موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٨١٣] مسألة ٤ : اعتبر مشهور العلماء فصل أقل الطّهر بين الحيض المتقدِّم والنّفاس‌ ، وكذا بين النّفاس والحيض المتأخِّر ، فلا يحكم بحيضيّة الدم السابق على الولادة وإن كان بصفة الحيض أو في أيام العادة إذا لم يفصل بينه وبين النّفاس عشرة أيام ، وكذا في الدم المتأخِّر. والأقوى عدم اعتباره في الحيض المتقدِّم كما مرّ (١).

______________________________________________________

ولكن فيه : أن تحصيل الإجماع التعبّدي في المسألة غير متيسر ، على أن المسألة ليست بإجماعية ، لما قدّمناه من أن جملة من الأصحاب ذهبوا إلى إمكان استمرار النّفاس إلى ثمانية عشر يوماً ، فالصحيح احتساب كلا الأمرين من يوم رؤية الدم.

هل يعتبر فصل أقل الطّهر بين النّفاس والحيض‌

(١) قدّمنا أن فصل أقل الطّهر معتبر بين الحيضتين للأدلّة الّتي أسلفناها في محلِّها (١) كما ذكرنا أن أقل الحيض ثلاثة وأنّ النقاء المتخلل بين حيضة واحدة ملحق بالحيض وإن لم يكن هذا مورداً للتسالم ، وهل يعتبر أقل الطّهر بين الحيض المتقدم والنّفاس؟

قدّمنا أنّه لا دليل عليه إلاّ ما ربما يتوهّم من إطلاق ما دلّ على أنّ الطّهر لا يقل عن عشرة أيام (٢) وأنّه شامل للمقام ، ولكنك عرفت أن ما دلّ على ذلك مختص بالحيضتين ولا يعم الحيض والنّفاس.

بل لو شككنا في أنّ الحيض في الدم السابق مشروط بأن يفصل بينه وبين النّفاس أقل الطّهر أو لا يشترط فيه ذلك ، ندفعه بإطلاق أدلّة الصفات الدالّة على أن ما كان بصفة الحيض حيض (٣) ، فالدم الأوّل حيض كما أنّ الدم الثاني نفاس بناءً على أنّ‌

__________________

(١) راجع شرح العروة ٧ : ١١٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٧ / أبواب الحيض ب ١١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

١٨١

نعم ، لا يبعد ذلك في الحيض المتأخر (١) ، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط.

______________________________________________________

الحامل قد تحيض.

وأمّا إذا لم نقل بذلك فلا يحكم بحيضية الدم الأوّل من هذه الجهة ، لا لأجل اعتبار الفصل بأقل الطّهر بينه وبين النّفاس.

وإنّما يستثني عن ذلك صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الدم الواجد للصفات خارجاً في أيام المخاض والطلق لدلالة الدليل على أنّه لا يكون حيضاً (١) ، لوجود القرينة على أنّه مستند إلى الولادة وليس من الحيض.

(١) لولا صحيحة عبد الله بن المغيرة لقلنا بعدم اشتراط الفصل بين النّفاس والحيض المتأخر بأقل الطّهر ، لعدم دلالة الدليل عليه ، وحكمنا بأنّ الأوّل نفاس والمتأخر حيض وإن لم يفصل بينهما أقل الطّهر ، إلاّ أنّ الصحيحة المذكورة دلّت بتعليلها على أنّ الفصل بأقل الطّهر معتبر بين الحيض المتأخر والنّفاس ، حيث روي عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام « في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ثمّ طهرت ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : تدع الصلاة ، لأن أيامها أيام الطّهر وقد جازت مع أيام النّفاس » (٢) وتعليلها يدل على اعتبار مضي أيام الطّهر في حيضية الدم المتأخِّر.

هل يعتبر فصل أقل الطّهر بين النّفاسين

بقي الكلام في اعتبار فصل أقل الطّهر بين النّفاسين ، وهو غير معتبر بينهما قطعاً لعدم دلالة الدليل عليه ، وما تقدم من أن أقل الطّهر عشرة أيام مختص بالحيض كما عرفت ، حتّى لو اعتبرناه بين الحيض المتقدِّم والنّفاس ، نظراً إلى أنّه بعد اعتبار الفصل بينهما بأقل الطّهر فلا مناص عند عدم تخلله بينهما إمّا أن لا يكون الدم الثاني نفاساً أو‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩١ / أبواب النّفاس ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النّفاس ب ٥ ح ١.

١٨٢

[٨١٤] مسألة ٥ : إذا خرج بعض الطفل وطالت المدة إلى أن خرج تمامه‌ فالنّفاس من حين خروج ذلك البعض إذا كان معه دم وإن كان مبدأ العشرة من حين التمام كما مرّ ، بل وكذا لو خرج قطعة قطعة وإن طال إلى شهر أو أزيد فمجموع الشهر نفاس (*) إذا استمرّ الدم ، وإن تخلّل نقاء فإن كان عشرة فطهر وإن كان أقل تحتاط بالجمع بين أحكام الطاهر والنّفساء (١).

______________________________________________________

لا يكون الأوّل حيضاً ، وحيث إنّ الدم الثاني نفاس بالوجدان فلا بدّ من الحكم بعدم حيضية الدم الأوّل.

وذلك لأن هذا التقريب لا يأتي في المقام ولا يمكن نفي النّفاسية عن الدم الأوّل ولا عن الثاني ، لأنّهما نفاس بالوجدان وخارجان بالولادة ، فلا مانع من الحكم بنفاسية الدم الأوّل إذا ولدت ورأت الدم إلى خمسة أيام مثلاً ثمّ انقطع مدّة أقل من عشرة ، ولا مانع من الحكم بنفاسية الدم الثاني إذا ولدت بعد تلك المدّة.

إذا خرج بعض الطفل بعد فصل طويل‌

(١) في المقام مسائل ثلاثة :

المسألة الاولى : أنّ الولادة إذا تعدّدت وكانت كل واحدة منها ولادة مستقلّة ، كما إذا ولدت ولداً ورأت الدم وبعد خمسة أيام ولدت ولداً آخر ورأت الدم وبعد خمسة أيام ولدت ولداً ثالثاً.

ولا إشكال في أن كل واحدة من الولادات موضوع مستقل ولها حكمها ، وتحسب العشرة أو أيام العادة بعد رؤية الدم عقيب كل ولادة ، وذلك لإطلاق الدليل وعدم التقييد بالوحدة أو التعدد ، فتنقضي العشرة نفاس الولادة الاولى في اليوم العاشر ، وفي‌

__________________

(*) هذا على تقدير أن لا يكون الفصل بين القطعات أزيد من عشرة أيام وإلا لم يكن الزائد على العشرة نفاساً ، ومنه يظهر الحال في النقاء بعد العشرة ، وأما النقاء المتخلّل فقد مرّ حكمه [ في المسألة ٨١١ ].

١٨٣

الولادة الثانية في اليوم الخامس عشر ، وفي الولادة الثالثة في اليوم العشرين وهكذا.

وتتداخل ولادتان أو أكثر في مقدار من العشرة ، فإنّ الولادة الأُولى والثانية في الخمسة الوسطى أي من اليوم الخامس إلى العاشر متداخلتان ، وكيف كان فكل واحدة من الولادات موضوع مستقل له حكمه وإن كان يبلغ مجموع نفاس المرأة في الولادتين أو الولادات عشرين يوماً أو أكثر.

وهذا لا ينافي كون أكثر النّفاس عشرة أيام ، لأن أكثره عشرة في نفاس واحد لا في نفاسين أو أكثر ، وإلاّ قد يبلغ مجموع نفاس المرأة في عمرها سنة أو أقل أو أكثر ، وعلى الجملة إن كل ولادة موضوع مستقل له حكمه من النّفاس بعدها ، أيام العادة أو عشرة أيام.

فما نسب إلى ظاهر كلام بعضهم من كونها بمنزلة نفاس واحد ممّا لا يمكن المساعدة عليه. وكان ينبغي أن يتعرض المصنف لهذه المسألة قبل ما بيدنا من المسألة ، إلاّ أنّه تعرض لها في المسألة الآتية.

ثمّ إنّ النقاء بين الولادتين إن كان عشرة أيام أو أكثر فلا إشكال في أنّه بحكم الطّهر ، لعدم الدليل على كونه بحكم النّفاس مع المطلقات الدالّة على ثبوت التكليف بالصلاة والصيام وغيرهما على كل مكلّف ، ومنه المرأة في مفروض الكلام ، ولم يقم دليل على تقييدها إلاّ في المرأة النّفساء ، وأمّا المرأة الّتي لا ترى الدم فلا دليل مخرج لها بوجه.

وأمّا إذا كان النقاء المتخلل بين الولادتين أو بين ولادة قطعة وقطعة اخرى أقل من عشرة أيام فله صورتان :

إحداهما : ما إذا لم يكن الدم الثاني قابلاً في نفسه للالتحاق بالدم الأوّل في النّفاس ومع قطع النظر عن الولادة الثانية بحيث لو لم تكن ولادة أيضاً لم يكن الدم المرئي ملحقاً بالنّفاس الأوّل.

ثانيتهما : ما إذا كان قابلاً للانضمام إليه وكونه نفاساً في نفسه وإن لم تكن هناك ولادة أصلاً.

١٨٤

أمّا الصورة الأُولى فكما إذا ولدت ورأت الدم سبعة أيام ثمّ طهرت ثلاثة أيام وبعد ذلك ولدت ولداً ثانياً ورأت الدم ، فإنّ الدم الثاني غير قابل للالتحاق بالأوّل إذ لازمه أن يزيد النّفاس عن عشرة أيام.

وكذا إذا ولدت ونفست عشرة أيام ثمّ نقت يوماً ثمّ ولدت الولد الثاني في اليوم الثاني عشر ، فإن مفروضنا أنّ الدم الأوّل والنقاء بمقدار عشرة أيام فلو حكمنا بإلحاق الدم الثاني به لزاد عن العشرة ، وهو ظاهر.

وهذا هو الّذي قدمنا الكلام فيه وقلنا إنّ النقاء بأقل الطّهر بين النّفاسين بحكم الطّهر ، إذ لا دليل على كونه بحكم النّفاس ، وما دلّ على أن أقل الطّهر معتبر بين الحيضتين فهو مختص بالحيض كما مرّ ، وقد عرفت أن مقتضى المطلقات وجوب الصلاة والصيام وغيرهما من الواجبات على كل مكلّف ، ومنه المرأة في مفروض المقام ، ولم يخرج عنها إلاّ المرأة النّفساء ، وأمّا المرأة الّتي لا ترى الدم لأنّها في أيام النقاء فلم يقم دليل على خروجها عن المطلقات.

وأمّا الصورة الثانية فكما إذا ولدت ورأت الدم خمسة أيام ثمّ نقت ثلاثة أيام وولدت بعد ثمانية أيام ورأت الدم ، فإنّ الدم الثاني حينئذ قابل في ذاته للانضمام إلى النّفاس الأوّل ، إذ لا يلزم من كونه من النّفاس الأوّل كونه زائداً على العشرة ، فهل يتداخل النّفاسان في مثل اليومين أو أكثر ليلزمه أن يكون النقاء المتخلل بين الدمين كالنقاء المتخلل بين نفاس واحد ، أو أنّ الولادة الثانية قد قطعت النّفاس الأوّل وهو نفاس ثان فلا تداخل ، والنقاء بينهما من النقاء بين النّفاسين الّذي هو بحكم الطّهر كما مرّ ، والتداخل من دون تخلل النقاء كما فيما مثلناه به لا أثر له وإنّما الأثر في التداخل مع تخلل النقاء؟

الصحيح أنّ النقاء حينئذ بحكم الطّهر ، وليس كالنقاء المتخلل بين نفاس واحد ، وذلك لأنّا إنّما ألحقنا النقاء في أثناء نفاس واحد بالنّفاس بمقتضى الأخبار الآمرة بقعود ذات العادة أيام عادتها ، وتعدينا عنها إلى غير ذات العادة للقطع بعدم الفصل بينهما ، وهذا لا يأتي في المقام ، إذ لا قطع لنا بعدم الفصل بين النقاء المتخلل في أثناء‌

١٨٥

نفاس واحد والنقاء المتخلل بين نفاسين ، كالمرأة الّتي ولدت ثانياً بعد ثمانية أيام من ولادتها الاولى ، لأنّها غير المرأة الّتي رأت الدم في النّفاس الواحد وتخلل بينه نقاء أقل من عشرة أيام.

والدليل مختص بالنقاء في أثناء أيام العادة ، فلا يعم النقاء بين الدمين ، فإنّه من النقاء بعد النّفاس والدم الثاني نفاس آخر ، وقد تقدم أنّ النقاء المتخلل بين النّفاسين بحكم الطّهر ، لعدم الدليل على إلحاقه بالنّفاس ، وإطلاق أدلّة التكاليف من وجوب الصلاة والصيام وجواز إتيان الزوج زوجته.

ومن هذا يظهر الحال في النقاء بين الولادة الثانية ورؤية الدم ، كما إذا ولدت ولم تر دماً إلى يوم أو نصف يوم ورأته بعد ذلك ، لأنّ الدم الثاني إذا لم يكن قابلاً للإلحاق بالنّفاس الأوّل فهو من النقاء المتخلل بين النّفاسين ، وقد عرفت أنّه بحكم الطّهر ، وإذا كان قابلاً للإلحاق فقد تقدم أنّ الأظهر عدم التداخل ، فإنّ الولادة الثانية موضوع جديد قاطع للنفاس الأوّل ، فيكون النقاء بحكم الطّهر أيضاً.

كما ظهر من ذلك حكم النقاء في أثناء الولادة الواحدة ، كما إذا طالت المدّة فرأت الدم ثمّ انقطع ثمّ رأت بعد الولادة أو قبلها ، فإنّه محكوم بحكم الطّهر ، لأنّ الدليل إنّما دلّ على أنّ النقاء المتخلل في أيام العادة المحسوبة من بعد الولادة ورؤية الدم بحكم النّفاس ، وأمّا النقاء قبل الولادة فهو غير مشمول للدليل ، بل هو بحكم الطّهر بمقتضى مطلقات التكليف كما مرّ.

المسألة الثانية : ما إذا تعددت الولادات إلاّ أنّها لم تكن ولادة مستقلة كما إذا خرج الطفل قطعة قطعة ، فهل يترتب على وضع كل قطعة أحكام الولادة المستقلة ولكل منهما نفاس؟

لا يبعد أن يقال إن حالها حال الولادات المستقلة ، وذلك لصدق الولادة عند وضع قطعة من الولد ، وهذا بخلاف ما إذا كان الولد متصلاً ، لأنّ الاتصال مساوق للوحدة ، ومن هنا لو خرج رأس الولد فماتت يقال إنّها ولدت رأس الولد فماتت ، وأمّا إذا خرج رأس الولد وهو متصل الأجزاء فماتت يقال إنّها ماتت في أثناء الولادة ، إذ‌

١٨٦

يصدق أنّها ولدت قطعة من الولد ، والدليل مطلق إذ لم يقيد الولادة بأن يكون الولد تاماً ، فلكل منهما نفاس وتحسب العشرة في كل منهما بعد رؤية الدم ، وقد تتداخل ولادتان أو أكثر في مقدار من العشرة أو أيام العادة كما عرفت في الولادة المستقلّة.

وعلى ما قرّبناه يترتب على كل قطعة وضعتها المرأة حكم الولادة المستقلة ، والنقاء المتخلل بين وضع قطعة وأُخرى حكم النقاء الّذي تراه المرأة بين الولادتين المستقلتين كما تقدّم ، وكذلك النقاء في أيام العادة أو عشرة أيام من وضع كل قطعة ، فإنّه من النقاء في أثناء نفاس واحد وهو بحكم النفاس كما هو الحال في الولادة المستقلة.

وأمّا بناءً على أن وضع كل قطعة ليس من الولادة في شي‌ء فالأثر من حساب أيام العادة أو عشرة أيام إنّما هو بعد وضع مجموع القطعات ، وعليه ربما يطول وضعها شهراً أو أكثر أو أقل إلاّ أنّه نفاس واحد ، والنقاء المتخلل بين وضع القطعات كالنقاء في أثناء الولادة التامة بحكم الطهر ، لعدم كونه بعد رؤية الدم والولادة ، والنقاء الّذي هو بحكم النفاس إنّما هو النقاء بعد رؤية الدم وتمامية الولادة كما تقدّم.

المسألة الثالثة : أن ما ذكرناه من أن أكثر النّفاس عشرة أيام إنّما هو عند رؤية الدم عقيب الولادة ، فإن أكثره عشرة.

وأمّا الدم المرئي في أثناء الولادة قبل تمامها فهو وإن كان نفاساً كما سبق إلاّ أنّه لا يحسب من العشرة ، فإن مبدأها الدم المرئي بعد الولادة.

وقد يكون النفاس في أثناء الولادة أكثر من عشرة أيام ، كما إذا خرج رأس الولد وطالت المدّة إلى أن خرج تمامه ، فإنّ الدم المرئي حينئذ نفاس وإن طال عشرة أيام أو أقل أو أكثر.

ثمّ إنّها إذا رأت الدم عند خروج رأس الولد ثمّ انقطع ولم تر إلاّ بعد تمامية الولادة أو بعد مدّة وقبل تماميتها ، فهل النقاء المتخلّل بين الدمين محكوم بالنفاس كالنقاء المتخلّل بعد تمامية الولادة ورؤية الدم أو أنّه ليس محكوماً بحكم النفاس؟

١٨٧

[٨١٥] مسألة ٦ : إذا ولدت اثنين أو أزيد فلكل واحد منهما نفاس مستقل‌ ، فإن فصل بينهما عشرة أيام واستمرّ الدم فنفاسها عشرون يوماً لكل واحد عشرة أيام ، وإن كان الفصل أقل من عشرة مع استمرار الدم يتداخلان في بعض المدّة ، وإن فصل بينهما نقاء عشرة أيام كان طهراً ، بل وكذا لو كان أقل من عشرة على الأقوى من عدم اعتبار العشرة بين النفاسين ، وإن كان الأحوط مراعاة الاحتياط في النقاء الأقل كما في قطعات الولد الواحد (١).

[٨١٦] مسألة ٧ : إذا استمرّ الدم إلى شهر أو أزيد‌ فبعد مضي أيام العادة في ذات العادة والعشرة في غيرها محكوم بالاستحاضة (٢)

______________________________________________________

الصحيح عدم إلحاقه بالنفاس ، وذلك لأنّ الدليل على احتسابه من النفاس إنّما هو الإطلاقات الواردة في أنّ النّفساء تقعد أيامها (١) ، وقد تقدّم أن أيامها إنّما تحسب بعد تماميّة الولادة ورؤية الدم ولا تحسب من أثنائها ، فالنقاء المتخلل بين الدمين في أثناء الولادة ممّا لم يقم دليل على كونه نفاساً ، فلا يترتّب عليه أحكامه ، لأنّ المطلقات الدالّة على وجوب الصّلاة والصِّيام وجواز إتيان الزوج زوجته تقتضي ثبوت تلك الأحكام ما لم يقم دليل على تقييدها ، وهو إنّما قام على التقييد في خصوص النقاء بين نفاس واحد كما مرّ.

(١) ظهر حكم هذه المسألة ممّا ذكرناه في المسألة الاولى من المسائل الثلاث (٢) فليلاحظ.

إذا استمرّ الدم شهراً أو أكثر‌

(٢) لصحيحة عبد الله بن المغيرة (٣) الدالّة على اعتبار الفصل بأقل الطّهر بين الحيض‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨١ ، ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ١ ، ٣.

(٢) في ص ١٨٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النّفاس ب ٥ ح ١.

١٨٨

وإن كان في أيام العادة ، إلاّ مع فصل أقلّ الطّهر عشرة أيام بين دم النّفاس وذلك الدم ، وحينئذ فإن كان في العادة يحكم عليه بالحيضية ، وإن لم يكن فيها فترجع إلى التمييز ، بناءً على ما عرفت من اعتبار أقل الطهر بين النّفاس والحيض المتأخّر وعدم الحكم بالحيض مع عدمه وإن صادف أيام العادة ، لكن قد عرفت أن مراعاة الاحتياط في هذه الصورة أولى.

[٨١٧] مسألة ٨ : يجب على النّفساء (*) إذا انقطع دمها في الظاهر الاستظهار بإدخال قطنة أو نحوها‌ والصبر قليلاً وإخراجها وملاحظتها على نحو ما مرّ في الحيض (١).

______________________________________________________

المتأخِّر والنّفاس ، ومع هذا الاشتراط إذا خرج الدم قبل أقل الطّهر فيستكشف أنّه ليس بحيض وإنّما هو استحاضة ، كما أنّ النقاء نقاء بعد النّفاس وهو ليس في حكم النّفاس ، نعم إذا خرج بعد مضي أقل الطّهر من النّفاس فهو دم قابل لأن يكون حيضاً ، فإن كان في أيام العادة فهو حيض مطلقاً ، وإذا لم يكن في أيامها بنحو كان واجداً للصفات فهو حيض ، وإلاّ فهو استحاضة ، لأنّ الصفرة في غير أيام العادة ليست بحيض كما تقدّم.

هل يجب الاستظهار على النّفساء‌

(١) ذكر جماعة أنّ النّفساء كالحائض إذا انقطع دمها في الظاهر وجب أن تستظهر بإدخال قطنة ونحوها حتّى تعلم انقطاع دمها وعدمه.

ويمكن الاستدلال عليه بوجوه :

أحدها : أنّ النّفساء كالحائض تعلم بتوجه عدّة تكاليف إلزامية إليها ، كوجوب الصوم والصلاة على تقدير انقطاع دمها ، وحرمة ذلك في حقّها إذا لم ينقطع بناءً على‌

__________________

(*) على الأحوط.

١٨٩

أن حرمة الصوم والصلاة ذاتية.

فلا مناص من أن تستخبر حالها بالفحص والاستظهار حتّى تخرج عن عهدة ما علمت بتوجهه إليها إجمالا ، ولا سيما في موارد دوران الأمر بين المحذورين إذا قلنا بحرمة العبادة في حقّها ذاتاً لدوران أمرها بين وجوب الصلاة في حقّها وحرمتها.

ويرد على هذا الوجه أنّ الشبهة موضوعية ، ومقتضى استصحاب عدم انقطاع دمها في الباطن والمجرى وإن انقطع دمها في الظاهر أنّها نفساء ، ومعه لا أثر للعلم الإجمالي في حقّها.

الثاني : أنّ النّفاس والحيض واحد وحكمه حكمه ، فكما أنّ الاستظهار واجب على الحائض فكذلك يجب في حقّ النّفساء.

ويندفع هذا الوجه بما يأتي عن قريب من أنّه لا دليل على دعوى اتحادهما كلية.

الثالث : روايتي يونس وسماعة الواردتين في المرأة الّتي انقطع دمها ولا تدري أطهرت أم لم تطهر (١) ، حيث دلّتا على أنّها تستظهر وتقوم قائماً وتستدخل قطنة ، فلو خرجت ملوّثة بالدم فلم تطهر ، وحيث إن موضوعهما مطلق المرأة الّتي انقطع دمها فتشملان النّفساء أيضاً ، لعدم اختصاصهما بالحائض.

ويرد على ذلك أنّ الروايتين مخدوشتان سنداً ، لإرسال الاولى وضعف الثانية بأحمد بن محمّد الذي روى عنه المفيد ، لأنّه أمّا أحمد بن محمّد بن يحيى أو أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، وكلاهما غير موثقين.

على أنّهما مخدوشتان من حيث الدلالة أيضاً ، وذلك لأنّهما وردتا في المرأة الّتي انقطع منها الدم فلا تدري أطهرت أم لم تطهر ، وقد دلّتا على أنّها إذا أرادت أن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٢ ، ٤ ، والثانية معتبرة لعين ما ذكر السيِّد الأُستاذ ( دام ظلّه ) في تصحيح طريق الشيخ قدس‌سره إلى أحمد بن محمّد بن عيسى ، وحاصل ذلك :

أنّ الشيخ يروي جميع روايات وكتب محمّد بن علي بن محبوب بطريق آخر معتبر ، فضعف هذا الطريق لا يضر.

١٩٠

[٨١٨] مسألة ٩ : إذا استمرّ الدم إلى ما بعد العادة في الحيض يستحب لها الاستظهار‌ (*) بترك العبادة (١) يوماً أو يومين أو إلى العشرة على نحو ما مرّ في الحيض.

______________________________________________________

تستخبر حالها فكيفية الاستخبار أن تستدخل قطنة ... إلخ.

فهما واردتان لبيان كيفية استعلام حالها إذا أرادت ذلك ، ولا دلالة لهما على وجوب ذلك في حقّها بوجه ، نعم هذا واجب على الحائض لرواية أُخرى معتبرة سنداً (٢) قدّمناها في مبحث الحيض (٣).

إذا استمرّ الدم إلى ما بعد العادة‌

(١) قدّمنا في مبحث الحيض (٤) أنّ الحائض يجب عليها الاستظهار بترك العبادة يوماً واحداً ، ويستحب لها الاستظهار بيومين أو بثلاثة أو بعشرة ، لأنّه الّذي يقتضيه الجمع بين الأخبار الدالّة على أنّها تستظهر بيوم أو بيومين أو بثلاثة أو بعشرة.

ودعوى أن اختلاف الأخبار في التحديد يكشف عن استحباب الاستظهار في حقّها.

مندفعة بأن ما دلّ منها على وجوب الاستظهار عليها بيوم واحد رواية معتبرة لا معارض لها بوجه ، فلا مناص من الأخذ بها ، نعم في الزائد على اليوم يحكم فيه بالاستحباب جمعاً بين الأخبار.

وهكذا الكلام في النّفاس ، لدلالة الأخبار على أنّها تستظهر بيوم أو بيومين فالاستظهار واجب بيوم ومستحب في ما عداه.

ويدلُّ على ذلك جملة من الأخبار :

__________________

(*) الظاهر وجوبه بيوم وتتخير بعده بين الاستظهار وبيومين أو إلى العشرة وعدمه.

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٨ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ١.

(٢) راجع شرح العروة ٧ : ٢٥١ وما بعدها.

(٣) في شرح العروة ٧ : ٢٥١ وما بعدها.

١٩١

منها : ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال ... عن مالك بن أعين قال « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النّفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم؟ قال : نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدّة حيضها ثمّ تستظهر بيوم ... » (١).

وإنّا وإن ذكرنا أن طريق الشيخ إلى ابن فضال ضعيف إلاّ أنّه فيما إذا روى الشيخ عنه في كتابه من غير واسطة ، فإن طريقه إليه ، على ما ذكره في المشيخة (٢) ضعيف ، لاشتماله على أحمد بن عبدون وابن الزُّبير.

وأمّا إذا روى الشيخ عنه في نفس الكتاب بطريق معتبر فلا كلام في اعتبار الرواية حينئذ ، لدلالته على أن للشيخ إليه في هذه الرواية طريقين أحدهما معتبر على الفرض ، والأمر في المقام كذلك كما لا يخفى على من راجع الوافي (٣) والتهذيب (٤) ، فلا إشكال في الرواية من حيث السند ، ودلالتها ظاهرة.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة الدالّة على أنّ النّفساء أكثر نفاسها ثمان عشرة ، حيث ورد في ذيلها « ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو بيومين » (٥).

وهي وإن حملناها على التقيّة بالإضافة إلى أكثر النّفاس نظراً إلى اختلاف نسخها ، إلاّ أنّه غير مستلزم لحملها على التقية في هذا الحكم أيضاً ، حيث إنّها مشتملة على حكمين ولا مناص من حملها في أحدهما على التقيّة ، وأمّا في الآخر فلا موجب لرفع اليد عنه بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٣ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٤ ، ٣٩٥ / ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ( المشيخة ) ١٠ : ٥٥.

(٣) الوافي ٦ : ٤٨١ / ب حدّ النفاس ح ١٣.

(٤) والطريق الآخر أخبرني جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، التهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٥ ، وأمّا الطريق المذكور في الفهرست [ ٩٢ / ٣٨١ ] والمشيخة [ ١٠ / ٥٥ ] ، فإنّه ضعيف بابن الزُّبير ، وأمّا أحمد بن عبدون فإنّه ثقة على الأظهر لأنّه من مشايخ النجاشي قدس‌سره ، هذا مضافاً إلى ما تقدّم مراراً من تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضال من جهة طريق النجاشي إليه.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٨٧ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١٥.

١٩٢

[٨١٩] مسألة ١٠ : النّفساء كالحائض (١) في وجوب الغسل بعد الانقطاع أو بعد العادة‌ ، أو العشرة في غير ذات العادة ، ووجوب قضاء الصّوم دون الصّلاة‌

______________________________________________________

ومنها : صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : النّفساء تكف عن الصلاة أيامها الّتي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة » (١).

وذلك لأنّها عبّرت بالمكث وأنّ النّفساء تكف عن الصلاة أيامها الّتي كانت تمكث فيها ولم تعبر بأيامها أو بعادتها ، ومن الظاهر أن الحائض يجب عليها المكث يوماً واحداً للاستظهار ، فهو من أيام مكثها ، بمعنى أن دمها إذا تجاوز عن عادتها في شهرين أو أزيد ومكثت يوماً واحداً للاستظهار صدق أنّه يوم كانت تمكث فيه في الحيض ، فلا بدّ من أن تمكث فيه في النّفاس أيضاً. إذن دلّت الصحيحة على أنّ النّفساء كما تمكث أيام عادتها تمكث يوماً واحداً بعدها للاستظهار.

نعم ، بين الاستظهار في الحيض والنّفاس فرق ، وهو أنّ الاستظهار بثلاثة أيام غير وارد في رواية معتبرة في النّفاس ، لكنّه وردت رواية معتبرة فيه في الحائض (٢) وعليه فالنّفساء مخيرة في الاستظهار بين يومين أو عشرة أيام. وأمّا الحائض فهي مخيرة بين الاستظهار بيومين وثلاثة وعشرة.

نعم ، ورد الاستظهار في حقّ النّفساء بثلاثة أيام في رواية المنتقى عن الجوهري (٣) ، وهي ضعيفة على ما تقدم ، فلا دليل على استحباب الاستظهار لها بثلاثة أيام.

النّفساء كالحائض‌

(١) الحكم بأنّ النّفساء كالحائض إن كان مستنداً إلى الإجماع فيدفعه أن تحصيل الإجماع التعبّدي غير ممكن في المسألة ، والإجماعات المنقولة لا اعتبار بها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١.

(٢) راجع الوسائل ٢ : ٣٠٠ / أبواب الحيض ب ١٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٨٦ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ١١. منتقى الجمان ١ : ٢٣٥.

١٩٣

وعدم جواز وطئها وطلاقها ومسّ كتابة القرآن واسم الله وقراءة آيات السجدة (*) ودخول المساجد والمكث فيها ، وكذا في كراهة الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل ، وكذا في كراهة الخضاب وقراءة القرآن ونحو ذلك ،

______________________________________________________

وإن كان مستنداً إلى ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الحائض مثل النّفساء سواء (٢) ، ففيه أنّ الرواية الدالّة على ذلك وإن كانت معتبرة من حيث السند ، إلاّ أن دلالتها على المدّعى قابلة للمناقشة من جهتين :

إحداهما : أنّها لو دلّت فإنّما تدلّ على أنّ الحائض مثل النّفساء سواء ، فيترتب على الحائض ما كان يترتب على النّفساء ، لا أنّ النّفساء مثل الحائض ليترتب عليها ما يترتب على الحائض كما هو المدّعى.

ثانيتهما : أنّا لو سلمنا دلالتها على ذلك فغاية ما يستفاد منها أنّهما سواء في الحكم الّذي ورد في الرواية ، حيث إن زرارة سأله عن « النّفساء متى تصلّي؟ فقال : تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت ( استذفرت ) وصلّت ، فإن جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثمّ صلّت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد ، قلت : والحائض؟ قال : مثل ذلك سواء » (٣).

فلا يستفاد منها سوى اتحادهما في الحكم المذكور من وجوب الصلاة والغسل عليها لكل صلاتين وللغداة وغير ذلك ممّا ذكرته الرواية ، إلاّ أنّها لا تدلّ على أن أيّ حكم ثبت لأحدهما يثبت للآخر أيضاً.

وإن استند في ذلك إلى رواية مقرّن عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سأل‌

__________________

(*) حرمتها وحرمة دخول المساجد والمكث فيها على النّفساء لا تخلو عن إشكال.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) نفس المصدر.

١٩٤

سلمان قدس‌سره علياً عليه‌السلام عن رزق الولد في بطن امّه ، فقال عليه‌السلام إنّ الله تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن امّه » (١).

ففيه : أنّ الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بغير واحد من رجاله كمقرّن لجهالته ، ومحمّد بن علي الكوفي وغيرهما مخدوشة بحسب الدلالة ، لأنّها دلّت على أنّ الحيض يحبس في بطن المرأة رزقاً لولدها ، وأمّا أنّ الخارج بعد الولادة حيض فلا دلالة فيها على ذلك بوجه ولو ضعيفاً ، إذ الحيض إنّما يحبس في بطنها بمقدار يرتزق به الولد لا الزائد على ذلك حتّى يكون الخارج بعد الولادة حيضاً ، وإنّما هو نفاس مستند إلى الولادة.

إذن لا دليل على الكبرى المدعاة من أنّ النّفساء كالحائض في أحكامها ، ولا بدّ في كل حكم من التبعية لدليله ، فنقول :

لا إشكال في أنّ النّفساء لا تجب عليها الصلاة ولا قضاؤها ، كما لا يجب عليها الصِّيام ولكن تقضيه بعد نفاسها ، وكذا يحرم وطؤها ما دام لم ينقطع دمها ، كل ذلك لدلالة الأخبار المعتبرة عليه (٢).

وكذا لا إشكال في عدم جواز مسّ النّفساء الكتاب العزيز ، لما قدّمناه في مبحث الحيض (٣) من أن ذلك لا يختص بالحيض والجنابة ، وإنّما هو حكم لمطلق المحدث لما دلّ (٤) على النهي عن مسّه من غير طُهر مستشهداً بقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٥).

وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سنداً كما مرّ ، إلاّ أنّ الرواية غير منحصرة بها‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨١ ٣٩٦ / أبواب النّفاس ب ١ ، ٣ ، ٦ ، ٧ وغيرها.

(٣) شرح العروة ٧ : ٣٣٧.

(٤) الوسائل ١ : ٣٨٥ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٥.

(٥) الواقعة ٥٦ : ٧٩.

١٩٥

لدلالة غيرها من الأخبار المعتبرة على عدم جواز مسّ الكتاب من غير وضوء (١) وقد قلنا إن مقتضى ذلك عدم جواز مسّه من دونه مطلقاً ولو مع الاغتسال ، إلاّ أنّ الأدلّة الدالّة على إغناء الغسل عن الوضوء (٢) دلّتنا على جوازه مع الغسل أيضاً وحيث إنّ النّفساء لا يصح منها الوضوء ولا هي مغتسلة فلا يجوز لها مسّ الكتاب كالحائض.

وأمّا حرمة قراءة العزائم ودخول المسجدين والمكث في بقية المساجد فلم يثبت شي‌ء منها في النّفساء ، لاختصاص دليلها بالحائض والجنب ، فالحكم بالحرمة فيها مبني على الاحتياط استحباباً لا وجوباً ، لضعف ما دلّ على اشتراك الحائض والنّفساء في أحكامهما (٣) ، وقد تقدّم اشتراكهما في الاستظهار.

ولا إشكال في اشتراكهما في عدم جواز الطلاق ، لدلالة الأدلّة على اشتراط كونها في الطّهر (٤) ، والنّفساء ليست كذلك.

وأمّا كراهة وطئها بعد الانقطاع وقبل الغسل وكراهة غيره ممّا ذكره في المتن فلم يقم دليل معتبر على اعتبارها في حقّ النّفساء ، بل تبتني على التساوي بينها وبين الحائض ، وقد عرفت منعه.

نعم ، ورد فيما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال أنّ « المرأة تحرم عليها الصلاة ثمّ تطهر فتتوضأ من غير أن تغتسل ، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : لا حتّى تغتسل » (٥).

وقد حملت على الكراهة بقرينة الأخبار المجوزة ، وهي مطلقة تشمل النّفساء أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٤ / أبواب الجنابة ب ٣٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٥٣ و ٥٦ / أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٤ و ٢٦.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٢٦ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٧ ، [ التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٧٩ ] ، وتقدّم [ في ص ١٩٢ ] اعتبار طريق الشيخ إلى ابن فضّال.

١٩٦

إلاّ أنّها ضعيفة لضعف طريق الشيخ إلى ابن فضال ، فالحكم بكراهة وطئها حينئذ مبني على التسامح في أدلّة السنن على نحو يشمل المكروهات أيضاً. وكذلك الحال في غيره من المكروهات الواقعة في كلامه قدس‌سره ، فإنّها ممّا لا دليل معتبر عليه.

استدراك

ذكرنا أن كراهة وطء النّفساء بعد انقطاع دمها وقبل الاغتسال لم يثبت بدليل معتبر ، وذلك لأن ما دلّ على المنع عن وطئها قبل الاغتسال رواية معتبرة ، وهي ما رواه الشيخ عن ابن فضال بطريق معتبر ، وقد دلّت على أنّ النّفساء يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أحب (١).

وما ادعي دلالته على جوازه قبل الاغتسال فهو روايتان كلتاهما عن الشيخ عن ابن فضال ، وفي إحداهما عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن علي بن يقطين عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء » (٢).

وفي الأُخرى عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام من غير واسطة ، ولأجلهما حمل المنع في الرواية المانعة على الكراهة جمعاً بينهما كما صنعوا في الحيض مثل ذلك.

إلاّ أنّ الروايتين ضعيفتان ، أمّا الاولى فلأنّ الشيخ رواها عن ابن فضال بطريق معتبر إلاّ أنّها ضعيفة بالإرسال. وأمّا الثانية فلأنّ الشيخ رواها عن ابن فضال بطريقه الضعيف الّذي فيه ابن عبدون وابن الزُّبير.

هذا على أنّهما إنّما وردتا في الحائض. وأمّا ما صنعه صاحب الوسائل قدس‌سره من نقلهما في النّفساء فلم يظهر لنا وجهه ، فإنّ الروايتين اشتملتا على ضمير « ها » من غير تصريح بالحائض ولا النّفساء ، وإنّما قلنا باختصاصهما بالحائض من‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩٥ / أبواب النّفاس ب ٧ ح ١ التهذيب [ ١ : ١٧٦ / ٥٠٥ ]. وتقدّم وجه اعتباره في أوّل هذه المسألة.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٥ / أبواب النّفاس ب ٧ ح ٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٤ ، التهذيب ١ : ١٦٦ / ٤٧٦.

١٩٧

وكذا في استحباب الوضوء في أوقات الصلاة والجلوس في المصلّى والاشتغال بذكر الله بقدر الصلاة ، وألحقها بعضهم بالحائض في وجوب الكفارة إذا وطأها ، وهو أحوط لكنّ الأقوى عدمه (١).

______________________________________________________

جهة أنّ الشيخ نقلهما في الحائض واستدلّ بهما على جواز وطئها قبل الاغتسال ، وهو قرينة اختصاصهما بالحائض.

ثمّ لو أبيت عن ذلك فالروايتان مجملتان ، لعدم الدليل على ورودهما في الحائض أو في النّفساء فلا يبقى مجال للاستدلال بهما على الجواز ليجمع بينهما وبين الخبر المانع بحمله على الكراهة كما في الحيض ، فالحكم بالكراهة لا دليل عليه.

ولكنّا مع ذلك أي مع اعتبار دليل المنع نلتزم بجواز وطئها قبل الاغتسال كما في الحائض لا على كراهة ، وذلك لما ذكرناه في مبحث الحيض من جريان السيرة بين أصحاب الأئمة عليهم‌السلام والمتدينين على وطء الحائض والنّفساء قبل الغسل وذلك لأنّ الإماء والجواري كانت متداولة في تلك الأعصار من غير شبهة ، وقد كانت جملة منهن نصرانية أو مجوسية أو غيرهما من الفرق والأديان ، وهنّ لا يغتسلن بعد الحيض والنّفاس ، ولو اغتسلن فلا يصح منهنّ الاغتسال ، ومع ذلك لا نحتمل اجتنابهم عن الإماء بعد رؤيتهن الحيض مرّة أو ولادتهنّ كذلك ، لعدم اغتسالهنّ أو بطلانه وبهذه السيرة

نحكم بجواز وطئهما قبل الاغتسال.

إلحاق النّفساء بالحائض في وجوب الكفّارة بوطئها‌

(١) ألحق بعضهم النّفساء بالحائض في وجوب الكفّارة إذا وطئها زوجها ، والمصنف استقوى عدم الإلحاق وإن كان أحوط ، مع أنّه قدس‌سره التزم بالإلحاق في غيرها ومن ثمة حكم على النّفساء بحرمة الدخول في المسجدين والمكث في المساجد وغير ذلك ، مع أنّه لم يقم دليل معتبر على حرمة ذلك على النّفساء.

والصحيح ما أفاده قدس‌سره ، لعدم إمكان الإلحاق في الكفّارة وإن قلنا بالإلحاق في غيرها ، وذلك لأنّ العمدة في الإلحاق هو الإجماع وما دلّ على أنّها الحائض‌

١٩٨

[٨٢٠] مسألة ١١ : كيفية غسلها كغسل الجنابة (١)

______________________________________________________

سواء (١) كما مرّ ، لضعف الرواية الثانية المستدل بها على الإلحاق (٢) من حيث الدلالة أو بحسب الدلالة والسند كما مرّ.

والنظر في كلمات الأصحاب والتأمّل فيها يشهد على أن مرادهم من التساوي بينهما إنّما هو في الأحكام المرتبة على الحائض ، وأن ما يحرم عليها يحرم عليها وما يجب عليها يجب عليها وما يكره لها يكره لها وهكذا ، وكذلك الرواية دلّت على تساويهما في وجوب الغسل لكلّ صلاتين ونحوه ممّا ذكر في الرواية.

وأمّا التساوي من حيث وطء الزوج في الحكم المتعلق بغير النّفساء وأن زوج النّفساء كزوج الحائض في ترتب الكفارة على وطئه فهو أمر أجنبي عن مفاد كلماتهم وعن الرواية ولم يقم عليه دليل.

نعم ، لو قلنا بالتساوي لم يجز للنفساء التمكين لزوجها كالحائض ، إلاّ أن زوجها إذا كان مجنوناً أو صغيراً أو أجبرها على الوطء وجب عليه الكفارة أو استحبت ، وهو حكم آخر مترتب على الحائض دون النّفساء ويحتاج إلى دليل.

وعلى الجملة : إنّ الحكم بالكراهة أو الوجوب أو الاستحباب في تلك الموارد مبني على الإلحاق ، وقد عرفت أنّه لا دليل معتبر عليه.

كيفية غسل النّفاس‌

(١) لأنّ الغسل كالوضوء له طبيعة واحدة لا تختلف بحسب مواردها وأقسامها فكما أنّ الوضوء غسلتان ومسحتان في جميع الموارد كذلك الغسل هو عبارة عن صبّ الماء على الرأس والبدن على الكيفية المتقدِّمة في غسل الجنابة حسبما يستفاد من الأخبار (٣).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٢٩ / أبواب الجنابة ب ٢٦.

١٩٩

إلاّ أنّه لا يغني عن الوضوء (*) ، بل يجب قبله أو بعده كسائر الأغسال (١).

فصل

في غسل مسّ الميِّت‌

يجب بمس ميت الإنسان بعد برده وقبل غسله (٢)

______________________________________________________

من دون فرق بين مواردها ، فإن ورود الكيفية في غسل الجنابة لا يقتضي اختصاص الكيفية به كما ذكرناه في غسل الحيض ، لأنّ الغسل أمر معهود في الأذهان ، فإذا أُمر به في أي مورد استفيد منه تلك الكيفية من دون فرق بين مواردها.

هل يغني غسل النّفاس عن الوضوء؟

(١) الكلام في إغناء غسل النّفاس عن الوضوء هو الكلام بعينه في إغناء غسل الحيض عنه ، وحيث إنّا بنينا على إغناء كل غسل عن الوضوء فلا مناص من الالتزام بإغناء غسل النّفاس عنه أيضاً وإن كان التوضؤ أحوط ، وإذا أراد الاحتياط بالتوضؤ فليتوضأ قبل الاغتسال حتّى لا يحتمل كونه بدعة بعد الاغتسال.

هذا تمام الكلام في النّفاس والحمد لله ربّ العالمين.

فصل في غسل مسّ الميِّت‌

(٢) وجوب غسل مسّ الميِّت متسالم عليه بين الأصحاب ، وهل وجوبه نفسي أو شرطي يأتي عليه الكلام عند تعرّض الماتن له إن شاء الله.

ولا يحتاج في الاستدلال على وجوبه إلى التسالم والاتفاق ، لدلالة جملة من‌

__________________

(*) الظاهر إغناؤه عنه وكذا غيره من الأغسال إلاّ غسل الاستحاضة المتوسّطة.

٢٠٠