موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وجوب الفحص في حقها مرة واحدة ، فلا مانع من استصحاب حالتها السابقة الثابتة بالاختبار عند الصلوات الأُخرى ، وما ذكروه من وجوب الاختبار عند كل صلاة غير ظاهر الدليل.

ثم إنه إذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقن ، وهو الوضوء لكل صلاة بناء على ما سلكه المشهور من وجوبه لكل صلاة في كل من القليلة والمتوسطة والكثيرة بزيادة الغسل الواحد لكل يوم وليلة في المتوسطة ، والأغسال الثلاثة أو الخمسة على تقدير عدم الجمع في الكثيرة ، فالوضوء لكل صلاة هو القدر المتيقن حينئذ.

وأمّا بناء على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة وانحصار وظيفتها في الأغسال المتعددة فكون الوضوء قدراً متيقناً إنما هو إذا دار الأمر بين الاستحاضة القليلة والمتوسطة ، وأمّا إذا دار الأمر بين القليلة والكثيرة فهما من المتباينين ، لوجوب الوضوء في أحدهما ووجوب الغسل في الآخر. ومعه لا بدّ من الاحتياط ولو بتكرار الصلاة مع الوضوء تارة ومع الغسل تارة أُخرى كما قدمناه.

نعم ، يمكن تصوير المتيقن منهما من جهة الموضوع وإن كان بالنظر إلى أحكامهما متباينين ، وذلك لوضوح أن الدم في القليلة أقل من المتوسطة والكثيرة ، وهو في المتوسطة أكثر من القليلة ، وفي الكثيرة أكثر من المتوسطة ، فالمقدار المتيقن من الدم هو المقدار الأقل ، والزائد المشكوك فيه مورد لأصالة عدم الزيادة ، وبذلك أي باستصحاب عدم خروج الدم الزائد يحرز أن الاستحاضة من القليلة ، فتترتب عليها أحكامها.

ولكن إجراء هذا الاستصحاب متوقف على لحاظ أن وجوب الفحص مختص بحال التمكّن فلا يجب مع التعذر ، أو أن الوجوب يعم كلتا الحالتين ، فعلى الأول لا مانع من جريانه دون الثاني.

وذلك لما مرّ من أنّ أدلّة وجوب الفحص دلت على تخصيص أدلّة الأُصول وألحقت الشبهة الموضوعية في المقام بالشبهات الحكمية ، ومعه لا مناص من الاحتياط عند‌

٨١

دوران أمر الدم بين الاستحاضة القليلة والكثيرة ، لدوران الأمر حينئذ بين المتباينين.

فنقول : إذا بنينا على أن الاختبار واجب نفسي وأنه المستفاد من الروايتين فلا ينبغي الإشكال في سقوطه عند عدم التمكّن من الاختبار لعدم وجود القطنة عندها أو لكون يديها مربوطتين أو لغير ذلك من الأسباب ، وذلك لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

وأمّا إذا بنينا على أنه واجب شرطي فلا موجب لاختصاصه بحالة الاختيار والتمكّن ، لما ذكرناه غير مرة من أن الأدلّة المثبتة للأجزاء والشرائط من قبيل القضايا الخبرية ، فما دلّ على النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه أو الأمر بالصلاة إلى القبلة معناه أن الصلاة يعتبر فيها أن لا تقع فيما لا يؤكل لحمه أو يعتبر أن تكون واقعة إلى القبلة.

ومعه لا داعي إلى تخصيص الشرطية أو الجزئية بحال التمكّن ، بل مقتضى إطلاقها ثبوت الشرطية والمانعية والجزئية حتى في حال العجز وعدم التمكّن ، ونتيجة ذلك سقوط الأمر بالمركب رأساً عند عدم التمكّن من شي‌ء من أجزائه أو شرائطه.

فمقتضى القاعدة في المقام عدم وجوب الصلاة على المرأة عند عدم تمكنها من الاختبار إلاّ أن يثبت بالإجماع وقوله عليه‌السلام « لا تدعي الصلاة على حال » (١) وحينئذ يقتصر على المقدار المتمكن منه من المركب ، ومن هنا قلنا إن احتمالي الوجوب النفسي والشرطي على طرفي النقيض ، فإن وجوب الاختبار ساقط على الأوّل عند عدم التمكّن منه ، وغير ساقط على الثاني.

وأمّا إذا بنينا على ما ذكرناه من أن الاختبار واجب طريقي فقد عرفت أن معناه تنجيز الواقع وتخصيص أدلة الأُصول إلحاقاً للشبهة الموضوعية في المقام بالشبهات الحكمية ، فمع الشك في اختصاص ذلك بحال التمكّن يشك في أن أدلّة الأُصول هل هي مخصصة بالإضافة إلى حال التمكّن فقط ، أو أنها مخصصة بالإضافة إلى حال عدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٨٢

التمكّن أيضاً.

فإذا رجع الشك إلى الشك في التخصيص الزائد فلا مناص من الاقتصار فيه على المقدار المتيقن ، وفي المقدار الزائد يرجع إلى إطلاق أو عموم أدلّة الأُصول ، ومقتضاها جريان الأُصول في صورة عدم تمكن المرأة من الاختبار ، ولا وجه حينئذ للقول بعدم سقوط الوجوب ، وذلك لأنه ليس من الوجوب الشرطي حتى لا يسقط ، وإنما هو وجوب طريقي كما عرفت ، فإذا جاز للمرأة أن ترجع إلى الأُصول حينئذ فيقع الكلام في أنها ترجع إلى أيّ أصل.

تعيين الأصل المرجع للمرأة

وقد ذكر الماتن قدس‌سره أنها تأخذ بالمقدار المتيقن ، أي تدفع احتمال الزائد باستصحاب عدمه ، إلاّ أن تكون لها حالة سابقة من القلة أو التوسط فتأخذ بها ... إلخ.

وتوضيح الكلام في المقام أن التردد في أن الاستحاضة من أي الأقسام الثلاثة قد يكون في الأثناء ، بمعنى أنها قد تكون مستحاضة في أول الصبح مثلاً وتعلم أنها قليلة أو متوسطه أو كثيرة ، وبعد ذلك تشك ظهراً في أنها هل بقيت على حالتها السابقة أو أنها تبدلت إلى غيرها ، ولا مناص من الرجوع إلى حالتها السابقة وتستصحب قلتها أو كثرتها أو كونها متوسطة كما في السابق ، فيتم ما أفاده قدس‌سره.

وقد يكون الشك في حال الاستحاضة من الابتداء لا من الأثناء ، وهذا على قسمين :

فإن المرأة ربما تكون محكومة بالحيض ، كما إذا رأت الدم أيام عادتها أو رأت الدم الأحمر وحكم بكونه حيضاً بالصفات إلى سبعة أيام أو أقل أو أكثر ، ثم بعد ذلك طهرت يوماً أو يومين أو أكثر ، وبعد ذلك رأت دماً آخر ، وهو محكوم بالاستحاضة لأنه بعد أيام العادة وإن لم يتجاوز العشرة ، أو لأنه بعد العشرة إلاّ أنه من أوّل حدوثه تردّد بين الأقسام الثلاثة ، فيتم أيضاً ما أفاده قدس‌سره وما ذكرناه من أنها تأخذ‌

٨٣

بالمقدار المتيقن وترجع في المقدار الزائد إلى استصحاب عدم خروج الدم الزائد كما ذكرناه.

وأُخرى ترى المرأة الدم ويحكم بكونه حيضاً إما لأنه في أيام العادة أو لأنه واجد للصفات أو لغير ذلك من الأُمور ، وبعد أيام العادة أو بعد عشرة أيام ترى الدم مستمراً من غير فصل ، ويحكم عليه بالاستحاضة لأنه بعد أيام العادة أو لأنه بعد عشرة أيام والحيض لا يزيد عليها. وعلى أي حال ترى دماً متصلاً واحداً مع الحكم عليه في مقدار من الزمن كأيام العادة أو عشرة أيام بالحيض ، والحكم عليه بالاستحاضة بعد ذلك الزمان من غير فصل بينهما.

وحينئذ ما معنى لأخذها بالمقدار المتيقن ورجوعها في الزائد إلى الأصل ، بل لا معنى للرجوع إلى حالتها السابقة ، وذلك لأنّ الموجود دم واحد متصل ، وهو موضوع واحد إنما اختلف حكمه الشرعي باختلاف الزمان ، لا أنه من قبيل التعدّد في الموضوع.

ونظيره المسافر ، فإنه مع كونه موضوعاً واحداً يحكم عليه بوجوب القصر بعد حد الترخص وبعدم جوازه قبله ، أو يحكم عليه بوجوب القصر ما دام غير قاصد للمعصية وبعدمه بعد قصدها ، إلى غير ذلك من الموارد التي يترتب حكمان متغايران

على موضوع واحد عرفي باختلاف حالاته وأوقاته.

ومع كون الموضوع واحداً باقياً بحاله لا معنى للرجوع إلى الأصل ، بل لا بدّ من ملاحظة حاله حيثما حكم بحيضيته ، فإن كان قليلاً فهو الآن قليل أيضاً ، وإن كان متوسطاً أو كثيراً فهو كذلك الآن ، لأنه موضوع واحد متصل.

إعادة وتوضيح

إن المتحصل من الروايتين المتقدمتين (١) أن الاختبار واجب طريقي ، والوجوب الطريقي لا ينافي الاحتياط وإحراز للواقع ، بل للمرأة أن تحتاط حينئذ بأن تغتسل‌

__________________

(١) تقدّم ذكرهما في صدر المقام [ في ص ٧٨ ].

٨٤

وإذا لم تتمكّن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقن ، إلاّ أن تكون لها حالة سابقة من القلّة أو التوسّط فتأخذ بها (١).

______________________________________________________

وتتوضأ فتصلِّي فيما إذا دار أمرها بين القليلة والمتوسطة ، فإن ذلك يوجب القطع بالإتيان بالوظيفة الواقعية ، حيث إنها لو كانت متوسطة فقد اغتسلت وتوضأت وصلّت ، كما أنها لو كانت قليلة فقد توضأت وصلّت ، ويأتي (١) أن في المتوسطة وكذا الكثيرة بناء على ما هو المشهور من وجوب الوضوء في الكثيرة لكل صلاة ، لا فرق بين تقديم الغسل على الوضوء أو تأخيره عنه ، فإذا قدمت الغسل على الوضوء فقد احتاطت وأتت بالوظيفة الواقعية على كل تقدير.

وكذلك الحال فيما إذا دار أمرها بين القليلة والكثيرة ، بناء على وجوب الوضوء فيها لكل صلاة على ما هو المشهور ، لأنها إذا اغتسلت وتوضأت فصلّت أحرزت الواقع على كل تقدير.

وأمّا بناء على ما ذكرناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة فلا تتمكن المرأة من الاحتياط عند دوران الأمر بين القليلة والكثيرة ، لأنها إذا اغتسلت وتوضأت فصلّت لم تأت بوظيفة الاستحاضة الكثيرة ، إذ يعتبر مقارنة الغسل مع الصلاة والمبادرة إليها بعده ، والوضوء متخلل بينهما ومانع من صدق المبادرة ، إلاّ أن يكون بحيث لا يمنع عن صدق المبادرة عرفاً أو توضأت حال المشي من مكان الغسل إلى مكان الصلاة بحيث لا يشغل زماناً زائداً على ما يشغله المشي إليه.

ما هو الوظيفة عند العجز عن الاختبار‌

(١) ذكر قدس‌سره أن المرأة إذا لم تتمكّن من الاختبار يجب عليها أن تحتاط بالأخذ بالقدر المتيقن في مقام الامتثال ، وهو المحتمل الأكثر ، وهو الذي عبر عنه صاحب الجواهر (٢) قدس‌سره بأسوإ الاحتمالات ، فمع دوران الأمر بين القليلة‌

__________________

(١) في ص ٩٥.

(٢) الجواهر ٣ : ٣١١ / في أقسام الاستحاضة.

٨٥

والكثيرة تأخذ بالكثيرة ، وإذا دار الأمر بين القليلة والمتوسطة تأخذ بالمتوسطة ، إلاّ أن تكون لها حالة سابقة فتأخذ بها حينئذ.

وما أفاده قدس‌سره لم يظهر لنا وجهه ، وذلك لأنه إذا قلنا بأن الاختبار واجب طريقي ، وهو الذي اختاره الماتن قدس‌سره حيث ذكر أنها إذا صلّت من غير اختبار بطلت إلاّ مع مطابقة الواقع ، فإن الاختبار لو كان واجباً شرطياً بطلت صلاتها عند عدم الاختبار مطلقاً لفقدها الشرط ، فإما أن نقول إن الوجوب الطريقي يختص بحال التمكّن ، لأنه الظاهر من قوله « تستدخل أو تمسك القطنة » (١) ، فإن الوجوب الطريقي كالوجوب النفسي مشتمل على البعث والتحريك وإن كان البعث في الواجب الطريقي بداعي أمر آخر غير الإتيان به في نفسه ، وقد ذكرنا أن الوجوب النفسي يختص بحال الاختيار ، فيكون الوجوب الطريقي كذلك ، ومعه لا مانع من الرجوع إلى الأُصول العملية في حال عدم التمكّن من الاختبار ، لأن ما دلّ على وجوب الاختبار دلّ على تخصيص أدلة الأُصول إلحاقاً للشبهة الموضوعية في المقام بالشبهة الحكمية إلاّ أن ذلك إنما هو في موارد وجوب الاختبار ، وقد فرضنا اختصاصه بحال الاختيار وحيث لا وجوب للاختبار في حال التعذّر فلا مانع من الرجوع في تلك الحالة إلى الأُصول ، وعليه فلا وجه لقوله بوجوب الاحتياط والأخذ بالمقدار المتيقن في مقام الامتثال.

بل مقتضى الأصل عدم كون الاستحاضة متوسطة أو كثيرة ، وذلك لوضوح أنّ الدم إنما يخرج من المرأة تدريجاً ، فيصيب الدم ظاهر الكرسف ابتداء ثم يثقبه ثم يتجاوز عنه ، لاستحالة الطفرة ، وهو ظاهر. فإذا علمنا بخروج الدم وشككنا في ثقبة أو تجاوزه ، فبما أنهما عنوانان وجوديان مسبوقان بالعدم فنستصحب عدمهما ، وبه يحكم بعدم كون الاستحاضة متوسطة أو كثيرة ، فلا وجه للاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ خصوصاً ح ٢ ، ٣ ، ١٤.

٨٦

ولا يكفي الاختبار قبل الوقت إلاّ إذا علمت بعدم تغيّر حالها إلى ما بعد الوقت (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا قلنا بأن الوجوب الطريقي كالوجوب الشرطي غير مختص بحال التمكّن بل ثابتان حتى في حال عدم التمكّن من الاختبار فيصح ما أفاده قدس‌سره من الاحتياط والأخذ بالمقدار المتيقن في مقام الامتثال ، لأن أدلة وجوب الفحص مانعة عن جريان الأُصول تخصيصاً في أدلتها كما قدمناه.

إلاّ أنه لا يجتمع مع ما استثناه بقوله « إلاّ أن تكون لها حالة سابقة » ، وذلك لما عرفت من أن المرأة دائماً لها حالة سابقة أي سبق القلة ، إلاّ فيما إذا كانت الاستحاضة متصلة بالحيض وكان الحيض كثيراً فترجع إلى استصحاب الكثرة ، بمعنى أنها وإن كانت تعلم بكون الدم الخارج منها في زمان الشك ابتداء قليلاً أي إنما أصاب القطنة فقط ، لكنّها لا تدري أنها تتعقب بالقطرات الأُخرى حتى تكون كثيرة أو لا تتعقب بالقطرات الأُخرى ، وبما أنها كانت سابقاً متعقبة بالقطرات الأُخرى فيصدق عرفاً أن المرأة كان دمها كثيراً سابقاً والآن كما كان سابقاً ، والوجه في أن لها حالة سبق القلّة هو أن خروج الدم تدريجي لا محالة ، وقد فرضنا أن أدلّة الاختبار شاملة لصورة عدم التمكّن منه ، وهي مخصصة لأدلة الأُصول في كلتا الحالتين ، فما معنى رجوعها إلى حالتها السابقة ، فما أفاده غير تام.

والصحيح ما ذكرنا من اختصاص الوجوب الطريقي بحال التمكّن ، ومعه إذا لم يمكنها الاختبار تأخذ بالمقدار المتيقن في مقام التكليف لا الامتثال ، وهو المحتمل الأقل ، لاستصحاب عدم ثقب الدم الكرسف أو عدم تجاوزه عنه.

عدم كفاية الاختبار قبل الوقت‌

(١) وذلك لأن ظاهر الروايتين (١) أن الاختبار واجب فيما إذا أرادت الصلاة بعد‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٥ ، ٣٧٧ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨ ، ١٤.

٨٧

[٧٩١] مسألة ٥ : يجب على المستحاضة (١) تجديد (*) الوضوء لكل صلاة‌ ولو نافلة ، وكذا تبديل القطنة أو تطهيرها (**) ، وكذا الخرقة إذا تلوثت ، وغسل ظاهر الفرج إذا أصابه الدم ، لكن لا يجب تجديد هذه الأعمال للأجزاء المنسيّة (٢) ولا لسجود السهو إذا اتي به متصلاً بالصلاة (٣) ، بل ولا لركعات الاحتياط للشكوك (٤) بل يكفيها أعمالها لأصل الصلاة ،

______________________________________________________

اغتسالها من الحيض حتى ترى أنها متوسطة أو كثيرة لتغتسل ، فاللاّزم أن يقع الاختبار فيما إذا أرادت الاغتسال والصلاة ، ولما قدمنا أن الاغتسال لا يجوز لها قبل الوقت فلا مناص من أن يكون اختبارها بعد الوقت ، إلاّ أن يفرض اختبارها في آخر جزء متصل بالوقت بحيث يدخل الوقت بإتمام الاختبار حتى تغتسل وتصلِّي ، لكنه فرض عقلي لا وقوع له خارجاً بحسب العادة.

(١) تقدّم الكلام في جميع ما ذكره في المقام سابقاً فلا نعيده.

عدم وجوب أعمال المستحاضة لغير الصلاة‌

(٢) لما قدمناه سابقاً من أنها أجزاء الصلاة على تقدير نقصها ، غاية الأمر أن مكانها وزمان إتيانها قد تبدل ، وقد أتت بالأعمال للصلاة وأجزائها ، فلا يجب إتيانها للأجزاء المأتي بها بعد الصلاة المعبر عنها بالأجزاء المنسية.

(٣) إما لعدم اشتراط الطهارة فيه مطلقاً أو لأنه من توابع الصلاة ، والاغتسال والوضوء إنما يجبان للصلاة مع مالها من التوابع وقد أتت بهما ، ولا يجبان لخصوص الصلاة ، ومعه لا وجه للإتيان بهما لسجود السهو.

(٤) لما ذكرناه في بحث الاستصحاب (٣) عند التكلم في صحيحة زرارة الواردة في مَن‌

__________________

(*) على الأحوط في الاستحاضة الكثيرة كما سيجي‌ء.

(**) على الأحوط في غير الاستحاضة الكثيرة بل فيها أيضاً بالإضافة إلى كل صلاة ، وكذلك وجوب تبديل الخرقة.

(١) في مصباح الأُصول ٣ : ٦٣.

٨٨

شكّ في ركعات الصلاة وأنها ثنتان أو أربع ونحو ذلك ، حيث قلنا إن الركعات الاحتياطية جزء حقيقي للصلاة لكن لا لمطلق المكلفين ، فإنهم على قسمين : قسم يجب في حقهم الصلاة وركعاتها من غير أن يتوسط بينها السلام ، وهم من لم يطرأ عليهم الشك في صلاتهم. وقسم يجب عليهم الصلاة مع الفصل في ركعاتها بالسلام وموضوع هذا الحكم هو الذي يشك في الإتيان بالركعات بشرط أن لا يكون آتياً بها في الواقع ، فالذي يشك في الإتيان ولم يكن آتياً بها واقعاً فوظيفته بحسب الواقع هو الصلاة مع الانفصال والإتيان ببعض ركعاتها منفصلاً.

لا أن ذلك مجرّد حكم ظاهري ، والشك في الإتيان بالركعات أمر وجداني ، فإذا أحرز بوجدانه أنه شاك في الإتيان فيمكنه إحراز عدم إتيانه بها واقعاً بالاستصحاب فبضم الوجدان إلى الأصل يثبت أن الركعات الاحتياطية جزء حقيقي من الصلاة.

ومع كونها من أجزاء الصلاة التي توضأت أو اغتسلت المستحاضة لأجلها لا وجه للاغتسال أو التوضؤ لها ثانياً ، فركعات الاحتياط لا تحتاج إلى تجديد الغسل ولا الوضوء ، بلا فرق في ذلك بين صورتي عدم انكشاف الخلاف في الاستصحاب ، أعني استصحاب عدم الإتيان بالركعات المشكوكة ، وانكشافه.

لأن صلاة الاحتياط إذا ظهر بعدها أن المكلف كان آتياً بالركعات المشكوك فيها وإن كانت تقع نافلة لا محالة ، والنافلة صلاة مستقلة لا بدّ لها من الوضوء والغسل ، إلاّ أنها لا تحتاج إليهما في خصوص المقام ، وذلك لقصور الدليل عن الشمول لما حكم بكونه نافلة بعد الإتيان به كما في المقام ، لأن صلاة الاحتياط إنما يحكم بكونها نافلة بعد ما ينكشف عدم نقصان الصلاة ، وأمّا قبل ذلك فلا ، لأنها كانت من الابتداء محكومة بكونها جزءاً من الصلاة بحكم الاستصحاب ، لما ذكرناه من أن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بالركعة المشكوك فيها واقعاً ، ومعه يجب عليها أن تأتي بها مع الانفصال ، فإن مقتضى الاستصحاب وإن كان هو الإتيان بها متصلة إلاّ أن وظيفة المكلف تتبدّل حينئذ إلى الانفصال ، فلا بد من الإتيان بها مع الانفصال.

فتحصل : أن أدلّة وجوب الوضوء أو الغسل لكل صلاة قاصرة الشمول للمقام‌

٨٩

نعم لو أرادت إعادتها احتياطاً أو جماعة وجب تجديدها (١).

______________________________________________________

وهذا هو الوجه في عدم وجوبهما لصلاة الاحتياط ،

لا ما ربما يتوهم من أن صلاة الاحتياط على تقدير نقص الصلاة جزء لها فلا تحتاج إلى تجديدهما ، وعلى تقدير تماميتها تقع زائدة ، ولا يضر بطلانها بصحة الصلاة.

فإن ذلك مندفع بما ذكرناه في محلِّه من أن صلاة الاحتياط يعتبر فيها أن تكون صحيحة في نفسها على كل حال ، وأمّا ما يكون صحيحاً على تقدير نقص الصلاة وفاسداً على تقدير تماميتها فلا دليل على كونها جابرة لنقص الصلاة المأتي بها على تقدير نقصانها ، ومعه لا يمكن الاقتصار عليها بوجه.

وجوب تجديد الأعمال في الصلاة المعادة‌

(١) أمّا الصلاة المعادة احتياطاً فقد تكون واجبة ، كما إذا حكم ببطلان المأتي به من الصلاة لأجل الشك في صحتها أو في الإتيان ببعض أجزائها وعدم جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في حقها لأجل الغفلة حال العمل أو للقطع الوجداني بالبطلان فالاحتياط واجب بالإعادة حينئذ.

وقد تكون مستحبة كما إذا شك في صحتها بعد الفراغ عنها أو في ركوعها بعد ما دخلت في السجود ، فإن مقتضى قاعدة التجاوز والفراغ وإن كان صحة ما أتت به إلاّ أن التحفظ عن البطلان الواقعي بترك الركوع والاحتياط مستحب في نفسه.

أمّا المعادة الواجبة فلا ينبغي الإشكال في أنها هي الصلاة الأوّلية المحكومة بالبطلان وليست صلاة مغايرة لها ، فعلى تقدير القول بعدم وجوب المبادرة إلى الصلاة فلا شبهة في عدم وجوب الوضوء أو الغسل لها.

وإذا قلنا بوجوبها فلا يبعد عدم وجوب تجديدهما أيضاً ، وذلك لأن المراد بالمبادرة ليس هو المبادرة الحقيقية الفعلية ، بل المراد بها هي الفورية العرفية وعدم التواني في‌

٩٠

الامتثال ، ومن ثمة لا يجب عليها الصلاة في المغتسل بعد غسلها ، بل يجوز لها أن تأتي إلى غرفتها وتصلِّي فيها ، فالاشتغال بالمقدمات العادية أو الشرعية للصلاة ليس مانعاً عن صدق المبادرة بوجه. وعليه فاشتغالها بالصلاة المحكومة بالبطلان بعدها لا يعد منافياً للمبادرة الواجبة بوجه ، لعدم توانيها في الامتثال ، فحالها حال المقدّمات.

وأظهر من ذلك ما لو حكم ببطلانها في أثناء الصلاة كما لو شكت بين الثنتين والثلاث قبل إتمام السجدتين ، فإن مثله لا يكون مانعاً عن صدق المبادرة يقيناً ، فلا يجب عليها إعادة الوضوء والغسل ثانياً ، نعم إذا فصلت بينهما بزمان كما إذا أعادت بعد ساعة أو ساعتين وجب عليها الوضوء والغسل جديداً.

وأمّا المعادة استحباباً فهي على عكس المعادة الواجبة ، ولا إشكال في وجوب تجديد الغسل أو الوضوء لها على كل حال ، قلنا بوجوب المبادرة أم لم نقل ، وذلك لأنها صلاة مستحبة مغايرة للصلاة التي اغتسلت أو توضأت لأجلها ، وقد دلت الأخبار (١) المتقدمة على وجوبهما لكل صلاة.

وسيأتي الوجه في توضيح وجوب الغسل لها مع أن النوافل لا يجب فيها الغسل في الاستحاضة ، وإنما يجب فيها الوضوء لكل صلاة فقط.

اللهمّ إلاّ على مسلك فاسد وهو جواز تبديل الامتثال بالامتثال وأن المكلف متمكن من رفع امتثاله السابق وجعله كالعدم بالامتثال الجديد ، فإن الصلاة المعادة هي الصلاة الأولية ، فيبتني وجوب الغسل أو الوضوء لها على القول بوجوب المبادرة وعدمه ويأتي فيه ما قدمناه.

إلاّ أنّا ذكرنا في بحث الاجزاء (٢) أن الامتثال بعد الإتيان بالمأمور به أمر عقلي ، وليس اختياره بيد المكلف ليرفعه ويبدله ، فالامتثال غير قابل للتبديل بوجه.

وأمّا الصلاة المعادة جماعة إماماً أو مأموماً فقد ظهر حكمها مما بيناه ، فإنها صلاة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

(٢) في محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٢٥.

٩١

مستحبّة مغايرة للصلاة التي اغتسلت أو توضأت لأجلها ، فلا مناص من الوضوء أو الغسل لها مطلقاً ، قلنا بوجوب المبادرة أم لم نقل ، اللهم إلاّ على القول بجواز تبديل الامتثال بالامتثال ، وقد عرفت ما فيه ، وتوضيح ما ذكرناه : أن الصلاة المعادة المستحبّة فرادى كانت أم جماعة إماماً أو مأموماً وإن كانت نافلة ولا يجب الغسل للنوافل كما مرّ بل يجب فيها الوضوء فقط إلاّ أنها تمتاز في المقام عن بقية النوافل بما ستعرفه ، فنقول :

إن الصلاة المعادة استحباباً إن كان قد فصل بينها وبين الصلاة المأتي بها وجوباً فصلاً زمانياً فلا إشكال في لزوم إعادة الوضوء والغسل لها.

أمّا الوضوء فلأنه معتبر لكل صلاة فريضة كانت أم نافلة ، وما أتت به من الوضوء للفريضة غير كاف للنافلة ، لوجوب المبادرة والمفروض أنها فصلت بينهما زماناً.

وأمّا الغسل فلأن النوافل وإن كان لا يجب فيها الاغتسال كما مرّ ، إلاّ أن النافلة في المقام إنما يؤتى بها احتياطاً وبداعي التحفظ على المأمور به الواقعي على تقدير وجود خلل في الصلاة المأتي بها واقعاً ، فهي نافلة معنونة بعنوان صلاة الظهر مثلاً وأُتي بها بعنوان كونها تداركاً للواقع ، وعليه فلا بدّ أن تشتمل على جميع الأُمور المعتبرة في الواجبة من الغسل والوضوء وغيرهما ، إذ مع كونها فاقدة للغسل أو لغيره لا يمكن أن تكون موجبة للتحفظ على الواقع وتداركاً له ، بل لا يصح إطلاق الاحتياط عليها.

وأمّا إذا لم يفصل بينها وبين الصلاة الواجبة فصلاً زمانياً فيحتمل أيضاً وجوب إعادة كل من الغسل والوضوء للمعادة احتياطاً ، وذلك لما أشرنا إليه من أنها وإن كانت نافلة إلاّ أنها معنونة بعنوان كونها صلاة الظهر مثلاً على تقدير وجود خلل في المأتي به ، فلا يمكن أن تكون تداركاً وموجبة للتحفظ على الواجب الواقعي إلاّ فيما إذا كانت مشتملة على جميع الأُمور المعتبرة في الواجب من الغسل والوضوء.

وبعبارة اخرى : إن لصلاة الظهرين فردين ، منها وجوبية ومنها صلاة ظهر استحبابية ومقتضى إطلاق ما دلّ على أنها تغتسل لصلاة الظهر أو الظهرين (١) عدم الفرق بين‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

٩٢

[٧٩٢] مسألة ٦ : إنما يجب تجديد الوضوء والأعمال المذكورة إذا استمر الدم‌ ، فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر يجب الأعمال المذكورة لها فقط ولا تجب للعصر ولا للمغرب والعشاء ، وإن انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط وهكذا. بل إذا بقي وضوءها للظهر إلى المغرب لا يجب تجديده أيضاً مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر (١).

______________________________________________________

الظهر الواجبة والمستحبة ، ولهذا تجب في المعادة احتياطاً إعادة الغسل والوضوء لها مطلقاً وإن لم يجب الغسل في النوافل.

ومن هذا يظهر الكلام في المعادة جماعة إماماً أو مأموماً ، فإنها وإن كانت نافلة إلاّ أنها لما كانت معنونة بعنوان الظهر أو غيرها فلأجل ذلك اعتبر فيها كل من الغسل والوضوء.

نعم ، في المعادة الواجبة لا تجب إعادتهما لأنها هي الصلاة الأُولى بعينها إلاّ أن يفصل بينهما فصلاً زمانياً.

شرطية استمرار الدم في وجوب التجديد‌

(١) في المقام مسألتان :

إحداهما : أن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة مثلاً لحظة وآناً ما وانقطعت بعد ذلك فهل يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة أو صلاتين والوضوء لكل منها على المشهور أو الغسل فقط على مسلكنا ، أو يكفي الغسل أو مع الوضوء للفريضة الواقعة بعدها فحسب؟

ثانيتهما : أن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة مثلاً قبل صلاة الفجر فاغتسلت وتوضأت لها فصلّت ثم بعد ذلك انقطع دمها فهل يجب عليها الاغتسال للفريضة الواقعة بعدها أو لا يجب؟

أمّا المسألة الثانية فيأتي التعرض لها في كلام الماتن قدس‌سره ونلتزم فيها‌

٩٣

بالوجوب ، لإطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن امرأة نفست إلى أن قال إن كانت صفرة فلتغسل ولتصل » (١) ، وصحيحة ابن نُعيم الصحاف حيث ورد فيها « فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة » (٢) ، فإن مفهومها المصرح به بعد ذلك بقوله « فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل » يدل على أن المرأة إذا رأت الاستحاضة الكثيرة بين الظهر والمغرب وجب عليها الاغتسال للمغرب ولا تكتفي فيها بالوضوء وهو الذي يقتضيه إطلاق الصحيحة الأُولى أيضاً كما عرفت « تؤخر هذه وتغتسل لهما غسلاً واحداً » (٣).

وأمّا المسألة الأُولى فهي التي تعرض لها في المقام ، فنقول : ذهب صاحب الجواهر قدس‌سره إلى أن رؤية الاستحاضة لحظة كافية في وجوب الأغسال الثلاثة أو الخمسة في الاستحاضة الكثيرة لولا مخافة خرق الإجماع ، وذلك لإطلاق الأخبار ، فإن المستفاد منها أن الاستحاضة حدث تحققه يقتضي الأغسال الثلاثة أو الخمسة (٤).

ولكن الصحيح أن الاستحاضة لا توجب حينئذ إلاّ غسل الانقطاع ، ولا تجب معها الأغسال الثلاثة بوجه ، وذلك لأن الموضوع لوجوب الأغسال الثلاثة في جملة من الأخبار (٥) هو المرأة المستحاضة لا ذات المرأة ، وهي غير صادقة مع الانقطاع.

نعم ، ورد في بعض الأخبار أن المرأة إذا رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة (٦) ، ويمكن أن يقال إن مقتضى إطلاقها وجوب الأغسال الثلاثة بمجرّد رؤية الاستحاضة ولو آناً ما.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النفاس ب ٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨.

(٤) الجواهر ٣ : ٣٣٠ / في الاستحاضة.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

(٦) الوسائل ٢ : ٣٧٦ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١.

٩٤

[٧٩٣] مسألة ٧ : في كل مورد يجب عليها الغُسل والوضوء يجوز لها تقديم كل منهما (١) ،

______________________________________________________

ولكن يرده أن الأخبار الدالّة على أنّ الأغسال الثلاثة من وظائف المستحاضة (١) قرينة على أن المراد بالمرأة إذا رأت الدم صبيباً في هذه الرواية هو المرأة ذات الدم والمستحاضة لا مجرّد الرؤية ولو آناً ما.

وثانياً : أن التمسّك بإطلاق الرواية أمر لا محصل له ، أفهل يمكن أن يقال إن مجرّد رؤية الاستحاضة ولو آناً ما موجبة للأغسال الثلاثة إلى الأبد كما هو ظاهر الرواية فالإطلاق غير مراد قطعاً ، وتقييده بيوم أو يومين أو أكثر لا معنى له ، فيتعين أن يكون المراد بالمرأة في الرواية هي المستحاضة ذات الدم كما ذكرناه ، بل يدل على ذلك ما ورد في بعض الروايات من أنها « تقدم هذه وتؤخر هذه » (٢) ، إذ لو كان الدم منقطعاً لم يكن أيّ موجب لتقديمها الصلاة وتأخيرها الصلاة الأُخرى ، بل لها الإتيان بها في أي وقت شاءت ، ومنه يعلم أن الأغسال وظيفة المرأة ذات الدم وهي التي تجمع بينهما بالتقديم والتأخير. هذا كله في الكثيرة.

ومنه يظهر الحال في المتوسطة وأنها إذا رأت الدم لحظة سواء كانت كثيرة قبلها أم لم تكن لا يجب عليها إلاّ غسل ووضوء للفريضة الآتية كما يأتي ، وأمّا في غيرها فلا يجب أن تتوضأ لكل صلاة ، بل لها أن تأتي بذاك الوضوء جميع فرائضها إذا لم تحدث بحدث ناقض للوضوء.

وكذا المستحاضة القليلة ، فإنها إنما تتوضأ للفريضة التي بعدها وحسب ولا تتوضأ بعدها لكل صلاة ، بل لها أن تكتفي بالوضوء الواحد في جميع صلواتها ما لم تحدث بحدث ناقض جديد.

(١) كما في المستحاضة المتوسطة ، وكذا الكثيرة بناء على ما هو المشهور من‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ ، ٤ ، ٦ ، ١٢ ، ١٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ وغيره.

٩٥

لكن الأولى تقديم الوضوء (١).

______________________________________________________

وجوب الوضوء فيها مع الغسل. والوجه في جواز تقديم كل منهما إطلاق الأخبار (١) الواردة في أنها تتوضأ وتغتسل وتصلِّي ، لعدم تقيّد الغسل أو الوضوء فيها بكونه واقعاً قبل الآخر أو بعده حتى إنها لو اغتسلت ترتيبياً جاز لها أن تأتي بالوضوء في أثناء غسلها.

أولويّة تقديم الوضوء‌

(١) لما ورد من أن الوضوء بعد الغسل بدعة (٢) ، فخروجاً عن احتمال البدعة الأولى تقديم الوضوء على الغسل ، وذلك لما قدّمناه من عدم تماميته فليراجع.

وعلى تقدير تماميته فالنسبة بينه وبين ما دلّ على جواز الجمع بين الغسل والوضوء في الاستحاضة نسبة العموم والخصوص المطلق ، لدلالة الأخبار على عدم حرمة الوضوء بعد الغسل في المقام ، فإن العبرة بإطلاق دليل المخصص لا العام ، وهو قد دلّ على جواز الوضوء قبل الغسل وبعده في الاستحاضة.

وتوضيح ذلك : أن جملة إن الوضوء بعد الغسل بدعة إن أُريد بها أن الغسل يغني عن الوضوء ، فالوضوء الواقع بعد الغسل لا أمر له فيقع بدعة لا محالة كما هو الظاهر منها ، فهي أجنبية عن محل الكلام ، لما عرفت من دلالة الأخبار على عدم إغناء الغسل عن الوضوء في المقام ، فهو تخصيص من عموم إغناء الغسل عن الوضوء ، فلا دلالة لها على بطلان الوضوء الواقع بعد الغسل في الاستحاضة.

وإن أُريد بها أن الغسل يشترط في صحته أن يقع بعد الوضوء ، فلو وقع الوضوء بعده وقع الغسل باطلاً مع وقوع الوضوء صحيحاً لعدم اشتراطه بشي‌ء ، ففيه أن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦ وغيرها.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٥ ، ٢٤٦ / أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٥ ، ٦ ، ٩ ، ١٠.

٩٦

اللاّزم على تقدير إرادة ذلك أن يقال الغسل قبل الوضوء بدعة ، لا أن الوضوء بعد الغسل بدعة ، فلا وجه لاحتمال إرادة ذلك من تلكم الجملة.

وأمّا إذا أُريد بها أن الوضوء يشترط في صحته أن يقع قبل الغسل بحيث لو وقع بعده بطل لعدم الأمر به ، فحينئذ وإن أمكن إرادته من الجملة المذكورة إلاّ أنّا نسأل عن أن المكلف إذا اغتسل قبل الوضوء وتوضأ بعد ذلك فهل يجب إعادة الغسل الأوّل أو لا يجب لوقوعه صحيحاً؟

فإن قلنا بوجوب إعادة الغسل فهو يرجع إلى الاحتمال المتقدم من اشتراط كون الغسل واقعاً بعد الوضوء بحيث لو وقع قبل الوضوء بطل ، وقد عرفت فساد إرادته من الجملة المذكورة.

وإن قلنا بعدم وجوب إعادة الغسل ، لأنه غير مشروط بشي‌ء بل وقع صحيحاً والمشروط هو الوضوء امتنع امتثال الأمر بالوضوء واستحال التكليف به ، لأنه تكليف بما لا يطاق حيث لا يتمكن المكلف من امتثاله ، إذ المفروض أنه اغتسل قبل الوضوء فلا يمكنه إيقاع الوضوء قبل الغسل ، لأنه تحقق أوّلاً وحكمنا بصحته ، فلو توضأ بعد ذلك فهو من الوضوء بعد الاغتسال.

فتحصل أن الجملة المذكورة لا يمكن أن يراد بها سوى أن الغسل يغني عن الوضوء ، وعليه فهي أجنبية عن المقام ، لدلالة الأخبار على عدم إغناء الغسل في الاستحاضة عن الوضوء وعدم كون الوضوء بدعة. هذا كلّه فيما إذا أوجبنا الوضوء مع الغسل.

وأمّا إذا لم نفت بالوجوب بل اعتبرناه احتياطاً كما في الاستحاضة الكثيرة إذا قلنا بالاحتياط فلا يجوز تقديم الغسل على الوضوء ، وهذا لا من جهة أن الوضوء بعد الغسل بدعة ، إذ معه يمكن الإتيان به رجاء ولا يكون الوضوء بدعة ، بل لما اعتبرناه من المبادرة إلى الصلاة بعد الطهارة ، فإنه يحتمل أن لا يكون الوضوء واجباً مع الغسل في الكثيرة واقعاً ، ومعه لا تتحقق المبادرة لتخلل الوضوء بينها وبين الاغتسال.

٩٧

[٧٩٤] مسألة ٨ : قد عرفت أنه يجب بعد الوضوء والغسل المبادرة إلى الصّلاة‌ لكن لا ينافي ذلك إتيان الأذان (١) والإقامة والأدعية المأثورة ، وكذا يجوز لها إتيان المستحبات في الصلاة ، ولا يجب الاقتصار على الواجبات ، فإذا توضأت واغتسلت أوّل الوقت وأخّرت الصلاة لا تصح صلاتها ، إلاّ إذا علمت بعدم خروج الدم وعدم كونه في فضاء الفرج (٢) أيضاً من حين الوضوء إلى ذلك الوقت بمعنى انقطاعه ولو كان انقطاع فترة.

______________________________________________________

وجوب المبادرة بعد الطهارة‌

(١) كما لا ينافي إتيانها بسائر المقدمات كذهابها من المغتسل إلى مصلاّها ونحوه وذلك لأن الواجب من المبادرة حسبما يستفاد من الأخبار إنما هو المبادرة العرفية بمعنى عدم التأخير والتواني عرفاً لا المبادرة العقلية ، والاشتغال بالمقدمات لا ينافي المبادرة العرفية بوجه ، لعدم كونها تأخيراً وتوانياً عرفاً.

(٢) والوجه في ذلك أن المستفاد من مثل قوله عليه‌السلام « تقدم هذه وتؤخر هذه » (١) وغيره من الأخبار الواردة في المقام أن المبادرة إنما تجب تحفظاً عن خروج الدم زائداً على المقدار المعلوم تخصيصه من ناقضية الدم.

فإن الدم الخارج من المستحاضة حدث ناقض للطهارة ، وإنما خصصنا ناقضيته بمقدار اغتسال المرأة وتوضئها وصلاتها ، ومعه لا بدّ من الاقتصار على المتيقن تخصيصه ، وهو صورة إتيانها بالصلاة بعد طهارتها من غير تأخير وتوان دون ما إذا أخرتها.

وهذا إنما يختص بصورة خروج الدم من المستحاضة ، وأمّا إذا انقطع ساعة أو أقل أو أكثر ولو انقطاع فترة فلا حدث ولا ناقض لطهارتها ليكتفى في الخروج عن ناقضيته بالمقدار المتيقن ، ومعه لا دليل على وجوب المبادرة ، فلها أن تؤخر صلاتها‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ وغيرها.

٩٨

[٧٩٥] مسألة ٩ : يجب عليها بعد الوضوء والغسل التحفّظ من خروج الدم‌ (١) بحشو الفرج بقطنة أو غيرها وشدّها بخرقة ، فإن احتبس الدم ، وإلاّ فبالاستثفار أي شد وسطها بتكة مثلاً وتأخذ خرقة أُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدّامها والأُخرى خلفها وتشدهما بالتكة أو غير ذلك ممّا يحبس الدم ،

______________________________________________________

إلى ساعة أو أقل أو أكثر وتصلِّي بعد ذلك بالغسل أو الوضوء السابقين.

وجوب التحفّظ من خروج الدم‌

(١) استدل عليه بالأخبار الآمرة بالاحتشاء والاستثفار وإدخال قطنة بعد قطنة (١) وغيرها مما هو بهذا المضمون ، وذكروا أنها إذا قصّرت في الاحتفاظ فخرج منها الدم بطلت صلاتها بل وغسلها أيضاً ، هذا.

والظاهر عدم وجوب ذلك بخصوصه على المرأة ، وذلك لأن الأمر بالاحتشاء والاستثفار وغيرهما لا يحتمل أن يكون أمراً مولوياً نفسياً ، بأن يكون ذلك من الواجبات النفسية في حق المرأة تعاقب على تركها ولا نعهد قائلاً بذلك أيضاً ، وإنما هو إرشاد إلى عدم خروج الدم من المستحاضة وهذا لعله مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام في أن الدم بنفسه وبما هو هو مانع عن الصلاة بحيث لو خرج عن المرأة من دون أن يصيب شيئاً من بدنها وثيابها أوجب بطلان صلاتها ، أو أن خروج الدم إنما يوجب البطلان من جهة مانعية النجاسة في الصلاة ، لاشتراطها بالطهارة الحدثية والخبثية معاً.

والظاهر من الأخبار الآمرة بالاحتشاء في المقام والذي يساعد عليه الارتكاز هو الثاني وأن خروج الدم بما هو دم لا يضر بحالها ، وإنما يضرها من جهة تلويثه بدنها ولباسها ، والأخبار إما ظاهرة في ذلك وإما إنها محتملة لذلك ، وأمّا كونها ظاهرة في أن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

٩٩

فلو قصّرت وخرج الدم أعادت الصلاة (١) ، بل الأحوط إعادة الغسل أيضاً (٢)

______________________________________________________

خروج الدم بما هو مانع عن الصلاة فلا.

وعلى ذلك فليس هذا شرطاً مختصاً بالمستحاضة بل هي كغيرها من المكلفين وهذا لا نحتاج في اشتراطه إلى الاستدلال بالروايات ، بل لو لم تكن هناك رواية كنّا نلتزم بذلك ، لاشتراط الصلاة بالطهارة الخبثيّة لا أن صلاة المستحاضة تزيد على صلاة غيرها.

فهذا الاشتراط لا أساس له في المقام ، ومعه إذا خرج الدم منها في أثناء غسلها أو بعده وغسلت ظاهر فرجها وثيابها المتلوثة به صح غسلها وصلاتها.

ومن ذلك يظهر أنها لو لم تزل الدم عن بدنها أو لباسها أو أنه خرج في أثناء صلاتها وتلوث به بدنها ولباسها لا تبطل بذلك سوى صلاتها ، وأمّا غسلها فهو مما لا موجب لبطلانه بوجه.

نعم ، إذا خرج منها الدم بعد غسلها وبطلت صلاتها وبعد الفصل بزمان أرادت أن تعيد صلاتها وجب عليها أن تعيد غسلها أيضاً ، لكنّه لا لبطلانه بخروج الدم بل للإخلال بالمبادرة الواجبة في حق المستحاضة.

فتحصل : أنه لا دليل على أن خروج الدم مبطل للصلاة أو الغسل تعبداً ، وإنما هو مبطل للصلاة على طبق القاعدة ، لاستلزامه التلويث ونجاسة البدن والثياب ، ومن هنا لو صلّت بعد غسلها أو إعادتها بعد خروج الدم من غير فصل زماني مخل بالمبادرة العرفية لم يجب عليها إعادة غسلها لاعتبار الوحدة بين طهارتها وصلاتها بالاتصال.

(١) لما مرّ من اشتراطها بالخلو من النجاسة الخبثية.

(٢) قد عرفت عدم وجوبه ، وأمّا الإعادة الاستحبابية فهي مطلب آخر.

١٠٠