جنّة المأوى

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

جنّة المأوى

المؤلف:

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-379-379-7
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة



٥٢

اولاد الزّنا والنجاة في الآخرة

ولد الزنا هل له نجاة في الاخرة أم لا ؟ ... وفرض كونه من الهالكين خلاف مقتضى العدل لانّ الذنب على أبويه.

الجواب

ولد الزنا حسب قواعد العدلية المطابقة للموازين العقلية والادلة القطعية ـ من انّه لاتزر وازرة وزر اخرى ، ولايعاقب شخص بجريمة غيره فحاله اذاً حال سائر المكلّفين ان اختار الطاعة وعمل اخير فهو من أهل الجنة والنعيم ، وان اختار المعصية وعمل الشرّ كان من أهل الجحيم وكل ما في الاخبار ممّا ينافي هذا فلابدّ من تأويلها وحملها على مالا ينافي تلك القعدة المحكمة ، وخبث نطفته وشقاوة ابويه ليسا بحيث يسلبان منه القدرة والاختيار على الطاعة والمعصية ، فهذه الأخبار كأخبار الطينة والسعادة والشقاوة مثل أنّه تعالى قبض قبضة من طينة البشر وقال هذه للنار ولا ابالي ، وقبض أخرى وأخرى وقال هذه للجنة ولا ابالي ، وامثال قوله تعالى

٢٤١

طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ (١) وَ أَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ (٢) وهي كثيرة في القرآن العزيز مما يدل بظاهرة أنّ الاغواء والاضلال والطبع والشّقاء هو من الله قهراً وجبراً على العباد وليس ذلك هو المراد قطعاً ولامجال لبسط الكلام في هذا المقام باكثر من هذا.

__________________

(١) سورة التوبة آية : ٩٣.

(٢) سورة الجاثية آية : ٢٣.

٢٤٢



٥٢

في خاتمية الرسالة

ظاهر القرآن ، أو الدليل العقلى يساعد كون نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الانبياء « بالكسر » أم لا ؟

الجواب

نعم ظاهر القرآن في قوله تعالى ـ وخاتم النبيين (١) على القراءتين الفتح والكسر « اسم فاعل واسم مفعول » هو انّه صلوات الله عليه وآله قد ختمت به النبوّة ، وامّا الدليل العقلي فهو واضح لمن تدبّر نواميس هذه الشريعة واحكامها وأنّها بلغت الغاية في الاحاطة بمصالح البشر والنظام الاجتماعي الذي لاتتصور العقول ارقى منه واكمل. فلابدّ أن تكون هي الغاية والخاتمة كما قال جلّ شأنه الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (٢) واذ اكمل الشيئى فقد تمّ وانتهى ولامجال لجعل غيره اذ المجعول امّا مثله او أنقص فهو قبيح وأمّا الاكمال فهو حاصل في هذه الشريعة والله العالم.

__________________

(١) سورة الاحزاب آية : ٤٠.

(٢) سورة المائدة آية : ٣.

٢٤٣
٢٤٤



٥٤

في حديث : أنت لا تطيق حمل النّبوة

في الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما فتح مكة ودخل الكعبة وكسر الاصنام كان صنم فى موضع مرتفع فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله انا أحملك لتكسر هذا الصنم فقال رسول الله : انت لاتطيق حمل النبوة ما معنى هذا الحديث والحال أنّ النبي يركب الدوابّ ؟

الجواب

نعم فرق بين حمل الدواب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحمل أميرالمؤمنين عليه‌السلام له اذ من المعلوم الضروري أنّ البدن سواء في الحيوان ، أو الانسان هو الذي يحمل الاثقال وينهض نهضة الابطال ولكن انّما ينهض البدن بحملها بقوّة الروح وعزيمة الهمّة والشعور ضرورة أنّ الجبل الشامخ لايقوى على حمل طائر بل لا يقدر على حمل ذبابة بل الطائر والذبابة تحمل نفسها عليه. فانّ الانسان بقدر عزمه وهمّته وشعوره يحمل الاثقال ، ولمّا كان مثل أميرالمؤمنين عليه‌السلام يعرف عظمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقدر هيبة النبوّة ، ويدرك معنى تلك المرتبة والوظيفة الآلهية ، فلاريب أن ّ قوّة البشريّة مهما كانت

٢٤٥

عظيمة فهي تتصاغر أمام تلك العظمة وتندك لدى اشراق لمعات تلك الهيبة لانّ تقديرها على مقدار اداركها والشعور بها أما الحيوان وسائر افراد الانسان فلايدرك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولايعرف من حقيقته الاّ جسده الظاهري وهيكله المادي ومعلوم أنّه خفيف الطبع لطيف الجسد يقوى على حمله من هذه الجهة كلّ أحد ولكن أميرالمؤمنين عليه‌السلام وجبرئيل يعرفان من فضله ما يعجزهما عن حمله فتدبّره واغتنم وبالله التوفيق.

٢٤٦



٥٥

فلسفة الأضحية في منى

ما هي فلسفة الأضحية في منى ، نرى كثرة الحجاج وعدم المصرف للحوم ذبائحهم في منى ، فلو فرضنا الحجاج مائة الف فلا يقل كلّ واحد غالبا عن ذبيحتين في الاضحية ، والكفارة تصير مأتي الف ذبيحة فيذبح ولامصرف لها ، ولا أحد يأخذ ، فيطرح على الارض ويفسد الهواء ويتولد الامراض وفي هذا الزمان يقولون يجمعها ابن سعود في بئر ويطرح عليها التراب ، فأيّ فائدة فيها اجتماعية وانفرادية ، فلو عيّن الشارع الاسلامي على كلّ احد من الحجاج بدل الهدى مقداراً معينا من النقود فيجمع للصرف في مصالح العامة للمسلمين أليس أحسن ؟

الجواب

قضية الذبائح ، والقرابين وتقديمها للالهة بكثرة شعيرة من الشعائر القديمة في اكثر الاديان حتى عند المشركين وعبدة الاوثان فضلا عن الديانات الثلاث المشهورة ، وحيث أنّ الشريعة الاسلامية جعلت الكعبة قبلة للمسلمين واليها حجّهم وموقع الكعبة هو الحجاز ، وهي ارض ( كما يعلم كلّ احد ) قاحلة وحرة

٢٤٧

سوداءة لايعيش فيها ضرع ولازرع ، واهل الحجاز على الغالب فقراء بالفقر المدقع الذي كان يدفعهم الى استطابة اكل الحشرات والوحوش من الضب ، واليربوع ، والأرانب ونحوها بل ربما يضطرون في بعض السنوات الى اكل الدم الممتزج بالصوف بل ما هو اسوأ من ذلك فقضت الحكمة الالهية الارفاق بأهل تلك البلاد والتوسعة عليهم ، ومن يتجوّل في القبائل الحجازية وينظر شحوب تلك الشعوب ، وغيرة وجوههم ، ورّث ملابسهم وجشوبة طمعهم يعرف سعة الرحمة الآلهية والشفقة الربوبية في فرض هذا النسك ، ومن يراجع الايات الكريمة الواردة في هذا الموضوع يعرف جلياً أنّ الحكمة والغرض من هذا الحكم هو التوسعة على الفقراء والهلكى الذين هم أكثر أهل الحجاز واشباع نهمهم وسد فورتهم يقول جلّ شأنه : فَكُلُوا مِنْها وأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (١) ـ ثم يقول : فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وأَطْعِمُوا الْقانِعَ والمُعْتَرَّ (٢) فقول السائل انه لامصرف لها غير صحيح وكلّ احد يعلم أنّ جمعاً كبيراً من أعراب تلك النواحي يجتمعون ويتقاسمون تلك الذبائح فيما بينهم ويتناهبون تلك الاغنام انتهاب الغنائم ، وان بقى فضلة منها فهي من التوابع القهرية ، والغالب أنّ الخير الكثير ليستتبع الشرّ اليسير ، وهذا ايضاً لايعود الى نقص في التشريع فانّ قبائل الحجاز لو اجتمع نصفهم فضلا عن كلهم لما كان يقع سهم كلّ واحد منهم شاة واحدة من تلك الاضاحي الكثيرة لانّهم يبلعون على أقل تقدير أكثر من مليونين ونصفهم على أقل فرض فقراء فلو اجتمعوا في صحراء منى وعرفات وهي قريبة منهم أو ارسلو وكيلا ، أو وكلاء يحملون اليهم حصصهم لكان سهم كل عشرة شاة واحدة ولكن هم المقصرون في الانتفاع بما فرضة الله لهم.

أمّا تعيين مقدار من النقود بدلها فهو خلاف غرض الشارع الذي يحب اطعام

__________________

(١) سورة الحج آية : ٢٨.

(٢) سورة الحج آية : ٣٦.

٢٤٨

الطعام ، وبذل الزاد لاشباع الجائع ، ودفع كضّة النهم ، والقرم فانّه قد يمرّ على البدوي في الصحراء الشهر او الشهرين لايذوق فيها طعم اللحوم ، ولايشمّ قتار الدسوم على أنّ الشارع ببركة ما اوجب على أغنياه المسلمين في الحجّ الى تلك المشاعر ، والشعائر ، وما ينفقون فيها من الاموال الطائلة قد صبّ عليهم البركة صبّاً وملاء جيوبهم بالنقود ـ فاوجب الاضاحي ـ تكميلا للغاية ، واتساعاً فى المنفعة واستقصاء في الاخذ بأسباب الجود ، وعموم الكرام ولعل هذا هو السرّ أو بعض المصالح والحكمة التي نظرت اليها العناية العليا والرعاية الازلية حتى صارت القرابين والاضاحي من النواميس المقدسة في أكثر الشرائع والاديان ، وحثت على الاكثار منها ولان كان ها بالغاً مرتبة الرجحان في سائر الاقطار والبلدان فهو للحجاز ولاسيما البيت الحرام ، وهو بواد غير ذي زرع ، ولاسبد ، ولا لبد ينبغي بل يلزم أن يكون بحد الوجوب ، وهكذا كان الامر من لدن حكيم عليم ؛ نعم يلزم على أولياء الامور في تلك المشاعر التنظيم والعناية بما يستوجب الانتفاع بتلك الذبائح ، ودفع مضارها أو بيع مالا يمكن الانتفاع منه الا بالاحتفاظ به بعمل وتدبير كجلودها واصوافها فيلزم اصلاحه أولا ثم بيعه وتوزيع ثمنه على الفقراء أو المصالح العامة باجازة حاكم الشرع أو الحاكم العادل.

٢٤٩
٢٥٠



٥٦

ما الحكمة في تعدّد ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

الجواب

انّنا لو أردنا أن نكتب مألّفا خاصّاً في الحكم ، والمصالح التي اشتملت عليه هذه الشرعة النبوية والسياسة المحمديّة لكان يلزمنا القيام بأكبر مؤلف وقد لانحيط بسائر الجهات منها ، نعم نعلم على الجملة انّ اقترانه بكلّ واحدة من تلك الزوجات كانت المصلحة في تلك الظروف المعيّنة يقتضى وجوبه الختمي ، وللمجموع أعني لمجموع التعدّد اجمالا حكم ومصالح أيضاً توجبه وتلزم به ، لايسعنا ايضاح تلك المصالح جميعاً ولكن نشير الى واحدة منها اشارة اجمالية وهي : أنّه سلام الله عليه أراد أن يضرب المثل الاعلى والبرهان الاتمّ الاجلى لنفسه الملكوتية ومقدار رزانتها ، وقوة استقامتها وعدلها ، وعدالتها ، وكلّ أحد يعلم کيف تتلاعب النساء بأهواء نفوس الرّجال وتتصرّف فيها حسب ما تشاء ، كما يعلم كل أحد ما بين النساء والزوجات من التنافس ، والغيرة ، واعمال الدسائس والمكائد فيما بينهن ، واضطراب حبل النظام العائلي والقلق الداخلى ، وهذه الذات المقدسة

٢٥١

الغربية في جميع أطوارها ـ ضرب المثل الأعلى في ضبط النفس واقامة العدل بين زوجاته المتعدّدات وعدم الانحراف عن محجّة العدل والانصاف بينهم قيد شعرة مع جمعه لهنّ في منزل واحد واختلافهن في السنّ والجمال وسائر الجهات الّتي تستهوى النفوس ونحن نجد في الكثير الغالب أنّ الرجل الصلب القوي قد يعجز عن ارضاء زوجتين واقامة ميزان العدل بينهن على أتمّ حدوده ومقاييسه ولابدّ ان ترجّح احدى الكفّتين عنده ولو قليلا مهما بالغ في التحفّظ والكتمان فكيف بمن يحسن معاشرة تسع نساء أو أكثر في منزل واحد فيرضى الجميع ويعدل بين الكل ويخضعن له جميعاً وهنّ « حبائل الشيطان » ولا يرضيهنّ في الغالب كلّ ما في الكون من ثروة وسلطان حتّى أنّ احدى زوجاته وهي سودة بنت زمعة (١) لمّا أراد النبي

__________________

(١) سودة بنت زمعة بن قيس بن عبدشمس القرشية العامرية عدّها شيخ الطائفة الطوسى (قده) في رجاله من الصحابيات وكذلك جمع من علماء اهل السنة وكانت قبل ان يتزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت ابن عم لها يقال له : السكران بن عمرو. ولما اسلمت وبايعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اسلم زوجها معها وهاجرا جميعاً الى ارض الحبشة فلما توفى عنها تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ذلك في شهر رمضان سنة عشر من النبوة بعد وفات خديجة بمكة وقيل سنة ثمان للهجرة على صداق قدره اربعمائة درهم وهاجر بها الى المدينة وكانت امرأة ثقيلة ثبطه ومن فواضل عصرها واسنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تصب منه ولداً. ووهبت ليلتها لعائشة حين اراد طلاقها فقالت : لاتطلقني وامسكني واجعل يومي لعائشة لارغبة لي في الرجال وانما اريدان احشر في ازواجك ففعل صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت : فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما والصلح خير وروى محمّد بن اسحاق عن حكيم بن حكيم عن محمّد بن علي بن الحسين عن ابيه عليه‌السلام قال : كان جميع ماتزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمس عشرة امرأة وان أول امرأة تزوجها بعد خديجة بنت خويلد سودة بنت زمعة وذكر النسابة محمّد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة (٢٤٥) ه‍ بسر من رأى من زمن خلاقة المتوكل العباسي ـ في كتابه ( المحبر ) ص ٧٩ طبعة حيدر آباد الدكن ان سورة ( كانت قد رأت فى المنام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اقبل يمشي حتى وطىء على عنقها فأخبرت زوجها فقال : وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجنك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم رأت في المنام ليلة أخرى كان قمراً انقض عليها من السماء وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال : وأبيك لا ألبث الا يسيراً حتى أموت ثم تتزوجين من بعدي فاشتكى السكران من يومه ذلك فلم يلبث الا قليلا حتى مات ، فتزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم طلقها تطليقة وكانت قد

٢٥٢

طلاقها وهبت لعائشة ليلتها ولم ترض أن يطلقها وقالت : أريد أن أحشر في أزواجك ، وكانت بيئته وقلّة ذات يده وجشوبة عيشه وخشونة ازيائه كلّها تستدعى على الدوام بينهنّ حدوث الشغب وتقطع حبل الراحة بمقاريض التعب ، ولكنّه على ذكره السلام لم يحدث شيء واحد من ذلك في بيته مدّة عمره بينهنّ سوى واقعة واحدة هي في غاية البساطة بل هي من اعلام النبوة ودلائل الوحي والرسالة واحدى قضايا الاعجاز وهي قضية مارية القبطية (١) التي نزلت فيها

__________________

كبرت فبلغها ذلك فجمعت ثيابها ، ثم جلست على طريقه الذي يخرج منه الى الصلاة فلما دنا منها بكت ، ثم قالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل غمصت عليَّ في الاسلام ؟ فقال : اللهم لا ، قالت : فاني أسألك لما راجعتني فراجعها فقالت له : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومي لعائشة في رضاك لانظر الى وجهك فوالله مابي ما تريد النساء ولكني أحب أن يبعثني الله في نسائك يوم القيامة وكانت حاضنة ولده صلى‌الله‌عليه‌وآله توفيت سودة بالمدينة في شوال سنة (٥٤) ه‍ في زمن معاوية وقيل : توفيت في خلافة عمر وقيل : توفيت سنة (٥٥) ه‍ ثم ان سودة التي كانت في زمن خلافة أميرالمؤمنين عليه‌السلام هي سودة بنت عمارة بن الاشتر الهمدانية وهي شاعرة من شواعر العرب ذات فصاحة وبيان ووفدت على معاوية فاستأذنت عليه فاذن لها : فلما دخلت عليه سلمت فقال لها : كيف أنت يا ابنة الاشتر ؟ قالت بخير قال لها : أنت القائلة لابيك :

شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة

يوم الطعان وملتقى الاقران

وانصر عليا والحسين ورهطه

واقصد لهند وابنها بهوان

ان الامام أخا النبي محمّد

علم الهدى ومنارة الايمان

فقد الجيوش وسر أمام لوائه

قدماً بابيض صارم وسنان

قالت : اي والله ما مثلي من رغب عن الحق او اعتذر بالكذب قال لها : فما حملك على ذلك ؟ قالت : ( حبّ علي واتباع علي ) الى آخر كلامها مع معاوية ولله درّها وقد اشادت بالحق وصدعت بما يرضى الله ورسوله عليه‌السلام وصارحت بما في نفسها من حب أميرالمؤمنين عليه‌السلام وجاهرت به في وجه معاوية عدو الاسلام ومبغضه الذي صارت الخلافة الاسلامية بيده ملكاً عضوضاً وسلطنة كسروية « المصادر » انظر : بلاغات النساء والعقد الفريد ورجال الشيخ الطوسى وتنقيح المقال وأسد الغابة والاصابة والاستيعاب وطبقات ابن سعد المحبر والتاريخ الصغير للبخاري وشرح الزرقاني على المواهب واعلام النساء ...

(١) مارية بنت شمعون القبطية من فواضل نساء عصرها عدها جمع من علماء الرجال من الصحابيات

٢٥٣

اوائل سورة التحريم ، وفى قضية الزوجتين اللّتين أودعهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سرّاً فاظهرتاه والمرأة مهما كانت رخوة العنان ضعيفة الكتمان ولكن أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصهرهنّ في بوتقة الامتحان حتّى يظهر الذهب الخالص من المزيف ، وعلى كلّ حال فقد اظهر الله جلّ شأنه لنبيّه في تعدّد الزوجات معجزتين : الاولى : في داخليته وعدّله المستمرّ بينهن أكثر من عشر سنين.

الثانية : وهي اكبر آية واعظم اعجازاً واسطع برهاناً ذاك انّ من يستقرأ سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد هجرته من وطنه البيت الحرام الى مصيره الأخير ـ يثرب يجده في هذه السنوات الأخيرة من عمره الشريف كالرجل الفارغ البال من أثقال العيال ، يجده كالوداع الأمن والهادىء المطمئنّ كأنّه لاعلاقة له بشيىء من النساء ولا واحدة فضلا عن المتعدد ، فهو قائد جيش ومشرع احكام وامام محراب

__________________

وهي مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسريته وهي ام ولده ابراهيم بن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت ام مارية رومية وكانت مارية بيضاء جعدة جميلة فاهداها المقوقس صاحب الاسكندرية الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سنة (٧) ه‍ ومعها اختها سيرين وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوابا ليناً وبغلته ( دلدل ) وحماره ( عفير ) ومعهم خصى يقال له : ما بورو هو شيخ كبير وبعث كل ذلك مع حاطب بن ابي بلتعة وعرض حاطب على مارية الاسلام ورغبها فأسلمت ورغبها فيه فأسلمت وأسلمت أختها واقام الخصى على دينه حتى أسلم بالمدينة في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمارية وانزلها بالعالية وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يختلف الهيا هناك وضرب عليها الحجاب وفي ذى الحجة من سنة ثمان للهجرة ولدت مارية ابراهيم فدفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن النجار فكانت ترضعه وقالت عائشة : ما غرّت على امرأة الاّ دون ما غرّت على مارية وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة وأعجب بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علمة النهار والليل عندها حتى فرغنا لها فجزعت فحولت الى العالية فكان يختلف اليها هناك فكان ذلك أشد علينا ثم رزق الله منها الولد وحرمناه منه قلت اني أتعجب من غيرة عائشة على مارية كما أن من العجب حقدها على الصديقة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان من جراء ذلك أنه توفيت فاطمة عليها‌السلام فجاء نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلهنّ الى بني هاشم في العزاء الاّ عائشة فانها لم تأت واظهرت مرضاً ونقل الى علي عليه‌السلام عنها ما يدل على السرور راجع اعلام النساء لعمر رضا كحالة ، ج ٢ ، ص ٨٥٢ دمشق.

٢٥٤

وقاضي خصومات ، وعاقد رايات ، ومؤسس شريعة ، وعابد منقطع الى التهجد والعبادة ، ولقد كان يصلّى حتى ورمت قدماه فكيف مع ذلك كلّه استطاع ادارة تسع نساء أو أكثر مع شدّة الغيرة والتنافس بينهنّ وكيف لم يقسمن فكره ويشغلن باله عن تلك الأعمال الجبّارة والعريمة القهّارة فهل هذه الاّ المعجزة بذاتها والقدرة الآلهية بأجلى مظاهرها ؟

وهل تريد لتعدد الزوجات اعظم من هذه الحكمة وابلغ من هذه الفائدة ؟ ولعل هذه واحدة من الف ، واشراقة من شمس ، والاّ فالمسألة كما ذكرنا تستحق أن تفرد بالتأليف لكثرة مافيها من السياسات والحكم.

٢٥٥
٢٥٦



٥٧

القَسَمَ بالتّين والزّيتون

ما وجه القَسَمِ بالتين ، والزيتون ؟ وماسبب امتيازهما بين المخلوقات ؟ وما تفسيرها ؟

الجواب

جرت سنة الله العظيم في كتابه : أن يقسم بمخلوقاته العظيمة البركة العميمة الفائدة كالشمس والقمر والنون والقلم والرياح الذاريات والمرسلات كما يقسم بالقرآن الذي هو شمس الهداية الحقيقية وهداية الأرواح ، والنفوس والعقول ، بل بمادون ذلك كالصبح ، والليل والجواري الخنّس ، والكواكب الكنّس ، وأمثال ذلك ممّا هو كثير في الكتاب الكريم ، وحيث أنّ التين والزيتون من الأطعمة العظيمة الخير والبركة ، فانّ العين فاكهة وحلوى رطبة نافع وجافة أنفع وهو غذاء ودواء وطعام وادام وفيه منافع كثيرة ، ومثله الزيتون ولعله اشرف ، والطف واعظم بركة ونفعاً باعتبار دهنه الذي لاتعدّ ولاتحصى منافعه وخيراته وخواصّه ، وآثاره ، وهو مع أنّه من أحسن الادام ، والصبغ للآكلين فيه منافع عظيمة وخواص بليغة في

٢٥٧

المعالجات ، فلهذا حسن القسم بهما لعظيم فائدتهما ، هذا كله بناء على أنّ المراد بهما تلك الثمرتان ، أو الشجرتان المباركتان ومن الجائز القريب بل لعلّه الاقرب أنّ المراد بالتّين جبل يكثر به شجرة التين من جبال القدس وحبرون (١) الذي تجلّى عليه الجليل لابراهيم الخليل عليه‌السلام ، والزيتون جبل الزيتا الذي تجلّى الرّب فيه لاسرائيل يعقوب أبى الاسباط وللمسيح فيه مواقف كثيرة ، ويشهد له عطف طور سينين عليهما وهو الجبل الذي تجلّى فيه الجليل لكليمه موسى عليه‌السلام ثم عطف علهيما البلد الأمين وفيه جبل حراء الذي تجلّى فيه الحق لحبيبه محمّد صلوات الله عليه وآله فهذه الجبال الاربع هي مظاهر الانوار الآلهية ، والتجليات الربوبية على الارواح النبوية والهيا كل البشريّة ، ولا شيىء أحق منها للحق بأن يقسم بها من مخلوقاته ، والله أعلم وأحكم بأسرار كلماته وسائر آياته.

__________________

(١) (حبرون) بالفتح ثم السكون وضم الراء وسكون الواو ونون اسم القرية التي فيها قبر ابراهيم الخليل عليه‌السلام بالبيت المقدس وقد غلب على اسمها الخليل ويقال لها ايضاً حبرى قاله ياقوت في معجم البلدان ج ٣ ص ٢٠٨ وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تميم الدارى في قومه وسأله ان يقطعه حبرون فاجابه وكتب له كتابا انظر نسخته في معجم البلدان ج ٣ ص ٢٠٩ وهامش كتاب ( الاموال ) لابي عبيدالله القاسم بن سلام المتوفى (٢٢٤) ه‍ ص ٢٧٤ ط مصر.

٢٥٨



٥٨

في لبس خاتم الذهب

لأيّ علة منع لبس خاتم الذهب وزرّ الذهب للرجال ؟

الجواب

حق السؤال أن يكون هكذا ـ لماذا منع الدين الاسلامي من لبس الرجال الحرير والذهب ؟ ... والجواب : أنّ الدين الاسلامي يريد من الرجال الخشونة والصلابة ، وان يكونوا أشدّاء واقوياء ، ولمّا كان في الحرير والذهب من النعومة والطراوة والميعان واللمعان ما ليس في غيرهما حرّمهما على الرجال لعلمه تعالى ولعله من المشاهد المحسوس أنّ الزينة بمثل هذه الاشياء يوجب التأنث والتخنث وسفالة الهمّة والميل والانقياد الى الشهوات البهيمية ، ويسقط همّة الرجل فيها عن السّمو الى نيل المعاني وعظائم الفتوح وعزائم الفتوح وعزائم الروح ، ولا يقاس هذا بلبس الأحجار الكريمة والجواهر الثمينة فانّها توجب العزّة والكرامة والسّمو وعلوّ الهمّة ، واين هذا من نعومة الحرير ولمعان الذهب التي تلائم ربّات الحجال. ويجب ان تترفع عنها الرجال حتى لو لم يحرّمهما الشارع. فلله شريعة الاسلام ما أعظمها

٢٥٩

وأجلّها ولله هذه الأمة المسلمة ما أضعفها وأجهلها والحكم لله ولا حول ولا قوة الا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

٢٦٠