موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وأمّا إذا لم نقل بالفورية وجوّزنا التأخير والفصل بين الاغتسال والصلاة فلا بدّ للحكم بوجوب الجمع بين الصلاتين من إقامة الدليل عليه.

ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار الواردة في المقام المصرحة بأنها تغتسل وتجمع بين الصلاتين بتقديم هذه وتأخير تلك (١).

بل يمكن أن يستدل بها على وجوب الفورية وعدم جواز التأخير بين الغسل والصلاة ، وذلك لأن التأخير إذا لم يجز في الصلاة الثانية لدلالة الروايات على أنها لا بدّ من أن تجمع بينهما ولا يجوز أن تؤخر الثانية عن الاولى لم يجز التأخير في الصلاة الأُولى أيضاً بعين ذلك الملاك ، للقطع بعدم الفرق بينهما من هذه الجهة.

وكذا يمكن الاستدلال على وجوب الفور بما دلّ على وجوب الغسل ثلاث مرات مشتملاً على كلمة « عند » كما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سمعته يقول : المرأة المستحاضة التي لا تطهر تغتسل عند صلاة الظهر وتصلِّي الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب فتصلِّي المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح فتصلِّي الفجر » (٢).

وذلك لأن ظاهر كلمة « عند » التي هي من الظروف الزمانية هو المقارنة الحقيقية وبما أنها غير ممكنة في المقام إذ لا يمكن الاغتسال حال الصلاة فلتحمل على المقارنة العرفية وهي بأن تتصل الصلاة بالاغتسال ، نظير قولنا اغسل يدك عند الأكل ، أو ادع بالدعاء الكذائي عند النوم ونحو ذلك ، لوضوح أن المراد به هو الاقتران العرفي لعدم إمكان المقارنة الحقيقية.

والوجه في حمله على الاقتران العرفي أعني الاتصال هو أنه لو غسل يده أو قرأ الدعاء الكذائي في ساعة ثم أكل بعد ست ساعات أو نام بعدها لا يقال عرفاً ولا عقلاً إنه غسل يده أو دعا بالدعاء الكذائي عند الأكل أو النوم ، بل يمكن استفادة لزوم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤. وفي نسخة « المستحاضة تغتسل عند صلاة ... ».

٦١

ويجوز تفريق الصلوات والإتيان بخمسة أغسال. ولا يجوز الجمع بين أزيد من صلاتين بغسل واحد (١) ،

______________________________________________________

الفورية من كلمة الفاء في قوله عليه‌السلام « تغتسل ... فتصلِّي » لأنّها ظاهرة في التفريع وكون الصلاة عقيب الاغتسال من غير فصل.

جواز التفريق بين الصلوات للمستحاضة‌

(١) ذكرنا أن المستحاضة في الكثيرة إذا أرادت أن تجمع بين الفريضتين اقتصرت على غسل واحد لهما ، وأمّا إذا أرادت التفريق فاغتسلت وصلّت الظهر ثم بعد فاصل زماني أرادت أن تصلِّي العصر فإن لم تحدث بحدث بين الصلاتين فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل في حقها للثانية ، لأنها متطهرة ولم يحدث منها حدث مبطل لها ، مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في المقام.

اللهمّ إلاّ أن نقول بوجوب المبادرة ، فإنه يقتضي عدم جواز اقتصارها على غسلها قبل صلاة الظهر ، وأمّا مع قطع النظر عن الأخبار ووجوب المبادرة فمقتضى القاعدة عدم وجوب الغسل في حقها للصلاة الثانية.

وأمّا إذا أحدثت بينهما بحدث فمقتضى القاعدة وجوب الغسل عليها للثانية مع قطع النظر عن الأخبار وعن وجوب المبادرة في حقها.

وذلك لأنها بعد ما أحدثت إما أن تأتي بالعصر مثلاً من دون غسل ولا وضوء وهذا غير محتمل لاشتراط الصلاة بالطهارة ، والمستحاضة محدثة حينئذ لارتفاع طهارتها بالحدث حسب الفرض ، وإما أن تأتي بالصلاة مع الوضوء ، وهو غير مشروع في حقها لدلالة الأخبار على أن الاكتفاء بالوضوء في الصلاة بعد الغسل مختص بما إذا كان الدم ثاقباً من دون تجاوزه عن الكرسف ، فلا يشرع في الاستحاضة الكثيرة ، وإما أن تأتي بالصلاة مع الاغتسال ، وهذا هو المطلوب ، هذا.

ويمكن استفادة وجوب الأغسال الخمسة أعني الغسل لكل صلاة عند التفرقة‌

٦٢

نعم يكفي للنوافل أغسال الفرائض (١).

______________________________________________________

بين الصلوات من المطلقات الواردة في المقام وهذا كما في صحيحة يونس بن يعقوب « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلِّي؟ قال : تنظر إلى أن قال فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة » (١).

وصحيحة محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن المرأة تستحاض إلى أن قال تغتسل المرأة الدميّة بين كل صلاتين » (٢).

فإن مقتضاهما وجوب الغسل على المستحاضة خمس مرات ، فتغتسل بين الفجر والظهر ، وبين الظهر والعصر ، وبين العصر والمغرب ، وبين المغرب والعشاء ، وبين العشاء والفجر ، أو تغتسل عند وقت كل صلاة ، وإطلاقهما شامل للمقام أيضاً.

وقد خرجنا عن إطلاقهما فيما إذا أرادت الجمع بين الصلاتين ، فالواجب حينئذ الغسل ثلاث مرات ، وهذا تخصيص وتقييد للمطلقتين لأنهما تقتضيان وجوب الغسل خمس مرات حتى فيما إذا جمعت بينهما ، إلاّ أن الأخبار الدالة على جواز اقتصارها على غسل واحد عند الجمع بينهما (٣) مقيدة ومخصصة لاطلاقهما ، وهي تدل على وجوب الغسل خمس مرّات في كل يوم إلاّ فيما إذا أرادت الجمع فالواجب عليها ثلاثة أغسال وفي غير هذه الصورة تبقى تحت الإطلاقين ولا بدّ من الغسل لكل صلاة.

النوافل يكفيها أغسال الفرائض‌

(١) قدمنا أن في المستحاضة بالقليلة لا بدّ لها من أن تتوضأ لكل صلاة من غير فرق بين الفرائض والنوافل ، وأمّا وجوب الغسل في المستحاضة بالكثيرة ثلاث مرّات‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٦ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

٦٣

فهل يختص بالفرائض ولا تحتاج إلى الغسل في النوافل بحيث إذا اغتسلت للصبح تأتي بها وبنافلتها وكذا في الظهرين والعشاءين ، أو لا بدّ من أن تغتسل للنوافل أيضاً؟

والصحيح عدم وجوب الغسل للنوافل.

وقد يتوهم أنه لا دليل على ذلك سوى الإجماعات المدعاة على أن المستحاضة إذا فعلت ما يلزمها من الوضوء والغسل وغيرهما كانت بحكم الطاهرة. ولا يمكن استفادة ذلك من النصوص (١).

إلاّ أن الأمر ليس كما توهم ، وذلك لإمكان استفادة ذلك من نفس الأخبار ، ويكفي في ذلك المطلقات الدالّة على وجوب الوضوء على كل مكلّف يريد الصلاة (٢) ، والمطلقات الدالّة على وجوب الوضوء على المستحاضة (٣) ، لأنها تدل على أن المستحاضة كغيرها تتمكّن من الاكتفاء بالوضوء في صلواتها ، وذلك كقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) (٤). حيث دلّ على أن كل مكلف محدث يريد الصلاة له أن يكتفي بالوضوء فقط ، خرج عنه الجنب لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) لدلالته على أن الجنب ليس له أن يكتفي بالوضوء ، بل لا بدّ من أن يغتسل للصلاة ، وخرجنا عنه في المستحاضة الكثيرة وفي مسّ الميِّت وغيرهما لما دلّ على أن الغسل يغني عن الوضوء ، وأمّا غير ذلك من الموارد ، كما إذا أرادت المستحاضة أن تصلِّي نافلة ، فمقتضى إطلاق الآية المباركة وغيرها من المطلقات أن المستحاضة يمكنها أن تكتفي بالوضوء فحسب.

وكذلك يمكن استفادة عدم وجوب الغسل للنوافل من النصوص الواردة في أن المستحاضة بالكثيرة تغتسل ثلاث مرّات ، وذلك لأنها على طوائف :

__________________

(١) المتوهم هو السيد الحكيم في المستمسك ٣ : ٣٩٤.

(٢) الوسائل ١ : ٣٦٥ ٣٦٩ / أبواب الوضوء ب ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٨ ، ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ١ ، ٧ ، ٨ ، ٢٨١ / ب ٥ ح ١ ، ٣٧٦ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٣.

(٤) المائدة ٥ : ٦.

٦٤

منها : ما دلّ على أنها تغتسل للفجر وغسلاً للظهرين وغسلاً للعشاءين ، كما في صحيحة معاوية بن عمار (١) ومرسلة يونس (٢) الطويلة المتقدمة وغيرهما.

ومنها : ما دلّ على أنها تغتسل عند صلاة الظهر وعند المغرب وعند صلاة الصبح كما في صحيح ابن سنان (٣).

ومنها : ما دلّ على أنها تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ، كما في صحيحة الصحّاف (٤).

وهي بأجمعها تدل على أن الغسل إنما يجب في الفرائض فقط عند الجمع بين الظهرين والعشاءين ولا يجب في غير الفرائض ، وإلاّ لوجب أن تتعرّض الأخبار لوجوبها في النوافل لأنها في مقام البيان. والنوافل كانت مورداً لابتلائهم في الأزمنة السابقة أكثر من الأزمنة المتأخرة ، لأنهم كانوا ملتزمين بها كالتزامهم بالفرائض ، ومع الابتلاء بها لا وجه لعدم تعرضهم لوجوب الغسل فيها سوى عدم كونه واجباً في النوافل.

ولا سيما صحيحة الصحاف التي صرحت بأن الواجب من الغسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات ، إذ لو كان الغسل واجباً في النوافل أيضاً لكان الواجب في اليوم والليلة أكثر من ثلاث مرات.

وأظهر من الجميع ما ورد في طائفة أُخرى ، وهي ما دلّ على وجوب الغسل عند وقت كل صلاة ، كما في صحيحة يونس بن يعقوب حيث ورد فيها « فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كل صلاة » (٥) وهو ثلاثة أوقات : بعد الفجر فإنه وقت صلاة الصبح ، وبعد الزوال فإنه وقت الظهرين ، وبعد المغرب فإنه وقت العشاءين.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٧٦ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١.

٦٥

ومقتضى إطلاقها أنها لو اغتسلت في هذه الأوقات الثلاثة كفتها في صلواتها الفرض والندب ، لدلالتها على أن اللازم هو الغسل في وقت الفريضة أتت بنافلة معها أم لم تأت بها ، وعليه لو اغتسلت للفرائض أمكنها إتيان النوافل أيضاً ، إلاّ أنها لا بدّ من أن تتوضأ للنافلة.

ثم إن في رواية إسماعيل بن عبد الخالق ورد « فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلِّي ركعتين قبل الغداة ثم تصلِّي الغداة ... » (١) وقد توهم من ذلك دلالتها على أن الاغتسال للفريضة كافٍ لفعل النافلة أيضاً.

وفيه : أن الرواية لا دلالة لها على عدم وجوب الغسل للنوافل بوجه ، وذلك لأنها إنما دلت على أنها لو اغتسلت للصبح جاز لها أن تأتي بها وبنافلتها ، وهو خارج عن محل الكلام ، لأن مقتضى الأخبار المتقدِّمة أن المستحاضة تتمكن من الجمع بين الصلاتين بغسل واحد ، سواء أكانتا فريضتين أم نافلتين أم فريضة ونافلة ، ومن المعلوم أن الصبح ونافلتها صلاتان فأمكن الجمع بينهما بغسل واحد ، ومثل ذلك خارج عن محل الكلام.

بل البحث فيما لو اغتسلت المستحاضة للفريضة هل تتمكن من أكثر من صلاتين كما لو اغتسلت للظهرين فهل يسوغ لها الإتيان بهما وبنافلتهما والمجموع عشر صلوات أو لا يسوغ؟ ولا دلالة للرواية على جوازه أو عدمه.

مضافاً إلى أن سندها غير تام بمحمد بن خالد الطيالسي الواقع في سندها (٢).

والصحيح في الاستدلال ما قدمناه ، وعليه إذا اغتسلت المستحاضة للفريضة أمكنها الإتيان بالفريضة مع الإتيان بأية نافلة أرادت قلّت أو كثرت من دون الاغتسال للنافلة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٧ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥.

(٢) الطيالسي موجود في كامل الزيارات فالرواية معتبرة على مسلك سيدنا الأُستاذ ( دام ظله ).

٦٦

لكن يجب لكل ركعتين منها وضوء (١).

______________________________________________________

وجوب الوضوء لكل ركعتين منها‌

(١) قدّمنا أن المرأة في الاستحاضة الكثيرة يجب أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرّات ، وهي مختصة بالفرائض ولا تجب الاغتسال للنوافل ، وهل يكفي غسلها للفرائض عن التوضؤ للنوافل بحيث إذا اغتسلت للمغرب جاز أن تنتقل للمغرب من دون وضوء ، وكذا في صلاة الصبح ، أو يجب أن تتوضأ لنوافلها ولا يغني الغسل عنه؟

الصحيح هو الأخير ، وذلك لأنّا وإن بنينا على أن كل غسل يغني عن الوضوء إلاّ أن غسل المرأة عن الاستحاضة الكثيرة لا يجزئ عن الوضوء للنافلة ، وذلك لأن النافلة إمّا أن تكون متأخرة عن الفريضة كما في صلاتي المغرب والعشاء ، وإما أن تكون متقدمة عليها كما في صلوات الصبح والظهرين.

أمّا النافلة المتأخرة عن الفريضة فلا ينبغي التردد في عدم كفاية الغسل للفريضة عن التوضؤ لها ، وذلك لأن المستفاد من الأدلّة الدالة على أن المستحاضة تغتسل وتصلِّي أو تغتسل وتتوضأ وتصلِّي أن الغسل والوضوء طهارة في حقها وأنها تصلِّي عن طهارة ، وهي مخصّصة للأدلّة الدالّة على ناقضية الحدث للطهارة ، بمعنى أن الدم الخارج منها بعدها إلى آخر الصلاة لا يكون ناقضاً لطهارتها ، كما ذكرنا نظيره في المبطون والمسلوس ، لا أن تلك الأدلّة مخصّصة للأدلّة الدالّة على اشتراط الصلاة بالطهور وأن المستحاضة أو المبطون والمسلوس مع كونهم محدثين فتجوز الصلاة في حقهم ، وذلك للقطع بأن المستحاضة لو أحدثت بالنوم أو البول والمبطون والمسلوس لو أحدثا بالنوم ونحوه لم يشرع في حقهم الصلاة بوجه وإن اغتسلوا أو توضؤوا قبله.

وكيف كان فالاغتسال والتوضؤ طهارة في حق المستحاضة والدم الخارج منها بعد اغتسالها ليس بناقض لطهارتها ، إلاّ أن المقدار الثابت من التخصيص في أدلّة النواقض ، إنما هو مقدار فريضة واحدة كما في صلاة الصبح أو مقدار فريضتين كما في الظهرين أو العشاءين على تقدير الجمع بينهما ، فالدم الخارج منها إلى آخر الفريضة أو الفريضتين محكوم بعدم الناقضية بمقتضى الأخبار.

٦٧

وأمّا إذا اغتسلت فصلّت الفريضة الواحدة ثم أتت بعدها بنافلة فلا دليل على عدم ناقضية الدم الخارج بعد الفريضة ، والمفروض استمرار الدم ، فالدم الخارج منها أثناء النافلة أو قبلها أي بعد الفريضة ناقض للطهارة بمقتضى أدلة النواقض ، فلا تتمكّن المرأة من الإتيان بالنافلة بعد الفريضة بالغسل الذي أتت به لأجل الفريضة.

وأمّا النافلة المتقدمة على الفريضة فهي أيضاً كذلك ولا يجوز للمستحاضة أن تأتي بها بالغسل الذي أتت به قبل النافلة لأجل الفريضة ، وذلك لما أسلفناه من وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الاغتسال ، ومع التراخي كما إذا اغتسلت وأتت بالنافلة وبعدها أرادت الإتيان بالفريضة ، لا تصح صلاتها ولا غسلها ، فإن الغسل الصحيح هو الذي يتعقب بالفريضة من دون تأخير ، وأمّا معه فلا دليل على مشروعية الغسل بوجه إلاّ أن يقوم دليل على عدم قادحية التأخير بإتيان النافلة بين الغسل والفريضة ورواية إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة المشتملة على قوله عليه‌السلام « فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلِّي ركعتين قبل الغداة ثم تصلِّي الغداة » (١) وإن كانت واردة فيما نحن فيه ، ولا إشكال في دلالتها على الجواز وصحة إتيان النافلة بالغسل الذي أتت به للفريضة ، إلاّ أنها ضعيفة السند بمحمد بن خالد الطيالسي ، فلا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء (٢) ،

ومع بطلان غسلها لا معنى لكونه مجزئاً عن الوضوء ، لأن الذي يغني عن الوضوء هو الغسل المأمور به دون غيره ، وعليه فالمرأة المستحاضة لا تتمكن من الإتيان بالنوافل إلاّ بوضوء بمقتضى إطلاق ما دلّ على أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة أو أنها تتوضأ وتصلِّي.

نعم ، إذا انقطع دمها وطهرت فلا مانع من أن تأتي بنافلتها بالغسل الذي أتت به للفرائض ، وذلك لما قدّمناه (٣) من إغناء كل غسل عن الوضوء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٧ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥.

(٢) تقدم أن محمد بن خالد الطيالسي ثقة لوجوده في أسناد كامل الزيارات.

(٣) في شرح العروة ٧ : ٤٠٢.

٦٨

[٧٨٨] مسألة ٢ : إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر لا يجب الغسل لها‌ (١) وهل يجب الغسل للظهرين أم لا؟ الأقوى وجوبه ، وإذا حدثت بعدهما‌

______________________________________________________

هذا كلّه في النوافل.

وأمّا قضاء الأجزاء المنسية فلأنها أجزاء الصلاة التي اغتسلت لأجلها ، غاية الأمر أن موضعها تبدل إلى مكان آخر ، ومع الاغتسال للصلاة لا وجه للاغتسال أو التوضؤ ثانية لأجزائها المنسية.

وأمّا صلاة الاحتياط فلأن الصلاة المأتي بها إما ناقصة في الواقع فالركعتان المأتي بهما في صلاة الاحتياط هما من أجزاء الصلاة التي اغتسلت لأجلها ، فلا حاجة فيهما إلى شي‌ء من الغسل أو الوضوء.

وإما هي تامة في الواقع ، فتكون صلاة الاحتياط أمراً زائداً ، لا يضر بطلانها بصحة الصلاة المأتي بها بوجه. وعلى أي تقدير لا يجب فيها الغسل ولا الوضوء.

وأمّا سجدتا السهو فالصحيح أنهما واجبتان مستقلتان لا يعتبر فيهما غسل ولا وضوء.

فتحصل أن قضاء الأجزاء المنسية كالسجدة الواحدة والتشهد ونحوهما وصلاة الاحتياط وسجدتا السهو الظاهر أنها لا تحتاج إلى غسل أو وضوء.

إذا حدثت المتوسطة بعد فريضة الفجر‌

(١) مع كونها طاهرة قبل صلاة الفجر وفي أثنائها أو كونها مستحاضة بالقليلة وبعدها صارت استحاضتها متوسطة ، لا ينبغي الإشكال في صحّة صلاتها المتقدِّمة أعني صلاة الفجر ، لوقوعها في وقتها مع الطهارة.

واحتمال أن تكون مشروطة بالاغتسال على تقدير استحاضتها بعدها بنحو الشرط المتأخر بحيث لو لم تغتسل بعدها بطلت صلاتها السابقة.

٦٩

فللعشاءين ، فالمتوسطة توجب غسلاً واحداً ، فإن كانت قبل صلاة الفجر وجب لها ، وإن حدثت بعدها فللظهرين ، وإن حدثت بعدهما فللعشاءين‌

______________________________________________________

مندفع بأن اشتراطها بالغسل على نحو الشرط المتأخر لا دليل عليه ، فإذا أتت بفريضة الوقت في وقتها تامة الأجزاء والشرائط حكم بصحتها وعدم وجوب إعادتها ولا قضائها.

إنما الكلام في الفرائض التي بعد استحاضتها فهل يجب عليها أن تغتسل للفرائض الآتية أو لا يجب؟ نسب إلى ظاهر كلماتهم عدم الوجوب بل لم يستبعد بعضهم تحقق الإجماع في المسألة ، نظراً إلى أنهم ذكروا أن الغسل يجب قبل صلاة الفجر ، وظاهره أن الاستحاضة إذا وقعت بعدها لم يجب عليها الاغتسال حينئذ.

بل تعجّب صاحب الجواهر (١) قدس‌سره من صاحب الرياض قدس‌سره حيث ذهب إلى وجوب الغسل عليها في مفروض الكلام.

ولكن الظاهر وفاقاً لكل من وقفنا على كلامه من المحققين بعده وجوب الغسل على المستحاضة مطلقاً ، سواء حدثت الاستحاضة قبل الفجر أو قبل الظهرين أو قبل العشاءين أو بعدها ، وذلك لإطلاقات الأخبار وعدم اختصاصها بما إذا كانت استحاضتها واقعة قبل صلاة الفجر.

وذلك لأن ما دلّ على وجوب الغسل الواحد في الاستحاضة المتوسطة منحصر في روايات أربع : اثنتان منها موثقتا سماعة (٢) ، وقد تضمنتا أن الدم إذا لم يثقب الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة ، وهما كما ترى مطلقة ولا تقييد فيهما بما إذا كان الثقب قبل صلاة الفجر.

__________________

(١) الجواهر ٣ : ٣٣٩ / في الاستحاضة ، وراجع الرياض ٢ : ١١٧ / في الاستحاضة.

(٢) الوسائل ٢ : ١٧٣ / أبواب الجنابة ب ١ ح ٣ ، ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦.

٧٠

والثالثة صحيحة زرارة (١) وقد ورد فيها « وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد » وإطلاقها غير خفي ، وأظهر من الجميع الرواية الرابعة وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ثم طهرت وصلّت ثم رأت دماً أو صفرة ، قال : إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل ولا تمسك عن الصلاة » (٢).

وقد أشرنا سابقاً إلى أنها من المطلقات الدالة على وجوب الغسل في الاستحاضة من دون تقييدها بالمتوسطة ولا الكثيرة ولا التقييد بالغسل مرة واحدة أو أكثر.

إلاّ أنه لا بدّ من الخروج عن إطلاقها في الاستحاضة القليلة بما دلّ على أن الواجب في صحتها هو الوضوء فتختص بالمتوسطة والكثيرة ، وعليه فتدل على أن في المتوسطة والكثيرة لا بدّ من الغسل مرة واحدة من غير تقييده بما إذا حدثت الاستحاضة قبل صلاة الفجر أو بعدها.

كما أن مقتضى مفهومها أن المرأة في مفروض الرواية لو رأت دماً أحمر لم يجب في حقها الاغتسال ، بل لا بدّ من الرجوع إلى أدلّة التمييز والبناء على كونه حيضاً ، لأنه دم رأته بعد نفاسها بثلاثين يوماً ومع كونه واجداً للصفات يحكم بحيضيته.

فتحصل إلى هنا : أن وجوب الغسل الواحد في المتوسطة من آثار ثقب الدم الكرسف من دون فرق بين حدوث الاستحاضة قبل صلاة الفجر أو بعدها ، وما ربما يظهر من كلام صاحب الجواهر (٣) قدس‌سره من تسالمهم على عدم الوجوب في غير محلِّه.

هذا كلّه في الاستحاضة المتوسطة وكذلك الحال في الاستحاضة الكثيرة ، لأنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على انها تغتسل للصبح والظهرين وللعشاءين (٤) عدم الفرق في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النفاس ب ٥ ح ٢.

(٣) الجواهر ٣ : ٣٣٨ / في الاستحاضة.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

٧١

كما أنه لو حدثت قبل صلاة الفجر ولم تغتسل لها عصياناً أو نسياناً وجب للظّهرين (١) وإن انقطعت قبل وقتهما بل قبل الفجر أيضاً (٢).

______________________________________________________

ذلك أي عدم الفرق بين حدوث الاستحاضة الكثيرة قبل صلاة الفجر أو بعدها فإذا حدثت قبل صلاة الظهرين وجب أن تغتسل لهما وللعشاءين وهكذا الأمر فيما إذا حدثت قبل صلاة المغرب.

لو حدثت المتوسطة قبل الفريضة ولم تغتسل لها‌

(١) لأن المستفاد من الروايات أن الغسل الواحد مشروط في جميع الفرائض اليومية ، ولا يختص اشتراطه بصلاة الفجر فقط ، وعليه فلو تركت الغسل للصبح عصياناً أو نسياناً وجب للظهرين والعشاءين.

(٢) إذا فرضنا أن المرأة استحاضت قبل وقت الصلاة وصارت متوسطة أو كثيرة ثم انقطعت ، فهل يكون هذا موجباً للغسل الواحد أو الأغسال المتعددة؟ أو أن الغسل إنما يجب فيما إذا حدثت الاستحاضة في وقت الصلاة أو استمرت إليه ، بحيث لو فرضنا أنها استحاضت قبل الوقت متوسطة ثم انقطعت وجب أن تغتسل مرة واحدة ، كما أنها بعد ما دخل الوقت وصلّت تبدلت استحاضتها بالكثيرة وانقطعت وجبت عليها الأحكام المترتبة على الاستحاضة الكثيرة أو أنها لا يجب في حقها شي‌ء؟

تأتي هذه المسألة في كلام الماتن قدس‌سره في المسألة ١٥ و ٢٣ ، ويتعرّض هناك إلى أن وجود الدم ولو قبل الوقت حدث موجب للغسل ، كما يأتي منّا أن ذلك هو الصحيح ولا يشترط في كونه حدثاً موجباً للغسل وجوده في وقت الصلاة ، لاستفادة ذلك من جملة من الأخبار.

عمدتها صحيحة الصحّاف حيث ورد فيها : « فلتغتسل ولتصل الظهرين ، ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لم يسل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصلّ ولا‌

٧٢

وإذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم غسلان ، وإن حدثت بعد الظهرين يجب غسل واحد للعشاءين (١).

[٧٨٩] مسألة ٣ : إذا حدثت الكثيرة أو المتوسطة قبل الفجر‌ يجب أن يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده (٢) ،

______________________________________________________

غسل عليها » (١) ، فإن مفهومها أنها إذا نظرت فيما بينها وبين المغرب وكان الدم يسيل وجب عليها الغسل ، مع أنها فرضت وجود الدم فيما بين الوقتين ولم تفرض وجوده بعد دخول المغرب أو بعد الزوال.

فدلّت هذه الصحيحة بصراحتها على عدم اشتراط وجود الدم بعد وقت الصلاة.

(١) كما عرفته في التعليقة السابقة على الأخيرة.

يجب تأخير غسل الكثيرة أو المتوسطة عن الوقت‌

(٢) هل يعتبر في الغسل الواحد أو المتعدد أن يقع بعد دخول الوقت أو يكفي اغتسالها قبل الوقت للفريضة بعد دخول وقتها؟

تتصوّر هذه المسألة على نحوين ، فإن المرأة قد ينقطع دمها قبل دخول الوقت إما أصلاً أو بالتبدل إلى القليلة ، وقد يستمر دمها إلى وقت الصلاة.

أمّا الصورة الأُولى فالظاهر جواز اغتسالها قبل الوقت ، لأن عبادية الطهارات الثلاثة لا تنشأ عن الأمر الغيري المتعلق بها ليتوهم أن الغسل قبل الوقت ليس متعلقاً للأمر الغيري لعدم كونه مقدمة حينئذ ، بل الأمر الغيري متعلق بعمل عبادي في نفسه ، فلا بد من أن تكون العبادية فيها ناشئة من أمر آخر وهو استحبابها النفسي لأنها طهور والله سبحانه ( يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ، ومعه لا مانع من أن تأتي المرأة بغسل الاستحاضة ولو قبل وقت الصلاة وتكتفي به بعد دخوله.

وأمّا الصورة الثانية فالصحيح عدم جواز الإتيان فيها بالغسل قبل الوقت ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٤ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

٧٣

المستفاد من الأخبار أن المقدمة هو الغسل الواقع بعد الوقت لا الواقع قبله ، وذلك لقوله عليه‌السلام : تغتسل عند الصبح أو عند الظهر أو عند وقت كل صلاة (١) ، فإن المستفاد من كلمة « عند » اعتبار المقارنة بين الصلاة والغسل ، وهذا إنما يتحقق فيما إذا اغتسلت في وقتها ، وأمّا اغتسالها قبل وقت الصلاة فهو لا يوجب صدق أنها اغتسلت عند الظهر أو عند وقت الصلاة ، بل يقال إنها اغتسلت قبل الوقت وقبل الصلاة.

وكذلك ما دلّ على أنها تؤخِّر هذه وتقدم تلك ، أو تؤخِّر الصلاة إلى الصلاة ثم تصلِّي صلاتين بغسل واحد (٢) ، فإنها تدل على اعتبار وقوع الغسل بعد وقت الصلاة هذا.

بل رواية إسماعيل بن عبد الخالق صريحة في ذلك ، لما ورد فيها « فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلِّي ركعتين قبل الغداة ثم تصلِّي الغداة » (٣) فإنها صريحة في لزوم كون الغسل بعد الفجر ، إلاّ أنها ضعيفة السند كما مر.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن بين غسلها قبل الوقت وصلاتها فصل زماني ، كما إذا اغتسلت في آخر جزء من الزمان المتصل بالوقت بحيث لو اغتسلت دخل وقت الصلاة بتمامه فتشرع في الصلاة من غير فصل أو بفاصل جزئي لا يخلّ بصدق المبادرة كما إذا كان بمقدار أذان وإقامة.

وأمّا لو أرادت أن تغتسل قبل الوقت بزمان ثم تصلِّي الفريضة بعد الوقت فلا إشكال في عدم جوازه ، لما تقدم من لزوم المبادرة إلى الصلاة بعد الاغتسال ، ومع الفصل الزماني بينهما يبطل غسلها وصلاتها.

فتحصل : أنه يعتبر في الغسل في المستمرة الدم أن يقع بعد الوقت ، نعم استثنى قدس‌سره من ذلك مورداً واحداً ، وهو ما إذا أرادت أن تصلِّي صلاة الليل واغتسلت لأجلها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤. ( نقل بالمضمون )

(٢) نفس الباب.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٧ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٥. تقدم [ في ص ٦٨ ] أنّها معتبرة.

٧٤

فلا يجوز قبله إلاّ إذا أرادت صلاة الليل فيجوز لها أن تغتسل قبلها (*) (١).

______________________________________________________

استثناء ما لو أرادت الإتيان بصلاة الليل‌

(١) حكي عن جماعة أن المستحاضة إذا أرادت أن تصلِّي صلاة الليل جاز لها أن تغتسل قبل الفجر وتأتي بصلاة الليل وبعدها تشرع في صلاة الفجر من غير أن تفصل بينهما فصلاً زمانياً ، ولا حاجة حينئذ إلى الاغتسال للفجر بعد دخوله.

وقد حكي الإجماع على ذلك في محكي الخلاف (٢) ، وعن صاحب الذخيرة (٣) أنه لا يعلم فيه خلافاً ولا نصاً ، فكأن المسألة إجماعية عنده من غير أن يرد عليها نص.

وذكر في الحدائق (٤) أن صاحب الذخيرة كأنه لم يقف على رواية الفقه الرضوي الدالة على أن المرأة في الاستحاضة القليلة يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة ، وفي المتوسطة تغتسل غسلاً واحداً وتتوضأ لكل صلاة ، وفي الكثيرة تغتسل لكل صلاتين فغسل للظهرين وغسل للعشاءين وغسل لصلاتي الليل والفجر (٥) فالمسألة منصوصة.

أقول : ويحتمل أن صاحب الذخيرة وقف على الرواية إلاّ أنه لم يعتمد عليها ، كما لا نعتمد نحن عليها كما مر غير مرة ، وعليه فلا نص في المسألة ، ولا يحتمل أن تكون المسألة إجماعية على نحو كاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام.

وعليه فجواز الاغتسال لصلاة الليل والإتيان بصلاة الفجر بعدها أمر مشهوري فحسب ، ولا بأس بالعمل به مع مراعاة الاحتياط بأن تغتسل وتصلِّي صلاة الليل وتغتسل بعد الفجر غسلاً آخر لصلاة الصبح ، ولا تكتفي باغتسالها لصلاة الليل قبل‌

__________________

(*) الأحوط أن تأتي بالغسل حينئذٍ رجاءً ثم تعيده بعد الفجر.

(١) نقل الحكاية في المستمسك ٣ : ٣٩٩ / في الاستحاضة وراجع الخلاف ١ : ٢٤٩ / المسألة [٢٢١].

(٢) الذخيرة : ٧٦ / في الاستحاضة ، التنبيه السادس.

(٣) الحدائق ٣ : ٢٩٠ / في الاستحاضة.

(٤) المستدرك ٢ : ٤٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

٧٥

[٧٩٠] مسألة ٤ : يجب على المستحاضة اختبار حالها‌ وأنّها من أيّ قسم من الأقسام الثلاثة بإدخال قطنة والصبر قليلاً ثم إخراجها وملاحظتها لتعمل بمقتضى وظيفتها ، وإذا صلّت من غير اختبار بطلت إلاّ مع مطابقة الواقع وحصول قصد القربة كما في حالة الغفلة (١).

______________________________________________________

الفجر ، بل مقتضى الاحتياط أن تغتسل لصلاة الليل رجاء ، لما قدمناه من عدم مشروعية الغسل للنوافل واختصاصها بالفرائض فحسب.

وجوب الاختبار على المستحاضة‌

(١) إذا رأت المرأة الدم وحكم عليه بكونه استحاضة إما لكونه في غير أيام العادة وإما لكونه أصفر ولم تعلم المرأة أنه من أيّ قسم من الأقسام الثلاثة ، وأنه هل يجب عليها الغسل مرة أو ثلاث مرات أو لا يجب أصلاً ، ذكروا أن الفحص واجب عليها حينئذ لتعمل بمقتضى حالها.

والكلام في ذلك يقع في مقامين :

أحدهما : فيما تقتضيه القاعدة.

وثانيهما : فيما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام.

أمّا المقام الأوّل قد يقال إن مقتضى القاعدة وجوب الفحص والاختبار ، لأن الرجوع إلى البراءة أو غيرها من الأُصول النافية في أمثال المقام موجب للعلم بوقوع المكلفات في مخالفة الواقع كثيراً ، وقد نسب إلى المشهور في جملة من الشبهات الموضوعية القول بوجوب الفحص دون إجراء البراءة مع أن المورد مورد البراءة لأجل ما أشرنا إليه من أن الرجوع فيها إلى الأُصول النافية مستلزم للعلم بوقوع أكثر المكلفين في مخالفة الواقع كثيراً ، كما إذا شك في الاستطاعة أو بلوغ المال النصاب أو في زيادته على المئونة ونحوها ، وفي المقام أيضاً لا بدّ من القول بوجوب الفحص وإن كانت الشبهة موضوعية ومورداً للبراءة في نفسه ، وذلك لوقوع النساء في مخالفة الواقع لو جرت الأُصول عند الشك في أقسام الاستحاضة ، هذا.

٧٦

وقد أجبنا عن ذلك في محلِّه (١) بأن إطلاقات أدلة الأُصول لا يمكن تقييدها بهذا الوجه الاعتباري ، لأن العلم بوقوع المكلفين في مخالفة الواقع لو كان مانعاً عن إجراء الأُصول لم يمكن إجراء شي‌ء منها في مواردها ، فإن مثل أصالة الطهارة لا إشكال في مخالفتها للواقع في بعض الموارد بالإضافة إلى المكلفين ، لعدم احتمال مطابقتها الواقع دائماً في حق كل من شك في طهارة شي‌ء ، غاية الأمر أن موارد المخالفة في مثل أصالة الطهارة أقل من البراءة في موارد الشك في الاستطاعة ونحوها ، إلاّ أن قلة موارد المخالفة وكثرتها لا تكون فارقة في المقام ، فهذا لا يكون مانعاً عن جريان الأُصول.

نعم ، لو علم المكلف أنه يقع بنفسه في مخالفة الواقع على تقدير إجرائه الأصل ولو في بعض الموارد كان هذا مانعاً عن جريانه للعلم بالمخالفة القطعية حينئذ ، وهذا ما سنشير إليه في القريب.

وأمّا العلم بأنه وغيره من المكلفين يقع في مخالفة الواقع فهو لا يمنع عن جريان الأصل بالإضافة إلى المكلف الشاك في التكليف ، فهذا الوجه ساقط.

والصحيح في المقام أن يقال إن المرأة إذا كانت ملتفتة إلى حالها وأنها تبتلي بالاستحاضة بعد ذلك أيضاً مرات كثيرة في عمرها فلو أجرت الأُصول النافية من البراءة عن وجوب الغسل أو الأغسال أو استصحاب عدم ثقب الدم أو عدم تجاوزه معه في جميع أيام استحاضتها لوقعت في مخالفة الواقع في بعض الموارد ، فمقتضى علمها الإجمالي هذا وجوب الفحص والاختبار في حقها وعدم جريان الأُصول في أطرافه ، وذلك لما بيناه في محلِّه (٢) من أن تنجيز العلم الإجمالي وعدم جريان الأصل في أطرافه لا يختص بما إذا كانت الأطراف دفعية ، بل إذا كانت تدريجية أيضاً لم تجر فيها الأُصول.

كما لا يفرق في التدريجية بين ما إذا كان متعلق الحكم تدريجياً وما إذا كان الحكم تدريجياً في نفسه كما في المقام ، على ما أسلفناه في محلِّه.

وأمّا إذا لم تلتفت إلى ذلك أي إلى أنها تستحاض كثيراً في عمرها أو التفتت إلى‌

__________________

(١) راجع مصباح الأُصول ٢ : ٥١٠ الجهة السادسة.

(٢) راجع مصباح الأُصول ٢ : ٣٦٨ التنبيه السادس.

٧٧

ذلك إلاّ أنها احتملت مطابقة الأُصول الجارية فيها للواقع ولم يحصل لها علم إجمالي بالمخالفة ولم تعلم أنها تقع في مخالفة الواقع على تقدير إجرائها الأُصول النافية فمقتضى البراءة عدم وجوب الغسل في حقها لا مرّة ولا ثلاثاً ، كما أن مقتضى الأصل عدم ثقب الدم وعدم تجاوزه ، لأن المتيقن إنما هو كون المرأة مستحاضة ، وأمّا ثقب الدم أو تجاوزه فهو مشكوك فيه فيدفع بالأصل ، فهذا الوجه لا يكون دليلاً في المقام لأنه أخص من المدعى ، فالعمدة هي الأخبار.

وأمّا المقام الثاني فلا إشكال في وجوب الفحص في حقها بالنظر إلى الأخبار ، لما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن المستحاضة إلى أن قال ولتستدخل كرسفاً فإن ظهر عن ( على ) الكرسف فلتغتسل ... » (١).

وفي الصحيح المروي في المعتبر عن كتاب المشيخة لأبن محبوب عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الحائض إذا رأت دماً إلى أن قال ثم تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل » (٢) ، حيث دلّتا على أن المستحاضة أي التي رأت الدم بعد حيضها يجب أن تختبر حالها بإدخال الكرسف والقطنة ، كما دلّتا على عدم جريان استصحاب عدم زيادة الدم أو تجاوزه وثقبه ، وهذا تخصيص في أدلّة الأُصول وإلحاق للشبهة الموضوعية بالشبهات الحكمية.

هل الفحص واجب نفسي؟

وإنما الكلام في أنه واجب نفسي أو أنه واجب شرطي أو أن وجوبه طريقي والاحتمالان الأوّلان في طرفي النقيض ، لأن مقتضى الأوّل أنها لو اغتسلت وتوضأت رجاء أو توضأت فقط وعلمت بمطابقة صلاتها للواقع لكون استحاضتها متوسطة أو كثيرة أو كونها قليلة ولكنها لم تفحص عن حالها صحّت صلاتها ولكنها عصت لتركها الفحص الواجب في حقها.

__________________

(١) الوسائل ٢. ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٧ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٤ ، المعتبر ١ : ٢١٥.

٧٨

ومقتضى الاحتمال الثاني أن صلاتها حينئذ باطلة لعدم كونها واجدة للشروط وهو الفحص.

وأمّا الوجوب الطريقي فهو بمعنى أن الفحص منجز للواقع وطريق إليه ، نظير وجوب التعلم للأحكام ، بحيث إنها لو لم تفحص وكانت صلاتها على خلاف الواقع استحقت العقاب ، وأمّا إذا تركت الفحص إلاّ أنها اغتسلت وتوضأت رجاء وكانت صلاتها مطابقة للواقع فصلاتها صحيحة ولا عقاب في حقها ، فهذه احتمالات ثلاثة.

وعلى احتمال أنه واجب طريقي يقع الكلام في أنه واجب مطلقاً حتى مع الاحتياط والإتيان بالغسل والوضوء رجاء أو أنه يختص بغير هذه الصورة.

الصحيح أن الفحص واجب طريقي وأنه منجز للواقع فحسب ، وذلك لأنه الظاهر من الروايتين حيث فرع فيهما وجوب الاغتسال على الاختبار وإدخال الكرسف أو القطنة ، وهو ظاهر في أن الاختبار إنما هو مقدّمة للعلم بما هو الوظيفة في حقها من الاغتسال وغيره ، لا أنه واجب نفساً أو شرطاً.

وعليه فلو تركت الفحص وتوضأت وصلّت وكانت صلاتها صحيحة في الواقع لكون الاستحاضة قليلة لم تستحق العقاب ، لأن الاختبار طريق إلى معرفة الحال والإتيان بالفريضة والواجبات ، ومع الإتيان بهما لا حاجة إلى الاختبار.

وهل وجوب الاختبار مطلق حتى في صورة الاحتياط ، بحيث ليس للمرأة أن تحتاط في إعمالها ، بل لا بدّ لها من الفحص والاختبار ، أو أنه غير مانع عن الاحتياط.

الصحيح هو الثاني ، لأن الوجوب الطريقي غير مناف للاحتياط ، لأنه وجب مقدمة للامتثال والإتيان بالواجب الواقعي ، ومع التمكّن من إتيانه بطريق آخر لا وجه للوجوب الطريقي.

اللهمّ إلاّ أن نقول إن الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي ، والمكلف مع التمكّن من الامتثال التفصيلي بالاختبار ليس لها الاختيار على الامتثال الإجمالي ، إلاّ أنّا لم نبن على ذلك وقلنا إنهما على حد سواء ، فالوجوب الطريقي لا يكون مانعاً عن الاحتياط.

٧٩

نعم ، هناك أمر آخر وهو أن الاحتياط في المقام ممكن في نفسه أو غير ممكن وهو بحث صغروي ، والظاهر عدم إمكانه في المقام إلاّ بالتكرار بناء على ما سلكناه من عدم وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة ، وذلك لما ذكرناه سابقاً من لزوم المبادرة إلى الصلاة في حق المستحاضة بعد الطهارة وأن الفصل بينهما مانع عن صحتهما.

فعلى ذلك لو توضأت المرأة واغتسلت ثم صلّت ، فعملها هذا وإن كان موافقاً لاحتمال الاستحاضة المتوسطة والكثيرة إلاّ أنه لا يوافق الاستحاضة القليلة لتخلل الغسل حينئذ بين الطهارة والصلاة ، وهو أمر أجنبي فصل بينهما فتبطل طهارتها وصلاتها.

ولو إنها عكست الأمر فاغتسلت أولاً ثم توضأت فقد وافقت احتمال الاستحاضة القليلة وخالفت احتمال الاستحاضة الكثيرة عندنا ، لاعتبار اتصال الغسل فيها بالصلاة ، لكلمة « الفاء » الواردة في رواياتها (١) و « أنها اغتسلت فصلّت » فلا يمكنها الإتيان بصلاة واحدة مستجمعة لاحتمالات القليلة والمتوسطة والكثيرة ، ومع الاحتمال لا يمكنها الاقتصار على ما أتت به.

نعم ، بناء على مسلك المشهور من وجوب الوضوء في الكثيرة لا مانع من الاحتياط ، وكذلك في المتوسطة ، لما يأتي من أن المرأة في موارد وجوب الجمع بين الوضوء والاغتسال تتخير في تقديم كل منهما وتأخيره.

نعم ، لها أن تكرر الصلاة فتصلِّي بالوضوء مرة ثم تتوضأ وتغتسل وتصلِّي مرة أُخرى ، وبذلك تقطع بفراغ ذمتها على جميع التقادير المحتملة في حقها ، هذا.

ثم إن الاختبار المستفاد من الروايتين المتقدمتين (٢) غير الاختبار الذي أوجبه الفقهاء في كلماتهم ، لأنهم أوجبوا الاختبار عند كل صلاة ، مع أن الروايتين تدلان على‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.

(٢) وهما صحيحتا عبد الرحمن بن أبي عبد الله ومحمد بن مسلم المذكورة في المشيخة وتقدّم ذكرهما في صدر المقام.

٨٠