جنّة المأوى

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

جنّة المأوى

المؤلف:

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء


المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-379-379-7
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أحمد (١) لماذا مال اناس عن علي عليه‌السلام الى غيره مع عظيم فضائله وشهرة مناقبه ؟ فقال : قهر نوره نورهم وغلب جمهوره جمهورهم والناس الى امثالهم أميل.

وهناك سرّ آخر لغلبة الاشرار والفجار على خصوص الانبياء والاوصياء ؛ وهو ما بسط القول فيه بأحسن بيان نائب الحجة الخاص الحسين بن روح رضوان الله عليه في جواب من سأله ان الحسين عليه‌السلام ولي الله ؟

قال : نعم ، فقال الشمر عدو الله ؟ قال نعم فقال : كيف يسلط الله عدوّه على وليّه ؟ فأجابه بجواب طويل شاف ملخصه : ان الله لمّا أيد أنبياء بالمعجزات وخوارق العادات فلو جعلهم في كل أحوالهم غالبين وقاهرين لاتخذتهم الناس أربابا من دون الله ، ولكن جعلهم تارة قاهرين ، وأخرى مقهورين ، ومرّة غالبين ومرّة مغلوبين ليعلم الناس أنهم بشر أمثالهم وعباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون انتهى.

اما قوله تعالى : فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٢) وأمثاله نظير قوله تعالى : و لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (٣) وأمثال : « الحقّ يعلو ولايعلى عليه » فقد ورد تفسيرها في بعض الاخبار أن المراد الغلبة بالحجة والبيان والدليل والبرهان لا أنّ المراد الغلبة بالملك والسلطان والسيف والسنان ، ويمكن أن يكون المراد الغلبة في الدار الاخرى دار القرار ومنزل الخلود والابدية ، فان هذه الدنيا على سعة مدتها وطول امتدادها ليست بالنسبة الى وعاء الدهر والسّرمد وحقيبة

__________________

(١) الخليل بن احمد العروضي من علماء الامامية توفى سنة : (١٧٠) ه‍ كان افضل الناس في الادب وقوله حجة فيه واخترع علم العروض قيل انه دعا بمكة ان يرزق علماً لم يسبقه اليه احد ولا يؤخذ الا عنه. فلما رجع من حجة فتح له علم العروض. رحمة الله عليه.

(٢) سورة ٥ آية : ٥٩.

(٣) سورة ٤ آية : ١٤١.

٢٠١

أحقاب الازلية والابدية الا كغمضة عين او كلمح بالبصر ، فما شأن الغلبة فيها مع المغلوبية هناك.

لا وأيم الله وكلاّ ، بل ان حزب الله هم الغالبون حتى في هذه الدنيا مثلا انّ يزيد وابن زياد قتلوا الحسين عليه‌السلام وأصحابه وغلبوهم ولكن الغالب في الحقيقة والواقع هو المغلوب والقاتل هو المقتول ، فان يزيد قتل الحسين عليه‌السلام في جسده وفرّق بين بدنه ورأسه ؛ ولكن الحسين عليه‌السلام قتل يزيد في روحه وفرق بين الشرف واسمه وقرن اللعنة به ، فاصبح حسين عليه‌السلام واهل بيته وأصحابه تمثال الشرف ورمز الكرامة وعنوان الفخر في الدنيا فضلا عن الاخرة ، واصبح يزيد وبنو امية مجسمة الخبث واللعنة والسفالة والنذالة والسقوط والخسّة في الدنيا مع قطع النظر عن الدار الاخرة ، فبالله عليك ايها الفطن اللبيت أيّ الرجلين هو الغالب وأيهما المغلوب ، فارجع واتل بحق واذعان ويقين وايمان : ألا ان حزب الله هم الغالبون ، ولايسع المقام لأكثر من هذا.

٢٠٢



٣٩

ديانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة

انّ رسول الله عليه‌السلام قبل بعثته بالرسالة والنبوّة ـ أيّ دين ـ كان يعتنق ، واذا يوجد حال استثنائي في قواعد البشرية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو ؟

لأنّ عادة البشر يلزم أن يكون متديّناً بدين (١) والعوام مقلّد. فعليه ، النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ان يبعث بالرسالة كان على أي طريقة ؟

الجواب :

أولاً : ان الدِّين عبارة عن وظائف روحيه ووظائف جسديه يعنى اعمال للقلب واعمال للقالب ، فاعمال القلب ووظائفه هو الاعتقادات وبعبارة أخرى أصول الدين كالتوحيد والنبوّة والمعاد بما فيه من الحساب والثواب والعقاب والصراط والميزان وغير ذلك وهي اصول الاسلام التي لا خلاف فيها بين جميع فرق المسلمين ، ثم العدل والامامة التي هو من مختصّات العدلية كالامامية وكثير من

__________________

(١) التدين بالدين فطري للبشر كما حقق ذلك في محله لا أنه من باب العادة المتبعة اللهم الا ان يكون المراد بها هو ما ذكرناه من الفطرة.

٢٠٣

فرق المعتزلة وتلك هي التي لاتتغيّر ولاتتبدّل وبها بعثت جميع الكتب والرسل لاتختلف بها شريعة ولا أحرى دين عن دين وهي عقلية استقل العقل بأمهاتها وأيده الشرع واستقل ببعض فرعياتها.

وبينا « محمّد » صلى‌الله‌عليه‌وآله بل وسائر الأنبياء كلهم على هذه العقيدة منذ ولدبل وقبل أن يولدوا فالسؤال هنا لامحل له.

واما الفروع وهي الاحكام التي تتعلق بالعمل فهي التي يمكن ان تختلف باختلاف الشرائع والملل حسب اختلاف الظروف والملابسات الزمنية والمكانية ، والامكانات الذاتيّة او الفرضية ولكن فيها جملة احكام اتفقت عليها ايضاً جميع الأديان وهي الوصايا العشر التي جاء بها موسى وتبعه عيسى عليه‌السلام في خطبته على الجبل والأصل فيها صحف ابراهيم عليه‌السلام وملّته التي هي أم الشرائع والاديان واضحة مشهورة هي : لاتقتل. لاتشرب. لاتسكر. لاتزني. لاتعق أبويك. لاتسرق. الى آخرها.

ثم جاء الاسلام فأكدّها وشدّدها وزادها كثيراً ، وملّة ابراهيم هي البذرة الأولى للأديان وفيها عدا تلك الوصايا العشر التي أخذتها الأديان الثلاثة أصول وأحكام أخرى كالحج بما فيه من طواف وسعي وغيرها والختان وغسل الجنابة وسنن وواجبات ومستحبات كالسّواك ، وقصّ الشارب (١) والأظفار وأمثالها ممّا جاء في الاسلام مما زاد فيه بعض الشروط والكيفيات ولعل اكثرها كان في شريعة موسى عليه‌السلام.

واما الزعامة الدينية من بى اسرائيل فغيّروا وبدّلوا كما غيّرت المسيحية أحكام

__________________

(١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في كلمات قصاره المباركة : من لم يأخذ شار به فليس منا ـ انظر الى شرح الكلمات القصار ص ١٤٦ وتوفير الشارب من علائم المجوس.

٢٠٤

التورات فانّ أناجيل النصارى تنصّ ان عيسى عليه‌السلام يقول :

تزول السماوات والارض ولايزول حرف من الناموس ولا يتبدل حكم من احكامه. مع انهم قد بدلوا السبت الى الاحد والختان الى التعميد ، وتعدد الزوجات الى زوجة واحدة الى كثير من امثال ذلك. (١)

والغرض : ان أصل الشرائع هي ملة ابراهيم وآيات القرآن تنصّ على انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان متّبعاً وعاملاً بها مثل قوله تعالى : وأوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم ـ ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين ـ (٢) ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ـ الى كثير من أمثال ذلك.

ولا ينافيه ان شريعة عيسى عليه‌السلام هي الشريعة الأخيرة وان شريعته عامّة لانه من أولى العزم (٣) لما عرفت من ان الصحيح والصميم من شريعة عيسى وموسى عليه‌السلام

__________________

(١) وممّا هو ثابت ومسلم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ما معناه : أن كل ما وقعت واتفقت في الأمم السابقة من القضايا والحوادث فهي واقعة في هذه الامة حذو النعل بالنعل ومما وقع في الامم هو تغيير الدين والشريعة بعد كل واحد من الانبياء اصحاب الشرائع وتحريف احكامها وبعد وفات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام جمع من المنافقين لتغيير الاحكام وتحريفها واخراجها عن مسيرها الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاشك ان الشريعة المقدسة مسمرة الى يوم القيامة وباقية الى آخر الدهر على النهج الصحيح فانها آخر الشرائع ونبيها آخر الانبياء وبه ختمت النبوة ، فلابد من أن يبقى شرعه الى الابد فبعث الله تعالى اهل بيت نبيه وجعلهم أوصيائه يذبون عن الدين انتحال المبطلين وتحريف الجاهلين والمعاندين فكل ما غيّروه من الشرائع والاحكام فاهل البيت عليهم‌السلام بيّنوا للناس حقيقتها وصحيحها وسقيمها وواقعها ولذلك بقيت الاحكام والشرائع التي جاء بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محفوظة غير متبدلة ومن هنا تعرف القارىء الكريم علة ان في بعض الاحكام اختلافاً بين المسلمين كالوضوء والتكتف في الصلاة وبعض مسائل الارث وغيرها لو شرحناه لخرجنا عن القصد ، فان المقصود هو الاشارة الى هذا المطلب المهم فان ذلك هو الاساس لاختلاف بعض الاحكام بين المسلمين والصحيح منها هو ما بينه أهل البيت عليهم‌السلام في عصورهم وبعدهم العلماء التابعين لهم في بيان الشرائع والاحكام :

بآل محمّد عرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

(٢) الضمير يرجع الى الله تعالى في الآية الشريفة. راجع الى مجمع البيان.

(٣) كون شريعة عيسى عليه‌السلام عامة غير مسلم ولعلها مختصة ببني اسرائيل ولا ينافي ذلك يكون عيسى عليه‌السلام

٢٠٥

هو وما وافى شريعة ابراهيم عدا بعض الاضافات والملابسات التي اقتضتها الظروف الزمنية والامكانات المكانية مما لاتقدح في الجوهر.

واما اليهودية والنصرانية التي كانت في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والى اليوم فهي ممسوخة مسخاً كلّياً والتوراة والانجيل محرّفات تحريفاً جلياً فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ، وقد دللنا واثبتنا في مؤلفاتنا ك‍ « الدين والاسلام » و « التوضيح » وغيرهما فضايح هذه الكتب ومخازيها التي منها : ان لوط شرب الخمر وسكر وزنى ببناته ـ معاذ الله تعالى.

( القصارى ) ان القرآن ينصّ على ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قبل بعثته متّبعاً لملّة أبيه (١) ابراهيم عليه‌السلام بل ولايبعد أنّ آبائه الاطهار كهاشم وعبدالمطلب وعبدالله ايضاً على هذه الشريعة ماسجدوا لصنم قط ولا عبدوا غير الله تعالى.

« ولكن التحقيق العميق » والفكرة الدقيقة تقضى بانه سلام الله عليه وآله من أول نشأته بل وقبل بلوغه فضلا عمّا قبل بعثته ما عمل الاّ بشريعته (٢) وهي شريعة الاسلام وكان يعلم بها بالالهام بل وبالوحي الخاص ولاينافيه قوله تعالى : أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ (٣) فان ملته ملة ابراهيم في مرتبتها الكاملة ومقامها الشامخ. والغرض من هذه الآيات الشريفة الردّ على اليهود والنصارى

__________________

من أولى العزم فان معنى ذلك كونه صاحب شريعة مستقلة ولم يكن مثل اغلب الأنبياء من اتّباع نبي آخر. وشيخنا الاستاذ رحمه‌الله هو أعرف بما جاد به يراعه الشريف.

(١) يعني في الاساسيات والاصول واما في الفروعات والاحكام الجزئية فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تابعاً وعاملاً لشريعة نفسه المقدسة كما سيصرح به شيخنا الامام رحمه الله ويأتى تحقيق ذلك في آخر الكتاب تفصيلاً على نحو البسط والتحقيق في الايات والروايات ونقل أقوال جمع من العلماء ، والاكابر مع بعض الاضافات.

(٢) وعلى هذا القول اجماع الامامية واتفاقهم كما صرح به الشيخ الطوسي قدس سره في كتابه النفيس « العدة » يأتى نقل عين كلماته الشريفة في آخر الكتاب ان شاء الله تعالى.

(٣) النحل ـ آية : ١٢٣.

٢٠٦

الذين كانوا يقولون للعرب : وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ . (١)

واذا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أكمل الأنبياء وأفضلهم وشريعته أكمل الشرائع ، فيستحيل ان يتدين الاكمل بغير الأكمل ، ويترجح الفضول على الأفضل ولاغرابة في كونه عالماً وهو صبىٌّ بجميع نواميس الشريعة الاسلامية وقوانينها ، فاذا تكلم عيسى عليه‌السلام بالمهد صبيّاً وتكلّم رأس يحيى عليه‌السلام في طشت من ذهب ، وتكلم رأس الحسين عليه‌السلام على الرمح.

ولبس محمّد الجواد عليه‌السلام خلعة الامامة وهو ابن سبع سنوات ، والتحف بها الحجّة عجّل الله تعالى فرجه وهو ابن خمس سنين ، وظهرت في قضية الهميان وغيره له تلك الكرامات الباهرة ، فلم لايكون لسيّدهم وسيد الكائنات ما هو أعظم من ذلك ؟

نعم كان يعمل بشريعته قبل بعثته غايته انه لم يكن مأموراً بدعوة الخلق اليها الا بعد بلوغ الأربعين ولنا هنا تحقيقات أنيقة وأسرار من المعارف رشيقة ولكن لامجال لذكرها هنا ولله المنّة نستمد التوفيق.

__________________

(١) البقرة : ١٣٥ نفى الله تعالى الشرك في هذه الاية الشريفة وأثبته لليهود والنصارى قوله تعالى : وما كان من المشركين يعنى لم يكن ابراهيم من اليهود والنصارى فسمّاها مشركين فان لم يكن المراد من المشركين هو اليهود والنصارى فحينئذ لم يرتبط اول الاية مع آخرها كما حققنا ذلك في كتاب « فصل الخطاب في تحقيق اهل الكتاب » ـ المخطوط.

٢٠٧
٢٠٨



٤٠

كيفية المعراج وفائدته

ماهي فائدة وفلسفة وميّزة نبيّنا الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أنبياء أولى العزم بمعراجه الى السماء وكيفية المعراج.

الجواب :

أنّ كيفية معراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى السماء وفلسفة ميّزته على سائر الأنبياء لو أردنا ايضاحها على نحو البسط والتحقيق ـ احتجنا الى تأليف رسالة او كتاب ، ولو ألّفنا تلك الرسالة لا أحسبها تكون في متناول أفهامكم ولعل من العبث او المرجوح خوضكم في مثل هذه النظريات العويصة التي هي مزالق أذهان الحكماء ، فكيف بغيرهما ولماذا يتكلف الانسان ما لم يكلف الله به ولا يسأله يوم القيامة عنه ولايحاسب عليه ، والذي أراه خيراً لكم أن تأخذوا احدى الرسائل العملية الفقهية كوجيزة الاحكام أو غيرها ، وتحفظون بها مسائل دينكم من أحكام الصلاة والغسل والوضوء واحكام البيع والشراء ، وسائر أبواب المعاملات كالاجارة ونحوها.

وليت شعري هل فرغتم من كل احكام تلك التكاليف حتى عرجتم الى كيفية

٢٠٩

المعراج ؟ وتلك الاحكام والوظائف هي التي يسأل عنها العبد يوم القيامة ، ويعاقب أشد العقاب على ترك تعلّمها والتسامح بها.

واما مسائل المعراج ونحوها من الجسماني أو الروحاني فلا تزيد العامّة من الناس الّا حيرة وارتباكاً ، وقد سكت الله تعالى عن أشياء لم يسكت عنها عجزاً أو بخلاً ولكن سكت عنها رحمة بعباده ولطفاً.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ الى آخرها = وفقكم الله.

٢١٠



٤١

حول حديث : اختلاف امتي رحمة

طالعت في بعض الكتب العلمية حديثاً منسوباً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ( اختلاف امتي رحمة ) فهل هذا من الاحاديث المأثورة ؟ واذا كان صحيحاً هل تفسّروه لنا وتفيدوننا عن سببه ؟؟

الجواب

نعم هو شائع في كتب الشيعة والسنة عدا الصحاح ، فانه لم يذكر فيها وقد ذكره المناوي في « كنوز الحقائق » في حديث خير الخلائق. والسيوطي في « الجامع الصغير » الحديث الثمانون بعد المأتين ورواه الشعراني في « الميزان الكبرى » هكذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله [ جعل اختلاف امتي رحمة وكان فيما قبلها عذاباً ] اما في كتب الشيعة فلعل اول من ذكره الصدوق في كتاب « معاني الاخبار » ، حيث روى بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال قلت لابي عبدالله ان قوماً رووا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال « ان اختلاف امتي رحمة » فقال صدقوا. قلت : ان كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث ذهبت وذهبوا أفما اراد الله عزوجل فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلُّ فِرْقَةٍ

٢١١

مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ فامرهم ان ينفروا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيختلفوا اليه فيتعلّموا ثم يرجعوا الى قومهم فيعلّموهم ، انما اراد اختلافهم في البلدان لا اختلافاً في دين الله انما الدين واحد : انتهى.

وبهذا الحديث ظهر احد المعاني المحتملة في الحديث. ويحتمل فيه معنى آخر ولعله أظهر وهو ان المراد الاختلاف في الفروع اي في الفتاوى الاجتهادية ، فان الحكم الواقعي وان كان واحداً ولكن اختلاف المجتهدين في تعيينه هو رحمة للعباد مثل الماء الذي يغسل به الثوب المتجّس مع خلوّه من عين النجاسة قيل : انه نجس وقيل : انه طاهر فمن يريد الورع والاحتياط يأخذ بقول النجاسة ويجتنبه ومن يريد السعة والتيسير يأخذ بقول الطهارة فيستعمل وهكذا قضية طهارة اهل الكتاب ونجاستهم ـ قول بطهارتهم مطلقاً ، وقول بنجاستهم كذلك ، وقول ثالث بالتفصيل ، بين حال الضرورة وفي حال عدم العلم بمباشرتهم للخمر والخنزير وامثالها من النجاسات فيجوز مساورتهم وفى حال عدم الضرورة او الاطلاع على مباشرة نجس فلايجوز.

والحاصل لاريب ان اختلاف الفقهاء في الفتاوى رحمة وتوسعة على العباد واليه الاشارة في حديث آخر رواه الصدوق رحمه‌الله ايضاً في كتاب ( معاني الاخبار ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما وجدتم في كتاب الله عزوجل فالعمل به لاعذر لكم في ترك سنتي وما لكم يكن سنة منّي فما قال اصحابي فقولوا به فانما مثل اصحابى فيكم كمثل النجوم بأيّها أخذ أهتدى وبأي أقاويل أصحابي اخذتم اهتديتم واختلاف اصحابي لكم رحمة فقيل يا رسول الله : ومن اصحابك ؟ قال : اهل بيتى عليهم‌السلام ، ثم قال مؤلف الكتاب : ان اهل البيت لايختلفون ويفتنون الشيعة بحرّ الحق وربّما أفتوهم بالتّقية فما يختلف من قولهم فهو للتقية والتقية رحمة للشيعة : (١) انتهى.

__________________

(١) يدل العقل بدفع الضرر عن النفس والمال والعرض ومستقل في دفع الاهم بالمهم وهذا معنى التقية في مذهبنا كما حققنا ذلك في تعاليقنا على « اللوامع الالهية » انظر ص ٤٥٨ ط تبريز.

٢١٢



٤٢

ديوان الامام عليّ عليه‌السلام

هل ديوان الشعر الموسوم ( بديوان الامام على عليه‌السلام ) هو له أو منسوب له ؟ وهل كان ينظّم الامام عليه‌السلام ؟ وهل نظّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله او كان يستشهد او كان يستشهد به فقط ؟؟

الجواب

هذا الديوان على التحقيق ليس كلّه للامام علي عليه‌السلام بل اكثره لغيره من أبي الأسود الدئلي وابي العتاهية والسيد الحميري وامثالهم وربما يوجد فيه شيء قليل لأميرالمؤمنين عليه‌السلام واصل هذا الديوان قد جمعه قطب الدين الكيدري من اهالي أواخر القرن السادس الهجري تلميذ الطبرسي رحمه‌الله صاحب « مجمع البيان » المطبوع بالعرفان وسمّي الديوان الذي جمعه من متفرق الكتب « انوار العقول من اشعار وصي الرسول » وذكر الكتب التي نقل عنها ولكن حذفوا الاسانيد في هذا الديوان المطبوع.

والخلاصة : ان اميرالمؤمنين سلام الله عليه لاشك انه نظّم الشعر وانما الكلام في

٢١٣

مقداره مقلّ او مكثر فبين من يقول جميع الديوان له وبين من يقول لم ينظّم مدة عمره سوى بيتين قال في القاموس في مادة « ودق » ذات ودقين الداهية واستشهد بقول على عليه‌السلام.

تلكم قريش تمنّاني لتقتلني ... الخ. ثم نقل عن المازني انه لم يثبت عن على عليه‌السلام انه نظّم من الشعر سوى هذين البيتين وصوّبه الزمخشرى. اما النبي عليه‌السلام فنص القرآن الكريم انه بعيد عن الشعر وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ (١) وذلك مصلحة ـ معلومة في الدعوة النبوّة وان نسب اليه بعض الابيات الرجزية مثل قوله :

انا النبي لاكذب

انا بن عبدالمطلب

وقوله :

ان انت الا اصبع دميت

وفي سبيل الله مالقيت

ويعتذرون بان لم يقله بقصد الشعراي صدرا عفواً ككلام فاتفق انه صدر موزوناً كما في القرآن العظيم كثير من هذا القبيل ـ ان جميع البحور موجودة في القرآن.

__________________

(١) سورة « يس » آية : ٦٩.

٢١٤



٤٣

وجه الحكمة لاختصاص الأمم بالأنبياء عليهم‌السلام

الاول : السؤال عن وجه الحكمة في اختصاص بعض الامم والبلدان ببعض الانبياء الذين دعوتهم ( عند كافة اهل الاديان ) عامة لجميع البشر ، فبماذا خصّ العرب بخاتم الانبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله واليهود بالمسيح عليه‌السلام وبني اسرائيل بالكليم عليه‌السلام وحرم منهم الهند والفرس والصين وامثالهم من الامم ذات الحول والطول والكثرة والقوّة ، فكان الواجب على الله سبحانه من باب اللطف لايخلى بقعة من الارض الا وبعث في اهلها رسولا اقول : ان لسئوالك جوابين اجمالي اقناعي وآخر تفصيلي ...

امّا الاول : فلا يخلو اما ان يكون بين السايل والمجيب اصول موضوعية ومبادى مسلمة ام لا وأعني بتلك المبادىء اعتراف الطرفين بان للكائنات صانعاً حكيما واجب الوجود وانه ارسل اولئك الرسل المدعين للنبوة المؤيدين بالمعجزة وانهم رسل حق من ذلك الصانع الحكيم ، فان لم تكن هذه المبادى مسلمة لزم النظر فيها اولا والبحث في وجه الاختصاص والسؤال عن الحكمة فيه ولا وجه له بل لا مجال له قبل تلك المبادى.

واما بعد اثباتها او بعد تسالمها عليها فايضاً لاوجه ولامجال له اذ بعد الاعتراف

٢١٥

بحكته وسعة علمه وانه هكذا صنع فلابد من الالتزام بثبوت حكمته هناك وان كانت مجهولة لنا ولا اجد من الخلايق مهما كانوا من القرب والزلفى عند الله عزّ شانه من ملائكته وانبيائه يقدر ان يدّعى لنفسه العلم بجميع الحكم والاسرار الالهية « سبحانك لا علم لنا » « قل لايعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله » « قال انما العلم عند الله » الى كثير من امثالها ممّا هو صريح في نفى العلم المطلق عن كل احد وحصره بالواحد الاحد وعلى ايّ حال ، فالسؤال ساقط على كلا الفرضين غاية الأمر انّه على تقدير التسالم على المبادى او اثباتها جديداً يلزمنا الاقرار بحكمته هناك ولايلزمنا البحث عنها بل ربما يكون البحث عنها من قبيل ـ لاتطلب ما لايعنيك فيفوتك ما يعينك ـ وكفى به ضرراً وشرّا وهذا الجواب وان كان اجماليا ولكنه جواب سيّال نافع في كثير من تلك الاسألة التي لا يكون الجهل بها فحلا بشرط من شروط الايمان والاسلام ولا نحن بمسئولين عنها يوم الدينونة.

واما الثاني : فالنبي الذي اختاره الله سبحانه لسفارته السابق علمه به « الله اعلم حيث يجعل رسالته » اذا كانت نبوته بامر الله عامة ودعوته لكل البشر شاملة يلزم كما ذكرت من باب اللطف واتمام الحجة بلوغ الدعوة مقرونة بالحجة والبرهان الى جميع من على وجه البسيطة من الشعوب والعناصر المستعدّين للتكليف لا القاصرين والمستضعفين الذينهم بالبهايم لا اقرب شبهاً منهم بالانسان كزنوج افريقيا المتوحشة العرات كالحيوانات وهنود امريكا قبل الاكتشاف فاللازم بلوغ الدعوة لاخصوص صاحب الدعوة ووصوله الى كل مكان وانسان وعلى النحو المتعارف في التبليغ لاعلى سبيل خرق العادة والاعجاز ـ والا « ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا » ولعلك جد خبير بان كل ايام الدعوة من المسيح عليه‌السلام كانت ثلاث سنوات ثم رفعه الله وما تجاوزت دعوته في ايامه منطقة قريته وبعض اهالي بلاده من فلسطين ولكن ياهل علمت الى اين بلغت دعوته وانتشرت من بعده

٢١٦

نبوّته في امم الشرق والغرب حين نفضت الى ماوراء المحيط من امريكا كل ذلك بفضل مساعي الاثنى عشر من الحواريين الذين آمنوا به وفازوا بصحبته او بصحبة اصحابه كمرقس وپولس ـ وپطرس ـ ويوحنا ـ .. واحزابهم الذين استوعبوا كل ما كان من المعمور ووصلوا الى جميع ملوك الاض وكانوا يدعون الناس الى دين المسيح والمعجزات تجري على ايديهم بحيث لوا دعوها لأنفسهم لراج لهم ذلك ولم يكن لولا الحق شططا وقد اشار الله سبحانه في كتابه المجيد الى بعض اولئك الرسل الناشرين لدعوة المسيح حيث قال : واضرب لهم مثلا اصحاب القرية اي : انطاكية ـ اذ ارسلنا اليهم اثنين ـ بولس ـ وصاحب له ـ فعززنا هما بثالث ـ شمعون الصفا واول من امن بهم من القرية حبيب النجار وهو المشار اليه بقوله تعالى ( وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى ) وما آمن بهم حين طلب منهم المعجزة وكان له ولداكمه مطموس العينين فوضعا ( بندقتين ) على موضع باصرته ، فصارتا عينين باصرتين فانتشر الخبر فاحضرهم الملك وطلب منهم احياء ولد له كان مات قريبا فاخبره فآمن الملك واكثر اهل المدينة ، الى كثير من امثال ذلك وعلى هذا المنوال نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فان دعوته في حياته وان لم تتجاوز الا اطراف شبه جزيرة العرب ولكن بعد بضع سنوات من وفاته استوعبت امهات ممالك كسرى وقيصر ونفذت الى اقصى الشرق من العراق الى خراسان ثم من سوريا الى مصر وهلمّ جرّاً من اليمامة والبحرين وغيرهما وكل ذلك بتائيد من الله سبحانه للقائمين بنشر الدعوة من بعده وقوّادهم وقد كانت المعجزة تجرى على يد بعضهم عند مسيس الحاجة اليه كما في قصة ـ خالد بن الوليد مع عبدالمسيح بن يقلبه في الحيرة على ما ذكره السيد المرتضى رحمه‌الله في أماليه « الدرر والغرر » في باب المعمرين حيث دخل على خالد وفي يد عبد المسيح شيء يقلبه وهو سم ساعة فاخذه خالد وذكر اسم الله عليه وابتلعه ، فسكن قليلا ثم قال وكأنما أنشط من عقال فاذ عن عبد المسيح وبعض قومه للجزية

٢١٧

ودخل جماعة منهم في الاسلام (١) وكما جرى للعلاء الحضرمي فاتح البحرين من عبوره هو اصحابه على الخليج بعد ان احرق اهل الرّدة سفنهم فعبروا بدوابهم الى كثير من امثال ذلك.

__________________

(١) انظر الى تفصيل القصة في الامالي للسيد رحمهم‌الله ج ١ ص ٢٦١ ـ ٢٦٠ ط مصر.

٢١٨



٤٤

في عزاء سيّد الشهداء عليه‌السلام

هل يوجد دليل على استحباب أو جواز لطم الصدور في عزاء أبي عبدالله الحسين ارواحنا فداه أولاً ؟ فانّ بعض من ليسوا من أهل نحلتنا ينكرون الجواز ، وبعض آخر يقولون انا نستكشف الجواز من لطم الفاطميات.

الجواب

مسألة لطم الصدور ونحو ذلك من الكيفيات المتداولة في هذه الأزمنة كالضرب بالسلاسل والسيوف وامثال ذلك ان أردنا ان نتكلم فيها على حسب ما تقتضيه القواعد الفقهية والصناعة المقررة لاستنباط الاحكام الشرعية فلا تساعدنا الاّ على الحرمة ولايمكننا الا الفتوى بالمنع والتحريم. فانه لا مخصّص للعمومات الأولية والقواعد الكلّية من حرمة الاضرار وايذاء النفس والقائها في التهلكة ولادليل لنا يخرجها عنها في المقام ولكن الذي ينبغي ان يقال بالقول الصريح أنّ من قطعيات المذهب الامامي ومن مسلّمات هذه الفرقة الحقّة الاثنا عشرية.

انّ فاجعة الطف والواقعة الحسينية الكبرى واقعة عظيمة ونهضة دينية عجيبة

٢١٩

والحسين عليه‌السلام رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمّة ووسيلة الوسائل والشفيع الذي لايرد وباب الرحمة الذي لايسدّ. (١)

وانّي أقول انّ حق الأمر وحقيقة هذه المسألة انما هو عند الله جلّ وعلا ولكن هذه الأعمال والافعال ان صدرت من المكلّف بطريق العشق الحسيني والمحبّة والوله لأبي عبدالله عليه‌السلام على نحو الحقيقة والطريقة المستقيمة وانبعثت من احتراق الفؤاد واشتعال نيران الأحزان في الاكباد بمصاب هذا المظلوم ريحانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله المصاب بتلك الرزيّة بحيث تكون خالية ومبرّاتاً من جميع الشوائب والتظاهرات والأغراض النفسانيّة فلا يبعد أن يكون جائزاً بل يكون حينئذ من القربات وأجلّ العبادات وعلى هذا يحمل ما صدر من الاعمال ونظائر هذه الافعال من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام مثل ما نقل عن العقيلة الكبرى والصدّيقة الصغرى زينب عليها‌السلام من « أنها نطحت جبينها بمقدّم المحمل حتّى سال الدم من تحت قناعها » ومثل ما ورد فى زيارة الناحية المقدّسة في وصف مخدّرات أهل البيت سلام الله عليهم « للشعور

__________________

(١) وقد خدم « ع » الدين بنهضته المقدسة واحيى التوحيد في العالم بتلك التضحية العظيمة ولولا شهادته لم تقم للاسلام قائمة فان الاحقاد القديمة من بني امية وتلك الضغائن الخبيثة من تلك الشجرة الملعونة نهضت على محو الدين الاسلامي الذي ظهر من اسرة عريقة بالمجد والشرف اعني البيت الهاشمي البازغ منهم شمس الرسالة والنبوة فلو ارخينا عنان القلم نحو الوجهة التاريخية وما كان للامويين من النيّات الممقوتة في هدم الاسلام لخرجنا عن الغرض المقصود في هذه الرسالة وهي ترجمة الكلمات المترشّحة من قلم سماحته رحمه‌الله. ولكن استطيع ان اقول أيها القارى العزيز على الاجمال : ان بني امية سلكوا في سياستهم الغاشمة في عدم الاسلام ونسفه المسلك والشرعة التي علمها لهم رئيسهم ورئيس المنافقين والزنادقة أبوسفيان ـ في تلقينه لهم تعاليمه الجاهلية ونزعاته الاموية حين دخل على عثمان بعد ان ولى الخلافة وخاطبهم بكلامه المعلن بكفره ونفاقه وقال : ( يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة والذي يحلف به ابوسفيان ما زلت ارجوها لكم ولتصيرن الى صبيانكن وراثة ) وقال لعثمان : ادرها كالكرة واجعل اوتادها بني اميّة فانماه والملك ولا ادري ما جنة ولانار. واتى قبر حمزة سيد الشهداء رضي‌الله‌عنه فركله برجله ثم قاله : يا حمزة ان الامر الذي كنت تقاتلنا عليه بالامس قد ملكناه اليوم وكنا أحق به من تيم وعدى.

٢٢٠