل

وأما ما ذهب إليه ابن أبي عقيل ومال إليه الكاشاني قدس‌سرهما من عدم وجوب الصلاة على الطفل قبل بلوغه فلم يقم دليل عليه. وليس مستنده رواية هشام التي ورد فيها : « إنما يجب أن يصلّى على من وجبت عليه الصلاة والحدود ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود » (٣) لأن في سندها حسين الحرسوسي أو الجرجوسي كما في الوسائل أو الحسين المرجوس كما في التهذيب (٤) ، وهو مهمل لم يتعرّضوا لحاله في الرجال فالرواية غير قابلة للاعتماد عليها.

وإنما مستنده رواية عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال : لا ، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » (٥) وقوله : « إذا جرى ... » إما توضيح للرجل والمرأة وتفسير لهما ، وإما‌

__________________

(١) الحدائق ١٠ : ٣٧٠.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٤٩٥ السطر ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠٠ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣٢ / ١٠٣٩.

(٥) الوسائل ٣ : ٩٧ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٥.

١٩٠

بمعنى أن لا يكونا مجنونين ، والثاني غير محتمل لوجوب صلاة الميِّت على المجنون أيضاً.

وقد عبّر عنها في الحدائق بالموثقة (١) ، والأمر كما أفاده بناء على نسخة التهذيب (٢) ، وكذلك في الوافي (٣) ، لأنها رويت فيهما عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار ، وطريق الشيخ إلى محمد ابن أحمد بن يحيى صحيح كما أن الرواة موثقون. ولكنها في الوسائل المطبوع قديماً وحديثاً مروية عن أحمد بن محمد بن يحيى ، وعليه تكون الرواية ضعيفة لأن طريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن يحيى ضعيف ، كما أنه هو بنفسه غير موثق ، والمظنون هو ما في نسخة التهذيب ، لكنه مجرّد ظن لا اعتبار به لتردّد النسخة بين الأمرين ، ومعه لا يمكن الاعتماد على الرواية بوجه.

تتمّة : ذكرنا أن رواية عمار قد نقلت في الطبعة الأخيرة وطبعة عين الدولة من الوسائل عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن ، وفي التهذيب والوافي عن محمد بن أحمد بن يحيى ، وبنينا على أن النسخة متعددة فلا يمكن الحكم باعتبار الرواية ، إلاّ أنه بعد المراجعة إلى ترجمة رجال السند ظهر أن الصحيح هو ما في التهذيب والوافي دون ما في الوسائل ، وذلك لأن أحمد بن محمد بن يحيى لا يمكنه الرواية عن أحمد بن الحسن بن علي.

وذلك لأن أحمد بن الحسن توفي سنة مائتين وستين وروى ابن أبي جيد عن أحمد ابن محمد بن يحيى في سنة خمسة وخمسين وثلاثمائة ، والفاصل بين التأريخين خمس وتسعين سنة ، ولا بدّ أن يكون أحمد حينما يروي عنه ابن أبي جيد قابلاً للرواية عنه ولنفرض أن عمره حينئذ خمس عشرة سنة ، فإذا أُضيف ذلك إلى خمس وتسعين يكون المجموع مائة وعشر سنوات ، ولازمه أن يكون أحمد بن محمد بن يحيى من‌

__________________

(١) الحدائق ١٠ : ٣٧٢.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٩ / ٤٦٠.

(٣) الوافي ٢٥ : ٤٩٩.

١٩١

المعمرين ، وهذا ليس معروفاً في ترجمته فلا يمكن أن يروي عن أحمد بن الحسن بن علي فالنسخة مغلوطة ، والصحيح ما في الوافي والتهذيب.

ويؤيده ما حكي عن نسختين من الوسائل المطبوعة وبعض النسخ الخطية منها من موافقتها لما في التهذيب والوافي ، وعليه فالرواية موثقة ، وتكون نسخة الوسائل في طبع عين الدولة والطبعة الأخيرة مغلوطة ، هذا كلّه بحسب السند.

وأما بحسب الدلالة فأيضاً للمناقشة فيها مجال ، لأن ظاهر السؤال فيها هو السؤال عن أصل جواز الصلاة على المولود ومشروعيتها ، والإمام عليه‌السلام أجابه بقوله « لا » حيث نفى مشروعية الصلاة على الطفل قبل البلوغ ، وقوله : « إنما الصلاة على الرجل والمرأة » شاهد عليه ، لأنه لم يقل إنما يجب أو يستحب عليهما ، وإنما أثبت عليهما أصل الصلاة ، ودل على نفيه عن غيرهما.

وعليه فيعارض هذه الموثقة جميع الأخبار المتقدمة البالغة حد التواتر والدالّة على مشروعية الصلاة على الطفل قبل البلوغ وجوباً أو استحباباً ، ولا وجه لحمل الرواية على نفي الوجوب بعد ظهورها في نفي الجواز والمشروعية ، ومعه لا بدّ من رد علم الرواية إلى أهلها.

فما ذهب إليه ابن أبي عقيل ومال إليه المحدث الكاشاني وزعمه جمعاً بين الأخبار وأن الصلاة إذا كانت واجبة على الطفل تجب وإذا كانت مستحبة استحبت وإذا لم تشرع كما هو قبل بلوغه ست سنين لم تشرع ، مما لا أساس له ، وما ذهب إليه المشهور هو الصحيح.

ما حكي عن العلاّمة ( قدس‌سره )

وأما ما حكي عن العلاّمة قدس‌سره من حمل الموثقة على بلوغ ست سنين بدعوى أن الصبي حينئذ يجري عليه القلم ، وكذلك الصبية ، لأنه أعم من قلم الوجوب والاستحباب ، والصبي والصبية تستحب الصلاة عليهما عند بلوغهما ست سنين (١)

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٥ مسألة ١٧٧. المختلف ٢ : ٣٠٨ مسألة ١٩٣.

١٩٢

نعم تستحب (*) على من كان عمره أقل من ست سنين وإن كان مات حين تولده بشرط أن يتولد حياً ، وإن تولد ميتاً فلا تستحب أيضاً (١).

ويلحق بالمسلم في وجوب الصلاة عليه من وجد ميتاً في بلاد المسلمين ، وكذا لقيط دار الإسلام بل دار الكفر إذا وجد فيها مسلم يحتمل كونه منه (٢).

______________________________________________________

ففيه : أنه ليس جمعاً بين الروايات ، فان المذكور في صدر الموثقة أن الصلاة إنما تجب على الرجل والمرأة ، ولا يصدق هذان العنوانان على من بلغ ست سنين ، فطرح الرواية أولى من حملها على ما ذكره قدس‌سره.

فالمتحصّل : أن الرواية موثقة سنداً وغير قابلة للتصديق دلالة ، لكونها معارضة مع أخبار بلغت حد التواتر ، فلا بدّ من رد علمها إلى أهلها.

لا يُصلّى على المولود ميتا‌

(١) لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا يصلّى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها وإذا استهل فصل عليه وورّثه » (٢) حيث دلت على الملازمة بين توارثه ووجوب الصلاة عليه فلا تشرع الصلاة على المولود الذي لم يستهل.

(٢) والوجه في ذلك أن التقابل بين الإسلام والكفر تقابل العدم والملكة ، فيعتبر في الكفر الاتصاف بعدم الإسلام ، وليس مطلق عدم الإسلام وعدم الاعتقاد بالله والنبوة والمعاد كفراً ، نظير البصر والعمى. وليس التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب ليحكم بكفر من لم يتصف بالإسلام وإن لم يتصف بالكفر ، فمن لم يتصف بالكفر وليس فيه اعتقاد بالمبادي الكافرة وإن لم يكن مسلماً لكن لا يصدق عليه الكافر أيضاً ، ومع الشك في الاتصاف بعدم الإسلام يجري استصحاب عدم الاتصاف به لأنه أمر‌

__________________

(*) فيه إشكال ، ولا بأس بالإتيان بها رجاء.

(١) الوسائل ٣ : ٩٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ١.

١٩٣

[٩٤٢] مسألة ١ : يشترط في صحّة الصلاة أن يكون المصلي مؤمناً (١) وأن يكون مأذوناً من الولي على التفصيل الذي مرّ (*) سابقاً فلا تصح من غير إذنه (٢) جماعة كانت أو فرادى.

[٩٤٣] مسألة ٢ : الأقوى صحّة صلاة الصبي المميز لكن في إجزائها عن المكلفين البالغين إشكال (**) (٣).

______________________________________________________

وجودي مسبوق بالعدم ، فيحكم بعدم كونه كافراً فيشمله إطلاق ما دل على وجوب تغسيل الموتى والصلاة عليهم ، وإنما خرج عن إطلاقه الكافر والمفروض عدم كونه كافراً بالاستصحاب ، كما تقدّم في التغسيل (٣) وغيره.

اشتراط الإيمان في المصلِّي‌

(١) للأخبار الدالّة على عدم مقبولية عمل غير المؤمن (٤) فإنّها كما تدل على عدم كفاية عمل المخالف في مقام الامتثال كذلك تقتضي عدم كفايته في الإجزاء فلا يجزئ عمله عن المكلفين ، وفي بعضها : إن الله سبحانه شانئ أو يشنأ عمل المخالف أي يبغضه فلا يقع مقبولاً امتثالاً وإجزاء.

(٢) تقدّم تفصيل الكلام في الاستجازة من الولي في باب الولاية في بحوث غسل الأموات فراجع (٥).

الاستشكال في إجزاء صلاة الصبي‌

(٣) تقدّم منه قدس‌سره تقريب كفاية عمل الصبي المميز وإجزائه إذا وقع‌

__________________

(*) الكلام في الصلاة كما تقدّم في الغسل.

(**) أظهره عدم الإجزاء.

(١) شرح العروة ٨ : ٣٩٨ المسألة [٨٧١].

(٢) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩ وغيره.

(٣) شرح العروة ٨ : ٢٨٥.

١٩٤

[٩٤٤] مسألة ٣ : يشترط أن تكون بعد الغسل والتكفين (١)

______________________________________________________

صحيحاً إلاّ أنه استشكل في المقام في إجزائه وهذا هو الصحيح ، لما قدّمناه من أن ما دلّ على مشروعية عبادات الصبي لا يدل على كونها مجزئة عن المكلفين ، بل مقتضى إطلاق الدليل وجوبها عليهم أتى بها الصبي أم لم يأت بها ، وعلى تقدير عدم الإطلاق في البين فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم جواز الاكتفاء بعمل الصبي (١).

لزوم كون الصلاة بعد التكفين‌

(١) أما كون التكفين بعد الغسل فقد تقدم الكلام فيه في بحث التكفين وذكرنا أن التغسيل مقدم على التكفين.

وأما كون الصلاة بعد التكفين وقبل الدّفن فلأن الأخبار الواردة في الشهيد من أنه إذا أدركه المسلمون وبه رمق غسل وكفن وصُلِّي عليه ويدفن (٢) وهكذا ما ورد في أكيل السبع ونحوه من أنه « يغسل ويكفن ويُصلّى عليه ويدفن » (٣) وإن لم تكن لها دلالة على كون الصلاة مترتبة على الكفن وترتب الدّفن على الصلاة ، لأنه إنما عطف بالواو وهي لا تدل على الترتيب ، إلاّ أن الإمام عليه‌السلام في تلك الأخبار كان في مقام البيان ، وقد ذكر في جميعها الكفن عقيب الغسل والصلاة عقيب الكفن وذكر الدّفن في الأخير ، وهذا يدلنا على كونها أُموراً مترتبة ، إذ لولاه لذكر الصلاة مثلاً متقدمة على الكفن في بعضها ، هذا.

على أنّا استفدنا من الأخبار أن الدّفن آخر ما يجب من الأفعال في التجهيز كما يأتي بيانه ، كما أنّا استفدنا أن الكفن متقدّم على الدّفن وأنه قبل الصلاة ، ونتيجة ذلك العلم بأن الصلاة إنما هي بعد الكفن وقبل الدّفن فلا تجوز الصلاة بعد الدّفن إلاّ في‌

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ٢٩١ ، ٣٧٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ١ ، ٥.

١٩٥

مورد نسيانها قبل الدّفن.

ويدلُّ على ذلك ارتكاز تقدم الصلاة على الدّفن وعقيب التكفين في أذهان المتشرعة ، لما ورد في موثقة عمار بن موسى قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر ، فاذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلاّ إزار ، كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه ( به )؟ قال : يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن وبالحجر ، ثم يصلى عليه ثم يدفن ، قلت : فلا يصلى عليه إذا دفن؟ فقال : لا يصلى على الميِّت بعد ما يدفن ، ولا يصلّى عليه حتى توارى عورته » (١).

فإنها مضافاً إلى دلالتها على كون الصلاة قبل الدّفن تدلنا على أن الصلاة بعد التكفين أمر مرتكز عند المتشرعة ، والإمام عليه‌السلام قررهم على هذا الارتكاز إذ لولا ذلك لم يكن وجه للسؤال عن كيفية الصلاة على الميِّت في الرواية بوجه ، فإن الصلاة عليه كالصلاة على غيره من الأموات ، ولا ميز بينه وبين غيره إلاّ في أنه غير مكفن فسألوا عن أنه كيف يصلى عليه وهو غير مكفن.

واحتمال أن يكون السؤال من جهة كونه مكشوف العورة فيقع نظرهم عليه ومن ثمة سألوا عن كيفية الصلاة عليه ، مندفع بأنه يمكن أن يصلى عليه مع غض البصر وعدم النظر إلى عورته ، أو بجعل لبن عليها خارج القبر فلا يكون هذا منشأ للسؤال.

ثم إن ممّا ينبغي التنبيه عليه أن الرواية نقلها الشيخ مرتين ، فتارة بإسناده عن ابن أبي نصر البزنطي عن هارون بن مسلم وأُخرى عن البزنطي عن مروان بن مسلم (٢) وكذلك في الوسائل ، والرجلان كلاهما موثقان ، إلاّ أن واقع الأمر أن المروي عنه هو مروان بن مسلم لا هارون ، وذلك :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٣١ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ١.

(٢) لاحظ التهذيب ٣ : ١٧٩ / ٤٠٦ ، ٣٢٧ / ١٠٢٢ ، إذ الراوي في كلا الموردين هو مروان.

١٩٦

فلا تجزئ قبلهما ولو في أثناء التكفين عمداً كان أو جهلاً أو سهواً (١)

______________________________________________________

أوّلاً : لبعد أن ينقل البزنطي رواية واحدة بعين ألفاظها عن شخصين.

وثانياً : أن هارون من أصحاب العسكري عليه‌السلام والبزنطي من أصحاب الرضا عليه‌السلام فكيف يمكنه الرواية عن هارون؟ فيتعين أن يكون المروي عنه هو مروان.

وممّا يشهد على ما ذكرناه أن البزنطي لم يذكر كونه راوياً عن هارون ، وأن ابن فضال يروي عن مروان من دون شبهة ، وابن فضال والبزنطي في طبقة واحدة لأن الفاصل بين موتيهما بضع شهور أي أقل من سنة فيمكن أن يروي البزنطي عن مروان أيضاً.

ويؤكِّده أن الكليني رواها بإسناده عن مروان لا هارون.

والذي يسهل الخطب أن الرواية بهذا الطريق صح أم لم يصح يغنينا عنها روايتها بطريق الصدوق ، حيث رواها بإسناده عن عمار بن موسى من دون توسط هارون أو مروان (١) ، وطريقه إلى عمار معتبر.

عدم إجزاء الصلاة قبل التكفين‌

(١) تقدّم أن الصلاة يعتبر وقوعها عقيب التكفين ، فلو فرضنا أنه قدم الصلاة على التكفين جهلاً أو نسياناً أو أتى بها في أثناء التكفين فهل تجب إعادتها بعد التكفين أو لا تجب بل يكفي ما أتى به جهلاً أو نسياناً؟

الصحيح وجوب الإعادة بعد التكفين ، وذلك أما في صورة الجهل سواء كان في الشبهات الموضوعية أو الحكمية فلأن الحكم الواقعي في موارد الجهل باقٍ بحاله ، وما أتى به إنما كان مأموراً به بالأمر الظاهري ، وقد تقدم مراراً أن الأحكام الظاهرية غير مجزئة عن الأحكام الواقعية فلا بدّ من إعادة الصلاة بعد التكفين. وأما حديث لا تعاد فهو مختص بصلاة ذات ركوع وذات سجود ولا يأتي فيما لا ركوع ولا سجود فيه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٤ / ٤٨٢.

١٩٧

وأمّا في موارد النسيان فقد يقال بعدم وجوب الإعادة بعد التكفين ، نظراً إلى أن التكليف يرتفع في موارد النسيان واقعاً ، لاستحالة تكليف الناسي والغافل حين نسيانه ، وبعد ما ارتفع عنه الأمر بالصلاة واقعاً حال نسيانه يحتاج عوده بعد الارتفاع وبعد التكفين إلى دليل عليه ، بل مقتضى حديث رفع النسيان عدم وجوب الإعادة في المقام.

ويرد عليه : أن الناسي وإن لم يمكن تكليفه حال نسيانه إلاّ أنه في المقام لا يقتضي رفع الحكم الواقعي لنحتاج في عوده إلى دليل ، وذلك لأن ما تعلق به التكليف لم يتعلق النسيان به وما تعلق به النسيان لم يتعلق التكليف به.

والسر في ذلك : أن المكلف به هو الطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية والعرضية بين التكفين والدّفن ، وهذا مما لم يتعلق به النسيان لتوجّه المكلف إلى وجوبه ، وإنما تعلق النسيان بالفرد وما أتى به قبل التكفين ، والفرد لم يتعلق به التكليف بوجه ، ومعه إذا التفت بعد التكفين إلى أنه قد صلّى قبله فمقتضى إطلاق ما دل على وجوب الصلاة على الميِّت بعد التكفين وجوب الإعادة لا محالة.

وهذا نظير ما لو غفل المكلف عن وجوب صلاة الظهر في ساعة ، فإنه لا يمكن أن يقال إن التكليف بصلاة الظهر قد ارتفع عن المكلف بنسيانه وبعد تلك الساعة لو التفت لم تجب عليه الصلاة إذ لا دليل على عود التكليف بعد الارتفاع. ولا وجه له سوى أن ما تعلق به النسيان ليس إلاّ فرداً من أفراد الصلاة ، وهو ليس بمتعلق التكليف ليرتفع بنسيانه ، وإنما المتعلق هو الجامع بين أفرادها الطولية والعرضية وهو مما لم يتعلق النسيان به.

ومن هنا قلنا إن مقتضى القاعدة الأولية وجوب الإعادة عند نسيان جزء أو شرط من الصلاة ، لأن ما تعلق به النسيان غير مأمور به والمأمور به هو الطبيعي الجامع بين أفرادها الطولية والعرضية بين المبدأ والمنتهى كالزوال والمغرب مثلاً ، فاذا التفت إلى الحال بعد ذلك الفرد وجبت عليه الإعادة والإتيان بالطبيعي المأمور به بجميع ما يعتبر فيه من القيود والأجزاء.

نعم لا نلتزم في تلك الموارد بوجوب الإعادة بمقتضى حديث لا تعاد وإن كانت‌

١٩٨

نعم لو تعذّر الغسل والتيمّم أو التكفين أو كلاهما لا تسقط الصلاة (١) فإن كان مستور العورة فيصلّى عليه وإلاّ يوضع في القبر ويغطى عورته بشي‌ء من التراب أو غيره ويصلّى عليه (٢)

______________________________________________________

القاعدة الأولية مقتضية للإعادة. ومعه لا نحتاج في المقام إلى إقامة الدليل على عود التكليف بصلاة الميِّت بعد الارتفاع ، لأن التكليف باقٍ بحاله ولم يرتفع ليحتاج إلى العود.

عدم سقوط الصلاة بتعذّر ما قبلها‌

(١) وذلك لعدم كون الصلاة مقيدة بالغسل والتكفين حتى في حال الاضطرار وإنما هي مقيدة بهما عند الاختيار ، ولا يستفاد ذلك من شي‌ء حتى ما ورد في الشهيد وأكيل السبع (١) ونحوهما من أنهما يغسلان ويكفنان ويصلّى عليهما فيدفنان ، لأن الأمر بالصلاة بعد التغسيل والتكفين إنما هو عند التمكّن من الغسل والكفن ، وأما عند عدم التمكن منهما وسقوط الأمر بهما فالأمر باق بحاله.

ويدلنا على ذلك نفس الموثقة المتقدمة ، حيث دلت على وجوب الصلاة على الميِّت وإن لم يجب تكفينه لعدم التمكن منه ، كما يجب دفنه وذلك للقطع بأن بدن الميِّت لا يجوز أن يبقى في الخارج لتأكله السباع ولا يدفن لأنه لا كفن له أو لم يمكن تكفينه ، فتدلّنا على أن كل واحد من تلك الأُمور واجب مستقل في نفسه وإنما يتقيد بسابقه فيما إذا كان السابق ممكناً لا عند تعذره.

ما هي الوظيفة عند تعذّر التكفين؟

(٢) إذا فرضنا أن الميِّت لم يمكن تكفينه لعدم التمكّن من الكفن ، فإن كان مستور العورة في نفسه فيصلي عليه خارج القبر كالصلاة على غيره من الأموات ، وأما إذا‌

__________________

(١) تقدّمت في بداية مسألة ٣ فليراجع.

١٩٩

ووضعه في القبر على نحو وضعه خارجه للصلاة (١) ثم بعد الصلاة يوضع على كيفية الدّفن.

[٩٤٥] مسألة ٤ : إذا لم يمكن الدّفن لا يسقط سائر الواجبات من الغسل والتكفين والصلاة. والحاصل كل ما يتعذّر يسقط وكل ما يمكن يثبت ، فلو وجد في الفلاة ميت ولم يمكن غسله ولا تكفينه ولا دفنه يصلّى عليه ويخلّى وإن أمكن دفنه يدفن (٢).

______________________________________________________

كان مكشوف العورة فمقتضى الموثقة المتقدِّمة (١) أنه يجب وضعه في الحفيرة وستر عورته بلبن وتراب ويصلى عليه وهو في قبره.

وهل يجوز أن يستر عورته باللبن والتراب خارج الحفيرة ويصلى عليه فيما إذا كان مكشوف العورة في نفسه؟ ذهب بعضهم إلى الجواز ، والصحيح عدمه وذلك لاختصاص النص بما إذا وضع في الحفيرة ، وكأنه نوع تجليل للميِّت لئلاّ يكون بدنه خارج القبر عارياً حال الصلاة عليه.

(١) بمعنى أنه تجب مراعاة شروط الصلاة في حقه لإطلاق أدلتها ككونه مستلقياً ورجلاه إلى الشمال ونحوهما ، ولا نظر للموثقة إلى عدم وجوبها حينئذ وإنما نظرها إلى أن الميِّت يستر عورته بشي‌ء ويصلى عليه في قبره.

عدم سقوط سائر الواجبات بتعذّر الدّفن‌

(٢) قد عرفت فيما سبق أن الصلاة متأخرة عن الكفن ، وأما بالإضافة إلى الدّفن فلا شبهة في أنه لا تجوز بعد الدّفن لموثقة عمار المتقدمة المصرحة بأن الصلاة غير جائزة بعد الدّفن ، وفي بعض الأخبار إنه لو كان جائزاً جاز في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

__________________

(١) في ص ١٩٦.

(٢) الوسائل ٣ : ١٣٢ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٦ ح ٢.

٢٠٠