العقائد الاسلامية - ج ٢

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الاسلامية - ج ٢

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-119-2 /
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٤٣٧

لقد استطاع كثير من المظلومين في التاريخ ، أن يرفعوا أيديهم أو أصواتهم ويسجلوا ( آخهم ) من ظالميهم. أما نحن الشيعة فلم نستطع إلى الآن أن نسجل ( آخنا ) من التاريخ.

يكفيك أن تلقي نظرة على مصادر التاريخ والعقائد وما كتبوه عن الفرق والملل والنحل ، وما يكتبه خصوم الشيعة وأهل البيت في عصرنا .. لتراها تكرر ادعاء أن الشيعة أخذوا عقائدهم من اليهود والفرس والهندوس ، فهم المجسمون الذين يعبدون إلَهاً مادياً له طول وعرض وأعضاء ، ولذا فهم يعبدون صنماً ولا يعبدون الله تعالى!

أما السنة فهم المسلمون الاَصيلون الذين أخذوا عقائدهم من منبع الاِسلام الصافي ، من الكتاب والسنة ، عن طريق الصحابة الاَبرار بدون أي تأثر باليهود ولا بغيرهم ، فهم الموحدون المنزهون لله تعالى عما افتراه عليه اليهود والنصارى والمجوس والشيعة!

إن مشكلتنا نحن شيعة أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الكتب التي اتهمتنا قد كتبت بحبر حكام الجور وأقلام موظفيهم! وأن الذين أنصفونا ومدحونا ، كتبوا ذلك وهم على وجل من غضب السلاطين!

ولكن ذلك من مفاخرنا أيضاً!

محاولات الدولة والمشبهين إلصاق التشبيه بالنبي وآله

يدل النص التالي على أن تهمة التشبيه والتجسيم للشيعة كانت موجودة في القرن الثاني ، أي منذ أن راج التشبيه والتجسيم وطفح كيله فمجه الناس ، فاتهمت به السلطة معارضيها من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

وفي نفس الوقت عمد المشبهون والمجسمون إلى نسبة مذهبهم إلى النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم ، ليثبتوا شرعية فريتهم! وهو اسلوب مزدوج في ترويج التهمة في الناس ، بنسبتها الى أهل البيت عليهم‌السلام ، ثم رمي أهل البيت وشيعتهم بها!!

٢٨١

ـ روى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال الحسن بن خالد : قلت للرضا عليه‌السلام : يابن رسول الله إن الناس ينسبونا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي في الاَخبار في ذلك عن آبائك عليهم‌السلام!

فقال : يابن خالد أخبرني عن الاَخبار التي رويت عن آبائي عليهم‌السلام في التشبيه أكثر ، أم الاَخبار التي رويت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك؟

فقلت : بل ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر.

فقال : فليقولوا إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول بالتشبيه إذن!!

فقلت له : إنهم يقولون إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئاً ، وإنما روي عليه.

قال : قولوا في آبائي عليهم‌السلام : إنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً وإنما روي عليهم.

ثم قال عليه‌السلام : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة. يابن خالد : إنما وضع الاَخبار عنا في التشبيه الغلاة الذين صغروا عظمة الله جل جلاله ، فمن أحبهم فقد أبغضنا .. إلى آخر الخبر.

ـ وقال الشيخ الصدوق المتوفى سنة ٣٨١ في مقدمة كتابه التوحيد ص ١٧ :

إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني وجدت قوماً من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر ، لما وجدوا في كتبهم من الاَخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها ، ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن ، فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا ، ولبسوا عليهم طريقتنا ، وصدوا الناس عن دين الله ، وحملوهم على جحود حجج الله ، فتقربت إلى الله تعالى ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه والجبر ، مستعيناً به ومتوكلاً عليه.

بغض أهل البيت وشيعتهم إرث غير شرعي

إن التهم لاَهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعتهم موروثة إرثاً ( غير شرعي ) وقد كانت بدايتها يوم فارق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الحياة وتركوا جنازته لاَهل بيته ، وأعلنوا ولادة حكومة

٢٨٢

السقيفة ، فعارضها أهل البيت وجماعة من الاَنصار والمهاجرين ، واعتصموا في بيت فاطمة الزهراء عليها‌السلامفكان الهجوم على بيت فاطمة بالحطب والنار!

ولم يهدأ الهجوم علينا بالحطب والنار إلى يومنا هذا!

نحن لا ننتظر من تاريخنا الاِسلامي الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهاجم بيتها وبدأ بإحراقه بمن فيه ، أن يتحمل معارضتنا في بحوث وكتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا ، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا ، أو تترك تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر ، دون أن ترمينا بها!

لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون ، أن لا يرثوا بغض أهل بيت نبيهم وشيعتهم ، وأن يقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذين اضطهدوهم وأبغضوهم.

ـ قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة ص ١٨٠

فهنا مقصدان : المقصد الاَول ، في الاَمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني ، وأهمها شيئان : الاَول ، ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

الثاني ، إعراض إخواننا أهل السنة عن مذهب الاَئمة من أهل البيت ، وعدم الاِعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة ، وعدم الرجوع إليهم في تفسير القرآن العزيز ( وهو شقيقهم ) إلا دون ما يرجعون فيه إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجيء الدجال ، وعدم الاِحتجاج بحديثهم إلا دون ما يحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية! ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب. انتهى.

وإنى لاَعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد ، الذين بحثوا في توحيد الله تعالى وصفاته ، ورووا حتى عن أقل الصحابة والتابعين ، برهم وفاجرهم ، وعن

٢٨٣

اليهود والنصارى ، معتدلهم ومتطرفهم .. كيف لم يطلعوا على الخطب الغنية لعلي أمير المؤمنين عليه‌السلاموكلمات أهل البيت البليغة في حقائق التوحيد ، التي تشهد بأنهم باب مدينة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كانت هذه الخطب والاَحاديث وما تزال في متناولهم ، مودعة في المصادر المختلفة ، ومجموعة في نهج البلاغة وأمثاله ..! فلو أنهم اطلعوا عليها لفتحت لهم أبواباً جديدة ، وحلت لهم مشكلات مستعصية ولظهر شيء من آثارها وأنوارها في مؤلفاتهم!

إن مقتضى قاعدة ( إحمل أخاك المسلم على الاَحسن ) أن نقول إنهم لم يقرؤوا شيئاً من أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم وبحوثهم في التوحيد والصفات ، لاَنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها ، فذلك يعني وجود كارثة في بحوث العقائد عندهم.

وتعجبي الاَكبر من جرأة بعض إخواننا على تبرئة مصادرهم من التشبيه والتجسيم ، واتهام الشيعة ومذهبهم بذلك!

وتواصلت علينا الاِفتراءات عبر العصور

ـ قال السمعاني المتوفى ٥٦٢ في كتابه الاَنساب ج ٥ ص ٦٤٣

والهشامية جماعة من غلاة الشيعة ، وهم الهشامية الاَولى والاَخرى. أما الاَولى فهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي المفرط في التشبيه والتجسيم ، وكان يقول إن معبوده جسم ذو حد ونهاية وإنه طويل عريض عميق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه ، وله مقالات في هذا الفن حكيت عنه.

وأما الهشامية الاَخرى فهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي ، وكان يزعم أن معبوده جسم ، وأنه على صورة الاِنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم ، بل هو نور ساطع يتلاَلاَ بياضاً ، وله حواس خمس كحواس الاِنسان ويد ورجل وسائر الاَعضاء ، وأن نصفه الاَعلى مجوف ، إلا الفرج واللحية. وزعم هشام بن الحكم أنه كسبيكة

٢٨٤

الفضة ، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار. وكل واحد منهما يكفر صاحبه ، ويكفرهما غيرهما. انتهى.

وقد وصل الاَمر بالسمعاني وأمثاله أن ادعوا أن تجسيم الكرامية جاءهم من تأثرهم بالشيعة وغيرهم ، وإلا فشيخهم الكرام عالم متقشف زاهد وإن كان في مذهبه شيء من التشبيه والتجسيم! قال السمعاني في الاَنساب ج ٥ ص ٤٣ : الكرامي : بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة. هذه النسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام النيسابوري .... من أهل نيسابور ، ثم أزعج عنها وانتقل إلى بيت المقدس وسكنها ومات بها. يروي عن مالك بن سليمان الهروي. روى عنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وحكى عنه من الزهد والتقشف أشياء ، وفي المذهب أشياء من التشبيه والتجسيم ، وذكر في كتاب له سماه ( عذاب القبر ) في وصف الرب عز وجل ، أنه أحدي الذات أحدي الجوهر ، فشارك النصارى في وصفه إياه بالجوهر ، وشارك اليهود والهشامية والجوالقية من مشبهة الروافض في وصفه إياه بأنه جسم. وناقض أصحابه في امتناعهم عن وصفهم إياه أنه جوهر ، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم ، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذكر في هذا الكتاب أنه معبود في مكان مخصوص ، وأنه مماس لعرشه من فوقه ، وهكذا حكي عنه. انتهى. ولكن من حكي عنه ، ومن أين أخذ ما نقله عنه .. هذا ليس مهماً عند من يريد الاتهام.

ـ وقال المسعودي في مروج الذهب ج ٤ ص ١٠٣ ، ١٠٤

وكان أبو الهذيل محمد بن الهذيل اجتمع مع هشام بن الحكم الكوفي ، وكان هشام شيخ المجسمه والرافضة في وقته ممن وافقه على مذهبه ، وكان أبو الهذيل يذهب إلى نفي التجسيم ورفض التشبيه.

ـ وقال الاَميني في الغدير ج ٣ ص ١٤٢

الملل والنحل ، هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي ( الفصل ) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة ، لا يجد القاريَ ملتحداً عن

٢٨٥

تفنيدها ، فإليك نماذج منها :

١ ـ قال : قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة : إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه ، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

٢ ـ قال في حق علي : إنه إلَه واجب الطاعة..

٣ ـ وقال هشام بن سالم : إن الله على صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت ، وهو نور ساطع يتلاَلاَ ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم ، وله وفرة سوداء ، وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم ، وإن هشام هذا أجاز المعصية على الاَنبياء مع قوله بعصمة الاَئمة.

٤ ـ وقال زرارة بن أعين : لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

٥ ـ قال أبوجعفر محمد بن النعمان : إن الله نور على صورة إنسان ، ويأبى أن يكون جسماً.

٦ ـ وزعم يونس بن عبدالرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب ، وهو من مشبهة الشيعة ، وصنف لهم في ذلك كتباً.

ـ وقال الاَميني في الغدير ج ٣ ص ٨٩

وذكر ابن تيمية في منهاج السنة هذه النسب والاِضافات المفتعلة ، وراقه أن يري المجتمع أنه أقدر في تنسيق الاَكاذيب من سلفه ، وأنه أبعد منه عن أدب الصدق والاَمانة فزاد عليها :

اليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين إنما يقولون السام عليكم ( السام : الموت ) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح على الخفين ، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلون أموال الناس كلهم ، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصلاة ، وكذلك الرافضة.

٢٨٦

اليهود لا تسجد حتى تخفق برؤسها مراراً تشبيهاً بالركوع ، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس ، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف ، وحسبك في تكذيب هذه التقولات المعزوة إلى الشيعة شعورك الحر ، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقائدهم وأعمالهم ، وما عرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى.

ـ وقال الاَميني في الغدير ج ٣ هامش ص ٩٠ واصفاً كتاب الاِنتصار لعبد الرحيم الخياط :

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الاَكاذيب ، ولو عزى إليه على عدد صفحاته ١٧٣ الصفحة لما كذب القائل ، ولو جست خلال صحايفه لاَوقفك الفحص على العجب العجاب ، من كذب شائن وتحكم بارد وتهكم ممض ونسب مفتعلة ، وإنا نرجىَ إيقافك عليها إلى ظفرك بالكتاب نفسه ، فإنه مطبوع بمصر منشور ، ولا نسود جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيلك الاَساطير كلها ، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف وتهالكه دون الطامات ، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلى تشويه سمعة أمة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوله عليها قال :

١ ـ الرافضة تعتقد أن ربها ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل ، وأنه كان غير عالم فعلم .... إلى أن قال : هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد ، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم ، فأما جملتهم ومشا يخهم مثل هشام بن سالم ، وشيطان الطاق ، وعلي بن ميثم ، وهشام بن الحكم بن منور ، والسكاك ، فقولهم ما حكيت عنهم.

٢ ـ الرافضة تقول وهي معتقدة : إن ربها جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل وأنه كان غير عالم ثم علم.

٣ ـ فهل على وجه الاَرض رافضي إلا وهو يقول : إن الله صورة ويروي في ذلك الروايات ، ويحتج فيه بالاَحاديث عن أئمتهم! إلا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقر به!!

٢٨٧

وتضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم وحرية الفكر

ـ قال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الاِسلام ج ١ ص ٤٢٤

ـ الرافضة قالوا : إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة.

ـ وقال في تاريخ الاِسلام ج ٢ ص ١٥٨

الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلى ثلاثة أقسام : غالية ورافضة وزيدية ، والشيعة الغالية هم الذين غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً .. والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء!

ـ فتاوي الاَلباني ص ٤٤١

إن الاِسلام كفكر لا يمكن أن يصور أنه مصفى .. كيف وهناك فرق كثيرة جداً كالمعتزلة ... والشيعة والرافضة ، كل هؤلاء يدعون الاِسلام فلا بد أن يقوم العلماء بواجب تصفية هذا الاِسلام وتقديمه للناس.

ـ وقال الدكتور القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة ، الذي منحته السعودية درجة دكتوراه برتبة الشرف الاَولى ، وأوصت بجعله مصدراً ( أكاديمياً ) في جامعات المملكة ، علماً أن نسبة كبيرة من سكان المملكة من الشيعة! قال القفاري في ج١ ص ٨٧ :

المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة. ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الاَستاذ أحمد أمين : وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الاَرواح وتجسيم الله والحلول ، ونحو ذلك من الاَقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الاِسلام. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الاِسلامية إلى الشيعة ويقول : إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية ، وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الاِسلام. انتهى.

٢٨٨

وكأن هذا ( الباحث ) لا يعرف أن الفرس المجوس صاروا سنيين أولاً ، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم ، ونظّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم ، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة! فإن كانوا متأثرين بعقائدهم المجوسية والآسيوية فقد نقلوها معهم إلى التسنن الذي صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طويلة ، وما زالوا ، فالعلامة المجلسي الشيعي مثلاً صاحب موسوعة ( بحار الاَنوار ) المتوفى سنة ١١١١ هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الاِصفهاني السني المتوفى سنة ٤٣٥ هجرية! وهكذا العشرات بل المئات غيره من الفرس الذين صاروا أئمة المذاهب السنية أولاً ، ثم صار أبناؤهم شيعة بعد قرون قد تطول أو تقصر ، حتى أنك تجد الكثير من أبنائهم اليوم ما زالوا يحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة!

فمن أولى بتهتة التأثر بالعقائد المجوسية والآسيوية ، الاَجداد السنيون أم الاَبناء الشيعيون!

على أن الباحث علمياً لا يمكنه أن يرسل أحكامه هكذا جزافاً ، ولابد له أن يفحص الاَفكار والعقائد واحدة واحدة ، ويرى من أين جاءت ومن تبناها ، ومن وقف ضدها .. الخ.

وقد رأيت أن أفكار الرؤية والتشبيه والتجسيم وأحاديثها ولدت في بيوت الدولة ، ودرجت في قصورها ومساجدها ، وتربت على يد كبار شخصياتها ، وأن أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم وقفوا ضدها ، وأفتوا بأنها دخيلة ، وأن آباءها يهوداً!!

* *

٢٨٩

الفصل الثامن

تفسير مقارن للآيات المتعلقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لاِمكان الرؤية

ذلكم الله ربكم لا إلَه إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير. الاَنعام ١٠٢ ـ ١٠٣

فاطر السماوات والاَرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الاَنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. الشورى ـ ١١

يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما. طه ـ ١١٠

الذي جعل لكم الاَرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم ، فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون. البقرة ـ ٢٢

ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك ، قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقا ، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين. الاَعراف ـ ١٤٣

وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون .. البقرة ـ ٥٥

٢٩٠

يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ، ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطاناً مبينا. النساء ـ ١٥٣

وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ، لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيرا. يوم يرون الملائكة لابشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجورا. الفرقان ٢١ ـ ٢٢

قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد. الاِخلاص ١ ـ ٤

الآيات المتشابهة التي استدلوا بها على الرؤية

كلا بل تحبون العاجلة. وتذرون الآخرة. وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يفعل بها فاقرة. القيامة ٢٠ ـ ٢٥

والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالاَفق الاَعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى. أفتمارونه على ما يرى. ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من آيات ربه الكبرى. النجم ١ ـ ١٨

أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون. سلهم أيهم بذلك زعيم. أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين. يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون. القلم ٣٩ ـ ٤٣

آيات : استوى على العرش

إن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش

٢٩١

يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، ألا له الخلق والاَمر تبارك الله رب العالمين. الاَعراف ـ ٥٤

إن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الاَمر ، ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون. يونس ـ ٣

الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاَجل مسمى ، يدبر الاَمر ، يفصل الآيات ، لعلكم بلقاء ربكم توقنون. الرعد ـ ٢

طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلاً ممن خلق الاَرض والسماوات العلى. الرحمن على العرش استوى. له ما في السماوات وما في الاَرض وما بينهما وما تحت الثرى. طه ١ ـ ٦

الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا. الفرقان ـ ٥٩

الله الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون. السجدة ـ ٤

هو الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج في الاَرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير. له ملك السماوات والاَرض وإلى الله ترجع الاَمور. الحديد ـ ٤ ـ ٥

وقد أوردنا عدداً من الاَحاديث الشريفة ومن كلمات العلماء في تفسير هذه الآيات ، ونورد هنا ما بقي من تفسيرها ، وفيها أحاديث وآراء مشتركة بين أكثر من آية ، لاَنها وردت في موضوع الرؤية ككل.

* *

٢٩٢

تفسير آية : لا تدركه الاَبصار

ذلكم الله ربكم لا إلَه إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير. الاَنعام. ١٠٢ ـ ١٠٣

النبي وآله يقولون : لا تدركه الاَبصار ولا .. الاَوهام

ـ روى الصدوق في التوحيد ص ٣٩٨

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال حدثني محمد بن أبي بشير ، قال حدثني الحسين بن أبي الهيثم ، قال حدثنا سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، قال حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد ، قال حدثني باقر علوم الاَولين والآخرين محمد بن علي ، قال حدثني سيد العابدين علي بن الحسين ، قال حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي ، قال حدثني سيد الاَوصياء علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالساً في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال : يا محمد إلى ما تدعو؟

قال : إلى شهادة أن لا إلَه إلا الله ، وأني رسول الله.

قال : يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله ، كيف هو؟

قال : يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف ، لاَن الكيف مخلوق وهو مكيفه.

قال : فأين هو؟

قال : إن ربي لا يوصف بالاَين ، لاَن الاَين مخلوق وهو أينه.

قال : فهل رأيته يا محمد؟

قال : إنه لا يرى بالاَبصار ولا يدرك بالاَوهام.

قال : فبأي شيَ نعلم أنه موجود؟

قال : بآياته وأعلامه.

٢٩٣

قال : فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال : يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل.

قال : فكيف خروج الاَمر منه؟

قال : بإحداث الخطاب في المحال.

قال : يا محمد أليس الخلق كله له؟

قال : بلى.

قال : فبأي شيء اصطفى منهم قوماً لرسالته؟

قال : بسبقهم إلى الاِقرار بربوبيته.

قال : فلم زعمت أنك أفضلهم

قال : لاَني أسبقهم إلى الاِقرار بربي عز وجل؟

قال : فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم؟

قال : لا.

قال : ولم؟

قال : لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

قال : فهل أنزل عليك في ذلك قرآناً يتلى؟

قال : نعم إنه يقول عز وجل : وما ربك بظلام للعبيد ، ويقول : إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، ويقول : وما الله يريد ظلماً للعالمين ، ويقول : وما الله يريد ظلماً للعباد.

قال اليهودي : يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوح عليه‌السلاموفيهم الاَطفال؟

فقال : يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاماً فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم ، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم ، تعالى عن الظلم والجور علواً كبيراً.

٢٩٤

قال اليهودي : فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياماً معدودة؟

قال : يخلده على نيته ، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره على نيته ، ونيته في ذلك شر من عمله ، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لاَطاع الله أبداً ، ونيته خير من عمله ، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، والله عز وجل يقول : قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا.

قال اليهودي : يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك؟

قال : يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب ، واسمه في التوراة إليا وفي الاِنجيل حيدار ، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وإنه لسيد الاَوصياء كما أني سيد الاَنبياء.

فقال اليهودي : أشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً ، والله إني لاَجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي ، وإني لاَجد فيها صفتك وصفة وصيك ، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة ، وإنه أبو سبطيك وولديك شبراً وشبيراً سيدي شباب أهل الجنة.

ـ وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٨

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلامفي قوله : لا تدركه الاَبصار ، قال : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : قد جاءكم بصائر من ربكم ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه ، ليس يعني من البصر بعينه. ومن عمي فعليها ، ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين ....

٢٩٥

محمد بن أبي عبدالله ، عمن ذكره ، عن محمد بن عيسى ، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال : قلت لاَبي جعفر عليه‌السلام : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار فقال : يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون!

يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي هاشم الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلامقال : سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال : أما تقرأ القرآن قلت بلى ، قال أما تقرأ قوله عز وجل : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار قلت بلى ، قال : فتعرفون الاَبصار قلت : بلى ، قال : وما هي قلت : أبصار العيون فقال : إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الاَوهام ، وهو يدرك الاَوهام.

ـ وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

عن الاِمام الرضا عليه‌السلامفي قول الله عز وجل : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، قال : لا تدركه أوهام القلوب ، فكيف تدركه أبصار العيون.

وسئل الصادق عليه‌السلامهل يرى الله في المعاد؟ فقال : سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك علواً كبيرا ، إن الاَبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية ، والله خالق الاَلوان والكيفية.

وقال محمد بن أبي عمير : دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما‌السلامفقلت له : يابن رسول الله علمني التوحيد فقال : يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه فتهلك ، واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً ، وأنه الحي الذي لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا يغلب ، والحليم الذي لا يعجل ، والدائم الذي لا يبيد ، والباقي الذي لا يفنى ، والثابت الذي لا يزول ، والغني الذي لا يفتقر ، والعزيز الذي لا يذل ، والعالم الذي لا يجهل ، والعدل الذي لا يجور ، والجواد الذي

٢٩٦

لا يبخل. وأنه لا تقدره العقول ، ولا تقع عليه الاَوهام ، ولا تحيط به الاَقطار ، ولا يحويه مكان ، ولا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ، وهو الاَول الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، وهو القديم وما سواه محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علواً كبيرا.

وسئل الصادق عليه‌السلامهل لله تعالى رضى وسخط؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.

وقال أيضاً عليه‌السلام : إن الله تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون ، بل هو خالق الزمان والمكان ، والحركة والسكون والاِنتقال ، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

ـ وروى المجلسي في بحار الاَنوار ج ٤ ص ٤٦

نص : الحسين بن علي ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن الحسن ، عن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلامإذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبدالملك بن أعين ، فقال له معاوية بن وهب : يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه ، على أي صورة رآه ، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة ، على أي صورة يرونه؟ فتبسم عليه‌السلامثم قال : يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه ، ثم لا يعرف الله حق معرفته.

ثم قال عليه‌السلام : يا معاوية إن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان ، وإن الرؤية على وجهين : رؤية القلب ، ورؤية البصر ، فمن عني برؤية القلب فهو

٢٩٧

مصيب ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من شبه الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلامفقيل : يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال : وكيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان. فإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق ، ولابد للمخلوق من الخالق ، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً ، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً ، ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالى : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير. وقوله : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الاَرض وصعقت الجبال فخر موسى صعقاً ، أي ميتاً ، فلما أفاق ورد عليه روحه ، قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك ترى ، ورجعت إلى معرفتي بك أن الاَبصار لا تدركك ، وأنا أول المؤمنين ، وأول المقرين بأنك ترى ولا ترى ، وأنت بالمنظر الاَعلى.

ثم قال عليه‌السلام : إن أفضل الفرائض وأوجبها على الاِنسان معرفة الرب والاِقرار له بالعبودية ، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إلَه غيره ، ولا شبيه له ولا نظير ، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد ، موصوف من غير شبيه ولا مبطل ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة.

وأدنى معرفة الرسول الاِقرار بنبوته ، وأن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز وجل ، وبعده معرفة الاِمام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر ....

ثم قال : يا معاوية جعلت لك أصلاً في هذا فاعمل عليه ، فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الاَحوال ، فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر.

٢٩٨

قال : وقد قالوا أعجب من هذا ، أولم ينسبوا آدم عليه‌السلامإلى المكروه!

أو لم ينسبوا إبراهيم عليه‌السلامإلى ما نسبوه!

أو لم ينسبوا داود عليه‌السلامإلى ما نسبوه من حديث الطير!

أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا!

أو لم ينسبوا موسى عليه‌السلامإلى ما نسبوه من القتل!

أو لم ينسبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما نسبوه من حديث زيد!

أولم ينسبوا علي بن أبي طالب عليه‌السلامإلى ما نسبوه من حديث القطيفة!

إنهم أرادوا بذلك توبيخ الاِسلام ليرجعوا على أعقابهم ، أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

ـ وروى نحوه في بحار الاَنوار ج ٤ ص ٣٣ وص ٣٩ وفيه ( إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهي لا تدركه ، وهو يدرك الاَوهام ).

ـ وروى نحوه في بحار الاَنوار ج ٤ ص ٢٩ وفيه ( لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون! وقال المجلسي رحمه‌الله :

بيان : هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين :

أحدهما : أن إدراك البصر عبارة شائعة في الاِدراك بالبصر إسناداً للفعل إلى الآلة ، والاِدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما ، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والاِستغراق بإجماع أهل العربية والاَصول وأئمة التفسير ، وبشهادة استعمال الفصحاء ، وصحة الاِستثناء ، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل ، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى وهو محال.

واعترض عليه : بأن اللام في الجمع لو كان للعموم والاِستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الاَبصار موجبة كلية ، وقد دخل عليها النفي ، فرفعها وهو رفع الاِيجاب الكلي ، ورفع الاِيجاب الكلي سلب جزئي. ولو لم يكن للعموم كان قوله لا تدركه الاَبصار

٢٩٩

سالبة مهملة في قوة الجزئية ، فكان المعنى لا تدركه بعض الاَبصار ، ونحن نقول بموجبه حيث لا يراه الكافرون ، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الاَحوال والاَوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الاَدلة.

والجواب : أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالى : وما الله يريد ظلماً للعباد ، وما على المحسنين من سبيل ، حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شيء من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفي ، ولم يرد لنفي العموم أصلاً ، نعم قد اختلف في النفي الداخل على لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالى : والله لا يحب كل مختال فخور ، إلى غير ذلك ، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.

وأما منع عموم الاَحوال والاَوقات فلا يخفى فساده ، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الاَوقات إذ لا ترجيح لبعضها على بعض ، وهو أحد الاَدلة على العموم عند علماء الاَصول.

وأيضاً صحة الاِستثناء دليل عليه ، وهل يمنع أحد صحة قولنا : ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة ، ولا أكلمه إلا يوم العيد ، وقال تعالى : ولا تعضلوهن ، إلى قوله : إلا أن يأتين. وقال : ولا تخرجوهن ، إلى قوله إلا أن يأتين.

وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد وعموم الاَوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.

وأيضاً عدم إدراك الاَبصار جميعاً لشيء لا يختص بشيء من الموجودات ، خصوصاً مع اعتبار شمول الاَحوال والاَوقات ، فلا يختص به تعالى ، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شيء من الاَبصار له في شيء من الاَوقات.

وثانيهما : أنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح ، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالى عنه ، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الاَفعال كالعفو والاِنتقام فإن الاَول تفضل ، والثاني عدل ، وكلاهما كمال.

٣٠٠