موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

والأحوط كون ذلك بعد الغسل (١) والمحافظة عليه بقدر الإمكان (*) تمام النهار إذا كانت صائمة (٢).

______________________________________________________

أحوطية كون الاحتشاء بعد الغسل‌

(١) لم يرد بذلك الإشكال في جواز الاحتشاء قبل الوضوء والاغتسال ، وذلك للقطع بأنها إذا احتشت قبلهما ومنعت عن خروج الدم فلا دم حال الغسل والوضوء ليكون فيه شائبة إشكال.

بل نظر بذلك إلى أنها لو اغتسلت قبل الوضوء الأحوط أن تحتشي بعد الغسل لئلاّ يخرج منها الدم حال الوضوء ويحتمل كونه مانعاً ، وأمّا خروجه حال الاغتسال فهو غير مانع قطعاً ، لما دلت عليه الأخبار (٢) من أنها تغتسل فتحتشي ، بمعنى أنها رخصت في الاحتشاء بعد الغسل ، فلو خرج منها الدم حال الاغتسال فهو غير مانع عن الغسل بمقتضى الأخبار.

ولكنك عرفت مما ذكرناه أن هذا الاحتياط مما لا محل له ، لعدم كون الدم بما هو هو موجباً لبطلان الصلاة والطهارة ، وإنما يوجب بطلان الصلاة خاصة فيما إذا أوجب التلويث.

المحافظة على عدم خروج الدم‌

(٢) إن كان نظرهم في ذلك إلى أن صحة صوم المستحاضة يشترط فيها أن تأتي بأغسالها ومع خروج الدم في أثناء النهار يبطل غسلها فيبطل صومها ، ففيه : أن ذلك أخص من المدعى ، لأنّا إذا فرضنا أن الدم خرج قبل صلاة الظهر بأن اغتسلت للفجر وصلّت وبعد ذلك خرج منها الدم فوظيفتها حينئذ ليست إلاّ‌

__________________

(*) لا بأس بتركها.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

١٠١

الاغتسال للظهرين والعشاءين ، ولا يجب عليها الاغتسال لصلاة الفجر ليكون بطلانه موجباً لبطلان صومه.

وكذا الحال فيما إذا قلنا إن خروج الدم لا يوجب بطلان غسلها كما بنينا عليه ، فإنه لا يبطل غسلها ليبطل صومها ، بل لو قلنا بأنه يقتضي بطلان غسلها أيضاً لا نلتزم ببطلان صومها ، بل هذا يقتضي أن تعيد غسلها ثانياً لا أنه يقتضي بطلان صومها.

وإن كان نظرهم في ذلك إلى أن دم الاستحاضة حدث ناقض للصوم كدم الحيض والتعمد للبقاء على الجنابة ، ومع خروجه يبطل صومها فيجب عليها قضاؤه.

فيدفعه : أن قياس دم الاستحاضة بدم الحيض مع الفارق ، لأن الحائض غير مكلفة بالصيام ليكون الدم ناقضاً لصيامها ، والمستحاضة مأمورة بالصلاة والصيام.

وقياسه بتعمد البقاء على الجنابة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على أنه مثله موجب للانتقاض ، بل الدليل على عدم الانتقاض موجود ، وهو إطلاق أدلّة حصر النواقض وأن الصائم لا يضره ما صنع إذا اجتنب أربع خصال (١) ، وليس منها خروج الدم ، ففي المقدار الذي دلّ الدليل على ناقضيته نرفع اليد عن إطلاقها ، ويبقى بالإضافة إلى غيره سليماً عن التقييد ، هذا.

ويدلُّ عليه ما استدللنا به في غير مورد من أن نفس عدم الاشتهار في المسائل عامّة البلوى دليل على عدم ثبوت الحكم ، واستحاضة النساء وصومهنّ من المسائل التي تعم بها البلوى ، فلو كان خروج الدم منهنّ ناقضاً لصومهنّ أو كان التحفّظ على عدم خروجه شرطاً إلى آخر النهار لشاع ذلك وظهر ووردت فيه روايات وتعرّض له الأصحاب ، وقد عرفت أنّه لم يرد ذلك في شي‌ء من الأدلّة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

١٠٢

[٧٩٦] مسألة ١٠ : إذا قدّمت غسل الفجر عليه لصلاة الليل‌ فالأحوط تأخيرها إلى قريب الفجر فتصلِّي بلا فاصلة (*) (١).

[٧٩٧] مسألة ١١ : إذا اغتسلت قبل الفجر لغاية أُخرى ثم دخل الوقت من غير فصل‌ يجوز لها الاكتفاء به للصلاة (٢).

______________________________________________________

الأحوط تأخير صلاة الليل إلى قرب الفجر‌

(١) تقدّمت هذه المسألة عن قريب (٢) وقلنا إن اغتسال المستحاضة لا بدّ من وقوعه بعد الفجر ، فلا يجزي الاغتسال قبله ، وإن الاغتسال لصلاة اللّيل أو لغيرها من النوافل لم تثبت مشروعيته ، وعلى تقدير مشروعيته فلا دليل على كونه مجزئاً عن الغسل الواجب سواء أصلّت بدون فاصلة أم لم تصلّ.

بعد الوقت يجوز الاكتفاء بالغسل قبله‌

(٢) هذه المسألة تتضمن فرعين :

أحدهما : جواز اغتسال المستحاضة لغاية أُخرى قبل الفجر أو الظهر أو العشاءين كما إذا أرادت أن تمس الكتاب العزيز أو تأتي بغاية اخرى مشروطة بالطهارة ، ويأتي الكلام عليه في أواخر بحث الاستحاضة إن شاء الله.

وثانيهما : كونه كافياً عن الغسل للفجر بعد الوقت إذا صلّت من دون فصل ، وقد ظهر حكمه مما بيناه آنفاً وقلنا إن الغسل للفريضة يعتبر وقوعه بعد الوقت ، فعلى تقدير مشروعية الغسل لغاية أُخرى قبل الوقت لا دليل على إجزائه عن الغسل الواجب بعده.

__________________

(*) تقدّم أنّ الأحوط حينئذٍ إعادة الغسل بعد الفجر وبه يظهر الحال في المسألة الآتية.

(١) في الصفحة ٧٥ ، المسألة [٧٨٩].

١٠٣

[٧٩٨] مسألة ١٢ : يشترط (*) في صحة صوم المستحاضة على الأحوط إتيانها للأغسال النهارية‌ فلو تركتها فكما تبطل صلاتها يبطل صومها أيضاً على الأحوط ، وأمّا غسل العشاءين فلا يكون شرطاً في الصوم وإن كان الأحوط مراعاته (**) أيضاً ، وأمّا الوضوءات فلا دخل لها بالصوم (١).

______________________________________________________

شرطية الأغسال النهارية في صحّة صومها‌

(١) يشترط على المشهور بين الأصحاب لصحة صوم المستحاضة وصلاتها أن تأتي بما هو وظيفتها من الأغسال ، وإذا أخلت بها فكما تبطل صلاتها يبطل صومها أيضاً ، فالأغسال شرط في صحة الصيام ، والمسألة لعلها مورد التسالم والاتفاق. وإنما الكلام في مدركها.

فنقول : قد يستدل على شرطية الأغسال لصوم المستحاضة بالإجماع والتسالم ، ولا إشكال في ذلك على تقدير تمامية الإجماع إلاّ أن تحقق الإجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام في المقام بعيد غايته ، ومن المحتمل أن يكون مدرك التسالم في المسألة صحيحة علي بن مهزيار الآتية فلا يكون الإجماع تعبدياً بوجه.

وأُخرى يستدل على الشرطية بصحيحة علي بن مهزيار قال « كتبت إليه عليه‌السلام امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ، ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز ( يصحّ ) صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر ( فاطمة و) المؤمنات من نسائه بذلك » (٣). حيث دلت على اشتراط صحة‌

__________________

(*) لا يبعد عدم الاشتراط في الاستحاضة المتوسطة.

(**) لا يترك الاحتياط بالنسبة إلى غسل العشاءين لليلة الماضية.

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٩ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٧ ، ١٠ : ٦٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٨ ح ١.

١٠٤

صومها بالإتيان بما هو وظيفة المستحاضة من الأغسال ، ومن هنا حكم بوجوب قضائها له عند تركها الأغسال لبطلان الصوم بدونها.

وقد يناقش في الاستدلال بها من جهة إضمارها ، ويدفعه أن جلالة مقام علي بن مهزيار تأبى عن السؤال من غير الامام عليه‌السلام ، فلا إشكال فيها من تلك الجهة.

وأُخرى يناقش فيها من حيث الدلالة ، وذلك بوجهين :

أحدهما : أن مقتضى الأخبار الواردة في حق فاطمة عليها‌السلام وكذلك العلم الخارجي أنها طاهرة مطهرة لا تستحيض ، فما معنى أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة أن تقضي صومها ولا تقضي صلاتها إذا انقطع حيضها أول يوم من شهر رمضان وصارت مستحاضة.

وثانيهما : أن اشتراط صحة صلاة المستحاضة بالإتيان بوظيفتها أعني الأغسال الثلاثة ممّا كاد يكون من المسائل الضرورية ، فما معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا تقضي صلاتها ».

أمّا المناقشة الأُولى فتندفع :

أوّلاً : بأن فاطمة عليها‌السلام إنما ذكرت في بعض النسخ ، وبعضها خالٍ عن ذكرها عليها‌السلام.

وثانياً : أن الرواية لا دلالة لها على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرها وسائر النساء بذلك لأنه عملهن ، ولعلها أمرها بذلك تعليماً لسائر النساء وبيانها لأحكامهنّ ، لا أنه أمرها لكي تأتي به في عمل نفسها. وهذا هو الصحيح في الجواب.

وأمّا دعوى أن فاطمة عليها‌السلام لعلّها غير بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبنت جحيش أو غيره ، ففيها أن اللّفظة متى أُطلقت تنصرف إلى الفرد المشهور والمعروف ، وعلى ذلك نجري في الرجال ، فلا وجه لدعوى إرادة غير المشهور.

والعمدة هي المناقشة الثانية.

١٠٥

وقد ذكروا في تأويل الصحيحة وجوهاً واحتمالات.

ويحتمل أن يكون في الصحيحة تقديماً وتأخيراً ، وكأنها « تقضي صلاتها ولا تقضي صومها » لعدم اشتراطه بالأغسال ، وقد وقع الاشتباه من الراوي أو النساخ.

نعم هذا مجرد احتمال كبقية الاحتمالات التي ذكرت في المقام.

وتوهم أن الرواية إذا اشتملت على جملتين أو أكثر وكانت جملة أو جملتين منها على خلاف الدليل القطعي لا مانع من رفع اليد عن تلك الجملة وطرحها ، وهذا لا يضر بغيرها من الجملات ، ففي المقام نطرح قوله « ولا تقضي صلاتها » لأنه خلاف الضرورة والمستفاد من الأخبار ، وهو غير مانع من الأخذ بقوله « وتقضي صيامها ».

مندفع : بأن ذلك إنما هو فيما إذا لم تكن الجملتان متصلتين ومرتبطتين على نحو عدّتا عرفاً جملة واحدة ، وأمّا إذا كانتا مرتبطتين كذلك فلا مورد لهذا الكلام ، والأمر في المقام كذلك ، لأنهما من الارتباط بمكان يعدان جملة واحدة ، فإن قوله عليه‌السلام « لا تقضي صلاتها وتقضي صيامها » حكم واحد عرفاً ، فالتفكيك غير ممكن.

والظاهر أن في الرواية سقطاً لا ندري أنه أي شي‌ء ، والدليل على ذلك عدم مناسبة التعليل المعلل به في الرواية ، وذلك لأن ظاهر التعليل أعني قوله « لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر .. » أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مستمرّاً في أمره ذلك ولا يزال ، لكثرة ابتلاء النساء بذلك وسؤالهنّ عن وظيفتهنّ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمرهن بذلك.

وهذا لا بأس بتطبيقه على الحائض والنفساء ، لأن الحيض والنّفاس أمران كثيرا التحقّق والابتلاء ويصح أن يقال فيهما : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمرهنّ ... ، وذلك لأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحائض بقضاء صومها دون صلاتها في غير واحد من الأخبار (١) ، وعلل في بعضها بأن الصوم في السنة إنما يجب مرّة واحدة بخلاف الصلاة (٢).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٧ ، ٣٤٩ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٢ ، ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٥٠ ، ٣٥١ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٨ ، ١٢.

١٠٦

وأمّا في المستحاضة التي ينقطع حيضها أول يوم من شهر رمضان وتستحاض منه فلا ، لأنه أمر نادر جدّاً ولا يصح أن يعلل في مثله بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر ... ، لظهوره في أن ذلك كأنه شغل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وأنه لا يزال مستمرّاً عليه.

على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أي مورد أمر فاطمة عليها‌السلام وسائر المؤمنات بذلك فلا يوجد منه مورد في الروايات ، وبهذا نستكشف أن في الرواية سقطاً ولا ندري أنه أي شي‌ء؟

وعليه فلا يمكن الاعتماد على الصحيحة لكونها مشوشة ، فلا دليل حينئذ على اشتراط صحة صوم المستحاضة بالأغسال الواجبة في حقها.

فالمتحصل : أن صحيحة علي بن مهزيار لا يمكن الاستدلال بها على شرطية الغسل في المستحاضة لصومها ، وذلك لعدم مناسبة التعليل الظاهر في أن مورده من المسائل عامّة البلوى مع المعلل به ، لأنه أمر نادر بل لا نعلم بتحققه أصلاً بأن ينقطع حيضها أوّل يوم من شهر رمضان وتستحاض وتصوم وتصلِّي من غير أن تأتي بوظائف المستحاضة ثم تسأل عن حكمها.

ومن المحتمل القوي بل المطمأن به أن في الرواية سقطاً وأن يكون الحكم فيها حكم الحائض والنفساء دون المستحاضة ، فالحكم بشرطية الأغسال للصوم مبني على الاحتياط كما صنعه الماتن قدس‌سره.

ثم إنه بناء على صحة الرواية دلالة لا بدّ من تخصيص الاشتراط بالمستحاضة الكثيرة دون المتوسطة والقليلة ، أمّا القليلة فظاهرة ، وأمّا المتوسطة فلأن الصحيحة اشتملت على قوله « من الغسل لكل صلاتين » ، ومن الواضح أنه وظيفة المستحاضة الكثيرة ، إذ لا يجب في المتوسطة الغسل لكل صلاتين ، بل يجب فيها الغسل لصلاة الفجر فقط.

نعم ، قد تكلف المستحاضة المتوسطة بالغسل لصلاة الظهرين ، كما إذا أحدثت بعد الفجر وصلاته إلاّ أنه لا بعنوان وجوب الغسل لكل صلاتين ، فيختص اعتبار الغسل في صحة صوم المستحاضة بالكثيرة فحسب.

١٠٧

كما أن مقتضى الجمود على ظاهر الصحيحة اختصاص الحكم بغير الغسل للفجر لأنّ الوارد فيها هو الغسل لكل صلاتين ، وليس في الفجر غسل للصلاتين.

فعلى ذلك لو اقتصرت المستحاضة بالغسل للظهرين والعشاءين وتركت الغسل للفجر صح صومها ، كما أنها لو عكست واغتسلت للفجر دون الظهرين والعشاءين فسد صومها.

عدم وجوب مجموع الأغسال الليلية والنهارية

وهل يجب عليها مجموع الأغسال من الغسل في الليلة السابقة والغسل للظهرين في النهار والغسل للعشاءين في الليلة الآتية بحيث لو تركت شيئاً واحداً منها بطل صومها أو أن الواجب هو الغسل الواحد على البدل؟

أمّا الغسل لليلة الآتية فلا ينبغي التأمّل في عدم مدخليته في صحة صومها لا بالاستقلال ولا بالجزئية ، وذلك لأن الشرط المتأخر وإن كان أمراً معقولاً بل واقعاً في بعض الموارد أيضاً إلاّ أن الأذهان العرفية منصرفة عن مثله ، فلا يستفيدونه من ظواهر الأدلّة إلاّ مع نصب القرينة عليه ، فالغسل لليلة الآتية غير معتبر في صحة صوم المستحاضة لليوم الماضي لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الجزئية ، فيدور الأمر بين الغسل في الليلة السابقة والأغسال النهارية.

أمّا الأغسال النهارية فلعله القدر المتيقن من الغسل في الصحيحة ، لأن موضوع الحكم فيها هو الصائمة المستحاضة ، وهي إنما تكون صائمة في النهار.

على أن المرأة إذا استحاضت في النهار وصامت من غير اغتسال للظهرين يصدق عليها أنها امرأة مستحاضة وصامت من دون أن تعمل عمل المستحاضة ، فالغسل النهاري لا إشكال في إرادته من الرواية الصحيحة.

وأمّا الغسل في الليلة السابقة فهو أيضاً مشمول للرواية ، لأن السائل إنما سأل عن حكم المرأة المستحاضة لما سبق إلى ذهنه من أن الاستحاضة كالجنابة والحيض ، فكما أن المرأة لا بدّ أن تكون طاهرة منهما عند طلوع الفجر وهي شرط في صحة صومها‌

١٠٨

فكذلك الغسل من الاستحاضة ، والإمام عليه‌السلام لم يردعه عن هذا الارتكاز بل حكم ببطلان صومها على تقدير تركها عمل المستحاضة من الغسل.

وعليه فيعتبر في صحة صومها الغسل في الليلة السابقة وفي النهار.

اعتبار المجموع من الغسلين

وهل الواجب هو مجموعهما بحيث لو تركت أحدهما فسد صومها أو المعتبر أحدهما على البدل؟

مقتضى ملاحظة مورد الرواية وإن كان هو الحكم بوجوب أحدهما ، لأن المفروض فيها أنها تركت ما تعمله المستحاضة ، وهذا يتحقق بترك الغسلين ، إلاّ أن السائل كما ذكرنا سأل الإمام عليه‌السلام عن حكم المستحاضة بتوهم أنها كالجنابة والحيض ولم يردعه الامام عليه‌السلام عن ذلك ، وعليه فكما أن الواجب هو غسل الجنابة والحيض معاً لا غسل واحد على البدل أي اللاّزم هو تحصيل الطهارة منهما فكذا الحال في المقام ، فالواجب هو الغسل لكل صلاتين أي المجموع بحيث لو تركت أحدهما فسد صومها ، لا أن الواجب أحدهما على البدل. هذا كلّه في اشتراط صحة صوم المستحاضة بالغسل.

اعتبار الوضوء في صوم المستحاضة

وأمّا الوضوء فهل يعتبر في صحة صومها أو لا يعتبر؟

أمّا بناء على عدم وجوب الوضوء في المستحاضة الكثيرة فلا إشكال في عدم اعتباره في صومها.

وأمّا بناء على القول بوجوبه في الكثيرة فالظاهر اعتباره في صحة صومها ، وذلك لأنها لو تركت وضوءها واغتسلت وصلّت فلا إشكال في بطلان صلاتها لعدم إتيانها بما هو وظيفتها ، فإذا بطلت صلاتها فتارة تعيدها مع الوضوء من دون إخلال بالمبادرة الفورية ، وهذا لا يجب فيه إعادة الغسل ولا يشترط الوضوء في مثله في صوم المستحاضة.

١٠٩

[٧٩٩] مسألة ١٣ : إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلك إلى آخر الوقت‌ انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها تأخيرها إلى ذلك الوقت ، فلو بادرت إلى الصلاة بطلت إلاّ إذا حصل منها قصد القربة وانكشف عدم الانقطاع (١) ،

______________________________________________________

وأُخرى لا تعيدها إلاّ بعد مدة كشهر كما في مورد الرواية حيث إنها لم تعد صلاتها الواقعة من غير غسل ولا غيره حتى خرج شهر رمضان ، كما هو مقتضى قوله « فصلّت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ... » (١) ، وفي مثله بما أن المبادرة الفورية غير متحققة فلا بدّ عند إعادة صلاتها من أن تعيد غسلها أيضاً للإخلال بالمبادرة.

هذا معنى اشتراط الوضوء في صحة صومها ، فإنها لو لم تتوضأ بطلت صلاتها ومع بطلانها والإخلال بالمبادرة يبطل غسلها ، ومع بطلانه يبطل صومها ، فيشترط في صحة صومها أن تتوضأ ، ومجرد إتيانها الغسل من دون أن تأتي بالصلاة لا يقتضي صحة صومها ، فإن المأمور به إنما هو الغسل المتعقب بالصلاة ، وحيث إنها لم تأت بالصلاة لبطلانها بترك الوضوء فلم تأت بالغسل المعتبر في حقها إذا لم تعده على نحو لا يخل بالمبادرة ، ومعه يحكم بفساد صومها لا محالة ، والذي يسهل الخطب أنّا لا نلتزم بوجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة.

علم المستحاضة بانقطاع الدم بعد ذلك‌

(١) يحتمل في عبارة الماتن قدس‌سره أمران :

أحدهما : أن يراد من الفترة فترة تسع الصلاة فحسب ، ويراد بقوله « بعد ذلك » أي بعد إتيانها بالوظائف المقررة للمستحاضة من الاغتسال أو الغسل والوضوء ، وهذا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٩ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٧.

١١٠

الاحتمال وإن كان أنسب إلى اللفظ وعبارة الماتن لقوله « تسع الصلاة » حيث لم يضم إليها الطهارة.

إلاّ أنه فاسد معنى وحقيقة ، وذلك لأنه لا دليل على وجوب تأخير المستحاضة صلاتها وإيقاعها في زمان الفترة بعد اغتسالها وتوضئها قبل زمان الانقطاع ، حيث إن صلاتها حينئذ اضطرارية أي واقعة مع الطهارة الاضطرارية ، فإن خروج دم الاستحاضة ولو آناً ما كاف في الحدث بلا فرق في ذلك بين تأخيرها الصلاة وعدمه.

نعم ، إنما يفرق الحال في قلة الدم وكثرته إلاّ أن الطهارة الاضطرارية لا يفرق فيها بين كون دم الاستحاضة الخارج من المرأة كثيراً وبين كونه قليلاً.

فوجوب التأخير غير ثابت على المستحاضة حينئذ ، بل التأخير غير جائز في حقها لوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الطهارة ، والتأخير إخلال بالمبادرة العرفية ومعه تبطل صلاتها وطهارتها ، فهذا الاحتمال مما لا يمكن نسبته إلى الماتن قدس‌سره.

وثانيهما : أن يراد بالفترة فترة تسع كلا من الطهارة والصلاة ، ويراد بقوله « بعد ذلك » أي بعد كونها مستحاضة ، فهل يجب عليها تأخير صلاتها حينئذ إذا علمت بانقطاع دمها كذلك أو لا يجب؟

ذهب جماعة من المحققين ومنهم الماتن قدس‌سره إلى وجوب تأخيرها ، والظاهر أن الحكم كذلك ، وهو يتوقف على بيان أمرين :

أحدهما : أن طهارة المستحاضة وصلاتها صلاة وطهارة اضطرارية وليست اختيارية ، بمعنى أن تكليف المستحاضة تكليف اضطراري ، وذلك لأنّا وإن أسلفنا أن ما دلّ على وجوب الصلاة في حقها ليس تخصيصاً في أدلة اشتراط الصلاة بالطهارة ، لأنها من الأركان التي تبطل بفقدانها ، وإنما هو تخصيص في أدلة ناقضية الدم كما هو الحال في المسلوس والمبطون ، إلاّ أنه لا إشكال في أن طهارتها بالاغتسال والتوضؤ طهارة اضطرارية وليست اختيارية بوجه ، ويدلُّ على ذلك أُمور :

١١١

منها : قوله عليه‌السلام في بعض الروايات المتقدمة « تقدم هذه وتؤخر هذه » (١).

ومنها : قوله عليه‌السلام « تتوضأ لكل صلاة » (٢) كما في المتوسطة بل وفي الكثيرة أيضاً على مسلك المشهور ، وذلك لأن طهارتها لو كانت اختيارية لم تكن أيّ حاجة إلى الجمع بين الصلاتين ولا إلى تجديد الوضوء لكل صلاة ، بل كان يجوز لها أن تفرّق بينهما وأن تكتفي بوضوء واحد في الجميع ما لم تحدث بحدث آخر.

فوجوب الجمع بين الصلاتين ووجوب تجديد الوضوء عليها لكل صلاة يدلاّن على أن في المستحاضة اقتضاء الحدث ، وإنما لا يكون ناقضاً في المقدار الثابت بالدليل أعني زمان غسلها وطهارتها وجمعها بين الصلاتين ، وفي المقدار الزائد على ذلك يؤثر المقتضي أثره وهو النقض.

ومنها : صحيحة زرارة حيث ورد فيها الأمر بالصلاة في حق المستحاضة والنهي عن تركها لها بقوله : « لا تدعي الصلاة على حال ، الصلاة عماد دينكم » (٣).

فهذا كالصريح في أن المستحاضة فيها المقتضي لترك الصلاة إلاّ أنها لا تتركها لأنها عماد الدين ، فيجوز لها الغسل والوضوء والجمع بين الصلاتين بالمقدار الذي دلّ عليه الدليل.

ومنها : ما ورد في مرسلة يونس الطويلة من قول السائل « وإن سال؟ » قال : « وإن سال مثل المثعب » (٤) لدلالته على أن حدثية الاستحاضة كالحيض أمر ثابت في الأذهان ، ومن هنا سأله السائل بقوله « وإن سال؟ » إلاّ أنه عليه‌السلام أمر بوجوب الصلاة في حقها وإن الاستحاضة غير الحيض.

فهذه الوجوه المذكورة تدلنا على أن تكليف المستحاضة تكليف اضطراري وأن طهارتها من غسل ووضوء طهارة اضطرارية نظير طهارة المتيمم أو المسلوس‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١. وفيها « وصلّت كل صلاة بوضوء ».

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١.

١١٢

والمبطون أو الغسل والوضوء مع الجبيرة وغير ذلك من ذوي الأعذار وليست طهارة اختيارية ، ولعلها ظاهرة.

وثانيهما : أن المرتكز في أذهان كل ملتفت أن الأمر بالبدل الاضطراري إنما هو مع عدم التمكّن من المبدل منه الاختياري وأن التكليف الاضطراري يرتفع مع التمكّن من الاختياري ، فمع تمكن المكلف من الوصول إلى الماء بعد ساعة ولو في قعر بئر لا يراه المتشرعة مكلفاً بالتيمم ، لأنه متمكن من الوضوء مع قطع النظر من أي رواية ودليل.

وعليه فإذا كانت المستحاضة متمكنة من الصلاة والطهارة الاختياريتين أي مع الطهارة الواقعية لا تكون مأمورة بالطهارة والصلاة الاضطراريتين بالارتكاز.

وهذه القرينة المتصلة أعني الارتكاز لا تبقي مجالاً للتمسك حينئذ بإطلاقات الأخبار الآمرة بأنها تتوضأ وتغتسل وتصلِّي (١) من غير تفصيل بين صورتي علمها بانقطاع دمها بعد ذلك وعدمه ، بل لا بدّ من حملها على صورة عدم علم المستحاضة بحدوث فترة تسع طهارتها وصلاتها.

ودعوى أن حمل المطلقات على المرأة غير العالمة بالانقطاع حمل لها على مورد نادر ، لأن الغالب في المستحاضة علمها بانقطاع دمها في شي‌ء من الأزمنة دعوى عجيبة ، إذ أية مستحاضة تعلم بالانقطاع إلاّ في بعض الموارد ، نعم المستحاضة تحتمل الانقطاع ، وأمّا أنها تعلم به فلا.

هذا على أنه لا إطلاق في الأخبار في نفسها ، لأن ظاهرها إرادة مستمرة الدم وأنها التي تغتسل لكل صلاة أو تتوضأ لها ، ومع الانقطاع لا موضوع للروايات.

وأمّا ما عن بعضهم من أن الانقطاع إذا كان انقطاع فترة لا برء فهو كزمان عدم الانقطاع محكوم بالحدث والاستحاضة ، فإن الطّهر بين الاستحاضة كالطهر الأقل من عشرة أيام الواقع بين الحيضة الواحدة ملحق بالاستحاضة والحيض ، ومع كون المرأة مستحاضة حتى في حال الانقطاع لا وجه لوجوب التأخير في حقها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

١١٣

بل يجب التأخير (*) مع رجاء الانقطاع (١) بأحد الوجهين حتى لو كان حصول الرجاء في أثناء الصلاة ، لكن الأحوط إتمامها ثم الصبر إلى الانقطاع.

______________________________________________________

فمندفع بأن أيام الطّهر خارجة عن الاستحاضة والمرأة فيها غير محكومة بالاستحاضة ، ولا يجب عليها مع الطّهر أن تغتسل لكل صلاتين أو تتوضأ لكل صلاة وإنما قلنا بأن الطّهر بين الحيضة الواحدة بحكم الحيض ، للدليل الدال على أن المرأة إذا رأت الحيض ثلاثة أيام ثم انقطع يوماً مثلاً ثم رأت الدم بعد ذلك أيضاً فهو من الحيض ، ولا دليل على ذلك في المقام ، فالمرأة في أيام الانقطاع ولو لفترة طاهرة حقيقة. هذا كله في صورة العلم بالانقطاع.

فتحصل : أنها في صورة العلم بالبرء أو الفترة الواسعة لا يجوز أن تقدِّم صلاتها وسائر أعمالها ، بل لا بدّ من تأخيرها إلى تلك الفترة ، فلو صلّت قبل ذلك بطلت.

اللهمّ إلاّ أن تغفل فيتمشّى منها قصد القربة فيحكم حينئذ بصحة صلاتها إذا انكشف عدم الانقطاع واقعاً ، وأمّا إذا كان منقطعاً فلا ، كما يظهر مما ذكرناه آنفاً.

وجوب التأخير مع رجاء الانقطاع‌

(١) بأن احتملت الانقطاع ولم تعلم به ، وقد حكم في المتن بوجوب التأخير حينئذ ، وذلك لما بنى عليه وصرح به في أوائل بحث الأوقات (٢) من أن البدار لذوي الأعذار على خلاف القاعدة ، بل مقتضاها وجوب التأخير إلاّ في المتيمم لأن البدار سائغ في حقه بالنص.

وذكرنا نحن في محلِّه أن البدار جائز لجميع ذوي الأعذار ، وهو على طبق القاعدة إلاّ في المتيمم لعدم جواز البدار في حقه للنص ، عكس ما أفاده قدس‌سره.

__________________

(*) الظاهر عدمه ، نعم لو انقطع الدم بعد ذلك فالأحوط إعادة الصلاة.

(١) في المسألة [١٢٠٣].

١١٤

[٨٠٠] مسألة ١٤ : إذا انقطع دمها فإما أن يكون انقطاع برء أو فترة تعلم عوده أو تشك في كونه لبرء أو فترة‌ ، وعلى التقادير (١) إما أن يكون قبل الشروع‌

______________________________________________________

والوجه فيما أفاده قدس‌سره أن المأمور به الاضطراري إنما هو في طول الواجب الاختياري ، ومع التمكّن منه لا مساغ للاضطراري ، ومعه لا بدّ في الإتيان به من إحراز عجزه عن المأمور به الاختياري ، ومع عدم إحرازه والشك فيه لا يمكن الإتيان به ، وإنما خرجنا عن ذلك في التيمم للرواية.

ولكنّا ذكرنا في محلِّه أن المأمور به الاضطراري وإن كان في طول الواجب الاختياري إلاّ أنه يكفي في إحراز العجز عن الواجب الاختياري استصحاب بقاء عجزه إلى آخر الوقت ، وهو حجة شرعية كافية في الإحراز. وعليه فجواز البدار لجميع ذوي الأعذار على طبق القاعدة.

وخرجنا عنها في التيمم لما ورد من أنه يطلب الماء ، فإن فاته الماء لا تفوته الأرض (١) فمقتضاه عدم جواز البدار في حق المتيمم.

وعلى ذلك لا مانع في المقام من البدار للمستحاضة باستصحاب عدم تمكنها من إتيان وظائفها في حالة عدم الدم.

وأمّا إذا استصحبته فاغتسلت وصلّت ثم انكشف الخلاف وتمكنت من الصلاة والطهارة طاهرة فيأتي عليه الكلام في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.

صور انقطاع الدم‌

(١) الصور في المقام ثلاثة ، لأن البرء أو الفترة إما أن يحصلا قبل شروعها في وظائفها من الغسل والوضوء والصلاة ، وإما أن يحصلا في أثنائها أي بعد الشروع في الوضوء أو الغسل وقبل إتمام الصلاة وإما أن يحصلا بعد الإتيان بوظائفها.

أمّا إذا حصلا قبل أن تأتي بوظائفها فلا إشكال في أنها لا بدّ أن تأتي بها في زمان الفترة أو البرء.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٤ ، ٣٨٥ / أبواب التيمم ب ٢٢ ح ١ ، ٣ ، ٤.

١١٥

في الأعمال أو بعده أو بعد الصلاة ، فإن كان انقطاع برء وقبل الأعمال يجب عليها الوضوء فقط أو مع الغسل والإتيان بالصلاة. وإن كان بعد الشروع استأنفت. وإن كان بعد الصلاة أعادت إلاّ إذا تبيّن كون الانقطاع قبل الشروع في الوضوء والغسل.

______________________________________________________

وأمّا إذا حصلا في الأثناء فلا بد من أن تستأنف أعمالها ، وذلك لما أسلفنا من أن دم الاستحاضة على ما يستفاد من الأخبار حدث رافع للطهارة وناقض لها ، وإنما خرجنا عن إطلاق دليل الناقضية في مستمرة الدم إذا توضأت واغتسلت وصلّت ، وأمّا مع الانقطاع وعدم استمرار الدم فلا دليل على عدم كون الدم الخارج في الأثناء ناقضاً لطهارتها ، بل مقتضى إطلاق الدليل هو الانتقاض ، ومعه لا بدّ من أن تستأنف إعمالها في زمان البرء أو الفترة.

وأمّا إذا حصلا بعد إتيانها بوظائفها ، وذلك إما لقطعها بعدم حصول البرء أو الفترة الواسعة إلى آخر الوقت أو لغفلتها أو للتمسك باستصحاب بقاء عجزها عن الإتيان بصلاتها طاهرة ولذا شرعت في إعمالها ثم بعد ذلك انكشف الخلاف ، فهل تجب عليها إعادة إعمالها كما بنى عليه الماتن وجماعة ، أو لا تجب عليها الإعادة كما عن صاحب الجواهر (١) وشيخنا الأنصاري (٢) وغيرهما؟ فيه خلاف.

والوجه في الحكم بالإعادة في المستحاضة أنها إنما أتت بأعمالها حسب الأمر التخيلي أو الظاهري ، ومع انكشاف الخلاف لا وجه لعدم وجوب الإعادة عليها ، حيث لا دليل على إجزاء الإتيان بالمأمور به الخيالي أو الظاهري عن الواجب الواقعي ، هذا.

والصحيح عدم وجوب الإعادة ، وذلك لا لإجزاء الأمر التخيّلي أو الظاهري عن المأمور به الواقعي ، بل للأمر الواقعي الاضطراري ، فإن قوله عليه‌السلام « تقدِّم‌

__________________

(١) الجواهر ٣ : ٣٣٢ / في الاستحاضة.

(٢) كتاب الطهارة : ٢٥٤ السطر ١٤ / التنبيه الثاني في الاستحاضة.

١١٦

وإن كان انقطاع فترة واسعة فكذلك على الأحوط (*) (١) ،

______________________________________________________

هذه وتؤخِّر هذه » (٢) تجويز للبدار في حق المستحاضة ، لأنه بمعنى الجمع بين الصلاتين لدرك وقت الفضيلة ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين كون المرأة شاكة في انقطاع دمها لبرء أو فترة وبين كونها عالمة بعدم الانقطاع أو كانت غافلة ، وذلك للإطلاق.

نعم قلنا إن صورة العلم بالانقطاع خارجة عن الإطلاقات بقرينة الارتكاز كما مرّ.

هذا على أن حصول الانقطاع بعد الإتيان بالطهارة والصلاة أمر متعارف ، كحصوله قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما ، إذ ليس للانقطاع وقت معين ، فقد ينقطع في أول الوقت قبل الطهارة والصلاة ، وقد ينقطع في أثنائهما ، وقد ينقطع في آخر الوقت ، بل لعله الغالب في الليل لأن الغالب إتيان الصلاة في أوله ، فالانقطاع لو حصل فإنما يحصل غالباً بعد الصلاة ، فلا مانع من شمول الإطلاق لتلك الصورة.

بل عدم تعرضهم لوجوب الإعادة حينئذ مع كون الانقطاع بعد الصلاة أمراً متعارفاً يكشف عن عدم وجوب الإعادة حينئذ وأن الإتيان بالواجب الاضطراري مجزئ عن المأمور به الاختياري.

فالحكم بعدم وجوب الإعادة إنما هو لذلك لا لكون الأمر الخيالي أو الظاهري مجزئاً عن الواقع ، فعلى ذلك لا يبعد الحكم بعدم وجوب الإعادة وإن كان وجوبها أحوط كما أشرنا إليه في التعليقة.

(١) لأنها كانقطاع برء ، والمرأة فيها محكومة بالطهارة ، وليس حكمها حكم النقاء المتخلل أثناء الحيضة الواحدة في كونه ملحقاً بالحيض ، لأنه إنما كان للدليل ولا دليل عليه في المقام ، والمستحاضة بمعنى مستمرّة الدم ، ومع الانقطاع لا تكون مستحاضة بوجه.

__________________

(*) حكم الفترة الواسعة حكم البرء على الأظهر ولكن تقدّم أنّ وجوب الإعادة مبني على الاحتياط.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

١١٧

وإن كانت شاكّة في سعتها أو في كون الانقطاع لبرء أم فترة لا يجب عليها الاستئناف (*) أو الإعادة (١) ، إلاّ إذا تبين بعد ذلك سعتها أو كونه لبرء.

______________________________________________________

بل الحال كذلك لغة ، لأنّ الاستحاضة من الحيض الذي هو بمعنى الدم ، ومع عدمه لا استحاضة في البين ، فحكم الفترة الواسعة حكم البرء.

صور الشك في سعة الفترة‌

(١) للشك في سعة فترة الانقطاع صور ثلاث :

الاولى : أن تعلم بالانقطاع وتشك في أنه انقطاع برء أو انقطاع فترة واسعة.

وهذه الصورة خارجة عن محل الكلام ، لأن الفترة كالبرء فهي عالمة بطهارتها بمقدار يسع الصلاة والطهارة.

الثانية : أن يحصل لها الانقطاع ولكنها شكت في أنه انقطاع برء حتى تتمكّن من الطهارة والصلاة مع الطهارة من الدم ، أو أنه انقطاع فترة غير واسعة فلا تتمكّن منهما في حالة الطّهر.

الثالثة : أن يحصل لها الانقطاع وتعلم أنه ليس بانقطاع برء وإنما هو فترة ، ولكنها شكت في أنها تسع للطهارة والصلاة أو أنها مضيقة لا تسعهما.

وهاتان الصورتان هما محل الكلام في المقام ، وقد حكم قدس‌سره بعدم وجوب الإعادة لو كان بعد الصلاة ، وعدم وجوب الاستئناف لو كان في أثنائها.

ولعلّه قدس‌سره يرى أن المقام من موارد الشك في التكليف ، حيث إن المرأة بعد ما أتت بوظيفتها أو شرعت فيها تشك في أنها مكلفة بتكليف زائد وهو التكليف بالطهارة والصلاة بعد ذلك أو لم يتوجه إليها تكليف زائد من الوضوء أو الغسل أو‌

__________________

(*) الأحوط وجوب الاستئناف فيما إذا علمت أن الفترة تسع الطهارة وبعض الصلاة أو شكت في ذلك فضلاً عما إذا شكت في أنها تسع الطهارة وتمام الصلاة أو أنّ الانقطاع لبرء أو فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة.

١١٨

[٨٠١] مسألة ١٥ : إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى‌ ، كما إذا انقلبت القليلة متوسطة أو كثيرة أو المتوسطة كثيرة ، فإن كان قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال (١) ،

______________________________________________________

الصلاة ، ومع الشك في التكليف يرجع إلى البراءة عن التكليف المحتمل فلا يجب عليها الإعادة ولا الاستئناف ، هذا.

والصحيح وجوبهما عند الشك أيضاً ، وذلك للاستصحاب ، حيث إن المرأة في أوّل آن الانقطاع طاهرة قطعاً ، سواء أكان الانقطاع انقطاع برء أو فترة ، فإذا شكّت في أن طهارتها باقية مطلقاً إذا احتملت البرء أو بمقدار تسع الطهارة والصلاة إذا احتملت الفترة ، فمقتضى الاستصحاب بقاء طهارتها مطلقاً أو بمقدار تتمكن المرأة فيه من الطهارة والصلاة ، فهي كالعالمة بالبرء أو الفترة الواسعة ، لأن الاستصحاب كما يجري في الأُمور السابقة يجري في الأُمور الاستقبالية.

وعليه فيجري في هذه الصورة كما يجري في صورة العلم بالبرء أو الفترة الواسعة.

ثم لو فرضنا عدم جريان الاستصحاب فالمورد مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة ، لأنها بعد دخول الوقت تعلم بتوجه التكليف بالصلاة إليها ، فلا مناص من أن تخرج عن عهدته ، وهو لا يكون إلاّ بالإتيان بوظيفتها ، ولا تدري أنّ ما أتت به وظيفتها حينئذ ، فلا تقطع بالإتيان بوظيفتها إلاّ أن تعيد طهارتها وصلاتها بعد حصول الانقطاع.

هذا كله فيما إذا قلنا بوجوب الإعادة عند العلم بالبرء أو الفترة الواسعة ، وأمّا إذا قلنا بعدم وجوب الإعادة في صورة العلم فعدم وجوبها في صورة الشك بطريق أولى.

انقلابات الاستحاضة وصورها‌

(١) قد تكون الاستحاضة على حالة واحدة ، وهي التي تقدم حكمها بما لها من الأقسام. وقد تتبدّل حالاتها وتنقلب.

١١٩

فتعمل عمل الأعلى ، وكذا إن كان بعد الصلاة فلا يجب إعادتها ، وأمّا إن كان بعد الشروع قبل تمامها فعليها الاستئناف والعمل على الأعلى حتى إذا كان الانتقال من المتوسطة إلى الكثيرة فيما كانت المتوسطة محتاجة إلى الغسل وأتت به أيضاً ، فيكون أعمالها حينئذ مثل أعمال الكثيرة ، لكن مع ذلك يجب الاستئناف ، وإن ضاق الوقت عن الغسل والوضوء أو أحدهما تتيمم بدله ، وإن ضاق عن التيمم أيضاً استمرت (١) على عملها ، لكن عليها القضاء على الأحوط.

______________________________________________________

والتبدّل قد يكون من الأدنى إلى الأعلى ، كالقليلة تتبدّل بالكثيرة أو المتوسطة. أو المتوسطة تتبدّل بالكثيرة ، وهي ثلاث صور.

وقد تكون من الأعلى إلى الأدنى ، كما إذا تبدّلت الكثيرة بالمتوسطة أو بالقليلة أو تبدّلت المتوسطة بالقليلة ، فهذه صور ست.

تبدّل القليلة بالكثيرة

الصورة الأُولى : ما إذا تبدّلت القليلة بالكثيرة ، فإن كان ذلك قبل أن تشرع في أعمالها فلا إشكال في وجوب أعمال المستحاضة الكثيرة في حقها ، لارتفاع القليلة على الفرض ولا أثر لها بعد تحقق الكثيرة بوجه ، لأن دمها ثقب الكرسف وتجاوز عنه فيشملها إطلاق وجوب الغسل لكل صلاتين أو مع الوضوء بناء على وجوبه في الكثيرة.

وأمّا إذا تبدّلت بعد الإتيان بأعمالها فلا تجب إعادة أعمالها بوجه ، لأن المرأة أتت بوظائفها وهي طاهرة ، والحدث المتأخِّر لا يوجب بطلان الأعمال السابقة ، نعم أثرها يظهر في الأعمال اللاّحقة بعد الحدث.

__________________

(*) الحكم بالاستمرار حينئذ مبنيّ على الاحتياط ، والظاهر وجوب القضاء عليها مع الاستمرار أيضاً.

١٢٠