موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

تحقيق المقام : والّذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الوجوب الكفائي لا يراد منه سوى كونه على نحو يشترك بين الجميع ويسقط بإتيان واحد من المكلّفين وقيامه به ، إلاّ أن ذلك لا ينافي كونه مشروطاً بالشرائط العامّة الّتي منها القدرة ، فإنّ الوجوب العيني والكفائي كلاهما مشروطان بالقدرة لا محالة ، وحصول هذا الشرط في بعضهم دون بعض لا يوجب خروج التكليف عن كونه كفائياً. فترى أن إنقاذ الغريق في الحوض الواقع في دار شخص من أهمّ الواجبات الإلهيّة ، وهو مشروط بالقدرة عليه وهي متحققة في مالك الدار دون غيره ، لتوقفه على إذنٍ منه في التصرف في داره وليس لغيره الدخول فيها للانقاذ إلاّ بعد إذن المالك أو امتناعه منه ومن الإنقاذ ، فإنّه يجوز له الدخول فيها حينئذ ، لأهمية وجوب حفظ النفس المحترمة عن حرمة التصرّف في مال الغير من غير رضاه ، ومع ذلك لا يسقط التكليف عن كونه كفائياً بذلك وكذلك الحال في غيره من الواجبات العينية والكفائية وفي غير الولي ، لوضوح أنّنا لا نتمكّن من الصلاة على من مات في مكان بعيد عنا ، ولا نتمكّن من دفنه وكفنه ، ويتمكّن منها من هو عند الميِّت من المكلّفين.

والأمر في المقام أيضاً كذلك ، بمعنى أنّ القدرة حاصلة في الولي وغير حاصلة في غيره إلاّ بإذنه أو امتناعه ، فلا يكون الحكم الكفائي فعلياً في حق غير الولي ، لعدم قدرته عليه إلاّ بإذنه ، وليس له أن يقدم على تلك الأُمور من غير إذنه ، لأنّه مزاحمة للولي ومزاحمة الولي غير جائزة ، إلاّ أنّ الولي قادر عليها فيكون الوجوب الكفائي المشترك بين الجميع فعلياً في حقّه دون غيره ، إلاّ أن ذلك لا يخرج التكاليف المذكورة عن كونها كفائية لسقوطها بفعل واحد منهم كما عرفت.

إيضاح لما تقدم : لا إشكال ولا خلاف في وجوب الصلاة على الميِّت وتكفينه ودفنه ، ولا ينبغي الشبهة أيضاً في أنّها ثابتة لمراعاة حال الميِّت وأنّها كفائية كما قدّمناه فلا وجه لما ذهب إليه صاحب الحدائق من أنّها متوجّهة إلى الولي وهي عينية في حقّه ، وعلى تقدير امتناعه أو إذنه تجب على بقية المكلّفين وأنّه حكم‌

٢٨١

طولي (١) فلا نعيد وجهه.

وإنّما الكلام في أن هذا الوجوب الكفائي المشترك بين الجميع هل ينافيه كونه مشروطاً بإذن الولي ، لأنّه لو أتى به غير الولي من غير إذنه لا يكون مصداقاً للواجب بل هو أمر منهي عنه والمحرم كيف يقع مصداقاً للواجب ، أو أنّ الوجوب الكفائي لا ينافي كونه مشروطاً بإذن الولي.

فقد يجاب عن ذلك بأنّ الوجوب الكفائي مشترك بين الجميع ولا فرق فيه بين الولي وغيره ، وإنّما الواجب مشروط بإذن الولي ، ولا مانع من أن يكون الوجوب مطلقاً كفائياً ويكون الواجب مشروطاً في حق بعض المكلّفين دون بعض ، لعدم كونه مشروطاً بالإضافة إلى الولي وإنّما هو مشروط بإذن الولي في غيره.

وقد أجبنا عنه بأنّ الواجب لا يمكن أن يكون مشروطاً بأمر غير اختياري ، ومن الواضح أن إذن الولي غير مقدور للمصلّي والمكفّن وغيرهما ، فلا مناص من أن يكون شرطاً وقيداً للوجوب ويكون مأخوذاً مفروض الوجود ، ومعه يكون التكليف بتلك الأفعال تكليفاً مطلقاً فعلياً في حق الولي ، ولا يكون كذلك في حق غيره ، وإنّما يكون أصل الوجوب مشروطاً بإذن الولي بالإضافة إلى غيره ، وهو ما أفاده صاحب الحدائق من كون التكليف طولياً ومتوجهاً إلى الولي أوّلاً ، وعلى تقدير إذنه أو امتناعه يتوجه إلى غيره ، فالمحذور باق بحاله.

والّذي ينبغي أن يقال وهو الصحيح إنّ التكليف بتلك الأفعال واجب كفائي يشترك فيه الجميع ، غاية الأمر أنّه كما روعي فيها الميِّت من حيث الصلاة عليه وكفنه ودفنه كذلك روعي حال الولي والوارث حتّى لا يزاحمه غيره ، لأنّه لا يناسب الوارث ، فجعل الحق له في المباشرة لتلك الأُمور أو الاستئذان منه ، لأنّه كالتسلية والتعزية له ، إذ لا يناسبه مزاحمة الغير إيّاه في الصلاة على والده مثلاً أو تغسيله أو نحوه ، وهذا لا ينافي كون الوجوب كفائياً ، وذلك لا لأنّ الواجب مشروط بالإذن كما‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٣٥٩.

٢٨٢

تقدم ، بل لأنّ الواجب الكفائي كالواجب العيني مشروط بالشرائط العامّة الّتي منها القدرة فالوجوب الكفائي ثابت مجعول على الجميع إلاّ أنّه يتّصف بالفعلية بالإضافة إلى من له القدرة عليه ، ولا يكون فعلياً بالإضافة إلى من لا يقدر عليه. وهذا لا يخرج الوجوب عن كونه كفائياً كما هو ظاهر لوضوح أنّا لا نتمكّن من الصلاة على الميِّت النائي عن بلدنا ولا نقدر على دفنه وكفنه ، ويتمكّن منها من هو عند الميِّت من المكلّفين فيكون الوجوب فعلياً في حقّهم وغير فعلي بالإضافة إلينا ولا يخرج عن كونه كفائياً بذلك بوجه.

وأظهر من ذلك ، ما إذا وقع إنسان محترم في الحوض الواقع في دار أحد وأشرف على الغرق ، فان إنقاذه واجب على الجميع بل من أهمّ الواجبات الإلهيّة مع أنّ غير المالك لا يقدر على إنقاذه لعدم جواز التصرّف في مال الغير من دون إذنه ، فلا يتمكّن من دخول الدّار ، وهذا بخلاف المالك فهو لقدرته عليه فعلي في حقِّه وليس فعليّاً في حقِّ غيره ، إلاّ أن يمتنع عن المباشرة والإذن في الدخول للإنقاذ فحينئذٍ يجوز الدخول في داره ، بل يجب ولو من دون إذنه ، لأهمية وجوب إنقاذ النفس المحترمة ، وهذا ظاهر. وبما أنّ الولي في المقام قادر على تلك الأفعال ، وغيره لا يقدر عليها لتوقفه على إذن الولي أو امتناعه عن المباشرة ، فيكون الوجوب الكفائي فعلياً في حقّه وغير فعلي بالإضافة إلى الغير مع بقائه على الكفائية كما عرفت ، فالاشتراط بالاذن غير منافٍ للوجوب الكفائي بوجه.

ثمرة النزاع

وتظهر ثمرة النزاع فيما إذا امتنع الولي عن المباشرة وعن الاذن فيها للغير مع علمه بقيام غيره بها ، فإنّه بناءً على أنّ التكليف متوجّه إليه وعيني في حقّه يكون عاصياً لمخالفته التكليف المتوجّه إليه ، وأمّا بناءً على ما ذكرناه من أنّه حكم كفائي يشترك فيه الجميع ولا فرق فيه بين الولي وغيره فلا عصيان للولي ، أمّا من جهة تركه المباشرة فلجواز ترك الواجب الكفائي عند العلم بقيام الغير به ، وأمّا من جهة تركه الاذن‌

٢٨٣

للغير فلأنّ الاذن غير واجب عليه ، وإنّما هو ثابت له ، وجعل مراعاة لشأنه لأنّه كالتسلية والتعزية في حقّه ، فله أن يأذن وأن لا يأذن. نعم ، الاذن يوجب حصول القدرة للغير إلاّ أنّ الامتناع عنه أيضاً يوجب القدرة لغيره ، فلا أثر لإذنه وتركه لتمكن الغير من القيام به على كلا التقديرين فلا معصية في البين.

هل للحاكم الشرعي إجبار الولي؟

ومن ذلك يظهر أنّ الولي لو امتنع عن المباشرة والاذن ليس للحاكم الشرعي إجباره على أحدهما ، وذلك لأنّ الحاكم الشرعي إنّما يجبر من عليه الحق لا من له الحق ، مثلاً يجبر الزوج على الإنفاق على زوجته أو المديون على أداء ديونه وهكذا وأمّا من له الحق فلا مقتضي لإجباره ، إذ له أن يأخذ به وله أن يتركه ، وأمّا المباشرة فلأنه واجب كفائي وله تركه عند العلم بقيام الغير به ، وأمّا تركه الاذن فلأنه له لا عليه ولا فائدة في الإجبار عليه ، لأنّ القدرة للغير تحصل باذنه وبامتناعه عن الاذن فما الفائدة في الإجبار عليه.

كما ظهر أنّ الحاكم أو عدول المؤمنين أو فساقهم على تقدير عدم العدول ليس لهم الولاية في الاذن عند امتناع الولي عنه ، لأنّ الولاية إنّما ثبتت للحاكم ومن بعده إذا كان عليه الحق وامتنع عن أدائه لا من له الحق ، لأنّه له أن يستوفيه وله أن يتركه وعلى كلا التقديرين تحصل القدرة للغير ولا دليل على ثبوت الولاية في الاذن للحاكم ، بل الحاكم وغيره سيان في حصول القدرة لغير الولي بامتناعه عن المباشرة والاذن. إذن لم تثبت ولاية للحاكم فلا تثبت لغيره بطريق أولى.

كما ظهر أنّ الولي إذا لم يمكن إخباره بموت المولى عليه ، لعدم القدرة منه عقلاً كما إذا كان نائياً أو شرعاً كما إذا كان مريضاً بحيث لو أخبرناه بموت ولده أو والده لمات جاز لغير الولي التصدي لتلك الأفعال من غير حاجة إلى الاستئذان لتمكّنهم من ذلك حينئذ ، لعدم كونه مزاحمة للولي وعدم إمكان إعلامه بالحال.

٢٨٤

نعم ، يجب على غير الولي الاستئذان (*) منه ولا ينافي وجوبه وجوبها على الكل لأنّ الاستئذان منه شرط صحّة الفعل لا شرط وجوبه ، وإذا امتنع الولي من المباشرة والاذن يسقط اعتبار إذنه. نعم ، لو أمكن للحاكم الشرعي إجباره له أن يجبره (**) على أحد الأمرين ، وإن لم يمكن يستأذن من الحاكم ، والأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخرة أيضاً (١).

______________________________________________________

هل يجب على غير الولي الاستئذان منه؟

(١) إذا بنينا على ثبوت الولاية للولي فهل الولاية ثابتة للولي على نحو يجب على غيره الاستئذان منه أو لا يجب؟ فيه كلام.

والصحيح أنّ القدر المتيقن الثابت بالسيرة العملية الخارجية عدم جواز مزاحمة الولي ومعارضته بحيث لو أراد المباشرة للصلاة على الميِّت أو تغسيله أو نحو ذلك أو أمر بها شخصاً لا يجوز معارضته في ذلك والإقدام بها ، وأمّا أنّ الاستئذان منه واجب على غير الولي بحيث لا يصح منه العمل من غير استئذان فهو ممّا لا يمكن الالتزام به وذلك لأن ما استدلّ به على وجوب ذلك عدّة من الأخبار كلّها ضعيفة وغير قابلة للاعتماد عليها.

منها : مرسلة الصدوق قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يغسل الميِّت أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك » (٣).

ومنها : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « يصلِّي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب » (٤).

ومنها : مرسلة البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(*) على الأحوط.

(**) لا وجه للإجبار ولا لما ذكر بعده.

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٦ ح ٢. الفقيه ١ : ٨٦ / ٣٩٤.

(٢) الوسائل ٣ : ١١٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

٢٨٥

[٨٤٥] مسألة ١ : الإذن أعم من الصريح والفحوى (١) وشاهد الحال القطعي (٢).

______________________________________________________

« يصلِّي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب » (١).

ومنها : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام « إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدّمه ولي الميِّت وإلاّ فهو غاصب » (٢).

وهذه الروايات واضحة الدلالة على المدّعى ، ومقتضاها أنّ الاقدام على تلك الأعمال من غير استئذان الولي غير جائز ، وقد خرجنا عنه فيما إذا امتنع الولي عن المباشرة والاذن ، وفي غير تلك الصورة لا بدّ من الاستئذان.

إلاّ أنّها ضعيفة سنداً بالإرسال في الثلاثة الأُولى ، لما مرّ غير مرّة من أنّ المراسيل ليست بحجّة مطلقاً ، سواء أكان مرسلها ابن أبي عمير أم غيره ، وبالنوفلي (٣) في الأخيرة وإن كان السكوني لا بأس برواياته.

فالاستئذان غير واجب من الولي ، نعم لا تجوز معارضته للسيرة الجارية عليه.

وتظهر الثمرة في جملة من الموارد ، منها ما قدّمناه من أنّ الولي إذا لم يعلم بموت الميِّت جازت الصلاة عليه وتغسيله وتكفينه من غير حاجة إلى الاستئذان منه ، إذ لا مزاحمة مع جهل الولي بالحال.

الإذن أعم من التصريح‌

(١) لحجية الظواهر في الألفاظ بلا فرق في ذلك بين أن يكون الظهور على نحو الدلالة المطابقية أو التضمنية أو الالتزامية وهي المعبّر عنها بالفحوى.

(٢) قيّده بالقطعي ، لأنّ الشاهد الّذي يفيد الظن وهو المعبّر عنه بظهور الحال لا‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ١١٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ٤.

(٣) وقد عدل ( دام ظلّه ) عن ذلك واستظهر وثاقته فليراجع المعجم ٧ : ١٢٢.

٢٨٦

[٨٤٦] مسألة ٢ : إذا علم بمباشرة بعض المكلّفين يسقط وجوب المبادرة‌ (١) ولا يسقط أصل الوجوب (٢) إلاّ بعد إتيان الفعل منه أو من غيره ، فمع الشروع في الفعل أيضاً لا يسقط الوجوب ، فلو شرع بعض المكلّفين بالصلاة يجوز لغيره الشروع فيها بنيّة الوجوب (*) (٣) ، نعم ، إذا أتمّ الأوّل يسقط الوجوب عن الثاني‌

______________________________________________________

اعتبار به ، كما إذا عظّم الولي واحداً من المشيعين وأكرمه فإنّه بمثله لا يجوز الاقدام على الصلاة ونحوها ، لأنّ الظهور إنّما يكون حجّة في باب الألفاظ دون غيره فما دام الشاهد لم يوجب القطع أو الاطمئنان لم يمكن الاعتماد عليه.

لو علم بمباشرة أحد المكلّفين‌

(١) لأنّ الحكم كفائي ، ومع مبادرة أحد إليه تسقط المبادرة عن غيره.

(٢) لأنّ الامتثال وسقوط الأمر في الواجبات الارتباطية إنّما يتحقق بالإتيان بآخر جزء منها ، فالإتيان ببعض أجزائها لا يوجب سقوط الأمر حتّى بالإضافة إلى ما أتى به من الاجزاء ، وذلك لأن ما انبسط عليه الوجوب ليس هو مجرد التكبيرة أو القراءة في مثل الصلاة ، بل التكبيرة المتعقبة ببقية الأجزاء إلى آخرها ، وهكذا القراءة المتعقبة ببقية الأجزاء إلى آخرها ، فإذا لم يتعقب الجزء المأتي به ببقية الأجزاء لم يكن مورد للأمر بوجه ، والأمر بالمركب غير ساقط.

نعم ، لا يجب الإتيان ثانياً بالأجزاء الّتي أتى بها ، بل المكلّف مخيّر بين أن يأتي ببقية الأجزاء حينئذ وبين أن يرفع اليد عنها ويستأنف العمل. فتحصل أنّه بمجرّد شروع أحد بالصلاة على الميِّت أو التغسيل أو نحوهما لا يسقط الوجوب الكفائي بوجه.

(٣) لفرض عدم سقوط الوجوب بمجرد شروع بعض المكلّفين بالصلاة ، إلاّ أنّ الأوّل إذا أتمّها قبله سقط الوجوب عن الثاني فيأتي بالأجزاء الباقية استحباباً ، هذا.

__________________

(*) إذا علم أنّ غيره يتمّ الصلاة قبله لا يجوز له ذلك.

٢٨٧

فيتمّها بنيّة الاستحباب.

[٨٤٧] مسألة ٣ : الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة‌

فضلاً عن الشكّ (١).

[٨٤٨] مسألة ٤ : إذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه‌

، وإن شكّ في الصحّة بل وإن ظنّ البطلان (٢) فيحمل فعله على الصحّة ، سواء كان ذلك الغير عادلاً أو فاسقاً (٣).

______________________________________________________

ولا يخفى أن ما أفاده إنّما يتم فيما إذا علم الثاني أو اطمأنّ بأنّ الأوّل لا يتم الصلاة لموت ونحوه ، وأمّا إذا علم بأنّه يتمّها أو اطمأنّ به لا يتمشى منه قصد الوجوب ، لعلمه بأن ما يأتي به ليس بمصداق للواجب ، إذ مع إتمام الأوّل يسقط الوجوب فما معنى قصده الوجوب.

وكذلك الحال في المصلي الأوّل فإنّه إذا علم أو اطمأنّ بأنّ الصلاة لا تتم ، لأنّ الميِّت يرفع في أثنائها أو أنّه يموت ، لا يمكنه الشروع فيها بنيّة الوجوب.

الظن بمباشرة الغير

(١) لعدم حجيته ، وحيث إنّ العلم بالاشتغال يستتبع إحراز الامتثال وفراغ الذمّة فلا يمكن الاكتفاء في الفراغ بظن مباشرة الغير ، فيجب الفحص عن أنّ الميِّت هل صلي عليه أو يصلّى عليه أو أنّه غسل أم لا ، حتّى يحصل القطع بفراغ الذمّة عن التكليف المنجّز في حقّه ، هذا فيما إذا وجد الميِّت والجنازة منفردة كما في البر. وأمّا إذا رآها بأيدي جماعة من أصدقاء الميِّت وأقربائه مثلا لم يجب الفحص عن الصلاة عليه والغسل بوجه ، وذلك للسيرة العملية الجارية على ذلك ، ولو ظنّ عدم إقامة الصلاة عليه مثلا.

(٢) ولا يجب الفحص عن صحّته وبطلانه ، لأصالة الصحّة وحمل فعل المسلم عليه.

(٣) لعدم اختصاص أصالة الصحّة بالعدول ، بل لا بدّ من حمل فعل كل مسلم على الصحيح عادلاً كان أو غيره ، كان هو الولي أو غيره.

٢٨٨

[٨٤٩] مسألة ٥ : كل ما لم يكن من تجهيز الميِّت مشروطاً بقصد القربة‌

كالتوجيه إلى القبلة والتكفين والدفن ، يكفي صدوره من كل من كان من البالغ العاقل أو الصبي أو المجنون (١) وكل ما يشترط فيه قصد القربة كالتغسيل والصلاة يجب صدوره من البالغ العاقل ، فلا يكفي صلاة الصبي عليه إن قلنا بعدم صحّة صلاته ، بل وإن قلنا بصحّتها كما هو الأقوى على الأحوط. نعم ، إذا علمنا بوقوعها منه صحيحة جامعة لجميع الشرائط لا يبعد كفايتها (١) لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط (٢).

______________________________________________________

(١) لتحقّق الموضوع وهو موجب لسقوط التكليف لا محالة.

اشتراط البلوغ والعقل في العبادات

(٢) الكلام في ذلك في مقامين :

أحدهما : ما إذا شكّكنا في صحّة صلاة الصبي على الميِّت وأنّه صلّى صحيحاً أو باطلاً ، أو في تغسيله بناءً على أن عمله على تقدير صحّته مجزٍ عن البالغين ، فهل يمكن الحكم بصحّتها حملاً لفعله على الصحيح؟.

وثانيهما : ما إذا علمنا بأنّ الصبي قد صلّى صحيحاً أو غسّل الميِّت صحيحاً فهل يُجتزأ بعمله وبه يسقط عن ذمّة المكلّفين أو لا يسقط؟

أمّا المقام الأوّل : فالظاهر عدم جريان أصالة الصحّة في حقّ الصبي ، لأنّها لم تثبت بدليل لفظي يمكن التمسُّك بإطلاقه في الصبي ، وإنّما ثبتت بالسيرة الجارية عليها لدى الشك ، لأن مرادنا من أصالة الصحّة في المقام حمل الفعل على الصحيح الواقعي وترتيب الأثر عليه ، وهي لم تثبت إلاّ بالسيرة ولم نرد منها حمل فعل المسلم على غير القبيح والمحرم الشرعي لئلاّ يختص بالبالغين ، وهذا بخلاف أصالة الصحّة في المقام.

__________________

(١) بل هي بعيدة.

٢٨٩

على أنّه لم يتحقق مورد صلّى فيه الصبي على الميِّت لتجري سيرتهم فيه على حمل صلاته على الصحيح.

ولا إشكال أنّها مختصّة بالبالغين ، ولا سيره في مثل صلاة الصبي على الميِّت وتغسيله.

نعم ، تجري أصالة الصحّة في بعض أعماله ، لجريان السيرة فيه ، كما في تطهيره فإنّ الصبي إذا غسل شيئاً أو دخل الخلاء واستنجى وعلمنا بنجاسة يده وخرج من الخلاء لا يعامل معه معاملة النجاسة بل يبنون على طهارة يده ، ولا إشكال في جريان السيرة عليه ، إلاّ أنّه في مثل الصلاة على الميِّت لا سيرة تقتضي الحكم بصحّة صلاته.

ودعوى جريان أصالة الصحّة في صلاة الصبي وتغسيله أيضاً لعدم القول بالفصل ، عهدتها على مدعيها ، لما عرفت من قصور المقتضي لحمل مثل صلاته على الصحّة ، هذا كلّه في هذا المقام.

أمّا المقام الثاني : وهو ما إذا علم بأنّ الصبي صلّى صحيحاً أو غسّل صحيحاً وشككنا في الاجتزاء بصلاته وبسقوطها عن البالغين ، فإذا بنينا على أن عبادات الصبي تمرينية فلا إشكال في عدم كفاية صلاة الصبي حينئذ ولا يسقط التكليف بفعله عن المكلّفين ، لأن صلاته ليست بصلاة مأمور بها في الحقيقة ، وإنّما هي صورة صلاة وشبيهة بها.

وأمّا إذا قلنا بمشروعية عباداته وإن لم يكن الصبي ملزماً بها فهي مستحبّة في حقّه ، فهل تكون أعماله المستحبّة مجزية عن البالغين أو لا تجزئ؟

الكلام في ذلك يقع في مقامين : أحدهما في الأصل العملي وثانيهما في الأصل اللفظي والأدلّة الاجتهادية.

أمّا المقام الأوّل : فمرجع الشك في سقوط الواجب عن المكلّفين بعمل الصبي إلى أنّ التكليف على المكلّفين هل هو على نحو الإطلاق وأنّه ثابت على ذمّتهم سواء أتى به غير البالغ أم لم يأت به ، أو أنّه على نحو الاشتراط وهو مشروط بعدم إتيان الصبي‌

٢٩٠

بالواجب ، ومع الشك في الإطلاق والاشتراط فالأصل هو البراءة ، وبها يثبت نتيجة الاشتراط ، وذلك لأنّه من الشك في أصل توجه التكليف على المكلّفين مع فرض إتيان الصبي الصلاة أو التغسيل ، هذا.

وقد يقال : إنّ الرجوع إلى البراءة عند الشك في الإطلاق والاشتراط إنّما هو فيما إذا كان الشرط غير حاصل من الابتداء ، وأمّا إذا كان متحققاً في الابتداء وارتفع بعد ذلك فمقتضى الأصل فيه هو الاشتغال ، وذلك كما في المقام ، لأنّ الصلاة على الميِّت إنّما هي بعد الموت بزمان ، فقبل أن يأتي بها الصبي وجبت الصلاة على المكلّفين وجوباً فعلياً ، لأنّه إمّا مطلق وثابت على ذمّتهم على كلا تقديري إتيان الصبي بها وعدمه ، أو أنّه واجب عليهم على تقدير أن لا يصلّي الصبي عليه ، والمفروض أنّ الصبي لم يصلّ عليه وبه يتحقق شرط الوجوب في حقّهم ، فالتكليف بالصلاة مثلاً فعلي في حقّهم وإذا أتى بها الصبي وشكّ في سقوطه عنهم بفعله وعدمه فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوبها في حقّهم وعدم سقوطه عنهم بذلك ، لأنّ العلم بالاشتغال يستدعي العلم بالفراغ. وهذا هو الّذي ذكره المحقق النائيني قدس‌سره في الشكّ في الإطلاق والاشتراط (١).

إلاّ أنّه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ الشرط شرط معتبر في توجه التكليف عليهم في جميع الأزمان ، بمعنى أنّه شرط في تكليفهم بحسب الحدوث والبقاء بحيث لو صلّى الصبي على الميِّت بعد ذلك كشف ذلك عن عدم كون الصلاة واجبة على المكلّفين من الابتداء ، لا أنّه شرط فيه حدوثاً وبفعله يسقط التكليف عنهم بعد حدوثه في حقّهم قبل الشرط.

إذن يؤول الشك في المقام إلى توجه التكليف على البالغين مع فرض إتيان الصبي به وهو مدفوع بالبراءة.

وأمّا المقام الثاني : فمقتضى إطلاقات الأدلّة عدم سقوط التكليف عن البالغين‌

__________________

(١) راجع فوائد الأُصول ٣ : ٤٢١.

٢٩١

فصل

في مراتب الأولياء‌

[٨٥٠] مسألة ١ : الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها (١)

______________________________________________________

بفعل الصبي ، لعدم تقييدها الأمر بالصلاة ونحوها بما إذا لم يأت بها الصبي ، فمقتضى الأصل اللّفظي وجوب الصلاة والغسل في حقّهم ، أتى بهما الصبي أم لم يأت بهما.

ولا ينافي وجوب الصلاة وعدم سقوطها بفعل الصبي استحبابها في حقّه ، لأنّها مستحبّة في حقّ الصبي إلاّ أنّ الدليل لم يقم على كونها مجزئة عن المكلّفين ، فهي واجبة في حقّهم وإن كانت مستحبّة على الصبي.

ودعوى أنّ الصلاة المأمور بها طبيعة واحدة ، ومع إتيان الصبي بها يتحقق الموضوع وبه يسقط التكليف والوجوب ، ساقطة لأنّ الطبيعة وإن كانت واحدة ، إلاّ أنّ المصلحة الإلزامية لا يتحقق بفعل الصبي فلا بدّ من أن يأتي بها البالغون المكلّفون حتّى تستوفى تلك المصلحة الإلزامية لا محالة.

فصل : في مراتب الأولياء

أولوية الزّوج بزوجته‌

(١) المعروف والمشهور بين الأصحاب أنّ الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها كما ذكره الماتن قدس‌سره كما أنّ المولى أولى بأمته من غيره ولو كانت مزوجة ، ثمّ تنتقل الولاية إلى مراتب الإرث ، فالطبقة الاولى وهم الأولاد والأبوان مقدّمون على الطبقة الثانية وهم الأجداد والإخوة وهم مقدمون على المرتبة الثالثة وهم الأعمام والأخوال وبعد الطبقة الثالثة فالمعتق وبعده ضامن الجريرة وبعده الحاكم‌

٢٩٢

حرّة كانت أو أمة ، دائمة أو منقطعة ، وإن كان الأحوط في المنقطعة الاستئذان من المرتبة اللاّحقة أيضاً. ثمّ بعد الزوج المالك أولى بعبده أو أمته من كل أحد ، وإذا كان متعدِّداً اشتركوا في الولاية ، ثمّ بعد المالك طبقات الأرحام بترتيب الإرث فالطبقة الاولى وهم الأبوان والأولاد مقدّمون على الثانية وهم الاخوة والأجداد والثانية مقدّمون على الثالثة وهم الأعمام والأخوال. ثمّ بعد الأرحام المولى المعتق ثمّ ضامن الجزيرة ثمّ الحاكم (١) الشرعي ثمّ عدول المؤمنين.

______________________________________________________

الشرعي ، ومع عدمه عدول المؤمنين.

إلاّ أن ذلك لا يمكن إثباته بدليل لفظي في غير المولى وأمته ، وذلك لأن الأمة ملك للمولى ولو كانت مزوجة والمالك أولى بماله من غيره ، والحيوان والإنسان وإن كانا يسقطان عن المالية بموتهما إلاّ أنّ الأولوية للمالك لماله بعد التلف قد ثبتت حسب السيرة العقلائية من غير نكير ، كما ذكرناه في بحث المكاسب المحرمة (٢) في مثل كسر الكوز وموت الحيوان وتبدل الخل خمراً وغير ذلك ، فإنّه وإن كان خارجاً عن الملكية والمالية في بعض الموارد كما في تبدل الخل خمراً إلاّ أنّ الأولوية للمالك كما عرفت ، بل الملكية باقية في بعض الصور ، فالمولى أولى بأمته من غيره.

وأمّا الزوج فالأخبار المستدل بها على كونه أولى بزوجته من غيره كلّها ضعاف لا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها.

نعم ، قد عبّر عن رواية إسحاق بن عمار (٣) بالموثقة في كلام المحقق الهمداني (٤) قدس‌سره إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك. ودعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور قد مرّ ضعفه غير مرّة.

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم ثبوت الولاية له ولعدول المؤمنين.

(٢) في مصباح الفقاهة ١ : ١٨٩.

(٣) الوسائل ٣ : ١١٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٣.

(٤) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) ٣٥٤ السطر ٢٧.

٢٩٣

بل في بعض الروايات كصحيحة حفص بن البختري أنّ الأخ مقدم على الزوج حيث سأل عن امرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيّهما يصلّي عليها؟ قال عليه‌السلام أخوها أحق بالصلاة عليها (١).

نعم ، لا يمكننا الأخذ والاعتماد على هذه الصحيحة أيضاً ، للقطع بكونها على خلاف مذهب الشيعة ، لأنّ الأخ ليس بأولى من الزوج عند الأصحاب ، بل لا يرث مع وجود الطبقة المتقدمة كما هو واضح ، ومن هنا لا بدّ من حملها على التقيّة كما ذكره الشيخ قدس‌سره من أن هذا مذهب الحنفية (٢).

وأمّا مراتب الإرث فهي أيضاً كذلك ، لما عرفت من أن ما دلّ على أن أمر الميِّت إلى الولي وهو يصلّي عليه أو يأمر من يحب ، كلّها ضعاف.

وأمّا الآية المباركة ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً ) (٣) فسواء قلنا إن مدلولها أن اولي الأرحام أولى من الأجانب بقرينة قوله ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) أو قلنا إنّه يدل على أن بعض اولي الأرحام أولى من بعض آخر منهم ومن الأجانب ، فهي راجعة إلى الإرث كما يرشد إليه قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا ... ) أي إلاّ أن يوصي الميِّت إلى أحد أصدقائه وأوليائه وصية ، فإنّ الوصية تخرج قبل الإرث ، ومراتب الإرث هي المذكورة في الكتاب ، فلا نظر لها إلى الصلاة على الميِّت وتغسيله وغير ذلك من الأُمور. مضافاً إلى الأخبار الدالّة على ذلك.

والمتحصل : أن ما ذكره المشهور في المقام لا يمكن إثباته بدليل لفظي ومن ثمّ ذهب الأردبيلي (٤) قدس‌سره وغيره إلى أن أولوية الزوج بزوجته استحبابية لا وجوبية.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١١٦ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٥ / الرقم [٤٨٦] ، الاستبصار ١ : ٤٨٧ / الرقم [١٨٨٥] لكن فيهما أنّ الرواية موافق لمذهب العامّة.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٧٦ ، ٢ : ٤٥٨.

٢٩٤

ومع ذلك لا بدّ من الالتزام بما ذكروه في المقام ، لأنّ المسألة متسالم عليها بينهم ولم ينقل فيها خلاف ، وإنّما خلافهم في أنّ الأولوية واجبة أو مستحبة ، والسيرة العملية أيضاً جارية على ذلك بين المتشرعة.

بل السيرة العقلائية أيضاً كذلك ، لأنّها جرت على عدم مزاحمة الولي ومن له الأمر في الصلاة على الميِّت وتغسيله وتكفينه ودفنه.

والقدر المتيقن من التسالم والسيرة ثبوت الولاية في ذلك على من يتصدّى لتلك الأُمور وله الزعامة فيها عرفاً وهو المعزّى والمسلى والمرجع فيها لدى العرف ، فالسيرة جرت على عدم جواز مزاحمته في تلك الأُمور وأنّه غصب لحقّه.

وعليه فلا ولاية للنِّساء والصبي والمجنون ، إذ لم تجر العادة على تصدي النِّساء لتلك الأُمور وزعامتها ، والصبي والمجنون لا زعامة لهما ليتصديا لها.

مَن له الولاية قد لا يكون هو الوارث

ومن هنا يظهر أن مَن له الولاية قد لا يكون هو الوارث ، والوارث لا تثبت له الولاية أصلاً ، كما إذا كان له بنت أو أُم وأخ فانّ الأخ لا يرث الميِّت مع وجود الطبقة الاولى أعني الأولاد والأبوين ومع ذلك الولاية إنّما هي للأخ بحسب السيرة وهو المعزّى والمتصدي لتلك الأُمور لدى العرف.

ولعله لذلك ذهب بعضهم إلى أنّ الوارث إذا كان أباً وابناً فالولاية للأب وإن كانا مشتركين في الإرث وفي مرتبة واحدة ، وذلك لأنّ الزعامة والمرجعية في ذلك هي للأب دون الابن.

وكذلك الحال فيما إذا كان الوارث منحصراً بالجد والأخ ، فانّ الولاية حينئذ للجد وإن كان هو والأخ في مرتبة واحدة في الإرث ، وذلك لأنّ الزعامة إلى الجد لا إلى الأخ ، فليس المدار في الولاية هو الإرث.

٢٩٥

[٨٥١] مسألة ٢ : في كل طبقة الذكور مقدّمون على الإناث‌ ، والبالغون على غيرهم ، ومن مت إلى الميِّت بالأب والأُم أولى ممّن مت بأحدهما ، ومن انتسب إليه بالأب أولى ممّن انتسب إليه بالأُم ، وفي الطبقة الأُولى الأب مقدّم على الام والأولاد وهم مقدّمون على أولادهم ، وفي الطبقة الثانية الجد مقدّم على الاخوة وهم مقدّمون على أولادهم ، وفي الطبقة الثالثة العم مقدّم على الخال وهما على أولادهما.

[٨٥٢] مسألة ٣ : إذا لم يكن في طبقة ذكور فالولاية للإناث‌ ، وكذا إذا لم يكونوا بالغين أو كانوا غائبين ، لكن الأحوط الاستئذان من الحاكم أيضاً في صورة كون الذكور غير بالغين أو غائبين.

______________________________________________________

بل يمكن استفادة ذلك من الأخبار أيضاً (١) على تقدير تمامية سندها ، وذلك لأنّها دلّت على أن تلك الأُمور لمن هو أولى بالميت والولي ، ولم تقيد الأولوية فيها بالأولوية في الإرث كما قيّده بذلك فيما دلّ على وجوب قضاء صلوات الميِّت (٢) حيث دلّ على أنّه يقضي صلواته الفائتة من هو أولى بالميت بإرثه.

فالمراد بالأولوية هو الأولوية العرفية ، أعني من يكون هو المرجع والمعزى وإليه الزعامة في تلك الأُمور عرفاً كما ذكرنا.

بل يمكن أن يقال : إن قوله عليه‌السلام « يغسل الميِّت أولى الناس به » « أو يصلّي عليه أولى الناس به » أو « يأمر من يحب » يدل على أنّ الولاية والأولوية لمن يكون قابلاً للتصدِّي لتلك الأُمور بالمباشرة وبنفسه ، أو لأن يتصدى لها بالتسبيب ، ومن الظاهر أنّ المرأة ليس لها التصدي لتغسيل الميِّت بنفسها ، لاشتراط المماثلة بين الغاسل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٥ / أبواب غسل الميِّت ب ٢٦ ، ٣ : ١١٤ / أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ، ١٠ : ٣٣١ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٦ ، ٨ : ٢٧٨ / أبواب قضاء الصّلوات ب ١٢ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

٢٩٦

[٨٥٣] مسألة ٤ : إذا كان للميت أُم وأولاد ذكور فالام أولى‌ (١) لكن الأحوط (*) الاستئذان من الأولاد أيضاً.

______________________________________________________

والمغسول ، اللهمّ إلاّ في موارد الضرورة إذا كانت المرأة من المحارم. كما أنّ العادة لم تجر على تصدّي المرأة للصلاة على الميِّت وتغسيله وتكفينه ودفنه ، والصبي والمجنون يحتاجون إلى الولي فكيف يكونان وليين ومتصديين لتلك الأُمور.

ودعوى أنّ الولاية تنتقل منهما إلى الوصي أو الحاكم.

مندفعة بأنّها تحتاج إلى الدليل ، لأن ظاهر الرواية أنّ الولاية لنفس الولي لا أنّها تنتقل إلى غيره ، فهو يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.

وعلى هذا لا وجه لما ذكره الماتن قدس‌سره في المسألة الرابعة من أنّ الوارث إذا كان امّاً وأولاداً ، فالام متقدمة عليهم ، لما عرفت من أنّ النِّساء لا يتصدين لتلك الأُمور عادةً ، ولا أن لهن الزعامة في تلك الأُمور ، هذا.

(١) قد عرفت أن هذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه.

إذا لم يكن ولي أو لم يمكن الوصول إليه

ثمّ إنّه لو بنينا على مراتب الأولياء على النحو الّذي التزم به المشهور وذكره الماتن قدس‌سره وفرضنا تمامية الأخبار المتقدمة سنداً ، فلو لم يكن للميت وارث ، أو كان ولم يمكن الوصول إليه هل ينتقل الأمر إلى الامام عليه‌السلام وعلى تقدير عدم الوصول إليه هل تثبت الولاية للحاكم الشرعي وعلى تقدير عدمه لعدول المؤمنين ، أو لا ولاية للحاكم فضلاً عن عدول المؤمنين فتسقط الولاية حينئذ ويجوز التصدّي لها من غير استئذان من الحاكم أو غيره؟

المعروف هو الأوّل والصحيح هو الثاني ، وذلك لأنّ المستند في الحكم بثبوت الولاية‌

__________________

(*) لا يترك.

٢٩٧

[٨٥٤] مسألة ٥ : إذا لم يكن في بعض المراتب إلاّ الصبي أو المجنون أو الغائب‌ فالأحوط الجمع (*) بين إذن الحاكم والمرتبة المتأخِّرة ، لكن انتقال الولاية إلى المرتبة المتأخِّرة لا يخلو عن قوّة. وإذا كان للصبي ولي فالأحوط الاستئذان منه أيضاً.

[٨٥٥] مسألة ٦ : إذا كان أهل مرتبة واحدة متعددين يشتركون في الولاية‌ فلا بدّ من إذن الجميع ، ويحتمل تقدم الأسن.

______________________________________________________

للحاكم إن كان هو الأخبار الدالّة على ثبوت الولاية للفقيه والحاكم في زمان الغيبة وأنّه القائم مقام الإمام عليه‌السلام في جميع الأُمور الراجعة إلى الإمام عليه‌السلام على تقدير وجوده والتمكّن من الوصول إليه ، وأنّ الأُمور بيد العلماء الامناء بالله وأنّه لا بدّ من الرجوع إليهم في الحوادث الواقعة ،

فيدفعه : ما ذكرناه في بحث الاجتهاد والتقليد (٢) والمكاسب (٣) من عدم ثبوت الولاية للحاكم في زمان الغيبة ، لضعف الأخبار المستدل بها على ذلك.

وإن كان المستند في الحكم أن تلك الأُمور من الأُمور الحِسبية الّتي لا مناص من تحققها في الخارج ، والقدر المتيقن في جوازها هو ما إذا أذن الحاكم الشرعي فيها.

فيرد عليه ما ذكرناه في بحث الاجتهاد والتقليد والمكاسب أيضاً من أن في ذلك تفصيلاً حاصله : أنّ الأُمور الحِسبية على قسمين :

فانّ التصرّف فيها قد يكون محرّماً في نفسه ، كما في التصرف في مال الصغير والمجنون والغائب والأوقاف الّتي لا متولي لها وغير ذلك من الأموال ، لعدم جواز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذنه ، وكذا التزويج فإنّ الأصل عدم نفوذه في حقّ الغير ومن هذا القسم التصرّف في مال الإمام عليه‌السلام لأنّه حرام إلاّ بإذنه ، وبما أنّ‌

__________________

(*) لا يترك.

(١) في شرح العروة ١ : ٣٥٦ مبحث ولاية الفقيه.

(٢) مصباح الفقاهة ١ : ٣٢.

٢٩٨

التصرّف في تلك الأُمور أمر لا بدّ منه إذ لولاه لتلف مال الصغير وغيره أو لتلفت نفس الصغير ، لأنّه لو لم يبع داره مثلاً ويعالج الصغير أو المجنون لتلف ومات ، أو لتلف مال الإمام عليه‌السلام كما إذا دفن أو القي في البحر أو أوصى به أحد لآخر فنعلم في مثل ذلك جواز التصرف في تلك الأُمور شرعاً ، إلاّ أنّ القدر المتيقن من جوازه أن يكون التصرف بإذن الحاكم الشرعي أو يكون هو المتصدي ، لاحتمال دخالة إذنه في جواز تلك التصرفات كبيع مال اليتيم أو صرف مال الإمام عليه‌السلام في موارد العلم برضى الإمام عليه‌السلام به ، وفي تلك الأُمور لا بدّ من الاستئذان من الحاكم الشرعي ، لأنّه القدر المتيقن من جواز التصرف في تلك الموارد حينئذ.

وقد يكون التصرف في الأُمور الحسبية جائزاً في نفسه ، وفي مثله لا حاجة إلى إذن الحاكم أو غيره ، ومنها الصلاة على الميِّت وتغسيله وتكفينه ودفنه ، وذلك لأن مقتضى إطلاق أدلّة وجوبها أنّها أُمور واجبة على كل واحد من المكلّفين أذن فيها الحاكم أم لم يأذن فيها ومع إطلاق أدلّتها لا حاجة إلى إذن الحاكم.

وعلى تقدير عدم كونها مطلقة فمقتضى البراءة عدم اشتراطها بالاذن ، وذلك للعلم بتوجه التكليف بتلك الأُمور إلى المكلّفين ، ويشك في أنّها مقيّدة بقيد وهو إذن الحاكم ويعتبر فيها الاستئذان من الحاكم ، أو أن وجوبها غير مقيّد بذلك ، والأصل البراءة عن هذا الاشتراط والقيد.

فتحصل : أنّه لا دليل على ثبوت الولاية للحاكم فضلاً عن عدول المؤمنين ، بل يجوز التصدي لتلك الأُمور من غير حاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي.

فذلكة الكلام

والمتحصل ممّا ذكرناه في المقام : أن مقتضى السيرة بل الأخبار أيضاً مع الغض عن سندها هو ثبوت الولاية لمن يتصدّى لأُمور الميِّت وله الزعامة والمرجعية فيها عرفاً وهو الّذي يعزى ويسلى دون غيره فلا يجوز مزاحمته في تلك الأُمور ، وعلى ذلك تختص الولاية بالرجال ولا حظّ فيها للنِّساء.

٢٩٩

[٨٥٦] مسألة ٧ : إذا أوصى الميِّت في تجهيزه إلى غير الولي‌ ، ذكر بعضهم عدم نفوذها إلاّ بإجازة الولي ، لكن الأقوى صحّتها ووجوب العمل بها ، والأحوط إذنهما معاً ولا يجب قبول الوصية على ذلك الغير وإن كان أحوط (١).

______________________________________________________

وهذا هو الّذي تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، إمّا لأن النِّساء غير قابلات لمباشرة تلك الأُمور شرعاً كما في تغسيل الميِّت ، وإمّا لعدم جريان العادة بتصدي المرأة لمثل الصلاة على الميِّت وتغسيله ونحوهما.

فما أفاده الماتن قدس‌سره من أنّ الوارث إذا انحصر بالأُم والابن أو بالجدة والأخ ، فانّ الام والجدّة يتقدّمان على الابن والأخ ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه بل الأمر في كلتا المسألتين بالعكس والولاية للابن والأخ كما عرفت.

وصيّة الميِّت لغير الولي‌

(١) قد يقال بتقدم الوصية على الولاية ، لأن تبديل الوصيّة إثم فلا يجوز تغييرها.

وأُخرى يقال بتقدم الولاية على الوصية ، لأنّ الوصية فيما لا يوافق الشرع غير نافذة كما في الشرط والنذر ونحوهما وتلك الأُمور ثابتة للولي فلا تنفذ الوصية على خلافها.

والصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره من نفوذ الوصيّة وتقدّمها على الولاية مطلقاً ، سواء كان مدركها السيرة أم الأخبار.

أمّا بناءً على أن مدركها السيرة فلوضوح أنّ القدر المتيقن من السيرة ما إذا لم يوص الميِّت لأحد ، ولا سيرة على عدم جواز مزاحمة الولي عند الوصية للغير ، ومعه لا تكون الوصية غير موافقة للشرع ، لقصور المقتضي لثبوت الولاية حينئذ. ومقتضى إطلاق أدلّة جواز الوصية ونفوذها لزوم العمل على طبقها ، وذلك لأن إطلاقها هو المحكّم ما لم يقم دليل على خلافها.

٣٠٠