العقائد الاسلامية - ج ٢

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٢

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-119-2 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٣٧

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر ، ثم مضى حتى جاء لسدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلى.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً ، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى ، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الاَفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة ، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي ، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

ـ وقال السهيلي في الروض الاَنف ج ٢ ص ١٥٦

وروي : لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهى.

وقدتقدم ذكر روايات أخرى تنسب التدلي إلى الله تعالى ، وتقدم عن أهل البيت عليهم‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات ، ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الاَرض ، حتى ظن أنه في القرب من الاَرض كقاب قوسين أو أدنى ).

ووصفوا عرشه بأنه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

ـ الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الاَسماء والصفات وضعفه عن عبدالله بن أبي

٣٤١

سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبدالله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس : أن نعم ، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة ، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهى.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالى في بازار الاَحاديث ، ويأتي بعضها في تفسير : الرحمن على العرش استوى.

وقالوا رأى ربه واقفاً على أرض خضرة خلف ستر شفاف

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج البيهقي في الاَسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الاَبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره ، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء! انتهى.

ومضافاً إلى تضعيف البيهقي لهذه الرواية ، فإنها تحاول تفسير قوله تعالى : لا تدركه الاَبصار ، أي لا تدرك نوره ، أما ذاته تعالى فتدركها الاَبصار. وهو مخالف لظهور الآية ، ولم يفسرها به أحد.

وحاول بعضهم أن يخفف القصة ويجعلها رؤيا في المنام

ـ تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم ( أحسبه قال في المنام )

ـ وروى عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٣٧

عن ابن عباس : أن النبي ( ص ) قال : أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال : يعني في المنام ، فقال : يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال

٣٤٢

النبي ( ص ) قلت : لا ، قال النبي ( ص ) : فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي .. فعلمت ما في السموات والاَرض ....!!

ـ وروى ابن حبان في المجروحين ج ٣ ـ ١٣٥

عن أنس أن الرسول ( ص ) قال : أتاه ربه في المنام في أحسن صورة ، حتى وضع يده بين كتفه فوجد بردها بين ثديية.

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

وأخرج ابن نصر والطبراني في السنة عن ثوبان رضي الله عنه .... وفي بعض روايات السيوطي أنه رآه بقلبه ، وفي بعضها ( فعلمت في منامي ذلك ما سألني عنه من أمر الدنيا والآخرة ، فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى ).

تفسير آية : وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة

كلا بل تحبون العاجلة. وتذرون الآخرة. وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يفعل بها فاقرة. القيامة ٢٠ ـ ٢٥

تفسير أهل البيت عليهم‌السلام وفقهاء مذهبهم

ـ تفسير القمي ج ٢ ص ٣٩٧

وجوه يومئذ ناضرة : أي مشرقة. إلى ربها ناظرة : قال ينظرون إلى وجه الله أي إلى رحمة الله ونعمته. ووجوه يومئذ باسرة : أي ذليلة. انتهى. ورواه في الاِحتجاج ج ٢ ص١٩١ وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٦٤ وقال : وفي مجمع البيان ، وقال : وروي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك ، وهو المروي عن علي عليه‌السلام.

ـ أمالي المرتضى ج ١ ص ٢٨

مسألة : إعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، على وجوه معروفة ، لاَنهم بينوا أن النظر

٣٤٣

ليس يفيد الرؤية ولا الرؤية من أحد محتملاته ، ودلوا على أن النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة ، منها تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلباً لرؤيته ، ومنها النظر الذي هو الاِنتظار ، ومنها النظر الذي هو التعطف والمرحمة ، ومنها النظر الذي هو الفكر والتأمل ، وقالوا إذا لم يكن قي أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جميعاً إلى طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية.

وتأولها بعضهم على الاِنتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفاً والمنتظر منه مذكوراً ، على عادة للعرب معروفة.

وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم ، على سبيل حذف المرئي في الحقيقة وهذا كلام مشروح في مواضعه ، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة. وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها ، بل يصح الاِعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الاِنتظار بالقلب أم الرؤية بالعين ، وهو أن يحمل قوله تعالى إلى ربها إلى أنه أراد نعمة ربها لاَن الآلاء النعم وفي واحدها أربع لغات : ألا مثل قفا ، وألى مثل رمى ، وألي مثل معي ، وألَّى مثل حتَّى ، قال أعشى بكر بن وائل :

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحماً ولا يخون إلى

أراد أنه لا يخون نعمة ، وأراد تعالى إلى ربها فأسقط التنوين للاِضافة.

فإن قيل : فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رائية لنعمه وثوابه.

قلنا : ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لاَنه إذا جعل إلى حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالى فلا بد من تقدير محذوف ، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف ، لاَن إلى فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره ، والله أعلم بالصواب.

٣٤٤

ـ بحار الاَنوار ج ٤ ص ٢٨

لي : علي بن أحمد بن موسى ، عن الصوفي ، عن الروياني ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قال علي بن موسى الرضا عليه‌السلامفي قول الله عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة : يعني مشرفة تنتظر ثواب ربها.

بيان : إعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الاِستدلال بتلك الآية على جواز الرؤية وجوها :

الاَول : ما ذكره عليه‌السلامفي هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالى : فناظرة بم يرجع المرسلون. روي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك ، وهو المروي عن علي عليه‌السلام ، واعترض عليه بأن النظر بمعنى الاِنتظار لا يتعدى بإلى ، وأجيب بأن تعديته بهذا المعنى بإلى كثيرة ، كما قال الشاعر :

إني إليك لما وعدت لناظر

نظرالفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر :

ويوم بذي قار رأيت وجوههم

إلى الموت من وقع السيوف نواظر

والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه ، ويحكى عن الخليل أنه قال : يقال : نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ، وعن ابن عباس أنه قال : العرب تقول إنما أنظر إلى الله ثم إلى فلان ، وهذا يعم الاَعمى والبصير ، فيقولون : عيني شاخصة إلى فلان وطامحة إليك ، ونظري إلى الله وإليك ....

الثاني : أن يكون فيه حذف مضاف أي إلى ثواب ربها ، أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالاً بعد حال ، فيزداد بذلك سرورها ، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه ، روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.

الثالث : أن تكون إلى بمعنى عند ، وهو معنى معروف عند النحاة وله شواهد ، كقول الشاعر :

فهل لكم فيما إلي فإنني

طبيب أعيي النطاسي حذيما

أي فيما عندي ، وعلى هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والاَول أظهر.

٣٤٥

الرابع : أن يكون النظر إلى الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية ، فكأنها ناظرة إليه تعالى كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعبد الله كأنك تراه.

ـ وقال السيد شرف الدين في كتاب أبو هريرة ج ١ ص ٦١

اما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور على إمكانها في الدنيا والآخرة ، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم ، وأن الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً. وأكثر هؤلاء على أن الرؤية لا تقع في الدنيا ، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً.

ثم أن المجسمة يرونه ماثلاً أمامهم فينظرون إليه كما ينظر بعضهم إلى بعض ، لا يمارون فيه كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ، على ما يقتضيه حديث أبي هريرة. وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل ، وخرقوا إجماع الاَمة بأسرها ، وخرجوا عليها ومرقوا من الدين ، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الاِسلامية ، فلا كلام لنا معهم.

وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الاَشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالى يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة ، لا تكون باتصال الاَشعة ، ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيزه ولا بتكيفه ، ولا ، ولا ، فهي على غير الرؤية المعهودة للناس ، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات على الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.

وهذا محال لا يعقل ، ولا يمكن أن يتصوره متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الاَبصار المعهودة في الحياة الدنيا على وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية ، وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال. ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الاَمر لفظي. انتهى.

وقد بيننا في تفسير لا تدركه الاَبصار ، أن محاولة جعل الرؤية بحاسة أخرى كالعين خروج عن الموضوع ، وأن روايات إخواننا تأبى ذلك لاَنها ظاهرة في الرؤية بالعين المتعارفة.

٣٤٦

رؤية العارفين بقلوبهم أرقى من الرؤية البصرية

ـ روى الصدوق في التوحيد ص ١١٧

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ؛ قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال قلت له : أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال : نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت متى؟ قال : حين قال لهم : ألست بربكم قالوا بلى ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له : جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا ، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ، ثم قدَّر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون. ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج ٤ ص ٤٤

ـ التحفة السنية ص ٨٤

ومن ثمة كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن ، فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا الاِنكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله ، فإنه يلتذ بتصوره لا محالة.

لكن لا نسبة لهذه اللذة إلى اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين ، وحيث أنها أقوى طرق الاِنكشاف ربما يعبر عن مطلق الاِنكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه : إلى ربها ناظرة ، وما ورد من بعض الطرق : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه ليلة المعراج ونحو ذلك ، لتطابق العقل والنقل على امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالى ، لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك.

٣٤٧

فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتنى بتصحيح كلامهم : غاية الاِنكشاف التام الذي لا يكون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البينة ، إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية ، وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتماداً على وضوح القرينة وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه.

وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنين عليه‌السلاممن قوله : لم أعبد رباً لم أره ، لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الاِيمان ، حيث أثبت عليه‌السلامالرؤية أولاً ، ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لاَنها المتبادر ، إلى القلبية.

ـ شرح الاَسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٩١

... ومنها قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، وجه الاِحتجاج : أن النظر في اللغة جاء بمعنى الاِنتظار ويتعدى بنفسه ، وبمعنى التفكر ويستعمل بفي ، وبمعنى الرأفة ويستعمل باللام ، وبمعنى الرؤية ويستعمل بإلى كما في الآية ، فوجب حمله على الرؤية كما قيل.

ويظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدي بنفسه يجيء بمعنى الرؤية أيضاً ، وجعله من باب الحذف والاِيصال خلاف الاَصل ، وأنه جاء بمعنى الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال : نظره كضربه وسمعه ، وإليه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً : تأمله بعينه كتنظره ، والاَرض أرت العين نباتها ، ولهم : أعانهم ، وبينهم : حكم.انتهى.

واعترض على هذا الدليل أيضاً بأن النظر لا يدل على الرؤية ، فإن النظر تقليب الحدقة نحو المرئي. بل ادعى بعضهم أن النظر المستعمل بإلى موضوع لذلك ولتحققه بدونها ، يقال نظرت إلى الهلال فما رأيته ، ولو كان بمعنى الرؤية لكان تناقضاً ، ولم أزل أنظر إلى الهلال حتى رأيته ، ولو حمل على الرؤية لكان الشيء غاية لنفسه.

٣٤٨

أقول : يمكن جعله من باب الاِكتفاء بالمراد عن الاِرادة ، كقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ، وهذا باب واسع كما في المغني وغيره ، فمعنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته أردت رؤية الهلال فما رأيته ، وهكذا في الآخر ، بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة ، فالنظر محمول على معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الاِرادة ، بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها ، الرؤية. وأجيب أيضاً : بأن معنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته ونحوه ، نظرت إلى مطلع الهلال.

واعترض أيضاً على هذا الدليل بأنا لا نسلم أن لفظة إلى صلة للنظر ، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الاِنتظار ، أي نعمة ربها منتظرة ، ولو سلم فالنظر الموصول بإلى قد جاء للاِنتظار قال الشاعر :

وشعث ينظرون إلى هلال

كما نظر الظما حب الغمام

والجواب : أما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بإلى بمعنى الاِنتظار مما لم يثبت عند البلغاء ، وأما عن الاَول فبأن انتظار النعمة غم ، بل قيل الاِنتظار موت أحمر ، والآية مسوقة لبيان النعم.

وهذا الجواب زيف ، لاَن الآية دالة على أن الحالة التى عبر عنها بقوله سبحانه : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، سابقة على حالة استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، بقرينة المقابلة لقوله تعالى : وجوه يومئذ باسره تظن أن يفعل بها فاقرة ، أي تظن أن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته داهية فاقرة تقصم فقار الظهر ، ولم يفعل بها بعد ، وحينئذ كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً يستتبع نضارة الوجه ، كما أن انتظار إكرام الملك لا يكون موجباً للغم إذا تيقن وصوله إليه.

بل الحق في الجواب أن كون إلى في الآية بمعنى النعمة لا يخفى بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به ، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير.

٣٤٩

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

ـ أورد السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ ـ أكثر من ثلاثين رواية وقولاً في تفسير قوله تعالى : إلى ربها ناظرة ، منها روايتان توافقان مذهبنا وهما :

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله وجوه يومئذ ناضرة ، قال : حسنة ، إلى ربها ناظرة : قال : تنتظر الثواب من ربها .... وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : إلى ربها ناظرة ، قال : تنتظر منه الثواب. انتهى.

وستأتي بقية رواياته التي فيها تجسيم. وقد تقدم عدد من رواياتهم النافية لاِمكان الرؤية بالعين في تفسير لا تدركه الاَبصار ، كرواية أبي سعيد الخدري في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧ وغيرها.

ـ قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ٥٨٣

وأما في الآخرة فذهب جمهور أهل السنة إلى إثبات رؤية الله تعالى للمؤمنين في الجنة ، واحتجوا بقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة ، وبقوله تعالى عن الكافرين : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، وبحديث : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر ، وفي رواية : كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب ، وهو في البخاري ومسلم.

وخالفهم في ذلك جماعة من أهل السنة والجماعة وغيرهم كالسيدة عائشة رضي الله عنها ومجاهد وأبي صالح السمان وعكرمة وغيرهم ، وكذا المعتزلة والاَباضية والزيدية ، واحتجوا بقول الله تعالى : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، وأوَّلوا الآيات التي احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآية هو : وجوه ناضرة مسرورة لاَنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه ، كما أنه هناك بالمقابل وجوه يومئذ باسرة عابسة تظن أن يفعل بها فاقرة أي مصابة بداهية كبيرة ، وهذا الكلام هو بيان ما يكون في أرض المحشر ، وحال المؤمنين والكافرين يومئذ ، والرؤيا إنما تكون في الجنة.

٣٥٠

قالوا : فالمقام هنا مقام مقابلة بين وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب ، ورؤية الله تعالى غير مرادة هنا وخصوصاً أن الكلام يتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار ، وأنتم ـ يا جمهور أهل السنة والجماعة ـ تقولون بأن الرؤية إنما تتم في الجنة لا في أرض المحشر ، وهذا الكلام يتعلق في أرض المحشر.

ورد هؤلاء على من قال من أهل السنة بأن لفظ ( ناظرة ) لا تأتي عربية بمعنى منتظرة ، فقالوا : إن ذلك ليس صحيحاً ، بل قد ورد القرآن الكريم بإثبات أن معنى ناظرة منتظرة! من ذلك قوله تعالى عن بلقيس : وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بهم يرجع المرسلون. النمل : ٣٥ ، أي منتظرة بم يرجع المرسلون ، وهو واضح ظاهر.

كذلك قالوا بأن المراد بقوله تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، أي عن ثواب ربهم وإكرامه وإنعامه ، والحجاب أيضاً هو عن كلامه لا عن رؤيته ، لاَن الله تعالى يقول وهو أصدق القائلين : ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم. البقرة : ١٧٤

ـ ثم قال في آخر بحثه ص ٥٩٠ فتبين من هذا كله أن هذه الآيات لا يصح الاِستدلال بها في مسألة إثبات الرؤية ، والله تعالى الموفق. انتهى.

ونؤكد هنا على ضرورة ملاحظة قوله تعالى ( ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ) الذي يدل على أن هذا المشهد أحد مشاهد المحشر قبل دخول الجنة والنار كما روي عن علي عليه‌السلام. وهذا قرينة على أن ( ناظرة ) بمعنى منتظرة. ودليل على أن الذين فسروها بالنظر إلى الله تعالى في الجنة لم يلتفتوا إلى بقية الآيات!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

ـ صحيح البخاري ج ٨ ص ١٧٨

باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة .... عن جرير قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا.

٣٥١

ـ سنن الترمذي ج ٤ ص ٩٣

عن إسرائيل ، عن ثوير ، قال سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وزوجاته ونعيمه وخدمه وسرره مسير ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعاً. ورواه عبدالملك بن أبجر عن ثوير ، عن ابن عمر موقوفاً. ورواه عبيد الله الاَشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه.

ـ سنن الترمذي ج ٥ ص ١٠٣

عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول .... الخ. هذا حديث غريب ، وقد روى غير واحد عن إسرائيل مثل هذا مرفوعاً ، وروى عبد الملك بن الجبر عن ثوير ، عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. وروى الاَشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه ، ولا نعلم أحداً ذكر فيه عن مجاهد غير الثوري. انتهى. ورواه أحمد في ج ٢ ص ٦٤ ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٥٠٩ ، ولكن فيه ( ألفي سنة ) بدل ألف سنة ، قال : عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر في أزواجه وخدمه وسرره.

ـ وقال السيوطي في الدرالمنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج أبوالشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله : لا تدركه الاَبصار ، قال : في الدنيا ، وقال الحسن : يراه أهل الجنة في الجنة ، يقول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، قال ينظر إلى وجه الله.

ـ وقد استعرض السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ ، أكثر رواياتهم وأقوالهم في تفسير الآية ، وقد تقدم منها ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ونورد فيما يلي بقيتها ،

٣٥٢

ونلاحظ أن أكثرها غير مسند إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو أقوال مفسرين ، وأكثرهم علماء سلطة أو معادون لاَهل البيت عليهم‌السلام. قال السيوطي في ج ٦ ص ٢٩٠ :

وأخرج ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس في قوله : وجوه يومئذ ناضرة ، قال يعني حسنها ، إلى ربها ناظرة ، قال : نظرت إلى الخالق.

وأخرج ابن المنذر والآجري عن محمد بن كعب القرظي في قوله : وجوه يومئذ ناضرة ، قال نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه.

وأخرج ابن المنذر والآجري واللالكائي والبيهقي عن عكرمة : وجوه يومئذ ناضرة ، قال : ناضرة من النعيم ، إلى ربها ناظرة ، قال : تنظر إلى الله نظراً.

وأخرج الدار قطني والآجري واللالكائي والبيهقي عن الحسن في الآية قال : النضرة الحسن ، نظرت إلى ربها فنضرت بنوره.

وأخرج ابن جرير عن الحسن ، وجوه يومئذ ناضرة : يقول حسنة ، إلى ربها ناظرة ، قال : تنظر إلى الخالق.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله : وجوه يومئذ ناضرة ، قال مسرورة. إلى ربها ناظرة ، قال أنظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلق الله من الاِنس والجن والدواب وكل شيء خلق الله فجعل نور أعينهم في عينى عبد من عباده ثم كشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر على أن ينظر إلى الشمس ، والشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الستر. قال عكرمة : أنظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن نظر إلى وجه الرب الكريم عياناً.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، قال : تنظر إلى وجه ربها.

٣٥٣

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال : ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة. ( وهل لهذا معنى مفهوم غير النظر بالقلب؟!)

وأخرج الدارقطني والخطيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه هذه الآية : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، قال : والله ما نسخها منذ أنزلها ، يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون ويتطيبون ويحلون ، ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل ، وذلك قوله عز وجل : لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا.

وأخرج أبوالشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : أول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى الاَعمى.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن موسى بن صالح بن الصباح قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله فيقومون بين يديه ثلاثة أصناف ، فيؤتى برجل من الصنف الاَول فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول : يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لاَهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها .... ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول ربي حباً لك وشوقاً إليك وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك ، فيقول الله عبدي إنما عملت شوقاً إلي وحباً لي ، فيتجلى له الرب فيقول ها أنا ذا أنظر إليَّ! ثم يقول فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي ، فيدخل هو ومن معه الجنة.

ـ الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٤١٦

قوله تعالى : إلى ربها ناظرة ، حمل جميع أهل السنه هذه الآية على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز وجل بلا تكييف ولا تحديد. انتهى. ولكن هل ذلك نظراًبالعين!

٣٥٤

ـ تفسير الطبري ج ٢٩ ص ١١٩

عن مجاهد في : وجوه يومئذ ناضرة ، قال مسرورة. إلى ربها ناظرة ، قال : إلى ربها نظراً.

ـ وقال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة : وأن الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة. قال عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة .... ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع إلا على الاَلوان ، تعالى الله عن ذلك. وأما الكفار فإن الله عز وجل قال : إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. انتهى. وقد اضطر ابن حزم أن يجعل الرؤية غير بصرية وأن يوافق أهل البيت عليهم‌السلام.

ـ وقال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٩٨

ـ قوله تعالى ( إلى ربها ناظرة ) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضي : تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه. انتهى. وهي رؤية غير بصرية كما ترى.

ـ وقال الاَلباني في فتاويه ص ١٤٣

إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتى تشككوا فيها ، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله .... إن قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، هي وجوه المؤمنين قطعاً إلى ربها ناظرة .... المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفه ففسروا : وجوه إلى ربها ناظرة ، أي إلى نعيم ربها ناظرة ، أعطوا دلالة الآية ورفضوا التفسير الثاني للذين أحسنوا ، وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة. انتهى.

وبذلك كشف الشيخ الاَلباني حقيقة موقف القائلين بالرؤية ، فقد اعترف بأن تفسير ( ناظرة ) بالنظر المعنوي يحقق الاِنسجام والتوافق بين الآيات المحكمات

٣٥٥

مثل : لا تدركه الاَبصار ، وبين هذه الآية. ولكن الخطر كل الخطر منه على ( السنة الشريفة ) أن يهدمها معول تأويل هذه الآية!

فلماذا يا ترى يهتمون بالمحافظة على روايات الرؤية ويخافون أن تهدم ، ولا يهتمون بالآيات المحكمات النافية للرؤية ولايخافون أن تهدم!

ثم إن أحاديث السنة عند إخواننا منها ما ينفي الرؤية بالعين مطلقاً ومنها ما يثبتها صراحة ، وجميعها في البخاري ، الكتاب المعصوم بزعمهم من الجلد إلى الجلد ، فكيف صار بعض البخاري سنة يجب أن يحفظ من خطر الهدم ، وبعضه سنة لا مانع أن يهدم ، وتهدم معه آيات محكمات!

لعل جوابهم : أن الذين رووا أحاديث نفي الرؤية عن النبي هم عائشة وعدد من الصحابة وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما الذين رووا أحاديث الرؤية الخليفة عمر والمقربون منه ، وعند التعارض يجب أن نحافظ على روايات عمر ولا نسمح لاَحد أن يهدمها أو يمسها ، ويجب أن نعمل معول التأويل أو الهدم في آيات نفي الرؤية وأحاديثها لكي تخضع لما قاله كعب الاَحبار والخليفة عمر ومن وافقهما!

بل الظاهر أنه لا مانع عند إخواننا من أن ترد أقوال كل الصحابة وأن تهدم عصمة البخاري برد بعض أحاديثه ، لاَنهم إنما يريدون عصمة البخاري من أجل عصمة المولى عمر! إنهم يقولون : الخليفة قال برؤية الله بالعين ، والقول ما قاله عمر ، وانتهى الكلام.

وإذا وصل الاَمر إلى هذا ، فعلى المسلم أن يسكت كما سكت نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراش الموت عندما صاحوا في وجهه ( القول ما قاله عمر ) عندما كرروا شعارهم في وجهه قال لهم : قوموا عني! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

* *

٣٥٦

تفسير آيات التجلي لموسى عليه‌السلام

قال اللّه تعالى : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك ، قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً ، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين. الاَعراف ـ ١٤٣

قال أهل البيت عليهم‌السلام : تجلى بنوره الذي خلقه ، لا بذاته

الاِمام الرضا يدفع التهم عن الاَنبياء عليهم‌السلام

ـ روى الصدوق في كتابه التوحيد ص ١١٨ ـ ١٢٢

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي الصالح ، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل : فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، قال يقول : سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية ، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إن موسى عليه‌السلامعلم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية ، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك ، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال : رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه ، في حال تدكدكه فسوف تراني. ومعناه أنك لا تراني أبداً ، لاَن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً ، وهذا مثل قوله عز وجل : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً.

٣٥٧

فلما تجلى ربه للجبل : أي ظهر بآية من آياته ، وتلك الآية نور من الاَنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل ، فجعله دكا وخر موسى صعقا ، من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه وكبره ، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ، أي رجعت إلى معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية ، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لاَن الاَنبياء لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، ولم يكن الاِستيذان قبل السؤال بواجب عليه ، لكنه كان أدباً أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله.

على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل.

وقوله : وأنا أول المؤمنين ، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه ، بأنك لا ترى.

والاَخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة ، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم ....

ومعنى الرؤية الواردة في الاَخبار العلم ، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات ، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك ، وتعلم به حقيقة قدرة الله عز وجل.

وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ، فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علماً يقينياً ، كقوله عز وجل : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل. وقوله : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ، وقوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت : وقوله : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين.

وأما قول الله عز وجل : فلما تجلى ربه للجبل ، فمعناه : لما ظهر عز وجل للجبل

٣٥٨

بآية من آيات الآخرة التي تكون بها الجبال سراباً ، والذي ينسف بها الجبال نسفاً ، تدكدك الجبل فصار تراباً ، لاَنه لم يطق حمل تلك الآية ، وقد قيل إنه بدا له نور العرش ....

وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم القرشي ، عن أبيه ، عن حمدان بن سليمان ، عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام8فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك : إن الاَنبياء معصومون قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له : فما معنى قول الله عز وجل : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ، الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه‌السلاملا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله عن هذا السؤال.

فقال الرضا عليه‌السلام : إن كليم الله موسى بن عمران عليه‌السلامعلم أن الله تعالى عن أن يرى بالاَبصار ، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربه ، فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى عليه‌السلامإلى الطور ، وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لاَن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم لاَنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله ، إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا : إنك لو

٣٥٩

سألت الله أن يريك تنطر إليه لاَجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته! فقال موسى عليه‌السلام : يا قوم إن الله لا يرى بالاَبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه. فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى عليه‌السلام : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله إليه : يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليه‌السلام : رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه ، وهو يهوي ، فسوف تراني ، فلما تجلى ربه للجبل بآياته جعله دكاً وخر موسى صعقا ، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ، يقول : رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي ، وأنا أول المؤمنين ، منهم بأنك لا ترى.

فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن .... الخبر ....

ولو أوردت الاَخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحتها ، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الاَئمة عليهم‌السلام بالاَسانيد الصحيحة وسلم لهم ، ورد الاَمر فيما اشتبه عليه إليهم ، إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره ، وهم أقرب الخلق إلى الله عز وجل وأعلمهم به ، صلوات الله عليهم أجمعين.

ـ وقال في علل الشرائع ج ٢ ص ٤٩٧

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى العلوي الحسيني رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال : حدثني أبوالطيب أحمد بن محمد بن عبدالله قال حدثني عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلامأنه سئل مم خلق الله الذر الذي يدخل في كوة البيت؟ فقال : إن موسى عليه‌السلام : لما قال : ربي أرني أنظر إليك ، قال الله تعالى : إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إليّ ، وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك ، فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلاث قطع ،

٣٦٠