موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فقد وجب على من يمسّه الغسل » (١) ، والتفصيل بين حالة البرودة والحرارة إنّما هو في الميِّت لا في القطعة المبانة ، هذا.

ولا يمكن المساعدة عليه ، بل بناءً على الاعتماد على المرسلة والقول بوجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة لا بدّ من التفصيل بين حرارتها وبرودتها.

وذلك لأنّ الحكم في المرسلة بوجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة إنّما هو من جهة تنزيلها منزلة الميِّت ، فيثبت لها ما كان ثبت للميت.

وذلك لأن قوله عليه‌السلام في المرسلة « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة » (٢) لا يراد به تنزيل القطعة المبانة منزلة مطلق الميتة ، وإلاّ لم يكن وجه لما فرعه عليه بقوله « فإذا مسّه إنسان ... » إذ ليس من أحكام مطلق الميتة وجوب الغسل بمسّها ، وإنّما من أحكامها النجاسة ووجوب الغسل بملاقاتها.

بل المراد تنزيل القطعة المبانة منزلة الميِّت الآدمي ، وهذا بدلالة فاء التفريع ، إذ لولا لفظة الفاء لأمكن أن يقال إنّ المرسلة مشتملة على حكمين : أحدهما أنّ القطعة المبانة كالميتة على إطلاقها. وثانيهما أن مسّها موجب للاغتسال تعبّداً من غير أن يترتب عليها بقية آثار الميِّت الإنساني ، فلفظة الفاء تدلّنا على أنّ الحكم بوجوب الغسل بمس القطعة متفرع على تنزيلها منزلة الميِّت الإنساني ، ومن ثمة يترتب عليها ما كان يترتب عليه.

وعليه فالمرسلة تدل على أنّ القطعة المبانة كالميت ، وأنّ الميِّت لا فرق في وجوب الغسل بمسّه بين أن يكون تاماً وبين أن يكون ناقصاً مشروطاً بأن يكون مشتملاً على العظم ، فما كان يترتب على المقام يترتب على الناقص أيضاً بمقتضى التنزيل.

وبما أن وجوب الغسل بالمس في الميِّت التام والمنزل عليه مختص بما إذا برد بمقتضى الأخبار المتقدمة ، فيكون الحال كذلك في المنزل أيضاً حسب دليل التنزيل.

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

٢٤١

[٨٢٨] مسألة ٨ : في وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل ميت بمجرد مماسته لفرجها إشكال‌ ، وكذا في العكس بأن تولد الطفل من المرأة الميتة ، فالأحوط غسلها (*) في الأوّل وغسله بعد البلوغ في الثاني (١).

______________________________________________________

إذا خرج من المرأة طفل ميت‌

(١) قد يفرض الكلام فيما إذا مسّ شي‌ء من ظاهر بدن المرأة للطفل الميِّت عند الخروج ولو لأطراف الموضع وحواشيه أو مسّ بدن الطفل لشي‌ء من ظواهر بدن امّه الميتة.

وهذا لا شبهة في وجوب الغسل فيه ، لأن جملة من الأخبار الواردة في المقام وإن كانت منصرفة عن مثل ذلك ، كما دلّ على أن من غسل ميتاً فعليه الغسل ، (٢) أو أنّ المأموم يؤخر الإمام الميِّت ويغتسل إذا مسّه بيده (٣) ، فإن ظاهرها أن يكون هناك شخصان في الخارج أحدهما ماسّ حي والآخر ممسوس ميت ، فلا تشمل ما إذا كان الميِّت متكوناً في جوف الحي أو كان الحي متكوناً في جوف الميِّت ، إلاّ أن في المطلقات الدالّة على أن من مسّ ميتاً وجب عليه الغسل (٤) غنى وكفاية.

وقد يفرض الكلام فيما إذا لم يمس ظاهر بدن المرأة للطفل الميِّت أو بدن الطفل لشي‌ء من ظاهر بدن المرأة الميتة ، والظاهر في هذه الصورة عدم وجوب الغسل بمسّ الولد رحم امّه أو غيره من مواضع الخروج.

وذلك لأنّنا وإن قدمنا عدم الفرق في وجوب غسل المسّ بمس باطن الميِّت وظاهره ولا بالمس بالباطن أو الظاهر ، كما إذا أدخل إصبع الميِّت في فمه ومسّ حلقه لإطلاقات الأخبار ، إلاّ أنّ الأخبار منصرفة عن المقام ، لأنّ ظاهرها كون الماس‌

__________________

(*) بل الأظهر ذلك إذا كانت المماسّة بعد البرد.

(١) الوسائل ٣ : ٢٨٩ / أبواب غسل المسّ ب ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩١ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٩.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٨٩ / أبواب غسل المسّ ب ١.

٢٤٢

[٨٢٩] مسألة ٩ : مسّ فضلات الميِّت من الوسخ والعرق والدم ونحوها‌ لا يوجب الغسل وإن كان أحوط (*) (١).

[٨٣٠] مسألة ١٠ : الجماع مع الميتة بعد البرد يوجب الغسل (٢)

______________________________________________________

شخصاً غير الممسوس بأن يكون لهما وجودان منفصلان ، وأمّا إذا كان أحدهما متكوناً في جوف الآخر فهو خارج عن منصرفها.

والّذي يدل على هذا الانصراف أن لازم شمول الأخبار للمقام أنّ الولد إذا مات في بطن امّه وبقي كذلك يوماً أو يومين أو أكثر أن يحكم باستمرار حدث المرأة ما دام الولد في بطنها ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.

مسّ فضلات الميِّت‌

(١) قد عرفت أنّ الموجب للغسل مسّ جسد الميِّت وبدنه بمقتضى الروايات الواردة في المقام ، وأمّا المسّ مع الواسطة فلا يكون موجباً له ، إلاّ أنّ الفضلات من الوسخ والدم ونحوهما لما كانت معدودة من عوارض الجسد ولا تعد شيئاً متوسطاً بين الماس والممسوس فلا جرم كان مسّها مصداقاً لمس الميِّت عرفاً ومعه لا بدّ من الاغتسال.

نعم ، إذا كانت الفضلات الكائنة على بدن الميِّت على نحو لا يعد مسّها مسّاً لبدن الميِّت لدى العرف ، لم يكن مسّها موجباً لغسل المسّ ، فأمر الفضلات يدور بين وجوب الغسل بمسّها وعدمه ، وأمّا احتياط الماتن قدس‌سره في المقام فهو ممّا لم نقف له على وجه.

الجماع مع الميِّت‌

(٢) لإطلاق ما دلّ على أن التقاء الختانين موجب للغسل (٢) وغيره ممّا دلّ على‌

__________________

(*) المناط في وجوب الغسل صدق مسّ الميِّت عرفاً.

(١) الوسائل ٢ : ١٨٢ / أبواب الجنابة ب ٦.

٢٤٣

ويتداخل مع الجنابة (١).

[٨٣١] مسألة ١١ : مسّ المقتول بقصاص أو حد إذا اغتسل قبل القتل غسل الميِّت‌ لا يوجب الغسل (*) (٢).

______________________________________________________

وجوبه مع الجماع ، لأنّه شامل للمجامعة مع الميتة أيضاً ، هذا بالإضافة إلى غسل الجنابة.

وكذلك الحال بالإضافة إلى غسل المسّ ، لعموم ما دلّ على أن مسّ الميِّت موجب للاغتسال (٢) ، فإنّه شامل لمسّه بالجماع أيضاً.

(١) لأنّه القدر المتيقن من التداخل ، فإن غسل الجنابة يغني عن غيره من الأغسال وإن قلنا بعدم التداخل في مطلق الأغسال.

مسّ المقتول بحد أو قصاص‌

(٢) فيه خلاف بين الأعلام ، قد يقال بعدم وجوب الغسل بمسّه ، لأنّه مسّ للميت المغسّل غاية الأمر أن غسله قدم على موته.

ودعوى انصراف ما دلّ على عدم وجوب الغسل بالمس بعد التغسيل إلى ما إذا كان التغسيل بعد الموت ، مندفعة بأنّه لا موجب للانصراف.

وعن بعضهم وجوب الغسل بمسّه ، وهذا هو الصحيح.

وذلك لأن مقتضى الأخبار الواردة في المقام وجوب الغسل بمس أيّ ميت ، وقد خرجنا عن عمومها أو إطلاقها بالأخبار الدالّة على عدم وجوب الغسل بالمس بعد تغسيل الميِّت (٣) ، والمستفاد منها أنّ الميِّت إذا غسل بعد موته هو الّذي لا يجب الغسل‌

__________________

(*) فيه إشكال والأحوط وجوبه.

(١) الوسائل ٣ : ٢٨٩ / أبواب غسل المسّ ب ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٥ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ١ ، ٢.

٢٤٤

[٨٣٢] مسألة ١٢ : مسّ سرّة الطفل بعد قطعها لا يوجب الغسل (١).

______________________________________________________

بمسّه ، ومن الظاهر أنّ الميِّت في المقام لم يغسل بعد موته.

نعم ، الغسل الّذي أتى به قبل الحد أو القصاص غسل الميِّت ، وقد قدم في حقّه على الموت إلاّ أنّ الدليل لم يدل على أنّ الميِّت الّذي تحقق غسل الميِّت في حقّه لا يكون مسّه موجباً للغسل.

بل الدليل دلّ على أنّ الميِّت بعد موته لو غسل لا يجب الغسل بمسّه ، والميِّت لم يغسل في المقام بعد موته ، وإنّما يدفن من غير غسل بعد الموت كالشهيد ، نعم قد يتوهّم أن وجوب غسل المسّ إنّما هو من جهة الحدث أو الخبث الكائن على بدن الميِّت ، فإذا اغتسل قبل موته كان طاهراً من الحدث والخبث فلا يكون مسّه موجباً للاغتسال.

إلاّ أنّك عرفت اندفاعه بحسب الكبرى والصغرى ، لأنّه لم يقم دليل على أن بدن الشهيد أو الّذي يقدم غسله على موته طاهر من الحدث والخبث ، بل مقتضى العمومات والإطلاقات أنّه محدث ومشتمل على الخبث إذا أصابه شي‌ء من النجاسات ، هذا بحسب الصغرى.

وأمّا بحسب الكبرى فلعدم قيام الدليل على أن مسّ الطاهر من الأموات غير موجب للاغتسال ، كيف والأئمة المعصومون عليهم‌السلام كلّهم طاهرون مطهرون على ما نطقت به النصوص ، ومع ذلك يجب تغسيلهم ويجب الغسل بمس أبدانهم الطاهرة بعد موتهم.

(١) لعدم كونه ميتاً تامّاً ولا قطعة مبانة من الحي مشتملة على العظم بناءً على أن مسّها موجب للغسل على الخلاف.

٢٤٥

[٨٣٣] مسألة ١٣ : إذا يبس عضو من أعضاء الحي وخرج منه الروح بالمرّة مسّه ما دام متصلاً ببدنه‌ لا يوجب الغسل (١) وكذا إذا قطع عضو منه واتصل ببدنه بجلدة مثلاً ، نعم بعد الانفصال إذا مسّه وجب الغسل بشرط أن يكون مشتملاً على العظم (٢).

[٨٣٤] مسألة ١٤ : مسّ الميِّت ينقض الوضوء‌ (*) فيجب الوضوء مع الغسل (٣).

______________________________________________________

(١) لما عرفت من عدم صدق الميِّت التام عليه ، ولا القطعة المبانة من الحي لفرض اتصالها بالبدن.

(٢) على الخلاف المتقدم.

ناقضية مسّ الميِّت للوضوء‌

(٣) قد يفرض أنّ الماس كان محدثاً بالحدث الأصغر قبل المسّ أو بعده فيتكلم في أنّه إذا اغتسل من المسّ فهل يغني هذا الغسل عن الوضوء أو يجب عليه أن يتوضأ بعد غسله كما هو الحال في المستحاضة ، فإنّها في بعض أقسامها تغتسل وتتوضأ أيضاً وهذا قد تقدم الكلام فيه (٢) وقلنا إن غسل المسّ وغيره من الأغسال مغنٍ عن الوضوء ولا حاجة معه إلى الوضوء.

وأُخرى يقع الكلام فيما إذا كان الماس متطهراً ومتوضئاً ثمّ مسّ ميتاً فهل يكون مسّه هذا ناقضاً لوضوئه أو لا يكون ، وهذا البحث كما ترى لا يتوقف على كون غسل المسّ مغنياً عن الوضوء ، بل بعد البناء على أنّه لا يغني عن الوضوء يتكلم في أنّه في الصورة المفروضة ينقض الوضوء أو لا ينقضه ، بحيث لو اغتسل من المسّ احتاج إلى التوضؤ أيضاً ، وليس له الدخول في الصلاة ونحوها بالاغتسال ، بل لا بدّ من أن يأتي بالوضوء أيضاً كالمستحاضة.

__________________

(*) على الأحوط والأظهر عدم انتقاضه به.

(١) في صفحة ٢٠٠.

٢٤٦

[٨٣٥] مسألة ١٥ : كيفية غسل المسّ مثل غسل الجنابة‌ (١) إلاّ أنّه يفتقر إلى الوضوء (*) أيضاً (٢).

______________________________________________________

والصحيح أنّ المسّ غير ناقض للوضوء ، لعدم دلالة الدليل على انتقاض الطهارة به ، بل الدليل قام على عدم الانتقاض ، وهو حصر موجبات الوضوء بالبول والغائط والمني والجماع والريح والنوم ، وليس منها مسّ الميِّت ، وهو يقتضي عدم كون المسّ موجباً للانتقاض.

كيفية غسل المسّ‌

(١) كما تقدّم في غسل الحيض والاستحاضة والنّفاس ، لأنّه طبيعة واحدة وحقيقة فأرده بالارتكاز وانّما الاختلاف في أسبابها.

ويزيد في المقام ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام « من غسّل ميتاً وكفنه اغتسل غسل الجنابة » (٢) وحيث إنّ المغسل أو المكفن لا يجنب بتغسيله وتكفينه بالضرورة فيعلم منه أن مراده عليه‌السلام هو التشبيه وأنّه يغتسل كغسل الجنابة.

ثمّ إنّ الصحيحة مشتملة على وجوب الغسل على من غسل ميتاً وكفنه مع أنّ الميِّت حال تكفينه مغسل لا محالة ، لأنّ التكفين بعد التغسيل ، ولا غسل بمس الميِّت بعد تغسيله ، ولأجله لا بدّ من حمل الصحيحة على الاستحباب ، أي استحباب غسل المسّ إذا مسّه عند تكفينه وإن كان الميِّت مغسلاً ، كما حملنا موثقة عمار الدالّة على وجوب الغسل لمن مسّ ميتاً ولو بعد تغسيله (٣) على الاستحباب.

(٢) قدّمنا الكلام في هذه المسألة مكرراً ، وقلنا إن كل غسل مغنٍ عن الوضوء.

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يفتقر إليه كما مرّ.

(١) الوسائل ٣ : ٣٠١ / أبواب غسل المسّ ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٥ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٣.

٢٤٧

[٨٣٦] مسألة ١٦ : يجب هذا الغسل لكل واجب مشروط بالطهارة من الحدث الأصغر‌ ، ويشترط فيما يشترط فيه الطهارة (١).

______________________________________________________

غسل المسّ واجب لكل ما هو مشروط بالطهارة‌

(١) بمعنى أن وجوبه شرطي وليس واجباً نفسياً ، وذلك لأنّ الأوامر الواردة بالغسل عند المسّ ظاهرة في الإرشاد إلى أمرين :

أحدهما : أن مسّ الميِّت موجب للحدث ، ومن ثمة أُمر بما يرفعه من الغسل.

وثانيهما : أن رافع هذا الحدث ليس إلاّ الاغتسال ، لأن وزانها وزان الأوامر الواردة بغسل ما أصابته النجاسة ، كقوله عليه‌السلام « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) حيث قلنا في محله إنّها إرشاد إلى أمرين : نجاسة البول أو غيره من النجاسات ، وأن نجاسته لا تزول إلاّ بالغسل.

وذلك لأنّه مقتضى الفهم العرفي في مثلها ، ولا يستفاد منها الوجوب النفسي والأمر المولوي بوجه ، وعليه يكون وجوب الغسل بالمس وجوباً شرطياً بمعنى أنّه من جهة رفع الحدث وتحصيل الطهارة الّتي هي شرط في الصلاة ونحوها.

ومن هنا لم ينسب الوجوب النفسي إلى المشهور في المقام ، وإنّما حكي عن بعضهم المناقشة في كونه واجباً شرطياً ، ولكنّه على خلاف المستفاد من الأخبار ، فاحتمال أنّه واجب نفسي مقطوع العدم وعلى خلاف المشهور أو المتفق عليه بينهم. وهذا يدل على أنّهم أيضاً فهموا من الأخبار الإرشاد كما فهمناه.

ويؤكّد ما ذكرناه ما ورد في بعض الأخبار من أنّه لو مسّ الميِّت قبل برودته لم يضرّه (٢) ، لدلالته على أنّه إذا مسّه بعد ذلك ففيه الضرر ، والضرر المتصور في المقام ليس إلاّ كونه محدثاً وغير متمكّن من الدخول فيما يشترط فيه الطهارة إلاّ بالاغتسال.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٠٠ / أبواب غسل المسّ ب ٦ ح ٤ وموردها غير الآدمي نعم ، ورد في بعض الروايات انّه لا بأس بمسّ الميِّت بحرارته أو بعد الغسل.

٢٤٨

[٨٣٧] مسألة ١٧ : يجوز للماس قبل الغسل دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم‌ ووطؤها إن كانت امرأة ، فحال المسّ حال الحدث الأصغر إلاّ في إيجاب الغسل للصلاة ونحوها (١).

______________________________________________________

وهذا لا يتحقق إلاّ بناءً على أنّه واجب شرطي ، إذ لو كان واجباً نفسياً لم يكن فيه أي ضرر ، لتمكّنه من الدخول في الصلاة حينئذ ولو بغير الاغتسال.

ويؤيّده ما عن الفقه الرضوي من قوله « وإن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صليت فاغتسل وأعد صلاتك » (١) إذ لا وجه له سوى كون الغسل واجباً شرطياً ، لعدم بطلان الصلاة بالإخلال به على تقدير كونه واجباً نفسياً.

ويؤيّده أيضاً ما تقدّم من رواية الصدوق عن الفضل بن شاذان ومحمّد بن سنان من أن وجوب غسل المسّ لعلّة الطهارة (٢) ، وعليه لا يكون الغسل واجباً نفسياً بوجه.

ولا يمكن قياسه بالأوامر الواردة في غسل الجمعة أو لدخول الكعبة أو الحرم أو المسجد الحرام ونحوه ، وذلك لعدم احتمال كون الدخول في يوم الجمعة أو الكعبة ونحوهما من الأسباب الموجبة للحدث.

وحيث لا نحتمل فيها الحدث فلا يمكننا حمل الأوامر فيها على الإرشاد ، بل يؤخذ بظهورها في المولوية وتحمل على الاستحباب.

وأين هذا ممّا علق فيه الأمر بالغسل على شي‌ء آخر كمسّ الميِّت أو الجنابة أو الحيض ونحوها ، لأنّها ظاهرة في الإرشاد كما مرّ. وهذا بخلاف المقام وغيره من الموارد الّتي قامت فيها القرينة على الإرشاد واحتمل فيها الحدث.

يحلّ للماس قبل الغسل دخول المساجد ونحوها‌

(١) لأن ما استفدناه من الأخبار إنّما هو كون المسّ موجباً للحدث ، وأمّا كون‌

__________________

(١) فقه الرضا : ١٩ ، المستدرك ٢ : ٤٩٤ / باب نوادر غسل المسّ.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٢ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١١ و ١٢.

٢٤٩

[٨٣٨] مسألة ١٨ : الحدث الأصغر والأكبر في أثناء هذا الغسل لا يضر بصحّته‌ (١) نعم ، لو مسّ في أثنائه ميتاً وجب استئنافه (٢).

______________________________________________________

الحدث المسبب منه حدثاً أكبر أو أصغر فلا يستفاد منها ، فلا يترتب عليه إلاّ الآثار المرتبة على طبيعي الحدث كعدم الدخول فيما يشترط فيه الطهارة.

وأمّا حرمة المكث في المساجد وقراءة العزائم والوطء كما إذا كانت امرأة فلا ، لأنّها مترتبة على الحدث الأكبر من الجنابة والحيض والنّفاس ، وليست مترتبة على طبيعي الحدث ، وذلك لجواز وطء المرأة المحدثة من غير خلاف.

الحدث في أثناء غسل المسّ‌

(١) لعدم دلالة الدليل على بطلانه بالحدث الأكبر أو الأصغر الواقع في أثنائه ، فإن سقوط الأجزاء المتقدمة عن قابلية الالتحاق ، أي التحاق الأجزاء المتأخرة بها أمر يحتاج إلى دليل.

بل له أن يتم غسله وإن كان يجب عليه التوضؤ بعد الغسل ، بل لو رفع يده عن غسله الترتيبي الّذي أحدث في أثنائه واغتسل ارتماساً لم يحتج إلى الوضوء أيضاً بناءً على ما ذكرناه من أن كل غسل يغني عن الوضوء كما ذكرناه في غسل الجنابة (١).

لأنّ التخيير بين الغسل ترتيباً وارتماساً ليس بدوياً بل هو باقٍ ما دام لم يتحقق الاغتسال ، فله أن يرفع يده عن الغسل الترتيبي وإن كان غسله هذا صحيحاً ويأتي به ارتماساً.

نعم ، ذكرنا في غسل الجنابة أن طروء الحدث الأصغر في أثنائه موجب لبطلانه للدليل المتقدِّم هناك (٢) ، وهو خاص بغسل الجنابة ولا يأتي في غيره.

(٢) لأن مسّ الميِّت ثانياً يحتاج إلى رافع له وإن لم يؤثر حدثاً في حقّه ، لأنّه محدث ولم يرتفع حدثه بعد لعدم تمامية غسله ، والأجزاء الباقية من غسله الأوّل ليس‌

__________________

(١) راجع شرح العروة ٦ : ٣٩٤.

(٢) راجع شرح العروة ٧ : ١٩.

٢٥٠

[٨٣٩] مسألة ١٩ : تكرار المسّ لا يوجب تكرّر الغسل‌ ولو كان الميِّت متعدِّداً كسائر الأحداث (١).

[٨٤٠] مسألة ٢٠ : لا فرق في إيجاب المسّ للغسل بين أن يكون مع الرطوبة أو لا‌ (٢) ، نعم في إيجابه للنجاسة يشترط أن يكون مع الرطوبة على الأقوى (٣) وإن كان الأحوط الاجتناب إذا مسّ مع اليبوسة خصوصاً في ميت الإنسان ، ولا فرق في النجاسة مع الرطوبة بين أن يكون بعد البرد أو قبله (٤).

______________________________________________________

بتمام الرافع له ، وإنّما هي جزء منه وإن كان رافعاً لمسّه الأوّل.

تكرار المسّ لا يقتضي تكرّر الغسل‌

(١) لأنّ التداخل وإن كان على خلاف الأصل في الواجبات النفسية ، لأن كل سبب يقتضي مسبباً مستقلا على ما ذكرناه في بحث المفاهيم (١). إلاّ أنّ الغسل في المقام واجب شرطي والأمر به إرشادي إلى تحقق الحدث بالمس كما مرّ ، وليس التداخل في الأوامر الإرشادية على خلاف القاعدة ، وذلك لأنّ الحدث الّذي يحتاج إلى الرافع لا يتكرر بتكرر المسّ ، كما لا يتكرر بتكرر البول أو النوم أو الجماع ، فيكفي غسل واحد عن المسّ المتكرِّر في المقام.

(٢) لإطلاق الأخبار.

(٣) وذلك لأن مقتضى عموم ما دلّ على نجاسة الميتة (٢) نجاسة الميِّت الإنساني أيضاً إلاّ أن نجاسته لا تمتاز عن بقية النجاسات ، فكما أنّها غير موجبة لنجاسة الملاقي إلاّ إذا كانت الملاقاة في حال الرطوبة فكذلك الحال في ملاقاة الميِّت الإنساني على ما ذكرناه في مبحث النجاسات (٣).

(٤) لإطلاق ما دلّ على نجاسة ملاقي النجس مع الرطوبة.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٠٩ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦١ / أبواب النجاسات ب ٣٤ وغيرها.

(٣) راجع شرح العروة ٢ : ٤٦١.

٢٥١

وظهر من هذا أن مسّ الميِّت قد يوجب الغُسل والغَسل كما إذا كان بعد البرد وقبل الغُسل مع الرطوبة ، وقد لا يوجب شيئاً كما إذا كان بعد الغُسل أو قبل البرد بلا رطوبة ، وقد يوجب الغُسل دون الغَسل كما إذا كان بعد البرد وقبل الغُسل بلا رطوبة ، وقد يكون بالعكس كما إذا كان قبل البرد مع الرطوبة (١).

______________________________________________________

أقسام ما يسببه مسّ الميِّت‌

(١) فالصور أربعة :

إحداها : أن يوجب الغُسل بالضم والغَسل بالفتح.

وثانيتها : أن لا يوجب غُسلا ولا غَسلا.

وثالثتها : أن يوجب الغُسل بالضم دون الغَسل بالفتح.

ورابعتها : أن يوجب الغَسل بالفتح دون الغُسل بالضم والأمثلة ظاهرة ممّا ذكره الماتن قدس‌سره.

هذا تمام كلامنا في الأغسال ، ويقع الكلام بعد ذلك في أحكام الأموات إن شاء الله وله الحمد أوّلاً وآخراً كما هو أهله.

٢٥٢

فصل

في أحكام الأموات‌

اعلم أن أهمّ الأُمور وأوجب الواجبات التوبة من المعاصي (١).

______________________________________________________

فصل في أحكام الأموات

وجوب التوبة من المعاصي‌

(١) وجوب التوبة عن المعاصي قد ثبت بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، فلا إشكال في وجوبها في الجملة.

وإنّما الكلام في أن وجوبها شرعي مولوي ، أو أنّه عقلي والأوامر الواردة بها في الكتاب والسنّة إرشادية إليه؟.

قد يقال بأنّها واجبة عقلاً والأوامر المتعلقة بها في الكتاب والسنّة إرشاد إلى حكم العقل ، وذلك لعدم إمكان حملها على المولوية وإلاّ كان ترك التوبة محرماً وتجب التوبة عنه ، وترك التوبة عنه أيضاً محرم فتجب التوبة عنه وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فلا مناص من حمل الأمر بها على الإرشاد ، نظير الأوامر الواردة في الطاعة حيث حملناها على الإرشاد ، لأنّها لو كانت مولوية وكانت الإطاعة واجبة شرعاً لزم التسلسل بالتقريب المتقدِّم ، لأن إطاعة ذلك الأمر أيضاً تكون واجبة ومأموراً بها شرعاً فتجب إطاعته ، وهذا الوجوب الثاني أيضاً تجب إطاعته وهكذا إلى ما لا نهاية له فوجوب التوبة عقلي لا محالة.

والظاهر أنّ التوبة واجبة شرعاً والأوامر الواردة في الكتاب والسنّة مولوية ، وذلك لأنّ الوجه في حمل أوامر الطاعة على الإرشاد ليس هو المحذور المتوهّم من أن كونها مولوية يستلزم التسلسل ، وإلاّ يمكن الجواب عنه بأن حمل الأمر بالطاعة في الآية المباركة على المولوية والحكم بأنّها واجبة شرعاً أخذاً بظاهر الأمر ممّا لا محذور فيه وإنّما المحذور المتوهّم في كون إطاعة ذلك الأمر أيضاً مأموراً بها بالأمر المولوي ، أي‌

٢٥٣

كونها واجبة شرعاً ، لأنّه مستلزم للتسلسل ، فلا بدّ من منع كون تلك الطاعة أي إطاعة الأمر بالطاعة واجبة شرعاً دفعاً للمحذور ، دون حمل الأمر الأوّل بالطاعة على الإرشاد ، لأن حمله على المولوية ممّا لا محذور فيه.

وعليه فيحمل الأمر الأوّل بالطاعة على الوجوب الشرعي والمولوية عملاً بظاهره بخلاف الأمر الثاني والثالث فإنّه إرشادي حتّى لا يلزم التسلسل. ولا ملازمة بين كون الأمر بالطاعة مولوياً وبين كون طاعة ذلك الأمر أيضاً واجبة شرعاً ويكون الأمر بها مولوياً ، وبهذا تنقطع السلسلة فلا يلزم من كون الأمر الأوّل بالطاعة مولوياً أيّ محذور.

وكذلك نلتزم في المقام بأنّ الأمر بالتوبة مولوي وأنّها واجبة بالوجوب الشرعي نعم لا تكون التوبة من ترك التوبة واجبة شرعاً وإنّما الأمر بها إرشادي.

بل الوجه في حمل الأمر بالطاعة على الإرشاد : أنّ الأمر بها لا يترتب عليه أثر وذلك لأنّ الطاعة منتزعة عن إتيان الواجبات وترك المحرمات وليس للطاعة محقق غيرهما ، والعقل مستقل باستحقاق العقاب على ترك الواجب وإتيان المحرم وإن لم يكن هناك أمر بالطاعة أصلاً ، فالأثر وهو استحقاق العقاب ثابت في مرتبة سابقة على الأمر بالطاعة ، فإذن لا أثر له في نفسه فلا مناص من أن يكون إرشاداً إلى ما استقل به العقل قبله.

ومن الظاهر أن ذلك لا يأتي في التوبة ، لأنّها أمر مستقل غير الإتيان بالواجبات وترك المحرمات أو عصيانهما ، وللأمر بها أثر وهو استحقاق العقاب بمخالفته وتركه التوبة بحيث لو ترك الواجب وترك التوبة عنه عوقب عقوبتين فتكون التوبة واجبة شرعاً ولا محذور فيه ، فالتوبة مأمور بها بالأمر المولوي ومتصفة بالوجوب شرعاً كما أنّها واجبة عقلاً ، ولا مانع من أن يكون شي‌ء واحد واجباً عقلاً وشرعاً كالظلم فإنّه قبيح عقلاً ومحرم شرعاً ، وكما في ردّ الأمانة إلى أهلها فهو واجب عقلاً لأن تركه ظلم وواجب شرعاً ، وهكذا.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين التوبة عن المعصية الكبيرة والتوبة عن الصغيرة ، لأنّ المدار في وجوبها على المخالفة والخروج عن زي العبودية ووظيفته ، وهو متحقق في كليهما. نعم ، لا بدّ من الالتزام بعدم كون ترك التوبة في الصغائر معصية كبيرة ، وذلك لبعد أن تكون المعصية صغيرة ويكون ترك التوبة عنها كبيرة.

٢٥٤

وحقيقتها الندم (١) وهو من الأُمور القلبية ولا يكفي مجرّد قوله : أستغفر الله ، بل لا‌

______________________________________________________

قبول التوبة تفضل

ثمّ إنّ هناك بحثاً آخر وهو : أنّ التوبة كانت واجبة عقلاً وشرعاً أو عقلاً فقط هل يجب على الله قبولها بحيث تمحى بها المعصية المتحققة ويزول بها استحقاقه العقاب على نحو لو عاقبه الله تعالى بمعصيته بعد التوبة كان ظلماً قبيحاً أو لا يجب قبولها عليه؟ وقد تعرّضنا لهذا البحث في التكلّم عن مقدمة الواجب (١) وقلنا إن استحقاقه العقاب الثابت بالمعصية المتقدمة لا يرتفع بالتوبة المتأخّرة ، لأنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، فلو عاقبه الله سبحانه بعد ذلك كان عقاباً واقعاً عن استحقاق وفي محله ولم يكن ظلماً لا عن استحقاق ، إلاّ أن هذا البحث مجرّد بحث علمي لا يترتب عليه أثر عملي كما ذكرناه في بحث مقدّمة الواجب ، لأنّه ثبت بالكتاب والسنّة أنّ الله ( يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ) (٢) وأنّهُ رَؤُوفٌ بِهِم (٣) « وأنّه لا كبيرة مع الاستغفار » (٤) المراد به التوبة ، فالتوبة وإن لم يكن معها عقاب على المعصية إلاّ انّه من باب التفضّل من الله سبحانه عملاً بوعده لا أنّه من باب الوجوب ، وقد وافقنا على ذلك الأشاعرة خلافاً للمعتزلة حيث ذهبوا إلى وجوب قبول التوبة على الله ، وهذا من جملة الموارد الّتي لا بدّ فيها من الموافقة مع الأشاعرة دون المعتزلة.

حقيقة التوبة‌

(١) الظاهر أنّه لم تثبت للتوبة حقيقة شرعية ولا متشرعية ، وإنّما هي بمعناها اللغوي أي الرجوع ، وهو المأمور به شرعاً وعقلاً ، فكما أنّ العبد الآبق الفار والخارج عن زي عبوديته يجب أن يرجع عن خروجه هذا ، فكذلك العبد لا بدّ من أن يرجع إلى مولاه الحقيقي عن طغيانه وتمرده وتعدّيه ، فلا يعتبر في حقيقة التوبة‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في محاضرات في أُصول الفقه.

(٢) التوبة ٩ : ١٠٤.

(٣) البقرة ٢ : ٢٠٧.

(٤) الوسائل ١٥ : ٣٣٧ / أبواب جهاد النفس ب ٤٨ ح ٣ وغيره.

٢٥٥

حاجة إليه مع الندم القلبي وإن كان أحوط ، ويعتبر فيها العزم على ترك العود إليها. والمرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه‌السلام.

______________________________________________________

سوى الرجوع وله لازمان :

أحدهما : الندم على عصيانه ، إذ لو لم يندم على ما فعله لم يكن رجوعه رجوعاً حقيقياً عن التمرّد والخروج.

وثانيهما : العزم على عدم العود ، لوضوح أنّه لولاه لم يكن بانياً على الدخول في طاعة الله سبحانه ، بل هو متردِّد في الدخول والخروج ، وهذا بنفسه مرتبة من مراتب التعدِّي والطغيان ، فانّ العبد لا بدّ أن يكون بانياً على الانقياد في جميع الأزمان ، إذ لو لم يعزم على الطاعة وعدم الطغيان كان متردداً في الطاعة والعصيان كما عرفت ، وهو قبيح حتّى فيما إذا لم تسبقه المعصية أصلاً كما إذا كان في أوّل بلوغه فإنّه لا بدّ من أن يعزم على عدم الاقتحام في العصيان ، وهذان الأمران من لوازم الرجوع لا أنّهما حقيقة التوبة.

وأمّا الاستغفار اللّفظي وقول اللهمّ اغفِر لي ، أو أستغفر الله ونحوهما فهو غير معتبر في حقيقة التوبة ولا أنّه من لوازم الرجوع ، لأنّ الاستغفار بمعنى طلب الغفران ، والتوبة بمعنى الرجوع فهما متغايران مفهوماً ومصداقاً.

ويدلُّ على عدم اعتباره في التوبة ومغايرتهما مضافاً إلى وضوحه في نفسه قوله تعالى ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) (١) فإنّ العطف بـ « ثمّ » يدل على ما ذكرناه فقد دلّت الآية المباركة على أنّ العبد الآبق يطلب المغفرة من ذنوبه أوّلاً وإن لم يرجع ولم يتب ، لأنّه سبحانه غافر الذنوب ، وبعده يرجع إلى الله بالإضافة إلى ما يأتي. نعم الأحسن أن يكون رجوع الآبق بقلبه ولسانه ، وأن تكون توبته واقعية وظاهرية بقول اللهمّ اغفر لي ونحوه.

__________________

(١) وقعت هذه الجملة المباركة في سورة هود في ثلاثة مواضع آية ٣ ، ٥٢ ، ٩٠ باختلاف يسير في أوّلها.

٢٥٦

[٨٤١] مسألة ١ : يجب عند ظهور (*) أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة‌ ورد الودائع والأمانات الّتي عنده مع الإمكان والوصيّة بها مع عدمه مع الاستحكام على وجه لا يعتريها الخلل بعد موته (١).

______________________________________________________

وأكمل مراتب التوبة ما ذكره أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة من أن للتوبة مراتب ستّة ، منها وهو خامسها : أن تعمد إلى اللّحم الّذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان والطاعة (٢) إلاّ أنّه غير واجب ولا يعتبر في التوبة بوجه ، إذ قد يتوب العبد ويرجع ويندم ويعزم على عدم العود فيدركه الموت بعدها بزمان قليل قبل أن يذوب عنه لحمه.

الواجبات لدى ظهور علائم الموت

أقسام الحقوق في الذمّة‌

(١) الحقوق الثابتة على ذمّة المكلّف قد تكون واجبة الأداء فعلاً وبالفور كالأموال المغصوبة والمقبوضة بالبيع الفاسد الّذي هو بحكم الغصب ، والديون الّتي يطالب بها مالكها ، أو الّتي حلّت لانتهاء مدّتها أو حصول شرطها كالمهور الثابتة على الذمم المقيّد أداؤها بالقدرة والاستطاعة.

وهذه الحقوق لا بدّ من ردّها إلى مالكها ، ولا يجوز فيها الإيصاء لوجوب ردّها فوراً ، سواء في ذلك ظهور أمارات الموت وعدمه ، لأنّه تكليف فعلي منجّز لا بدّ من امتثاله بردّها إلى أهلها ولو مع القطع بالحياة ، للأمر بذلك شرعاً ، فالإيصاء غير جائز حينئذ لعدم كونه امتثالاً فورياً للأمر بالرد أعني الواجب الفعلي المنجّز.

وقد لا تكون الحقوق واجبة الأداء بالفعل كالودائع والأمانات لرضا مالكها‌

__________________

(*) بل عند عدم الاطمئنان بالبقاء أيضاً.

(١) الوسائل ١٦ : ٧٧ / أبواب جهاد النفس ب ٨٧ ح ٤ ، نهج البلاغة : ٥٤٩ / ٤١٧ ، ولكن ليس فيه « والطّاعة ».

٢٥٧

بالبقاء عنده الّتي علم من حال مالكها أو احتمل عدم رضاه بايداعها عند شخص آخر ، وفي هذه الصورة يجوز له إبقاؤها عنده ما دام حياً ، وإذا ظهرت أمارات الموت أو احتمله في نفسه وجب أن يردها إلى مالكها بالمباشرة ، للأمر بذلك في قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (١) ولا يجوز فيها الإيصاء أي ردّها بالتسبيب ، لفرض عدم رضى مالكها بالإيداع عند غيره فيتعين ردّها بالمباشرة ، لأنّه تكليف فعلي منجز لا بدّ من إحراز الخروج عن عهدته ولا يكون ذلك إلاّ بردّها حال الحياة.

وثالثة : لا يكون المال واجب الرد فوراً ولا من قبيل الودائع الّتي لا يرضى مالكها بايداعها عند شخص آخر كاللقطة ومجهول المالك والودائع الّتي يرضى مالكها بايداعها عند شخص آخر ، وفي هذه الصورة لا بدّ للمكلّف من أحد أمرين : إمّا أن يوصلها بنفسه إلى مالكها ، أو يوصي بها بالإشهاد والاستحكام حتّى تصل إلى مالكها بعد موته ، أو يودعه عند من يثق به أو يدفعه للحاكم الشرعي ، ولا يتعيّن عليه أداؤها بنفسه لعدم وجوبه عليه على الفرض.

والدليل على وجوب الرد والإيصاء في تلك الموارد هو : أن وجوب ردّ المال إلى مالكه والودائع إلى أهلها حكم فعلي منجّز في حقّه ، ولا بدّ له من الخروج عن عهدة هذا التكليف المنجّز ، وهو لا يتحقق إلاّ بإيصالها بنفسه إلى مالكها كما في بعض الصور وبالأعم منه ومن الإيصاء كما في بعض الموارد الأُخرى.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ الحكم غير مختص بما إذا ظهرت له أمارات الموت كما هو صريح كلام الماتن قدس‌سره بل الرد الواجب فعلي في بعض الصور ولو كان قاطعاً بالحياة ، وبمجرّد الشك في الموت في بعض الصور الأُخرى وإن لم تظهر له أمارات الموت ، وذلك لأنّ التكليف المنجّز الفعلي لا بدّ من إحراز الخروج عن عهدته ولا يمكن إحرازه إلاّ بالرد أو الإيصاء.

__________________

(١) النِّساء ٤ : ٥٨.

٢٥٨

[٨٤٢] مسألة ٢ : إذا كان عليه الواجبات الّتي لا تقبل النيابة حال الحياة‌ كالصلاة والصوم والحج (١) ونحوها ، وجب الوصية بها إذا كان له مال ، بل مطلقاً إذا احتمل وجود متبرع ، وفيما على الولي كالصلاة والصوم الّتي فاتته لعذر يجب إعلامه أو الوصية باستئجارها أيضاً (١).

______________________________________________________

واستصحاب بقاء الحياة لا أثر له في ذلك كما ذكرناه في الواجبات الموسعة أداءً أو قضاءً ، لأن تنجز التكليف يقتضي إحراز الخروج عن عهدته ، فبمجرد الشك في الموت يجب عليه الامتثال ، بمعنى أنّه إذا لم يقطع أو لم يطمئن ببقاء حياته إلى آخر الوقت واحتمل موته قبل ذلك وجب أن يأتي به فعلاً ، لتنجز التكليف في حقّه ، وهو يستلزم عقلاً إحراز الامتثال ولا يحرز إلاّ بإتيانه بالفعل ، ولا أثر شرعي لاستصحاب بقاء حياته حينئذ ، هذا في الحقوق المالية.

الواجبات الّتي لا تقبل النيابة حال الحياة‌

(١) هذا في الحقوق الإلهيّة ، إذا كانت على ذمّته واجبات من صوم وصلاة وحج ونحوها فان جازت الاستنابة فيها حال حياته كمن لا يتمكّن من الحج بنفسه لمرض أو هرم وجب ، لتنجز التكليف بالأداء والاستنابة وفاءً له.

وإذا لم يجز له الاستنابة فيها حال حياته كما إذا ترك الحج عن عمد واختيار ، أو أنّ الوقت لم يكن موسم الحج وهو يحتمل موته ، أو ظهرت له أماراته أو غير ذلك من الفروض ، وجب الإيصاء بها إذا كان له مال يوفى به دينه من الصلاة والصيام والحج وغير ذلك ، وذلك في الصورتين لما قدمناه من أنّ التكليف المنجز الفعلي بأداء الدين وإفراغ الذمّة عن الواجبات يستدعي إحراز الخروج عن عهدته بالمباشرة أو التسبيب ، وهو لا يكون إلاّ بالاستنابة فيما أمكنت ، وبالإيصاء عند عدم إمكان‌

__________________

(*) هذا إذا كان قبل أشهر الحج ، وأمّا إذا كان فيها فيجب عليه الاستنابة إذا كان عالماً باستمرار عذره إلى الموت.

٢٥٩

[٨٤٣] مسألة ٣ : يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث (١)

______________________________________________________

الاستنابة.

وكذا يجب الإيصاء إذا لم يكن له مال إلاّ أنّه احتمل أن يكون إيصاؤه سبباً لأداء دينه بعد موته ، وذلك لأنّ الامتثال القطعي إذا لم يمكن للمكلّف بأن لم يكن له مال انتقل الأمر إلى الامتثال الاحتمالي لا محالة ، وهذا امتثال احتمالي في حقّه.

ومن هذا القبيل إعلام من يجب عليه القضاء كالولد الأكبر إذا كانت ممّا يجب أداؤها على الولد الأكبر بعد موت المورث كما في فوائت الصلاة والصيام ، لأنّه لو كان عالماً بأنّ الولد الأكبر يقضيها بعد موته فهو من الامتثال القطعي للتكليف المنجّز الفعلي في حقّه ، وإذا كان محتملاً له فهو من الامتثال الاحتمالي المتعيّن على تقدير العجز عن الامتثال القطعي.

جواز تمليك الموصي أمواله لغير الوارث‌

(١) كما هو مقتضى العمومات وسلطنة المالك على ماله ، وهذا قد يكون في حال حياته وهو صحيح البدن ، ولا إشكال في جواز تمليكه ماله بالتمام لغير الوارث ، لأنّه مسلط على ماله وله أن يفعل في أمواله ما يشاء. وأُخرى يكون ذلك في حال مرضه وهو المسألة المعروفة بمنجّزات المريض ، والصحيح فيها صحّة تمليكه للغير أيضاً وذلك لجملة من الأخبار المعتبرة الدالّة على أن للإنسان ما دامت الروح في بدنه ولم تخرج عنه أن يتصرف في ماله ما يشاء ، فله أن يملّك تمام ماله للغير ويعدم موضوع الإرث للورثة (١).

نعم ، ورد في جملة من الأخبار الأُخر عدم جوازه (٢) إلاّ أنّها محمولة على الكراهة‌

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٢٧٣ / كتاب الوصايا ب ١٠ ح ٦ ، ٢٨١ / ب ١١ ح ١٩ ، ٢٩٦ / ب ١٧.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٠٠ / كتاب الوصايا ب ١٧.

٢٦٠