الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن وعلم البيان

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن وعلم البيان

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٧

ولا مضمارها من حلبات ميدانهم ، والله سبحانه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة أحمرهم وأسودهم قال الله تعالى : ( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ). وقال تعالى : ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ) ولا يثبت إعجازه على الكافة الاّ بما يعزب على الكافة الاتيان بمثله مع اعترافهم بان في مقدورهم من جنسه ولو جاء موسى لقومه بالفصاحة ، وعيسى لبني اسرائيل بالبراعة لما قامت لهما على قومهما بذلك حجة .. وقال قوم : إنما وقع إعجازه بما فيه من المعاني الخفية والجلية وفنون العلوم النقلية والعقلية .. وأصحاب هذا القول لهم في ذلك خمسة مذاهب منهم من قال اعجازه فيما جاء فيه من أخبار القرون السالفة في الأزمنة الخالية والأعصر الماضية في الأماكن القاصية والدانية ، وقصص الأنبياء مع أممها مما التمسوه منه مثل قصة أهل الكهف وقصة الخضر وموسى عليهما الصلاة والسلام ، وحال ذي القرنين ، ومما لم يسألوه عنه من قصص بقية الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين مع تحققهم أنه أمي لا يحسن الكتابة ولا تقدمت منه دراسة ولا سبقت منه رحلة ، ولا انتهت اليه نحلة ، ولم يكن بأرضه من يعلم بالأخبار ، ويقتفي الآثار سوى أهل الكتاب الذين صرح بسبهم وأطلق لسانه في ثلبهم وضلل عقولهم وهجن طريقهم وأظهر معايبهم ، ولو كان أحد منهم أطلعه على شيء ذلك أو اعلمه به لقابلوه بالإفصاح في الرد عليه ، ولملئوا الأرض بالتشنيع والتقريع ، وحيث لم ينقل ذلك علم أنه لم يعلمه بشر وليس ذلك إلا من جهة الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، مع أنه قد تعرض جماعة من سفهائهم فقالوا :ما أخبر الله عنهم : ( إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) وكانوا يقولون : إنه سلمان الفارسي وغيره ، فرد الله سبحانه عليهم بقوله : ( لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ).

وقد اعترض على هذا القول بأنّ بعض سور القرآن ليس فيها شيء

٣٨١

من ذكر القرون الماضية والأعصر الخالية ، وتلك السورة معجزة قد تحداهم الله بالاتيان بمثلها فلم يقدروا .. ومنهم من قال إعجازه بما فيه من الاخبار بما يكون ، وما كان ، مما وقع على حكم ما أخبر به مثل قوله تعالى : ( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ ) إلى آخرها وقوله : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ). وقوله تعالى : ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ ) الآية وقوله : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ). وقوله : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) الآية. وقوله : ( قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ ) الآيتان. وقوله : ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ). وقوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) الآية. وقوله : ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ). وقوله : ( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) الآية. وقوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ ) وقوله : ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً ). وقوله : ( مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ). وقوله : ( يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ). وقوله : ( وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ). وقوله : ( مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ). وقوله : ( يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ). وقوله : ( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ). وقوله : ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) إلى غير ذلك مما كشف به أخبار المارقين ، وأسرار المنافقين ، وكان جميعه كما أخبره وصدق الله ورسوله. وقد اعترض على هذا القول بأن بعض سور القرآن ، ليس فيها شيء من الأخبار بالمغيبات ، وتلك السور معجزة قد تحداهم الله بالإتيان بمثلها ، فلم يقدروا على ذلك وضاقت عليهم مع فصاحتهم المسالك ..

ومنهم من قال إعجازه بما احتوى عليه من العلوم التي لم يسبق إليها أحد من البشر قبل نزوله ولا اهتدت إليها فطن العرب ولا غيرهم من الأمم .. وقد اعترض على هذا القول بأنه قد وجد في السنة ، وكلام

٣٨٢

العرب مثل هذا ولم يعد معجزة .. ومنهم من قال إعجازه حصل بما فيه من نشاط القلوب الواعية ، وغير الواعية إليه واقبالها بوجه المودة عليه واستحلاء طعم عذوبة ألفاظه ومعانيه وهشاشتها بما يتردد عليها من مبشراته المبهجة ومحذراته المزعجة وآياته المقلقة وأخباره المونقة مع كثرة قرعه للأسماع وصدعه بما يخالف الطباع ، ومع ذلك فالقلوب مقبلة على اذكاره راغبة في تكراره شجية عند سماع مزماره يجد ذلك منهم البر والفاجر والمؤمن والكافر ، قال الله تبارك وتعالى : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ) الآية .. وروى أن نصرانيا مرّ بقارئ فوقف يبكي فقيل له مم بكاؤك؟ قال : الشجا والنظم .. وفي الحديث الذي وصف به النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عبره ولا تفنى عجائبه ، هو الفصل ليس بالهزل لا تشبع منه العلماء ، ولا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، وهو الذي لم تلبث الجن حين سمعته أن قالوا : ( إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ) الآيات .. وقد اعترض على هذا القول بأنه قد يوجد في السنة ، وكلام فصحاء العرب ، وأشعار فحول الشعراء ما يحسن موقعه ، وتشرئب النفوس إلى سماعه ، ولا تمله على تكراره.

ومنهم من قال : إعجازه بما يقع في النفوس منه عند تلاوته من الروعة ، وما يملأ القلوب عند سماعه من الهيبة ، وما يلحقها من الخشية سواء كانت فاهمة لمعانيه ، أو غير فاهمة أو عالمة بما يحتويه ، أو غير عالمة كافرة بما جاء به أو مؤمنة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :« القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم » فهذه الغيبة لم تزل تعتري من سمعه ، وقد اعترت جماعة من الصحابة قبل الاسلام وبعده ، فمات منهم خلق كثير من المؤمنين ، وسلبت به عقول كثير من الموقنين وتدلهت به ألباب جماعة من المحسنين. وقد صح أن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما

٣٨٣

بلغ هذه الآية : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ). إلى قوله تعالى ( الْمُصَيْطِرُونَ ) كاد قلبي أن يطير. وفي رواية : أول ما وقر الايمان في قلبي .. وروى أن عتبة بن ربيعة كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما جاء به من خلاف قومه فتلا عليهم : حم فصّلت. إلى قوله : ( صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) فأمسك عتبة على في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وناشده الرحم أن يكف. وفي رواية :فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق بيده خلف ظهره معتمدا عليها ، حتى انتهى إلى السجدة ، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قومه ، حتى أتوه فاعتذر اليهم ، وقال : لقد كلمني كلاما ما سمعت أذناي بمثله قط ، فما دريت ما أقول له ، ومثل هذا كثير .. وأما من مات عند سماع تلاوة القرآن من المؤمنين وزال عقله وتدله من المحبين ، وراجع الأمر من المذنبين العاصين ، فكثير لا يمكن حصره ولا يسعنا هاهنا ذكره ، فكتب الرقائق فيها من ذلك كثير ..

وقد اعترض هذا القول بأن جماعة من أرباب القلوب وذوي الاستغراق في بديع أوصاف المحبوب حصل له من سماع بعض الأشعار وما أخرجه عن طوره وربما مات على فوره .. وقال قوم : اعجازه حفظ آياته من التبديل ، وصون كلماته من النقل والتحويل ، ولا يستطيع أحد أن يتحيف منه سمطا ، ولا يزيده شكلا ، ولا نقطا ولا يدخل فيه كلمة من غيره ، ولا يخرج منه أخرى ، ولا يبدل حرفا بحرف ، وذلك من آياته الكبرى ، وكم جهد أهل العناد في ذلك ، فما قدروا له ، وما استطاعوا ، وكم قصدوا تحريفه فأبى الله ذلك ، فأذعنوا له وأطاعوا ..

روى أن يهوديا تكلم في مجلس المتوكل فأحسن الكلام وناظر فعلم أنه من جملة الأعلام ، وناضل فتحققوا أنه مسدد السهام ، فدعاه

٣٨٤

المتوكل إلى الاسلام فأبى ، وأقام لفرط الإباء على مذهب الآباء بعد أن بذل له المتوكل ضروبا من الأنعام ، وصنوفا من الرفعة والإكرام ، وراجعه في ذلك مرة بعد أخرى ، فلم يزده ذلك إلاّ طغيانا وكفرا فغاب عنه مدة ، ثم دخل إلى مجلسه وهو يعلن الاسلام ويدين دينه فقال له المتوكل : أسلمت؟ قال : نعم ، قال ما سبب إسلامك؟ فقال : لما قطعت من عنقي قلادة التقليد ، وصرت من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت في الاديان ، وطلبت الحق حيث كان فأخذت التوراة ، فنظرت فيها وتدبرت معانيها وكتبتها بخطي وزدت فيها ونقصت ، ودخلت بها السوق وبعتها ، فلم ينكر أحد من اليهود منها شيئا ، وأخذت الإنجيل وزدت فيه ونقصت ، ودخلت به السوق وبعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئا ، وأخذت القرآن وقرأته وتأملته فإذا : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) كتبت وزدت فيه ونقصت ودخلت به السوق وبعته ، فنظر فيه المسلمون فعرفوا المواضع التي زدت فيها ونقصت ، وردوا كل كلمة إلى موضعها ، وكل حرف إلى مكانه فعلمت أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، فآمنت به وصدّقت ما جاء به.

٣٨٥

فصل

اختار القاضي عياض وجماعة أن الاعجاز الظاهر المتحقق إنما هو في الأربعة الأول حسن تأليفه ، والتئام كلمه وفصاحته ووجوه ايجازه ، وبلاغته الخارقة عادات العرب. الثاني : صورة نظمه العجيب الأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب. الثالث : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات ، وما لم يكن ، ولم يقع فوجد كما أخبر. الرابع : ما أتى به من اخبار القرون السالفة ، والأمم البائدة والشرائع الدائرة ، وما عدا هذه الأربعة ، وما دلت عليه خصائص تفرّد بها ومآثر يستأثر بحصولها .. وقال قوم : وجوه اعجازه ثمانية ، وقد قدّمناها في الفصل الذي قبل هذا الفصل ، زاد بعضهم على هذا ، ونقص آخرون ..

وقال قوم : اعجازه في خروج الاتيان بمثله عن مقدور البشر .. وقال قوم : اعجازه صرف الله خلقه عن القدر على الإتيان بمثله ، ولو لا ذلك لدخل تحت مقدورهم .. وقد اعترض على هذا القول بوجوه ثلاثة. الأول : أن عجز العرب عن المعارضة لو كان من أجل أن الله تعالى عجزهم عنها ، بعد أن كانوا قادرين عليها لما كانوا مستعظمين لفصاحته ، بل يجب أن يكون تعجبهم من تعذر ذلك عليهم ، بعد أن كان مقدورا لهم كما أن نبيا لو قال معجزتي أني أضع يدي على رأسي ، هذه الساعة ، ويكون ذلك متعذرا عليكم ، ويكون الأمر كما زعم لم

٣٨٦

يكن تعجب القوم من وضعه يده على رأسه ، بل من تعذر ذلك عليهم ، ولما علمنا بالضرورة أن تعجب العرب كان من فصاحة القرآن نفسه بطل القول بالصرف.

الثاني : لو كان كلامهم مقاربا في الفصاحة قبل التحدي لفصاحة القرآن ، لوجب أن يعارضوه بذلك ، ولكان الفرق بين كلامهم بعد التحري وكلامهم قبله ، كالفرق بين كلامهم بعد التحري وبين القرآن ، ولما لم يكن كذلك بطل ذلك. الثالث : أن نسيان الصيغ المعلومة في مدة يسيرة يدل على زوال العقل ، ومعلوم أن العرب ما زالت عقولهم بعد التحدي فبطل أن يكون الإعجاز بالصرف ، بل الإعجاز ليس بالصرف ..

وكل واحد من هذه الأقوال يحتمل أن يكون معجزة إذا تحدّى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعجزوا عن الاتيان بمثل ما تحدى به ، وسمي هذا القول معجزة لتعجيزه من رام معارضته والإتيان بمثله ، لانها اسم فاعل من أعجزت يقال : أعجزت هذه القصة فهي معجزة .. والذي يتعين اعتقاده أن القرآن بجملة ألفاظه ومعانيه وبعضه وكله معجزة ، إما لسلب قدرتهم عن الإتيان بمثله ، وإما لصرفهم عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدى به وعرض عليهم الاتيان بمثله فعجزوا عن ذلك ، ولأن الله سبحانه أخبر انهم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، أو عشر سور من مثله ، فعجزوا عن ذلك ، أو سورة منه ، أو آية لتحديه صلى الله عليه وسلم بها ، وعجزهم عن الإتيان بمثلها هذا الذي وقع عليه تصريح الكتاب ، وصريح الخطاب ، ولا مرية في ذلك ، ولا خلاف.

فإن قال قائل : إن سورة من القرآن معجزة ، ومع هذا إنها لم تحتو على جميع ما أودع القرآن من الايجاز وضروب البيان وعذوبة المساق ،

٣٨٧

وغرابة الأسلوب والاخبار عن القرون السالفة في الأعصر الماضية إلى غير ذلك مما تقدم ذكره.

فالجواب عنه : أن السورة من القرآن جامعة لجميع ما ذكرناه ، إما منطوق به أو مشار إليه ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ) فما وقع التحدي إلا بسورة منكرة ، أي سورة كانت ، فهذا دليل على أن القرآن العظيم ، قد احتوت أقصر سورة فيه من المعاني البديعة والفصاحة التي تسدّ بها عن معارضته الذريعة ، ونضرب لك مثالا ليتحقق عندك ما ذكرناه فنقول سورة الكوثر أقصر سورة ، وفيها من الألفاظ البديعة الرائقة التي اقتضت بها أن تكون مبهجة ، والمعاني المنيعة الفائقة التي اقتضت بها أن تكون معجزة أحد وعشرون ثمانية في قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) وثمانية في قوله : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) وخمسة في قوله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) أما الثمانية التي في قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) فالاول ان قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) دلّ على عطية كثيرة مسندة إلى معط كبير ، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده ، وأراد بالكوثر الخير الكثير ، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته. جاء في قراءة عبد الله ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ـ النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم ـ ومن الخير الذي وعد به ما أعطاه الله في الدارين من مزايا التعظيم والتقديم والثواب ما لم يعرفه الا الله. وقيل : إن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه احلى من كل شيء ، وعلى حافاته أواني الذهب والفضة كالنجوم ، أو كعدد النجوم.

الثانية : أنه جمع ضمير المتكلّم ، وهو يشعر بعظم الربوبية .. الثالثة : إنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية وتحقيق على ما بينا في باب التقديم والتأخير .. الرابعة : أنه صدر الجملة بحرف التوكيد

٣٨٨

الجاري مجرى القسم .. الخامسة : أنه أورد الفعل بلفظ الماضي دلالة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة ، ودلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع .. السادسة : جاء بالكوثر محذوف الموصوف ، لأن المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الإيهام والشياع ، والتناول على طريق الاتساع .. السابعة : اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة .. الثامنة : أتى بهذه الصفة مصدرة باللام المعروف بالاستغراق لتكون لما يوصف بها شاملة ، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة.

وأما الثمانية التي في قوله : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) فالأول فاء التعقيب هاهنا ، مستفادة من معنى التسبب لمعنيين. أحدهما جعل الأنعام الكثيرة سببا للقيام بشكر المنعم وعبادته. الثانية جعله لترك المبالاة بقول العدوّ فإن سبب نزول هذه السورة أن العاص بن وائل قال : إن محمدا صنبور ـ والصنبور ـ الذي لا عقب له ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه السورة. الثالثة :قصده بالأمر التعريض بذكر العاص ، وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره ، لغير الله وتثبيت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم واخلاصه العبادة لوجهه الكريم.

الرابعة : أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات أعني الأعمال البدنية التي الصلاة قوامها والمالية التي نحر الإبل سنامها للتنبيه على ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الاختصاص في الصلاة التي جعلت فيها قرة عينه ، ونحر الابل التي همته فيه قوية.

روي عنه صلى الله عليه وسلم : أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل في أنفه برة من ذهب. الخامسة : حذف اللام الأخرى لدلالة الأولى عليها. السادسة : مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صنعة البديع إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ، ولم يكن متكلفا. السابعة : قوله ـ لربك ـ

٣٨٩

فيه حسنان. وروده على طريق الالتفات التي هي أم من الأمهات.

وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر وفيه اظهار لكبرياء شأنه واثباته لعز سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء ـ يأمرك أمير المؤمنين بكذا ـ وعن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه حين خطب الأزدية إلى أهلها فقال خطب اليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم. الثامنة : علّم بهذا أن من حقوق الله التي تعبد العباد بها إنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه .. وأما قوله : جل جلاله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) ففيه خمس فوائد. الأولى : أنه علل الأمر بالاقبال على شأنه ، وترك الاحتفال بشانيه على سبيل الاستئناف الذي هو حسن حسن الموقع ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه. الثانية ويتجه أن نجعلها جملة الاعتراض مرسلة ارسال الحكمة الخاتمة الاغراض كقوله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) وعنى بالشانئ العاص بن وائل. الثالثة : إنما لم يسمعه باسمعه ليتناول كل من كان في مثل حاله. الرابعة : صدر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم وعبر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ، ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق ، بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي ، والحسد وعين البغضاء ، والحرد ، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد.

الخامسة : جعل الخبر معرفة وهو الابتر ، والشانئ حتى كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور. ثم هذه السورة مع علو مطلعها وتمام مقطعها واتصافها بما هو طراز الأمر كله من مجيئها مشحونة بالنكث الجلائل مكتنزة بالمحاسن غير القلائل ، فهي خالية عن تصنع من يتناول التنكيت ويعمل بعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت.

قال المصنف عفا الله عنه : والأقرب من هذه الأقاويل الى الصواب

٣٩٠

قول من قال : إن اعجازه بحراسته من التبديل والتغيير والتصحيف والتحريف والزيادة والنقصان ، فإنه ليس عليه إيراد ولا مطعن.

وقال بعض العلماء : إن إعجازه إنما وقع بكون المتكلم به عالما بمراده من كل كلمة ، وما يليق بها ، وما ينبغي ان يلائمها من الكلام ، وما يناسبها في المعنى لا يختفي عنه ما دق من ذلك ، وما جل ولا مصرف كل كلمة ، ولا مآلها وغير الله تعالى لا يقدر على ذلك ، لأنه أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ، وهذا القول من الأقوال التي لا مطعن عليها .. وقد عدد العلماء وجوها من اعجازه غير ما ذكرناه الأولى أن تعد من خصائصه.

وقال قوم : اعجازه من جهة أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة قائمة بالذات ، وإن العرب اذا تحدوا بالتماس معارضتهم له والاتيان بمثله أو بمثل بعضه كلفوا ما لا يطاق. ومن هذه الجهة وقع عجزهم. وهذا القول أيضا حسن والله أعلم.

٣٩١

فصل

فيما احتوى عليه هذا الكتاب العزيز من تلوين الخطاب ومعدوله ، وفنون البلاغة وضروب الفصاحة ، وأجناس التجنيس وبدائع البديع ومحاسن الحكم والامثال مفصلا ، ومجملا خاطب العرب بلسانهم لتقوم به الحجة عليهم والخطاب الوارد عليهم ينقسم إلى قسمين ، باق على أصل مدلوله وموضوعه ، ومعدول به عن حقيقته إلى مسموعه ، والمجموع ما عدل ، وما لم يعدل مائة وعشرون قسما.

الأول : خطاب عام وهو ما أريد به جميع من يعقل مثل قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ) وقوله : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ).

الثاني : خطاب خاص بلفظ عام كقوله تعالى : ( أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) وقوله تعالى : ( هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ).

الثالث : خطاب الجنس مثل قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ ).

الرابع : خطاب النوع مثل قوله تعالى : ( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ويريد بني آدم من صلبه خاصة وقوله تعالى : ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ).

الخامس : خطاب العين كقوله تعالى : ( يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ

٣٩٢

وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا. يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ) السادس : خطاب المدح مثل قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ).

السابع : خطاب الذم كقوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا ).

الثامن : خطاب الكرامة كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ).

التاسع : خطاب الإهانة كقوله تعالى : ( فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ).

العاشر : خطاب الجمع بلفظ الواحد كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ).

الحادي عشر : خطاب الواحد بلفظ الجمع كقوله تعالى : ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) خاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله : ( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ). ومنه قوله : ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) خاطب بذلك أبا بكر رضي‌الله‌عنه حين حرم مسطحا رفده حين تكلم في حديث الافك.

الثاني عشر : لمالك خازن النار تقديره ألق ألق ، وقد سمع عن بعض العرب يا حرسي اضربا عنقه ـ وقد حمل بعض الائمة قول امرئ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

على هذا المحمل.

٣٩٣

الثالث عشر : خطاب العين والمراد به الغير كقوله تعالى يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) والمراد به أمته.

الرابع عشر : الخروج بخطاب الحضرة الى الغيبة مثل قوله تعالى : ( حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ).

الخامس عشر : الخروج من الغيبة الى الحضور كقوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ). وقوله تعالى : ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ).

السادس عشر : خطاب التحنن مثل قوله تعالى : ( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) إلى قوله : ( تَشْعُرُونَ ).

السابع عشر : اطلاق اسم العلم على المعلوم.

الثامن عشر : إطلاق المعلوم على العلم.

التاسع عشر : اطلاق القدرة على المقدور.

العشرون : اطلاق اسم الإرادة على المراد.

الحادي والعشرون : إطلاق اسم المراد على الإرادة.

الثاني والعشرون : إطلاق اسم الفعل على أول جزء منه ، وعلى آخر جزء منه.

الثالث والعشرون : إطلاق اسم الأمل على المأمول.

الرابع والعشرون : إطلاق اسم الوعد والوعيد على الموعود.

٣٩٤

الخامس والعشرون : إطلاق اسم العقد والعهد على الملتزم بهما ،

السادس والعشرون : إطلاق اسم البشرى على المبشر به.

السابع والعشرون : إطلاق اسم القول على المقول.

الثامن والعشرون : إطلاق اسم النبأ على المنبأ به.

التاسع والعشرون : إطلاق الإسم على المسمى.

الثلاثون : إطلاق اسم الكلمة على المتكلم.

الحادي والثلاثون : اطلاق اسم اليمين على المحلوف عليه.

الثاني والثلاثون : إطلاق اسم الحكم على المحكوم به.

الثالث والثلاثون : إطلاق العزم على المعزوم عليه.

الرابع والثلاثون : إطلاق اسم الهوى على المهوى.

الخامس والثلاثون : إطلاق اسم الظن على المظنون.

السادس والثلاثون : إطلاق المحب على المحبوب.

السابع والثلاثون : إطلاق اسم الظن على المظنون.

الثامن والثلاثون : اليقين على المتيقن.

التاسع والثلاثون : إطلاق اسم الشهوة على المشتهى.

الأربعون : إطلاق اسم الحاجة على المحتاج.

الحادي والاربعون : اطلاق اسم السبب على المسبب.

الثاني والأربعون : إطلاق اسم الكتابة على الحفظ.

الثالث والاربعون : إطلاق اسم السمع على القبول.

الرابع والاربعون : إطلاق اسم الايمان على ما نشأ عنه.

الخامس والاربعون : إطلاق اسم المسبب على السبب.

٣٩٥

السادس والاربعون : إطلاق اسم العقوبة على الإساءة.

السابع والأربعون : اطلاق اسم الأكل على الأخذ.

الثامن والأربعون : إطلاق اسم الغلبة على المقاتلة التي هي سبب عنها.

التاسع والأربعون : اطلاق اسم الرّجز والرجس على عبادة الأصنام.

الخمسون : اطلاق اسم المغفرة على التوبة.

الحادي والخمسون : إطلاق اسم الكبرياء على الملك.

الثاني والخمسون : إطلاق اسم القوة على السلاح.

الثالث والخمسون : إطلاق اسم الإعطاء والإيتاء على الالتزام.

الرابع والخمسون : إطلاق اسم الفعل على غير فاعله.

الخامس والخمسون : إطلاق اسم الفعل على سببه.

السادس والخمسون : إطلاق اسم الفعل على الأمر به.

السابع والخمسون : إطلاق اسم البعض على الكل.

الثامن والخمسون : إطلاق اسم الكل على البعض.

التاسع والخمسون : إطلاق اسم القيام على الصلاة.

الستون. إطلاق اسم الركوع عليها.

الحادي والستون : اطلاق اسم السجود عليها.

الثاني والستون : اطلاق اسم القراءة عليها.

٣٩٦

الثالث والستون : إطلاق اسم التسبيح عليها.

الرابع والستون : اطلاق اسم الذكر عليها.

الخامس والستون : إطلاق اسم الاستغفار عليها.

السادس والستون : إطلاق اسم الذقن على الوجه.

السابع والستون : إطلاق اسم الأنف على الوجه.

الثامن والستون : إطلاق اسم الرقبة على الجملة.

التاسع والستون : إطلاق اسم اليدين على الجملة.

السبعون : إطلاق اسم اليمين على الجملة.

الحادي والسبعون : إطلاق اسم العضد على الجملة.

الثاني والسبعون : اطلاق اسم الأصابع على الأرجل.

الثالث والسبعون : اطلاق اسم الوجه على الجملة.

الرابع والسبعون : إطلاق اسم بعض الرأس على الرأس.

الخامس والسبعون : إطلاق اسم بعض الأذن على الأذن.

السادس والسبعون : وصف الوجه بالخشوع والخشوع انما يكون في القلوب.

السابع والسبعون : وصفها بالرضى.

الثامن والسبعون : وصف الجميع بما هو وصف البعض.

التاسع والسبعون : اطلاق اسم الفعل على مقاربه ومساوقه الثمانون : إطلاق اسم الفعل على ما كان عليه.

٣٩٧

الحادي والثمانون : إطلاق اسم الشيء على ما يؤول اليه.

الثاني والثمانون : إطلاق اسم المتوهم على المتحقق.

الثالث والثمانون : إطلاق اسم الشيء على ما يظنه الناظر ، وهو على خلافه.

الرابع والثمانون : التعبير بالأذن عن المشيئة.

الخامس والثمانون : إطلاق اسم الشيء على ما لازمه.

السادس والثمانون : إطلاق اسم الحال على المحل.

السابع والثمانون : إطلاق اسم الأفواه على الألسن.

الثامن والثمانون : التعبير بالألسنة عن اللغات.

التاسع والثمانون : إطلاق ترك الكلام على الغضب.

التسعون : التعبير بالإياس عن العلم.

الحادي والتسعون : التعبير بالدخول عن الوطء.

الثاني والتسعون : إطلاق اسم الأسد على الشجاع.

الثالث والتسعون : إطلاق اسم الفوز والحياة على الإيمان.

الرابع والتسعون : إطلاق اسم الظلمة والموت على الجهل.

الخامس والتسعون : إطلاق اسم السراج والنور على الهادي.

السادس والتسعون : إطلاق اسم الحطب على النميمة.

السابع والتسعون : إطلاق اسم الإنسان على تمثاله.

الثامن والتسعون : التجوز بالماضي عن المستقبل.

التاسع والتسعون : التجوز عن الماضي بالمستقبل.

٣٩٨

المائة : إطلاق اسم الخبر عن النهي.

الحادي بعد المائة : إطلاق لفظ الخبر عن الدعاء.

الثاني بعد المائة : إطلاق الأمر على الخبر.

الثالث بعد المائة : توكيد الخبر.

الرابع بعد المائة : التجوز بجواب الشرط عن الأمر.

الخامس بعد المائة : التجوز بلفظ النهي عن أشياء ليست مرادة بالنهي ، وإنما يراد بها ما يقاربها ويلازمها.

السادس بعد المائة : التجوز بالنهي لمن لا يصح نهيه ، وإنما المراد به من يصح نهيه.

السابع بعد المائة : التجوز بنهي من يصح نهيه والمنهي في الحقيقة غيره.

الثامن بعد المائة : التجوز بهل عن الأمر والنهي والتقرير.

التاسع بعد المائة : التجوز بهمزة الاستفهام عن الأمر والإيجاب والتقرير والتوبيخ.

العاشر بعد المائة : التجوز بفي ويتجوز بها في مواضع قد تقدم ذكرها في فصل المجاز.

الحادي عشر بعد المائة : التجوز بعلى ويتجوز بها في مواضع مضى ذكرها في باب المجاز عن ، عن ، وهي حقيقة مجاوزة جرم عن جرم ، ويتجوز بها في المعاني ، وقد تقدم ذكره.

الثاني عشر بعد المائة : التجوز بمن ، وهي حقيقة في ابتداء الغاية في الامكنة ، ويتجوز بها عن ابتداء الغاية في الأزمنة.

٣٩٩

الثالث عشر بعد المائة : حرف ثم ، وتستعمل حقيقة في التراخي المعنوي ، ومجازا في التراخي الزماني.

الرابع عشر بعد المائة : حرف ـ ما ـ قال سيبويه : هي للأصناف والأخلاط وهي حقيقة في الإجرام ، وتجوّز في المعاني.

الخامس عشر بعد المائة : حرفا ـ لعل عسى ـ وحقيقتهما الترجي والتوقع ويتجوز بهما في الإيجاب. فهذه مائة وخمسة عشر قسما إذا حررت بتفاصيلها جاوزت المائة وعشرين نوعا ، بل أكثر من ذلك ، وقد ذكرناها مفصلة معينة بشواهدها من الكتاب العزيز والكلام الفصيح ، وأشعار العرب والمخضرمين والمتأخرين ، ونسأل الله العون والصون والتوفيق إلى ما يقربنا إليه ويزلفنا لديه ، والله الموفق لا ربّ غيره ولا يستعان بسواه ..

٤٠٠