العقائد الاسلامية - ج ٢

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٢

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-119-2 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٣٧

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننالهذه الآية تحت عنوان ( بازار الاَحاديث والآراء في الرؤية)

فسرها أهل البيت عليهم‌السلام بكشف حجاب الآخرة وأهوالها

ـ تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٣٩٥

في عيون الاَخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلاممن الاَخبار في التوحيد بإسناده إلى الحسن بن سعيد عن أبي الحسن عليه‌السلامفي قوله : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ، قال : حجاب من نور يكشف ، فيقع المؤمنون سجداً ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود.

في مجمع البيان : وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلامأنهما قالا في هذه الآية : أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الاَبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة ، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، أي لا يستطيعون الاَخذ بما أمروا والترك لما نهوا عنه ، ولذلك ابتلوا.

في كتاب التوحيد بإسناده إلى حمزة بن محمد الطيار قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن قول الله عز وجل : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، قال : مستطيعون يستطيعون الاَخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا. ثم قال : ليس شيء مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء.

ـ تفسير التبيان ج ١٠ ص ٨٦

وقوله يوم يكشف عن ساق ، قال الزجاج : هو متعلق بقوله : فليأتوا بشركائهم .... وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك معناه : يوم يبدو عن الاَمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة. والساق ساق الاِنسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها ، وكل نبت له ساق فهو شجر ، قال الشاعر :

للفتى عقل يعيش به

حيث يهدي سَاقَهُ قَدَمُهْ

٣٨١

فالمعنى يوم يشتد الاَمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يقوم على ساق ، وقد كثر في كلام العرب حتى صار كالمثل فيقولون : قامت الحرب على ساق وكشفت عن ساق ، قال زهير بن جذيمة :

فإذا شَمَّرَتْ لك عن ساقها

فَوَيْهاً ربيعُ ولا تسأمِ

وقال جد أبي طرفة :

كشفت لهم عن ساقها

وبدا من الشر الصراح

وقال آخر :

قد شمرت عن ساقها فشدوا

وجدَّت الحرب بكم فجدوا

والقوس فيها وترٌ غِرَدُّ

وقوله : ويدعون إلى السجود ، قيل : معناه إنه يقال لهم على وجه التوبيخ : اسجدوا فلا يستطيعون ، وقيل : معناه إن شدة الاَمر وصعوبة الحال تدعوهم إلى السجود ، وإن كانوا لا ينتفعون به.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

ـ مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٤٩٩

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل : يوم يكشف عن ساق ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر. إصبر عناق إنه شر باق ....

وقد روى الحاكم وغيره عدة أحاديث فيها ( يكشف عن ساق ) بدون نسبة الساق إلى الله تعالى ، كما في ج ٢ ص ٣٧٦ وج ٤ ص ٥٥١ وقال عنه : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه في ج ٤ ص ٥٨٢ ونحوه في مسلم في ج ١ ص ١١٥ وج ٨ ص ٢٠٢

٣٨٢

ـ مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٢٨

قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم : يوم يكشف عن ساق ، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً. رواه أبو يعلى وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي ، وبقية رجاله ثقات.

ـ وقال في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٠٣ ، ونحوه في ج ٩ ص ٢٧٧

وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال : خرج نافع بن الاَزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه ، حتى قدموا مكة فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص ، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا ، فيقول هو كذا وكذا ، فقال له نافع به الاَزرق : ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم!

فقال له ابن عباس : ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك! ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟

قال : من هو يا ابن عباس؟

قال : رجل تكلم بما ليس له به علم ، أو كتم علماً عنده.

قال صدقت يا ابن عباس ، أتيتك لاَسألك.

قال : هات يا ابن الاَزرق فسل.

قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل ( يرسل عليكما شواظ من نار ) ما الشواظ؟

قال : اللهب الذي لا دخان فيه.

قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :

ألا من مبلغ حسان عني

مغلغلةً تدبُّ إلى عُكاظِ

أليس أبوك قيناً كان فينا

إلى الفتيات فَسْلاً في الحفاظ

يمانياً يظل يشب كيراً

وينفخ دائباً لهب الشواظ

٣٨٣

قال : صدقت فأخبرني عن قوله : ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس؟

قال : الدخان الذي لا لهب فيه.

قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم.

قال : نعم ، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول :

يضيَ كضوء سراج السليط

لم يجعل الله فيه نحاسا

يعني دخانا.

قال : صدقت فأخبرني عن قول الله : أمشاج نبتليه؟

قال : ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً.

قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول :

كأن النصل والفوقين فيه

خلاف الريش سيط به مشيج

قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق؟

قال : الحرب.

قال : هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب :

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٤

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الاَسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال قال ابن عباس : يكشف عن أمر عظيم ، ثم قال : قد قامت الحرب على ساق.

٣٨٤

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الاَسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب .... وقامت الحرب بنا على ساق ، قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الاَزرق سأله عن قوله : يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الاَسماء والصفات عن ابن عباس ....

وأخرج ابن منده عن ابن عباس ....

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله : يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج البيهقي في الاَسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق ، قال : يريد القيامة والساعة لشدتها.

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال : حين يكشف الاَمر وتبدو الاَعمال ، وكشفه دخول الآخرة وكشف الاَمر عنه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مندة من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ يوم تكشف عن ساق بفتح التاء ، قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً.

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق ، بالياء ورفع الياء.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الاَسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ، فغضب غضباً شديداً وقال : إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه ، وإنما يكشف عن الاَمر الشديد. انتهى. ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي. ورواه في ج ٦ ص ٢٩٢ عن قتادة.

٣٨٥

ـ الاَحاديث القدسية للمجلس الاَعلى المصري ج ١ ص ٩٨

قوله : فيكشف عن ساق ، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة ، أي يكشف عن الشدة. انتهى.

وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم ، في الفصل الثالث في بازار الاَحاديث ، وهي كثيرة. وقد تبنى علماء الوهابية تفسيرها بساق اللّه تعالى عما يصفون!

* *

تفسير آيات الاِستواء على العرش

قال الله تعالى : إ ن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، ألا له الخلق والاَمر تبارك الله رب العالمين. الاَعراف ـ ٥٤

إن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الاَمر ، ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون. يونس ـ ٣

الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاَجل مسمى ، يدبر الاَمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون. الرعد ـ ٢

طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلاً ممن خلق الاَرض والسماوات العلى. الرحمن على العرش استوى. له ما في السماوات وما في الاَرض وما بينهما وما تحت الثرى. طه ١ ـ ٦

الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا. الفرقان ـ ٥٩

٣٨٦

الله الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون. السجدة ـ ٤

هو الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج في الاَرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير. له ملك السماوات والاَرض وإلى الله ترجع الاَمور. الحديد ـ ٤ ـ ٥

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للاستواء على العرش تحت عنوان ( بازار الاَحاديث والآراء في الرؤية )

تفسير أهل البيت عليهم‌السلام

الاِستواء على العرش : استواء نسبة الله إلى العالم

ـ روى الكليني في الكافي ج ١ ص ١٢٧

علي بن محمد ، ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن موسى الخشاب عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلامأنه سئل عن قول الله عز وجل : الرحمن على العرش استوى ، فقال استوى على كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء.

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، فقال : استوى في كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى في كل شيء.

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلامقال : من زعم أن الله من شيء ، أو في شيء ، أو على شيء ، فقد كفر ، قلت :

٣٨٧

فسر لي ، قال : أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.

وفي رواية أخرى : من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصوراً ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

ـ وروى في الكافي ج ١ ص ١٢٨

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه ، قال : سأل الجاثليق أمير المؤمنين عليه‌السلامفقال : أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الله عز وجل حامل العرش والسماوات والاَرض وما فيهما وما بينهما ، وذلك قول الله عز وجل : إن الله يمسك السماوات والاَرض أن تزولا ، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفورا.

قال : فأخبرني عن قوله : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والاَرض؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة : نور أحمر ، منه احمرت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ، ونور أبيض منه ابيض البياض ، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته ، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والاَرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة ، بالاَعمال المختلفة والاَديان المشتبهة ، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا ، فكل شيء محمول ، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا ، والمحيط بهما من شيء وحياة كل شيء ونور كل شيء ، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

قال له : فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من

٣٨٨

ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ، فالكرسي محيط بالسماوات والاَرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ، وذلك قوله تعالى : وسع كرسيه السماوات والاَرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه ، وليس يخرج عن هذه الاَربعة شيء خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليه‌السلامفقال : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والاَرض وليكون من الموقنين ، وكيف يحمل حملة العرش الله ، وبحياته حييت قلوبهم ، وبنوره اهتدوا إلى معرفته!

ـ التوحيد للصدوق ص ٢٤٧ من حديث عن الاِمام الصادق عليه‌السلام :

قال السائل : فله كيفية؟

قال : لا ، لاَن الكيفية جهة الصفة والاِحاطة ، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ، لاَن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية ، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ، ولا يشارك فيها ، ولا يحاط بها ، ولا يعلمها غيره.

قال السائل : فيعاني الاَشياء بنفسه؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو أجل من أن يعاني الاَشياء بمباشرة ومعالجة ، لاَن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الاَشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة ، وهو تعالى نافذ الاِرادة والمشية ، فعال لما يشاء.

قال السائل : فله رضى وسخط؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين ، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق ، وخلقه جميعاً محتاجون إليه ، وإنما خلق الاَشياء من غير حاجة ولا سبب ، اختراعاً وابتداعاً.

٣٨٩

قال السائل فقوله : الرحمن على العرش استوى؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له ، ولا أن العرش محتاز له ، ولكنا نقول : هو حامل العرش وممسك العرش ، ونقول من ذلك ما قال : وسع كرسيه السموات والاَرض ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له ، أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان ، أو إلى شيء مما خلق ، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الاَرض؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ، لاَنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والاِخبار عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل ، وهذا يجمع عليه فرق الاَمة كلها.

ـ التوحيد للصدوق ص ٣١٥

روى الحديثين المتقدمين في لكافي ثم قال :

استعمل الاِستواء في معان : استقرار شيء على شيء ، وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الاِمام عليه‌السلامفي أخبار من هذا الباب ، لاَنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشيء ليعمل فيه ، وعليه فسر في بعض الاَقوال قوله تعالى : ثم استوى إلى السماء. والاِستيلاء على الشيء ، كقول الشاعر :

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناههم صرعى لِنِسْرٍ وكاسرِ

والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الاَقوال ، وفي الحديث الاَول من الباب الخمسين.

والاِستقامة ، وفسر بها قوله تعالى : فاستوى على سوقه ، وهذا قريب من المعنى

٣٩٠

الاَول. والاِعتدال في شيء وبه ، فسر قوله تعالى : ولما بلغ أشده واستوى. والمساواة في النسبة ، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى : وما يستوي الاِحياء ولا الاَموات. وفسر الاِمام عليه‌السلامالآية بها في هذا الباب ، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان ، لاَنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود ، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات ، وإنما الاِختلاف من قبل حدود الممكنات ، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.

حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال : حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا : حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال : حدثنا عبدالله بن عاصم قال : حدثنا عبدالرحمن بن قيس ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها ، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلامفسأله عنها فأجابه ، وكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟

فقال علي عليه‌السلام : لا يوصف الرب جل جلاله بمكان ، هو كما كان ، وكان كما هو ، لم يكن في مكان ، ولم يزل من مكان إلى مكان ، ولا أحاط به مكان ، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف.

قال : صدقت ، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟

قال علي عليه‌السلام : لم يزل ربنا قبل الدنيا ، ولا يزال أبداً ، هو مدبر الدنيا ، وعالم بالآخرة ، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا ، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة.

قال : صدقت يرحمك الله ، ثم قال : أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟

فقال علي عليه‌السلام : إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل.

٣٩١

قال النصراني : فكيف ذاك ونحن نجد في الاِنجيل ( كذا ) : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟

فقال علي عليه‌السلام : إن الملائكة تحمل العرش ، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير ، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر ، وربك عز وجل مالكه ، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء. وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النصراني : صدقت رحمك الله .. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة ....

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه‌الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد ابن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلامقال : من زعم أن الله عز وجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك ، ثم قال : من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

قال مصنف هذا الكتاب : إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل : إن ربكم الله الذي خلق السموات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً. ولا حجة لها في ذلك لاَنه عز وجل عنى بقوله : ثم استوى على العرش ، أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له ، وقوله عز وجل ( ثم ) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاِستواء ، فلا يجوز أن يكون معنى قوله استوى استولى لاَن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الاَشياء ليس هو بأمر حادث ، بل لم يزل مالكاً لكل شيء ومستولياً على كل شيء ، وإنما ذكر عز وجل الاِستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً ، وهو كقوله : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ، فذكر ( نعلم ) مع قوله ( حتى ) وهو عز وجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك ، لاَن حتى لا يقع إلا على فعل حادث ، وعلم الله عز وجل بالاَشياء لا يكون حادثاً. وكذلك ذكر قوله عز وجل : استوى على

٣٩٢

العرش ، بعد قوله ( ثم ) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لاِستيلائه عليه ، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لاَن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٧

وقوله : الرحمن على العرش استوى ، معناه استولى عليه لما خلقه ، كما قال الشاعر :

قد استوى بشرٌ على العراق

من غير سيف ودمٍ مُهْرَاق

وقوله : لما خلقت بيدي ، معناه أنه تولى خلقه بنفسه ، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك ، أي أنت فعلته. وقيل : معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله : في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته.

وقوله : والسماوات مطويات بيمينه ، أي بقدرته ، كما قال الشاعر :

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد

تلقاها عَرَابةُ باليمين

وقوله : تجري بأعيننا ، أي ونحن عالمون.

ولا يجوز أن يكون تعالى بصفة شيء من الاَعراض ، لاَنه قد ثبت حدوث الاَعراض أجمع ، فلو كان بصفة شيء من الاَعراض لكان محدثاً ، وقد بينا قدمه. ولاَنه لو كان بصفة شيء من الاَعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلى محل أو بصفة ما لا يحتاج إلى المحل كالغني وإرادة القديم تعالى وكراهته ، فإن كان بصفة القسم الاَول أدى إلى قدم المحال وقد بينا حدوثها ، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك على هذه الاَشياء. وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الاَجسام معه ، وذلك باطل ....

ولا يجوز أن يكون تعالى في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها ، لاَنه ليس في الفعل ما يدل على أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة ، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

٣٩٣

ولا يجوز عليه تعالى الحاجة ، لاَن الحاجة لا تجوز إلا على من يجوز عليه المنافع والمضار ، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا على من تجوز عليه الشهوة والنفار ، وهما يستحيلان عليه تعالى. والذي يدل على أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل على كونه مشتهياً ونافراً ، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته على صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا على الاَجسام ، لاَن الشهوة تجوز على من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه ، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً ، وقد بينا أنه ليس بجسم ، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه. وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار ، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً ، لاَن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج.

ـ تفسير التبيان ج ٤ ص ٣٤

والاِستواء على أربعة اقسام : استواء في المقدار ، واستواء في المكان ، واستواء في الذهاب ، واستواء في الاِنفاق. والاِستواء بمعنى الاِستيلاء راجع إلى الاِستواء في المكان ، لاَنه تمكن واقتدار.

ـ تفسير التبيان ج ٧ ص ١٥٩

الرحمن على العرش استوى ، قيل في معناه قولان : أحدهما ، أنه استولى عليه ، وقد ذكرنا فيما مضى شواهد ذلك. الثاني ، قال الحسن : استوى لطفه وتدبيره ، وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضى وأوردنا شواهده في سورة البقرة ، فأما الاِستواء بمعنى الجلوس على الشيء فلا يجوز عليه تعالى ، لاَنه من صفة الاَجسام والاَجسام كلها محدثة. ويقال : استوى فلان على مال فلان وعلى جميع ملكه أي احتوى عليه ، قال الفراء : يقال كان الاَمر في بني فلان ثم استوى في بني فلان ، أي قصد إليهم وأنشد :

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شرورى

ثواني واستويْنَ من النُّجوعِ

أي خرجن وأقبلن.

٣٩٤

ـ كتاب العين ج ٧ ص ٣٢٦

والمساواة والاِستواء واحد ، فأما يسوى فإنها نادرة .... ويقال : هما على سوية من الاَمر أي : على سواء وتسوية واستواء.

ـ مفردات الراغب ص ٢٥١

واستوى يقال على وجهين ، أحدهما : يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا ، وقال : لا يستوون عند الله. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو : ذو مرة فاستوى ، وقال : فإذا استويت أنت. لتستووا على ظهوره. فاستوى على سوقه. واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان.

ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاِستيلاء كقوله : الرحمن على العرش استوى ، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الاَرض ، أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه ، كقوله : ثم استوى إلى السماء فسواهن. وقيل معناه استوى كل شيء في النسبة إليه فلا شيء أقرب إليه من شيء ، إذ كان تعالى ليس كالاَجسام الحالة في مكان دون مكان.

وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الاِنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير ، وعلى الثاني قوله : ثم استوى إلى السماء وهي دخان.

معنى العرش والكرسي عند أهل البيت عليهم‌السلام

ـ الكافي للكليني ج ١ ص ١٣٠

أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه‌السلامفأستأذنته فأذن لي ، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له : أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : كل محمول للمفعول مضاف ، إلى غيره محتاج ، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة ، وكذلك قول القائل : فوق وتحت وأعلا

٣٩٥

وأسفل ، وقد قال الله : وله الاَسماء الحسنى فادعوه بها ، ولم يقل في كتبه إنه المحمول ، بل قال : إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والاَرض أن تزولا ، والمحمول ما سوى الله ، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه : يا محمول!

قال أبوقرة : فإنه قال : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، وقال : الذين يحملون العرش.

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كل شيء ، ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه ، لاَنه استعبد خلقه بحمل عرشه ، وهم حملة علمه ، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه ، وملائكة يكتبون أعمال عباده ، واستعبد أهل الاَرض بالطواف حول بيته ، والله على العرش استوى كما قال ، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش ، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شيء وعلى كل شيء ، ولا يقال محمول ولا أسفل ، قولاً مفرداً لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى.

قال أبوقرة : فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجداً ، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم؟

فقال أبوالحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي ، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه! كيف تجتريء أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين! سبحانه وتعالى لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين ، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره ، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!

محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي ابن

٣٩٦

عبدالله ، عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن قول الله عز وجل : وسع كرسيه السماوات والاَرض ، فقال : يا فضيل كل شيء في الكرسي ، السماوات والاَرض وكل شيء في الكرسي.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن قول الله عز وجل : وسع كرسيه السماوات والاَرض ، السماوات والاَرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والاَرض؟ فقال : بل الكرسي وسع السماوات والاَرض والعرش ، وكل شيء وسع الكرسي.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبدالله بن بكير ، عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن قول الله عز وجل : وسع كرسيه السماوات والاَرض ، السماوات والاَرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والاَرض؟ فقال : إن كل شيء في الكرسي.

ـ التوحيد للصدوق ص ١٠٨

ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، قال : ذاكرت أبا عبد الله عليه‌السلامفيما يروون من الرؤية ، فقال : الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر ، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

ـ التوحيد للصدوق ص ٣١٩

باب معنى قوله عز وجل : وكان عرشه على الماء.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ؛ ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال : حدثنا جذعان بن نصر

٣٩٧

أبونصر الكندي قال : حدثني سهل بن زياد الآدمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمن بن كثير عن داود الرقي قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن قوله عز وجل : وكان عرشه على الماء ، فقال لي : ما يقولون في ذلك. قلت : يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه. فقال : كذبوا ، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين ، ولزمه أن الشيء الذي يحمله أقوى منه! قلت : بين لي جعلت فداك.فقال : إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر ، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم : من ربكم فكان أول من نطق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلاموالاَئمة صلوات الله عليهم ، فقالوا : أنت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون ، ثم قيل لبني آدم : أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة ، فقالوا : نعم ربنا أقررنا ، فقال للملائكة : إشهدوا ، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

حدثنا تميم بن عبدالله بن تميم القرشي قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن علي الاَنصاري ، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال : سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلامعن قول الله عز وجل : وهو الذي خلق السموات والاَرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، فقال : إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السموات والاَرض ، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل ، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شيء قدير ، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع ، وخلق السموات والاَرض في ستة أيام ، وهو مستول على عرشه ، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عز وجل

٣٩٨

خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شيء ، وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة ، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه ، لاَنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق ، لا يوصف بالكون على العرش لاَنه ليس بجسم ، تعالى الله عن صفة خلقه علواً كبيرا.

وأما قوله عز وجل : ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الاِمتحان والتجربة ، لاَنه لم يزل عليماً بكل شيء.

فقال المأمون : فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

ـ التوحيد للصدوق ص ٣٢١

باب العرش وصفاته.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن قال : حدثني أبي ، عن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلامعن العرش والكرسي فقال : إن للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله : رب العرش العظيم ، يقول : الملك العظيم ، وقوله : الرحمن على العرش استوى ، يقول : على الملك احتوى ، وهذا ملك لكيفوفية الاَشياء.

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي ، لاَنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعاً غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ، لاَن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الاَشياء كلها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاَين والمشية وصفة الاِرادة ، وعلم الاَلفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبدء ، فهما في العلم بابان مقرونان ، لاَن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي ، فمن ذلك قال : رب العرش العظيم ، أي صفته أعظم من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان.

٣٩٩

قلت : جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟

قال : إنه صار جاره لاَن علم الكيفوفية فيه ، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها ، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء (كذا) وليستدلوا على صدق دعواهما لاَنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالى : رب العرش عما يصفون ، وهو وصف عرش الوحدانية لاَن قوماً أشركوا كما قلت لك ، قال تبارك وتعالى : رب العرش ، رب الواحدانية عما يصفون. وقوماً وصفوه بيدين فقالوا : يد الله مغلولة. وقوماً وصفوه بالرجلين فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء. وقوماً وصفوه بالاَنامل فقالوا : إن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي!

فلمثل هذه الصفات قال : رب العرش عما يصفون ، يقول رب المثل الاَعلى عما به مثلوه ، ولله المثل الاَعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم ، فذلك المثل الاَعلى ، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الاَمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به ، فلذلك قال : وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ، فليس له شبه ولا مثل ولا عدل ، وله الاَسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره ، وهي التي وصفها في الكتاب فقال : فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، جهلاً بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ، ويكفر به وهو يظن أنه يحسن ، فلذلك قال : وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء ، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم ، فأرسل محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل ، حتى مضى دليلاً هادياً ، فقام من بعده وصيه عليه‌السلامدليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه ، ثم الاَئمة الراشدون عليهم‌السلام.

٤٠٠