موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ويدفعهما : أنّ الاولى لم يثبت كونها رواية أصلاً ، والثانية مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها.

وخامساً : يستدل عليه بجملة من الروايات الناهية عن التكفين بكسوة الكعبة وثوبها ولا وجه له سوى كونها من الحرير.

منها : رواية مروان بن عبد الملك قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة فقضى ببعض ( ببعضه ) حاجته وبقي بعضه في يده هل يصلح بيعه؟ قال : يبيع ما أراد ويهب ما لم يرده ويستنفع به ويطلب بركته ، قلت : أيكفن به الميِّت؟ قال : لا » (١).

ومنها : رواية حسين بن عمارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل اشترى من كسوة البيت شيئاً هل يكفن به الميِّت قال : لا » (٢).

ومنها : رواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل اشترى من كسوة البيت شيئاً هل يكفن فيه الميِّت؟ قال : لا » (٣).

ويردّه : أنّ هذه الأخبار ضعيفة السند بأجمعها ، أمّا الرواية الاولى فلأنها مرسلة وفي سندها مروان بن عبد الملك وهو مهمل.

وأمّا الثانية : فلوجود أبي مالك الجهني والحسين بن عمارة في سندها وهما غير موثقين.

وأمّا الثالثة : فلوجود عبد الملك بن عتبة الهاشمي حيث لم يثبت توثيقه ويعبّر عنه باللهبي نسبة إلى أبي لهب.

هذا كلّه بالإضافة إلى أنّه لم يثبت أنّ كسوة الكعبة حرير دائماً ، والظاهر أنّ النهي عن جعلها كفناً من أجل احترامها ، لأنّه معرض التنجس بما يخرج من الميِّت وهو ينافي الاحترام.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٤ / أبواب التكفين ب ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٤ / أبواب التكفين ب ٢٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٤ / أبواب التكفين ب ٢٢ ح ٣.

١٠١

وسادساً : يستدل عليه بما رواه الحسن بن راشد وهو العمدة ، قال : « سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب ( القصب ) اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس » (١) حيث دلّت على عدم جواز جعل الكفن من الحرير المحض أو الممزوج منه ومن غيره إذا كان القز أكثر.

وقد يناقش في الاستدلال بها من جهتين :

إحداهما : أنّ مدلولها عدم جواز التكفين بالممزوج من الحرير وغيره حتّى إذا كانا متساويين ، وهذا ممّا لم يلتزم به الأصحاب ، بل عن بعضهم أنّه لم يعثر على قائل بعدم جواز التكفين به أصلاً ، فالرواية قد أعرض عنها الأصحاب وبذلك تسقط عن الاعتبار.

ويمكن الجواب عنها بأنّهم (٢) أفتوا بعدم جواز التكفين بالممزوج من الحرير وغيره إذا كانا متساويين ، إلاّ أن فتاواهم في عدم جواز التكفين بالحرير مطلقة فتشمل ما إذا كان الحرير مساوياً لغيره ، فلم يعلم أنّ الرواية معرض عنها ، ولأجل إطلاق كلماتهم احتاط الماتن قدس‌سره لزومياً في المسألة السادسة في عدم جواز التكفين بالحرير الممزوج إذا كان مساوياً ، فالإعراض غير ثابت.

على أنّه لا يضر الرواية عدم إفتائهم على طبقها ولا يسقطها ذلك عن الاعتبار ، بل لا بدّ من الالتزام بمضمونها وليكن هذا من مختصّات الكفن.

وثانيتهما : أنّ الحسن بن راشد مردد بين الثقة والضعيف ولم يظهر أنّه من هو.

ويدفعه : أنّ الظاهر بحسب القرائن أنّه حسن بن راشد الثقة وهو البغدادي مولى آل المهلب الّذي وثقه الشيخ وعدّه من رجال الجواد والهادي عليهما‌السلام (٣) وله‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥ / أبواب التكفين ب ٢٣ ح ١.

(٢) لعلّ المناسب : بأنّهم وإن لم يفتوا ....

(٣) رجال الطوسي : ٣٧٥ / ٥٥٤٥ ، ٣٨٥ / ٥٦٧٣.

١٠٢

روايات عديدة عن العسكري عليه‌السلام ويروي عنه محمّد بن عيسى ، منها : ما رواه في الوصية في سبيل الله حيث روى في الكافي والتهذيب والفقيه عنه عن العسكري أنّه يصرف في الشيعة أو الحج. ومنها : روايته عنه في الإرث للأرحام. وحيث إنّ الراوي عنه في المقام هو محمّد بن عيسى فلا نحتمل أن يكون الحسن الضعيف الّذي هو مولى بني العباس المعبّر عنه بمولى المنصور الّذي كان وزيراً لهارون من الشيعة ، وذلك لأنّه من أصحاب الصادق عليه‌السلام وقد أدرك الكاظم عليه‌السلام على ما هو منقول في ترجمته (١) والراوي عنه حفيده القاسم بن يحيى.

وعليه لا يتردد الحسن في هذه الرواية بين البغدادي وبين مولى المنصور (٢) وإنّما هو مردّد بين البغدادي الثقة وبين الثالث الّذي عبّر عنه النجاشي بالطفاويّ وضعّفه (٣) وفي رجال المامقاني الطغاوي (٤) وفي قاموس الرجال (٥) أنّ الصحيح هو الطفاويّ ، ويروي عنه علي بن إسماعيل السندي الّذي هو من أصحاب الرضا عليه‌السلام.

ولكن الظاهر أنّ الرجل هو الثقة ، لما أشرنا إليه من روايته متكرراً عن العسكري عليه‌السلام يرويها عنه محمّد بن عيسى ، وبهذه القرينة ينصرف حسن بن راشد إلى الثقة حيث يرويها عنه محمّد بن عيسى ، وبذلك تتصف الرواية بالوثاقة لا محالة.

نعم ، يبقى هنا شي‌ء ، وهو أنّ الرجاليين لم يعدّوا الرجل من أصحاب العسكري عليه‌السلام ومعه كيف يمكننا قبول روايته عنه.

والجواب عن ذلك : أنّه يحتمل أن يكون ذلك غفلة من أهل الرجال ، كما يحتمل أن يراد بالعسكري هو الهادي عليه‌السلام لأنّه كثيراً يطلق العسكري على الحسن العسكري عليه‌السلام لكن قد يطلق على الهادي عليه‌السلام أيضاً.

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٨١ / ٢١٧٢ ، ٣٣٤ / ٤٩٧٣ ، تنقيح المقال ١ : ٢٧٦ / ٢٥٣٥.

(٢) مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ الحسن بن راشد مولى منصور موجود في أسناد كامل الزيارات.

(٣) رجال النجاشي ١ : ٣٨ / ٧٦.

(٤) تنقيح المقال ١ : ٢٧٧ / ٢٥٣٦.

(٥) قاموس الرجال ٣ : ٢٣٣ / ١٨٨٨.

١٠٣

وإن كان الميِّت طفلاً أو امرأة (١) ولا بالمذهّب ولا بما لا يؤكل لحمه (*) جلداً كان أو شعراً أو وبراً (٢).

______________________________________________________

ويدلُّ عليه أنّ الرواية المتقدمة عن الرجل الّتي قلنا إنّها مروية في الكافي والتهذيب والفقيه عنه عن العسكري (٢) رواها الصدوق عنه عن أبي الحسن العسكري على ما في الوافي (٣) ـ ، ومن الظاهر أنّه الهادي عليه‌السلام. وقد تقدم أنّ الرجل عدّوه من أصحاب الهادي عليه‌السلام فلا إشكال في سند الرواية وبها نحكم بعدم جواز التكفين بالحرير الممزوج إذا كان مساوياً مع الخليط ، فضلاً عن الحرير الخالص فلا يجوز التكفين به بطريق أولى.

وأمّا الإضمار فلا يضر بصحّة الرواية بعد وثاقة حسن بن راشد ، لعلو مقامه وجلالته المقتضي لعدم نقله إلاّ عن الإمام عليه‌السلام.

التسوية بين أقسام الموتى‌

(١) أي وإن لم يكن الميِّت ممّن يحرم عليه لبس الحرير في حياته ، وذلك لإطلاق رواية الحسن بن راشد المتقدمة ، لأنّ الموضوع فيها هو الموتى وهو صادق على الصغير والكبير والرّجال والنِّساء.

التكفين بالمذهّب أو ما لا يؤكل لحمه‌

(٢) لا دليل على عدم جواز التكفين بالمذهّب ولا بما لا يؤكل لحمه سوى دعوى أنّ الكفن يعتبر فيه كونه ممّا تجوز الصلاة فيه ، والمذهّب وما لا يؤكل لحمه لا تجوز فيهما الصلاة ، للإجماع ولرواية محمّد ابن مسلم المتقدِّمة (٤). بضميمة أن ثوبي الإحرام‌

__________________

(*) على الأحوط فيه وفي المذهّب.

(١) الكافي ٣ : ١٤٩ / ١٢ ، التهذيب ١ : ٤٣٥ / ١٣٩٦ ، الفقيه ١ : ٩٠ / ٤١٥.

(٢) الوافي ٢٤ : ٣٧٨.

(٣) في ص ١٠٠.

١٠٤

والأحوط أن لا يكون من جلد المأكول (١) ،

______________________________________________________

يعتبر فيهما أن يكونا ممّا يجوز فيه الصلاة.

والإجماع المستدل به هو إجماع منقول لا يمكن الاعتماد عليه مع الاطمئنان ولا أقل من الظن بعدم تحقق إجماع في المسألة.

والرواية تقدم ضعفها وأنّها معارضة بما دلّ على أنّ المحرم إذا مات فهو كالمحل (١).

على أن كون ثوبي الإحرام ممّا يجوز فيه الصلاة مبني على الاحتياط ولم يقم دليل قطعي على اعتباره.

إذن فالحكم في المسألة يبتني على الاحتياط ولو لأجل الخروج عن مخالفة الإجماع المدّعى.

وممّا ذكرناه في المذهّب وغير مأكول اللّحم يظهر الحال في التكفين بأجزاء الميتة الطاهرة كجلد السمك الكبير فإنّه لا دليل على عدم جوازه ، إذ لم يثبت اعتبار أن يكون الكفن ممّا يجوز فيه الصلاة حتّى يمنع عن جلد الميتة الطاهرة لعدم جواز

الصلاة فيها.

فالحكم فيها كالمذهّب وأجزاء ما لا يؤكل لحمه مبني على الاحتياط.

الأحوط في كلام الماتن ( قدس‌سره )

(١) لما عن بعضهم من أنّ الجلد لا يصدق عليه الثوب ، ويعتبر في الكفن أن يصدق عليه كونه ثوباً.

وفيه : أنّ الجلد من الملبوسات في البلاد العربية ونحوها ومن جملة مصادقيها الفرو.

نعم ، لبس الجلد بمعنى الستر به لا بمعنى جعله ثوباً ، لما قدّمنا من أنّ اللّبس أعم من الثوب ، إذ يصدق أن زيداً لبس الخاتم مع أنّ الخاتم ليس بثوب.

والّذي يدلّنا على ذلك : أن أحداً لم يستشكل في جعل الجلد ساتراً في الصلاة ، مع‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٣.

١٠٥

وأمّا من وبره وشعره فلا بأس وإن كان الأحوط فيهما أيضاً المنع (١)

______________________________________________________

أنّ الساتر الصلاتي يعتبر فيه كونه ثوباً كما دلّت عليه الرواية الواردة في سفينة غرقت حيث ورد فيها إنّ المكلّف إن وجد ثوباً يصلّي فيه وإلاّ فيتستر في الصلاة بالحشيش ونحوه (١).

وكذا لم يستشكلوا في شمول الثوب للجلد في الحبوة الّتي تشمل أثواب الميِّت ويدخل الفرو فيها من غير شبهة.

فهذا الحكم مبني على الاحتياط ولو للخروج عن مخالفة من ذهب إلى أنّ الجلد ليس بثوب.

احتياط الماتن قدس‌سره بالمنع‌

(١) احتاط قدس‌سره في جعل الكفن من وبر المأكول وشعره ، والاحتياط فيه استحباباً لا بأس به ، لما ورد في موثقة عمار : « الكفن يكون برداً فان لم يكن برداً فاجعله كلّه قطناً » (٢) فدلّت على عدم جعل الكفن صوفاً أو شعراً ، وأمّا وجوباً فلا ، وذلك لما ورد من أفضلية التكفين بثوب الميِّت أو ردائه الّذي كان يصلّي فيه ، فانّ الثوب والرداء إلى قريب عصرنا كان ينسج من الصوف ، ومعه تحمل الرواية على الاستحباب.

بل في نفس الرواية ما يدل على عدم وجوب جعل الكفن قطناً ، لأنّها دلّت على أنّ الكفن يكون برداً وإذا لم يكن فالقطن ، لا أنّ القطن واجب من الابتداء.

والبرد على ما في بعض كتب اللّغة كالمنجد : ثوب يتّخذ من الصوف (٣) إذن فتدلّ‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٤٨ / أبواب لباس المصلّي ب ٥٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٠ / أبواب التكفين ب ١٣ ح ١.

(٣) المنجد : ٣٣.

١٠٦

الرواية على أنّه إذا لم يكن برد كما في الوافي (١) ، أو برداً كما في غيره : أي لم يكن الكفن برداً وهو الثوب الشامل من الصوف يجعل الكفن كلّه قطناً حتّى الثوب الشامل والعمامة وغيرهما.

استدراك

حاصل ما ذكرناه في الجواب عن هذه الرواية أنّ الأمر بجعل الكفن كلّه قطناً محمول على الاستحباب ، وذلك لجريان السيرة على التكفين بغيره ، فلو كان التكفين بالقطن واجباً لبان واشتهر.

على أنّه ورد في بعض الروايات استحباب تكفين الميِّت بثوبه أو ردائه اللّذين كان يصلِّي فيهما (٢) ، والرداء والثوب إلى قريب عصرنا كانا ينسجان من الصوف.

على أن أهل البوادي لا يوجد عندهم القطن إلاّ قليلاً. وفي بعض الأخبار أنّه عليه‌السلام أوصى أن يدفن في الثوبين الشطويين له (٣). والثوب المعد للشتاء يتّخذ من الصوف.

على أنّ الرواية لعلّها على خلاف المطلوب أدل حيث لم توجب التكفين بالقطن من الابتداء بل علّقت جعله من القطن على فقدان البرد ، فيعلم منه أن جعل الكفن من القطن ليس بواجب أوّلاً.

وقد فسّر صاحب المنجد البرد بما يتّخذ من الصوف ، فتكون الرواية صريحة فيما ادّعيناه من عدم وجوب التكفين بالقطن ، إلاّ أنّا راجعنا قواميس اللّغة الوسيعة مثل لسان العرب وتاج العروس ولم نعثر على هذا التفسير ، ولا ندري من أين جاء صاحب المنجد بهذا التفسير للبرد ، نعم في اللسان فسّر البردة بما يتّخذ من الصوف (٤) وهي غير البرد ، والظاهر اشتباه الأمر على صاحب المنجد.

__________________

(١) الوافي ٢٤ : ٣٧٦.

(٢) الوسائل ٣ : ١٥ / أبواب التكفين ب ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ١٠ / أبواب التكفين ب ٢ ح ١٥ وليس فيه : « أوصى » بل فيه : « إنِّي كفّنت أبي في ثوبين شطويين ».

(٤) لسان العرب ٣ : ٨٧.

١٠٧

تتمّة الكلام : وقد ورد في رواية يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام أنّه قال : « كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه وفي عمامة كان لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام وفي برد اشتريته بأربعين ديناراً لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار » (١).

وقال الشيخ في الاستبصار بعد إيراد الرواية ما ملخّصه : أنّ الرواية تدل على جواز التكفين بغير القطن ، ومن ثمة تحمل على ما إذا لم يوجد هناك قطن أو على أنّه حكاية فعل من الإمام ، ويجوز أن يكون ذلك مختصّاً بهم عليهم‌السلام فلا يعمل بمضمون الرواية في غيرهم (٢).

وقال في الوافي إيراداً على الشيخ : وليت شعري ما في هذا الخبر يدل على تقديم غير القطن ، فان كان البرد غير قطن فالأخبار مملوءة بذكر البرد في جملة الكفن وتقديمه على غيره فينبغي حمل أفضلية القطن بغير الفوقاني ، وإن كان الشطوي يكون من غير القطن البتة ، فنحن لا نعلم ذلك وهو أعلم بذلك (٣).

وقد فسر « شطا » في الوافي بأنّه قرية بمصر تنسب إليها الثِّياب الشطوية.

وقال في أقرب الموارد في مادّة شطو شطاة : بلدة تنسج فيه ثياب الكتان (٤).

والصحيح أن ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية على جواز جعل الكفن من غير القطن هو الصحيح ، لما عرفت من أنّ الثوب الشطوي هو الّذي ينسج في شطاة من الكتان وهو غير القطن ، والّذي يسهل الخطب أنّ الرواية في سندها سهل بن زياد وقد ناقشنا فيه مراراً (٥) ، هذا.

ثمّ لو شككنا في ذلك واحتملنا أن يكون التكفين بالقطن متعيّناً فنرجع إلى البراءة‌

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) الاستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٢.

(٣) الوافي ٢٤ : ٣٧٥.

(٤) أقرب الموارد ١ : ٥٩٢.

(٥) راجع المصدر المتقدّم فإن للكليني قدس‌سره طريقين أحدهما فيه سهل دون الثاني وهو معتبر.

١٠٨

وأمّا في حال الاضطرار فيجوز بالجميع (١)

______________________________________________________

وذلك لدوران الأمر بين التعيين والتخيير حينئذ ، إذ نحتمل أن يكون الواجب هو التكفين بالأعم من القطن وغيره كما نحتمل أن يكون الواجب خصوص التكفين بالقطن ، وقد بيّنا في محلِّه (١) أن مقتضى البراءة عدم تعين ما يحتمل تعينه.

الوظيفة عند الاضطرار‌

(١) سوى المغصوب كما تقدّم (٢) ، لأنّ التصرّف في مال الغير محرم مطلقاً والاضطرار وانحصار الكفن في المغصوب لا يسوّغ التصرف في مال الغير ، وكذلك الميتة إن قلنا بعدم جواز الانتفاعات غير المتوقفة على الطهارة منها.

ثمّ إنّ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

أحدهما : في أنّ الكفن إذا كان منحصراً بالنجس فقط أو بالحرير فقط أو بغيرهما من المذكورات المتقدمة فهل يجوز التكفين به أو لا يجوز؟

ثانيهما : أنّه بعد البناء على الجواز في المقام الأوّل إذا دار الأمر بين التكفين بالنجس أو بالحرير أو بينه وبين غيره من الأُمور المتقدمة فهل يتقدم بعضها على بعض أو يتخيّر المكلّف ، أو أن له حكماً آخر؟ وهذه صورة التزاحم وهي تأتي في مسألة مستقلّة بعد ذلك (٣) إن شاء الله.

المقام الأوّل : وفيه صور عديدة

الصورة الأُولى : إذا كان الكفن منحصراً بالنجس فهل يجب التكفين به؟ ذهب الماتن إلى الجواز وهو الصحيح.

وقد يقال بعدم الجواز ، وذلك لأنّ الدليل الدال على اعتبار الطهارة في الكفن‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٥٠.

(٢) في ص ٩٥.

(٣) في ص ١١٣ المسألة [٩٠٤].

١٠٩

مطلق ، فإذا انضمّ إلى المطلقات الدالّة على أنّ الكفن أثواب ثلاثة (١) فينتج اعتبار الطهارة فيها مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين صورتي الاضطرار وغيرها ، ومعه إذا لم يتمكّن المكلّف من الكفن الطاهر سقط الأمر بالتكفين من الابتداء ، لأنّه مقتضى إطلاق الدليل المقيّد.

وكذلك الحال فيما إذا انحصر الكفن بالحرير ، لأن رواية الحسن بن راشد (٢) الّتي دلّت على اعتبار عدم كون الكفن حريراً محضاً ، أو عدم كون أكثره قزاً ، أو كون القز مساوياً مع القطن ، مطلقة تشمل حالة الاضطرار وغيره ، ومقتضاها سقوط الأمر بالتكفين عند الاضطرار لتعذّر المقيّد بتعذّر قيده ، فلا يجوز التكفين بالنجس أو الحرير عند انحصار الكفن بهما.

وأمّا ما ورد من أنّ التكفين لأجل ستر عورة الميِّت (٣) أو أنّه لأجل احترام الميِّت ، لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً (٤) فيستفاد منهما أن ستر بدن الميِّت مطلوب بنحو الإطلاق ، فيندفع بأن شيئاً من ذلك لا يقتضي الجعل والتشريع ولا يدل على أنّ التكفين غير المشروع احترام للمؤمن أو أنّه مطلوب للشارع ، لما عرفت من إطلاق دليل المقيّد.

وحيث إن قاعدة الميسور لا تجري في المقام ، لأنّ العمل بها على مسلكهم يتوقف على أن تكون مجبورة بالعمل على طبقها ولم يعمل بها في المقام ، فلا مناص من الحكم بسقوط الأمر بالتكفين في تلك المقامات.

ويرد عليه : أن ما دلّ على اعتبار الطهارة في الكفن منحصر بالروايتين الآمرتين بقرض الكفن إذا تنجّس بما يخرج من الميِّت (٥) وهما غير ظاهرتين في الشرطية بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦ / أبواب التكفين ب ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥ / أبواب التكفين ب ٢٣ ح ١. ثمّ إنّ الموجود في عدّة من الكتب هو الحسن وفي الوسائل ( حسين بن راشد ).

(٣) الوسائل ٣ : ٥ / أبواب التكفين ب ١.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٥ / أبواب التكفين ب ٣٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٥٤٢ ، ٥٤٣ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ٣ ، ٤.

١١٠

بل نحتمل أن يكون تطهير الكفن واجباً نفسياً على حدة بأن يكون من قبيل الواجب في الواجب فيجب عند التمكّن منها ويسقط عند الاضطرار وعدم التمكّن لا أنّه شرط للكفن بحيث لو تعذّر سقط الأمر بالتكفين رأساً ولم يكن التكفين مأموراً به حينئذ.

ومع ظهور الرواية في ذلك أو احتماله لا يمكن الحكم بإطلاق دليل التقييد ، إذ لم يثبت التقييد حتّى يتمسّك بإطلاقه ، ومع عدم ثبوت التقييد على وجه الإطلاق تبقى المطلقات الآمرة بتكفين الميِّت بالأثواب الثلاثة بحالها ، ومقتضاها وجوب التكفين بالنجس كغيره.

الصورة الثانية : إذا انحصر الكفن بالحرير فالأمر كما ذكرناه في النجس ، والوجه فيه : أنّ الوارد في رواية حسن بن راشد الدالّة على اعتبار عدم التكفين بالحرير هو نفي البأس عن التكفين بما يكون القطن فيه أكثر من قزه ، ومفهومها ثبوت البأس فيما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان حريراً خالصاً أو كان حريراً مساوياً لقطنه ، والبأس حينئذ يحتمل أمرين في نفسه :

أحدهما : أن يكون البأس بمعنى الحرمة التكليفية وأنّ التكفين بالحرير الخالص أو ما يكون حريره مساوياً لقطنه ، محرم شرعي كبقية المحرمات الثابتة في الشرع.

وثانيهما : أن يراد من البأس الحرمة الوضعية بمعنى أنّ التكفين بالحرير ليس مصداقاً للامتثال ولا ينطبق عليه الكفن المأمور به.

والأوّل لا يمكن الالتزام به ، إذ لم يذهب أحد إلى حرمة تلبيس الحرير على الميِّت فإن غاية ما هناك أن لا يكون ذلك مجزئاً عن المأمور به أمّا أنّه من أحد المحرمات فلا.

إذن لا بدّ من حمل البأس على البأس الوضعي ، وأنّ التكفين بالحرير ليس بمصداق للمأمور به ولا يكون امتثالاً للأمر بالكفن ، وهذا كما ترى إنّما يتصوّر فيما إذا كان هناك أمر بالكفن إذ يصح حينئذ أن يقال : إنّ التكفين بالحرير ليس بمصداق وامتثال لذاك‌

١١١

الأمر ، وهذا منحصر بما إذا كان المكلّف متمكّناً من التكفين بغير الحرير ولم يكن الكفن منحصراً بالحرير ، وأمّا إذا انحصر الكفن بالحرير فلا معنى لهذا الكلام ولا يصح القول بأنّ التكفين بالحرير ليس مصداقاً للامتثال والمأمور به ، لأنّ الأمر لا يخلو حينئذ من أحد أمرين : إمّا أن يسقط الأمر بالتكفين عند ما ينحصر الكفن بالحرير كما لو كان الكفن مشروطاً بغير الحرير على الإطلاق. وإمّا أن يكون التكفين بالحرير مأموراً به بنفسه كما إذا لم يكن الكفن مشروطاً بغيره ، وعلى كلا التقديرين لا مجال للقول بأنّ التكفين بالحرير ليس بمصداقٍ للأمر والامتثال ، لأنّه على الأوّل لا أمر أصلاً حتّى يكون ذلك مصداقاً له ، وعلى الثاني مأمور به بنفسه كما عرفت.

ومن هذا يظهر أن رواية حسن بن راشد (١) وهي الّتي دلّت على اشتراط كون الكفن من غير الحرير ليست ناظرة إلى صورة الاضطرار وإنّما هي مختصّة بصورة التمكّن من التكفين بغير الحرير.

ومعه لا محذور من التمسّك بالمطلقات الدالّة على أنّ الكفن أثواب ثلاثة وهي شاملة للحرير عند الاضطرار.

ولعلّه إلى ذلك نظر شيخنا الأنصاري قدس‌سره فيما ذكره من أن أدلّة اشتراط كون الكفن من غير الحرير منصرفة إلى صورة التمكّن من غير الحرير (٢).

الصورة الثالثة : إذا انحصر الكفن بجلد غير مأكول اللحم أو بالمذهّب أو بجلد ما يؤكل لحمه أو وبره أو شعره ، فلا ينبغي الشبهة في جواز التكفين بها عند الاضطرار لأنّ المنع عن التكفين بها مستند إلى الاحتياط ، والاحتياط إنّما هو عند التمكّن من التكفين بغيرها.

وأمّا عند الانحصار بها فلا معنى للاحتياط بالدفن عارياً ، بل الاحتياط يقتضي التكفين بتلك الأُمور عند الاضطرار إليها وعدم التمكّن من غيرها. هذا كلّه في المقام الأوّل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٥ / أبواب التكفين ب ٢٣ ح ١.

(٢) كتاب الطّهارة : ٣٠٠ السطر ١٥ / في تكفين الأموات.

١١٢

[٩٠٤] مسألة ٥ : إذا دار الأمر في حال الاضطرار (*) بين جلد المأكول وأحد المذكورات يقدّم الجلد على الجميع (١).

______________________________________________________

(١) المقام الثاني : وهو صور التزاحم

قد ذكر الماتن قدس‌سره صوراً للمسألة ففرض تارة : الاضطرار إلى جلد المأكول وأحد المذكورات المتقدمة ، فحكم فيه بتقديم الجلد على الجميع.

وأُخرى : فرض الدوران بين الحرير والنجس أو بينه وبين أجزاء غير المأكول فلم يستبعد فيه تقديم النجس وإن استشكل فيه.

وثالثة : فرض الدوران بين الحرير وما لا يؤكل ، فحكم فيه بتقديم الحرير وإن استشكل في صورة الدوران بين الحرير وجلد ما لا يؤكل.

ورابعة : فرض الدوران بين جلد غير المأكول وسائر أجزائه ، فحكم بتقديم سائر أجزائه.

والّذي ينبغي أن يقال في المقام على وجه يظهر الحال منه في الصور المذكورة في المتن أن للمسألة صوراً :

الاولى : ما إذا دار الأمر بين التكفين بالنجس وبين غيره من الأُمور المتقدمة كالحرير والمذهّب.

الثانية : ما إذا دار الأمر بين الحرير وغيره من المذكورات ما عدا النجس لدخوله في الصورة الأُولى.

الثالثة : ما إذا دار الأمر بين غير الحرير وغير النجس من المذكورات.

__________________

(*) إذا دار الأمر بين المتنجس وبقيّة المذكورات فالأحوط الجمع ، وإذا دار بين الحرير وغير المتنجس قدّم الثاني ، وفي غيرهما من الصور لا يبعد التخيير.

١١٣

وإذا دار بين النجس والحرير ، أو بينه وبين أجزاء غير المأكول لا يبعد تقديم النجس وإن كان لا يخلو عن إشكال. وإذا دار بين الحرير وغير المأكول يقدّم الحرير وإن كان لا يخلو عن إشكال في صورة الدوران بين الحرير وجلد غير المأكول. وإذا دار بين جلد غير المأكول وسائر أجزائه يقدّم سائر الأجزاء.

______________________________________________________

أمّا الصورة الأُولى : فالظاهر وجوب الجمع بين التكفين بالنجس والتكفين بغيره من الحرير أو سائر الأُمور المتقدمة ، وذلك للعلم الإجمالي بوجوب التكفين بالنجس أو بغيره من الأُمور المتقدمة. وهذا العلم الإجمالي إنّما نشأ ممّا ذكرناه في الروايتين الآمرتين بقرض ما تنجّس من الكفن (١) ، لأنّا إن استظهرنا منهما شرطية الطهارة في الكفن وهي شرطية مطلقة فيجب التكفين بغير النجس لا محالة ولا يجوز التكفين به ولو عند الاضطرار ، فإذا لم يجز التكفين به انحصر التكفين بالحرير أو بغيره ، وقد بنينا على جواز التكفين به عند الاضطرار فيتعيّن التكفين بالحرير أو غيره.

وإن استظهرنا أنّ الطهارة واجبة على وجه الاستقلالية والنفسية ، لاحتمال أن يكون من قبيل الواجب في الواجب ، فالساقط عند تعذّر الطهارة هو الأمر بها دون الأمر بالتكفين ، فيجب التكفين بالنجس لأنّه مشمول للمطلقات.

وإذا شككنا في ذلك فنعلم إجمالاً أنّ التكفين إمّا أن يجب حصوله بالنجس وإمّا يجب حصوله بغير النجس ، ومقتضى العلم الإجمالي حينئذ هو الجمع بين الأمرين.

وأمّا الصورة الثانية : وهي ما إذا دار الأمر بين الحرير وبين غير النجس فالظاهر تعين التكفين بغير الحرير ، وذلك لإطلاق رواية حسن بن راشد الدالّة على اعتبار كون الكفن من غير الحرير عند التمكّن من غيره (٢) والمفروض في المقام التمكّن من التكفين بغير الحرير فيجب ولا يجوز التكفين بالحرير.

وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا دار الأمر بين غير الحرير وغير النجس‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤٢ / أبواب غسل الميِّت ب ٣٢ ح ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٥ / أبواب التكفين ب ٢٣ ح ١.

١١٤

[٩٠٥] مسألة ٦ : يجوز التكفين بالحرير غير الخالص (١) بشرط أن يكون الخليط أزيد من الإبريسم على الأحوط (٢).

______________________________________________________

فالصحيح هو التخيير بينهما ، بلا فرق في ذلك بين أن نحتمل التعيين في كل منهما كما في المذهّب وما لا يؤكل لحمه إذا احتملنا تعين التكفين بالأوّل كما احتملناه في الثاني وبين أن نحتمل التعيين في أحدهما ، وذلك لما ذكرناه في محلِّه (١) من أنّه إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير يدفع احتمال التعيين بالبراءة ، وبه يثبت التخيير بينهما بعد العلم بوجوب التكفين قطعاً وعدم التعين في أحدهما.

بل لا تصل النوبة إلى الأصل العملي حينئذ ، لوجود المطلقات الدالّة على أنّ الكفن ثلاثة أثواب وهي تشمل كل واحد منهما ، وإنّما خرجنا عن إطلاقها عند التمكّن من الكفن المأمور به بالإجماع أو بغيره ، حيث قلنا بعدم جواز التكفين بالمذهّب أو ما لا يؤكل لحمه حينئذ ، وأمّا عند دوران الأمر بينهما فلا مقيّد للإطلاق ، ومقتضاه التخيير بين التكفين بهذا أو بذاك.

التكفين بالحرير غير الخالص‌

(١) دون ما إذا كان الحرير محضاً أو كان أكثر أو مساوياً للخليط ، ولا يقاس المقام بجواز الصلاة في الحرير الممتزج حتّى إذا كان الحرير أكثر وذلك لأنّ الدليل دلّ في باب الصلاة على المنع عن الصلاة في الحرير المحض (٢) فإذا كان مخلوطاً بغيره ولو كان الحرير أكثر لم يكن حريراً محضاً فتجوز الصلاة فيه. اللهمّ إلاّ أن يكون الحرير أكثر بمقدار يصير الخليط مستهلكاً في الحرير ، لقلّة الخليط ويصدق عليه الحرير المحض. وهذا بخلاف المقام لدلالة الرواية (٣) على البأس فيما إذا لم يكن الخليط أكثر.

(٢) الاحتياط لزومي ، وذلك لمعتبرة الحسن بن راشد الدالّة على جواز التكفين بالممتزج مع الحرير إذا كان غير الحرير أكثر (٤).

__________________

(١) في مصباح الأُصول ٢ : ٤٥٠.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٦٧ / أبواب لباس المصلّي ب ١١.

(٣) ٤ ) الوسائل ٣ : ٤٥ / أبواب التكفين ب ٢٣ ح ١.

١١٥

[٩٠٦] مسألة ٧ : إذا تنجّس الكفن بنجاسة خارجة أو بالخروج من الميِّت وجب إزالتها (١) ولو بعد الوضع في القبر بغسل أو بقرض إذا لم يفسد الكفن وإذا لم يمكن وجب تبديله مع الإمكان (٢).

[٩٠٧] مسألة ٨ : كفن الزوجة على زوجها (٣)

______________________________________________________

(١) كما تقدّم تفصيله في بحث غسل الميِّت (١).

(٢) قد تقدّم هذا أيضاً ، وزاد في المقام التقييد بما إذا لم يفسد القرض الكفن ، والوجه في هذا الاشتراط أنّ الكفن قد أُخذ في مفهومه الستر فلو فرضنا أنّ القرض بمقدارٍ يخرج الكفن عن كونه ساتراً ، فلا يصدق على الباقي الكفن ، لم تشمله الرواية الآمرة بالقرض ، ولا إطلاق في الرواية ليشمله ، إذ لا كفن حينئذ.

كفن الزّوجة على زوجها‌

(٣) والدليل عليه روايتان :

إحداهما : موثقة السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : على الزوج كفن امرأته إذا ماتت » (٢) وهي من حيث السند معتبرة لتوثيق الشيخ في عدّته للسكوني (٣) فلا مانع من الاستدلال بها ، ودلالتها على المدّعى ظاهرة.

وما عن السيِّد في المدارك من توصيف الرواية بالضعف (٤) لا يمكن المساعدة عليه لما عرفت من اعتبارها ، نعم هي موثقة وليست بصحيحة ، لأنّ السكوني أموي وغير إمامي إلاّ أنّه موثق.

__________________

(١) في الصفحة ٦٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٤ / أبواب التكفين ب ٣٢ ح ٢.

(٣) العدّة : ٥٦ السطر ١٣ / في الترجيح بالعدالة.

(٤) المدارك ٢ : ١١٨. لم يصرّح بالتضعيف بل تنظّر في الاستدلال بها.

١١٦

ثانيتهما : ما رواه الصدوق بطريقه الصحيح عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ثمن الكفن من جميع المال. وقال : كفن المرأة على زوجها إذا ماتت » (١).

استدلّ بها صاحب المدارك على أن كفن الزوجة على زوجها.

وقد أورد عليه في الحدائق بأنّ التتمّة ليست من الرواية وإنّما هي من كلام الصدوق فتكون مرسلة كما هو دأب الصدوق ، إذ أنّه كثيراً ما يرسل الروايات عنهم عليهم‌السلام فيقول : قال الصادق عليه‌السلام أو قال الباقر عليه‌السلام. وقد اشتبه الأمر على صاحب المدارك وحسبها من الرواية المسندة. ويؤيّده أنّ الكليني والشيخ رويا هذه الرواية من دون زيادة. ثمّ استشكل على جماعة كشيخنا البهائي وصاحب الوسائل وغيرهم حيث نقلوا الرواية عن الفقيه بالسند المذكور هكذا : « قال : كفن الزوجة على زوجها إذا ماتت » من دون نقل الجملة السابقة عليها ولكنّه في كتاب الوصيّة من الوسائل (٢) نقل الرواية عن الصدوق مرسلة وهو من المناقضة في الكلام (٣) فكأن نظره اختلف في البابين ، فبنى تارة على كونها مسندة وتارة على أنّها مرسلة إلاّ أنّه مناقضة ظاهرة ، لأنّها إن كانت مسندة فليست بمرسلة ، وإن كانت مرسلة فليست بمسندة. مع أنّه ليس للصدوق إلاّ رواية واحدة.

وذكر أنّهم تبعوا في ذلك صاحب المدارك الّذي اشتبه الأمر عليه ، فالرواية مرسلة ولا أقل من احتمال كون الزيادة من كلام الصدوق ومعه لا يمكن الاعتماد عليها (٤) هذه خلاصة ما أورده في المقام.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٤ / أبواب التكفين ب ٣٢ ح ١ وصدره في ٥٤ / ب ٣١ ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٣ / ٤٩١.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٢٨ / كتاب الوصايا ب ٢٧ ح ١.

(٣) كذا أمرني ( دام ظلّه ) بضبطه.

(٤) الحدائق ٤ : ٦٤.

١١٧

والظاهر أن ما فهمه صاحب المدارك والوسائل وشيخنا البهائي (١) وغيرهم هو الصحيح ، لأنّ الزيادة لو لم تكن من الرواية الصحيحة وكانت مرسلة أُخرى لم يحتج إلى ذكر العاطف « وقال » بل كان يلزمه أن يقول « قال » من غير عاطف كما هو دأبه في كتابه حيث يقول : « قال الصادق عليه‌السلام » أو « قال أبو الحسن عليه‌السلام » وهكذا. فذكرها مع العاطف عقيب الجملة السابقة ظاهر في أنّه من الرواية الصحيحة كما فهمه الأعلام.

ولا ينافي ذلك نقل الكليني والشيخ (٢) إيّاها من دون الزيادة ، إذ كثيراً ما تنقل الرواية عن بعض الرواة فاقدة لجملة وتروى عن آخر مشتملة على جملة زائدة ، ولا يدل هذا على أنّ الزيادة من كلام الصدوق وأنّها رواية مرسلة.

ومن المحتمل أن يكون الطريق الّذي وصلت الرواية به إلى الكليني والشيخ لم يصل إليه مع الجملة الزائدة. والّذي يسهل الخطب أنّ المستند لا ينحصر بهذه الرواية لاعتبار رواية السكوني عندنا وإن كانت هذه الرواية معتبرة أيضاً وقابلة للاستدلال بها كما ذكرنا.

تتميم : ذكرنا أن صاحب المدارك والوسائل وشيخنا البهائي وغيرهم ( قدس الله أسرارهم ) ذهبوا إلى أنّ الجملة الثانية من الرواية ، لكن ناقش فيه صاحب الحدائق وذكر أنّها رواية مستقلّة مرسلة واستظهره شيخنا الأنصاري (٣) وكذا السيِّد البروجردي في جامع الروايات (٤).

إلاّ أنّ الصحيح هو ما فهمه صاحبا المدارك والوسائل ، فانّا قد تتبّعنا كتاب من لا يحضره الفقيه فرأينا أن عادة مؤلفه جرت على ذكر الرواية الاولى من دون عاطف وذكر الرواية الثانية بعاطف ، مثلاً يقول : سأل سليمان بن خالد أبا عبد الله عليه‌السلام ...

__________________

(١) حبل المتين : ٦٥ / في الكفن.

(٢) الكافي ٧ : ٢٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٧ / ١٤٠٧.

(٣) كتاب الطهارة : ٣٠٨ السطر ٣٤ / في تكفين الأموات.

(٤) جامع الأحاديث ٣ : ٣٤٢.

١١٨

وبعد ذلك يقول : وقال الصادق عليه‌السلام (١) ، أو سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل. وبعد ذلك يقول : وقال الصادق عليه‌السلام (٢) أو يقول : وسئل الصادق عليه‌السلام عن المشوّهين ... ثمّ يقول : وقال الصادق عليه‌السلام (٣) وهكذا.

وعليه ففي المقام يحتمل أن يكون قوله : « وقال : كفن المرأة على زوجها إذا ماتت » معطوفاً على « قال : ثمن الكفن من جميع المال » فهما رواية واحدة ، كما يحتمل كونها معطوفة على أصل الرواية فتكون الرواية مستقلّة مرسلة ، فكلا الاحتمالين وارد في المقام ، إلاّ أن قرب قوله « وقال ... » من الجملة الأُولى ظاهر في أنّهما رواية واحدة كما فهمه صاحب المدارك وغيره.

بل قد جرت عادة الصدوق قدس‌سره في كتابه على عدم عطف الرواية المرسلة على المسندة كما في المقام حيث إنّه روى الرواية مسندة ثمّ قال « وقال : كفن المرأة » حيث لا يعهد مثل ذلك في كتابه ، بل هو أمر غير مناسب في نفسه ، فمن عطف « وقال » من غير إسناده إلى الإمام عليه‌السلام على الجملة السابقة المسندة إلى الإمام عليه‌السلام نستكشف أنّهما رواية واحدة.

ثمّ إنّ هذه الرواية وإن حكم بصحّتها صاحب المدارك قدس‌سره (٤) إلاّ أنّ الحكم بالصحّة مورد للمناقشة (٥) ، وذلك لأنّ الرواية يرويها الصدوق بطريقه عن ابن محبوب ، وفي طريقه إليه محمّد بن موسى [ بن ] المتوكل وقد وثقه العلاّمة (٦) وتبعه في ذلك من تبعه ، وحيث إنّ الفاصل بين العلاّمة والرواة طويل والزمان كثير فلا يمكننا الاعتماد على توثيقات العلاّمة قدس‌سره.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩٨ / ٤٥١ ، ٤٥٢.

(٢) الفقيه ١ : ٦٤ / ٢٤٢ ، ٢٤٣.

(٣) الفقيه ١ : ٥٣ / ٢٠٢ ، ٢٠٣.

(٤) المدارك ٢ : ١١٨.

(٥) هناك مناقشة أُخرى في أصل المسألة تعرّض لها في ص ١٢٩ بعنوان مناقشة جديدة.

(٦) الخلاصة : ١٤٩ / ٥٨.

١١٩

ولو مع يسارها (١)

______________________________________________________

نعم ، ذكر النوري (١) قدس‌سره أنّ الرجل أو الطريق متفق على وثاقته ، إلاّ أنّه اجتهاد ونظر منه ، ومعه لا يمكننا الاعتماد على الرواية بوجه (٢).

(١) لإطلاق الروايتين ، ولا ينافي ذلك ما ورد في جملة من الروايات من أنّ الكفن يخرج من أصل المال مقدّماً على الدين والوصية والإرث نظراً إلى أنّه يدل على أن كفن الزوجة يخرج من أصل مالها إذا كان لها يسار (٣).

والوجه في عدم المنافاة : أن ما دلّ على أن كفن الزوجة على زوجها أخص مطلقاً من تلك الطائفة ومعه لا بدّ من تخصيص خروج الكفن من أصل المال بغير الزوجة لأنّ كفنها على زوجها.

وهذا من غير فرق بين أن تكون الجملة الثانية في رواية الصدوق جزءاً من الرواية أم لم تكن ، لأنّ المدار إنّما هو على النسبة بين الطائفتين ، كانتا متصلتين أم منفصلتين.

على أنا لو أغمضنا النظر عن كون النسبة عموماً مطلقاً وفرضناهما متباينتين أيضاً يلزمنا تقديم ما دلّ على أنّ الكفن يخرج من المال (٤) على تلكم الطائفة ، إذ لو عكسنا الأمر وعملنا بتلك الطائفة للزم حمل (٥) الروايتين على أن كفن الزوجة على زوجها بما إذا لم يكن للزوجة مال ولو بمقدار الكفن ، وهذا نادر في نادر ، وإطلاق الكلام المطلق وإرادة الفرد النادر منه مستهجن جدّاً فلا يمكن حملهما على تلك الصورة النادرة.

__________________

(١) خاتمة مستدرك الوسائل ٤ (٢٢) : ٢٤٧.

(٢) وقد رجع عن ذلك ( دام ظلّه ) واستظهر في المعجم ١٨ : ٢٩٩ أنّ محمّد بن موسى بن المتوكل ثقة يعتمد عليه فليلاحظ.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٣ / أبواب التكفين ب ٣١ ، ١٩ : ٣٢٨ ٣٣١ / كتاب الوصايا ب ٢٧ ، ٢٨ وغيرها.

(٤) الصحيح أن يُقال : الزوج بدل « المال ».

(٥) لعلّ الصحيح : حمل الروايتين الدالّتين على أنّ كفن الزّوجة على زوجها على ما إذا ....

١٢٠