موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ومفاصله (١) وباطن قدميه (٢) وكفّيه (*) (٣)

______________________________________________________

الشيخ قدس‌سره فان في بعض نسخ التهذيب « المغابن » وذكرنا أنّ القدر المتيقن من المغابن هو الإبط ، واستشهدنا على عدم اختصاصها بالإبطين بأنّه لو كان المراد بها خصوص الإبطين للزم أن يقول : مغبنان ، إذ ليس للميت إلاّ إبطين.

إلاّ أنّه بعد المراجعة ظهر أن صاحب الوسائل نقل الرواية عن الشيخ بلفظ المفاصل بدل المغابن ، وكذلك صاحبا الوافي (٢) والحدائق (٣). إذن لم تثبت نسخة المغابن لنستدل بها ، نعم في الطبع الأوّل للتهذيب قد كتب فوق لفظ المفاصل المغابن إلاّ أنّه لا تثبت به الرواية ، بل الظاهر أنّه المفاصل كما نقله في الوسائل والوافي والحدائق وغيرها.

ومعه لا يمكن الحكم باستحباب التحنيط في الإبطين وغيرهما ممّا استدللنا بتلك النسخة الّتي لم تثبت على استحباب التحنيط فيها.

(١) كما تقدّم ، لورود الأمر به في جملة من الأخبار المعتبرة (٤).

(٢) لما تقدّم من إمكان إدراجهما في المغابن ، مضافاً إلى ورودهما في رواية الكاهلي وابن المختار.

(٣) أي ظاهر الكفين ، ولعلّه سقط من القلم أو أنّه قدس‌سره اعتمد في ذلك على الظهور ، لأن باطن الكفين من المساجد الّتي يجب التحنيط فيها ، فإذا عدت الكفّان فيما يستحب التحنيط فيه كان ظاهراً في إرادة ظاهرهما.

ويدلُّ عليه موثقة سماعة على إحدى النسختين حيث ورد فيها : « ويجعل شيئاً من الحنوط على مسامعه ومساجده وشيئاً على ظهر الكفين ( الكفن ) » (٥).

__________________

(*) الظاهر أنّه يريد ظاهر الكفين ، فانّ الباطن منهما يجب مسحه كما تقدّم.

(١) الوافي ٢٤ : ٣٦٣.

(٢) الحدائق ٤ : ٢٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧ / أبواب التكفين ب ١٦ ح ٥.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٥ / أبواب التكفين ب ١٥ ح ٢.

١٦١

بل كل موضع من بدنه فيه رائحة كريهة (١) ويشترط أن يكون بعد الغسل أو التيمم فلا يجوز قبله (٢). نعم ، يجوز قبل التكفين وبعده وفي أثنائه (٣) والأولى أن يكون قبله (٤)

______________________________________________________

(١) وذلك لأنّ المغابن كما تقدم هي المواضع الّتي يجتمع فيها الوسخ وهي مثيرة للرائحة الكريهة فإنّها تنشأ من الوسخ.

(٢) كما يستفاد من النصوص.

محل التحنيط‌

(٣) هل يعتبر في التحنيط أن يكون قبل التكفين أو بعده أو أنّ المكلّف مخيّر في ذلك؟

حكي عن الصدوق أنّ التحنيط بعد التكفين (١).

والصحيح هو التخيير قبل التكفين وبعده وفي أثنائه ، إذ لم يقم دليل على اعتبار كونه قبله أو بعده ، بل لو ورد التقييد في رواية صحيحة السند وتامّة الدلالة على وجوبه لم نكن نلتزم به ، لأنّ المسألة ممّا تعم به البلوى ولو كان التقييد بالبعدية أو القبلية واجباً في التحنيط لظهر وبان واشتهر ، ومن عدم اشتهاره نستكشف عدم الوجوب كما ذكرناه في جملة من الموارد.

(٤) لعلّه اعتمد في ذلك على صحيح زرارة ومعتبرة يونس حيث ورد في الصحيح « إذا جففت الميِّت عمدت إلى الكافور فمسحت به » (٢) وفي المعتبرة « ابسط الحبرة بسطاً ثمّ ابسط عليها الإزار ثمّ ابسط القميص عليه ... ثمّ اعمد إلى كافور مسحوق ... ثمّ يحمل فيوضع على قميصه » (٣).

__________________

(١) حكاه عنه في الجواهر ٤ : ١٧٦ وراجع الفقيه ١ : ٩٢ / قبل ح [٤١٩].

(٢) الوسائل ٣ : ٣٧ / أبواب التكفين ب ١٦ ح ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

١٦٢

ويشترط في الكافور أن يكون طاهراً (١)

______________________________________________________

ولكن الصحيح هو التخيير ، ولا أولويّة في كون التحنيط قبل التكفين ، فإنّ الصحيحة دلّت على أن يكون التحنيط بعد الغسل والتجفيف وأمّا أنّه قبل التكفين أو بعده فهي ساكتة عن بيانه.

وأمّا المعتبرة فهي وإن كانت بحسب السند معتبرة لما قدّمناه من أن أمثال هذه الأخبار خارجة عن المراسيل ، لأن علي بن إبراهيم يرويها عن أبيه وأبوه إبراهيم بن هاشم عن رجاله ، ولا يخلو رجاله عن الثقات على الأقل لو لم يكونوا جميعاً من الثقات. كما أنّها بحسب الدلالة ظاهرة ، إلاّ أنّه لا يحتمل أن يكون ما تضمنته المعتبرة واجباً في التحنيط ، لأنّها اشتملت على بسط الحبرة والقميص والإزار في مكان آخر ثمّ حمل الميِّت ووضعه عليه ، وهذا غير واجب قطعاً ، لجواز تكفين الميِّت وهو في موضعه ولا يجب حمله وتكفينه في مكان آخر بوجه ، هذا كلّه.

مضافاً إلى موثقة سماعة « إذا كفنت الميِّت فذر على كل ثوب شيئاً من ذريرة وكافور » (١) فتدل على أنّ التحنيط إنّما هو بعد التكفين أو في أثنائه فلا يكون التحنيط قبل التكفين ، وعليه فالمكلف مخيّر بين تحنيط الميِّت قبل التكفين أو أثناءه أو بعده.

ما يشترط في الكافور‌

(١) لم نجد بعد التتبع من تعرض لاشتراط الطهارة في كافور التحنيط ولم يرد اعتبارها في دليل ، والعجيب دعوى الإجماع على اعتبارها في الكافور ، إذ مع عدم تعرضهم لذلك كيف تكون المسألة إجماعية.

نعم ، لا بأس بالاستدلال على اعتبارها بالارتكاز ، وذلك لأنّ الشارع اعتبر الطهارة في الكفن وأوجب قرضه إذا تنجس ، وكذا في بدن الميِّت حيث أمر بغسله إذا تنجس ، ومن ذلك يطمأن بأنّ الشارع لا يرضى بوجود النجس مع الميِّت فلا بدّ من أن يبعد عنه.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥ / أبواب التكفين ب ١٥ ح ١.

١٦٣

مباحاً (١) جديداً (٢) فلا يجزئ العتيق الّذي زال ريحه ، وأن يكون مسحوقاً (٣).

[٩٢٣] مسألة ١ : لا فرق في وجوب الحنوط بين الصغير والكبير والأُنثى والخنثى والذّكر والحرّ والعبد (٤).

______________________________________________________

(١) لأنّ المغصوب لا يجوز التصرف فيه ولا يمكن أن يكون الحرام مأموراً به على ما أسلفناه في الكفن وماء الغسل.

(٢) لأنّ الحنوط كما سبق ما يحنّط به ، والتحنيط هو استعمال ما يمنع الفساد وليس هذا إلاّ الكافور المشتمل على الريح ، إذ أن فاقد الريح بحكم التراب لا يكون مانعاً عن الفساد أبداً ، فان رائحته هي المانعة عن الفساد أو المكروبات على ما هو الشائع في هذه الأعصار.

مضافاً إلى أن ذلك ممّا تقتضيه الروايات نفسها الّتي أمرت بالكافور ، لأنّه طيب على ما يستفاد من الروايات ، ومع زوال الرائحة لا يبقى موضوع الطيب ليحنط به.

(٣) كما ورد في معتبرة يونس (١) مضافاً إلى أنّه ممّا يقتضيه نفس المسح به حيث عرفت أنّ الواجب ليس هو مجرّد جعل الكافور بل جعله ومسحه ، ومعنى مسح الكافور هو مسحه على المساجد السبعة باليد كمسحها بالماء ، وهذا لا يتحقق إلاّ مع السحق ، فان غير المسحوق لا يمكن مسحه على البدن باليد. على أنّه لا بدّ من بقاء أثره على تلك المواضع وهذا لا يتحقق إلاّ في المسحوق.

التسوية في التحنيط بين أقسام الموتى‌

(٤) للإطلاق ، ولما صرّح بالتسوية بين الرجل والمرأة في بعض الروايات المعتبرة (٢).

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ١٦٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ١ ، ٣٧ / ب ١٦ ح ٦.

١٦٤

نعم لا يجوز تحنيط المحرم قبل إتيانه بالطواف كما مرّ (*) (١) ولا يلحق به الّتي في العدّة (٢) ولا المعتكف وإن كان يحرم عليهما استعمال الطيب حال الحياة.

[٩٢٤] مسألة ٢ : لا يعتبر في التحنيط قصد القربة (٣) فيجوز أن يباشره الصبي (**) المميز أيضاً (٤).

______________________________________________________

(١) تكلّمنا على هذه المسألة سابقاً (٣) وقلنا إنّ التحلل من إحرام العمرة يتحقق بالتقصير ومن إحرام الحج بالسعي وهو قبل ذلك محرم ، سواء مات حال الطواف أم قبله. فاللاّزم أن يقال إنّه لا يجوز تحنيطه قبل إتيانه بالسعي لا الطواف ، لما دلّ على أن من مات محرماً لا يجوز قرب الطيب منه (٤) ، والكافور من الطيب.

(٢) أي عدّة الوفاة ، لأنّ المتوفى عنها زوجها وإن كان يحرم عليها استعمال الطيب إلاّ أنّه يختص بحال الحياة ويرتفع بموتها.

عدم اعتبار قصد القربة في التحنيط‌

(٣) لأن اعتبار قصد التقرب في العمل يحتاج إلى دليل ، ولم يقم دليل على اعتباره في الحنوط ، ولا يقاس ذلك بالتغسيل والصلاة على الميِّت ، لدلالة الدليل فيهما على اعتبار قصد القربة في الواجب دون المقام.

(٤) هذا تفريع على عدم اعتبار قصد التقرب في التحنيط ، وفيه إشكال من جهتين :

الاولى : أنّ الواجب الّذي لم يعتبر فيه قصد التقرب لو كان يسقط بفعل الغير بمعنى عدم اعتبار المباشرة لم يفرق الحال فيه بين أن يأتي به الصبي المميز أو غيره أو‌

__________________

(*) مرّ حكم ذلك [ في المسألة ٨٨٤ ].

(**) فيه إشكال ، إذ لا ملازمة بين عدم اعتبار قصد القربة والسقوط بفعل غير من وجب عليه كما حقّق في محلّه.

(١) في ص ٤٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣.

١٦٥

[٩٢٥] مسألة ٣ : يكفي في مقدار كافور الحنوط المسمّى (١)

______________________________________________________

المجنون ، أو تحقق بغير ذلك من الأسباب الخارجة عن الاختيار ، فإنّه إذا أتى به الصبي غير المميز أو المجنون أجزأ ذلك في مقام الامتثال ، فلا وجه لتخصيص الاجتزاء بما إذا باشره الصبي المميز كما ذكر في المتن.

الثانية : أنّه لا ملازمة بين كون الواجب توصلياً وبين عدم اعتبار المباشرة في سقوطه ، لأنّ النسبة بينهما عموم من وجه ، فقد يكون الواجب تعبّدياً ولا تعتبر فيه المباشرة كما في الزكاة فإن إخراجها واجب تعبّدي مع أنّه لو أخرجها غير المالك بأمر منه على ما عندنا أو مطلقاً على المشهور أجزأ ذلك عن المأمور به.

وقد يكون الواجب توصلياً ولا يسقط بفعل الغير ، بل تعتبر فيه المباشرة مثل رد السلام فإنّه واجب توصلي ولا يسقط إلاّ برد من وجب عليه رد السلام فان ردّ غيره لا يسقطه عن ذمّته ، فلا ملازمة بين كون الواجب توصلياً وكونه ساقطاً من دون المباشرة.

نعم ، قد تقوم القرينة الخارجية على أنّ الغرض من إيجاب العمل ليس إلاّ تحقّقه ووجوده في الخارج بأيّة كيفيّة كانت وحينئذ نلتزم بسقوطه بفعل الغير ولكنّه لأجل القرينة لا لأجل أنّه توصلي ، وعليه فالظاهر عدم الاجتزاء في المقام بفعل غير المكلّفين ولا يسقط التحنيط بفعل الصبي ولا غيره عن ذمّة المكلّفين وإن كان واجباً توصّلياً ، لما دلّ على أنّ القلم مرفوع عن الصبي والمجنون (١).

الاقتصار بالمسمّى في التحنيط‌

(١) لإطلاق الأخبار وعدم ورود تحديد وتقدير معين في شي‌ء من النصوص المعتبرة. نعم ، ورد في الفقه الرضوي (٢) ومرسلة ابن أبي نجران (٣) : « إن أقل ما يجزئ في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٢) المستدرك ٢ : ٢٠٩ / أبواب الكفن ب ٢ ح ٢. فقه الرضا : ١٨٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣ / أبواب التكفين ب ٣ ح ٢.

١٦٦

والأفضل أن يكون ثلاثة عشر درهماً وثلث ، تصير بحسب المثاقيل الصيرفية سبع مثاقيل وحمصتين إلاّ خمس‌

______________________________________________________

الحنوط مثقال ». وفي مرسلة أُخرى لابن أبي نجران (١) وفي الفقه الرضوي (٢) أيضاً : « إن أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال ونصف ». وفي رواية الكاهلي والحسين ابن المختار أن مقداره أربعة مثاقيل (٣). وفي مرفوعة علي بن إبراهيم أنّ مقداره ثلاثة عشر درهماً وثلث (٤).

وهذه بأجمعها ضعيفة السند ، لكونها بين مرسلة ومرفوعة وما لم تثبت كونه رواية أو ضعيفة كرواية الكاهلي لوجود محمّد بن سنان في سندها فلا تثبت هذه المقادير بتلكم الأخبار.

على أن في رواية الكاهلي دلالة على عدم الوجوب حيث ورد فيها : « القصد من ذلك أربعة مثاقيل » والقصد بمعنى المتوسط ولا دلالة فيه على الوجوب.

وأمّا استحباب تلكم المقادير فلا يمكن إثباته بها لضعفها ، اللهمّ إلاّ أن نقول بالتسامح في أدلّة السنن ولا نقول به.

وأمّا الاستدلال عليه بما ورد من أن تحنيط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ثلاثة عشر درهماً وثلثاً (٥) لأن فيه تأسياً به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيرد عليه أنّ الرواية الدالّة على ذلك ضعيفة فلا يثبت بها موضوع التأسي ليستحب ، نعم لا بأس بالعمل على ما أفتى به الأصحاب من كونه مثقالاً ثمّ مثقالاً ونصفاً ، ثمّ أربعة مثاقيل ثمّ ثلاثة عشر درهماً وثلثاً ، من باب الرجاء دون الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٤ / أبواب التكفين ب ٣ ح ٥.

(٢) المستدرك ٢ : ٢٠٩ / أبواب الكفن ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣ / أبواب التكفين ب ٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ٣ : ١٣ / أبواب التكفين ب ٣ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ١٣ و ١٤ / أبواب التكفين ب ٣ ح ١ ، ٦ ، ٨ ، ٩.

١٦٧

الحمصة (*) (١).

والأقوى أن هذا المقدار لخصوص الحنوط ، لا له وللغسل ، وأقل الفضل مثقال شرعي والأفضل منه أربعة دراهم ، والأفضل منه أربعة مثاقيل شرعية.

[٩٢٦] مسألة ٤ : إذا لم يتمكّن من الكافور سقط وجوب الحنوط ولا يقوم مقامه طيب آخر (٢) ،

______________________________________________________

ما هو الأفضل في مقدار كافور الحنوط‌

(١) الظاهر أنّه من الاشتباه في الحساب فإن ثلاثة عشر درهماً وثلثاً إنّما هي سبع مثاقيل فقط لا أزيد منها ، وذلك لأنّها أربعون ثلثاً ، إذ العشرة إذا ضربت بالثلاث صار الحاصل ثلاثين ، وحاصل ضرب الثلاث في الثلاثة تسعة ، فالمجموع تسعة وثلاثون ، ويضاف إليه الثلث الأخير في ثلاثة عشر درهماً وثلثاً يبلغ المجموع أربعين ثلثاً ، وهي ثمانية وعشرون مثقالاً ، لأنّه الحاصل من ضرب السبعة بالأربعة ، فإنّهم ذكروا أن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية فيكون في الأربعين أثلاث : أربعة سبعات إلاّ ثلاث ، فإذا ضرب الأربعة بالسبعة حصل ثمانية وعشرون ثلثاً.

إذن يكون ذلك بحسب المثقال سبعاً لا أزيد ، إذ كل عشرة دراهم مثقال شرعي كما ذكروه وكل مثقال صيرفي يزيد على المثقال الشرعي بالربع ، فلو نقصنا من ثمانية وعشرين ثلثاً ربعها وهو ما به التفاوت بين المثقال الشرعي والصيرفي بقي واحد وعشرون ثلثاً وهي لو قسّمت إلى ثلاث لأنّها واحد وعشرون ثلث صار سبع مثاقيل بالتمام ، وأمّا بحسب المثقال الصيرفي فهي تسعة مثاقيل إلاّ ربع.

إذا لم يتمكّن من الكافور‌

(٢) لعدم الدليل عليه ، واعتبار الكافور في التحنيط ليس لأجل أنّه طيب محض ليقوم مقامه سائر أفراد الطيب ، بل من أجل أنّه حنوط أي يمنع عن الفساد وهذا‌

__________________

(*) بل سبعة مثاقيل بلا زيادة.

١٦٨

نعم يجوز تطييبه بالذريرة (١) لكنّها ليست من الحنوط ، وأمّا تطييبه بالمسك والعنبر والعود ونحوها ولو بمزجها بالكافور فمكروه (٢) بل الأحوط تركه (*).

______________________________________________________

لا يأتي في غير الكافور من أفراد الطيب.

(١) للنص المعتبر (٢) إلاّ أنّ الكلام في موضوعها فإنّه محل الاختلاف ، وعلى تقدير ثبوت معناها أنّها أيّ شي‌ء كما إذا قلنا إنّها نبات معين يدق ويذر على الميِّت يستحب تطييب الميِّت بها.

(٢) استدلّ على ذلك بجملة من الروايات لا تخلو من ضعف في السند أو الدلالة أو في كليهما :

منها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يجمر الكفن » (٣).

وهي ضعيفة السند بإرسالها ، لما تقدّم مراراً من أن ابن أبي عمير أو غيره قد يروي عن الضعيف ونحتمل أن يكون مراده ببعض الأصحاب هو ذاك الضعيف ، فلا وجه لما يقال من أن مراسيله كمسانيده.

على أنّها ضعيفة دلالة ، لأنّ التجمير عبارة عن جعل شي‌ء في النار للتبخير أي لأن يبخر به الميِّت أو غيره وتقريب النار من الميِّت منهي عنه في بعض الأخبار وهذا أخص من المدّعى وهو قرب الطيب منه.

إذ لا دلالة لها على أن قرب الطيب منه بغير واسطة النار مكروه أيضاً أو منهي عنه.

ومنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور ... » (٤).

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ٣ : ٣٣ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤ ، ٣٥ / ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ١٧ / أبواب التكفين ب ٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ١٨ / أبواب التكفين ب ٦ ح ٥.

١٦٩

وهي من حيث الدلالة ظاهرة ، ولكنّها ضعيفة من حيث السند ، لأنّها مروية بطريقين : الكليني (١) والصدوق (٢) وهي على طريق الكليني تشتمل على جماعة من الضعاف ، وعلى طريق الصدوق تشتمل على القاسم بن يحيى وجدّه الحسن بن راشد وكلاهما ضعيف كما مرّ في بعض الأبحاث السابقة.

ومنها : رواية يعقوب بن يزيد عن عدّة من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يسخن للميت الماء ، ولا تعجل له النار ولا يحنّط بمسك » (٣).

وهي ضعيفة السند لوجود سهل بن زياد ، كما أن دلالتها قاصرة على المدّعى لأنّها إنّما نهت عن التحنيط بالمسك وهذا عنوان آخر ، فانّ التحنيط لا بدّ أن يكون بالكافور فحسب.

وأمّا إذا حنط بالكافور وبعده وضع عليه شي‌ء من الطيب فلا يستفاد منها عدم جوازه بوجه.

ومنها : رواية داود بن سرحان قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام لي في كفن أبي عبيدة الحذاء : إنّما الحنوط الكافور ... » (٤).

وهي من حيث الدلالة كسابقتها إذ الكلام إنّما هو في قرب الطيب من الميِّت لا في التحنيط بغير الكافور ، ولا دلالة لها على عدم جواز قرب الطيب منه بعد تحنيطه بالكافور.

وأمّا من حيث السند فهي ضعيفة أيضاً ، لأن في سندها بطريق الكليني صالح بن السندي وهو ضعيف (٥) وفي طريق الشيخ إلى محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ضعف (٦) ولا يمكن الاعتماد على الرواية بوجه ، فما في بعض الكلمات من توصيف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٧ / ٣.

(٢) الخصال : ٦١٨.

(٣) الوسائل ٣ : ١٨ / أبواب التكفين ب ٦ ح ٦.

(٤) الوسائل ٣ : ١٨ / أبواب التكفين ب ٦ ح ٧.

(٥) ثقة لوجوده في اسناد كامل الزيارات.

(٦) وقد صحّح طريق الشيخ إليه في المعجم ١٦ : ٣٠٨ / ١٠٥٨١.

١٧٠

الرواية بالصحيحة ممّا لا وجه له.

ومنها : رواية أُخرى لداود بن سرحان حيث ورد فيها « واعلم أنّ الحنوط هو الكافور » (١).

ويرد عليها من حيث الدلالة ما تقدم في غيرها ، ومن حيث السند وجود محمّد بن سنان وهو ضعيف.

ومنها : رواية دعائم الإسلام الدالّة على النهي عن أن يحنط الميِّت بالطيب أو يقرب منه ذلك (٢).

ولكنّها ضعيفة السند بالإرسال وإن كان مؤلفه جليل القدر كما ذكرناه مراراً. على أنّ التحنيط مغاير لتقريب الطيب من الميِّت كما مرّ.

ومنها : رواية الفقه الرضوي : وروى أنّه لا يقرب الميِّت من الطيب شيئاً (٣). وهي من حيث الدلالة ظاهرة إلاّ أنّها لم تثبت كونها رواية فضلاً عن اعتبارها.

فتحصل : أن ما استدلّ به من الأخبار بين مرسلة وضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالكراهة فضلاً عن عدم الجواز ، فلا موجب للاحتياط فضلاً عن أن يكون الاحتياط لزومياً. نعم ، بناءً على التسامح في أدلّة السنن وتسريته إلى المكروهات لا بأس بالحكم بكراهة قرب الطيب من الميِّت ، إلاّ أنّا لا نلتزم به كما مرّ.

وممّا يدلّنا على جواز قرب الطيب من الميِّت ما ورد في جملة من الأخبار المعتبرة وغيرها من أنّ الميِّت المحرم وغير المحرم سيان إلاّ في أنّ المحرم لا يقرب منه طيب غير الكافور (٤). لدلالتها على أن غير المحرم يجوز أن يقرب منه الطيب وإلاّ لم يكن فرق بين المحرم والمحل حتّى من هذه الجهة ، مع أنّ الأخبار مصرحة بالفرق بينهما من هذه الجهة.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٩ / أبواب التكفين ب ٦ ح ٨.

(٢) لاحظ المستدرك ٢ : ٢١٣ / أبواب الكفن ب ٥ ح ٤.

(٣) المستدرك ٢ : ٢١٢ / أبواب الكفن ب ٥ ح ١. فقه الرضا : ١٨٢.

(٤) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣.

١٧١

[٩٢٧] مسألة ٥ : يكره إدخال الكافور في عين الميِّت أو أنفه أو أُذنه (١).

[٩٢٨] مسألة ٦ : إذا زاد الكافور يوضع على صدره (٢).

[٩٢٩] مسألة ٧ : يستحب سحق الكافور باليد لا بالهاون.

[٩٣٠] مسألة ٨ : يكره وضع الكافور على النعش.

[٩٣١] مسألة ٩ : يستحب خلط الكافور بشي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام لكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

[٩٣٢] مسألة ١٠ : يكره إتباع النعش بالمجمرة ، وكذا في حال الغسل.

[٩٣٣] مسألة ١١ : يبدأ في التحنيط (*) بالجبهة ، وفي سائر المساجد مخيّر.

[٩٣٤] مسألة ١٢ : إذا دار الأمر بين وضع الكافور في ماء الغسل أو يصرف في التحنيط يقدّم الأوّل (٣).

______________________________________________________

(١) للنص الوارد على ذلك في بعض الأخبار (٢).

(٢) قد ذكر الفقهاء أنّ الكافور إذا زاد على المساجد يوضع على الصدر ، وذكره الماتن قدس‌سره على وجه الإطلاق ، وظاهره أنّه إذا زاد على المساجد وغيرها من المواضع المستحب تحنيطها يوضع على الصدر ، وهذا ممّا لم نقف له على دليل سوى ما في الفقه الرضوي : « وتلقي ما بقي على صدره وفي وسط راحته » (٣) بعد بيان مسح المساجد والمفاصل وغيرها من المواضع. فعلى ذلك كان اللاّزم على الماتن إضافة الراحتين على الصدر لوروده في الفقه الرضوي الّذي هو المستند لحكمه.

تقديم وضع الكافور في ماء الغسل‌

(٣) وذلك لما ذكرناه في الأغسال الثلاثة الواجبة في غسل الميِّت (٤) وقلنا إنّه إذا لم‌

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(١) الوسائل ٣ : ٣٢ ٣٤ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣ ، ٥.

(٢) المستدرك ٢ : ٢١٩ / أبواب الكفن ب ١٣ ح ١. فقه الرضا : ١٦٨.

(٣) في ص ٤١.

١٧٢

وإذا دار في الحنوط بين الجبهة وسائر المواضع تُقدّم الجبهة (*) (١).

______________________________________________________

يتمكّن إلاّ من الماء في واحد أو اثنين منها تعين أن يصرفه في الأوّل منها ويتيمم في الثاني أو الأخير ، وذلك لأنّه في الأوّل متمكّن من الماء فلا مسوّغ له للتيمم بدلاً عن الغسل ، وهذا بخلاف ما إذا عمل بوظيفته وصرف الماء في التغسيل فإنّه في الثاني أو الثالث إذا لم يتمكّن من الماء يسقط عنه الأمر بالتغسيل لعجزه فتصل النوبة إلى التيمم كما مرّ.

وبما أنّ المكلّف في المقام متمكّن من التغسيل والكافور على الفرض فلا يجوز له ترك ذلك إبقاءً للكافور للتحنيط ، بل لا بدّ من أن يصرفه في الغسل الواجب لتمكّنه منه ، وإذا انتهى الأمر إلى التحنيط ولم يجد المكلّف الكافور سقط عنه الأمر به للعجز.

وهذا لا يختص بالمقام بل الأمر كذلك في كل واجبين لا يتمكّن المكلّف إلاّ من أحدهما ، فإنّ الأوّل واجب التقديم حينئذ وفي الثاني إمّا أن يسقط الوجوب للعجز رأساً وإمّا أن ينتقل إلى بدله.

ومن هنا لو لم يتمكّن في شهر رمضان إلاّ من صيام خمسة عشر يوماً ليس له الإفطار في الأيّام الأُول إبقاءً لقدرته إلى الأيّام المتأخرة ، بل يجب عليه الصوم في النصف الأوّل ، وإذا صرف قدرته في النصف الأوّل فهو عاجز في النصف الثاني فيسقط عنه الأمر بالصوم ويجوز له أن يفطر لا محالة.

تقديم الجبهة‌

(١) لا دليل على تقديم الجبهة في التحنيط عند التمكّن من تحنيط جميع المواضع ، فإنّ الأدلّة مطلقة ولا فرق فيها بين الجبهة وغيرها ، فإذا دار الأمر في التحنيط بينها وبين غيرها لم يكن معين للجبهة بوجه. فالحكم بتحنيط الجبهة أوّلاً عند التمكّن من التحنيط في سائر المواضع وعدمه مبني على الاحتياط.

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

١٧٣

فصل

في الجريدتين

من المستحبّات الأكيدة عند الشيعة وضعهما مع الميِّت صغيراً أو كبيراً ، ذكراً أو أُنثى ، محسناً أو مسيئاً ، كان ممن يخاف عليه من عذاب القبر أو لا ، ففي الخبر : « إنّ الجريدة تنفع المؤمن والكافر والمحسن والمسي‌ء وما دامت رطبة يرفع عن الميِّت عذاب القبر » وفي آخر : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ على قبر يعذّب صاحبه فطلب جريدة فشقها نصفين فوضع أحدهما فوق رأسه والأُخرى عند رجله وقال : يخفف عنه العذاب ما داما رطبين » وفي بعض الأخبار أنّ آدم عليه‌السلام أوصى بوضع جريدتين في كفنه لُانسه ، وكان هذا معمولاً به بين الأنبياء وترك في زمان الجاهلية فأحياه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٩٣٥] مسألة ١ : الأولى أن تكونا من النخل وإن لم يتيسر فمن السدر ، وإلاّ فمن الخلاف أو الرمان وإلاّ فكل عود رطب.

[٩٣٦] مسألة ٢ : الجريدة اليابسة لا تكفي.

[٩٣٧] مسألة ٣ : الأولى أن تكون في الطول بمقدار ذراع وإن كان يجزي الأقل والأكثر. وفي الغلظ كل ما كان أغلظ أحسن من حيث بطء يبسه.

[٩٣٨] مسألة ٤ : الأولى في كيفيّة وضعهما أن يوضع إحداهما في جانبه الأيمن من عند الترقوة إلى ما بلغت ملصقة ببدنه ، والأُخرى في جانبه الأيسر من عند الترقوة فوق القميص تحت اللفافة إلى ما بلغت. وفي بعض الأخبار أن يوضع إحداهما تحت إبطه الأيمن ، والأُخرى بين ركبتيه بحيث يكون نصفها يصل إلى الساق ونصفها إلى الفخذ. وفي بعض آخر : يوضع كلتاهما في جنبه الأيمن ، والظاهر تحقّق الاستحباب بمطلق الوضع معه في قبره.

١٧٤

[٩٣٩] مسألة ٥ : لو تركت الجريدة لنسيانٍ ونحوه جعلت فوق قبره.

[٩٤٠] مسألة ٦ : لو لم تكن إلاّ واحدة جعلت في جانبه الأيمن.

[٩٤١] مسألة ٧ : الأولى أن يكتب عليهما اسم الميِّت واسم أبيه وأنّه يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ الأئمة من بعده أوصياؤه ويذكر أسماءهم واحداً بعد واحد.

فصل

في التشييع

يُستحب لأولياء الميِّت إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليحضروا جنازته والصّلاة عليه والاستغفار له. ويستحب للمؤمنين المبادرة إلى ذلك ، وفي الخبر : « إنّه لو دعي إلى وليمة وإلى حضور جنازة قدّم حضورها ، لأنّه مذكر للآخرة كما أنّ الوليمة مذكرة للدنيا » وليس للتشييع حد معيّن ، والأولى أن يكون إلى الدفن ودونه إلى الصلاة عليه والأخبار في فضله كثيرة ففي بعضها : « أوّل تحفة للمؤمن في قبره غفرانه وغفران من شيعة » وفي بعضها : « من شيّع مؤمناً لكل قدم يكتب له مائة ألف حسنة ويُمحى عنه مائة ألف سيّئة ويُرفع له مائة ألف درجة وإن صلّى عليه يُشيعه حين موته مائة ألف ملك يستغفرون له إلى أن يُبعث » وفي آخر : « من مشى مع جنازة حتّى صلّى عليها له قيراط من الأجر وإن صبر إلى دفنه له قيراطان والقيراط مقدار جبل أُحد » وفي بعض الأخبار : يُؤجر بمقدار ما مشى معها.

وأمّا آدابه‌ فهي أُمور :

أحدها : أن يقول إذا نظر إلى الجنازة : « ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، الله أكبر ، ( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) ، اللهمّ زدنا إيماناً وتسليماً ، الحمد لله‌

١٧٥

الّذي تعزّز بالقدرة وقهر العباد بالموت » وهذا لا يختص بالمشيع ، بل يُستحب لكل من نظر إلى الجنازة كما أنّه يُستحب له مطلقاً أن يقول : « الحمد لله الّذي لم يجعلني من السواد المخترم ».

الثاني : أن يقول حين حمل الجنازة : « بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ».

الثالث : أن يمشي ، بل يكره الركوب إلاّ لعذر. نعم ، لا يكره في الرجوع.

الرابع : أن يحملوها على أكتافهم لا على الحيوان إلاّ لعذر كبعد المسافة.

الخامس : أن يكون المشيع خاشعاً متفكراً متصوراً أنّه هو المحمول ويسأل الرجوع إلى الدُّنيا فأُجيب.

السادس : أن يمشي خلف الجنازة أو طرفيها ولا يمشي قدامها ، والأوّل أفضل من الثاني. والظاهر كراهة الثالث خصوصاً في جنازة غير المؤمن.

السابع : أن يلقى عليها ثوب غير مزين.

الثامن : أن يكون حاملوها أربعة.

التاسع : تربيع الشخص الواحد بمعنى حمله جوانبها الأربعة. والأولى الابتداء بيمين الميِّت يضعه على عاتقه الأيمن ثمّ مؤخرها على عاتقه الأيمن ثمّ مؤخرها الأيسر على عاتقه الأيسر ثمّ ينتقل إلى المقدم الأيسر واضعاً له على العاتق الأيسر يدور عليها.

العاشر : أن يكون صاحب المصيبة حافياً واضعاً رداءه أو يغيِّر زيّه على وجه آخر بحيث يعلم أنّه صاحب المصيبة.

ويُكره أُمور :

أحدها : الضحك واللّعب واللهو.

١٧٦

الثاني : وضع الرداء من غير صاحب المصيبة.

الثالث : الكلام بغير الذِّكر والدُّعاء والاستغفار حتّى ورد المنع عن السلام على المشيع.

الرابع : تشييع النِّساء الجنازة وإن كانت للنِّساء.

الخامس : الإسراع في المشي على وجه ينافي الرفق بالميت ولا سيما إذا كان بالعدو ، بل ينبغي الوسط في المشي.

السادس : ضرب اليد عن الفخذ أو على الأُخرى.

السابع : أن يقول المصاب أو غيره : « ارفقوا به ، أو استغفروا له ، أو ترحّموا عليه » وكذا قول : « قفوا به ».

الثامن : إتباعها بالنار ولو مجمرة إلاّ في اللّيل فلا يكره المصباح.

التاسع : القيام عند مرورها إن كان جالساً إلاّ إذا كان الميِّت كافراً لئلاّ يعلو على المسلم.

العاشر : قيل : ينبغي أن يمنع الكافر والمنافق والفاسق من التشييع.

إلى هنا نختم الكلام في هذا الجزء من الكتاب

حامدين مصلِّين ونسأل الله العلي القدير التوفيق لإتمام بقيّة أجزائه

فإنّه خير موفِّق ومعين.

١٧٧

فصل

في الصّلاة على الميِّت

يجب الصّلاة على كل مسلم ، من غير فرق بين العادل والفاسق والشّهيد وغيرهم حتى المرتكب للكبائر ، بل ولو قتل نفسه عمداً (١).

______________________________________________________

فصل في الصّلاة على الميِّت‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

الجهة الأُولى : المعروف بين الأصحاب وجوب الصلاة على كل مسلم ، من غير فرق بين العادل والفاسق حتى المرتكب للكبائر بل القاتل نفسه عمداً ، كما لا فرق بين المؤمن والمخالف ، لكن نسب الخلاف في ذلك إلى جملة من المتقدمين حيث قصروا الحكم على المؤمن دون المخالف ، وقواه كاشف اللثام (١) ، وذكر في المدارك أنه غير بعيد (٢).

وفيه : أن المناقشة في وجوب الصلاة على المخالفين إن كانت مستندة إلى عدم إسلامهم وإلى كونهم كفرة كما ذهب إليه بعضهم ورأى أن معاملة الإسلام معهم إنما هو من باب التقية إلى أن يظهر القائم ( عجل الله فرجه ) وإلاّ فإنهم محكومون بالكفر حقيقة ففيه : أنّا ذكرنا في محله أن الإسلام لا يعتبر فيه الإيمان ، وإنما تترتب أحكام الإسلام على مجرّد إظهار الشهادتين ، وبذلك حقنت الدماء وجرت المواريث وجاز النكاح (٣) فلا فرق بين المؤمن والمخالف من هذه الجهة. على أنهم لو كانوا كفرة فلما ذا‌

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٣٠٩.

(٢) مدارك الأحكام ٤ : ١٥١.

(٣) شرح العروة ٣ : ٦٤ ، ٤ : ٢٠٦.

١٧٨

وجب تغسيلهم ، فان الكافر لا يغسل ولا يكفن وحاله حال الحيوانات ، فاما أن نلتزم بوجوب الصلاة في حقهم لإسلامهم أو نلتزم بعدم وجوب التغسيل للمخالفين لكفرهم.

وإن كانت المناقشة مستندة إلى عدم دليل صالح للاستدلال به وللتمسك بإطلاقه بالإضافة إلى المخالفين كما ربما يلوح من كلمات بعضهم ، ففيه : أن هناك جملة كثيرة من المطلقات تدلنا على أن كل ميت تجب الصلاة عليه من دون تقييده بالمؤمن ولا بالمسلم ، ومقتضى إطلاقها وجوبها حتى على الكافر ، وإنما الخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل. وهذه الأخبار فيها المعتبرة والضعيفة ، ولا يبعد بلوغها مرتبة التواتر وإن كانت المعتبرة منها كثيرة في نفسها.

والغرض أن الدليل لا ينحصر في روايتين إحداهما معتبرة والأُخرى ضعيفة لنحتاج إلى دعوى انجبار ضعفها بعملهم كما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره (١) وغيره. وإليك جملة من الأخبار :

منها : موثقة أبي مريم الأنصاري عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « الشهيد إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلِّي عليه ، وإن لم يكن به رمق كفن في أثوابه » (٢).

والوجه في كونها موثقة أن في طريق الصدوق إلى أبي مريم أبانَ بن عثمان ، وهو موثق. وقد دلتنا على أن غير الشهيد أي الذي كان به رمق تجب عليه الصلاة والتغسيل والتكفين والتحنيط ، وإنما خرج الشهيد عنه ، ولا نحتمل أن يكون للموت في المعركة دخل في ثبوت الحكم ، بأن يكون وجوب الصلاة أو الدّفن أو الكفن مختصاً بالمقتول في المعركة غير شهيد.

ومنها : صحيحة أبان بن تغلب قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط؟ قال : يدفن كما هو في ثيابه إلاّ أن يكون به‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٤٩٢ السطر الأخير.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ١.

١٧٩

رمق ، فان كان به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه ... » (١) بعين التقريب المتقدِّم ، لدلالتها على أن غير الشهيد لا بدّ من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر أنه « سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن » (٢) فان طريق الصدوق إلى علي بن جعفر صحيح ، وقد دلّت على أن مطلق الميِّت يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه مؤمناً كان أو مخالفا.

ومنها : صحيحة الفضيل بن عثمان الأعور عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام : « في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة ، قال : ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه » (٣).

وقد قدمنا أن الموجود في السند وإن كان هو الفضل بن عثمان ولكن ذكر في طريق الصدوق إلى الرجل الفضيل بن عثمان ، والأمر سهل ، ولعلّه قد يعبّر عنه بهذا تارة وأُخرى بذاك.

ومنها : صحيحة خالد بن ماد القلانسي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن ، فاذا كان الميِّت نصفين صلِّي على النصف الذي فيه قلبه » (٤).

ومنها : موثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا يصلى على عضو رجل أو يد أو رأس منفرداً ، فاذا كان البدن فصل عليه وإن كان ناقصاً من الرأس واليد والرجل » (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٧.

(٢) الوسائل ٣ : ١٣٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ١٣٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٤.

(٤) الوسائل ٣ : ١٣٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٥.

(٥) الوسائل ٣ : ١٣٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٣٨ ح ٧.

١٨٠