موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وأمّا بناءً على أن مدرك الولاية هو الأخبار ، فلأن غاية ما يمكن استفادته من الأخبار أنّ الولي مقدّم على غيره من الأرحام والأجانب كما احتملناه في الآية المباركة ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (١) على ما ورد في بعض الأخبار فالولي أولى بالإضافة إلى غيره من الأقرباء والحق له ، وأمّا أنّ الولي أولى بالإضافة إلى نفس الميِّت أيضاً فيتقدّم حقّه عليه فهذا لم يثبت بوجه ، لأنّ الميِّت أولى بنفسه من غيره.

وهكذا غير الميِّت ، لأنّه ليس أحد أولى إلى الشخص من نفسه سوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (٢) وعلى ذلك لم يثبت حق الولي بالإضافة إلى الميِّت ، بل الميِّت أولى بنفسه منه فله الوصية بما شاء فله أن يراعي نفسه ويوصي بما شاء لمن شاء كما إذا أوصى أن يدفن في مكان خاص فإنّه ليس للولي تغيير ذلك. وهكذا إذا أوصى أن يصلّي عليه شخص معين ، فاطلاقات أدلّة الوصية محكّمة ولم يقم دليل على خلافها ، لعدم ثبوت كونها على خلاف المقرّر في الشرع.

نعم ، هناك كلام آخر وهو أن معنى نفوذ الوصية وصحّتها أن للوصي حق التصدِّي للصلاة أو غيرها ممّا أوصى له الميِّت ، وأمّا أن قبولها واجب على الوصي ولا مناص من أن يباشرها بنفسه فهذا ممّا لم يثبت بدليل ، كيف وهو إضرار وإلقاء له في الحرج ولو جاز لصحّت الوصية بأن يحج عنه ويصلّي ويصوم ويقوم بسائر الأعمال الواجبة أو المستحبّة ، ولا إشكال في أن قبولها لو كان واجباً على الوصي كان ذلك ضرراً وأمراً حرجياً لا محالة ، وكيف كان فلا يجب قبول الوصية على الوصي بل له ردّها وإنّما الوصيّة تولّد حقاً للوصي في القيام بما أوصى به ، وأولوية له بالإضافة إلى الغير.

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٦.

٣٠١

[٨٥٧] مسألة ٨ : إذا رجع الولي عن إذنه في أثناء العمل لا يجوز للمأذون الإتمام‌ ، وكذا إذا تبدّل الولي بأن صار غير البالغ بالغاً أو الغائب حاضراً ، أو جنّ الولي أو مات فانتقلت الولاية إلى غيره (١).

[٨٥٨] مسألة ٩ : إذا حضر الغائب أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون‌ بعد تمام العمل من الغسل أو الصلاة مثلاً ليس له الإلزام بالإعادة.

[٨٥٩] مسألة ١٠ : إذا ادّعى شخص كونه وليّاً أو مأذوناً من قبله‌ أو وصيّاً فالظاهر جواز (*) الاكتفاء بقوله ما لم يعارضه غيره وإلاّ احتاج إلى البيّنة ، ومع عدمها لا بدّ من الاحتياط (٢).

______________________________________________________

(١) والوجه فيما ذكره في هذا الفرع وتاليه ظاهر لا يحتاج إلى مزيد بيان.

دعوى الولاية على الميِّت‌

(٢) كأنه شبّه قدس‌سره المقام بمن ادعى مالاً ولم يكن له معارض فان مقتضى النص والسيرة جواز الاكتفاء بقوله ، إلاّ أنّه ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ النص مختص بالمال ولا يسوغ التعدِّي عنه إلى غيره ، والسيرة مفقودة في المقام ، لعدم جريانها على قبول دعوى مدعي الولاية أو الوصاية أو المأذونية من قبل الولي.

نعم ، السيرة قامت على قبوله فيما إذا كانت الجنازة بيد من يدعي الولاية أو المأذونية أو الوصاية ، أو كانت الجنازة بيد جماعة يدعي واحد منهم الولاية من غير معارض كما هو المشاهد في الجنائز الخارجية.

وأمّا إذا لم تكن الجنازة بيده أو بيد جماعة كما إذا كانت هناك جنازة وجاء أحد يدعي الولاية أو المأذونية أو الوصاية عليه فلا سيرة ولا دليل آخر على قبول دعواه‌

__________________

(*) فيه اشكال بل منع ، نعم إذا كان الميِّت في يده قُبل قوله فيه.

٣٠٢

[٨٦٠] مسألة ١١ : إذا أكره الولي أو غيره شخصاً على التغسيل أو الصلاة على الميِّت‌ فالظاهر صحّة العمل إذا حصل منه قصد القربة لأنّه أيضاً مكلّف كالمكره (١).

______________________________________________________

فيجوز مزاحمته والقيام بتلك الأُمور ، من غير اعتبار الاستئذان منه ، نعم إذا كان له معارض في دعواه يدخل ذلك في التداعي.

إذا غسل الميِّت أو صلّى عليه عن إجبار‌

(١) ذكر قدس‌سره أنّ التغسيل أو الصلاة على الميِّت إذا وقعت عن إكراه الظاهر جواز الاقتصار على عمل المكره وصحّته إذا حصل منه قصد القربة ، وبه يسقط التكليف عن غيره ، لأنّه عمل صدر ممّن كلف به وقد حصل منه قصد القربة فيحكم بصحّته ، هذا.

والمناقشة في صحّة عمل المكره وإسقاطه التكليف عن غيره من جهتين :

الاولى : أنّ الصلاة مثلاً عمل صدر عن كره وإجبار ، ومقتضى حديث رفع ما استكرهوا عليه أنّه كالعدم ، فكأنّ العمل لم يصدر من الابتداء وإن كان صدر وكان مقروناً بالإرادة أيضاً إلاّ أنّه لعدم اقترانه بالرضى كأنه لم يتحقق عند الشرع تعبّداً كما هو الحال في المعاملات الصادرة إكراهاً.

والجواب عن ذلك : أنّ الحديث إنّما ورد في مقام الامتنان ، ويختص الرفع في الأُمور المذكورة فيه بما إذا كان الرفع موافقاً للامتنان ، وأيّ امتنان في الحكم ببطلان الصلاة مثلا في المقام ، والأمر بالإعادة على المصلّي أو غيره من المكلّفين ، بل هذا على خلاف الامتنان. وهذا بخلاف المعاملات فانّ البيع أو النكاح أو الطلاق الصادر لا عن رضى إذا حكمنا بارتفاعه وبطلانه وعدم انتقال مال البائع للمشتري عند عدم رضاه أو عند عدم زوجية المرأة لأحد مع عدم رضاها يكون على وفق الامتنان ، ومن ثمة يحكم‌

٣٠٣

ببطلان المعاملة الصادرة عن إكراه وإجبار.

وأمّا الواجبات الكفائية أو العينية كما إذا أكره الوالد ابنه على أن يصلّي فرائضه وأتى بها عن إكراه ، فالحكم ببطلانها بالحديث يكون على خلاف الامتنان ، لأن معناه إيجاب الإعادة عليه ، ولا امتنان فيه أبداً.

الجهة الثانية : أنّ الصلاة مثلاً يعتبر فيها قصد القربة ، ومع استناد الإتيان بها إلى التوعيد والإكراه أي كون الداعي إلى عمله هو التوعيد لا تستند الصلاة إلى الداعي القربي والإلهي فيحكم ببطلانها.

وهذه المناقشة تندفع بوجهين :

أحدهما : ما ذكرناه في مبحث الوضوء (١) وغيره من أن معنى اعتبار قصد القربة في العبادات ليس هو اعتبار أن لا يقترن بالعمل شي‌ء من الدواعي الخارجية غير قصد القربة ، بل معناه أن يقترن العمل بداع قربي قابل للداعوية إلى العمل بنفسه واستقلاله أي بحيث لو لم يكن له داع آخر لأتى به بذاك الداعي الإلهي ، سواء كان معه داع آخر أم لم يكن ، كيف وفي جملة من العبادات يجتمع داعيان أو أكثر فيها ، منها الصوم وترك الإفطار على الملأ وبين الناس ، لأنّ العاقل لا يرضى بالانتهاك لدى الناس ، فالخجل منهم يدعوه إلى الصوم وترك الأكل في الأسواق وعلى رؤوس الأشهاد ، ومع أنّه لا إشكال في صحّة صومه ، لأنّه وإن كان له داعٍ آخر إلاّ أن له داعياً قربياً مستقلا في الداعوية على تقدير انفراده ، ومن ثمة يصوم وإن لم يكن هناك شخص آخر يشاهده.

وفي المقام أيضاً يمكن أن يكون للمكره بعد الإكراه والالتفات إلى أنّه واجب كفائي في حقّه داع إلهي وقصد قربي مستقل في الداعوية ، وبذلك يحكم بصحّة عبادته وعلمه.

وثانيهما : أن بطلان العبادة بداع غير قربي إنّما هو فيما إذا كان الداعي داعياً إلى‌

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٣٧ وما بعدها.

٣٠٤

نفس العمل ، وأمّا إذا كان الداعي داعياً إلى العمل بقصد القربة ، أي كان الداعي غير القربي في طول الداعي الإلهي فلا إشكال في صحّة العبادة ، كيف وأن غير الأئمة المعصومين عليهم‌السلام لا يقدمون على العمل والعبادة إلاّ بداع آخر غير قصد التقرّب طولاً ، ولا أقل من الخوف من النار أو من الآثار الوضعية المترتبة على تركها في هذه النشأة ، كما إذا جرّب أنّه يخسر أو يموت ولده إذا ترك الصلاة أو الصوم والجامع الخوف من سخط الله سبحانه في الدُّنيا أو في الآخرة أو الطمع في الحور والقصور.

إلاّ أن هذه الدواعي تدعو إلى إتيان العمل بقصد القربة لا إلى ذات العمل ، فلا تكون منافية لعبادية العبادة بوجه ، بل لا توجد عبادة يقصد بها التقرّب من غير داعٍ آخر إلاّ من مثل علي عليه‌السلام وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام.

وهذا قد وقع في العبادات المستأجر عليها أيضاً ، لأن قضاء العبادة عن أيّ ميت مأمور به بالأمر الندبي والاستحبابي في نفسه ، والأجير يأتي بالقضاء الّذي هو أمر مستحب أي بالداعي القربي خوفاً من تبعة الأمر الوجوبي الناشئ من الإجارة لأنّه لو لم يأت بهذا المستحب لم تفرغ ذمّته وعوقب على مخالفته الأمر الوجوبي الإجاري ، فهناك أمران أحدهما يدعو إلى الآخر وهما داعيان طوليان لا مانع من أن يكون الداعي الثاني غير قربي ، وعليه ففي المقام يحكم بصحّة الصلاة على الميِّت الواقعة عن إكراه إذا قصد بها القربة ، وإن كان هذا العمل المقصود به القربة بمجموعه صادراً عن داعٍ آخر وهو التوعيد والإكراه.

٣٠٥

[٨٦١] مسألة ١٢ : حاصل ترتيب الأولياء‌ : أنّ الزوج مقدّم على غيره ، ثمّ المالك ثمّ الأب ثمّ الام ثمّ الذكور من الأولاد البالغين ثمّ الإناث البالغات ، ثمّ أولاد الأولاد ثمّ الجد ثمّ الجدّة ثمّ الأخ (*) ثمّ الأُخت ثمّ أولادهما ثمّ الأعمام ثمّ الأخوال ثمّ أولادهما ، ثمّ المولى المعتق ثمّ ضامن الجريرة ثمّ الحاكم ثمّ عدول المؤمنين (١).

فصل

في تغسيل الميِّت‌

يجب كفاية تغسيل كل مسلم سواء كان اثنى عشرياً أو غيره (**) (٢).

______________________________________________________

مراتب الأولياء‌

(١) قد أسلفنا المناقشة في تقديم بعض الأولياء على البعض الآخر كتقديم الجدّة على الأخ أو الأُم على الابن فلاحظ ما قدمناه في المسألة السادسة يتّضح لك الحال في بقيّة الموارد مفصلاً.

فصل : في تغسيل الميِّت

عدم وجوب تغسيل الكافر‌

(٢) لا خلاف في أن تغسيل الميِّت واجب كفائي ، كما لا إشكال في اختصاصه بالمسلم وعدم وجوب تغسيل الكافر ، بل عدم جوازه وذلك لوجوه :

__________________

(*) في تقدّم الجدّة على الأخ إشكال ، بل لا يبعد تقدّمه عليها ، وقد تقدّم المنع في بعض ما ذكر هنا [ في المسألة ٨٥٠ ].

(**) لكنّه إذا غسل غير الاثني عشري مثله على طريقته سقط الوجوب عن الاثني عشري.

٣٠٦

منها : أن تغسيل الميِّت إنّما هو لتنظيفه واحترامه وتجليله ، والكافر لا احترام له وغير قابل للنظافة ، لأنّه نجس.

ومنها : السيرة القطعية الجارية على عدم تغسيل الكافر في عصر النبيّ والأئمة عليهم‌السلام حيث لم يسمع أن أحداً في تلك الأعصار غسل كافراً أو صلّى عليه.

ومنها : قوله تعالى ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) (١) لأنّ الآية وإن كانت واردة في الصلاة إلاّ أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن يكون ذلك من جهة كفرهم ، وأنّ الأحكام المترتبة على أموات المسلمين لا تترتب على الأموات الكفرة فنتعدّى إلى تغسيلهم أيضاً.

عدم اختصاص وجوب الغسل بالاثني عشري

والصحيح وفاقاً للمعروف أنّ المسلم يجب تغسيله وإن لم يعترف بالولاية ، لأنّه من الأحكام المترتبة على الإسلام وإظهار الشهادتين ولم يترتب على الايمان وذلك لوجوه :

منها : السيرة العملية ، لأنّ الشيعة في زمانهم عليهم‌السلام كانوا قليلين مختفين والغلبة كانت مع المخالفين ، حتّى في المعاشرين معهم مَن كان مِن خدمهم لا يعترف بولايتهم ، وقد كانوا يغسلون موتاهم بمرأى ومنظر منهم عليهم‌السلام ولم يكونوا يردعون عن ذلك بوجه ولو ببيانه لشيعتهم ، وهذا كاشف عن وجوب تغسيل المسلمين وإن لم يعترفوا بالولاية.

ويوضحه ملاحظة عصر علي عليه‌السلام لأنّ أصحابه عليهم‌السلام لم يكونوا من الشيعة بالمعنى المصطلح عليه عندنا ، وإنّما كان جمع منهم يرونه خليفة ثالثاً أو رابعاً ، لأن بعضهم أنكر خلافة عثمان وكانوا معتقدين بالشيخين ، ومع ذلك لو مات أحدهم أو قتل في غير المعركة لغسلوه وصلّوا عليه ولم يكن عليه‌السلام رادعاً عن‌

__________________

(١) التوبة ٩ : ٨٤.

٣٠٧

ذلك بوجه.

وذلك لأنّهم لو كانوا كفرة لم يجز تغسيلهم ، لأنّه بدعة وتشريع محرم ، فإذا ثبت جوازه بالسيرة وعدم ردعهم يثبت وجوبه ، لأنّه لو جاز وجب ولو لم يجز حرم ولا واسطة بينهما ، لأنّه بالجواز يثبت إسلامهم والمسلم يجب تغسيله.

ومنها : المطلقات كموثقة سماعة « غسل الجنابة واجب ... وغسل الميِّت واجب » (١) لأن إطلاقه يشمل المسلم والمؤمن كليهما.

ودعوى : أنّها في مقام الإهمال كما عن المحقق الهمداني (٢) قدس‌سره ،

مندفعة بأنّه لا يقصر عن قوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) فإنّه ممّا لا إشكال في إطلاقه عندهم ، ويتمسّكون به في موارد الشك والشبهات ، والمقام كذلك فلا وجه لدعوى كونها مهملة ، فإن قوله عليه‌السلام « وغسل الميِّت واجب » بمنزلة القضية الشرطية وأنّه إذا مات أحد وجب غسله ولا ينبغي التأمل في إطلاقه بوجه. وكقوله عليه‌السلام في مضمر أبي خالد « اغسل كل الموتى : الغريق وأكيل السبع وكل شي‌ء إلاّ ما قتل بين الصفين » (٤).

وقد أجاب المحقق الهمداني قدس‌سره عن ذلك بأنّ العموم فيها إنّما هو بالنسبة إلى أسباب الموت من الغرق بالماء وأكل السبع أو السم أو غير ذلك إلاّ الشهادة ، ولا عموم لها بالإضافة إلى أصناف البشر من الشيعة والعامّة وغيرهما (٥).

وفيه : أن ما أفاده وإن كان لا بأس به إلاّ أنّه إنّما يمنع عن التمسُّك بالعموم ، وأمّا إطلاق الموتى فهو باق بحاله ولا مانع من التمسُّك به ، فإنّه كالقضية الشرطية وأنّه إذا مات أحد وجب تغسيله.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٧٣ / أبواب الجنابة ب ١ ح ٣.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٦٦ السطر ٢٥.

(٣) البقرة ٢ : ٢٧٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٥٠٦ / أبواب غسل الميِّت ب ١٤ ح ٣.

(٥) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٦٦ السطر ٢٦.

٣٠٨

لكن يجب أن يكون بطريق مذهب الاثني عشري (١).

______________________________________________________

وجوب الغسل بطريق الاثني عشر‌

(١) المقام الثاني : في كيفية تغسيلهم ، فقد ذكر بعضهم أنّ المعروف هو أن يغسل المخالف على طريقة المخالفين ولا يغسل على الطريقة الصحيحة ومذهب المغسّل.

وذهب جملة من المحققين إلى أنّه لا بدّ أن يغسل المخالف على الطريقة الصحيحة المتداولة بين المؤمنين ، ولا يجوز تغسيله على الطريقة الباطلة ، وهذا هو الصحيح وذلك لإطلاقات الأدلّة الواردة في كيفية تغسيل الميِّت بلا فرق في ذلك بين كون الميِّت مؤمناً أو مخالفاً.

ولا دليل على لزوم تغسيل المخالف على طريقته سوى ما توهّم من أن قاعدة الإلزام تقتضي ذلك.

وفيه : أن قاعدة الإلزام تتضمن الأمر والإيجاب بالإلزام كما هو المستفاد من أدلّتها كقوله « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » (١) أو أن « من التزم بدين لزمته أحكامه » (٢) ومن الظاهر أنّ الميِّت غير قابل لأن يلزم بشي‌ء ويجب في حقّه شي‌ء ، وإنّما هو حكم مختص بالأحياء كما في الإرث والطلاق كأن يرى الوارث أنّ العصبة أيضاً تورث فيلزم بذلك في تقسيم الإرث بينه وبين العصبة ، أو يرى صحّة الطلاق في مجلس واحد ثلاث مرّات فيلزم بذلك ، أي على عدم جواز رجوعه إليها بعد ذلك ، لأنّه من الطلاق البائن ويجوز لغيره أن يتزوجها بعد عدتها وإن كان يعتقد بطلان طلاقها على مذهبه.

وفي المقام لا تجري القاعدة بوجه ، لعدم إمكان إلزام الميِّت بشي‌ء. نعم ، يمكن أن يسقط التكليف عن غير الميِّت ، لاعتقاد الميِّت والتزامه بالغسل على الطريقة الباطلة ، لأنّه يعتقد صحّته إلاّ أنّه أمر لا تقتضيه قاعدة الإلزام ، لأنّها لو اقتضت فإنّما تقتضي‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٧٣ / أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٧٤ / أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ١٠ ، ١١.

٣٠٩

ثبوت الحكم في حقّ الميِّت ، وأمّا سقوطه عن الغير فهو ممّا لا تقتضيه قاعدة الإلزام بوجه ، هذا كلّه.

على أنّا لو سلمنا شمول القاعدة للأموات أيضاً ، لا يمكننا إجراؤها في المقام ، لأنّه لا صغرى لها في محل الكلام ، حيث إنّ الميِّت إنّما التزم بصحّة الغسل ممّن يرى صحّته أي المخالف مثله لا من الشيعي الّذي لا يرى صحّته ، لأنّه أمر عبادي والشيعي يعتقد بطلانه ، وأمّا صحّة تغسيل غيره على طريقة المخالفين فلم يلتزم بها بوجه ، لأن غيره يرى بطلانه ومعه لا يصدر منه الغسل صحيحاً لأنّه أمر عبادي ، إذن لا صغرى لقاعدة الإلزام في المقام فلا بدّ من تغسيل المخالف على الطريقة الصحيحة.

اللهمّ إلاّ أن تقتضي التقية تغسيله على طريقة المخالفين كما إذا كان بمرأى ومنظر منهم فإنّه محكوم بالصحّة حينئذ ، لأنّ التقية في كل شي‌ء ، وبه يكون الغسل على طريقتهم مأموراً به وشرعياً في حقّه ، لأنّ التقية عنوان ثانوي ينقلب بها الحكم الواقعي ويتبدل على ما يستفاد من أدلّتها.

بقي شي‌ء : وهو أنّ المغسّل إذا كان من المخالفين وقد غسّل المخالف على طريقتهم ، فهل يجب على غيره ممّن يرى بطلان الغسل على تلك الكيفية أن يغسله ثانياً ، لأنّ الغسل الأوّل باطل وبحكم العدم ، أو يقتصر على تغسيله بتلك الطريقة ولا يجب إعادة الغسل؟

الصحيح هو الثاني ، للسيرة القطعية المستمرة على ذلك في زمان المعصومين عليهم‌السلام حيث إنّهم في تلك الأعصار كانوا يكتفون بتغسيل المخالف للمخالف على طريقتهم ولم يردعوا عليهم‌السلام عن ذلك بوجه ، ولم يأمروا بتغسيلهم مرّة ثانية ولو مع التمكّن منه ، وإلاّ لنقل إلينا ذلك ، ومن هذا يستكشف أنّ التغسيل على طريقتهم حينئذ صحيح ومسقط للوجوب عن بقية المكلّفين ، هذا كلّه في المخالف.

٣١٠

ولا يجوز تغسيل الكافر وتكفينه ودفنه بجميع أقسامه (١) من الكتابي والمشرك والحربي والغالي والناصبي والخارجي والمرتد الفطري والملي إذا مات بلا توبة وأطفال المسلمين بحكمهم (٢)

______________________________________________________

الكافر لا يغسل ولا يكفن ولا يدفن‌

(١) لما مرّ من أن مقتضى السيرة والموثقة المتقدِّمة (١) المؤيّدة برواية الاحتجاج (٢) عدم جواز تغسيل الكافر من دون فرق بين أقسامه من الكتابي والمشرك وغيرهما حتّى المرتد ، بل لا ينبغي عدّه قسماً مستقلا في مقابل الكافر ، لأن ارتداده يتحقق بالالتزام إمّا بالتنصر أو التهود أو الشرك ونحوها فيندرج بذلك تحت أقسام الكافر.

نعم ، هذا يختص في الملي بما إذا كان قبل توبته ، وأمّا إذا تاب فحكمه حكم بقية المسلمين فيجب تغسيله ودفنه ويطهر بدنه إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على المسلمين.

بل الأمر كذلك في الفطري أيضاً على ما قدمناه في البحث عن المطهرات (٣) وقلنا إنّ الفطري كالملي تقبل توبته ظاهراً وواقعاً ويرتب عليه بعد التوبة جميع الأحكام المترتبة على المسلمين كطهارة بدنه ووجوب تغسيله ودفنه وغيرها من الأحكام ولكن الأحكام الثلاثة المنصوصة من وجوب قتله وبينونة زوجته وتقسيم أمواله بين ورثته لا تسقط بتوبته إلاّ أنّه إذا لم يقتل ولو لوجود المانع وعدم البسط كما في زماننا هذا وتاب فيعامل معه معاملة المسلمين فيجب تغسيله أيضاً.

تبعيّة أطفال المسلمين للمسلمين‌

(٢) للتبعية المستفادة من الإجماع والسيرة القطعية على ما قدّمناه في‌

__________________

(١) وهي موثقة عمار المروية في الوسائل ٢ : ٥١٤ / أبواب غسل الميِّت ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٥١٥ / أبواب غسل الميت ب ١٨ ح ٣. الاحتجاج ٢ : ٨٨.

(٣) شرح العروة ٤ : ١٩٩.

٣١١

وأطفال الكفّار بحكمهم (١) وولد الزِّنا من المسلم بحكمه ومن الكافر بحكمه (٢)

______________________________________________________

المطهرات (١) والمطلقات والأخبار الواردة في تغسيل الصبي والصبية (٢) والصلاة على الصبي إذا عقل (٣) ومشروعية الصلاة إنّما هي بعد التغسيل.

تبعيّة أطفال الكفّار للكفّار‌

(١) للتبعيّة كما مرّ في بحث النجاسات (٤) وللسيرة القطعية الجارية على عدم تغسيل ولد الكافر ، فانّ المسلمين لا يأخذوه من الكافر ليغسلوه.

هذا فيما إذا لم يكن مميزاً ومعترفاً بأحد الأديان الباطلة ، وإلاّ فهو بنفسه يهودي أو مشرك أو نحوهما وليس محكوماً بحكمهم للتبعية بل بالأصالة.

حكم ولد الزِّنا من الفريقين‌

(٢) لأنّه أيضاً ولدهما فيتبع حكمهما ، لأن ولد الزِّنا ولد عرفاً وشرعاً وحقيقة ومن ثمة لا يجوز له أن يتزوج امّه أو أُخته أو عمّته أو خالته أو نحوهن ، ولا يجوز للأب أن يتزوج بها على تقدير الأُنوثة ، فيترتب على ولد الزِّنا جميع الآثار المترتبة على الأولاد.

نعم ، لا يرث من أبيه ، وهذا تخصيص في أدلّة الإرث ولم يرد في دليل أن ولد الزِّنا ليس بولد حتّى يكون نافياً للولدية ، فولد الزِّنا من المسلم كغيره من أولاده كلّهم محكومون بأحكام الإسلام الّتي منها وجوب التغسيل تبعاً.

وكذا الحال في ولد الزِّنا من الكافر ، لأنّه بحكمه فيترتب عليه أحكام الكفر تبعاً‌

__________________

(١) شرح العروة ٤ : ٢١١.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٢٦ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٩٥ / أبواب صلاة الجنازة ب ١٣.

(٤) شرح العروة ٣ : ٥٩.

٣١٢

والمجنون إن وصف الإسلام بعد بلوغه مسلم ، وإن وصف الكفر كافر ، وإن اتصل جنونه بصغره فحكمه حكم الطفل في لحوقه بأبيه أو امّه (١) والطفل الأسير تابع لآسره إن لم يكن معه أبوه أو امّه بل أو جدّه أو جدّته (٢) ولقيط دار الإسلام بحكم المسلم (٣) وكذا لقيط دار الكفر إن كان فيها مسلم يحتمل تولده منه.

______________________________________________________

كيف ولو كان الولد حلالاً للكافر لكنّا حكمنا بعدم وجوب تغسيله ، مع أن خسته من جهة واحدة وهي كفره فكيف بولده من الزِّنا الّذي خسّته من جهتين كفره وكونه من زنا ، فولد الكافر من الزِّنا ليس بأولى للإرفاق من ولده الحلال.

حكم المجانين من الفريقين‌

(١) بمعنى أن حكمه حكم ما قبل جنونه ، فان كان قبله مسلماً بالغاً فهو مسلم بعد جنونه ويقال إنّه مسلم مجنون كما أنّه لو كان كافراً بالغاً قبله فهو كافر مجنون ، وذلك للصدق العرفي.

وأمّا إذا كان غير بالغ قبل الجنون فاسلامه أو كفره يتبعان أبويه ، لأنّ الحكم في غير البالغ من جهة التبعية كما مرّ والصدق العرفي ، حيث يصدق عليه أنّه نصراني مجنون مثلاً.

(٢) للتبعية إلى آسره إذا لم يكن معه أبوه أو امّه أو نحوهما ، وإلاّ لتبعهم في كفرهم كما قدّمناه في بحث النجاسات (١) والمطهرات (٢).

لقيط دار الإسلام‌

(٣) كما هو المشهور ، بل قيل إنّ المسألة إجماعية ، لعدم نقل الخلاف فيها ، والكلام في مدرك ذلك :

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ٥٩.

(٢) شرح العروة ٤ : ٢١١.

٣١٣

وليس الوجه فيه هو الإجماع في المقام ، لأنّا نطمئن أو نظن أو نحتمل استنادهم في ذلك إلى مدرك وصل إليهم في المسألة ، ومعه لا يكون الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

كما أنّ الوجه فيه ليس هو التمسُّك بعموم ما دلّ على وجوب تغسيل كل ميت [ مسلم ] ، لأنّه من التمسُّك بالعام في الشبهة المصداقية ، لاحتمال أن يكون اللقيط ولد الكافر واقعاً ، وقد بيّنا في محله أنّ الشك في الشبهات المصداقية ليس راجعاً إلى الشك في التخصيص ، ليدفع بأصالة العموم ، وإنّما هو من جهة الشك في انطباق عنوان الخارج على المشكوك فيه ولا يمكن معه التمسُّك بالعام.

كما أنّه ليس الوجه فيه ما ورد من أن « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (١) لأنّه أجنبي عن المقام رأساً ، لأن معناه أنّ الإسلام قوي الحجّة وواضح المحجة والطريق فهو يعلو بنفسه على غيره ولا يعلو عليه شي‌ء ، وأمّا أنّ المشكوك كفره وإسلامه فهو مسلم فهذا ممّا لا يستفاد منه بوجه.

وكذا ما ورد من أن « كل مولود يولد على الفطرة » (٢) وقوله تعالى ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (٣) فإنّها أجنبية عن المقام ، لأنّ المراد بالفطرة في الآية والأخبار فطرة التوحيد لا فطرة الإسلام ، فإن كل واحد لو التفت إلى خلقته عرف أن له خالقاً غيره ، إذ لو لم يكن له خالق فامّا أن يكون هو الخالق لنفسه أو يكون مخلوقاً من غير خالق ، وكلاهما مستحيل كما أشار إليه سبحانه بقوله ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ‌ءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ) (٤) وقوله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ منْ خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْض لَيَقُولنَّ اللهُ قُلْ فَأَنى تُؤْفَكُونَ (٥) إلى غير ذلك من الآيات.

__________________

(١) أخرجه عن الصدوق مرسلاً في الوسائل ٢٦ : ١٤ / أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١١.

(٢) البحار ٦٤ : ١٣٥ / باب فطرة الله ح ٧.

(٣) الرُّوم ٣٠ : ٣٠.

(٤) الطور ٥٢ : ٣٥.

(٥) الزّخرف ٤٣ : ٨٧. والصحيح ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنّى يُؤْفَكُونَ ).

٣١٤

ففطرة التوحيد ثابتة في جميع البشر غير أنّها تحتاج إلى أدنى إشارة وتنبيه ، وإليه أشير في قوله تعالى ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا : بَلى ) (١) وليس المراد من الفطرة فطرة الإسلام ، للقطع بعدم كون الإسلام فطرياً ، كيف وممّا يتقوم به الإسلام النبوّة الّتي تتوقف على المعجزة والإثبات وليست أمراً فطرياً يعرفه كل بشر.

نعم ، ورد تفسير الفطرة في بعض الأخبار بالإسلام (٢) إلاّ أن ذيله شاهد على أنّ المراد به هو السلم لله أي الإقرار بالتوحيد وليس المراد به الإسلام المصطلح عليه من الإقرار بالتوحيد والنبوّة والمعاد ، كما هو المراد منه في قوله تعالى إخباراً عن إبراهيم عليه‌السلام ( كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ) (٣) لأنّه عليه‌السلام لم يكن مسلماً بالمعنى المصطلح عليه قطعاً ، وإنّما أسلم لله سبحانه ، أي اعترف بالتوحيد ، ومنه « أسلمت وجهي لله » كما في الدُّعاء ، وكيف كان فلا يمكن التشبث في المقام بحديث الفطرة بوجه.

الوجه في قولهم في اللقيط

بل الوجه فيما ذكروه : أنّ الحكم الشرعي قد يترتب على عنوان الإسلام كما في اشتراط جواز التزويج بالكفاءة من حيث الإسلام ، فلا يجوز تزويج غير المسلمة كما أنّه لا يجوز أن تتزوج بغير المسلم ، وفي مثله إذا شكّت المرأة مثلا في أنّ الرّجل الّذي تريد أن تزوج نفسها منه مسلم أو كافر ، فمقتضى استصحاب عدم اتصافه بالإسلام عدم جواز تزويج نفسها منه ، لأنّ الإسلام صفة حادثة مسبوقة بالعدم يثبت عدمها بالاستصحاب.

وقد يترتب الحكم الشرعي على عنوان الكفر كالنجاسة وعدم وجوب التغسيل لأنّ العموم والإطلاق دلاّ على الطهارة في كل شخص ووجوب التغسيل لكل ميت‌

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢) البرهان في تفسير القرآن ٣ : ٢٦١.

(٣) آل عمران ٣ : ٦٧.

٣١٥

وإنّما خرج عنهما عنوان الكافر ، فإذا شككنا في كفر أحد وإسلامه ليس لنا الحكم بكفره باستصحاب عدم إسلامه ، وذلك لأنّ الكفر ليس من الأُمور العدمية ، وإنّما هو أمر وجودي معناه الاتصاف بعدم الإسلام لا عدم الاتصاف به ، ليكون أمراً عدميا فإنّه من العدم والملكة وقد قالوا إن إعدام الملكات لها حظ من الوجود وحاله حال العمى ، لأنّه ليس بمعنى عدم الاتصاف بالبصر بل بمعنى الاتصاف بعدم البصر ، ومن هنا لو شككنا في عمى أحد أو بصره ليس لنا استصحاب عدم اتصافه بالبصر والحكم بأنّه أعمى ، لأنّ العمى ليس هو عدم البصر بل عبارة عن الاتصاف بعدم البصر ، وهو لا يثبت باستصحاب عدم البصر.

ومن ثمة قلنا في بحث النجاسات (١) أنّ المشكوك كفره وإسلامه محكوم بالطهارة لاستصحاب عدم اتصافه بالكفر ، إذ لا يجري فيه استصحاب عدم الإسلام لإثبات كفره ، حيث إنّ الكفر بمعنى الاتصاف بعدم الإسلام ، وعليه ففي المقام يستصحب عدم اتصاف اللقيط بالكفر ، لأنّ النجاسة وعدم وجوب التغسيل مترتبان على الكفر ولا يمكن إثباته باستصحاب عدم الإسلام ، لأنّه أمر وجودي ، بل يجري استصحاب عدم الاتصاف به ، وبه يثبت عدم كفره فيشمله ما دلّ على وجوب تغسيل كل ميت.

هذا كلّه بناءً على أنّ المدرك في عدم وجوب تغسيل الميِّت [ الكافر ] هو السيرة القطعية لأنّها جرت على عدم تغسيل الكافر أي الموضوع فيها هو الكفر ـ ، وأمّا بناءً على أنّ المدرك هو الموثقة المتقدِّمة (٢) فالأمر ظاهر ، لأن موضوع الحكم بعدم وجوب التغسيل هو التنصّر ، غاية الأمر أنّا علمنا أنّ النصرانية لا خصوصية لها ، بل التهود والتمجس والشرك أيضاً كذلك. ومن الظاهر أن تلك العناوين عناوين وجودية وعند الشك فيها يستصحب عدمها ، وبه يثبت أنّ المشكوك فيه من أحد الأفراد الباقية تحت العموم والإطلاق.

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ٨١.

(٢) في ص ٣١١.

٣١٦

ولا فرق في وجوب تغسيل المسلم بين الصغير والكبير (١) حتّى السقط إذا تمّ له أربعة أشهر (٢)

______________________________________________________

فتلخص : أنّ الوجه في وجوب تغسيل اللقيط في دار الإسلام أو دار الكفر إذا احتمل كونه من مسلم هو الإطلاقات بعد استصحاب عدم التنصّر أو الكفر باستصحاب العدم الأزلي.

التسوية بين الصغير والكبير‌

(١) للإطلاقات.

(٢) الأخبار الواردة في المقام على طوائف :

منها : ما جعل المناط في وجوب التغسيل أن يتم للسقط أربعة أشهر كما في مرفوعة أحمد بن محمّد (١) وخبر زرارة « انّ السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غسل » (٢) ومقتضاهما تحديد وجوب الغسل في السقط بما إذا كان له أربعة أشهر ، إلاّ أنّهما ضعيفتان ، أمّا الأُولى فلكونها مرسلة ومرفوعة كذا قالوا ، والصحيح أنّها زائداً على إرسالها مقطوعة أي لم يذكر فيها الإمام عليه‌السلام والمسؤول عنه. وأمّا الثانية فلأن في سندها الحسين بن موسى وهو ضعيف ، فلا يمكن الاعتماد عليهما.

ومنها : ما جعل المناط الاستواء كما في موثقة سماعة حيث روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال : نعم ، كل ذلك يجب عليه إذا استوى » (٣) فقد دلّتنا على أنّ المدار في ذلك‌

__________________

(١) أحمد بن محمّد عمن ذكره قال : « إذا أتمّ السقط أربعة أشهر غسل ، وقال : إذا تمّ له ستّة أشهر فهو تام ، وذلك أنّ الحسين بن علي ولد وهو ابن ستّة أشهر » الوسائل ٢ : ٥٠٢ / أبواب غسل الميِّت ب ١٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٠٢ / أبواب غسل الميت ب ١٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٠١ / أبواب غسل الميِّت ب ١٢ ح ١.

٣١٧

على الاستواء لا على مضي أربعة أشهر.

والمراد بالاستواء فيها ليس هو القابلية للولادة حتّى يعتبر في وجوب غسل السقط مضي ستّة أشهر عليه ، لأنّه زمان القابلية للولادة على ما ورد في المرفوعة المتقدِّمة من أن « السقط إذا تمّ له ستّة أشهر فهو تام وذلك أنّ الحسين بن علي عليه‌السلام ولد وهو ابن ستّة أشهر ». والوجه فيه هو أنّ الموضوع في الموثقة هو السقط أي غير القابل للولادة.

بل المراد بالاستواء هو تمامية الولد بحسب الصورة والخلقة ، وبهذا المعنى يستعمل اليوم فيقال : طعام مستوي أي تام بحسب الطبخ ، وهو زمان قابلية الولد لأن تلج فيه الروح ، فعلى ذلك يعتبر في وجوب تغسيل السقط أن يكون تام الخلقة والصورة ولا عبرة في ذلك بالزمان ومضي أربعة أشهر.

ومنها : ما جمع بين الأمرين أعني الاستواء ومضي أربعة أشهر للسقط كما في الفقه الرضوي قال : « إذا أسقطت المرأة وكان السقط تاماً غسل ... وحد إتمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر » (١). إلاّ أنّه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة.

إذن لا بدّ من الأخذ بالموثقة ، ومعه يكون المدار على الاستواء لا على الزمان ومضي أربعة أشهر.

نعم ، ورد في بعض الروايات وفيها المعتبرة أنّ الاستواء إنّما يتحقق بعد مضي أربعة أشهر كما في رواية الحسن بن الجهم قال « سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله تعالى ملكين خلاقين فيقولان ... » (٢) لدلالتها على أنّ التمامية بحسب الصورة والقابلية لنفخ الروح فيه إنّما هو بعد مضي أربعة أشهر ، أعني بعد زمان نطفته وعلقة ومضغته.

__________________

(١) المستدرك ٢ : ١٧٥ / أبواب غسل الميِّت ب ١٢ ح ١ ، فقه الرضا : ١٧٥.

(٢) الكافي ٦ : ١٣ / كتاب العقيقة ، باب بدء خلق الإنسان ح ٣.

٣١٨

ويجب تكفينه ودفنه على المتعارف (١) لكن لا تجب الصلاة عليه بل لا يستحب أيضاً (٢)

______________________________________________________

فعلى ذلك يمكن العمل بالروايتين السابقتين أيضاً ، أعني مرفوعة أحمد بن محمّد وزرارة المتقدمتين الدالّتين على اعتبار مضي أربعة أشهر ، للملازمة بين الاستواء ومضي أربعة أشهر ، إلاّ أنّ المدار إذن على كون الولد مستوياً بحسب الصورة والخلقة لا على الشهور والزمان ، بحيث لو فرضنا كونه كذلك قبل أربعة أشهر وجب تغسيله أيضاً ، كما أنّه إذا لم يكن تاماً بعد أربعة أشهر لم يجب تغسيله ، لأنّ الاستواء هو المناط في الحكم بوجوب التغسيل ، وما ورد فيه أربعة أشهر لعله من جهة التلازم بينهما.

السقط يجب تكفينه ودفنه‌

(١) لأنّ المستفاد من الموثقة وغيرها من الأخبار المتقدِّمة ، أنّ السقط بعد الاستواء أو تمامية أربعة أشهر يدفن ويكفن كما يدفن ويكفن غير السقط من الأموات ، فلا وجه لما عن المحقق (١) والعلاّمة (٢) وغيرهما من أنّه يلف بخرقة فالواجب في السقط لا يغاير الواجب في بقية المكلّفين.

السقط لا يصلّى عليه‌

(٢) لما يأتي من أنّها إنّما تجب فيما إذا عقل الصبي الصلاة ، بأن بلغ ست سنين فلا يجب قبله ، بل لا يشرع كما يأتي إن شاء الله تعالى (٣).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٢٠ / في أحكام الأموات.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٢٣٤ / في أحكام تغسيل الميِّت.

(٣) في شرح العروة ٩ : ١٨٦.

٣١٩

وإذا كان للسِّقط أقلّ من أربعة أشهر لا يجب غسله (١) بل يلف في خرقة (*) (٢) ويدفن.

______________________________________________________

إذا كان السقط أقل من أربعة أشهر‌

(١) لأنّ الأخبار الدالّة على وجوب غسل كل ميت غير شاملة له ، لاختصاصها بالميت وهو الحي الّذي زهقت روحه ، والسقط حينئذ لم تلجه الروح ليتصف بالموت وأمّا الأخبار الواردة في المقام فلاختصاصها بما بعد الاستواء أو بعد مضي أربعة أشهر.

هل يجب لفّه بخرقة؟

(٢) لا دليل على ذلك سوى الإجماع المنقول في المسألة ، حيث ذكر بعضهم أنّ المسألة إجماعية لم ينقل فيها خلاف ، وهو ممّا لا اعتبار به. والأخبار العامّة مختصّة بالميت غير الشامل للسقط قبل ولوج الروح فيه ، والأخبار الواردة في المقام مختصّة بما بعد الاستواء وتمامية أربعة أشهر.

وبهذا يمكن الاستشكال في وجوب دفنه أيضاً ، لانحصار مدركه بالإجماع المنقول ولا دليل عليه غيره ، لأنّ الأخبار مختصّة بالميت كما عرفت ، والأخبار الخاصّة الواردة في المقام غير شاملة إلاّ للسقط بعد تمامية أربعة أشهر والاستواء ، فيجوز معه إلقاؤه في البحر أو النهر أو البئر.

نعم ، ورد في الفقه الرضوي : « إذا أسقطت المرأة وكان السقط تاماً غسل وحنط وكفن ودفن ، وإن لم يكن تاماً فلا يغسل ويدفن بدمه » (٢) إلاّ أنّه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة.

وأمّا مكاتبة محمّد بن الفضيل قال : « كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام أسأله عن‌

__________________

(*) وجوب اللّف مبنيّ على الاحتياط.

(٢) المستدرك ٢ : ١٧٥ / أبواب غسل الميِّت ب ١٢ ح ١ ، فقه الرضا : ١٧٥.

٣٢٠