جنّة المأوى

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

جنّة المأوى

المؤلف:

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-379-379-7
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ناشرات وللخدود لاطمات » ولكن هذا المعنى الذي اشرنا اليه لا يتيسّر لكل احد وليس شرعة لكل وارد ولا مطمع لكل طامع ولا يحصل الادعاء والتخيّل فانّه مرتبة عالية ومحل رفيع ومقام شامخ منيع واغلب الاشخاص الذين يرتكبون هذه الامور والكيفيات لا يأتون الاّ من باب التظاهر والمرآت والتحامل والمداجات مع أنّ هذا المعنى بغير القصد الصحيح والنيّة الصادقة لايخلوا من اشكال بل حرام وحرمته تتضاعف لبعض الجهات والعوارض الحالية والطوارئ المقامية واحسن الاعمال وانزهها في ذكرى الحسين السبط صلوات الله عليه هو النياحة والندبة والبكاء لريحانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمظلوم الموتور والسلام عليه والزيارة له واللعن على اعدائه والتبرّى من ظالميه والمشاركين في دمه وقاتليه والرّاضين بقتله صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين واولاده الميامين المنتجبين.

٢٢١
٢٢٢



٤٥

زيارة عاشوراء

السؤال

هل يكفي في زيارة « عاشورا » قراءة كلّ من السّلام واللّعن مرّة واحدة بدلاً عن مائة مرّة.

الجواب

لابدّ وأن يعلم أن ّاكثر المستحبات المركّبة غير ارتباطية بمعنى أنّ ثواب بعض اجزائها وصحّتها غير موقوفة على صحّة وثواب الباقي بل كثير منها من باب المستحب في المستحب كما أنّ القنوت في الصلاة مستحب ودعاء الفرج ايضاً في القنوت مستحب آخر ، فان قلنا انّ زيارة ( عاشوراء ) من هذا القبيل فيمكن الاكتفاء بلعن واحد وسلام واحد ولكن هذا المعنى من مساق الأدلة والاخبار بعيد فى الغاية بل زيارة ( عاشوراء ) نظير صلاة جعفر الطيار والتسبيحات الأربع المعتبرة فيها بعدد ستين وثلثمائة وستّين تسبيحة على الترتيب المعروف فان نقص

٢٢٣

عدد واحد منها في هذه الصلاة المخصوصة التي لها آثارها الخاصة فكأنّه لم يأت المكلف بتلك الصلاة وهكذا في زيارة ( عاشوراء ) الواردة برواية سيف بن عميرة ورواية صفوان الجمّال بالكيفيات المعهودة والاثار المخصوصة فان تركت تكبيرة واحدة من كبيراتها فضلاً عن اللعن والسلام كلّ واحد منهما مائة مرّة يكون هذا العمل باطلاً نعم لا يحرم المكلف ثواب مطلق زيارة سيد الشهداء سلام الله عليه بل يحسب من زائريه بلاشك.

ويمكن لنا استفادة مطلب آخر من هذه الأخبار وهو أنّ الزائر ان كان له شغل او عذر ولا سيّما الشغل الذي هو مستحب مؤكد عند الشارع المقدّس مثل عيادة المؤمن وتشييع جنازته أو قضاء حوائج اخوانه في الدين ونظائر ذلك فيمكن له ان يكتفى بلعن واحد بمعنى أنّ له الشروع باللعن واتمامه ولو حال المشي في الطريق أو في مجلس آخر فانّ الامر اذا دار بين فوات الاجزاء أو الشرائط فمراعات الاتيان بالاجزاء أولى وأهمّ والظاهر أنّ شيخ مشايخنا المحقق الانصاري قدس‌سره تعرّض لهذا المطلب في ( فرائده ) في رسالة اصل البرائة ويمكن ان نتوسّع في هذا المعنى حتى بالنسبة الى الصلوات المستحبّة كصلاة جعفر وغيرها بمعنى أنّه ان عرض شغل مهمّ للمكلف امكن له ان يصلى تلك الصلاة حيثما اراد اربع ركعات متعارفة بنيّة صلاة جعفر وبصدها وبعد اتمامها يسبّح ستّين وثلاثمائة تسبيحة فان لم يتكلم في الاثناء كان احسن وأولى.

وأما في زيارة ( عاشوراء ) فان اكتفى بلعن واحد وسلام واحد فينبغي اتمام العمل حتّى السجدة الأخيرة وبعد ذلك يتّم اللعن والسلام مائة مرّة الى آخر العمل وهذا النحو ايضاً احسن وأولى البتة والله العالم.

٢٢٤



٤٦

في آية الوضوء

ظاهر الآية الشريفة في القرآن الكريم « فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق » (١) يدّل على أنّ الغسل من الأصابع الى المرافق فما وجه العكس اي الغسل من المرافق الى رؤس الأصابع ؟

الجواب

المتحصّل والمستفاد من هذه الآية الشريفة هو أنه لابدّ من غسل الوجه والأيدي ومسح الرأس والأرجل في الوضوء ، ولمّا كان عند الشارع المقدّس يكفي في خصوص الرأس مسمّى المسح بمقدار من مقدّم الرأس كما يدّل على ذلك دخول باء التبعيض في قوله تعالى « برؤسكم » ليفيد هذا المعنى وامّا باقي الأعضاء فلمّا كان غسلها أو مسحها بأجمعها ممّا لابدّ منه فلم يدخل الباء عليها ولكن لابدّ من بيان حدودها ، امّا حدود الوجه فهي معلومة ولا يطلق عند العرف على المعاني المختلفة

__________________

(١) سورة المائدة آية : ٦.

٢٢٥

فانّ من المعلوم عند عموم الناس أنّ الوجه هو ما يواجه به في مجلس التخاطب ويشاهد حين التقابل وحدّه منتهى شعر الرأس من طرف الجبين الى آخر الذقن ، وأمّا الأيدى والأرجل فلمّا كانت حدود هما مشتبهة ولها اطلاقات كثيرة عند العرف فتارة يراد من اليد عندهم خصوص الكف التي هي عبارة عن الاصابع الى الزند وتارة اخرى تطلق الى المرفق وثالثة الى الكتف كان من اللازم تعيين المراد من اليد وأنّه أيّ معنى اراد سبحانه من هذه المعاني فقال تبارك وتعالى « الى المرافق » وهكذا الحال في الأرجل حيث كان لها اطلاقات كثيرة فقال تعالى « الى الكعبين » فيعلم من ذلك أنّ هاتين الملمتين في الآية الشريفة انّما هما لبيان غاية المغسول والممسوح وبيان حدودهما لا لبيان غاية الغسل والمسح ، والحق أنّ الغسل والمسح فى الآية الشريفة مطلقان من حيث النكس وغير النكس أما بطلان الوضوء بالنكس فهو مستفاد من الأخبار لامن الاية وما ذكرناه في المقام هو تحقيق انيق في فهم المراد من الآية الشريفة والله الموفق وبه المستعان.

٢٢٦



٤٧

هل يلزمنا اجتناب أهل السّنة والجماعة

هل يلزمنا اجتناب أهل السنة والجماعة مع العلم بأنّهم يباشرون أهل الكتاب والمشركين بالرطوبة حتى في الأكل والشرب وأنّهم قائلون بطهارة الدم والمني أو لا يلزم ذلك ؟ وهل يجوز أكل الدم المتخلّف في رقبة الحيوان اذا اطبخ أو لا ؟ من جهة استصحاب النجاسة تفضلوا ببيان الدليل في المسألة لازلتم مرجعاً للعلم والدين.

الجواب

اعلم أنّ كل من يشهد الشهادتين يحكم عليه شرعاً بالطهارة غير الغلات والنواصب والخوارج فأهل السنة من حيث الذّات في انفسهم طاهرون ببركة الشهادتين ، واما من حيث نجاستهم العرضية بسبب ملاقات احدى النجاسات فلابدّ من اعتبارهم متنجّسين ولافرق في هذه الجهة بين الخاصة والعامة ، وعموم المسلمين الذينهم محكومون بالطهارة بل وجميع الأشياء التي يحكم بكونها طاهرة بالذّات لايحكم بنجاستها باحتمال التنجّس وقاعدة الطهارة حاكمة وليس لنا ان نخرج من هذا الأصل الاّ بالعلم اليقيني الوجداني أو ما يقوم مقام العلم شرعاً

٢٢٧

كالبيّنة أو خبر العدل الواحد على القول به في الموضوعات وامّا الاعتماد على العلم العادي في هذه الموارد فمشكل وبناء على هذا ففي كل مقام ومورد جاء احتمال الطهارة ولو كان في غاية الضعف ، فلابدّ من البناء على الطهارة وهذه القاعدة المباركة حاكمة ، ومن المعلوم أنّ الطهارة في نظر الشارع المقدّس مبنيّة على التوسعة ، وامّا امر النجاسة والتنجس فهو مبني على الضيق وعدم التوسع يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُريِدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (١) بل الغالب أنّ هذه الخيالات والتوهمات تنجرّ الى الوساوس والمخاطر وهي الطامّة الكبرى المفسدة للدّين والدنيا ، فعلى هذا فان رأيت بعينك أنّ العامي باشر الدم أو المني ولم يجتنب منها أو أنّه باشر الكافر ولم يتباعد عنه ففي ذاك المجلس اجتنب عنه وكذا ان علمت أنّه في الامس أو في مجلس قبل هذا المجلس باشر الكافر لزم الاجتناب ايضاً وليست الغيبة في هذا المقام مطهّره فانّه يشترط فيها العلم بالنجاسة وهو ليس بقائل بنجاسة هذه الامور المذكورة ففي هذا الفرض يجري استصحاب النجاسة.

وامّا اذا علمت أنّ المباشرة انّما وقعت في وقت من الأوقات ولكن لم يعلم أنّها في أيّ وقت وقعت بالخصوص ففي هذه الصورة لايجري الاستصحاب بل تجري قاعدة الطهارة.

فصارت النتيجة أنّ في كل مورد تزاحم احتمال الطهارة مع احتمال النجاسة فاحتمال الطهارة مقدّم عليه عند الشارع المقدّس ولو كان احتمال النجاسة اقوى عند العرف والعادة أو من قرائن الأحوال الاّ ان يجري أصل او تقوم بيّنة ومع عدمهما وعدم كون المقام مورداً لهما يبنى على الطهارة وهذا المقام من الموارد التي يحسن الاحتياط فيها ولكن في غير موارد العسر والحرج ، وامّا الدم المختلف في الرقبة

__________________

(١) سورة البقرة آية : ١٨٥.

٢٢٨

أو في مطلق الذبيحة من الحيوان الطاهر بعد قذف القدر المتعارف منه فهو من الخبائث وأكله مستقلاً حرام ولو كان بعد الطبخ ، وامّا تبعاً للّلحم فيجوز أكله فانّه ليس له في نظر العرف وجود مستقل فلا يكون مورداً للاستصحاب والله العالم.

٢٢٩
٢٣٠



٤٨

في ظهور أجساد من العلماء وغيرهم طريّاً

أنّه قد تعارف بين الناس أنّهم اذا وجدوا جسد ميت من العلماء وغيرهم بعد سنين من دفنه طريّا لم يتغير يعدّون ذلك من الكرامات له ويحسبون أنّ ذلك من علائم السعادة فما وجه هذا الاعتقاد هل له دليل ومستند مستفاد من اخبار اهل البيت عليهم‌السلام خزّان علم الله وحفظة وحيه أو لا ؟ مع أنّا نشاهد بالوجدان والعيان ظهور جسد بعض الفساق بل ومن هو اسوأ حالا منهم ايضأ بعد اعوام كثيرة من موته طريّا لم يتغير.

الجواب

يخطر على بالي أنّ في احد الكتب من ارشاد الديلمي ، أو معالم الزلفي او الانوار النعمانية : أنّ الانبياء والائمة سلام الله عليهم بل والعلماء لاتبلى اجسادهم وهذه القضية شايعة عند عوام الشيعة ، بل وبعض الخواص ولعله بلغكم ما يقال : من أنّ احد الامراء اراد نبش قبر الامام موسى بن جعفر سلام الله عليهما ليتحقق هذه القضية فيقل له أنّ الشيعة يعتقدون ذلك في علمائهم ايضاً فنبش قبر الكليني او

٢٣١

المفيد رضوان الله عليهما فوجده بحاله لم يتغيَّر ، ومثلها للشاه اسماعيل الصفوي مع الحرّ سلام الله عليه ، ومثل هذه الاشياء لاينبغي الجزم بتصديقها ولا تكذيبها بل « فذروه في سنبله » وقاعدة الشيخ الرئيس كلّ ماقرع سمعك الى آخرها أما في الأدلّة الشرعية من الكتاب والسنة فلا أتخطر دليلاً في ذلك معتبراً يعتمد عليه ، نعم في خواص بعض الاعمال المستحبة كغسل الجمعة ربما يوجد أنّ من خواصها حفظ الجسد من البلا وعلى فرضه فلابد أن يكون المراد الى مدة ما والاّ فكل شيئى فان ولا يبقى الاّ وجهه الكريم وبقاء الأجسام وتلاشيها ببطؤ أو سرعة يختلف باختلاف استعدادها والتربة التي يدفن فيها وربّ جسد يبقى مائة سنة وآخر الى جنبه تلاشى بخمسين سنة ولله البقاء ومنه البدء وحده واليه المعاد.

٢٣٢



٤٩

القرآن وأوّل خليقة من البشر

هل القرآن دالّ على كون آدم أبا البشر ، وأوّل خليقة من هذا النوع أم لا ؟ وعلى فرض كون آدم أوّل مخلوق من النوع الانساني كيف التناسل بين أولاده ؟

الجواب

جميع الآيات الكريمة في هذا الموضوع صريحة في أنّ آدم خلق من تراب ، وتكون بالخلق الفجائي ، وأنّ ينبوع الحياة الأزلى نفخ فيه نسمة الحياة ، وهو حيّ مستحدث من جماد بل الحق الصراح عند ارباب الفلسفة العالية أنّ الروح في سائر الأجسام الحيّة هي جسمانية الحدوث روحانية البقاء فآدم الذي نوّه عنه القرآن الكريم هو الأب الأعلى لهذا النوع الموجود على هذه البسيطة وكلّهم من نسله ولكن ليس في القرآن ولا الاحاديث ما يدل على أنّه الاول من هذا النوع بل في الكتاب والحديث ما يدلّ على خلاف ذلك ففي تفسير قوله تعالى بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١) وردت عدة اخبار عن الصادقين سلام الله عليهم مضمونها أو

__________________

(١) سورة ق آية : ١٥.

٢٣٣

نصّها تقريباً ... ( تحسبون أنّه ليس غير آدمكم هذا بلى أنّ الله سبحانه خلق الف الف آدم والف الف عالم قبل هذا ، ويخلق بعد انقراض هذا العالم ودخول اهل الجنة جنتهم ، واهل الجحيم جحيمهم الف الف آدم والف الف عالم ، وتجد معظم هذه الأخبار في كتاب « الخصال » للصدوق اعلى الله مقامه وصريح هذه الاخبار أنّ هناك مالا يحصى من الادميين والعوالم وهو الموافق لعدم تناهي قدرته تعالى وأنّ يديه مبسوطتان ، وأنّ فيضه مازال ولايزال ولاينقطع في حال من الاحوال وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا.

امّا كيفية التناسل في بدء هذا الدور اعني دور آدمنا هذا الذي نحن من نسله فلها حسب ما ورد في بعض الآثار والأخبار طريقتان :

الاولى : ولعلها الأصح أنّ حوّا كانت تلد توأما كلّ بطن ذكر وانثى فكان يزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى فكان يزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الاخر وهكذا والاشكال أنّه كيف يزوج الاخت من اخيها ولو من بطن آخر ، وأنّه لايخرج عن كونه زنا وبذات المحارح مدفوع بأنّ الزنا ليس الاّ مخالفة القوانين المشروعة ، والنواميس المقررّة من المشرّع الحكيم ، وحيث أنّ في بدء الخليقة لايمكن التناسل الاّ بهذا الوضع اجازه الشرع في وقته لوجود المقتضى وعدم المانع ثم لمّا تكثّر النسل ، ومسّت الحاجة الى حفظ الأنساب وتميّز الأسر والأرحام ، وحفظ النظام العائل ، وحصل المانع من تزوّج الأخ باخته وامثال ذلك ممّا تضيع فيه العائلة وتهدم دعائم الأسر ولايتميز الأخ من الابن والأخت من البنت لذلك وضع الشارع قوانين للزواج يصون النسل عن الاختلاط والامتزاج وهذا المحذور لم يكن في بدء الخليقة يوم كانت أسرة آدم وحوّاء نفراً معدوداً.

٢٣٤

الطريقة الثانية : ما في بعض الاخبار من أنّ الله جل شأنه انزل حوريتين فتزّوجهما ولد آدم فكان النسل منهما ، ولعلّ المراد من الحوريتين امرأتين بقيتا من السلائل البشريّة المتقدمة على آدمنا هذا ، وعلى كلّ حال فلايلزم الزنا ، ولا مخالفة حرمة نكاح المحارم.

٢٣٥
٢٣٦



٥٠

سبب الخسوف والكسوف

ذكر علماء الهيئة أنّ سبب الخسوف هو حيلولة الأرض بين القمر والشمس ، وسبب الكسوف هو حيلولة القمر بين الارض والشمس وبهذا يعلم المنجّمون وقت الخسوف ، والكسوف ، فحينئذ أي ربط بين ما ذكروه وبين ما في بعض الأخبار بأنّ سببهما كثرة الذنوب وهاتان من علامة غضب الله فكيف يعلم المنجّمون وقت غضب الله ، فلو فرضنا عدم وجود انسان في الدنيا لايكون خسوف ولاكسوف ؟

الجواب

ما ذكره علماء الهيئة في سببهما كاد يكون محسوساً أو كالمحسوس ، أما ما ورد في الاخبار من أن سببهما كثرة الذنوب فهو مضافاً الى ضعفها المانع عن جواز التعويل عليها ومعارضة بعض الاحاديث النبوية لها الواردة في الخسوف المقارن لموت ابراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واعتقاد الناس أنّ ذلك لموت ابراهيم : فردعهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطب قائلاً : انّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لايخسفان لموت أحد

٢٣٧

ولا لحياة أحد الخ يمكن تأويلها وحملها على ارادة المعنى الكنائى : وهي أنّ كثرة الذنوب هي التي تطمس نور شمس الهداية وتذهب بنور أقمار العقول. فالذنوب هي التي ينخسف بها قمر العقل وينكسف شمس المعرفة فلا يبقى للعقل ولا للمعارف أثركما ينكسف الشمس بحيلولة القمر ، والقمر بحيلولة الأرض ، وهذا معنى حسن ومقبول عند ذوي العقول وان أبيت فطرح تلك الأخبار هو الأصح والله العالم.

٢٣٨



٥١

المعاد الجسماني

ما معنى المعاد الجسماني هل يعود عين البدن الدنيوي أو غيره ؟ فلو كان عين البدن الدنيوي فما معنى قوله تعالى لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ؟ (١)

الجواب

معنى المعاد الجسماني كما في بعض الأخبار انّك لو رأيته لقلت هذا هو فلان بعينه وكما أنك لو رأيت شخصاً في الدنيا وهو صحيح سليم الاعضاء ثمّ رأيته بعد عشر سنين مثلا مقطوع الاصبع ، أو اليد ، او قد ذهبت عينه ، او أذنه تقول هو فلان بعينه ولا يقدح في شخصيته فقدان يده او عينه فكذلك في الآخرة لايقدح في وحدته ، وتشخصه كونه كان في الدنيا بصيراً ويحشر في الاخرة أعمى ، وهذا العمى هو العمى الحقيقي الذي كان له في الدنيا وهو عمى البصيرة وحيث أنّ الدار الآخرة هي الدار التي تبلى فيها السرائر وتظهر الحقائق ـ فلا محيص من ان يحشر الكفار

__________________

(١) سورة طه آية : ١٢٥.

٢٣٩

والفاسق اعمى ، ويعرف أهلا لمحشر أنّ هذا هو الذي كان اعمى في الدنيا حقيقة وان كان بصيراً صورة قد حشره الله بصورته الحقيقية في الاخرة التي هي دار الحق والحقيقة ، ويؤيده قوله تعالى : كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى فتدبره جيّداً.

٢٤٠