موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

لكن لا يجوز له تفويت شي‌ء منه على الوارث بالإقرار كذباً ، لأنّ المال بعد موته يكون للوارث فإذا أقرّ به لغيره كذباً فوّت عليه ماله (*) (١).

______________________________________________________

جمعاً ، لكراهة حرمان الوارث من التركة.

عدم جواز التفويت على الورثة‌

(١) قد يريد المالك بقوله : هذا لزيد ، أنّه له بعد موته ، إلاّ أنّه يبرزه بصورة الإقرار ، لاحتمال أنّ الورثة قد لا تعمل على طبق وصيّته فلا يصل المالك إلى مرامه من الثواب في إيصال ماله إلى سيِّد أو فقير قربة إلى الله تعالى ، فهو وصيّة واقعاً أبرزها بصورة الإقرار بالتورية من دون أن يكون المال زائداً على ثلثه ، وهذا ممّا لا إشكال في جوازه ، لأن للمورّث أن يتصرّف في ثلث ماله وهو ملكه وهو أولى بالتصرف فيه من الورثة ، فلا تفويت على الورثة بشي‌ء ، كما أنّه لم يرتكب كذباً ، لأنّ التورية خارجة عن الكذب على ما بيّناه في محلِّه (٢) وهذا ظاهر.

وقد يريد المالك الاعتراف حقيقة دون الإيصاء أو يكون المال زائداً على ثلثه ، ولا ينبغي الإشكال في حرمته حينئذ وذلك من وجوه :

أحدها : ما علمناه خارجاً من عدم جواز تفويت المال على مالكه ، لأنّه مسلّط على ماله وهو محترم كاحترام دم المسلم ، والتفويت مناف لسلطنته ، فيحرم الحيلولة بين المالك وماله وتفويته عليه ، وحيث إنّ المال للورثة فتكون الحيلولة بين المالك وماله وحرمانه عنه والمنع عن سلطنته وتفويت المال عليه بالاعتراف للغير كذباً حراماً ، لأنّه تفويت لمال الورثة.

ثانيها : أن تصرف المقر له فيما اعترف له المورّث من المال حرام ، لأنّه ملك الورثة‌

__________________

(*) إذا قصد بإقراره الوصيّة ولم يكن المقرّ به أكثر من الثلث لم يكن به بأس.

(١) في مصباح الفقاهة ٢ : ١٠٠.

٢٦١

نعم ، إذا كان له مال مدفون في مكان لا يعلمه الوارث يحتمل عدم وجوب إعلامه (١) لكنّه أيضاً مشكل ، وكذا إذا كان له دين على شخص ، والأحوط الاعلام ، وإذا عدّ عدم الاعلام تفويتاً فواجب يقيناً.

______________________________________________________

والتصرف في ملك الغير محرم ، والمورّث بإقراره سبب للمقر له في ارتكاب ذلك الحرام ، لأنّه لو لم يقر له لم يكن يرتكبه. وهو نظير ما إذا قدّم أحد طعاماً حراماً للجاهل ليأكله ، وقد ذكرنا في محلِّه أن مقتضى الارتكاز في أذهان العقلاء والفهم العرفي عدم الفرق في ارتكاب المحرمات الواقعية بين ارتكابها بالمباشرة والتسبيب فانّ المولى إذا نهى عبده عن الدخول عليه استفاد العرف منه أنّ الدخول عليه بالمباشرة أو إيجاده في الغير بالتسبيب ولو بالكذب حرام مبغوض ، فهذا الإقرار تسبيب للحرام فهو حرام.

نعم ، هذا الوجه يختص بما إذا لم يكن المقر له عالماً بكذب إقرار المقر وإلاّ لم يكن إقراره سبباً في ارتكاب المقر له للحرام ، فان ارتكابه حينئذ مستند إلى اختياره حيث أقدم عليه عالماً بحرمته فلا يكون محرماً من جهة التسبيب وإن كان الاعتراف سبباً لإزالة السلطنة عن المالك.

ثالثها : أن إقراره هذا كذب ، والكذب حرام.

هل يجب على المورّث الاعلام بأمواله؟

(١) الصحيح عدم وجوب الاعلام على المورّث حينئذ ، لأن حرمان الورثة من مالهم وعدم سلطنتهم عليه مستند إلى جهلهم لا إلى سكوته عن الاعلام ، ولا يجب عليه إعلامهم وإيجاد ما يقتضي السلطنة لهم ، وإنّما يحرم إزالة السلطنة كما هو الحال في غير المورّث ، كما إذا كان لأحد مال في موضع وهو لا يعلمه وقد علم به أحد فإنّه لا يجب عليه أن يعلم المالك بذلك ، لأن سكوته غير مفوّت للمال عليه.

وكذا الحال في من يعلم أن للميت ديناً على شخص ولا يعلم به الوارث فإنّه‌

٢٦٢

[٨٤٤] مسألة ٤ : لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله إلاّ إذا عدّ عدمه‌ تضييعاً لهم أو لمالهم (١) ، وعلى تقدير النصب يجب أن يكون أميناً (٢). وكذا إذا عيّن على أداء حقوقه الواجبة شخصاً يجب أن يكون أميناً (٣). نعم ، لو أوصى بثلثه في وجوه الخيرات غير الواجبة لا يبعد عدم وجوب كون الوصي عليها أميناً (٤) لكنّه أيضاً لا يخلو عن إشكال (٥)

______________________________________________________

لا يجب أن يعلم الوارث بالحال ، لأن سكوته ليس تفويتاً وسبباً لحرمانهم. نعم ، ما أفاده الماتن قدس‌سره من أنّه لو عدّ تفويتاً وجب إعلامه صحيح ، إلاّ أنّه لا يعدّ تفويتاً كما ذكرناه.

مورد وجوب نصب القيّم‌

(١) كما إذا كان في البلد حاكم شرعي أو وكيله أو عدول المؤمنين وهم يتصدون لحفظ الأطفال أنفسهم وأموالهم. نعم ، إذا لم يكن هناك من يحفظهم ويحفظ أموالهم وجب عليه نصب القيّم عليهم ، لأنّ الولي يجب عليه حفظ المولّى عليه نفساً ومالاً وهذا لا يتحقق بعد الموت إلاّ بنصب أحد يتصدى لحفظهم.

(٢) لعين ما قدّمناه من وجوب حفظ المولّى عليه على الولي ، ومع عدم كون القيّم أميناً لا يحرز الحفظ الواجب فلا بدّ من نصب الأمين حتّى يحرز ذلك.

(٣) لتنجز التكليف برد الأمانات والحقوق ، ولا بدّ من إحراز الخروج عن عهدته ، ولا يتحقق هذا إلاّ بالإيصاء إلى الأمين ، لعدم إحراز ذلك عند عدم أمانته.

(٤) لأنّ الثلث على ما هو الصحيح باقٍ على ملك الميِّت ، والإرث إنّما هو بعد الإيصاء والدين ، وبما أنّ الميِّت حال حياته كان متمكّناً من أن يوكّل غير الأمين على أمواله بل كان له إتلافها ، فكذلك الحال بعد موته ، لأنّه تصرف في ملكه.

(٥) يمكن أن يكون الوجه في ذلك : حرمة الإعانة على الإثم ، للعلم بأن غير الأمين يتصرّف على وجه حرام فالإيصاء إليه إعانة على الإثم وهي حرام.

٢٦٣

خصوصاً إذا كانت راجعة إلى الفقراء (١).

______________________________________________________

وفيه : أنّ الإعانة على الإثم لم تثبت حرمتها بدليل ، وإنّما المحرّم التعاون على الإثم كما في قوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ) (١) كما ثبتت حرمة إعانة الظالم على ظلمه ، وأمّا حرمة إعانة العاصي على عصيانه فلا دليل عليها.

كما يمكن أن يكون الوجه فيه : أنّ الإيصاء إلى غير الأمين تسبيب للحرام ، لأن غير الأمين إذا كان مسلطاً على المال قد يرتكب محرماً ويتصرف فيه على وجه حرام ، والإيصاء إليه تسبيب للحرام وإيجاد له بالتسبيب ، وقد تقدم أنّ المحرم لا فرق فيه بين إصداره بالمباشرة وبالتسبيب.

ويدفعه : أنّ الوصي حينئذ يرتكب الحرام بعلمه واختياره لا بتسبيب الوصي ، ومع ارتكابه عالماً ومختاراً لا تسبيب في البين.

ثمّ إنّا لو قلنا بحرمة الوصية من باب حرمة الإعانة على الإثم أو حرمة التسبيب فإنّما هي فيما إذا علم أنّ الوصي يتصرف على وجه حرام ، وأمّا لو شكّ في ذلك فلا بأس بحمل فعله على الصحيح والحكم بجواز الإيصاء إليه وجواز الإعانة والتسبيب إليه.

نعم ، للحاكم الشرعي إذا رأى أنّ القيّم يتصرف على وجه حرام أن يجعل ناظراً عليه حتّى لا يتصرف على الوجه الحرام غير المرضي عند الله.

(١) لم يظهر لنا الوجه في هذا التخصيص ، لعدم الفرق بين الإيصاء لصرف الثلث في الفقراء وصرفه في مثل المساجد والمدارس والقنطرات والحسينيات والمشاهد وغيرها.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٢.

٢٦٤

فصل

في آداب المريض‌

وما يستحب عليه وهي أُمور :

الأوّل : الصبر والشكر لله تعالى. الثاني : عدم الشكاية من مرضه إلى غير المؤمن ، وحدّ الشكاية أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد ، وأصابني ما لم يصب أحداً ، وأمّا إذا قال : سهرت البارحة أو كنت محموماً فلا بأس به. الثالث : أن يخفي مرضه إلى ثلاثة أيّام. الرابع : أن يجدد التوبة. الخامس : أن يوصي بالخيرات للفقراء من أرحامه وغيرهم. السادس : أن يعلم المؤمنين بمرضه بعد ثلاثة أيّام. السابع : الاذن لهم في عيادته. الثامن : عدم التعجيل في شرب الدواء ومراجعة الطبيب إلاّ مع اليأس من البرء بدونهما. التاسع : أن يجتنب ما يحتمل الضرر. العاشر : أن يتصدق هو وأقرباؤه بشي‌ء ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « داووا مرضاكم بالصّدقة ». الحادي عشر : أن يقر عند حضور المؤمنين بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد وسائر العقائد الحقة. الثاني عشر : أن ينصب قيماً أميناً على صغاره ، ويجعل عليه ناظراً. الثالث عشر : أن يوصي بثلث ماله إن كان موسراً. الرابع عشر : أن يهيئ كفنه.

ومن أهم الأُمور : إحكام أمر وصيته وتوضيحه وإعلام الوصي والناظر بها. الخامس عشر : حسن الظن بالله عند موته ، بل قيل بوجوبه في جميع الأحوال ويستفاد من بعض الأخبار وجوبه حال النزع (١).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٤٨ / أبواب الاحتضار ب ٣١.

٢٦٥

فصل

[ في استحباب عيادة المريض وآدابها ]

عيادة المريض من المستحبّات المؤكّدة ، وفي بعض الأخبار : أن عيادته عيادة الله تعالى ، فإنّه حاضر عند المريض المؤمن (١) ولا تتأكد في وجع العين والضرس والدمل وكذا من اشتدّ مرضه أو طال.

ولا فرق بين أن تكون في اللّيل أو النهار ، بل يستحب في الصباح والمساء ، ولا يشترط فيها الجلوس بل ولا السؤال عن حاله.

ولها آداب : أحدها : أن يجلس ولكن لا يطيل الجلوس إلاّ إذا كان المريض طالباً. الثاني : أن يضع العائد إحدى يديه على الأُخرى أو على جبهته حال الجلوس عند المريض. الثالث : أن يضع يده على ذراع المريض عند الدُّعاء له أو مطلقاً. الرابع : أن يدعو له بالشفاء ، والأولى أن يقول : اللهمّ اشفه بشفائك وداوه بدوائك وعافه من بلائك » (٢). الخامس : أن يستصحب هدية له من فاكهة أو نحوها ممّا يفرحه ويريحه. السادس : أن يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين أو أربعين مرّة أو سبع مرّات أو مرّة واحدة فعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرّة ثمّ رُدّت فيه الروح ما كان ذلك عجباً » (٣) وفي الحديث : « ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرّة إلاّ سكن بإذن الله ، وإن شئتم فجرّبوا ولا تشكوا » (٤) وقال الصادق عليه‌السلام : « من نالته علّة فليقرأ في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤١٧ / أبواب الاحتضار ب ١٠ ح ١٠ ، ١١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٥ / أبواب الدُّعاء ب ١١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٣١ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٧ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٣٢ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٧ ح ٦.

٢٦٦

جيبه الحمد سبع مرّات » (١) وينبغي أن ينفض لباسه بعد قراءة الحمد عليه. السابع : أن لا يأكل عنده ما يضره ويشتهيه. الثامن : أن لا يفعل عنده ما يغيظه أو يضيق خلقه. التاسع : أن يلتمس منه الدُّعاء فإنّه ممّن يستجاب دعاؤه فعن الصادق ( صلوات الله وسلامه عليه ) : « ثلاثة يستجاب دعاؤهم : الحاج ، والغازي والمريض » (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٣٢ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٧ ح ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٢٠ / أبواب الاحتضار ب ١٢ ح ٢.

٢٦٧

فصل

فيما يتعلّق بالمحتضر ممّا هو وظيفة الغير‌

وهي أُمور :

الأوّل : توجيهه إلى القبلة بوضعه على وجه لو جلس كان وجهه إلى القبلة ووجوبه لا يخلو عن قوّة (*) (١)

______________________________________________________

فصل : فيما يتعلّق بالمحتضر

توجيه الميِّت إلى القبلة‌

(١) الكلام في هذه المسألة تارة يقع في كيفية توجيه الميِّت نحو القبلة ، وأُخرى في وجوب استقبال القبلة حال الاحتضار.

أمّا كيفية التوجيه نحو القبلة فقد ذهب أصحابنا إلى أن توجيهه نحوها بجعل قدميه إلى القبلة على نحو لو قعد لكان مستقبل القبلة ، خلافاً للعامة حيث ذهبوا إلى أن استقباله كجعله حال الصلاة عليه (٢).

والدليل على ذلك ما ورد في جملة من النصوص الدالّة على أنّ الميِّت حال الاحتضار تجعل قدماه نحو القبلة (٣).

وأمّا الكلام في وجوب الاستقبال بالمعنى المذكور وأنّ الميِّت يجب أن يوجّه نحو‌

__________________

(*) في وجوبه على الغير فضلاً عن وجوبه على نفس المحتضر إشكال ، نعم هو أحوط ، والأحوط أيضاً أن يكون ذلك بإذن الوليّ.

(١) المجموع ٥ : ١١٦ ، الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٥٠٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٥٢ / أبواب الاحتضار ب ٣٥.

٢٦٨

القبلة أو يوجّه هو نفسه إليها لو كان متمكّناً منه ولم يكن عنده أحد ، أو لا يجب؟ فقد نسب القول بالوجوب إلى المشهور والأشهر ، واستدلّ عليه بوجوه :

منها : أنّ السيرة يداً بيد إلى زمان المعصومين عليهم‌السلام جرت على توجيه الميِّت حال الاحتضار نحو القبلة ، وحيث إنّها غير مردوعة ، فيستكشف أن توجيه الميِّت نحو القبلة أمر واجب حال الاحتضار.

ويدفعه : أنّ السيرة قائمة على الفعل ، ولعلّها من أجل استحبابه فلا يستفاد منها وجوبه.

ومنها : موثقة معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الميِّت ، فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة » (١) وذلك لأنّ السؤال فيها عن نفس الميِّت لا عن كيفية توجيهه ، فتدل على أنّ الميِّت يجب أن يوجّه نحو القبلة حال الاحتضار ، إذ المراد به هو من يقرب من الموت ، لعدم وجوب التوجيه بعد الموت.

ويندفع بأن ظاهر المشتق إرادة المتلبس بالمبدإ منه فعلاً ، لأنّه وإن صح أن يستعمل في من يتلبس به بعد ذلك إلاّ أنّه على نحو المجاز وتحتاج إرادته إلى القرينة لا محالة كما في قوله : من قتل قتيلاً ، لوضوح أنّ القتل لا يقع على المقتول بالقتل. وعليه فالموثقة تدل على أنّ الميِّت بعد موته يوجه نحو القبلة وأنّه أمر راجح.

ودعوى : أنّ الميِّت بعد موته يستحب أن يعجّل دفنه وكفنه فلا يبقى بعده حتّى يستحب توجيهه نحو القبلة.

ساقطة جزماً : وذلك لأنّ المشاهد في الأموات أنّ الميِّت يبقى بعد موته ساعة أو ساعتين ، ولو مات في أثناء اللّيل يبقى إلى الصبح حتّى يخبر الأقرباء والجيران والأصدقاء ولا يؤخذ بدفنه وكفنه من غير فصل ، فلا مانع من أن يكون توجيهه نحو القبلة مستحبّاً وعلى الجملة أنّ الرواية ناظرة إلى ما بعد الموت لا قبله.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٥٣ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٤.

٢٦٩

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا مات لأحدكم ميت فسجّوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ... » الحديث (١) لأنّ المراد بالميت فيها الميِّت المشرف على الموت ، إذ الميِّت لا يموت ، ومعه تدلّنا الرواية على لزوم توجيه المحتضر نحو القبلة.

وفيه : أنّ المراد بالميت فيها هو الذات الّتي يطرأ عليها الموت بعد ذلك كالقتيل في قوله : من قتل قتيلاً ، وذلك لأنّه وإن كان خلاف الظاهر من الميِّت لظهوره في تلبسه بالمبدإ فعلاً إلاّ أنّه لقيام القرينة عليه ، لأنّ الميِّت كما أنّه لا يموت كذلك لا يشرف على الموت. وعليه فتدل الموثقة على أنّ الذات الّتي يطرأ عليها الموت إذا ماتت توجّه نحو القبلة لا قبل موته. والّذي يدلّنا على ذلك قوله « فسجوه » فان التسجية بمعنى التغطية ومعنى « فسجوه » أي : فغطوه ، ومن الظاهر أنّ الميِّت إنّما يغطى وجهه بعد الموت لا حال الاحتضار.

ومنها : وهو العمدة ما رواه الصدوق مرسلاً تارة ومسنداً اخرى كما في الوسائل عن الصادق عليه‌السلام « أنّه سئل عن توجيه الميِّت فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة. قال : وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجّه إلى غير القبلة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وجّهوه إلى القبلة فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله ( عزّ وجلّ ) عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتّى يقبض » (٢).

وفيه : أن ما رواه عن الصادق عليه‌السلام ناظر إلى كيفية التوجيه والاستقبال حيث سئل فيه عن التوجيه لا عن حكمه من الوجوب أو الاستحباب فلا تعرض لها لشي‌ء من ذلك ، وإنّما تدل على أنّ التوجيه لا بدّ أن يكون باستقبال باطن القدمين نحو القبلة على خلاف ما التزم به العامة ، وهذا من مختصات مذهبنا.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٥٢ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٥٣ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٥ ، ٦. الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٢.

٢٧٠

بل لا يبعد وجوبه على المحتضر نفسه أيضاً (١). وإن لم يمكن بالكيفية المذكورة فبالممكن منها ، وإلاّ فبتوجيهه جالساً أو مضطجعاً على الأيمن أو على الأيسر مع تعذّر الجلوس.

______________________________________________________

وأمّا ما رواه عن علي عليه‌السلام ففيه : أنّ التعليل الوارد فيها يدلّنا على عدم وجوب التوجيه نحو القبلة ، وذلك لدلالة التعليل على أن توجيه الميِّت نحو القبلة حال الاحتضار إحسان إليه حتّى يُقبل الله وملائكته عليه في آخر حياته ، ومن الظاهر أنّ الإحسان إلى الأخ المؤمن أو المسلم غير واجب وإنّما هو راجح. هذا على أنّ المرسلة لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها والمسندة ضعيفة (١).

إذن ينحصر المدرك في الحكم بالوجوب بالشهرة الفتوائية وهي غير صالحة للاعتماد عليها كما ذكرنا في محلِّه (٢).

هل يجب التوجيه على المحتضر نفسه؟

(١) ثمّ إنّه بناء على القول بالوجوب فهل يختص هذا بالغير أو أنّ المحتضر نفسه يجب عليه أن يوجّه باطن قدميه نحو القبلة إذا لم يوجّهه غيره بحيث لو تركه متمكّناً منه عوقب عليه.

والصحيح على القول بالوجوب عدم شموله الميِّت نفسه ، لأنّ المدرك في ذلك إن كان هو الشهرة فهي مختصّة بالغير ولا شهرة على وجوبه على الميِّت نفسه ، لعدم تعرضهم إليه في كلماتهم. وإن كان المدرك موثقة معاوية بن عمار أو صحيحة سليمان ابن خالد فهما مختصّان بالغير أيضاً.

__________________

(١) هكذا أفاده ( دام ظلّه ) في البحث غير أنّه عدل عن ذلك في رجاله وبنى على وثاقة منبّه كما في المعجم ١٩ : ٣٥٢ / الرقم [١٢٦٥٨].

(٢) في مصباح الأُصول ٢ : ١٤٣.

٢٧١

نعم ، لو كان المدرك هو مرسلة الصدوق أو مسنده لأمكن القول بالتعميم ووجوب التوجيه على نفس المحتضر ، وذلك لدلالتها على أنّ الغرض من الأمر بالتوجه توجه الله سبحانه وملائكته إلى الميِّت والمحتضر ، وحيث إن تحصيل هذه الغاية واجبة فلو لم يكن هناك من يوجّه المحتضر إلى القبلة لتحصيل ذلك الغرض فلا بدّ من أن يحصّله المحتضر نفسه لو تمكّن منه.

هل يجب التوجيه بالمقدار الممكن؟

(١) ثمّ إنّه إذا لم يمكن توجيه الميِّت بباطن القدمين إلى القبلة ، فهل يجب توجيهه نحوها بالمقدار الممكن كتوجيهه إليه جالساً أو مضطجعاً على الأيمن أو على الأيسر أو أنّ الوجوب يسقط بالتعذّر؟.

والصحيح أنّ الوجوب يسقط عند تعذّر التوجيه بباطن القدمين ، لعدم دلالة الدليل على الوجوب بالمقدار الممكن عند تعذّر التمام.

أمّا الشهرة فلاختصاصها بالتوجيه بباطن القدمين ، وكذلك الحال في الأخبار حتّى رواية الصدوق ، لأنّ التوجيه إلى القبلة كما في بقية الأخبار هو جعل باطن القدمين إليها ، ومع التعذّر لا دليل على وجوب التوجيه إلى القبلة بالمقدار الميسور منه.

ودعوى أنّ ذلك مقتضى قاعدة الميسور ، مندفعة بأن كبرى القاعدة غير مسلمة كما ذكرناه في محلِّها (١) مضافاً إلى عدم تحقق الصغرى لها في المقام ، لأنّ التوجيه إلى القبلة جالساً أو مضطجعاً على الأيمن أو الأيسر مغاير للتوجيه بباطن القدمين لا أنّه ميسوره لدى العرف. نعم ، لو تعذّر توجيه باطن كلتا القدمين إليها وأمكن توجيه أحدهما لأمكن أن يقال إنّه ميسور المأمور به المتعذّر ، لا فيما إذا تعذّر توجيه باطنهما معاً.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

٢٧٢

ولا فرق بين الرجل والامرأة (١) والصغير والكبير (٢) بشرط أن يكون مسلماً (٣)

______________________________________________________

التسوية بين الرجل والمرأة‌

(١) لإطلاق موثقة معاوية بن عمار وصحيحة سليمان بن خالد ، وكذلك رواية الصدوق (١) لأنّها وإن اشتملت على الرجل إلاّ أن مقتضى تعليلها وهو كون الميِّت حال الاحتضار على نحو يقبل الله والملائكة إليه يعم المرأة والرجل. وكذا الشهرة لأنّها أيضاً غير مختصّة بالرجل.

(٢) لإطلاق الأخبار.

اختصاص الوجوب بالمؤمن‌

(٣) هل الوجوب بناءً على القول به يعم المؤمن والمسلم والكافر ، أو يختص بالمؤمن؟ الصحيح هو الاختصاص ، لأن موثقة معاوية ورواية الصدوق وإن كانتا مطلقتين إلاّ أن دلالتهما كصحيحة سليمان بن خالد غير تامّة كما مرّ. والعمدة هو مرسلة الصدوق أو مسنده ، والتعليل الوارد في رواية الصدوق ظاهر في أنّ الغرض من التوجيه تجليل الميِّت وتعظيمه بحيث يقبل الله وملائكته إليه في آخر حياته ، وهذا مختص بالمؤمن فالتعدي عنه إلى المسلم فضلاً عن الكافر وغيره ممّا لا وجه له.

وأيضاً المذكور فيها هو الرجل فلو تعدّينا فنتعدى عنه إلى المرأة ، وأمّا إلى غير المسلم فلا.

وأمّا صحيحة سليمان بن خالد فهي بقرينة قوله « لأحدكم » ظاهرة في إرادة الميِّت من المؤمنين ، حيث أضافه إليهم ، وكذلك الشهرة مختصّة بالمؤمن فليلاحظ.

__________________

(١) تقدّم ذكر جميعها في صدر المسألة في ص ٢٦٩.

٢٧٣

ويجب أن يكون ذلك بإذن وليّه مع الإمكان وإلاّ فالأحوط الاستئذان (١) من الحاكم الشرعي (١).

______________________________________________________

عدم اعتبار إذن الولي‌

(١) الصحيح عدم اعتبار إذن الولي وغيره في توجيه الميِّت نحو القبلة حال الاحتضار ، وذلك للإطلاقات الظاهرة في أنّه على القول بوجوبه تكليف عام يشترك فيه الجميع من دون خصوصية لبعض دون بعض.

ومن المحتمل أن يكون جعل هذا الحكم من أجل مراعاة حال الميِّت وتغسيله والصلاة عليه ، وهذا أمر يشترك فيه الجميع ، كما في قوله عليه‌السلام « إذا مات لأحدكم ميت فسجّوه تجاه القبلة » (٢) لعدم تقييدها ذلك بالاستئذان من الولي.

وأمّا قوله عليه‌السلام « أولى الناس بالميت أولاهم بإرثه » (٣) فالموضوع فيه هو الميِّت ، وهو مختص بالأحكام الّتي تراعى بعد الموت فلا تشمل حال الاحتضار ، إذ لا يصدق عليه الميِّت حينئذ.

فلا يعتبر في التوجيه قبل الموت إذن الولي إلاّ أن يكون التوجيه مستلزماً للتصرف في مال الغير كداره ونحوها وهو أمر آخر ، فلنفرض الكلام فيما لم يكن التوجيه مستلزماً للتصرف في مال الغير كما إذا كان الميِّت في بر أو نحوه ممّا لا يكون المكان ملكاً للغير.

وأمّا قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٤) فهي على تقدير‌

__________________

(*) لا بأس بتركه وترك ما بعده.

(١) الوسائل ٢ : ٤٥٢ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الظاهر أنّه قاعدة مصطادة من أصناف من الروايات منها ما في الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٣) الأنفال ٨ : ٧٥.

٢٧٤

والأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفية المذكورة في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغسل. وبعده فالأولى وضعه بنحو ما يوضع حين الصلاة عليه إلى حال الدفن بجعل رأسه (*) إلى المغرب ورجله إلى المشرق (١).

______________________________________________________

دلالتها إنّما تدل على أولوية الولي بعد الموت ولا نظر لها إلى ما قبله. على أن سياقها بملاحظة سابقها ولاحقها هو إرادة خصوص الإرث وأنّ الرحم أولى بالرحم من غيره ، ولا يرث الغير والرحم موجود.

وأمّا توجيهه بعد الموت فالظاهر اعتبار إذن الولي فيه ، وذلك لما تقدم من قوله عليه‌السلام « أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه » فيكون التوجيه ونحوه بعد الموت مشروطاً بإذن الولي لأنّه أولى بها.

الخلاف في نهاية وجوب التوجيه‌

(١) وجوب توجيه الميِّت نحو القبلة بعد الموت إلى أن يرفع للتغسيل وبعده إلى أن يدفن مورد الخلاف.

فذهب بعضهم إلى أن وجوب التوجيه نحو القبلة إنّما هو إلى زمان الموت فإذا مات ارتفع وسقط.

وعن آخر : وجوبه بعد الموت في الجملة.

وعن ثالث : وجوبه إلى أن يرفع الميِّت من مكانه للتغسيل.

وهذا الأخير لو لم يكن أقوى فلا أقل من أنّه أحوط ، وذلك لأنّ الأخبار المتقدمة المستدل بها على وجوب التوجيه حال الاحتضار ذكرنا أنّها لا تدل على ذلك ، وإنّما تدل على وجوبه بعد الموت كما في موثقة معاوية بن عمار (٢) حيث دلّت على أنّ الميِّت يوجّه نحو القبلة على الترتيب الوارد فيها ، لأنّ السؤال فيها عن الميِّت لا عن كيفية التوجيه ، فتدل على وجوب التوجيه بعد الموت إلاّ أنّها لا دلالة لها بإطلاقها إلاّ على‌

__________________

(*) هذا إذا كانت قبلة البلد طرف الجنوب.

(١) الوسائل ٢ : ٤٥٣ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٤.

٢٧٥

الثاني : يستحب تلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام وسائر الاعتقادات الحقة على وجه يفهم ، بل يستحبّ تكرارها إلى أن يموت ويناسب قراءة العديلة.

الثالث : تلقينه كلمات الفرج ، وأيضاً هذا الدُّعاء : اللهمّ اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل منِّي اليسير من طاعتك ، وأيضاً : يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منِّي اليسير واعف عني الكثير إنّك أنت العفو الغفور ، وأيضاً : اللهمّ ارحمني فإنّك رحيم.

الرّابع : نقله إلى مصلاّه إذا عسر عليه النزع بشرط أن لا يوجب أذاه.

الخامس : قراءة سورة ياسين والصافات لتعجيل راحته ، وكذا آية الكرسي إلى ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) [ البقرة ٢ : ٢٥٧ ]. وآية السخرة وهي ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) [ يونس ١٠ : ٣ ] إلى آخر الآية ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... ) [ البقرة ٢ : ٢٨٤ ] إلى آخر السورة ، ويقرأ سورة الأحزاب بل مطلق قراءة القرآن.

______________________________________________________

الوجوب في الجملة لا الوجوب إلى زمان رفعه للتغسيل.

وأمّا صحيحة سليمان بن خالد (١) فقد دلّت على أن من يطرأ عليه الموت لو مات وجب توجيهه نحو القبلة ، وحيث إنّها في مقام البيان وساكتة عن مقدار وجوب التوجيه وأنّها مشتملة على وجوب تغسيله تجاه القبلة فيستفاد منها أن وجوب التوجيه مستمر إلى أن يرفع الميِّت للاغتسال ، لعدم معهودية تغسيل الميِّت في المكان الّذي مات فيه وإنّما يرفع ويغسل في مكان آخر. إذن يستفاد منها أمران : أحدهما : وجوب توجيه الميِّت بعد الموت إلى أن يرفع للتغسيل. وثانيهما : وجوب توجيهه نحوها حال الاغتسال أيضاً ، لقوله في ذيلها « إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ... » فوجوب التوجيه نحو القبلة بعد الموت لو لم يكن أقوى فلا أقل من أنّه أحوط.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٥٢ / أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٢.

٢٧٦

فصل

في المستحبّات بعد الموت‌

وهي أُمور :

الأوّل : تغميض عينه وتطبيق فمه.

الثاني : شد فكيه.

الثالث : مد يديه إلى جنبيه.

الرابع : مد رجليه.

الخامس : تغطيته بثوب.

السادس : الإسراج في المكان الّذي مات فيه إن مات في اللّيل.

السابع : إعلام المؤمنين ليحضروا جنازته.

الثامن : التعجيل في دفنه فلا ينتظرون اللّيل إن مات في النهار ولا النهار إن مات في اللّيل إلاّ إذا شكّ في موته فينتظر حتّى اليقين ، وإن كانت حاملاً مع حياة ولدها فإلى أن يشق جنبها الأيسر لإخراجه ثمّ خياطته.

فصل

في المكروهات‌

وهي أُمور :

الأوّل : أن يمس في حال النزع فإنّه يوجب أذاه.

الثاني : تثقيل بطنه بحديد أو غيره.

الثالث : إبقاؤه وحده فانّ الشيطان يعبث في جوفه.

الرابع : حضور الجنب والحائض عند حالة الاحتضار.

الخامس : التكلّم زائداً عنده.

السادس : البكاء عنده.

٢٧٧

السابع : أن يحضره عملة الموتى.

الثامن : أن يخلى عنده النِّساء وحدهنّ خوفاً من صراخهنّ عنده.

فصل

[ في حكم كراهة الموت ]

لا تحرم كراهة الموت ، نعم يستحب عند ظهور أماراته أن يحب لقاء الله تعالى ، ويكره تمني الموت ولو كان في شدّة وبلية ، بل ينبغي أن يقول : اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي ، ويكره طول الأمل وأن يحسب الموت بعيداً عنه ، ويستحب ذكر الموت كثيراً ، ويجوز الفرار من الوباء والطاعون ، وما في بعض الأخبار من « أنّ الفرار من الطاعون كالفرار من الجهاد » مختص بمن كان في ثغر من الثغور لحفظه ، نعم لو كان في المسجد ووقع الطاعون في أهله يكره الفرار منه.

فصل

[ في أن وجوب تجهيز الميِّت كفائي ]

الأعمال الواجبة المتعلّقة بتجهيز الميِّت من التغسيل والتكفين والصلاة والدفن من الواجبات الكفائية ، فهي واجبة على جميع المكلّفين وتسقط بفعل البعض فلو تركوا أجمع أثموا أجمع ولو كان ممّا يقبل صدوره عن جماعة كالصلاة إذا قام به جماعة في زمان واحد اتصف فعل كل منهم بالوجوب (١).

______________________________________________________

فصل : وجوب تجهيز الميِّت كفائي‌

(١) وقع الكلام في أنّ الصلاة والغسل والكفن والدفن وغيرها من الأُمور الواجبة‌

٢٧٨

بعد الموت الّتي منها توجيه الميِّت نحو القبلة ، واجبة كفاية والتكليف مشترك بين الجميع في عرض واحد ، أو أنّ التكليف بها متوجّه إلى الولي وهو المكلّف بها ، وعلى تقدير امتناعه عنها أو إذنه للغير تجب على غيره فالتكليف بها للغير طولي؟

المعروف هو الأوّل ، وذهب صاحب الحدائق قدس‌سره إلى الثاني حيث ذهب إلى إنكار الوجوب الكفائي في تلك الأُمور ، وادعى أنّ التكليف متوجّه إلى الولي وإذا امتنع جاز لغيره (١).

والصحيح أنّ الوجوب الكفائي غير قابل للإنكار ، وذلك لإطلاقات الأخبار وللقطع الخارجي بأن تلك التكاليف إذا أتى بها أحد في الخارج سقطت وارتفعت عن الجميع ، ومن هذا يستكشف أنّ التكليف كان مشتركاً بين الجميع على نحو الكفاية ولذا سقطت بامتثال أحد وقيامه بها.

وأمّا ما عن شيخنا الأنصاري قدس‌سره من أن سقوط التكليف بفعل أحدهم لا يدل على كونه مكلّفاً به كفائياً ، لوضوح اشتراك التكليف بين الجميع وأنّه يسقط بدفن المجنون أو الصغير وتوجيهه الميِّت نحو القبلة أو بالزلزال أو بغيرهما من الأُمور الّتي لا فاعل اختياري فيها ، مع أنّ المجنون ونحوه غير مكلّفين ، والمجنون والصغير لا معنى لاشتراكهما في التكليف ، فسقوط التكاليف المذكورة بفعل أحدهم أعم من كون التكليف كفائياً ، وإنّما هو لانتفاء موضوعها (٢).

مندفع بأن سقوط التكليف بفعل واحد إمّا أن يكون مع سقوط الغرض الداعي إلى الأمر والتكليف ، وإمّا أن يكون مع بقاء الغرض.

فان كان الغرض باقياً استحال سقوط التكليف بفعل أحد ، لأن ما أوجد التكليف وأحدثه وهو الغرض موجود بعينه وهو يقتضي بقاءه وعدم ارتفاعه ما لم يحصل.

وإذا كان كان الغرض ساقطاً بفعل واحد منهم فيستكشف بذلك أنّ العلّة الباعثة‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٣٥٩ / باب الاحتضار.

(٢) كتاب الطّهارة : ٢٧٥ السطر ٧ / في غسل الأموات.

٢٧٩

على التكليف أعني الغرض قائم بفعل واحد فكيف يكون الوجوب حينئذ مختصّاً ببعضهم دون بعض.

وأمّا عدم كون المجنون أو الزلزال مكلّفاً فهو مستند إلى وجود المانع ، إلاّ أن فعله موجب لانعدام الموضوع وارتفاعه وسقوط الغرض على الفرض فلا إشكال في الوجوب الكفائي.

هل تنافي الكفائية شرطية إذن الولي

وإنّما الكلام في أنّ الوجوب الكفائي هل ينافيه كون تلك الأُمور مشروطة بإذن الولي ، نظراً إلى أن واحداً إذا أتى بها من غير استئذان من الولي ولم يكن ذلك موجباً لارتفاع التكليف لم يمكن أن يكون التكليف كفائياً وإلاّ لزم سقوطها بفعل غير الولي وإن كان من غير إذنه ، فكونها كفائية ومشروطة بإذن الولي أمران لا يجتمعان.

وقد يجاب عن ذلك بأنّ التكليف بها إنّما هو على نحو الكفائي ، والاشتراط بالاذن شرط لصحّة العمل والمأمور به وغير راجع إلى التكليف والوجوب ، فلا مانع من أن يكون التكليف كفائياً ويكون مشروطاً بشي‌ء بالإضافة إلى بعضهم كغير الولي وغير مشروط به بالإضافة إلى الولي.

وفيه : أنّه لا معنى لكون العمل مشروطاً بشرط غير اختياري كإذن الولي في المقام ، إلاّ أن يكون راجعاً إلى التكليف على نحو مفروض الوجود ، ومعه يكون التكليف مشروطاً في حق غير الولي وغير مشروط بشي‌ء في حق الولي ، بمعنى أن أصل التكليف والوجوب يكون مشروطاً بالاذن فلا تكليف قبله لا أنّ المشروط هو الفعل ، وأمّا الولي فبما أنّ التكليف في حقّه غير مشروط بشي‌ء فيكون هو المكلّف بتلك الأُمور أوّلاً ثمّ على تقدير امتناعه ينتقل إلى غيره من المكلّفين ، وهذا يستلزم أن يكون التكليف متوجهاً ابتداءً إلى الولي ، وبعد إذنه أو امتناعه يتحقق في حق غير الولي ولا يكون التكليف مشتركاً فيه بين الجميع وفي عرض واحد ، كما ذكره صاحب الحدائق قدس‌سره.

٢٨٠