موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

مقتضى صحيحة أبان وحسنته المتقدمتين (١) أن المدار في سقوط الغسل وعدمه هو إدراك المسلمين له وبه رمق الحياة فيغسل ، وبين إدراكهم له وليس به رمق فلا يغسل بلا فرق في ذلك بين أن تكون الحرب قائمة أم لم تكن ، وكان الميِّت في المعركة أو في خارجها ، إذ المناط صدق القتل في سبيل الله.

وحمل إدراك المسلمين له على إخراجه من المعركة أو إدراكه حيّاً بعد انقضاء الحرب كما ذكره المحقق الهمداني (٢) قدس‌سره.

مما لا موجب له ، لأنه ارتكاب خلاف ظاهر الروايتين ولا يمكن المصير إليه إلاّ بدليل ولا دليل عليه ، بل الإدراك باقٍ على معناه من وصول المسلمين إليه.

ودعوى : أن المسلمين جمع محلى باللام وهو يفيد العموم ، فلا يمكن إرادة إدراك واحد أو اثنين منهم ، ولا بدّ من حمله على إخراجه من المعركة أو على إدراكه بعد انقضاء الحرب ليشاهده عامّة المسلمين.

مندفعة بأنه وإن كان جمعاً محلى باللام وهو قد يراد منه العموم ، إلاّ أنه غير محتمل الإرادة في المقام ، لعدم إمكان أن يشاهد الشهيد جميع المسلمين في العالم.

وكذلك الحال إذا حملناه على جميع المسلمين المقاتلين ، لأنهم بأجمعهم لا يشاهدون القتيل لاشتغالهم بالحرب أو بسائر الأشغال. فلا بد من حمله على إرادة الطبيعة والجنس كما يستعمل فيه بكثير ، نظير قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... ) (٣) أو ( فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ ... ) (٤) فان الألف واللاّم فيهما بمعنى الطبيعة والجنس فيصدق على درك واحد من المسلمين أو اثنين أو أكثر.

فتحصل : أن المدار في سقوط التغسيل وعدمه إنما هو على إدراك المسلمين له وفيه رمق الحياة أو إدراكهم له وليس فيه رمق ، ولا اعتداد بكونه قتيلاً في المعركة وكانت‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٩ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٧ ، ٩. وتقدّم ذكرهما في ص ٣٧٧.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٦٧ السطر ٣٤.

(٣) التوبة ٩ : ٦٠.

(٤) الأنفال ٨ : ٤١.

٣٨١

الحرب قائمة أو منقضية ، هذا.

وقد أيّد المحقق الهمداني قدس‌سره ما ذكره من أن المراد من إدراكه المسلمين إخراجه من المعركة أو إدراكه حياً بعد انقضاء الحرب ، وكون المدار في سقوط التغسيل هو القتل في المعركة والحرب قائمة بقضية عمار بن ياسر ، فان الظاهر حضور المسلمين عنده حين استسقى فسقي اللبن الذي كان آخر شرابه من الدنيا مع أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يغسله كما يدل عليه أخبار مستفيضة (١). فدلّ ذلك على أنه لا عبرة بإدراك المسلمين وهو حي في وجوب التغسيل ، بل يسقط عنه التغسيل وإن أدركه المسلمون حيّاً ، لأنه قتل في المعركة والحرب لم تنقض.

وفيه : أن الأخبار الدالة على أنه عليه‌السلام لم يغسل عماراً ليست بمستفيضة ولا أنها بموثقة كما عبّر عنها في الحدائق (٢).

أمّا أنها ليست بمستفيضة ، فلأن جميع الأخبار تنتهي إلى مسعدة بن صدقة (٣) وغاية الأمر أنه قد يروي ذلك عن عمّار (٤) عن أبي جعفر ، وأُخرى عن بعض ولد عدي بن حاتم ، فهي مستفيضة من مسعدة لا من الامام عليه‌السلام فلا استفاضة في هذه الأخبار.

وأما أنها ليست بموثقة فلما ذكرناه في محلِّه (٥) من أن مسعدة عامي أو بتري لم تثبت وثاقته ، فما استشهد به من الأخبار ساقط عن حيِّز الاعتبار ، هذا كلّه في هذه المقدِّمة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٧ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٤.

(٢) الحدائق ٣ : ٤١٤.

(٣) نعم في آخر باب ١٤ من أبواب غسل الميت رواية أُخرى تنتهي إلى أبي البختري ولكنها ضعيفة ، وأما مسعدة بن صدقة فإنه موجود في أسناد كامل الزيارات ، وكذلك في تفسير علي بن إبراهيم القمي قدس‌سرهما.

(٤) كذا في مورد من التهذيب [ ١ : ٣٣١ / ٩٦٨ ] وفي الاستبصار [ ١ : ٢١٤ / ٧٥٤ ] مصدق بن صدقة كما أن في مورد آخر من التهذيب [ ٦ : ١٦٨ / ٣٢٢ ] والاستبصار [ ١ : ٤٦٩ / ١٨١١ ] مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام.

(٥) معجم الرجال ١٩ : ١٥١ / ١٢٣٠٥ وبمضمونه في رجال الكشي : ٣٣ / ٦٤.

٣٨٢

الثانية : من وجب قتله برجم أو قصاص‌ (١)

______________________________________________________

وأما مقدّمته الاولى : وهي أنه قد استظهر درك المسلمين عماراً وبه رمق ، ففيها : أن هذا مما لم نقف عليه في رواية ولو ضعيفة ، بل المنقول في ترجمته (١) أنه دعا باللبن قبل خروجه إلى المعركة فشربه ، وكان آخر شرابه من الدنيا كما قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « آخر شرابك ضياح من لبن » ثم خرج إلى القتال فاستشهد ، إذن لا يمكن المساعدة على ما أفاده.

نعم ، روى الكشي (٢) كما في رجال المامقاني قدس‌سره (٣) عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت قيس بن أبي حازم قال قال عمار بن ياسر : ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم ، إلاّ أنها غير قابلة للاعتماد عليها ، لأن في سندها أربعة من المجاهيل فلا يمكننا رفع اليد عن ظواهر الأخبار المعتبرة بأمثال ذلك من الروايات.

فالصحيح ما ذكرناه من أن المدار في سقوط الغسل عن الشهيد إنما هو على درك المسلمين له وليس فيه رمق الحياة ، سواء كان في المعركة وحال الحرب أو في خارجها وبعد انقضائها.

نعم ، في رواية زيد بن علي قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه ، وإن بقي أياماً حتى تغير جراحته غسّل » (٤) إلاّ أنها ضعيفة بالحسين بن علوان ولم يعمل الأصحاب بمضمونها.

المستثنى الثاني : من وجب قتله‌

(١) سقوط الغسل عن المرجوم والمقتص منه من المسائل المتسالَم عليها بين‌

__________________

(١) تنقيح المقال ٢ : ٣٢١ السطر ٥ / ٨٥٩٨.

(٢) رجال الكشي ٣٣ / ٦٣.

(٣) تنقيح المقال ٢ : ٣٢٢ السطر ٢ / ٨٥٩٨.

(٤) الوسائل ٢ : ٥٠٨ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٥ وتقدم وثاقة حسين بن علوان.

٣٨٣

الأصحاب ، ولم ينقل فيها خلاف من أحدٍ فيما نعلمه ، وإنما الكلام في مدرك هذا الحكم المتسالَم عليه.

وقد استدلّ عليه بما رواه الكليني والشيخ قدس‌سرهما عن مسمع كردين عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما. والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ( ثم يقاد ) ويصلى عليه » (١).

وقد ورد ذلك في رواية أُخرى مرسلة ، وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أنه لا مناص من العمل على طبقها ، والأصحاب قد عملوا بها يقيناً.

والوجه في ذلك ليس هو انجبار ضعف الرواية بعملهم ، لأنّا لا نرى الانجبار بعملهم ، بل من جهة أن المسألة محل الابتلاء ، إذ الرجم وإن كان لا يتفق إلاّ قليلاً ، بل لم يتفق في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام إلاّ في بعض الموارد ، إلاّ أن القصاص كان مورد الابتلاء في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصر علي عليه‌السلام وفي زمان الخلفاء ، فلو كان الغسل واجباً على المرجوم والمقتص منه لاشتهر ونقل لكثرة الابتلاء به ، مع أنه لم ينقل ذلك بوجه ولا توجد فتوى بوجوب التغسيل عليهما ، وقد ذكرنا في جملة من الموارد أن المسألة إذا كانت مما يبتلى بها كان الحكم فيها على تقدير وجوده مشهوراً لا محالة ، فنفس عدم الاشتهار في مثله دليل على العدم.

ومن ذلك مسألة الإقامة ، حيث إن الأخبار الدالة على وجوبها كثيرة إلاّ أن المشهور بين المتقدِّمين لم يلتزموا فيها بالوجوب ، ولأجله قلنا بعدم وجوب الإقامة لأنها مسألة يُبتلى بها في اليوم مرّات ، فلو كانت واجبة لنقل واشتهر ولم يخف على المشهور بين الأصحاب ، فنفس عدم الاشتهار يدل على عدم الوجوب. والمقام أيضاً من هذا القبيل ، هذا كله في أصل المسألة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥١٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٧ ح ١.

٣٨٤

فإن الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص أو العام يأمره (١)

______________________________________________________

التحاق كل من وجب قتله بالمرجوم

وهل يلحق بالمرجوم والمقتص منه كل من وجب عليه القتل في الشريعة المقدّسة كما في اللواط والزنا بالمحارم وارتكاب بعض المنكرات أو أن الحكم بسقوط التغسيل مختص بالموردين؟

المصرّح به في كلمات جماعة هو الإلحاق فكأنهم حملوا الرجم والقصاص على المثال ، إلاّ أن الصحيح هو اختصاص الحكم بالموردين ، وذلك لأنّا لم نعتمد على الرواية في المقام حتى يدعى دلالتها على التعميم بحمل الموردين على المثال ، وإنما استدللنا بالتسالم والإجماع وهما لبّيان ، ويقتصر في الأدلّة اللبّية على القدر المتيقن وهو المرجوم والمقتص منه ، فإلحاق غيرهما بهما قياس ، هذا.

وبعد ذلك يقع الكلام في خصوصيات المسألة وأن هذا الاغتسال قبل الرجم والاقتصاص هو غسل الميِّت وقد قدم على الموت فيعتبر فيه ما يعتبر في غسل الميِّت من التغسيل مرة بالماء القراح وأُخرى بماء السدر وثالثة بماء الكافور ، أو أنه كغسل التوبة حتى يغفر الله له ذنبه فلا يعتبر فيه الخليط؟

وهل يعتبر فيه أن يكون الغسل بأمر الإمام أو نائبه أو لا يعتبر ذلك؟ إلى غير ذلك من الخصوصيات.

هل يشترط أمر الإمام أو نائبه بالغسل؟

(١) وقع الكلام في أن الغسل من المرجوم والمقتص منه هل يشترط في صحّته الأمر به من الامام عليه‌السلام أو غيره ، أو لا يعتبر فيه الأمر بوجه ، وعلى تقدير اعتبار الأمر فهل الآمر هو الإمام أو نائبه أو لا يتعيّن ذلك في شخص؟

٣٨٥

ذكر الماتن قدس‌سره أنه يغتسل بأمر الإمام أو نائبه الخاص أو العام ، وذكر في آخر كلامه أنه لو اغتسل من غير أمر الإمام أو نائبه كفى ، فكأنه يرى أن الأمر واجب نفسي لا شرط في صحة الاغتسال.

واستدلّ على ذلك بأن غسل الميِّت واجب كفائي على المسلمين ، وحيث إن المرجوم أو المقتص منه يباشر بنفسه ذلك الواجب على المسلمين ، مع أنه لا بدّ من أن يصدر من المسلمين فاعتبر صدوره منهم بالتسبيب والأمر به.

وبعبارة اخرى : إن الواجب على المسلمين هو المباشرة لتغسيل الميِّت كما في غير المرجوم والمقتص منه ، وبما أن المباشرة لا يمكنهم فيهما لأنهما يتصديان له بنفسهما فاعتبر صدور التغسيل الواجب منهم بالأمر به والتسبيب إليه.

وهذا الوجه وإن ذكره صاحب الجواهر قدس‌سره (١) إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن وجوب التغسيل كفاية على المسلمين إنما استفدناه من الروايات الدالّة على وجوب تغسيل الأموات ، وهي كما ترى مختصة بالميت ، والمرجوم والمقتص منه حيان فلا مقتضي ولا سبب لتوهّم الوجوب الكفائي في مثلهما ليقال : إن المباشرة لما كانت من المرجوم والمقتص منه فاعتبر من المسلمين الإصدار بالتسبيب بالأمر به ، هذا.

وقد يقال : إن منشأ الوجوب الكفائي هو رواية مسمع كردين لدلالتها على أن المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ثم يرجمان فيصلّى عليهما فيدفنان ، والأمر في « يغسلان ويحنّطان » (٢) متوجه إلى المسلمين وهما من باب التفعيل ، وحيث أن المباشرة غير ممكنة لتصدي المرجوم والمرجومة لذلك فيعتبر منهم إصدار الغسل بالتسبيب والأمر به.

وهذا الوجه وإن كان لا بأس به إلاّ أن النسخة لم تثبت أنها « يغسلان ويحنطان » ‌

__________________

(١) الجواهر ٤ : ٩٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٣ / أبواب غسل الميّت ب ١٧ ح ١.

٣٨٦

وإن رواها في الوسائل كذلك فان الشيخ (١) وصاحب الوافي (٢) قد نقلا الرواية عن الكليني هكذا : « إنهما يغتسلان ويتحنطان ».

وفي شهادة مثل الشيخ والفيض كفاية ، وإن كانت نسخة الكافي الموجودة كما رواه في الوسائل ولكنها غير ثابتة ، وغاية الأمر أن تصبح الرواية مجملة لعدم ثبوت شي‌ء من النسختين ، هذا أولاً.

وثانياً : أن المستند في المسألة ليس هو الرواية حتى نستدل بكلمة « يغسلان ويحنطان » وذلك لضعفها كما مر ، وإنما المدرك فيها هو الاشتهار وكونها مورداً للابتلاء فالدليل لبي ويقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو الغسل فقط ، وأما اعتبار الأمر في ذلك شرطياً أو نفسياً فهو مندفع بأصل البراءة ، هذا كله في أصل اعتبار الأمر وعدمه.

ثم على تقدير القول به فهل يعتبر أن يكون الأمر من الامام عليه‌السلام أو نائبه أو يكفي الأمر به من سائر المسلمين؟

الرواية مطلقة وليس فيها تقييد بكون الأمر من الامام على تقدير دلالتها على اعتبار الأمر في الاغتسال فلا دليل على هذا التقييد.

وكون المتصدي للحد هو الامام عليه‌السلام أو نائبه لا ينافي جواز صدور الأمر بالاغتسال من غيره ، فيأمره غير الامام بالاغتسال والإمام عليه‌السلام أو نائبه يقيم الحد ، لأن الحد لا يقيمه غير الإمام أو نائبه ، فعلى ذلك فاشتراط الأمر بالاغتسال مبني على الاحتياط خروجاً عن مخالفة من اعتبره في الاغتسال وإن لم يكن معتبراً كما مرّ.

ثم إن محل البحث في المقام هو اعتبار الأمر في خصوص غسل المرجوم والمقتص منه بما هو غسل صادر منهما ، وأما وجوب الأمر به من باب تبليغ الأحكام لجهالة المرجوم والمقتص منه أو من باب الأمر بالمعروف فهو مما لا إشكال فيه ، إلاّ أنه أمر‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٤ / ٩٧٨.

(٢) الوافي ٢٤ : ٣٥٠ / أبواب التجهيز ب ٦٣ ح ٩. إلاّ أنّ فيه « ... ويحنّطان ».

٣٨٧

أن يغتسل (*) غسل الميِّت مرة بماء السدر ومرة بماء الكافور ومرة بماء القراح (١) ثم يكفن كتكفين الميِّت إلاّ أنه يلبس وصلتين منه وهما المئزر والثوب قبل القتل واللّفافة بعده (**) (٢) ويحنط قبل القتل كحنوط الميِّت ثم يقتل فيُصلّى عليه ويُدفن‌

______________________________________________________

آخر أجنبي عمّا نحن بصدده.

الأُمور المعتبرة في اغتسال المرجوم والمقتص منه‌

(١) مقتضى إطلاق الأمر بالغسل في الرواية أن الاغتسال في المقام كغيره من الأغسال يكفي فيه الماء القراح فلا وجه لاعتبار التعدد والمزج فيه.

ودعوى أنه غسل الميِّت قد قدم فيعتبر فيه ما يعتبر في غسل الميِّت من التعدّد والخليط بالسدر والكافور.

مندفعة بأن غسل الميِّت إنما هو عقيب الموت وهو ساقط في المرجوم والمقتص منه قطعاً كالشهيد فليكن الغسل قبل الرجم والقصاص غسلاً مستقلا برأسه ، إذ لم يقم دليل على أنه غسل الميِّت قد قدم.

على أنّا لو سلمنا أنه غسل الميِّت قد قدم فليس لنا إطلاق يدل على اعتبار التعدد والخليط بالسدر والكافور في مطلق غسل الميِّت ولو كان مقدماً على الموت ، وإنما ذلك ثبت في تغسيل الميِّت أي بعد الموت.

(٢) ذكر صاحب الجواهر قدس‌سره (١) أنه لم يعثر على من تعرض لكيفية التكفين في المقام فلا قائل بما ذكره الماتن قدس‌سره في التكفين من أنهما يلبسان الإزار والمئزر ويلبسان اللفافة وهي المسماة بـ ( سرتاسري ) بعد قتلهما ، بل مقتضى‌

__________________

(*) اعتبار الأمر في صحة الغسل وكون غسله كغسل الميّت مبنيّان على الاحتياط.

(**) الظاهر أنه يلبس جميع الوصلات قبل القتل.

(١) الجواهر ٤ : ١٠٠.

٣٨٨

بلا تغسيل. ولا يلزم غسل الدم من كفنه (١) ولو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل (٢) ، ويلزم أن يكون موته بذلك السبب فلو مات أو قتل بسببٍ آخر يلزم تغسيله (٣)

______________________________________________________

الأمر بالتكفين والتحنيط أن يلبسا جميع الأثواب الثلاثة حتى اللفافة ولا ينافي ذلك القتل بالرجم وهو واضح.

وأما في القصاص أي القتل بالذبح فيفتح منها المقدار اللازم في الذبح ثم بعد ذلك يشدّ.

(١) تعتبر الطهارة في الأكفان بحيث لو تنجس شي‌ء منها وجب غسله أو تبديله ولا يعتبر هذا في المقام ، وذلك لأن التنجس من لوازم القتل رجماً أو قصاصاً ، ومع ورود الرواية في مورد البيان أو مع كون المسألة محل الابتلاء لم يرد ما يدل على تغسيل الأكفان في المرجوم والمقتص منه.

لو أحدث قبل القتل‌

(٢) أما الحدث الأصغر فعدم انتقاض الغسل به وعدم وجوب الإعادة بسببه إنما هو لإطلاق الرواية وكلمات الأصحاب قدس‌سرهم.

وأما الحدث الأكبر ، فلما قدمناه من أن الغسل من الأحداث الكبيرة ليس من الواجبات النفسية وإنما وجوبها شرطي ولأجل الصلاة ، وحيث إن المرجوم والمقتص منه يقتلان فلا موجب لوجوبه في حقهما ، كما أنه لا دليل على وجوبه على غيرهما بأن يغسلهما من الأحداث الكبيرة حتى الجنابة.

وأما عدم انتقاض الغسل السابق به فلعدم دلالة الدليل عليه.

يُعتبر استناد موته إلى الرّجم أو القصاص‌

(٣) كما إذا مات من الخوف ، أو ألقى نفسه من شاهق ، أو قتله شخص آخر ظلماً وعدواناً.

٣٨٩

والوجه في لزوم تغسيله حينئذ ، أن سقوط الغسل في الموردين ووجوب التغسيل في حال الحياة حكم على خلاف القاعدة ، ولا بدّ في مثله من الاقتصار على مورد النص والتسالم ، وهو ما إذا اغتسل للرجم أو القصاص وقتل بسببهما ، وفي غير هذا المورد يرجع إلى مقتضى القاعدة والعمومات ، وهي تدل على وجوب تغسيل كل ميت ، ولعل هذا مما لا إشكال فيه.

وإنما الكلام فيما إذا اغتسل للرجم فقتل قصاصاً أو بالعكس ، أو أنه اغتسل للقصاص لزيد فقتل قصاصاً لعمرو ، فهل يجب أن يعيد غسله أو أنه إذا لم يغتسل ثانياً يجب تغسيله بعد موته أو لا؟

لا يبعد القول بسقوط الغسل وعدم وجوب إعادته ولا تغسيله بعد موته ، وذلك لأن الخارج عما دل على وجوب التغسيل بعد الموت فردان : المرجوم والمقتص منه فاذا اغتسل المكلف لهذا أو ذاك ، أي للجامع بينهما سقط عنه التغسيل بعد الموت والمفروض أن ذلك قد تحقق فلا محالة يسقط عنه التغسيل بعد الموت ، وغاية الأمر أنه كان ناوياً للغسل للرجم ولم يتحقق الرجم وتحقق الفرد الآخر ، إلاّ أنه لا يشترط في سقوط الغسل قصد الوجه ونية التعيين ، بل الغسل لأحدهما موجب لسقوط التغسيل بعد الموت ، وهذا قد تحقق على الفرض ، هذا إذا اغتسل للرجم وقتل قصاصاً.

وأما إذا اغتسل للقصاص من جهة فقتل قصاصاً من جهة أُخرى فالأمر فيه أوضح ، لأن الغسل لطبيعي القصاص أو الرجم موجب لسقوط الغسل بعد الموت فان الحكم ثابت للطبيعي القصاص أو الرجم لا لأفراده ، وقصد الفرد المعين لا أثر له ، هذا.

إلاّ أن مقتضى الاحتياط إعادة الغسل ثانياً للسبب الثاني قبل قتله أو تغسيله بعد موته إذا لم يُعد الغسل ثانياً ، وذلك لأنه إذا احتملنا أن يكون للرجم أو القصاص الذي اغتسل لأجله دخل في سقوط الغسل بعد الموت لا بدّ من الرجوع إلى المطلقات الدالّة على وجوب تغسيل كل ميت إلاّ أن يعيد غسله ثانياً للسبب الثاني ، وذلك لأنه مع الشك في التخصيص الزائد لا مناص من الرجوع إلى المطلقات.

٣٩٠

ونيّة الغسل من الآمر (*) ولو نوى هو أيضاً صح ، كما أنه لو اغتسل من غير أمر الإمام عليه‌السلام أو نائبه كفى ، وإن كان الأحوط إعادته (١).

[٨٦٧] مسألة ٦ : سقوط الغسل عن الشهيد والمقتول بالرجم أو القصاص من باب العزيمة لا الرخصة‌ (٢) ، وأمّا الكفن فان كان الشهيد عارياً وجب تكفينه (٣) وإن كان عليه ثيابه فلا يبعد جواز تكفينه (**) فوق ثياب الشهادة ولا يجوز نزع ثيابه وتكفينه (٤) ،

______________________________________________________

نيّة الغسل من الآمر‌

(١) ما ذكره قدس‌سره من أن نية الغسل من الآمر عجيب ، وكذا ما ذكره بعد ذلك من أنه لو نوى هو أيضاً صح ، بمعنى أن النيّة واجبة بينهما على نحو التخيير ، وذلك لأن الغسل عمل مأمور به للمرجوم والمقتص منه ، فلا بدّ أن يتصدّى هو لنيّة فعله لأنه عبادي ، ولا معنى لأن يتصدّى لنيّة العبادة غير فاعلها.

سقوط الغسل عزيمة :

(٢) للنهي عن تغسيل الشهيد ، ولعدم جواز غسل دمه ، فكأن الله سبحانه شاء أن يلقى الشهيد ربه متلطخاً بدمه ، وللنص والتسالم على تقديم الغسل في المرجوم والمقتص منه على الموت.

(٣) كما مرّ في مسألة العراة (١).

جواز التكفين فوق الثياب‌

(٤) ولعلّه لأن الأخبار الواردة في الشهيد إنما دلت على أنه يدفن بثيابه ، ولا دلالة لها على عدم جواز تكفينه فوق الثياب.

__________________

(*) بل هي من المأمور.

(**) فيه إشكال بل منع.

(١) في الصفحة ٣٧٩.

٣٩١

ويستثنى من عدم جواز نزع ما عليه أشياء يجوز نزعها كالخف والنعل والحزام إذا كان من الجلد وأسلحة الحرب. واستثنى بعضهم الفرو ولا يخلو عن إشكال خصوصاً إذا أصابه دم. واستثنى بعضهم مطلق الجلود وبعضهم استثنى الخاتم ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والحزام والسراويل » والمشهور لم يعملوا بتمام الخبر ، والمسألة محل إشكال ، والأحوط عدم نزع ما يصدق عليه الثوب من المذكورات (١).

______________________________________________________

وفيه : أنه قدس‌سره إن أراد بالتكفين فوق الثياب التكفين المستحب الذي يستحب أن يكون من البرد اليماني كالقطعة الرابعة بل الخامسة غير القطعات الواجبة الثلاثة أعني الإزار والمئزر واللفافة فهو كما أفاده ، لأن ما دل على استحباب الرابعة أو الخامسة غير قاصر الشمول للشهيد. إلاّ أن هذا غير مراد للماتن قدس‌سره لأن الكلام في التكفين الواجب ، وأن سقوطه عن الشهيد سقوط عزيمة أو رخصة كالتغسيل ، وليس في التكفين المستحب سقوط عزيمة أو رخصة وهو ظاهر.

وإن أراد بذلك التكفين الواجب ، فيرد عليه أن الأخبار الواردة في الشهيد قد دلت على أن أكفانه ثيابه ، وأن الثياب كافية في تكفينه.

إذن لا دليل على التكفين الزائد على ذلك ، والتكفين من دون أمر ملحق بالتشريع فالصحيح أن سقوط التكفين كالتغسيل سقوط عزيمة لا رخصة.

ما يُستثنى من عدم جواز النزع‌

(١) الصحيح أنه لا استثناء في ثياب الشهيد ، بل لا بدّ من دفنه بما له من الثياب ولا يجوز نزع شي‌ء من أثوابه.

نعم ، ورد في رواية زيد بن علي عليه‌السلام : « ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلاّ أن يكون أصابه دم ، فإن أصابه دم ترك‌

٣٩٢

ولا يترك عليه شي‌ء معقود إلاّ حُلّ » (١) إلاّ أنها ضعيفة السند ولا يمكن الاستدلال بها في مقابل الأخبار الدالّة على أن الشهيد يدفن بدمائه وثيابه.

والذي يسهل الخطب أن جملة من الأشياء التي استثنوها في المقام خارجة عن الثياب بالتخصص ، فإن الثياب في لغة العرب أخص من الملبوس وإن لم يكن الأمر كذلك في لغة الفرس فالخاتم ملبوس ولكنه خارج عن الثياب جزماً ، وكذلك الخف والحزام إذا كانا من الجلود.

نعم ، السراويل من الثياب لدخولها فيها عند الإطلاق كما في المقام وإن كان خارجاً عنها بالمعنى الأخص الذي هو بمعنى الإزار ، كما إذا وردا متقابلين بأن قلنا مثلاً : السراويل والثياب.

فلا وجه لما حكي عن المفيد وابن الجنيد (٢) من إيجاب نزع السراويل عن الشهيد إلاّ أن يكون فيها دم.

وأما الفرو فلا نرى فرقاً بينه وبين العباءة وغيرها من الثياب التي تلبس فوق الثياب ، إذ لا يعتبر في الثوب أن يكون منسوجاً فان الثوب قد يكون من الجلد.

وعلى الجملة : كلّ ما علمنا دخوله في الثياب حرم نزعه ، وما علمنا خروجه عنها جاز نزعه ، وأما إذا شككنا في شي‌ء أنه من الثياب أو غيرها فهو شبهة مفهومية للثوب ومرجع الشك إلى الشك في حرمة نزعه ولا بد معه من الرجوع إلى الأصل وهو يقتضي عدم ثبوت الحرمة في نزع المشكوك ثوبيته.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥١٠ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ١٠ ، وتقدّم أنّ السند معتبر.

(٢) حكاه عنهما في المستمسك ٤ : ١٠٨ ، وراجع المقنعة : ٨٤ ، المختلف ١ : ٢٣٩ / المسألة [١٨٠].

٣٩٣

[٨٦٨] مسألة ٧ : إذا كان ثياب الشهيد للغير ولم يرض بإبقائها‌ ، تنزع (١) وكذا إذا كانت للميت ولكن مرهونة عند الغير ولم يرض بإبقائها عليه.

[٨٦٩] مسألة ٨ : إذا وجد في المعركة ميت لم يعلم أنه قتل شهيداً أم لا‌ فالأحوط تغسيله وتكفينه (٢) خصوصاً إذا لم يكن فيه جراحة وإن كان لا يبعد (*) إجراء حكم الشهيد عليه.

______________________________________________________

إذا كان ثياب الشهيد للغير‌

(١) وذلك لأنّ الأمر بالدفن مع الثياب إنما يشمل الثياب التي تصلح للتكفين بها في نفسها ، وأما ما لا يصلح لذلك فهو غير مشمول للأمر بوجه ، كما إذا كانت ملكاً للغير أو متعلقاً لحق الغير كما في المتن فاذا نزعت ثيابه ، فان كان له ثوب آخر صالح للتكفين به في نفسه دفن معه ، وإذا لم يكن له ثوب بعد النزع فهو من العراة ويجب تكفينه كما سبق.

الميِّت في المعركة إذا لم يعلم شهادته‌

(٢) هذا الاحتياط وإن كان استحبابياً لا محالة ، لعدم استبعاد الماتن إجراء حكم الشهيد عليه ، إلاّ أنه استحبابياً كان أم وجوبياً غير ممكن في المقام ، وذلك لما تقدّم قبل أسطر من أن سقوط التغسيل والتكفين في الشهيد عزيمة لا رخصة وأنه لا يجوز غسل دمائه ، فإنه على ذلك يدخل المقام في كبرى دوران الأمر بين المحذورين ، لأنه إن كان شهيداً حرم تغسيله وتكفينه وغسل دمائه ، وإن لم يكن شهيداً وجب ، ولا معنى للاحتياط حينئذ ، لعدم إمكان الاحتياط ، والممكن إنما هو أحد الأمرين فحسب ، نعم إذا لم يكن على بدنه دم فهو قابل للاحتياط كما يأتي.

__________________

(*) بل هو بعيد.

٣٩٤

وأمّا عدم استبعاد كونه شهيداً فإنما هو لمجرّد الظهور ، حيث وجد في المعركة ، أو من باب إلحاق الظن بالشي‌ء بالأعم الأغلب ، وشي‌ء منهما لا اعتبار به.

ودعوى أن السيرة جارية على إلحاقه بالشهيد ساقطة ، إذ أي سيرة جرت على إجراء أحكام الشهيد على من شك في شهادته.

نعم ، قد تكون الشهادة مورد الاطمئنان ، لأن أفراد المعسكر معلومين ، وكل أُمراء الصفوف يدرون أن من عندهم برز إلى ميدان القتال فقتل.

وكيف كان ، فان كان هناك أمارة على الشهادة مفيدة للقطع أو الاطمئنان فهي وإلاّ فالمسألة يبتني حكمها على حكم كبروي وهو جريان الأصل في الأعدام الأزلية وذلك للشك في أن القتل أو الموت هل اتصف بكونه في سبيل الله أم لم يتصف ، ففي حال حياته لم يكن موت ولا اتصاف بكونه في سبيل الله ، فإذا علمنا بحدوثه وشككنا في اتصافه بذلك وعدم اتصافه ، فالأصل أنه لم يتصف بكونه في سبيل الله فيجب تغسيله وتكفينه.

بل المورد من موارد الأصل النعتي ، لأن الظاهر من الأخبار (١) أن المقتول في سبيل الله لا يغسل حيث استثني من وجوب تغسيل الميِّت المقتول فراجع ، فالقتل في سبيل الله صفة للإنسان ، لا أن الكون في سبيل الله صفة للموت أو القتل. وبين العنوانين فرق ظاهر ، فإن الأول مورد للأصل النعتي ، وذلك لأن ذلك الشخص الخارجي كان غير متصف بالقتل في سبيل الله قبل موته والأصل أنه الآن كما كان ، ومقتضى هذا الأصل وجوب تغسيله وتكفينه كما عرفت.

وعلى الجملة : القتل في سبيل الله صفة حادثة مسبوقة بالعدم وعند الشك فيها يستصحب عدمها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٠٩ و ٥١٠ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٧ ، ٩ ولا يضرّ باعتبار الثاني كون ابن سنان في السند في الكافي [ ٣ : ٢١٢ / ٥ ] والتهذيب [ ١ : ٣٣٢ / ٩٧٣ ] لأنّ المراد به عبد الله كما استظهره صاحب الوسائل.

٣٩٥

[٨٧٠] مسألة ٩ : من أُطلق عليه الشهيد في الأخبار من المطعون والمبطون والغريق‌ والمهدوم عليه ومن ماتت عند الطلق والمدافع عن أهله وماله لا يجري عليه حكم الشهيد إذ المراد التنزيل في الثواب (١).

______________________________________________________

وكذا الحال في المرجوم والمقتص منه ، لأنهما صفتان حادثتان مسبوقتان بالعدم. نعم إذا لم يكن الميِّت به أثر جراحة ولا دم ، قابل للاحتياط ، ولكنه مع الدم فقد عرفت أنه من دوران الأمر بين المحذورين ولا بدّ فيه من الرجوع إلى الاستصحاب كما ذكرناه.

مَن لا يجري عليه حكم الشهيد‌

(١) يمكن الاستدلال عليه بوجوه :

منها : أن الشهيد منصرف إلى المستشهد في المعركة فهذه الأخبار الواردة في الموارد المذكورة في المتن (١) منصرفة إلى التنزيل بحسب الثواب لا التنزيل منزلة الشهيد من‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٥ : ١١٩ / أبواب جهاد العدوّ ب ٤٦ والمستدرك ١ : ١٤٣ / أبواب الاحتضار ب ٣٩ ح ٤٠ ، ٤٧ ، ٤٨ وفي الأخير « الطعن شهادة والطاعون شهادة ، والحرق شهادة ». وفي الفقيه ١ : ٨٤ / في غسل الميِّت ، الرقم ٣٨٢ ، قال عليه‌السلام : « موت الغريق شهادة » وورد في الوسائل ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١١ ح ٣ : « فإنك تكون إذا مت على طهارة متّ شهيداً ». وفي الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « يا أبا محمد إن الميِّت منكم على هذا الأمر شهيد ، قلت : وإن مات على فراشه ، فقال إي والله على فراشه حي عند ربه يرزق ». وغيرها من الروايات ، راجع الوافي ٥ : ٨٠٢ / ٣٠٦٦ باب البشارات للمؤمن.

والحاصل : مضافاً إلى ما ذكره السيد الأستاذ ، أوّلاً : أن الأخبار الواردة في الموارد المذكورة في المتن غير « المدافع » كلها ضعاف ، مضافاً إلى أنه لا ينحصر بالموارد المذكورة. وثانياً : أن في بعض تلكم الموارد ورد النص المعتبر بتغسيلهم كما في الغريق والمحروق راجع الوسائل ٢ : ٤٧٥ / أبواب الاحتضار ب ٤٨ ح ٣ ، ٤ ، ٥١٢ / أبواب غسل الميّت ب ١٦ ح ٢.

٣٩٦

حيث الثواب والأحكام الشرعية المترتبة عليه ولو بملاحظة الأخبار الواردة في القتيل في سبيل الله والقتيل بين الصفين.

ومنها : أن السيرة جارية على تغسيل وتكفين المبطون والمطعون والمقتول دون أهله وماله ومن ماتت عند الطلق ، ولم يسمع أن التي تموت عند الطلق لم تغسل ولم تكفن ، بل تدفن بثيابها من غير غسل.

مع أن الموارد المذكورة محل الابتلاء فلو كان حكمهم حكم الشهيد ولم يجب فيهم التغسيل والتكفين لاشتهر الحكم وكان من الأُمور الواضحة. مع أنه لم يفت فقيه بسقوط الغسل والكفن في هذه الموارد.

ومنها : أنّا لو لم ندّع الانصراف وأغمضنا النظر عن السيرة الجارية على التغسيل والتكفين ، أيضاً لا يمكننا إلحاق المذكورين بالشهيد ، وذلك لأن الأخبار الواردة في تلك الموارد بأنفسها تدل على أن التنزيل إنما هو بحسب علوّ المقام وعظم المنزلة والثواب ، لا أنه بحسب الأحكام الشرعية ، وذلك لأنها دلت على أن المذكورين في الروايات شهيد ، فنزّلوا منزلة مطلق الشهيد وطبيعيه ، ومن الظاهر أن طبيعي الشهيد ليس له حكم شرعي ، فإن سقوط التغسيل والتكفين من الأحكام المترتبة على قسم خاص من الشهيد ، وهو الشهيد الذي أدركه المسلمون وليس به رمق الحياة ، أو الذي قتل في المعركة أو الأعم منها ومن خارجها على الخلاف.

فالمقتول في سبيل الله على قسمين : قسم يغسّل ويكفّن كالذي أدركه المسلمون وهو حي ، وقسم لا يغسّل ولا يكفّن وهو الذي أدركوه ولم يكن به رمق الحياة والجامع بينهما ليس بموضوع للحكم بعدم تغسيله وتكفينه ، وحيث إنهم قد نزّلوا منزلة مطلق الشهيد دون الشهيد الذي أدركه المسلمون ولا رمق له ، فيعلم من ذلك أن التنزيل إنما هو بحسب علوّ المنزلة والثواب ، لترتبهما على طبيعي الشهيد ، لا أنه بحسب الأحكام الشرعية ، وهذا الوجه هو المعتمد عليه.

٣٩٧

[٨٧١] المسألة ١٠ : إذا اشتبه المسلم بالكافر‌ فان كان مع العلم الإجمالي بوجود مسلم في البين وجب الاحتياط بالتغسيل والتكفين وغيرهما للجميع (١) وإن لم يعلم ذلك (٢) لا يجب شي‌ء من ذلك (*) (٣).

______________________________________________________

إذا اشتبه المسلم بالكافر‌

(١) كما إذا علمنا أن أحد الميتين مسلم ، فيحتاط بتكفينهما وتغسيلهما والصلاة عليهما ، لأن الكافر لا يحرم تجهيزه حرمة ذاتية ، وإنما لا يجوز تشريعاً فمع الاحتياط لا تشريع في البين.

(٢) بأن وجدنا ميتاً وشككنا في إسلامه وكفره ، ومفروض الكلام ما إذا لم توجد هناك شي‌ء من أمارات الإسلام.

(٣) للشك في وجوب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ، وهو شبهة وجوبية بدوية فيدفع بأصالة البراءة ، هذا.

والصحيح هو وجوب التغسيل والتكفين والصلاة عليه في جميع موارد الشك في الكفر والإسلام ، بلا فرق في ذلك بين موارد العلم الإجمالي وغيرها ، وذلك لأن الأخبار الواردة في وجوب التغسيل والتكفين مطلقة وغير مقيدة بأن يكون الميِّت مسلماً ، وقد دلت على وجوب تغسيل الميِّت مطلقاً (٢).

نعم خرجنا عنها في الكفار بالمخصص المنفصل الخارجي حيث ورد أن النصراني لا يغسله مسلم ولا كرامة (٣) وألحقنا به غيره من فرق الكفار لعدم الخصوصية في التنصر.

__________________

(*) لا يبعد الوجوب ولا اعتبار بصغر الآلة وكبرها.

(١) الوسائل ٢ : ٤٧٦ / أبواب غسل الميّت ب ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٤ / أبواب غسل الميِّت ب ١٨ ح ١.

٣٩٨

وفي رواية : يميز بين المسلم والكافر بصغر الآلة وكبرها (١).

______________________________________________________

إذن يكون الواجب تغسيله وتكفينه من الأموات هو الميِّت الذي لا يكون كافراً وحيث إنه ميت بالوجدان فلا مانع من إحراز عدم كفره بالاستصحاب ، لأن الكفر صفة وجودية مسبوقة بالعدم ، حيث إن الكفر على ما ذكرناه غير مرة هو الاتصاف بإنكار الله سبحانه والنبوة والمعاد ، أعني الاتصاف بعدم الإسلام ، وليس مجرّد عدم الإسلام كفراً ، فان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، كالعمى والبصر فان مجرّد عدم البصر ليس عمى وإنما هو الاتصاف بعدم البصر ، فلا يمكننا في المقام وأمثاله استصحاب عدم إسلامه ، لأنه لا أثر له. والأثر مترتب على الاتصاف بعدم الإسلام ، واستصحاب عدمه لا يثبت الاتصاف بالعدم ، بل نستصحب عدم كفره ونضم الوجدان إلى الأصل فنثبت أنه ميت ليس بكافر ، فيدخل تحت المطلقات الدالة على وجوب تغسيله وتكفينه وغيرهما من الآثار المترتبة على الميِّت المسلم.

ومن ثمة قلنا إن من شك في كفره وإسلامه وكذا اللقيط ولو في دار الكفر إذا احتمل أن يكون أبوه أو امه مسلماً لا يحكم بكفره ونجاسته باستصحاب عدم إسلامه ، بل يستصحب عدم كفره ، أو عدم كفر أبيه أو امه ، وبه يحكم بطهارته ، لأن النجاسة مترتبة على الكفر ، ومن لم يحكم بكفره فهو طاهر.

نعم ، لو كان الأثر مترتباً على إسلامه كجواز التزويج منه ، لم يمكن ترتيبه عليه لاستصحاب عدم إسلامه ، كما تقدّم في محلِّه.

العلامة المميزة للمسلم‌

(١) الرواية صحيحة أو حسنة باعتبار إبراهيم بن هاشم رواها الشيخ عن حماد ابن عيسى أو يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر : لا تواروا إلاّ من كان كميشاً يعني من كان ذكره صغيراً وقال : لا يكون ذلك إلاّ في كرام الناس » (١) وقد جعل الفقهاء كصاحب الوسائل‌

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ١٤٧ / أبواب جهاد العدوّ ب ٦٥ ح ١. التهذيب ٦ : ١٧٢ / ٣٣٦.

٣٩٩

ولا بأس بالعمل بها في غير صورة العلم الإجمالي (١) ، والأحوط إجراء أحكام المسلم مطلقاً بعنوان الاحتمال وبرجاء كونه مسلماً.

[٨٧٢] مسألة ١١ : مسّ الشهيد والمقتول بالقصاص‌ بعد العمل بالكيفية السابقة لا يوجب الغسل (*) (٢).

______________________________________________________

والماتن وغيرهما ذلك أمارة مميزة بين الكافر والمسلم وإن لم يعملوا على طبقها وقالوا إن موردها وإن كان وقعة بدر إلاّ أن التعليل الوارد فيها يعم غيرها من الموارد.

والصحيح أن الرواية لا دلالة لها على أن ذلك علامة مميزة بين الطائفتين ، وذلك للجزم بأن الإسلام والكفر ليسا من الأسباب الموجبة لصغر الآلة وكبرها ، فان غير أمير المؤمنين وفاطمة ( سلام الله عليهما ) كانوا كفاراً ثم أسلموا ، فهل يحتمل أن اختلفت آلتهم عما كانت عليه بإسلامهم ، إذن كيف يجعل ذلك أمارة مميزة بين الكفّار والمسلمين.

والرواية أيضاً لم تدل على أنها مميزة بين الطائفتين ، وإنما دلت على الأمر بمواراة كميش الذكر من غير فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم ، لأن صغر الآلة على ما يقولون ولعلّه الصحيح إنما يوجد في الكرام والنجباء ، كما أن كبرها علامة على عدمهما ، فكأنه كلّما قرب من الحيوانات وجد بعض أوصافها.

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد منّ على الكفار بعد غلبة المسلمين في وقعة بدر بالأمر بمواراة النجباء منهم والأشراف فحسب ، لئلاّ تبقى أجسادهم من غير دفن ، فلا دلالة في الرواية على التمييز بذلك بين المسلمين والكافرين.

(١) وفيه : أن الرواية لو كانت واردة للتمييز بين المسلمين والكافرين بتلك الصفة كما هو ظاهر عبارته ، لم يكن فرق في ذلك بين موارد العلم الإجمالي وغيرها.

(٢) تقدّمت هذه المسألة في البحث عن وجوب غسل مسّ الميِّت (٢) وقلنا إن‌

__________________

(*) وجوبه ولا سيّما في مسّ الشهيد أظهر وأحوط.

(١) في ص ٢٤٥ المسألة [٨٣١].

٤٠٠