الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن وعلم البيان

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]

الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن وعلم البيان

المؤلف:

شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٧

وأما الثاني فكقوله تعالى : ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ). وكقوله تعالى : ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ) وكقوله تعالى : ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) .. وأما المجاز فكقوله تعالى : ( فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) واستعمال هذا مجازا أحسن .. وأما الذي في الجمل فأقسامه أربعة : الأول أن تذكر أشياء كل واحد منها يخص بما لولاه لكان المفهوم من الكل واحدا كقول أبي تمام :

من منّة مشهورة وصنيعة

بكر وإحسان أغر محجل

ولو قال ـ من منة وصنيعة واحسان ـ كان المعنى واحدا. وكذلك قوله :

وليّ سجيّات تضيف ضيوفه

ويرجى مرجيّه ويسأل سائله

وكل هذه دلالة على زيادة كرمه .. والثاني : الاثبات والمنفي : وهو أن يذكر الشيء اثباتا ونفيا مع زيادة لولاها لكان ذلك تكرارا وتناقضا كقوله تعالى : ( وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ). وكذلك قوله تعالى : ( لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) مع قوله : ( إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) .. الثالث : أن تذكر الشيء ، ثم تضرب له أمثالا تشتهى كقول البحتري يصف امرأة :

ذات حسن لو استزادت من الحسن إليه لما أصابت مزيدا فهي كالشمس بهجة والقضيب اللّدن قدّا والرّيم طرفا وجيدا

ـ وكذلك قوله :

١٦١

تردّد في حلّتي سؤدد

سماحا مرجّا وبأسا مهيبا

وكالسيف إن جئته صارخا

وكالبحر إن جئته مستثيبا

الرابع : الاستقصاء في ذكر أوصاف الشيء للمدح ، أو الذم ونحوهما.

كقول بعضهم :

لأعلا الورى قدرا وأوفرهم حجى

وأرشدهم رأيا وأسمحهم يدا

وأما الاطالة فهي على قسمين : حسنة. وقبيحة. كما تقدم .. فأما الحسنة فهي على قسمين. الأول منها ما يكون بسطا للكلام واتساعا فيه كما ورد في القرآن العظيم مثل قصة يوسف عليه الصلاة والسلام بطولها ، وقصة أصحاب الكهف بذكر فروعها وأصولها ، وقصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام وكثرت فوائد محصولها ، وقصة ذي القرنين بطول مقولها ، وقصة موسى مع فرعون وكثرة فصولها.

الثاني : أن لا تكون الإطالة بسبب تكرار اللفظ وها نحن نذكر أقسامه ، ونبيّن إن شاء الله تعالى.

السادس : في الفرق بينهما. والفرق بينهما أن الإطناب على سائر أحواله بلاغة والتطويل بعضه عيّ وركاكة .. وقال ابن الأثير : الاطناب للخواص ، والإطالة للعوام. وهذا يحتاج الى تفصيل وقد تقدم.

١٦٢

القسم الحادي عشر

التكرار والكلام فيه من وجوه :

الأول : في حقيقته. الثاني : في ذكر الفائدة التي أتى به من أجلها. الثالث : في أقسامه. الرابع : في ذكر ما يتهيأ فيه التكرار الحسن منه والقبيح.

أما الأول : فحقيقة التكرار أن يأتي المتكلم بلفظ ، ثم يعيده بعينه سواء كان اللفظ متفق المعنى أو مختلفا أو يأتي بمعنى ثم يعيده ، وهذا من شرطه اتفاق المعنى الأول ، والثاني : فإن كان متحد الألفاظ والمعاني فالفائدة في اثباته تأكيد ذلك الأمر وتقريره في النفس ، وكذلك اذا كان المعنى متحدا. وإن كان اللفظان متفقان والمعنى مختلف فالفائدة في الإتيان به الدلالة على المعنيين المختلفين.

وأما الثالث : فأقسامه ثلاثة : الأول ما يتكرر لفظه ومعناه متحد. الثاني ما يتكرر لفظه ومعناه مختلف. الثالث : ما يتكرر معنى لا لفظا.

أما ما يتكرر لفظه ومعناه متحد فمنه قوله تعالى : ( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ). وكقوله تعالى : ( أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) كرر ـ اولئك ـ وكذلك قوله تعالى : ( أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وكذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي

١٦٣

هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ ، وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) كرر ـ أن ـ في أربعة مواضع تأكيدا. وكذلك قوله تعالى : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) ومثله في القرآن كثير ومن هذا النوع قول الشاعر :

ألا يا اسلمى ثم اسلمى ثمّت اسلمى

والغرض من هذه المبالغة في الدعاء لها بالسلامة. وقد يكرر القول طلبا لدوام تذكر الارهاب كما كرر في سورة الرحمن : ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) وقد يكرر اللفظ أيضا ليتصل أول الكلام بآخره اتصالا جيّدا كما في قوله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ). ومن ذلك الآية التي قبل هذه الآية. ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ) .. وأما ما تكرر لفظه ومعناه مختلف فمنه قوله تعالى : ( وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ) فإن المقصود بقوله ـ يحق الحق ـ بيان ارادته وبقوله ـ ليحق الحق ـ الثانية لقطع دابر الكافرين ونصر المؤمنين عليهم. وكذلك قوله تعالى : ( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) معناه لا أعبد في المستقبل ما تعبدونه أنتم الآن ، ولا أنتم تعبدون في المستقبل ما أنا عابد له ، ولا أعبد قط آلهتكم حتى أكون الآن عابدا لما تعبدون ، ولا أنتم عبدتم قط إلهي حتى تكونوا له الآن عابدين ..

ومن ذلك قوله تعالى : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) إلى قوله في الآية الأخرى

١٦٤

التي بعدها : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ ) فكرر ـ بلغن ـ لاختلاف البلوغين .. وأما قوله تعالى : ( وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) ثم قال : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً ) فقد قيل إنه من باب تكرير اللفظ والمعنى ، وقيل هو من باب تكرير اللفظ لا المعنى لاختلاف الهبوطين ، فإن الهبوط الأول كان من الجنة الى سماء الدنيا ، والهبوط الثاني كان من سماء الدنيا إلى الأرض ، وفي القرآن العظيم من هذين القسمين كثير .. وأما تكرار المعنى دون اللفظ فهو إما أن يكون بين المعنيين مخالفة ما أو لا يكون كذلك. والذي يكون بينهما مخالفة ، إما أن يكون أحدهما أعمّ أو لا يكون كذلك. فأما ما يكون أحدهما أعمّ فكقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) فإن الدعوى إلى الخير أعم من الأمر بالمعروف وكذلك قوله تعالى : ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ). وكذلك قوله تعالى : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) ومثاله في الشعر كثير. قال الشاعر :

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وإن ضيّعوا عهدي حفظت عهودهم

وإن هم هووا عني هويت لهم رشدا

والغرض بهذا زيادة تأكيد الخاص .. وأما الذي لا يكون أحد المعنيين أعم فكقول حاطب بن أبي بلتعة ـ : والله يا رسول الله ما فعلت ذلك كفرا ، ولا ارتدادا عن دين ولا رضى بالكفر بعد الاسلام .. وأما الذي لا يكون بين المعنيين مخالفة فكقوله تعالى : ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). وكذلك قوله تعالى : ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) .. وكذلك قول الشاعر :

نزلت على آل المهلّب شاتيا

بعيدا عن الأوطان في زمن المحل

١٦٥

فما زال بي إكرامهم وافتقادهم

وإحسانهم حتى حسبتهم أهلي

هذا ما يكون من التكرار لفائدة .. وقال ابن الاثير في جامعه التكرار في هذا المعنى على قسمين : مفيد. وغير مفيد. فالمفيد نوعان : الأول إذا كان التكرار في المعنى يدل على معنيين مختلفين كدلالته على الجنس والعدد ، وهو من باب التكرير مشكل لأنه يسبق الى الوهم أنه تكرير محض يدل على معنى واحد فقط وليس كذلك .. فمما جاء منه قوله تعالى : ( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ).

ألا ترى أن العرب انما جمعت بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا : عندي رجال ثلاثة وأفراس أربعة ، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد المخصوص. فأما رجل ورجلان وفرس وفرسان فمعدودات ، فالفائدة اذا في قوله ـ إلهين اثنين. وإله واحد ـ هو أن الاسم الحامل لمعنى الافراد والتثنية يدل على الجنسية ، والعدد المخصوص ، فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به واحد منهما ، وكان الذي يساق إليه الحديث هو العدد شفع بما يؤكده ، فدل به على أن القصد إليه والعناية به ، ألا ترى أنك لو قلت ـ انما هو إله ـ ولم تؤكده بواحد لم يحسن ، وخيّل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية ، وهذا باب من باب تكرير المعاني وعر المسلك دقيق المغزى ، وبه تحلّ مسائل مشكلات من التكرير فاعرفه .. ومن هذا النحو إذا كان التكرير في المعنى يدل على معنيين أحدهما خاص والآخر عام ، كقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) الآية فإن الأمر بالمعروف داخل تحت الدعاء إلى الخير لأن الأمر بالمعروف خاص والخير عام ، فكل أمر بالمعروف خير ، وليس كل خير أمرا بالمعروف ، لأن الخير أنواع كثيرة من جملتها الأمر بالمعروف.

١٦٦

ففائدة التكرير هاهنا أنه ذكر الخاص هاهنا ذكر العام للتنبيه عليه لفضله كقوله تعالى : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) الآية. وأمثال ذلك كثيرة فاعرفها ..

والنوع الثاني من الضرب الأول من القسم الثاني إذا كان التكرير في المعنى يدل على معنى واحد ، وقد سبق مثاله في أول هذا الباب كقولك أطعني ، ولا تعصني ، لأن الأمر بالطاعة نهي عن المعصية. والفائدة في ذلك تثبيت الطاعة في نفس المخاطب ، وتقرير لها في قلبه. والكلام في هذا الموضع من التكرير كالكلام في الموضع الذي قبله من تكرير اللفظ والمعنى إذا كان المراد به غرضا واحدا فاعرفه .. الضرب الثاني من القسم الثاني في تكرير المعنى دون اللفظ وهو غير المفيد. فمن ذلك قول ابن هانئ المغربي :

سارت به صنع القصائد شرّدا

فكأنما كانت صبا وقبولا

فكأنه قد قال ـ فكأنما كانت صبا صبا ـ لأن الصبا هي القبول. وليس ذلك مثل التكرير في قوله تعالى ـ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ فيما يرجع إلى تكرير اللفظ والمعنى ولا مثل التكرير في قوله تعالى ـ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ـ فيما يرجع إلى تكرير المعنى دون اللفظ لأن كل واحدة من هاتين الآيتين يشتمل على معنيين خاص وعام. وقول ابن هانئ ـ صبا وقبولا ـ لا يعطي إلا معنى واحدا لا غير وهذا لا يخفى على العارف بصناعة التأليف .. ومن هذا النحو قول الصابئ في كتاب ـ وصل كتابك بعد تأخير وابطاء وانتظار له واستبطاء ـ فإن التأخير والاستبطاء بمعنى واحد ، وقد يكون لهذا وجه في التجوز وهو التقرير في نفس المخاطب لبعد الأمد وتطاول المدة في انقطاع كتابه عنه وذلك مما لا بأس به في هذا الموضع. وأمثال هذا كثير فاعرفه ..

١٦٧

وأما الرابع : فالذي يتهيأ التكرار أسماء. وافعال. وحروف. ومعان. وقد تقدم الكلام على الأسماء والأفعال والمعاني .. وأما الحروف فهي على قسمين : حسنة. وقبيحة .. فأما الحسنة فهي كما التزمه الحريري في رسالته السينية والشينية كرر السين في كل كلمة في السينية ، والشين في الشينية. وكما التزمه الحصري في أول معشّراته من حروف المعجم. وكما التزمه الفازازي في عشرينياته. وانما حسن هذا النوع لأن فيه دليلا على قوة الملكة في الكلام والقدرة على التلعب بحروفه في النثر والنظام وهو من باب لزوم ما لا يلزم وسيأتي بيانه .. وأما القبيحة فكتكرار حروف تكسب الكلام عجرفة وتكسوه قلقا حتى يصعب النطق به ويذهب رونق الكلام بسببه كقول الشاعر :

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

وأما الخامس : في الحسن منه والقبيح .. فأما الحسن منه فقد تقدم .. وأما القبيح فهو التكرار العاري عن الفائدة ، وهو لا يخلو إما أن يكون في المعنى وحده أو في المعنى واللفظ معا. أما الأول فقد أعابه بعضهم مطلقا وبعضهم فصّل فأعابه على التأثر وعلى الناظم إذا فعله في صدر البيت ، وأما اذا فعله في عجزه فليس ذلك بعيب إذ قد يضطر لأجل القافية والوزن كقول المتنبي :

بحر تعوّد أن يذمّ لأهله

من دهره وطوارق الحدثان

والدهر وطوارق الحدثان بمعنى واحد .. وكذلك قيل من قال :

إني وإن كان ابن عمّي عائبا

لمصادق من خلفه وورائه

ـ وأما الثاني فقد اتفق على قبحه وهو كقول مروان :

سقا الله نجدا والسلام على نجد

ويا حبذا نجد على النأي والبعد

١٦٨

نظرت إلى نجد وبغداد دونها

لعلي أرى نجدا وهيهات من نجد

ـ وكذلك قول أبي نواس :

أقمنا بها يوما ويوما وثالثا

ويوما له يوم الترحّل خامس

ـ وكذلك قول المتنبي :

ولم أر مثل جيراني ومثلي

لمثلي عند مثلهم مقام

ـ وأقبح من ذلك قوله :

وقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشى

قلاقل عيس كلّهنّ قلاقل

ـ وقال ابن الأثير قال الواحدي في شرحه لشعر أبي الطيب المتنبي انه لا يلزمه من هذا عيب ، وأنه قد جرت عادة الشعراء بمثل ذلك كقول أبي منصور الثعالبي :

وإذا البلابل أطربت بهديلها

فانف البلابل باحتساء بلابل

والصحيح أنه مستثقل وأخطأ الواحدي في الاعتذار عنه وفي تمثيله بيت الثعالبي وبيان ذلك أن بيت أبي الطيب قد ورد فيه ذكر القلقلة والقلاقل أربع مرات وهن دلالات على معنى واحد لا غير وهو الحركة يقول ـ وحرّكت بالهمّ الذي حرك الحشى نوقا سراع الحركة كلهن متحركات ـ وهذا من أقبح ما يكون من التكرير. وأما بيت الثعالبي الذي مثّله الواحدي ببيت أبي الطيب فليس مثالا لأن لفظه ـ البلابل ـ قد وردت فيه ثلاث مرات وكلّ منها دال على معنى غير الآخر ، فالأول جمع بلبل وهو طائر حسن الصوت والثاني جمع بلبلة وهي وساوس الصدور ، والثالث جمع بلبلة وهي مخرج الماء من الابريق فهو يقول ـ وإذا الأطيار من البلابل هدلت وغرّدت فانف البلابل من قلبك باحتساء الخمر من بلابل الأباريق ـ وهذا من أحسن ما يكون من التجنيس ومن هاهنا وقع

١٦٩

السهو للواحدي وهو أن البلابل في شعر الثعالبي يدل على معان مختلفة والقلاقل في شعر أبي الطيب يدل على معنى واحد فاعرف ذلك ، وقس عليه ومثل قول المتنبي في القبح قوله أيضا :

ولم أر مثل جيراني ومثلي

لمثلي عند مثلهم مقام

فهذا ومثله هو التكرار الفاحش الذي يؤثر في الكلام نقصا زائدا ، ألا ترى أنه يقول لم أر مثل جيراني في سوء الجوار وقلة المراعاة ، ولا مثلي في مصابرتهم ومقامي عندهم ، لأنه قد كرّر هذا المعنى في البيت مرتين.

١٧٠

القسم الثاني عشر

القسم

وهو أن يقسم في كلامه بشيء لم يرد به تأكيد كلامه ولا تصديقه ، وإنما يريد به بيان شرف المقسم به وعلو قدره عنده. ومنه قوله تعالى : ( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ). وقوله تعالى : ( وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ ). وقوله تعالى : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ). وقوله تعالى : ( وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ). وقوله تعالى : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) أقسم بهذه الأشياء كلها لعظم خلقها ولشرفها عنده ، وأقسم بحياة نبيه صلّى الله عليه وسلّم ليعرف الناس عظمته عنده ومكانته لديه .. ومنه قول الشاعر :

حلفت بمن سوّى السماء وشادها

ومن مرج البحرين يلتقيان

ومن قام في المعقول من غير ريبة

بما شئت من إدراك كلّ عيان

لما خلقت كفّاك إلا لاربع

عقائل لم يعقل لهنّ ثوان

لتقبيل أفواه وإعطاء نائل

وتقليب هنديّ وجذب عنان

قال المصنف عفا الله عنه : القسم في القرآن العظيم على قسمين : مظهر. ومضمر. فالمظهر كما تقدم. والمضمر على قسمين دلت لام القسم على حذفه كما في قوله تعالى : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ). وفي قوله تعالى : ( لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ). والقسم الثاني ما

١٧١

دلّ عليه المعنى في مثل قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ) تقديره والله إن منكم إلا واردها يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم ـ لن تمسه النار إلا تحلة القسم ـ وله في القرآن نظائر.

١٧٢

القسم الثالث عشر

الاقتباس. ويسمى التضمين

وهو أن يأخذ المتكلم كلاما من كلام غيره يدرجه في لفظه لتأكيد المعنى الذي أتى به ، أو ترتيب فإن كان كلاما كثيرا أو بيتا من الشعر فهو تضمين ، وإن كان كلاما قليلا أو نصف بيت فهو إيداع. وعلى هذا الحد ليس في القرآن من هذا النوع شيء إلا ما أودع فيه من حكايات أقوال المخلوقين مثل قوله تعالى حكاية عن قول الملائكة : ( قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ). ومثل ما حكاه سبحانه من قول المنافقين : ( قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ). وقولهم : ( قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ ). وقوله سبحانه وتعالى حكاية عن قول اليهود والنصارى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ ) ومثله في القرآن كثير ، وكذلك ما أودع في القرآن من اللغات الأعجمية مثل قوله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) وهي لغة للحطب بالحبشية ـ و ـ كالقسطاس ـ وهو الميزان باللغة الرومية ـ والفردوس ـ وهو البستان ـ والقنطار ـ وهو اثنا عشر ألف أوقية. ومن اللغة المنسية : الكف. والساق. والفراش والوزير. والقاضي. والوكيل. والشراب. والحلال. والحرام. والحسد. والصواب. والبركة. والخطأ. والوسوسة. والكساد. والنطيحة. والحط. والقلم. واللهو. والكرسي. والقفا.

١٧٣

والركاب. والغاشية. والمشرق. والمغرب. واللطيف ـ ومن اللغة الفارسية المحكية : الابريق. والسندس. والياقوت. والزنجبيل. والمسك. والكافور ـ.

وهذه الكلمات كلها حكاها الثعالبي في فقه اللغة وهي عند المحققين مختلف فيها فمنهم من قال انها أعجمية عربت ، ومنهم من أنكر ذلك وقال : ليس في القرآن لفظ أعجمي لقوله تعالى : ( بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) وهذه الألفاظ إنما هي عربية أصلية وافقت اللغة الاعجمية والرومية. وانما الذي ورد في القرآن بعض آيات وكلمات من التوراة وغيرها من كلام الله عز وجل فأشبه التضمين والايداع. من ذلك قوله تعالى : ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ). ومنها قوله تعالى فيما حكاه من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وذلك قوله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ) إلى قوله ( ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ) فضمن كتابنا صفتهم من الكتابين الأولين .. وأما التضمين في الشعر فلا يخلو إما أن يكون البيت المضمن مشهورا أو غير مشهور ، فإن كان مشهورا لم يحتج الى تنبيه عليه أنه من كلام غيره لأن شهرته تغني عن ذلك ، وإن كان غير مشهور فلا بد من تنبيه على أنه ليس من شعره مثل قول الشاعر :

ما على طيب ليال سلفت

من ليالي الوصل لو عادت لنا

نبه عليه في البيت الذي قبله بقوله :

فأنا من فرط وجدي منشد

بيت شعر قاله من قبلنا

وكذلك إذا كان المضمن نصف بيت كقول ابن اللبانة الأندلسي في بيت من قصيدة له :

حبيب إلى قلبي حبيب لقوله

عسى وطن يدنو بهم ولعلّما

١٧٤

ـ ومن التضمين المشهور قول ابن عنين يصف بغلة له :

مرّت على علف فنامت فوقه

جوعا وقالت والمدامع تسجم

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي

متأخر عنه ولا متقدّم

ـ ومثله قول آخر :

إنّ برذوني المدقع باللصقا

ت (١) في لوعة يكابدها

رأى بغال الامير عابرة

بالتبن يوما فظلّ ينشدها

قفا قليلا بها عليّ فلا

أقل من نظرة أزوّدها

وقد وقع التضمين في الشعر في بيت كما ذكرناه وفي بيتين. ومنه ما قيل في الحيص بيص حين قتل جريّا وهو سكران فأخذ بعض الشعراء كلبة وعلق في حلقها قصة وأطلقها عند باب الوزير فأخذت القصة من حلق الكلبة وأدخلت على الوزير فاذا فيها مكتوب هذه الأبيات :

يا أهل بغداد إنّ الحيص بيص أتى

بخزية ألبسته العار في البلد

أبدى شجاعته بالليل مجترئا

على جرى ضعيف البطش والجلد

فأنشدت أمّه من بعد ما احتسبت دم الأبيلق عند الواحد الصمد

أقول للنفس تأساء وتعزية

إحدى يديّ أصابتني ولم ترد

كلاهما خلف من فقد صاحبه

هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

وهذان البيتان البيت الأخير والذي قبله لامرأة من العرب قتل أخوها ابنا لها فقالت ذلك تسلية لنفسها وتثبيتا لقلبها .. وأما أنصاف الأبيات والكلمات فكثير جدا .. فمن ذلك قول ابن المعتز :

عوّذ لمّا بتّ ضيفا له

اقراصه منّي بياسين

__________________

(١) هكذا في الاصل.

١٧٥

فبتّ والأرض فراشي وقد

غنّت قفا نبك مصاريني

ـ ومنه قول الضحاك :

وقفت على باب الأمير كأنني

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

ـ وقد أودعت جماعة من الشعراء وجلّة من الكتّاب الفضلاء في أشعارهم ورسائلهم وأنواع فصاحتهم التي هي من جملة وسائلهم آيات من كتاب الله تعالى وسموه اقتباسا من القرآن ، وهذا مما قد نهى عنه جلة العلماء وأفاضل الفقهاء الأتقياء ، وكرهوا أن يضمن كلام الله تعالى شيئا من ذلك ، أو يستشهد به في واقعة من الوقائع كقولهم لمن جاء وقت حاجتهم اليه ـ ثم جئت على قدر يا موسى ـ وأشباه ذلك لأن ذلك كله صرف لكلام الله عن وجهه وخروج له عن المعنى الذي أريد به ..

فمن التضمين المنهي عنه قول عبد الله بن طاهر لابن السّدّي حين ملك مصر وقد ورد رسوله وهديته إليه ـ لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا ، بل أنتم بهديتكم تفرحون ـ وقال لرسوله ـ ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولنخرجنّهم منها أذلّة وهم صاغرون.

ـ وأوحش من ذلك وأعظم منه في الشعر قول الشاعر :

يستوجب العفو الفتى إذا اعترف

بما جناه وانتهى عما اقترف

لقوله قل للذين كفروا

إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

ـ وقول الآخر :

قمت ليل الصدود إلاّ قليلا

ثم رتلت ذكرهم ترتيلا

وجعلت السهاد كحلا لعيني

وهجرت الرقاد هجرا جميلا

كلّما ضمنا محلّ عتاب

أخذتنا العيون أخذا وبيلا

١٧٦

ضمن هذه القصيدة آخر كل آية من سورة المزمل .. هذا وما أشبهه مما يعدونه من الفصاحة والبلاغة وهو مما ينبغي أن تعاف النفوس مساغه وهو مندرج في التحريم لما فيه من عدم الاجلال لكلام الله عز وجل والتعظيم ، وكيف يليق أن يجزع بين المحدث والقديم ، وقد رخص بعض أهل العلم في تضمين بعض آيات القرآن في خطبهم ومواعظهم وأكثر ما استعمل ذلك الشيخ ابن نباتة وابن الجوزي ، وقد استعمله كثير من الناس.

١٧٧

القسم الرابع عشر

التذييل والكلام عليه من وجوه

الأول : في حده ، والمعنى الذي أتى به من أجله. الثاني : في اشتقاقه. الثالث : في أقسامه.

أما الأول : فقال علماء علم البيان انه تذييل المتكلم كلامه بحرف أو جملة يحقق بها ما قبلها من الكلام ، وتلك الجملة على قسمين :قسم لا يزيد على المعنى الاول وإنما يؤتى به للتأكيد والتحقيق. وقسم يخرجه المتكلم مخرج المثل السائر ليحقق به ما قبله. مثال ما جاء من الكتاب العزيز متضمنا للقسمين معا قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ ) ففي الآية الكريمة تذييلان. أحدهما قوله تعالى ـ وعدا عليه حقا ـ فإن الكلام تم قبل ذلك ثم أتى سبحانه وتعالى بتلك الجملة ليحقق بها ما قبلها. والآخر قوله سبحانه ـ ومن أوفى بعهده من الله ـ فأخرج هذا مخرج المثل السائر ليحقق ما تقدم وهو تذييل ثان للتذييل الاول ، ومنه قوله عز وجل : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ). وكقوله تعالى : ( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ) ومثله في القرآن كثير. ومثال ما جاء منه من السنة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ « من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له

١٧٨

عشرا ، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ولا يهلك على الله إلاّ هالك » ـ فقوله ولا يهلك على الله الا هالك تذييل في غاية الحسن أخرج الكلام فيه مخرج المثل .. ومثال ما جاء من ذلك في الشعر قول النابغة :

ولست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث أيّ الرجال المهذّب

فقوله ـ أي الرجال المهذب ـ من أحسن تذييل وقع في شعر .. ومنه قول الحطيئة :

نزور فتى يعطي على المدح ماله

ومن يعط أثمان المحامد يحمد

فإن عجز البيت كله تذييل أخرج مخرج المثل ، لأن صدر البيت كله قد استقل بالمعنى .. وأما الحروف فستأتي أمثلته في الكلام على أقسامه إن شاء الله تعالى.

وأما الثاني : فإن التذييل مصدر ذيل الشيء يذيله تذييلا إذا جعل له ذيلا مأخوذ من ذيل المرأة وهو ما يفضل عن قامتها ويزيد عليها فيبقى مجرورا على الأرض. قال الشاعر :

كتب القتل علينا

وعلى الغانيات جرّ الذيول

ـ وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن ذيل المرأة فقال :« يطهره ما بعده » فكأنه شبه هذه الجملة لزيادتها ، وكون المعنى يتم بدونها بالزائد من ذيل المرأة الذي ينجر على الارض.

وأما الثالث : فالتذييل على ثلاثة أقسام ، قد تقدم منها قسمان ، والثالث هو أن تزيد إحدى الكلمتين على الأخرى بحرف فقط ، إما من

١٧٩

آخرها وإما من أولها. فمثال الزائد في آخر الكلمة قولهم : فلان حام حامل لاعباء الأمور كاف كافل بمصالح الجمهور. وكقول أبي تمام :

يمدّون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب

ـ ومثال الزائد في أولها قوله تعالى : ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) ومنه قول الشاعر :

وكم سبقت منه إليّ عوارف

ثنائي على تلك العوارف وارف (١)

وكم غرر من بره ولطائف

لشكري على تلك اللطائف طائف

__________________

(١) في هامش الاصل .. أي ممتد يقال ورف الظل إذا امتد.

١٨٠