موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

الروايات الصحيحة المتضافرة على وجوبه بالسنة مختلفة ، ففي بعضها : « ولكن إذا مسّه بعد ما يبرد فليغتسل » (١) وفي أُخرى : « إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل » (٢) وفي ثالثة : « فإذا برد فعليه الغسل » (٣) وفي رابعة : « إذا أصاب يدك جسد الميِّت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في الوجوب.

ومع ذلك حكي عن السبزواري في الذخيرة قوله بعد نقل جملة من الروايات : ولا يخفى أنّ الأمر وما في معناه في أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب ، فالاستناد إلى هذه الأخبار في إثبات الوجوب لا يخلو عن إشكال (٥).

وتعبيره بلا يخفى يدل على أن عدم دلالة الأخبار على الوجوب كأنه من الأُمور الواضحة ، مع أنّ الأخبار كما عرفت مصرحة بالوجوب بمختلف أنحاء صيغ الوجوب وقلّ مسألة ترد فيها النصوص المصرحة بالوجوب مثل المقام ، فما الّذي دعاه إلى الإشكال والاستشكال في دلالتها والله العالم به ، وهذا منه قدس‌سره على دقته وتحقيقه غريب ، هذا.

ونسب إلى السيِّد المرتضى قدس‌سره استحباب الغسل من مسّ الميِّت (٦) واستدلّ غيره له بوجوه :

الوجوه المستدل بها على استحباب غسل المسّ

منها : أنّه ذكر في سياق جملة من المندوبات وأنّه « اغتسل للفطر والأضحى والجمعة‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٨٩ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٤.

(٤) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٥ وغيرها من روايات الباب.

(٥) حكاه عنه في الحدائق ٣ : ٣٣٠ / في غسل المسّ وراجع الذخيرة : ٩١ السطر ٣٠ / الأمر الأوّل غسل المسّ.

(٦) نسبه إليه في الذخيرة : ٩١ وراجع جمل العلم والعمل : ٢٥.

٢٠١

وإذا مسست ميتاً » (١) ، وقد ذكر في بعض النصوص أنّ الفرض منها غسل الجنابة (٢).

ويدفعه : ما ذكرناه في محلِّه (٣) من أنّ الوجوب ليس مدلولا لصيغة الأمر ، وإنّما هي تدلّ على الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب ، وإنّما يستفاد الوجوب من عدم قيام القرينة على الترخيص في الترك ، كما أنّ الاستحباب يستفاد من قيامها على الترخيص في الترك ، وحيث قامت القرينة على الوجوب في غسل مسّ الميِّت حكمنا بوجوبه دون غيره ، وهذا لا يستلزم استعمال الصيغة في معنيين بل معناها واحد كما مرّ.

على أنّا لو سلمنا ذلك فغاية ما يستفاد من ذلك أنّ الصيغة لم تستعمل في الوجوب ، وأمّا أنّها استعملت في الاستحباب فهو محتاج إلى الدليل ، وعليه فالرواية لا تدلّ على وجوب الغسل كما لا تدلّ على استحبابه لتعارض سائر الأخبار.

وأمّا ما ورد في بعضها من أنّ الفرض غسل الجنابة ففيه أنّ الفرض بمعنى ما أوجبه الله تعالى في كتابه في قبال السنّة الّتي هي بمعنى ما أوجبه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، وغسل الجنابة قد أُمر به في موردين من الكتاب ، وهما قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٤) وقوله تعالى ( إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (٥) وهذا بخلاف غسل مسّ الميِّت ونحوه.

وقد ورد في صحيحة زرارة الدالّة على أنّ الصلاة لا تعاد إلاّ من خمس ... (٦) أنّ التشهّد سنّة أي واجب أوجبه النبيّ والأئمة عليهم‌السلام وغير مذكور في الكتاب‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٠٣ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ، ٢٩٧ / أبواب غسل المسّ ب ٤ ح ٢. ( نقل بالمضمون ).

(٢) الوسائل ٣ : ٣٠٣ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣١.

(٤) المائدة ٥ : ٦.

(٥) النِّساء ٤ : ٤٣.

(٦) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ١.

٢٠٢

العزيز ، فليس « سنّة » في قبال « واجب » كما توهم.

ومنها : ما ورد من السؤال عن أن أمير المؤمنين عليه‌السلام هل اغتسل حين غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند موته؟ فأجابه الصادق عليه‌السلام : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام وجرت به السنّة (١). لدلالتها على أن غسل مسّ الميِّت لم يكن واجباً قبل فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنّما فعله وجرت به السنّة فهو أمر مستحب.

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند ، لأنّ الشيخ رواها في التهذيب في موضعين :

أحدهما : باب الأغسال الواجبة والمندوبة (٢) ، عن محمّد بن الحسن الصفار عن محمّد بن عيسى عن القاسم بن الصيقل (٣) ، من الأغسال المفترضات والمندوبات.

وثانيهما : في آخر باب الزيادات من تلقين المحتضرين ، عن الصفار عن محمّد بن عيسى العبيدي عن الحسين بن عبيد (٤).

وهما ضعيفتان ، الاولى بالقاسم بن الصيقل ، والثانية بالحسين بن عبيد كما في نسخة التهذيب ، وأمّا الحسن بن عبيد كما في الوسائل فلم يذكر في الرجال أصلاً.

وأمّا ما في الوسائل من نقل الرواية عن الشيخ بطريقين ، أحدهما بطريق الصفار عن محمّد بن عيسى المتقدِّم ، وثانيهما عن المفيد عن أحمد بن محمّد عن أبيه عن الصفار عن محمّد بن عيسى ... فلم نقف على طريقه الثاني في التهذيب.

وثانياً : أنّ الرواية غير تامّة من حيث الدلالة ، إذ لم تدلّ على أن كونه سنّة معلول لفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل جري السنّة وفعله عليه‌السلام في عرض واحد ، بمعنى أنّه أتى به وجرى به السنّة ، حيث لم يقل فعله فجرى به السنّة بل قال : « فعل وجرت به السنّة ».

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩١ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ١٠٧ / ٢٨١.

(٣) في الاستبصار [ ١ : ٩٩ / ٣٢٣ ] وفي بعض نسخ التهذيب القاسم الصيقل.

(٤) التهذيب ١ : ٤٦٩ / ١٥٤١.

٢٠٣

على أنّها تدلّ على أن وجوب غسل مسّ الميِّت كان أمراً مفروغاً عنه في تلك الأزمنة ، ومن هنا لم يسأل الراوي عن أصل وجوبه ، وإنّما سأل عن اغتسال علي عليه‌السلام عن مسّه بدن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، لأنّه طاهر مطهر ولا قذارة فيه لتسري إلى علي عليه‌السلام ويجب عليه الاغتسال.

أضف إلى ذلك أنّا لو سلمنا دلالتها على استحباب الغسل فهي مختصّة بمثل بدن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان طاهراً مطهراً ، هب أن في مسّ كل بدن طاهر مطهّر كأبدان الأئمة عليهم‌السلام يستحب الاغتسال ولا يجب ، وأمّا في من مسّ بدن الميِّت الّذي ليس بطاهر ولا مطهّر فلا يستفاد منها استحباب الغسل فيه أيضاً.

ومنها : التوقيع المروي في الاحتجاج في إمام صلاة حدث عليه حدث وأنّه يؤخّر ويتقدم بعض المأمومين ويتم صلاتهم : أن من مسّه ليس عليه إلاّ غسل اليد (١) ، حيث دلّ على عدم وجوب الغسل من مسّ الميِّت.

ويدفعه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند ، لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الطريق إلى الاحتجاج لم تثبت وثاقته.

وثانياً : أن وجوب الغسل من المسّ إنّما هو بعد برده لا مع حرارته ، والإمام الميِّت لا يبرد بدنه بعد موته بدقيقة أو نصفها أي حال مسّه ليؤخره ، فإنّ الصلاة يعتبر فيها الموالاة فلا مناص من تأخيره في زمان قليل ، ولا يبرد بدنه حالئذٍ.

ويوضح ما ذكرناه التوقيع الثاني المروي في الاحتجاج ، حيث قال : « وكتب إليه وروى عن العالم أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل وهذا الميِّت في هذه الحال لا يكون إلاّ بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعلّه ينحِّيه بثيابه ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع : إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده » (٢) حيث إنّها ناظرة إلى الرواية الأُولى وشارحة لها ، وأن‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٦ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٤. الاحتجاج ٢ : ٥٦٤.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٦ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٥. الاحتجاج ٢ : ٥٦٤.

٢٠٤

دون ميت غير الإنسان (١)

______________________________________________________

مسّ الميِّت في حالة الحرارة لا يوجب إلاّ غسل اليد دون الاغتسال ، ومن هنا ورد أنّ الصادق عليه‌السلام كان يقبل ولده إسماعيل بعد موته ، وقيل له إنّه يوجب الغسل قال عليه‌السلام إنّما ذاك إذا برد (١).

وقد استدلّ للسيِّد قدس‌سره برواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام « قال : الغسل من سبعة : من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميِّت ، وإن تطهّرت أجزأك » (٢).

بدعوى أن ذيلها يدل على كفاية تطهير البدن في مسّ الميِّت من غير حاجة إلى الاغتسال.

وفيه مضافاً إلى تشويش الرواية دلالةً ، لعدم استعمال التطهّر في تطهير البدن ومن المحتمل أن يراد به الاغتسال من مسّ الميِّت وأنّه يجزئ عن الوضوء ، لأنّ التطهّر استعمل في الاغتسال كما في قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٣) أنّها مخدوشة سنداً بالحسين بن علوان ، لأنّه عامي لم يوثق (٤) ، بل قد يناقش في عمرو بن خالد أيضاً ، إذ لم يوثقه سوى ابن فضال ، وقد وقع الكلام في توثيقه ، إلاّ أنّ الصحيح أنّه موثق ولا بأس بتوثيق ابن فضال (٥).

فتحصل أنّه لم يقم دليل على استحباب غسل مسّ الميِّت ، فتبقى الأدلّة المتقدمة الدالّة على الوجوب سليمة عن المعارض.

عدم وجوب الغسل بمس ميت غير الإنسان‌

(١) لجملة من النصوص كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما ( عليهما‌السلام )

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩١ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٨.

(٣) المائدة ٥ : ٦.

(٤) رجع ( دام ظلّه ) عن ذلك في معجم الرِّجال ٧ : ٣٤ / الرقم [٣٥٠٨] وبنى على وثاقته.

(٥) على أن عمرو بن خالد ورد في أسانيد كامل الزيارات أيضاً فلاحظ.

٢٠٥

أو هو قبل برده (١) أو بعد غسله (٢)

______________________________________________________

« في رجل مسّ ميتة أعليه الغسل؟ قال عليه‌السلام : لا ، إنّما ذلك من الإنسان » (١) وغيرها. فمس ميتة غير الآدمي إنّما يوجب الغَسل إذا كانت الملاقاة مع رطوبة ، وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث نجاسة الميتة ، لذهاب بعضهم إلى وجوب الغسل بملاقاتها ولو كانت من غير رطوبة أيضاً كما مرّ في محلِّه (٢).

عدم وجوب الغسل بالمس قبل برد الميِّت‌

(١) للنصوص كصحيحة إسماعيل بن جابر « قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبّله وهو ميت ، فقلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمسّ الميِّت بعد ما يموت ومن مسّه فعليه الغسل؟ فقال : أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذاك إذا برد » (٣) وغيرها من الروايات. ولعله ممّا لا كلام فيه وإنّما وقع الكلام في مسّه وقد برد بعض جسده دون تمامه ، ويأتي عليه الكلام بعد قليل إن شاء الله.

عدم وجوب الغسل بالمس بعد غسله‌

(٢) وذلك للنصوص أيضاً ، منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : مسّ الميِّت عند موته وبعد غسله والقُبلة ليس بها بأس » (٤) وغيرها.

وأمّا موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يغتسل الّذي غسّل الميِّت وكل من مسّ ميّتاً فعليه الغسل وإن كان الميِّت قد غُسّل » (٥) فهي إنّما تدلّ على‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٩ / أبواب غسل المسّ ب ٦ ح ١.

(٢) شرح العروة ٢ : ٤٦١.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٢.

(٤) الوسائل ٣ : ٢٩٥ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٩٥ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٣.

٢٠٦

والمناط برد تمام جسده ، فلا يوجب برد بعضه ولو كان هو الممسوس (١).

______________________________________________________

وجوب الغسل حتّى بعد غسل الميِّت بالظهور ، فنرفع اليد عن ظهوره بالنصوص المصرحة بعدم الوجوب إذا مسّه بعد تغسيله.

وبذلك نحمل الموثقة على الاستحباب ، فالاغتسال من المسّ بعد تغسيل الميِّت الممسوس أحد الأغسال المستحبّة.

وبهذا يظهر الجواب عمّا استدلّ به على وجوب الغسل مطلقاً كحسنة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : من غسّل ميتاً فليغتسل ، وإن مسّه ما دام حارّاً فلا غسل عليه ، وإذا برد ثمّ مسّه فليغتسل ، قلت : فمن أدخله القبر؟ قال : لا غسل عليه ، إنّما يمسّ الثياب » (١) وغيرها ممّا هو بهذا المضمون.

نظراً إلى أن مسّ الميِّت بعد غسله لو لم يكن موجباً للاغتسال فما معنى تعليله عليه‌السلام عدم وجوب الغسل بأنّه مسّ ثياب الميِّت ، فإن معناه أنّه لو مسّه ببدنه لوجب عليه الاغتسال.

والجواب عنه أنّها وإن كانت ظاهرة في ذلك إلاّ أنّ الظهور يرفع عنه اليد بالنصوص المصرحة بالعدم وتحمل على استحباب غسل المسّ إذا مسّ بعد الاغتسال.

وهذا هو الصحيح في الجواب ، لا حمل الرواية على مورد لم يغسل الميِّت حين دفنه لعدم الماء ، كما في البراري أو للنسيان أو عصياناً. وذلك لأنّها فروض نادرة ، والغالب في الميِّت حال دفنه هو تغسيله ، ولا حملها على صورة فساد تغسيله ، كما عن المحقق الهمداني (٢) قدس‌سره.

ما هو المناط في وجوب الغسل‌

(١) إذا برد بعض جسد الميِّت دون بعضه مقتضى القاعدة وجوب الاغتسال بمسّه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٢ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١٤.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٥٣٥ السطر ٥.

٢٠٧

والمعتبر في الغسل تمام الأغسال الثلاثة (١) ، فلو بقي من الغسل الثالث شي‌ء لا يسقط الغسل بمسه (٢) وإن كان الممسوس العضو المغسول منه (٣)

______________________________________________________

لأنّ المطلقات دلّت على وجوب الاغتسال من مسّ الميِّت مطلقاً ، وقد خرجنا عنها فيما إذا مسّه وهو حار بمقتضى النصوص المتقدمة ، والقدر المتيقن من تلك المقيّدات ما إذا كان حارّاً بتمامه.

وأمّا إذا برد بعضه وشككنا في وجوب الغسل بمسّه حينئذ وعدمه كما إذا لم يكن للمقيّد إطلاق ، فلا مناص من أن نرجع إلى المطلقات ، وهي تقتضي وجوب الاغتسال ولا محل للرجوع إلى الأصل مع وجودها.

إلاّ أن ظاهر بعض المقيّدات عدم وجوب الغسل ما دام لم يبرد الميِّت بتمامه ، كما في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدِّمة (١) ، حيث إن ظاهر كلمة البرد برد الميِّت بتمامه ، إذ مع برد البعض دون بعض لا يصدق أنّ الميِّت برد ، وكلمة « إنّما » تفيد الحصر ، وعليه تدلّ الصحيحة على أن وجوب الغسل بالمس منحصر بما إذا برد الميِّت بتمامه.

وكذلك صحيحة علي بن جعفر عليه‌السلام : « وإن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسّه » (٢) فمع عدم البرد بتمام جسد الميِّت لا غسل واجب وإن مسّ العضو الّذي قد برد.

(١) لأنّه مقتضى ظهور غسل الميِّت في الأخبار المتقدمة الدالّة على وجوب غسل مسّ الميِّت إذا لم يغسل الميِّت بعد ، فإن غسل الميِّت ظاهر في الغسل الشرعي المأمور به ، وهو ملفق من ثلاثة أغسال.

(٢) لعدم تمامية الغسل المأمور به.

(٣) في الغسل الثالث كما إذا مسّ رأس الميِّت بعد ما غسل في الغسل الثالث وقبل تماميته ، أي قبل غسل البدن في الغسل الثالث ، وذلك لعدم تمامية الغسل المأمور به.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٣ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١٨.

٢٠٨

ويكفي في سقوط الغسل إذا كانت الأغسال الثلاثة كلّها بالماء القراح لفقد السدر والكافور (١) ، بل الأقوى كفاية التيمم (١) أو كون الغاسل هو الكافر بأمر المسلم لفقد المماثل ،

______________________________________________________

ما يكفي في سقوط الغسل لدى العذر‌

(١) قد تقدم أن غسل مسّ الميِّت إنّما يجب فيما إذا كان المسّ قبل التغسيل ولا يجب بعده ، والغسل الواجب في الميِّت ثلاث ، لأنّه لا بدّ من تغسيله أوّلاً بماء السدر ثمّ بماء الكافور ثمّ بالماء القراح ، فمع عدم تمامية الأغسال يكون المسّ موجباً للغسل كما مرّ. هذا في صورة التمكّن والاختيار.

وأمّا إذا لم يوجد السدر والكافور وغسّل الميِّت بالماء القراح ثلاثاً فهل يكفي ذلك في سقوط الغسل فلا يجب بمسّه أو لا؟

الصحيح هو السقوط ، وذلك لإطلاقات الأخبار الدالّة على عدم وجوب الغسل إذا مسّه بعد تغسيله (٢) ، لأن ظاهرها أنّ المسّ بعد الغسل المأمور به لا يوجب الغسل ، وأنّ الغسل المأمور به يختلف باختلاف الحالات ، ومع التمكّن يجب تغسيل الميِّت بالسدر والكافور ، ولا يجب ذلك في صورة عدم التمكّن منه ، لسقوط الشرط بالتعذّر واختصاصه بحال التمكّن منه.

فإذا غسل بالماء القراح ثلاثاً فقد تمّ غسل الميِّت المأمور به شرعاً ، فلا يكون مسّه بعدئذ موجباً للغسل ، لعدم التقييد في الأخبار بما إذا غسل بالسدر والكافور ، وإنّما دلّت على نفي الغسل بعد تغسيل الميِّت وهذا ظاهر.

نعم ، في مشروعية التغسيل بالماء القراح ثلاثاً عند عدم السدر والكافور أو وجوب التيمم حينئذ كلام يأتي التعرّض له في البحث عن وجوب غسل الميِّت وكلامنا في المقام بعد الحكم بوجوب تغسيله بالماء القراح ثلاث مرّات.

__________________

(*) بل الأقوى عدم كفايته.

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٥ / أبواب غسل المسّ ب ٣.

٢٠٩

لكن الأحوط عدم الاكتفاء بهما (١) ،

______________________________________________________

(١) إذا لم يوجد الماء أو لم يتمكّن من تغسيل الميِّت به فيمم فهل يجب غسل مسّ الميِّت على من مسّه بعد التيمم أو لا يجب؟

الظاهر هو الوجوب ، وهذا لا لما قد يناقش به في بدلية التيمم عن الغسل في المقام بأن غاية ما ثبت من الأخبار الواردة في البدلية إنّما هو بدلية التراب عن الماء ، لقوله عليه‌السلام ربّ التراب أو الصعيد وربّ الماء واحد (١) وأمّا بدليته عن السدر والكافور فلم تثبت بدليل ، وقد عرفت أنّ الميِّت يجب تغسيله بالماء القراح وبالسدر والكافور.

وقد يجاب عن هذه المناقشة بأن الواجب هو الغسل بالماء ، وكونه بالسدر والكافور من الشرائط ، ومن ثمة يشترط في الخليط أن لا يكون كثيراً على نحو يخرج الماء عن الإطلاق ، فالواجب هو الغسل بالماء المطلق وإن كان له شروط نظير شرائط الغسل والوضوء.

وفيه : أنّ المستفاد من الروايات إنّما هو بدلية التراب عن طبيعي الماء ، وأمّا بدليته عن الحصّة منه وهو الماء المشروط بكونه مخلوطاً بالسدر أو الكافور فلم يقم عليها دليل.

نعم ، الماء في الأغسال الثلاثة لا بدّ أن يكون ماء مطلقاً كما أُفيد إلاّ أنّ المأمور به بالأخرة هو الحصّة الخاصّة منه مع بقائه على إطلاقه ، والأدلّة دلّت على أنّ التيمم أو التراب إنّما هو بدل عن طبيعي الماء ، ولم يقم على بدليته عن الحصّة الخاصّة منه دليل.

والصحيح في الجواب عن هذه المناقشة أن يقال إنّ الأخبار الواردة في البدلية غير مختصّة بما دلّ على تنزيل التراب منزلة الماء ، فإن قوله عليه‌السلام « التيمم أحد الطهورين » (٢) مطلق ، لإطلاق الطهور الثاني ، فهو يعم طبيعي الماء والحصّة الخاصّة منه كما في المقام ، ومقتضاه قيام التيمم مقام التغسيل بالسدر والكافور أيضاً ، لدلالته‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣ ، ١٥ ، ٣٤٤ / ب ٣ ح ٢ ، ٤ وغيرها.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمم ب ٢٣ خصوصاً ح ٥.

٢١٠

على أنّه يقوم مقام مطلق الطهور.

هذا على أنّا لو سلمنا أنّ الأدلّة دلّت على تنزيل التراب منزلة الماء أيضاً لا مانع من شمولها للمقام ، لأنّ التيمم حينئذ بناءً على مشروعية الأغسال الثلاثة بالماء القراح وعدم انتقال الأمر إلى التيمم بدل عن الماء المطلق وطبيعي الماء ، لا أنّه بدل عن الحصّة الخاصّة ، فالتيمم بدل عن الأغسال الثلاثة بالماء القراح الّتي هي بدل عن الغسل بالسدر والكافور ، فلا إشكال من هذه الجهة.

وعلى الجملة لا إشكال في شمول أدلّة البدلية للمقام لإطلاقها.

وأمّا الاستدلال على بدلية التيمم عن غسل الميِّت برواية عمرو بن خالد « في ميت مجدور كيف يصنع بغسله؟ قال عليه‌السلام : ييمم » (١) ، بدعوى دلالتها على أن من لم يمكن تغسيله يكفي التيمم في حقّه.

فيندفع بأنّ الرواية ضعيفة السند ، لوجود عدّة مجاهيل في السند.

ودعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب لأنّهم أخذوا التمثيل بالمجدور في كلماتهم فيظن أنّهم أخذوا الحكم من تلك الرواية كما عن المحقق الهمداني (٢) قدس‌سره.

مندفعة بأن ذلك لا دلالة له على استنادهم إلى الرواية ، ومن ثمة لم يخصصوا الحكم بالمجدور ، بل ذهبوا إلى كفاية التيمم في مطلق من لم يمكن تغسيله ، وذكروا المجدور من باب المثال ولعدم التمكّن من غسله بالماء لتناثر لحمه بإصابته ، مع أنّ الرواية مختصّة بالمجدور.

على أن كبرى الانجبار بعمل المشهور غير ثابتة كما ذكرنا في محلِّه (٣) ، فالصحيح في الاستدلال هو التمسُّك بإطلاق أدلّة البدلية كما تقدّم.

بل الوجه في المنع عن كفاية التيمم عن وجوب غسل المسّ هو أنّ الأدلّة الواردة في بدلية التيمم عن الماء إنّما تدل على أنّه طهور في حقّ المتيمم وأنّه متطهر كالمتطهر بالماء ولكنّه في هذه الحال ، وأمّا الشخص الآخر وأن حكم مسّه حكم المسّ بعد‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥١٣ / أبواب غسل الميِّت ب ١٦ ح ٣.

(٢) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٨٥ السطر ٦.

(٣) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١.

٢١١

ولا فرق في الميِّت بين المسلم والكافر (١)

______________________________________________________

التغسيل فهو محتاج إلى الدليل ، أي محتاج إلى عناية زائدة في الكلام ولا يمكن استفادته من بدلية التيمم عن الغسل بالإضافة إلى المحدث والميِّت.

وهذا نظير ما إذا كان بدن الميِّت متنجساً ثمّ ييمم ، فإن أدلّة البدلية لا تدلّ على أن مسّه بالرطوبة غير موجب للتنجس ، لأنّه كمس بدنه بعد التغسيل ، ولعلّه ظاهر.

التسوية بين أقسام الميِّت‌

(١) لأنّ الأخبار الواردة في المقام الدالّة على أن من غسل الميِّت يجب عليه الاغتسال وإن لم تشمل الكافر لاختصاصها بمن يجب غسله بعد موته ، والكافر لا يغسل ولا دليل على مشروعيته في حقّه ، إلاّ أن من الأخبار ما يشمل المقام.

كصحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على أن من غمض عيني الميِّت يغتسل (١) ، فإن غمض العين لا يختص بالمسلم ويشمل الكافر أيضاً.

وكذا صحيحة إسماعيل بن جابر الدالّة على أن مسّ الميِّت بعد برده موجب للاغتسال (٢) ، لإطلاقها وعدم اختصاصها بالمسلم وإن كان موردها هو المسلم ، وكذا غيرهما ممّا دلّ على وجوب الغسل بتقبيل الميِّت (٣) ، فإنّها مطلقة تعم الكافر لا محالة.

وأمّا الأخبار الأُخرى فغايتها أنّها لا تدل على وجوب الغسل بمسّ الكافر الميِّت لا أنّها تدل على عدم الوجوب.

وأمّا ما حكي عن العلاّمة قدس‌سره من أن مسّ الكافر كمس ميتة البهيمة (٤).

ففيه : أنّه يشبه كلام العامة لأنّه قياس ، فإن عدم وجوب الاغتسال من مسّ البهيمة لا يستلزم عدم وجوبه في مسّ ميت الإنسان ، وهما أمران أحدهما غير الآخر‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٨٩ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٩٣ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١٥.

(٤) حكاه عنه في المستمسك ٣ : ٤٧٠ / في غسل المسّ وراجع المنتهي ٢ : ٤٥٨ / في غسل المسّ. ( لكنّه ليس فيه هذا التعليل ).

٢١٢

والكبير والصغير (١) حتّى السقط (٢) إذا تمّ له أربعة أشهر ، بل الأحوط الغسل بمسّه ولو قبل تمام أربعة أشهر أيضاً وإن كان الأقوى عدمه.

______________________________________________________

وإن كان الكفار كالبهائم حقيقة بل هم أضل سبيلاً ، إلاّ أن حكمهما مختلف ، ومن ثمة يجوز وطء الكافرة دون البهيمة.

مضافاً إلى أنّه اجتهاد في قبال النص ، لدلالة الأخبار المتقدمة بإطلاقها على وجوب الغسل بمس ميت الكافر أيضاً ، ودلالتها على عدم وجوب الغسل بمس الميِّت الحيواني كما تقدم ، فالقياس مع الفارق.

(١) لإطلاق الأخبار ، فإنّ الموضوع لوجوب غسل المسّ إنّما هو مسّ الميِّت الإنساني بلا فرق في ذلك بين الصغير والكبير.

(٢) أي إذا ولجته الروح ، وذلك لصدق الميِّت الإنساني عليه ، وهو ظاهر.

وإنّما الكلام في السقط الّذي لم تتم له أربعة أشهر ، أي قبل ولوج الروح فيه ، هل يوجب مسّه الغسل أو لا يوجبه؟

فيه خلاف بين الأعلام ، والصحيح عدم وجوب الغسل بمسّه ، لأنّ الموضوع كما مرّ هو مسّ الميِّت الإنساني ، وإنّما يصدق الميِّت فيما إذا سبقته الروح والحياة ، فالمراد به خصوص الميِّت بعد الحياة لا مطلق ما لا روح فيه ، فلا يصدق الميِّت على السقط قبل ولوج الروح فيه.

ويؤيّده ما رواه الصدوق في العلل عن ابن شاذان وعن محمّد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام « إنّما أُمر من يغسل الميِّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميِّت ، لأنّ الميِّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته » (١).

لدلالته على أنّ الميِّت الّذي يجب الغسل بمسّه هو الميِّت الّذي له روح تخرج منه دون الميِّت الّذي لا روح له من الابتداء.

نعم ، يبقى الكلام في أنّه إذا لم تصدق الميتة أو الميِّت على ما لا روح فيه من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٢ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١١ ، ١٢. علل الشرائع : ٢٦٨ / ٩.

٢١٣

الابتداء ، فبأي وجه تحكمون على السقط بالنجاسة حينئذ ، لعدم كونه ميتة على الفرض ، مع أن نجاسته ممّا لا خلاف فيه.

إلاّ أنّا قدّمنا في مبحث النجاسات (١) أن موضوع الحكم بالنجاسة لا يختص بالميتة لأنّ الجيفة أيضاً نجسة ، فالموضوع أعم من الميتة ، لما في بعض الأخبار من النهي عن التوضؤ بالماء الّذي تغيرت ريحه بريح الجيف (٢). ولا إشكال في أنّ السقط قبل ولوج الروح فيه يصدق عليه الجيفة ، بل هو من أظهر مصاديقها ، فهو نجس من هذه الجهة.

وأمّا الاستدلال على نجاسته بأنّه من القطعات المبانة من الحي والقطعة المبانة بحكم الميتة ونجسة ،

فمندفع بأنّ الظاهر من القطعة المبانة كون الشي‌ء المبان قبل أن يبان جزءاً من الحيوان ، ومن الظاهر أنّ السقط والولد ليسا جزءاً من الأُم ، لأن حالهما حال البيضة في بطن الدجاجة ، فالبطن وعاء للسقط ليس هو جزءاً من بدن الام ، فلا يصدق عليه عنوان القطعة المبانة من الحي.

على أنّه لو كان من القطعات المبانة من الحي لزم الالتزام بوجوب غسل المسّ بمسّه بناءً على ما هو المشهور من أنّ القطعة المبانة من الحي إذا كانت مشتملة على العظم وجب الغسل بمسّه ، والسقط قبل تمام أربعة أشهر مشتمل على العظم ، والمفروض أنّا لا نلتزم بوجوب الغسل بمسّه.

ويؤيّد ما ذكرناه اتفاقهم على نجاسة الجنين كما تقدم ، لأنّه يؤكّد كون الموضوع في الحكم بالنجاسة أعم من الميتة كما مرّ.

وأمّا ما استدلّ به المحقق الهمداني (٣) قدس‌سره على نجاسة السقط حينئذ بالأخبار الدالّة على أن ذكاة الجنين ذكاة أُمّه (٤) ، بتقريب أنّها تدل على أنّ الجنين قابل للتذكية وأنّه مذكّى عند تذكية امّه ، فإذا لم تقع عليه التذكية ولم يذك امّه فهو ميتة ، إذ‌

__________________

(١) في شرح العروة ٢ : ٤٦٠.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٧ / أبواب الماء المطلق ب ٣.

(٣) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٥٣٨ السطر ٢٧.

(٤) الوسائل ٢٤ : ٣٣ / أبواب الذبائح ب ١٨.

٢١٤

[٨٢١] مسألة ١ : في الماسّ والممسوس لا فرق بين أن يكون ممّا تحله الحياة أو لا‌ كالعظم والظفر (١) ، وكذا لا فرق فيهما بين الباطن والظاهر (٢)

______________________________________________________

لا واسطة بين الميتة وغير المذكى واقعاً ، وبعبارة اخرى إنّها تدل على أنّ الأُم إذا ذبحت فجنينها أيضاً طاهر محلل الأكل ، لكفاية ذبح الأُم في تذكية الجنين ، وأمّا إذا لم تذبح الام فخرج جنينها فهو ليس بمذكى ولا يجوز أكله ، فإذا لم يكن مذكى فهو ميتة لعدم الواسطة بينهما واقعاً ، ومع كونه ميتة لا بدّ من الحكم بنجاسته.

ففيه : أنّ الميتة والمذكى قسمان للحيوان أي لما هو حي ، لأنّه قد يكون ميتة وقد يكوى مذكّى ، وأمّا ما لا حياة له فهو خارج عن المقسم ولا يتصف بشي‌ء منهما ، وغير المذكّى إنّما يكون ميتة في الحيوان الّذي هو مقسم للمذكى والميتة ، لأنّه إذا لم يكن مذكى فهو ميتة ، لا فيما لا ينقسم إليهما وليس كل ما هو غير مذكّى ميتة.

والرواية المذكورة لا نظر لها إلاّ إلى إثبات أن ذكاة الام كافية في تذكية الجنين ، وأمّا أنّه إذا لم تذك الام فخرج جنينها فهو ميتة فلا نظر للرواية إليه بوجه ، فالصحيح في الاستدلال على نجاسته ما ذكرناه.

ما لا تحلّه الحياة كما تحله في الماسّ والممسوس‌

(١) لإطلاق النصوص (١) ، لأنّ الموضوع فيها مسّ الميِّت الإنساني ، وهذا كما يصدق بمس ما تحلّه الحياة منه كذلك يصدق بمس ما لا تحله الحياة.

الباطن كالظاهر فيهما‌

(٢) كما إذا أدخل إصبعه في فم الميِّت أو أنفه أو أدخل إصبع الميِّت في فمه أو أنفه وذلك لإطلاق الأخبار الدالّة على أن موضوع وجوب الغسل مسّ الميِّت الإنساني وهذا لا يفرق فيه بين مسّ الباطن والظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٨٩ / أبواب غسل المسّ ب ١.

٢١٥

نعم المسّ بالشّعر لا يوجبه ، وكذا مسّ الشّعر (*) (١).

______________________________________________________

المسّ بالشعر كمس الشعر لا أثر له‌

(١) بمعنى أنّه يعتبر في وجوب الغسل مسّ البدن بالبدن ، وأمّا إذا مسّ شعر الميِّت ببدنه أو مسّ بدن الميِّت بشعره فلا يجب عليه الاغتسال.

وما أفاده قدس‌سره فيما إذا لم يصدق مسّ الميِّت بمسّ الشعر وإن كان صحيحاً كما إذا كان شعره أو شعر الميِّت طويلاً جدّاً بحيث يحسب عرفاً كالشي‌ء المنفصل المغاير للبدن ، فإن مسّه أو المسّ به لا يكون من مسّ الميِّت بوجه.

وأمّا إذا كان الشعر في الماس أو الميِّت الممسوس متعارفاً بحيث يصدق عرفاً بمسّه مسّ الميِّت فلا يمكن المساعدة على ما أفاده قدس‌سره.

لأنّ الموضوع في الروايات هو مسّ الميِّت الإنساني ، وهو متحقق في المقام وكون الشعر ممّا لا تحله الحياة لا يمنع عن صدق المسّ ووجوب الغسل به ، كما التزم هو قدس‌سره بذلك حيث ذكر أنّ الماس والممسوس لا فرق بين أن يكون ممّا تحله الحياة أو لم يكن.

نعم ، في بعض الروايات كصحيحتي الصفّار وعاصم بن حميد : « إذا أصاب يدك جسد الميِّت » (٢) ، أو « إذا مسست جسده ... » إلخ (٣) ، والجسد لا يشمل الشعر.

والاستدلال بذلك لو تمّ فهو إنّما يدل على أن مسّ شعر الميِّت لا يوجب الغسل وأمّا مسّ بدنه بالشعر فهو من مسّ جسد الميِّت ، فلا تدل على عدم وجوب الغسل فيه ، لأنّه من مسّ الميِّت بجسده.

على أنّ الاستدلال بها غير تام ، لأنّ المراد به هو مسّ بدنه لأنّ الإنسان مركب من النفس والبدن فالمراد بالجسد وهو غير النفس هو البدن في مقابل المسّ بالثوب.

__________________

(*) وجوب الغسل يدور مدار صدق المسّ عرفاً ويختلف ذلك باختلاف الشعر طولاً وقصراً.

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٠ / أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٣.

٢١٦

[٨٢٢] مسألة ٢ : مسّ القطعة المُبانة من الميِّت أو الحي إذا اشتملت على العظم‌ (١) يوجب الغسل (*) دون المجرّد عنه ،

______________________________________________________

وممّا يؤكّد ذلك ما ورد في صحيحة الصفار من التقابل بين مسّ ثوب الميِّت وبدنه ، حيث سأل فيها عن رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميِّت ... هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع عليه‌السلام : إذا أصاب يدك جسد الميِّت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل ، والجسد في مقابل الثوب إنّما هو البدن ، والبدن يعم الشعر أيضاً كما تقدّم.

مسّ القطعة المُبانة‌

(١) لا فرق في وجوب الغسل بالمس بين كون الميِّت تام الأجزاء وناقصها ، كما إذا قطعت يده ، ولا بين كونه ذا لحم وعدمه كما إذا تناثر لحمه وبقيت عظامه متصلة غير متلاشية حتّى يصدق عليه الميِّت ، وهذا كلّه للإطلاق وصدق مسّ الميِّت بمسّه ، وإنّما يجب الغسل فيما لو مسّ القطعة من الإنسان بعد برودتها وقبل تغسيل الميِّت ، لأنّ القطعة لا تزيد على الجسد وقد عرفت أن مسّ جسد الميِّت بحرارته أو بعد تغسيله لا يوجب الاغتسال.

وإنّما الكلام يقع في مسّ القطعة المبانة من الإنسان وأنّه هل يوجب الغسل أو لا يوجبه؟

والكلام يقع في مقامين :

مسّ القطعة المُبانة من الحي

المقام الأوّل : في مسّ القطعة المبانة من الحي ، والمشهور فيه الوجوب أي يجب غسل المسّ بمسّها ، وقد استدلّ له بالإجماع المحكي عن الشيخ في الخلاف (٢) وبمرسلة‌

__________________

(*) على الأحوط.

(١) حكاه عنه في المستمسك ٣ : ٤٧٢ / في غسل المسّ وراجع الخلاف ١ : ٧٠١ / كتاب الجنائز المسألة [٤٩٠].

٢١٧

أيوب بن نوح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة » (١). وبرواية الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن مسّ عظم الميِّت ، قال : إذا جاز سنة فليس به بأس » (٢).

ولا يصلح شي‌ء منهما للاستدلال به.

أمّا الإجماع فهو إجماع منقول لا اعتبار به مطلقاً ولا سيما في الإجماعات المنقولة عن الشيخ قدس‌سره ، على أنّ الإجماع لم يتحقق في نفسه ، لما عن المحقق في المعتبر من أنّ العمل بالرواية قليل ، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت. (٣)

ومن الواضح أن شهادة مثل المحقق بعدم تحقق الإجماع يوهن دعوى الإجماع ، وهو ظاهر.

وأمّا الرواية الأُولى فهي ضعيفة بالإرسال ، وأمّا الرواية الثانية فهي أيضاً كذلك ، إذ قد وقع في سندها عبد الوهاب ومحمّد بن أبي حمزة ، وهما ضعيفان (٤).

ودعوى انجبار ضعفهما بعمل الأصحاب مندفعة صغرى وكبرى.

أمّا بحسب الكبرى فقد مرّ غير مرّة ، وأمّا بحسب الصغرى فلما عرفته من المحقق من أنّ العامل بالرواية قليل ، ومعه كيف تثبت شهرة العمل بها؟ فإن مرادنا من انجبار ضعف الرواية بعمل المشهور هو مشهور المتقدمين ، وهي منتفية حسب نقل المعتبر وأمّا الشهرة بين المتأخرين فهي وإن كانت حاصلة إلاّ أنّها غير جابرة بوجه.

وقد يستدل على وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الحي بالملازمة بين وجوب التغسيل ووجوب الغسل بالمس ، وحيث إنّ القطعة المبانة من الحي المشتملة على العظم واجبة التغسيل كما يأتي إن شاء الله تعالى ونبيّن أن وجوب التغسيل لا يختص بالميت بل يجب تغسيل القطعة المبانة أيضاً فهو يدل على وجوب الغسل بمسّها ، لما ورد من أن من غسّل الميِّت فعليه الاغتسال.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٩٤ / أبواب غسل المسّ ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٤ / أبواب غسل المسّ ب ٢ ح ٢.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٢ / في غسل المسّ.

(٤) وفي الرواية الثانية كلام من حيث المتن والسند يأتي قريباً إن شاء الله.

٢١٨

وأمّا مسّ العظم المجرّد ففي إيجابه للغسل إشكال (*) ، والأحوط الغسل بمسّه خصوصاً إذا لم يمض عليه سنة ، كما أنّ الأحوط في السن المنفصل من الميِّت أيضاً الغسل ، بخلاف المنفصل من الحي إذا لم يكن معه لحم معتد به ، نعم اللّحم الجزئي لا اعتناء به.

______________________________________________________

وفيه : أنّ القطعة المبانة وإن كان يجب تغسيلها إلاّ أنّه لا ملازمة بينه وبين وجوب الغسل بمسّها ، لأن موضوع ذلك مسّ الميِّت ، حيث إنّ الرواية دلّت على أن من غسل الميِّت اغتسل ، وهذا لا يصدق على مسّ القطعة المبانة من الحي ، لأنّها ليست بميت بل هي جزء من بدن الإنسان وصاحبها حي يرزق ، ومع عدم صدقه لا موجب للغسل بمسّها وإن كان يجب تغسيلها ، فلا ملازمة بين وجوب تغسيل أي شي‌ء ووجوب الاغتسال بمسّه ، بل الملازمة بين تغسيل الميِّت والاغتسال بمسّه.

إذن لا يمكن الحكم بوجوب غسل المسّ بمس القطعة المبانة من الحي وإن كان الغسل أحوط ولو لأجل الإجماع الّذي ادّعاه الشيخ قدس‌سره وذهاب مشهور المتأخرين إليه. هذا كلّه في القطعة المبانة من الحي المشتملة على العظم.

وأمّا العظم المجرد فالمعروف بينهم عدم وجوب الغسل بمسّه.

وعن جماعة منهم الشهيدان قدس‌سرهما وجوبه ، بدعوى أنّ العظم هو المناط في وجوب الغسل بمس القطعة المبانة والحكم يدور مداره ، إذ لولاه لم يحكم بوجوب الغسل بمسّ اللّحم المجرّد كما يأتي ، وعليه فالأمر في مسّ نفس العظم أيضاً كذلك (٢).

وفيه : أنّ الموضوع في الحكم بوجوب الغسل في مسّ القطعة المبانة على تقدير القول به هو مسّ القطعة المذكورة وإن لم يمس العظم الموجود فيها ، وهو غير مسّ العظم ، فالموضوع هنا غير الموضوع هناك ، لأنّ الموضوع في الأوّل مسّ القطعة المبانة المشتملة على العظم وإن لم يمسّ العظم ، وفي الثاني مسّ العظم وبينهما بون بعيد.

__________________

(*) أظهره عدم الوجوب فيه وفي السن المنفصل من الميِّت.

(١) الذكرى : ٧٩ السطر ٢٤ ، روض الجنان ١١٥ السطر ١٥.

٢١٩

وأمّا مسّ اللّحم المجرّد فلا خلاف في عدم وجوب الغسل بمسّه ، لأنّ الموضوع في الحكم بوجوب الغسل هو مسّ الميِّت ، وهذا لا يصدق على مسّ اللّحم المجرّد كما لعلّه واضح.

مسّ القطعة المبانة من الميِّت

المقام الثاني : في مسّ القطعة المبانة من الميِّت إذا اشتملت على العظم.

فقد استدلّوا على وجوب الغسل بمسّها بالوجوه الثلاثة المتقدمة في القطعة المبانة من الحي.

وبالأدلّة الدالّة على وجوب الغسل بمسّ الميِّت ، وذلك لأنّ الحكم المترتب على المركّب يترتب على كل واحد من أجزائه حسب المتفاهم العرفي ، وإذا قيل مسّ الميِّت موجب للغسل فمعناه أن مسّ يده أو رجله أو غيرهما من أجزائه موجب للغسل بلا فرق في ذلك بين اتصالها وانفصالها.

وقد قالوا وقلنا في مبحث النجاسات (١) أنّ الدليل الدال على نجاسة الكلب مثلاً هو الّذي يدل على أن شعر الكلب أو رجله أو يده نجسة وإن كانت منفصلة ، لأنّ النجاسة المترتبة على المركب مترتبة على أجزائه أيضاً.

وباستصحاب وجوب الغسل بمسّها ، لأن تلك القطعة المنفصلة كان مسّها قبل انفصالها موجباً للغسل ، والأصل أنّها بعد انفصالها كذلك توجب الغسل.

ولأنه لو لم يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميِّت لزم الالتزام بعدم وجوبه فيما إذا مسّ جميع القطعات المنفصلة عن الميِّت فيما إذا كان متقطعاً ، كما إذا قطع ثلاثة أقسام وقد مسّ جميعها ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

ولا يخفى ما في هذه الوجوه.

أمّا الأوّل فلأنّ المتفاهم العرفي في الحكم المترتب على المركب وإن كان ثبوته لكل‌

__________________

(١) في شرح العروة ٢ : ٤٢٢.

٢٢٠