موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٩١٩] مسألة ٢٠ : الأحوط الاقتصار في القدر الواجب على ما هو أقل قيمة فلو أرادوا ما هو أغلى قيمة يحتاج الزائد إلى إمضاء الكبار في حصّتهم وكذا في سائر المؤن ، فلو كان هناك مكان مباح لا يحتاج إلى بذل مال أو يحتاج إلى قليل لا يجوز اختيار الأرض الّتي مصرفها أزيد إلاّ بامضائهم ، إلاّ أن يكون ما هو الأقل قيمة أو مصرفاً هتكاً لحرمة الميِّت فحينئذ لا يبعد خروجه من أصل التركة. وكذا بالنسبة إلى مستحبّات الكفن ، فلو فرضنا أنّ الاقتصار على أقل الواجب هتك لحرمة الميِّت يؤخذ المستحبّات أيضاً من أصل التركة.

______________________________________________________

وبين ما إذا كان المستحب خصوصية في فرد الواجب تجعله أفضل الأفراد مثل كون الكفن قطناً أو برداً أو حبرة وغيرها ، وقد حكم بعدم إخراجها من أصل المال احتياطاً.

والوجه في هذا التفصيل هو أنّ القسم الثاني من المستحبّات قد يقال فيه كما تعرّض له شيخنا الأنصاري قدس‌سره (١) أنّ الأمر بالكفن إنّما تعلّق بالطبيعي الجامع بين الأفراد الدانية والراجحة. وأمر تطبيق الطبيعي على أفراده بيد الولي ، فله تطبيقه على الفرد الأفضل أو غيره ، فيجوز له اختيار الفرد الأفضل ويحسب من أصل التركة.

ولكن شيخنا الأنصاري قدس‌سره لم يرتض ذلك وأورد عليه : بأنّ المأمور به هو الجامع بين الفاضل والداني لا خصوص الفرد الفاضل ولا مسوّغ للولي أن يطبقه على خصوص الفاضل من الأفراد. مع أنّه إضرار على الديان والورثة ، ومن هنا احتاط الماتن قدس‌سره في القسم الثاني من المستحبّات. وأمّا القسم الأوّل من المستحبّات وهو الّذي له وجود مستقل فقد جزم الماتن بعدم خروجها من أصل‌

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ٣١٠ السطر ٢٥ / في تكفين الأموات.

١٤١

التركة ، هذا.

والصحيح أن يقال : إنّ الأمر بالتكفين في الأخبار إنّما يدل على وجوب التكفين المتعارف وأنّه الّذي يخرج من أصل التركة ، لا أنّ الخارج من أصل التركة شي‌ء والكفن المتعارف شي‌ء آخر ، وليس المأمور به خصوص الفرد الداني من الكفن. والكفن المتعارف هو الّذي يخرج من الزكاة إذا لم يكن للميت مال ، ولا يجب إخراج الفرد الداني من الزكاة ، فلو كان للميت مال وجب إخراج ثمن الكفن المتعارف منه وهذا هو الحد المتوسط بين الإفراط والتفريط ، فلا يجب اختيار ما هو أقل أفراد الكفن بحسب القيمة ، كما لا يجوز الإسراف والتبذير فيه ، بل يخرج منه الكفن المتعارف اللاّئق بشأنه.

هذا إذا لم يكن اختيار المتعارف وعدم التكفين بالأفضل هتكاً وإلاّ فيجب إخراج الأفضل ، كما لو كان من الأشراف أو العلماء ونحوهم ، وذلك لأنّه هو الواجب إخراجه من الزكاة على تقدير عدم المال للميت ، فإذا كان له مال لا بدّ من إخراج ذلك من أصل تركته ، هذا كلّه في القسم الثاني من المستحبّات.

وأمّا القسم الأوّل من المستحبّات وهو ما كان له وجود مستقل ، فمن الظاهر أنّ الأمر بالكفن لا يشمله لخروجه عن الكفن ، اللهمّ إلاّ أن يكون تركه هتكاً للميت فيجب حينئذ ويخرج من أصل التركة لوجهين :

أحدهما : ما مرّ من سكوت الأخبار الآمرة به عن تعيين ما يخرج منه ، فيدور الأمر بين أن يخرج من مال المسلمين وبين أن يخرج من ماله ، وذلك لفرض لزومه وأنّه لا بد منه ، لأن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً ، والأوّل ليس بلازم كما مرّ فيتعيّن إخراجه من التركة.

وثانيهما : موثقة الفضل المتقدِّمة (١) الدالّة على أن مثل ذلك المستحب يخرج من‌

__________________

(١) في ص ١٣٩.

١٤٢

[٩٢٠] مسألة ٢١ : إذا كان تركة الميِّت متعلّقاً لحق الغير مثل حق الغرماء في الفلس وحق الرهانة وحق الجناية ففي تقديمه أو تقديم الكفن إشكال (*) فلا يترك مراعاة الاحتياط (١).

______________________________________________________

الزكاة إذا لم يكن للميت مال ، لأنّه اللاّئق بشأنه ، وإذا كان له مال لا بدّ من إخراجه من ماله.

إذا كانت التركة متعلّقة لحق الغير‌

(١) الأقوال في المسألة متعددة ، من تقديم الكفن على تلك الحقوق مطلقاً ومن عدمه كذلك. والتفصيل بين حقّي الرهانة والغرماء وبين حقّ الجناية بتقديم الأخير على الكفن دون الأوّلين.

والصحيح في المسألة أن يقال : إن حق الرهانة وحق الديان وإن كان متعلّقاً بعين المال إلاّ أنّه ليس إلاّ مقدمة لإيصال الدين إلى صاحبه أو إلى أهله وليس حقاً جديداً وقد بنينا على تقديم الكفن على الدين وغيره وعلى خروجه من أصل التركة قبل الدين والوصية والميراث.

وأمّا حقّ الجناية ، فإن كانت الجناية عمدية فلولي المجني عليه كما في القتل الخيار بين الاقتصاص من العبد وبين استرقاقه ، وإذا كانت خطائه فلولي العبد الجاني أي مالكه أن يدفع الدية أو يعطي نفس العبد الجاني إلى ولي المجني عليه.

وعلى كلتا الصورتين إذا أمكن بيع العبد الجاني في الخارج ولو مع تصريح المالك بأنّه في معرض القصاص أو الاسترقاق للغير ، وأنّ المشتري لا بدّ أن يدفع الدية إلى ولي المجني عليه ، فلا مانع من صرف ثمنه في شراء الكفن ، لأنّه مال الميِّت على الفرض‌

__________________

(*) أظهره تقديم الكفن على حق الغرماء وحقّ الرهانة ، وأمّا في حقّ الجناية فإن أمكن البيع مع بقاء الحق فلا إشكال وإلاّ قدّم حقّ الجناية.

١٤٣

[٩٢١] مسألة ٢٢ : إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن فالظاهر عدم وجوبه على المسلمين ، لأنّ الواجب الكفائي هو التكفين لا إعطاء الكفن (١) لكنّه أحوط.

______________________________________________________

ولم يخرج عن ملكه بالجناية. وإذا لم يمكن بيعه والحال هذه ولم يقدم أحد على شرائه فلا موضوع ولا مال ليصرف في الكفن.

فالصحيح أن إدراج حقّ الجناية في ضمن الحقوق المتعلّقة لمال الميِّت في غير محلِّه لأنّه على أحد التقديرين لا مانع من صرف ثمنه في الكفن ، وعلى التقدير الآخر لا موضوع ليصرف أو لا يصرف.

إذا لم يكن للميت مال بقدر الكفن‌

(١) بمعنى أنّ الواجب على المسلمين إنّما هو إلباس الميِّت الكفن لا بذله ، والمسألة متسالم عليها بينهم ، وإنّما الكلام في مدرك ذلك وأنّه لماذا لا يجب على المسلمين بذل الكفن؟

فقد يستدل عليه بالإجماع على عدم وجوبه.

وفيه : ما قدّمناه مراراً من أنّه إذا علم أو ظنّ أو احتمل استناده إلى شي‌ء من الأدلّة المذكورة في المسألة لا يمكن الاعتماد عليه ، لعدم كونه إجماعاً تعبّدياً بوجه.

وأُخرى يستدل بما ورد من أنّ الكفن يخرج من أصل التركة (١) الدال على أن كفن كل ميت في مال نفسه ، فإنّه بالإضافة إلى ما دلّ على وجوب التكفين على المسلمين مقيّد ، ومقتضى قانون الإطلاق والتقييد تقييد الأوامر الواردة في التكفين بما إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٣ / أبواب التكفين ب ٣١ ، ١٩ : ٣٢٨ ٣٣١ / كتاب الوصايا ب ٢٧ ، ٢٨ وغيرها.

١٤٤

الكفن من مال الميِّت نفسه ، فالواجب هو التكفين من مال الميِّت لا أنّ التكفين واجب عليهم مطلقاً ولو من مال أنفسهم.

وفيه : أن ما دلّ على أنّ الكفن يخرج من أصل التركة إنّما يدل على أن كفن كل ميت إنّما هو في مال نفسه فيما إذا كان له مال ، ولا مانع من تقييد الأوامر الواردة في التكفين بذلك إذا كان للميت مال ولا دلالة في شي‌ء منهما على أنّه إذا لم يكن للميت مال يكفن به ولكن أُخذ من الزكاة أو تبرّع به متبرّع أو اشتري من مال الوقف لذلك ، لم يجب على المسلمين التكفين به كما هو مقتضى التقييد حتّى يدل على أنّه إذا لم يكن له مال لم يجب على المسلمين التكفين حتّى يحتمل وجوب بذله.

وثالثة يستدل على ذلك برواية سعد بن طريف « من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة » (١) لدلالتها على أنّ التكفين وبذل الكفن أمر مستحب لا أنّه واجب ، لأن قوله عليه‌السلام : « كمن ضمن كسوته » يناسب الاستحباب دون الوجوب ، فتدل الرواية على عدم وجوب بذله.

وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السند بسعد ، لأنّ الشيخ وإن ذكر أنّ له روايات صحيحة (٢) إلاّ أنّ النجاشي قال : إن رواياته تعرف وتنكر (٣) وضعّفه ابن الغضائري صريحاً (٤) فما ذكره الشيخ معارض بما ذكره النجاشي وابن الغضائري فلا يمكن الاعتماد على رواياته (٥).

وأمّا ما في كلام المحقق الهمداني قدس‌سره وغيره من توصيف الرواية بالصحيحة (٦). فالظاهر أنّهم تبعوا في ذلك صاحب الحدائق قدس‌سره حيث قال :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٨ / أبواب التكفين ب ٢٦ ح ١.

(٢) رجال الطوسي : ١١٥ / ١١٤٧.

(٣) رجال النجاشي : ١٧٨ / ٤٦٨. وفيه : أنّه يعرف وينكر.

(٤) نقله عنه في تنقيح المقال ٢ : ١٥ / ٤٦٩٨ السطر ١٢.

(٥) استظهر سيِّدنا الأُستاذ في المعجم ٩ : ٧٢ / ٥٠٥٣ وثاقته.

(٦) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٤١٣ السطر ١.

١٤٥

فروى الكليني في الصحيح عن سعد بن طريف عن الباقر عليه‌السلام ثمّ ساق الحديث (١) إلاّ أن هذا التعبير لا يدل على صحّة الرواية ولا على توثيق سعد ، لأنّه كما يظهر بالمراجعة إلى كتاب الحدائق قد يعبّر عن الرواية بالصحيحة ويقول : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثلاً ، ومعنى هذا أن رواتها إلى الإمام الصادق عليه‌السلام إماميون ثقاة ، أو عدول ، وقد يعبّر عن الرواية بقوله مثلاً روى الكليني أو الشيخ في الصحيح عن فلان ويذكر اسم راوٍ من الرواة ، ومعنى هذا تصحيح السند من الشيخ أو الكليني إلى هذا الراوي وحسب ، وأمّا من هذا الراوي إلى الامام فلا تعرّض لحاله منه. والأمر في المقام كذلك.

وكيف كان فالرواية ضعيفة السند لا يمكن الاستناد إليها ، هذا أوّلاً.

ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فالرواية قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأنّ الوارد في الخبر هو التكفين « من كفن مؤمناً » ومعناه من ألبسه الكفن ، ولا دلالة فيه على استحباب بذل الكفن لأن « كفن » لا يستعمل بمعنى بذل الكفن.

وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على أنّ الوارد في الرواية هو بذل الكفن إلاّ أنّه لا منافاة بين استحباب بذل الكفن على كل واحد واحد من المكلفين وبين وجوبه الكفائي على جميع المسلمين ، وقد ورد نظيره في الغسل الواجب كفاية حيث قال عليه‌السلام : « من غسل مؤمناً غسله الله من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه » (٢) فلا تنافي بين الوجوب الكفائي والاستحباب.

ورابعة يستدل عليه بموثقة الفضل المتقدِّمة (٣) حيث دلّت على جواز شراء الكفن من الزكاة ، إذ لو كان بذل الكفن واجباً على جميع المسلمين لم يجب أخذه من الزكاة ولم تصل النوبة إليها.

__________________

(١) الحدائق ٤ : ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٩٤ ٤٩٧ / أبواب غسل الميِّت ب ٧ و ٨.

(٣) في ص ١٣٩.

١٤٦

وفيه : أنّ الرواية وإن كانت معتبرة من حيث السند وموثقة ، لكنّها قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأنّها دلّت على أخذ الكفن من مال الزكاة فيما إذا وجدت زكاة ، وأمّا إذا لم توجد الزكاة فلا دلالة لها على أنّ الميِّت يدفن عارياً ولا يجب على المسلمين بذل الكفن.

إلى هنا تحصل أنّه لا يتم شي‌ء من الوجوه والأدلّة المذكورة في المسألة ، وحينئذ ما المانع من الحكم بوجوب بذل الكفن على المسلمين لأمرهم بالتكفين ، فيكون بذل الكفن مقدمة للواجب وهي واجبة عقلاً أو شرعاً.

فالصحيح أن يستدل على عدم وجوب بذل الكفن بحديث لا ضرر (١) وذلك لأنّ التكفين الواجب كثيراً ما لا يكون ضرريّاً على المسلمين ، إمّا لأنّ الميِّت له مال يفي بكفنه ، أو لاشترائه من الزكاة أو من الوقف إذا وجد وقف لشراء الأكفان ، أو من المتبرّع لأنّهم لا يدفنون الميِّت عارياً على الأكثر.

وقد يكون ضرريّاً وهو نادر كما إذا لم يكن للميت مال ولا وجدت زكاة ولا وقف ولا متبرّع ، ولا مانع من الحكم بعدم وجوب بذل الكفن وعدم وجوب التكفين بما دلّ على نفي الضرر في الشريعة المقدّسة.

وبهذا يندفع ما ربما يتوهّم من أن حديث لا ضرر لا يجري في المقام ، لأنّ الأحكام الشرعية المبنية على الضرر كالخمس والزكاة أو المستلزمة له كالحج ممّا لا ترتفع بالحديث ، والأمر في المقام كذلك ، والوجه في الاندفاع ما عرفت من أنّ التكفين لم يجعل ضرريّاً في الشريعة المقدسة ولا أنّه مستلزم للضرر كثيراً ، لأنّه كثيراً ما لا يكون ضرريّاً ، فالنسبة بين الضرر والتكفين نسبة العموم من وجه ومورد اجتماعهما نادر كما تقدّم.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٥١ ، ١٦٤ / ٧٢٧ وغيرهما.

١٤٧

وإذا كان هناك من سهم سبيل الله من الزكاة فالأحوط صرفه فيه ، والأولى بل الأحوط أن يعطى لورثته (*) (١) حتّى يكفنوه من مالهم إذا كان تكفين الغير لميتهم صعباً عليهم.

[٩٢٢] مسألة ٢٣ : تكفين المُحرم كغيره فلا بأس بتغطية رأسه ووجهه فليس حالهما حال الطيب في حرمة تقريبه إلى الميِّت المحرم (٢).

______________________________________________________

ما هو الأحوط في المقام‌

(١) وهو في محله ، لما تقدّم من الأمر به في موثقة الفضل المتقدمة حيث قال : « أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الّذين يجهزونه » (٢) ، ولو كانت الورثة متمكّنين ولا يستحقّون الزكاة ، وإنّما لا يبذلون الكفن لبخلهم ، وذلك احترام لهم حتّى لا يلزم هتكهم أو عيبهم من قيام الغير بتكفين ميتهم. نعم ، هذا غير واجب ، لأنّ السؤال والجواب في الموثقة ناظران إلى الجواز لا إلى الوجوب.

تكفين المُحرم كغيره‌

(٢) وهذا كلّه للأخبار المعتبرة الدالّة على ذلك وأنّ الميِّت المحرم يغطّى رأسه أو وجهه أو يخمّر كما في بعض الأخبار (٣).

ومع ذلك ذهب السيِّد المرتضى (٤) إلى عدم جواز تغطية رأس المحرم ووجهه واستدلّ عليه بما عن ابن عباس من أن محرماً وقعت به ناقته فذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسّوه طيباً ولا‌

__________________

(*) إذا كانوا فقراء.

(١) الوسائل ٣ : ٥٥ / أبواب التكفين ب ٣٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣.

(٣) لم نظفر عليه في كتبه وإنّما نقله عنه في المستمسك ٤ : ١٧٨ ، الحدائق ٣ : ٤٣١.

١٤٨

تخمروا رأسه ... » (١).

وفيه : أنّها رواية واردة من طرق العامّة ولم تثبت من طرقنا. على أنّها معارضة بأخبارنا المعتبرة الدالّة على أنّه يغطى رأسه ووجهه.

واستدلّ أيضاً بمرسلة الصدوق قدس‌سره عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « من مات محرماً بعثه الله ملبِّياً » (٢).

وفيه : أنّها ضعيفة بالإرسال. على أنّها أجنبية عمّا نحن بصدده ، إذ بعثه يوم القيامة ملبّياً لا ينافي وجوب تغطية رأسه ووجهه ، وكلامنا في أنّ التغطية واجبة أم ليست بواجبة ، سواء بعثه الله ملبياً أم لم يبعثه ملبياً.

وفي الحدائق (٣) نقل عن العلاّمة أنّه نقل عن ابن أبي عقيل أنّه ذهب إلى عدم جواز تغطية رأس المحرم ووجهه ، مستدلاًّ عليه بأن تغطية الرأس والوجه لا تجتمع مع تحريم قرب الطيب منه ، لأنّه إن كان بحكم المحرم وجب أن لا يغطى وجهه ورأسه ، وإن لم يكن كذلك جاز قرب الطيب منه ، وحيث إنّ الثاني ثابت فالأوّل منتفٍ.

وهذا أشبه شي‌ء بالاجتهاد في مقابل النص بل هو هو بعينه ، لأنّا إنّما التزمنا بعدم قرب الطيب منه للتعبّد ، لا لأنّه كالمحرم ، كما أنّا نلتزم بوجوب تغطية رأسه ووجهه للإطلاقات الآمرة بالتكفين.

وقد ذكر صاحب الحدائق قدس‌سره أنّ السيِّد وابن أبي عقيل يحتمل عدم وقوفهما على الأخبار المعتبرة الواردة في أنّ الميِّت لا يفرّق في أحكامه بين المحرم والمحل هذا.

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ / باب كيف يكفن الميِّت ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / كتاب الحج ب ١٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٥ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣ ح ٦.

(٣) الحدائق ٣ : ٤٣٢ وراجع المختلف ١ : ٢٣١ / المسألة [١٧١].

١٤٩

فصل

في مستحبّات الكَفَن‌

وهي أُمور :

أحدها : العمامة للرجل ، ويكفي فيها المسمّى طولاً وعرضاً ، والأولى أن تكون بمقدار يدار على رأسه ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره ، الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن من الصدر.

الثاني : المقنعة للمرأة بدل العمامة ، ويكفي فيها أيضاً المسمّى.

الثالث : لفافة لثدييها يشدّان بها إلى ظهرها.

الرابع : خرقة يعصب بها وسطه رجلاً كان أو امرأة.

______________________________________________________

ثمّ إنّا عثرنا في الفقه الرضوي كما في المستدرك (١) على النهي عن تغطية رأس المحرم ووجهه ، كما وجدنا فيه ما يدل على أنّ المحرم الميِّت أيضاً يغطى وجهه ورأسه وهذان كلامان متناقضان ، ولعلّه ممّا يدل على عدم استناد الكتاب إلى الرضا عليه‌السلام.

كما ورد عدم تغطية رأس المحرم ووجهه ، في دعائم الإسلام (٢) والجعفريات (٣).

إلاّ أن روايات دعائم الإسلام مراسيل ، وروايات الجعفريات قد ناقشنا في اعتبارها سابقاً ، والغرض أنّ الرواية لا تنحصر بما عن ابن عباس ومرسلة الصدوق إلاّ أنّها جميعاً من الضعاف ولا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء.

__________________

(١) المستدرك ٢ : ١٧٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣ ح ١. فقه الرضا : ١٨٥ ، ١٧٤.

(٢) لاحظ المستدرك ٢ : ١٧٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣ ح ٢.

(٣) المستدرك ٢ : ١٧٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣ ح ٣.

١٥٠

الخامس : خرقة أُخرى للفخذين تلف عليهما ، والأولى أن يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفاً ، وعرضها شبراً أو أزيد ، تشدّ من الحقوين ثمّ تلف على فخذيه لفاً شديداً على وجه لا يظهر منهما شي‌ء إلى الركبتين ، ثمّ يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن.

السادس : لفافة أُخرى فوق اللفافة الواجبة ، والأولى كونها برداً يمانياً ، بل يستحب لفافة ثالثة أيضاً خصوصاً في الامرأة.

السابع : أن يجعل شي‌ء من القطن أو نحوه بين رجليه بحيث يستر العورتين ويوضع عليه شي‌ء من الحنوط ، وإن خيف خروج شي‌ء من دبره يجعل فيه شي‌ء من القطن ، وكذا لو خيف خروج الدم من منخريه. وكذا بالنسبة إلى قبل الامرأة وكذا ما أشبه ذلك.

فصل

في بقيّة المستحبّات وهي أيضاً أُمور :

الأوّل : إجادة الكفن ، فانّ الأموات يتباهون يوم القيامة بأكفانهم ويحشرون بها ، وقد كفن موسى بن جعفر عليه‌السلام بكفن قيمته ألفا دينار ، وكان تمام القرآن مكتوباً عليه.

الثاني : أن يكون من القطن.

الثالث : أن يكون أبيض. بل يكره المصبوغ ما عدا الحبرة ففي بعض الأخبار : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفن في حبرة حمراء.

الرابع : أن يكون من خالص المال وطهوره لا من المشتبهات.

الخامس : أن يكون من الثوب الّذي أحرم فيه أو صلّى فيه.

١٥١

السادس : أن يلقى عليه شي‌ء من الكافور والذريرة وهي على ما قيل حب يشبه حبّ الحنطة له ريح طيب إذا دُقّ ، وتسمّى الآن قمحة ، ولعلّها كانت تسمّى بالذريرة سابقاً. ولا يبعد استحباب التبرّك بتربة قبر الحسين عليه‌السلام ومسحه بالضريح المقدس أو بضرائح سائر الأئمة عليهم‌السلام بعد غسله بماء الفرات أو بماء زمزم.

السابع : أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميِّت والأيسر منها على أيمنه.

الثامن : أن يخاط الكفن بخيوطه إذا احتاج إلى خياطة.

التاسع : أن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث وإن كان هو الغاسل له ، فيستحب أن يغسل يديه إلى المرفقين بل المنكبين ثلاث مرّات ، ويغسل رجليه إلى الركبتين. والأولى أن يغسل كلّما تنجس من بدنه وأن يغتسل غسل المس قبل التكفين.

العاشر : أن يكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب والمستحب حتّى العمامة اسمه واسم أبيه ، بأن يكتب : فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله وأنّ علياً والحسن والحسين وعلياً ومحمّداً وجعفراً وموسى وعليّاً ومحمّداً وعليّاً والحسن والحجّة القائم ( عجّل الله فرجه ) أولياء الله وأوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمتي وأنّ البعث والثواب والعقاب حق.

الحادي عشر : أن يكتب على كفنه تمام القرآن ودعاء جوشن الصغير والكبير ، ويستحب كتابة الأخير في جام بكافور أو مسك ثمّ غسله ورشه على الكفن ، فعن أبي عبد الله الحسين ( صلوات الله عليه ) : أوصاني أبي بحفظ هذا الدُّعاء وتعظيمه وأن أكتبه على كفنه وأن أُعلمه أهلي. ويستحب أيضاً أن يكتب عليه البيتان‌

١٥٢

اللّذان كتبهما أمير المؤمنين عليه‌السلام على كفن سلمان رحمه‌الله وهما :

وفدتُ على الكريم بغير زاد

من الحسنات والقلب السليم

وحمل الزاد أقبح كل شي‌ء

إذا كان الوفود على الكريم

ويناسب أيضاً كتابة السند المعروف المسمّى بسلسلة الذهب وهو : « حدّثنا محمّد بن موسى المتوكل ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم عن أبي يوسف بن عقيل عن إسحاق بن راهويه قال : لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه‌السلام نيشابور وأراد أن يرتحل إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدخل علينا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك وقد كان قعد في العمارية ، فأطلع رأسه فقال عليه‌السلام : سمعت أبي موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : سمعت أبي محمّد بن علي عليه‌السلام يقول : سمعت أبي علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : سمعت أبي الحسين بن علي عليه‌السلام يقول : سمعت أبي ( أمير المؤمنين ) علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت جبرائيل يقول : سمعت الله عزّ وجلّ يقول : لا إله إلاّ الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي » فلمّا مرّت الراحلة نادى « أمّا بشروطها وأنا من شروطها ». وإن كتب السند الآخر أيضاً فأحسن وهو : « حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا عبد الكريم بن محمّد الحسيني قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم الرازي ، قال : حدّثنا عبد الله بن يحيى الأهوازي قال : حدّثني أبو الحسن علي بن عمرو ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثني علي بن بلال عن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام عن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام عن محمّد بن علي عليه‌السلام عن علي بن الحسين عليه‌السلام عن الحسين بن علي عليه‌السلام عن علي بن أبي طالب ( عليه‌

١٥٣

السلام ) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرائيل عن ميكائيل عن إسرافيل عليهم‌السلام عن اللوح والقلم قال : يقول الله عزّ وجلّ : « ولاية علي ابن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من ناري » وإذا كتب على فصّ الخاتم العقيق الشهادتان وأسماء الأئمة عليهم‌السلام والإقرار بإمامتهم كان حسناً ، بل يحسن كتابة كل ما يرجى منه النفع من غير أن يقصد الورود. والأولى أن يكتب الأدعية المذكورة بتربة قبر الحسين عليه‌السلام أو يجعل في المداد شي‌ء منها أو بتربة سائر الأئمة ، ويجوز أن يكتب بالطين وبالماء بل بالإصبع من غير مداد.

الثاني عشر : أن يهيئ كفنه قبل موته ، وكذا السدر والكافور ففي الحديث « من هيأ كفنه لم يكتب من الغافلين ، وكلّما نظر إليه كتبت له حسنة ».

الثالث عشر : أن يجعل الميِّت حال التكفين مستقبل القبلة مثل حال الاحتضار أو بنحو حال الصلاة.

تتمة : إذا لم تكتب الأدعية المذكورة والقرآن على الكفن بل على وصلة اخرى وجعلت على صدره أو فوق رأسه للأمن من التلويث كان أحسن.

فصل

في مكروهات الكَفَن وهي أُمور :

أحدها : قطعه بالحديد.

الثاني : عمل الأكمام والزرور له إذا كان جديداً ولو كفن في قميصه الملبوس له حال حياته قطع أزراره ولا بأس بأكمامه.

الثالث : بلّ الخيوط الّتي يخاط بها بريقه.

١٥٤

الرابع : تبخيره بدخان الأشياء الطيبة الريح بل تطييبه ولو بغير البخور. نعم يستحب تطييبه بالكافور والذريرة كما مرّ.

الخامس : كونه أسود.

السادس : أن يكتب عليه بالسواد.

السابع : كونه من الكتان ولو ممزوجاً.

الثامن : كونه ممزوجاً بالإبريسم ، بل الأحوط تركه إلاّ أن يكون خليطه أكثر.

التاسع : المماكسة في شرائه.

العاشر : جعل عمامته بلا حنك.

الحادي عشر : كونه وسخاً غير نظيف.

الثاني عشر : كونه مخيطاً ، بل يستحب كون كل قطعة منه وصلة واحدة بلا خياطة على ما ذكره بعض العلماء ، ولا بأس به.

فصل

في الحنوط

وهو مسح الكافور على بدن الميِّت (١)

______________________________________________________

فصل في الحنوط‌

(١) الحنوط كالوقود والسحور بمعنى ما يحنّط به ، والتحنيط في اللّغة بمعنى استعمال ما يمنع عن الفساد ، كافوراً كان أم غيره (١) وأمّا بحسب الاصطلاح عند الفقهاء فهو استعمال الكافور وحسب ، وذلك لأنّ الروايات فسّرته بذلك.

والكلام في ذلك يقع في جهات :

الاولى : في وجوب التحنيط ، لا إشكال في كونه من الواجبات لدلالة الأخبار‌

__________________

(١) المنجد : ١٥٨ مادّة حَنَط.

١٥٥

يجب مسحه على المساجد السبعة وهي الجبهة واليدان والركبتان وإبهاما الرجلين ويستحب إضافة طرف الأنف إليها أيضاً ، بل هو الأحوط.

______________________________________________________

المعتبرة عليه (١) نعم ، نسب التوقف في وجوبه إلى الأردبيلي قدس‌سره (٢) ولم نلاحظ كلامه ، وإلى المراسم (٣).

إلاّ أنّ النسبة إلى المراسم في غير محلها ، لأنّه ذكر أوّلاً واجبات التجهيز ثمّ تعرض لأقسام الميِّت من الصغير والكبير وغيرهما ، ثمّ تعرض للمستحبّات وذكر في جملتها استحباب التحنيط بثلاثة عشر درهماً من الكافور ، فتوهّم منه أنّ التحنيط مستحب عنده.

مع أن كلامه لا يدل إلاّ على استحباب التحنيط بذاك المقدار من الكافور ، ولا دلالة فيه على استحباب أصل التحنيط. وكيف كان فلا إشكال في وجوبه.

والأخبار الآمرة به ليست قاصرة الدلالة على وجوبه ولا قاصرة السند.

نعم ، قد يتوهّم أن اختلافها في بيان مواضع التحنيط حيث ورد في بعضها : أن مواضعه هي مواضع السجود ، وفي آخر : أنّها جميع مسامعه ، وفي ثالث : جميع مفاصله ، وفي رابع : غير ذلك من المواضع دليل على الاستحباب.

ويردّه : أنّ الاختلاف في مواضع التحنيط إنّما يدل على الاستحباب فيما اختصّ به كل واحد من الأخبار ، وأمّا بالإضافة إلى المقدار المشترك بين جميع هذه الأخبار فليس فيها اختلاف بوجه ، ولا موجب لحملها على الاستحباب فيه وهو المساجد فالزائد عليها محمول على الاستحباب.

ويدلّنا على وجوبه في المساجد موثقة عبد الرّحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحنوط للميت؟ فقال : اجعله في مساجده » (٤). وبها‌

__________________

(١) يأتي ذكر مصادرها في خلال المسألة.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٩٣.

(٣) المراسم : ٤٧.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٦ / أبواب التكفين ب ١٦ ح ١.

١٥٦

والأحوط أن يكون المسح باليد بل بالراحة.

______________________________________________________

نحمل الزائد على المساجد على الاستحباب.

الجهة الثانية : في تفسير المساجد ، المراد بها هو المواضع السبعة من الجبهة والركبتين والكفين وإصبعي الرجلين ، فلو قلنا بوجوب الإرغام في الصلاة فهو واجب مستقل آخر لا يدخل في مواضع السجود.

نعم ، ورد في رواية الفقه الرضوي (١) والدعائم الأمر بجعل الكافور على أنف الميِّت (٢).

إلاّ أنّهما ممّا لا يمكن الاستدلال بهما ، لإرسال الثانية وعدم ثبوت كون الأُولى رواية فضلاً عن اعتبارها.

ثمّ إنّا لو اعتمدنا عليهما وقلنا بأنّ الأنف من المساجد فظاهرهما أنّه كغيره من مواضع السجود ممّا يجعل الكافور على ظاهره ، لكن عن المحقق الهمداني قدس‌سره أنّه يجعل الكافور في داخل الأنف (٣) وهو ممّا لا وجه له.

الجهة الثالثة : في أنّ الواجب هو وضع الكافور على تلكم المواضع أو أنّه يمسح به تلكم المواضع أو كلاهما معاً؟ الصحيح هو وجوبهما ، لاشتمال بعض الأخبار على جعل الكافور (٤) وبعضها على المسح (٥) فاذا قيدنا الوضع بالمسح والمسح بالوضع أنتج وجوب كلا الأمرين في التحنيط.

وأمّا بقاء أثر الكافور في تلكم المواضع فلعله ممّا لا يحتاج إلى دليل ، وذلك لأنّه‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) راجع المستدرك ٢ : ٢٢٠ / أبواب الكفن ب ١٣ ح ٢.

(٣) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٩٥ السطر ٦.

(٤) كموثقة عمّار وصحيحة حمران وموثقة سماعة وغيرها المرويّة في الوسائل ٣ : ٣٣ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤ ، ٥ وب ١٥ ح ٢.

(٥) كصحيحة الحلبي وصحيحة زرارة المرويتين في الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ١ وص ٣٧ / ب ١٦ ح ٦.

١٥٧

لازم جعل الكافور المسحوق كما في بعض الأخبار (١) عليها ، إذ أنّه ليس كجعل شي‌ء جامد على الموضع لئلاّ يبقى منه أثر على المحل بعد رفعه ، ولا يختلف هذا باختلاف المواضع.

نعم ، ورد في رواية يونس الأمر بجعل الكافور على جبهة الميِّت والأمر بمسحه على مفاصله (٢) ، وربّما توهّم من ذلك أنّ الجعل واجب في الجبهة والمسح واجب في غيرها ، إلاّ أنّ الرواية ذكرت بعد ذلك عطفاً على المسح بالكافور : « وفي رأسه وفي عنقه ومنكبيه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله ... » وكأنّه تفسير لما ذكره أوّلاً من الأمر بالمسح بالكافور على جميع مفاصله. وهذا ظاهر في أنّ الألفاظ ليست من الإمام عليه‌السلام وإنّما هي من الراوي ذكرها تفسيراً للحكم الّذي سمعه من الإمام عليه‌السلام ومن هنا نرى أنّ الرواية لا تخلو عن اضطراب في ألفاظها ، فمرّة تعدّى المسح فيها بـ « على » وأُخرى بـ « في » ووقع التكرار فيها ، إلى غير ذلك ممّا يبعد كون الألفاظ من الإمام عليه‌السلام.

والّذي يدلّنا على ذلك : أنّ الرواية مروية عنهم عليهم‌السلام لا عن إمام معيّن قال في الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجاله عن يونس عنهم عليهم‌السلام قال : ... (٣) إذ لو كان المراد هو الأئمة عليهم‌السلام للزم أن يقول : قالوا فقوله : قال ظاهر في أنّ القائل هو يونس يروي الحكم الّذي سمعه عنهم ومن ثمة قد تعدى المسح فيها مرّة بعلى وأُخرى بفي. إذن لا يمكن الاستدلال بتلك الألفاظ ولا بدّ من الرجوع إلى بقيّة الأخبار ، وقد عرفت دلالتها على وجوب كلا الأمرين من الوضع والمسح من غير فرق بين موضع وموضع.

الجهة الرابعة : في الماسح ، احتاط الماتن أوّلاً بأن يكون المسح باليد ، ثمّ ترقي وقال بل بالراحة ، وما صنعه أوّلاً فهو في مورده ، لأنّ المسح في اللّغة إذا استعمل‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

(٢) نفس المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢ / ٣.

١٥٨

بالباء كما إذا قيل : مسح به فيراد منه المسح باليد ، فإذا قيل : مسح رأسه بالدهن فمعناه أنّه مسح رأسه الدهن بيده ، فاليد مأخوذة في مفهوم المسح عند تعديته بالباء.

نعم ، إذا استعمل المسح من دون تعديته بشي‌ء فهو بمعنى الإزالة ، فإذا قيل : مسح الكتابة والخط ، فمعناه أنّه أزاله ، فهذا الاحتياط في مورده.

وأمّا ما صنعه ثانياً ، بأن يكون المسح بباطن اليد وبالراحة فهو أيضاً لا بأس به لكنّه ليس في مرتبة الاحتياط الأوّل ، لأن كون المسح بمعنى المسح بباطن اليد وبالراحة لم يذكره إلاّ بعضهم كما في أقرب الموارد (١) على أنّ المسح باليد لا يراد منه عادة سوى المسح بباطن اليد لا بظاهرها.

الكلام في مستحبّات الحنوط

الأُمور الّتي يدعي استحبابها في الحنوط إمّا أن يدل على استحبابها دليل معتبر فلا إشكال في استحبابها حينئذ ، كما في استحباب التحنيط للمفاصل لوروده في جملة من الروايات المعتبرة (٢).

وإمّا أن يدل على استحبابها رواية ضعيفة فالقول باستحبابها حينئذ يتوقف على القول بالتسامح في أدلّة السنن وتمامية أخبار من بلغ ، إلاّ أن ذلك إنّما هو فيما إذا لم تكن الرواية معارضة ، ومع التعارض فلا يمكن ثبوت الاستحباب بتلكم الروايات ، لأنّها لو دلّت فإنّما تدل على استحباب ما بلغ فيه الثواب ، وأمّا ما بلغ فيه الثواب وعدمه فهو غير مشمول لها بوجه ، وهذا كما في بصره ومسامعه ومنخريه حيث نهي عنه في معتبرة يونس (٣) وغيرها ، كما أمر به في معتبرة زرارة (٤) وعبد الله بن سنان (٥) وموثقة عمّار (٦).

__________________

(١) أقرب الموارد ٢ : ١٢٠٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ١ ، ٣٧ / ب ١٦ ح ٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٧ / أبواب التكفين ب ١٦ ح ٦.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٧ / أبواب التكفين ب ١٦ ح ٣.

(٦) الوسائل ٣ : ٣٣ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

١٥٩

ولا يبعد استحباب (١) مسح إبطيه (٢) ولبته (٣) ومغابنه (٤)

______________________________________________________

(١) إن أراد بذلك الاستحباب في مجموع ما ذكره فهو كما ذكره. وأمّا إن أراد الاستحباب في كل واحد واحد منها فالتعبير بـ « لا يبعد » في غير محلِّه ، لأنّ الاستحباب في المفاصل ثابت جزماً ولا معنى لنفي البعد عنه.

(٢) لأنّهما المقدار المتيقن من المغابن الواردة في مرسلة (١) يونس (٢) على ما في التهذيب (٣) حيث ورد فيها « وامسح بالكافور على جميع مغابنه » لأنّ المراد بالمغابن إمّا جميع المواضع الوسخة أو خصوص الإبطين.

(٣) وهي موضع القلادة ، ويدلُّ على ذلك ما ورد في استحباب جعل الحنوط في الصدر فان موضع القلادة من الصدر كما في حسنة الحلبي (٤) وورد ذلك أيضاً في رواية الكاهلي وحسين بن المختار (٥).

(٤) الظاهر أنّه اعتمد في ذلك على تفسير المغابن بالمواضع الوسخة ، وهو الصحيح إذ لو كان المراد منها خصوص الإبطين لقال : واجعله في مغبنيه ، فانّ المغابن جمع مغبن وليس في الميِّت إلاّ إبطان ومغبنان لا مغابن ، وعليه فتشمل المغابن لباطن الإبطين ومنتهى الفخذين ، بل وباطن القدمين وغيرها من المواضع الّتي تجتمع الأوساخ فيها.

استدراك

ذكرنا أنّ المستند في الحكم باستحباب التحنيط في الإبطين والمغابن هو ما رواه‌

__________________

(١) التعبير بالمرسلة غير صحيح ، فإنّها معتبرة على رأي سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) كما يعبّر بذلك في نفس المسألة.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٢ / أبواب التكفين ب ١٤ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٧ / أبواب التكفين ب ١٦ ح ٥.

١٦٠