موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

الرّوايات المستدل بها على عدم الاجتماع

منها : ما رواه النَّوفَلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أنّه قال : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان الله ليجعل حيضاً مع حبل ، يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصّلاة إلاّ أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطَّلق ورأت الدم تركت الصّلاة » (١).

وهي وإن كانت واضحة الدلالة على عدم اجتماع الحيض مع الحمل إلاّ أنّها لا تقاوم الأخبار الصّحيحة الكثيرة الدالّة على جواز اجتماعهما ، وذلك لأنّها وإن كانت موثقة بحسب السند غير أنّها موافقة للعامّة ، والرّاوي عن الإمام عليه‌السلام هو السكوني وهو عامّي ، فتحمل الرّواية على التقيّة لا محالة.

ومنها : رواية مُقَرِّن عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سأل سلمان عليّاً عليه‌السلام عن رزق الولد في بطن امِّه ، فقال : إنّ الله تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن امِّه » (٢).

وهذه الرّواية لا دلالة لها على المدعى ، لأنّه لا تنافي بين أن تكون الحيضة رزقاً للولد في بطن امّه وبين أن تقذفها المرأة فيما إذا كثرت وزادت على رزق الولد ، ويدلّ على ذلك صريحاً صحيحة سليمان بن خالد قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك الحبلى ربما طمثت؟ قال : نعم ، وذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصّلاة » (٣).

ومنها : صحيحة حُمَيد بن المُثنّى « قال سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيّام وفي الشّهر والشّهرين ، فقال : تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصّلاة » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٣٢ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٨.

٨١

والجواب عنها أنّ الدفقة والدفقتين لا تحسب حيضاً حتّى في غير الحبلى لأنّ أقلّه ثلاثة أيّام ، ويدلّ على ذلك أنّ هذا الراوي بعينه ، يعني حُميد بن المثنّى المكنّى بأبي المَغراء ، روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدّم ، قال : تلك الهراقة إن كان دماً كثيراً فلا تصلِّين وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (١). حيث فصّلت بين القليل والكثير ونفت كونه حيضاً عند قلّته ، وهذا لا ينافي كونه حيضاً فيما إذا كان بصفة الحيض من حيث المدّة وسائر الشرائط ، كما دلّت عليه تلك الرّواية.

فتحصل أنّ هذه الأخبار لا يمكن الاستدلال بها على عدم اجتماع الحيض مع الحمل.

سائر الوجوه المستدلّ بها على عدم الاجتماع‌

وأمّا غير الأخبار من الوجوه الّتي استدل بها على عدم جواز اجتماعها.

فمنها : ما استدلّ به الحلّي قدس‌سره (٢) من أنّ الأخبار قد استفاضت بل تواترت على وجوب استبراء الأمة بحيضة واحدة ، كما في الجواري المسبيّة والأمة المشتراة أو المحلّلة أو المنتقلة إلى شخص آخر بغير البيع كالإرث ونحوه (٣) بل المرأة المزني بها ولو كانت حرّة حيث تستبرأ بحيضة واحدة إذا عقد عليها أحد (٤).

ولا يبعد تواتر تلك الرّوايات ولو على نحو الإجمال ، فلو أمكن اجتماع الحمل مع الحيض لم يكن أيّ وجه وفائدة للاستبراء بحيضة واحدة ، إذ لا يستكشف بها نقاء رحمها ، لاحتمال أن تكون حبلى كما هو الحال قبل استبرائها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥.

(٢) السرائر ١ : ١٥٠.

(٣) الوسائل ٢١ : ٨٣ و ٩٥ / أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣ و ١٠ و ١٧ و ١٨.

(٤) الوسائل ٢٠ : ٤٣٤ / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١١ ح ٤ ، ٢٢ : ٢٦٥ / أبواب العدد ب ٤٤.

٨٢

ولعلّ المحقِّق قدس‌سره نظر إلى تلك الرّوايات حيث نسب عدم جواز اجتماع الحيض مع الحبل إلى أشهر الرّوايات على ما قدّمنا الإشارة إليه آنفاً.

والجواب عن ذلك : النقض بأن الحمل إذا قلنا بعدم اجتماعه مع الحيض فما فائدة وجوب الاعتداد على المطلقة وغيرها ثلاثة قروء ، لأنّ الحيضة الواحدة تكشف عن عدم حملها لا محالة ، فلا حاجة ولا ثمرة في ضمّ حيضتين أخيرتين إليها.

وحلّه : أنّ العدّة ثلاثة قروء والاستبراء بحيضة واحدة حكم تعبّدي ، واستكشاف نقاء الرّحم بذلك من قبيل الحكمة ومن أحد فوائدها ، لا أنّه علّة للحكم ، وقد تتخلّف الحكمة عن الحكم.

والوجه في اكتفاء الشّارع بحيضة واحدة هو الغلبة حيث إنّ الغالب عدم اجتماع الحمل مع الحيض ، ومعه يكون الحيض أمارة ظنيّة على النقاء وعدم الولد ، والشارع اكتفى بالأمارة الظنيّة ، كما هو الحال في بقيّة الأمارات كالبيّنة ، لأنّها غالبة المصادفة مع الواقع وقد تخطئ وتشتبه.

ولا تتوهّم أنّه لا حاجة إلى جعل الأمارة الظنيّة في المقام ، لإمكان كون الحيضة أمارة قطعيّة على عدم الحمل ، وذلك كما إذا بنينا على عدم اجتماع الحيض مع الحمل.

والوجه في عدم صحّة هذا التوهّم أنّ النتيجة تابعة لأخس المقدّمتين ، فهب أنّا بنينا على عدم اجتماع الحيض مع الحمل وقطعنا في المقام بأن الحيضة لا تجتمع مع الحبل ، إلاّ أنّ هذه كبرى القياس ، وصغراها أنّ ما رأته المرأة حيض ، وهذا أمر غير مقطوع به ، لأنّا إنّما نستكشف دم الحيض بالصفات والأمارات ككونه في أيّام عادتها وهي أمارات ظنيّة ومعه تكون النتيجة ظنيّة لا محالة.

ومنها : ما استدلّ به الحلّي قدس‌سره ثانياً من أنّ طلاق الحبلى جائز للأخبار لأنّها من الخمس الّتي يجوز طلاقها على كلّ حال (١) ، وطلاق الحائض غير جائز للنصوص ، ونتيجة هذين الأمرين أنّ الحيض لا يجتمع مع الحمل. إذ يقال حينئذ إنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٥٩ / أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ب ٢٧ ح ٣.

٨٣

كلّ حائض لا يجوز طلاقها ، فمن جاز طلاقها فليست بحائض ، وقد فرضنا أنّ الحبلى يجوز طلاقها ، فهي ليست بحائض. أو يقال إنّ كل حبلى يجوز طلاقها ، فمن لم يجز طلاقها ليست بحبلى ، وقد فرضنا أنّ الحائض لا يجوز طلاقها ، فهي ليست بحبلى.

والجواب عن ذلك : أنّ عدم جواز طلاق الحائض ليس من القواعد العقليّة غير القابلة للتخصيص ، وإنّما هو حكم شرعي قابل للتخصيص لا محالة ، كما قد خصّص في الحائض الغائب عنها زوجها ، حيث يجوز طلاقها ولو كان مصادفاً لأيّام حيضها وهي من إحدى الخمس الّتي يجوز طلاقها على كلّ حال ، وعليه فلا مانع من الالتزام بالتخصيص أيضاً في المقام ونقول : إنّ الحبلى يجوز أن تكون حائضاً وأيضاً يجوز طلاقها ولو كانت حائضاً ، تخصيصاً فيما دلّ على عدم جواز طلاق الحائض ، وقد دلّت الأخبار المتقدّمة على أنّ الحبلى يجوز أن تكون حائضاً.

ومنها : ما استدلّ به العلاّمة وذكره وجهاً لما ذهب إليه ابن الجنيد من عدم اجتماع الحيض مع الحبل ، وهو أنّ اليائسة لا ترى الحيض ، ولا وجه له إلاّ الغلبة وهي موجودة في الحبلى أيضاً ، فالحبلى أيضاً لا ترى الحيض للغلبة (١).

ويدفعه أوّلاً : أنّ هذا قياس ، ولا نقول بالقياس.

وثانياً : أنّه مع الفارق ، والفارق النصوص المحدّدة للحيض بسن اليأس ، لأنّ مقتضاها أنّ اليائسة لا ترى الحيض دائماً أبداً لا غالباً ، وهذا بخلاف المقام لأنّ الحبلى قد ترى الحيض ، ولم يقم دليل على عدم رؤيتها الحيض دائماً ، وهذا وجه غير قابل للتعرّض إليه إلاّ أنّا تعرّضنا له تتميماً للوجوه ، فإلى هنا تحصل أنّ الحبلى ترى الحيض في الجملة.

تفصيل المسألة‌

وأمّا تفصيل المسألة ففيها تفاصيل :

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٦ / في غسل الحيض مسألة ١٤١.

٨٤

أحدها : ما عن الشيخ في الخلاف (١) وعن السّرائر (٢) والإصباح (٣) من التفرقة بين الدم الّذي تراه الحبلى بعد استبانة حملها فليس بحيض وبين ما تراه قبل الاستبانة فهو حيض ، وادّعى الشيخ قدس‌سره عليه الإجماع (٤) ، إلاّ أنّ ذلك لم يعهد من غيرهم فضلاً عن أن يكون مورداً لإجماعهم وتسالمهم ، وعليه فيقع الكلام في أنّهم استفادوا هذا التفصيل من أيّ شي‌ء.

والظاهر أنّهم اعتمدوا في ذلك على ما ورد في بعض الرّوايات من أنّ الحيض حبسه الله سبحانه في الرّحم غذاء للولد (٥) ، وعليه فلو كان الولد متحركاً ومستبيناً في بطن امّه على نحو كان قابلاً للأكل ، فلا يخرج الحيض من امّه لأنّه غذاء للولد ، وأمّا إذا لم يستبن ولم يكن قابلاً للأكل فلا مانع من خروجه ، فيحكم عليه بالحيض حينئذ.

ويدفعه : ما قدّمناه من أنّ الحيض وإن كان غذاءً للولد إلاّ أنّه قد يكثر ويخرج عن المرأة على وجه غير غالب ، فهذا التفصيل لا وجه له ، بل ورد في صحيحة أبي المَغراء : أنّ الحبلى بعد ما استبان حملها إذا رأت ما تراه المرأة من الدّم وكان كثيراً فلا تصلِّين وأنّه حيض (٦) فليراجع.

الثّاني : ما ذهب إليه الشيخ قدس‌سره في نهايته (٧) وكتابيه (٨) في الأخبار من التفصيل بين ما تراه المرأة بعد العادة بعشرين يوماً أي بعد أوّل عادتها ومضي العشرين من أوّلها فهو ليس بحيض ، وما تراه المرأة في عادتها أو قبل مضي عشرين يوماً من عادتها فهو حيض ، وقد مال إليه صاحب المدارك قدس‌سره وإن قال إنّ‌

__________________

(١) حكاه وما بعده في الجواهر ٣ : ٢٦٢ ، وراجع الخلاف ١ : ٢٣٩ / المسألة ٢٠٥.

(٢) السرائر ١ : ١٥٠ / باب أحكام الدّماء الثّلاثة.

(٣) إصباح الشيعة : ٣٤ / الفصل السّابع.

(٤) الخلاف ١ : ٢٤٧ / المسألة ٢١٨.

(٥) راجع الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣ و ١٤.

(٦) راجع الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥.

(٧) النهاية : ٢٤ / باب حكم الحائض.

(٨) التهذيب ١ : ٣٨٨ / باب الحيض ، الإستبصار ١ : ١٤٠ / باب الحبلى ترى الدّم.

٨٥

مسلك المشهور لا يخلو عن قرب (١).

ويدلّ على هذا التفصيل مصححة أو صحيحة الحسين بن نُعَيم الصحّاف ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أُمّ ولدي ترى الدم وهي حامل ، كيف تصنع بالصلاة؟ قال فقال لي : إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الّذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الّذي كانت تقعد فيه فإنّ ذلك ليس من الرّحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكُرسُف وتصلّي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الّذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنّه من الحيضة فلتمسك عن الصّلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها ، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل ولتصلّ ... » الحديث (٢).

أقسام الدم الخارج من الحبلى‌

وعلى هذه الصحيحة ينقسم الدم الخارج من الحبلى أقساماً ثلاثة :

أحدها : ما خرج في أيّام عادتها ، وهو محكوم بالحيضيّة مطلقاً ، سواء أكان واجداً لأوصاف الحيض من الحرارة والحرقة وغيرهما أم لم يكن ، وذلك لإطلاق الصحيحة والأخبار الدالّة على أنّ ما خرج من المرأة أيّام عادتها فهو حيض مطلقاً ولو كان صفرة (٣).

ثانيها : ما خرج من الحبلى بعد مضيّ عشرين يوماً من عادتها ، فهو محكوم بعدم الحيضيّة مطلقاً كان واجداً لأوصاف الحيض أم لم يكن للصحيحة ، وبها يقيّد الإطلاقات الواردة في أنّ ما رأته المرأة من الدم وكان واجداً لأوصاف الحيض فهو حيض (٤) ، فتختص المطلقات بغير الحبلى لا محالة.

__________________

(١) المدارك ٢ : ١٠ / الفصل الثّالث في الاستحاضة.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣٠ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٧٠ / أبواب الحيض ب ٢ ، ٣ ، ٤ و ....

٨٦

فما عن صاحب الجواهر (١) وشيخنا الأنصاري (٢) قدس‌سرهما وغيرهما من استبعاد تقييد المطلقات المذكورة بهذه الصحيحة في غير محلّه ، وكم من مورد في الفقه قيّدنا إطلاق الأخبار الكثيرة بمقيّد واحد.

كما لا يمكن تقييد الصحيحة بتلك الأخبار ، بأن يختص الحكم بعدم الحيضيّة بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها بما إذا كان الدم أصفر ولم يكن على صفات الحيض ، وذلك لاستلزامه أن يكون التقييد بمضيّ عشرين يوماً في الحكم بعدم الحيضيّة لغواً ظاهراً ، لأنّ ما لم يكن بصفات الحيض ليس بحيض حتّى قبل عشرين يوماً ، فما فائدة التقييد بمضي عشرين.

وأمّا ما عن المحقّق الهمداني (٣) قدس‌سره من أنّ الحكم بأنّ ما تراه الحبلى بعد عشرين يوماً من عادتها ليس بحيض ، كالحكم بأنّ ما رأته في العادة حيض ليس إلاّ بياناً لتكليفها الظاهري في مقام العمل جرياً على ما تقتضيه العادات والأمارات ، لا أنّ ما تراه بعد عادتها بعشرين يوماً يمتنع أن يكون حيضاً في الواقع ولو كان واجداً للصفات وكان دماً كثيراً يصلح أن يكون حيضاً.

فمندفع : بأنّ الصحيحة أو المصححة إنّما وردت مفصلة بين الأمرين ، وظاهرها أنّ ما تراه الحبلى في أيّام عادتها حيض حقيقة أو حكماً ، وما تراه بعد العادة بعشرين يوماً ليس بحيض أيضاً حقيقة أو حكماً ، فما احتمله قدس‌سره على خلاف ظاهر الصحيحة وممّا لا وجه له.

وثالثها : ما تراه الحبلى بعد انقضاء أيّام عادتها كعشرة أيّام من أوّل الشهر مثلاً وقبل مضي عشرين يوماً ، كما إذا رأته في العقد المتوسط من الشهر ، ولا تعرض في الصحيحة إلى أنّه حيض أو ليس بحيض ، فلا بدّ فيه من الرّجوع إلى بقيّة الأخبار‌

__________________

(١) الجواهر ٣ : ٢٦٥ / الفصل الثّالث في الاستحاضة.

(٢) كتاب الطّهارة : ٢٤٦ السطر ٦ / المقصد الثّالث في الاستحاضة.

(٣) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٩٩ ، السطر ١٧.

٨٧

وهي قد دلّت على التفصيل بين ما إذا لم يكن الدم الّذي تراه المرأة في غير أيّام عادتها متصفاً بصفات الحيض كما إذا خرج أصفر مثلاً فهو ليس بحيض.

ويؤيّده موثقة إسحاق بن عمّار وإنّما جعلناها مؤيّدة لأنّ فيها إشكالاً يأتي قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال عليه‌السلام : إن كان دماً عبيطاً فلا تصلِّي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (١).

ومرسلة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام قال « سألته عن الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة من الدم إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلِّي ... » الحديث (٢).

وبين ما إذا كان الدم متصفاً بأوصاف الحيض ، فمقتضى الإطلاقات الدالّة على أنّ الدم الخارج من المرأة إذا كان واجداً لأوصاف الحيض فهو حيض أن يحكم بكونه حيضاً ، بل يمكن استفادة ذلك من نفس الصحيحة ، وذلك لأنّها قيّدت الحكم بعدم حيضيّة الدم الّذي تراه الحبلى بمضي عشرين يوماً من عادتها ، وقد ذكرنا في محلِّه أنّ القيد ذو مفهوم ويدلُّ على أنّ الحكم لم يترتب على الطبيعي ، وإلاّ كان الإتيان بالقيد لغواً في الكلام ، فمنه يستفاد أنّ الحكم بعدم الحيضيّة مقيّد بمضي عشرين يوماً ، إذ لو لم يكن حيضاً حتّى قبل مضي العشرين فما فائدة التقييد بمضي عشرين يوماً حينئذ.

وعلى الجملة إلى هنا تحصل أنّ الدم الّذي تراه الحبلى له أقسام ثلاثة :

أحدها : ما تراه في أيّام عادتها ، فهو حيض مطلقاً.

وثانيها : ما تراه بعد مضي عشرين يوماً ، فهو ليس بحيض مطلقاً.

وثالثها : ما تراه بعد انقضاء عادتها وقبل مضي عشرين يوماً ، ويرجع فيه إلى الصفات ، فإن كانت موجودة فهو حيض ، وإن لم يكن الدم متصفاً بها فلا ، ولا مانع‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٦.

٨٨

من الالتزام بذلك ، وهذا بخلاف غير الحبلى لأنّ الدم الخارج من غير الحبلى على قسمين : حيث إنّه إمّا أن يكون في أيّام عادتها فهو حيض مطلقاً ، وإمّا أن يكون في غير أيّام عادتها فيرجع فيه إلى الصفات.

نعم ، الاحتياط في المقام فيما إذا رأت الحبلى الدم بعد عشرين يوماً وكان على صفات دم الحيض في محلّه ولو لقلّة القائل بهذا القول ، حيث لم يوافق الشيخ وصاحبيه (١) إلاّ بعض المتأخرين ، لاحتمال أن يكون إعراضهم عن الصحيحة موجباً لإسقاطها عن الاعتبار ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن متصفاً بصفات الحيض ، لأنّه ليس بمورد للاحتياط وإن لم يتعرّض إليه في المتن.

التفصيل الثّالث : ما مال إليه صاحب الحدائق (٢) قدس‌سره وذكره وجهاً واحتمالاً ، حيث ذكر أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو ذلك أو غيره كما ذكره في الحدائق فراجع ، ونسبه إلى الصدوق (٣) قدس‌سره من الحكم بأن ما تراه الحبلى من الدم إذا كان بصفة دم الحيض فهو حيض ، كان ذلك في أيّام عادتها أم في غيرها والحكم بعدم الحيضيّة إذا لم يكن بصفة دم الحيض بلا فرق في ذلك بين أيّام العادة وغيرها ، فالحبلى تمتاز عن غيرها حيث إنّ غير الحبلى إذا رأت الدم في أيّام عادتها يحكم بكونه حيضاً وإن لم يكن بصفات الحيض ، وهذا بخلاف الحبلى لأنّه إذا رأت الدم ولم يكن بصفة الحيض لا يحكم بكونه حيضاً سواء كان في أيّام عادتها أم لم يكن.

وذلك لجملة من الأخبار الواردة في أن الحبلى إذا رأت الدم وكان كثيراً فلا تصلّي‌

__________________

(١) لم يتقدّم صاحبان للشيخ ، وإنّما تقدّم في الصفحة ٨٥ « الشيخ في نهايته وكتابيه » ، نعم حكي ميل المعتبر إلى قول الشيخ. أو لعلّه أُريد من صاحبي الشيخ ، صاحب السرائر والإصباح ، ولكنّهما وافقا الشيخ في التفصيل الأوّل.

(٢) الحدائق ٣ : ١٨١ و ١٨٢ / في غسل الحيض.

(٣) الفقيه ١ : ٥١ / باب غسل الحيض.

٨٩

وإن كان قليلاً فليس عليها إلاّ الوضوء (١) ، أو لا تصلّي إذا كان الدم أحمر أو عبيطاً دون ما إذا كان أصفر (٢) ، فإنّها ظاهرة الدلالة على التفصيل في الحكم بحيضيّة ما تراه الحبلى من الدم بين كونه بصفات الحيض وما إذا لم يكن ، بلا تفرقة في ذلك بين كونه في أيّام عادتها أو في غيرها ، هذا.

ولكن الصحيح أن الحبلى كغيرها ، فلا مناص من الحكم بحيضيّة ما تراه في أيّام عادتها وإن لم يكن بصفات الحيض ، وذلك لأنّ ما استند إليه صاحب الحدائق من الأخبار الدالّة على التفصيل بين ما تراه المرأة الحبلى من الدم بصفات الحيض وما إذا لم يكن بلا فرق بين أيّام عادتها وغيرها ، معارضة بما دلّ على أنّ ما تراه الحبلى في أيّام عادتها حيض مطلقاً ، سواء أكان متصفاً بصفات الحيض أم لم يكن (٣) ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لأنّ ما استند إليه صاحب الحدائق قدس‌سره خاصّةٌ من جهة اعتبارها اشتمال الدم على صفات دم الحيض ، ومطلقة من جهة كونه في أيّام العادة أو في غيرها ، وهذه الأخبار خاصّة من جهة اعتبارها كون الدم في أيّام العادة ومطلقة من جهة كونه مشتملاً على صفات الحيض أم لم يكن ، فتتعارضان فيما تراه الحبلى في أيّام عادتها من الدم غير المتصف بأوصاف الحيض كما إذا كان أصفر ، فإنّ الأخبار المستند إليها في كلام صاحب الحدائق قدس‌سره تقتضي عدم كونه حيضاً ، وهذه الأخبار تقتضي الحكم بحيضيّته ، وحيث إنّ التعارض بينهما بالإطلاق فيتساقطان ويرجع إلى العموم أو الإطلاق الفوق ، وهو ما دلّ على أنّ الحبلى إذا رأت الدم تركت الصّلاة أو تدعها (٤) ، ومقتضاه الحكم بحيضية ما تراه الحبلى من الدم في أيّام عادتها وإن لم يكن بصفات دم الحيض ، هذا.

__________________

(١) راجع الوسائل ٢ : ٣٣١ و ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥ و ١٦.

(٢) راجع الوسائل ٢ : ٢٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٣٠ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٣ و ١١ و ٢ و ٧.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١ و ٤ و ٩ و ١٠.

٩٠

[٧٠٤] مسألة ٤ : إذا انصبّ الدّم من الرّحم إلى فضاء الفرج وخرج منه شي‌ء في الخارج ولو بمقدار رأس إبرة لا إشكال في جريان أحكام الحيض (١) ، وأمّا إذا انصبّ ولم يخرج بعد وإن كان يمكن إخراجه بإدخال قطنة أو إصبع ففي جريان أحكام الحيض إشكال (*) (٢) ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أحكام الطّاهر والحائض ولا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي أو العارضي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومع الإغماض عن هذه المطلقات فليتمسك بما دلّ على أنّ المرأة إذا رأت الدم في أيّام عادتها فهي حائض أو أن الدم حيض وإن لم يكن بصفات الحيض (٢) ، فهذا التفصيل أيضاً غير صحيح.

(١) لأنّه حيض وإن كان قليلاً ، فتشمله الأخبار والمطلقات ، بل هو المقدار المتيقن منها في قبال الدم المنصب من الرّحم غير الخارج من المخرج والمحل أي الفرج.

الدم الّذي لم يخرج إلى خارج الفرج‌

(٢) الظاهر الحكم بعدم كونه حيضاً خلافاً لبعضهم حيث جزم بحيضيّته ، وذلك لأنّ المستفاد من الأخبار الواردة في دم الحيض أنّ الموضوع للأحكام الواردة فيها هو الدم الخارج من المرأة والطمث أو رؤية الدم ، ولا يصدق شي‌ء من هذه العناوين عند انصباب الدم من الرّحم وعدم خروجه إلى خارج الفرج وإن كان بحيث تتمكّن المرأة من إخراجه بإصبعها أو القطن أو تتمكن من أن تمنع خروجه ، ولا سيما عنوان الرؤية حيث لا يصدق أنّ المرأة رأت الدم ، وبالأخص فيما إذا بنينا على أنّ الحيض اسم لنفس الدم ، حيث إنّ الحائض لا يصدق حينئذ إلاّ على امرأة خرج منها الدم ، ومع عدم خروجه لا يصدق أنّها حائض ، هذا أوّلاً.

__________________

(*) الظاهر أنّه لا تجري عليه أحكام الحيض ما لم يخرج.

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤ ، وص ٢٧٨ ب ٤.

٩١

ولا وجه للتشبث بما دلّ على أنّ الحيض إنّما يحكم بانقطاعه فيما إذا انقطع من الرّحم ولم يبق فيه أو في المخرج دم (١).

وذلك للفرق بين الحدوث والبقاء ، فإنّ الحيض بعد حدوثه ووجوده لا يحكم بارتفاعه وانقطاعه إلاّ بانقطاعه من مادّته ، نظير العيون الخارجيّة حيث لا يقال إنّها جفّت إلاّ إذا لم ينبع الماء في مادّتها ، وأمّا مع وجوده في المادّة والمنبع ويبوسة الخارج أو المجرى فلا يصدق الجفاف واليبوسة ، وهكذا الأمر في الحيض فلا يقال إنّه انقطع إلاّ أن ينقطع من الرّحم ولا يكون فيه أو في المخرج شي‌ء ، وأمّا بحسب الحدوث فليس الأمر كذلك ، لأنّ الحيض لا يصدق إلاّ بالخروج إلى الخارج كما مرّ.

ثمّ لو سلّمنا عدم ظهور الأخبار فيما ذكرناه وشككنا في أنّ مثله من الحيض أو من غيره فلا محالة أن نرجع إلى العمومات والمطلقات ، وهي تقتضي وجوب الصّلاة والصّيام على المرأة حينئذ.

وتوضيح ذلك : أنّ العمومات والمطلقات دلّت على أنّ المكلّف مأمور بالصلاة وغيرها من الأحكام ، وإنّما خرج عنها الحائض بتلك الأخبار الواردة في أنّ الحائض تترك الصّلاة وحيث أنّها مجملة وقد قلنا في محله أنّ إجمال المخصص المنفصل لا يسري إلى العام فتكون العمومات حجّة في غير المقدار المتيقن من المخصص المجمل وهو الدم المنصب من الرّحم غير الخارج إلى خارج الفرج فيحكم على المرأة حينئذ بوجوب الصّلاة والصّيام ولا يعامل معها معاملة الحائض ، نعم لا يمكننا المصير إلى الاستصحاب حينئذ لأنّ الشبهة حكميّة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٨ / أبواب الحيض ب ١٧.

٩٢

[٧٠٥] مسألة ٥ : إذا شكّت في أنّ الخارج دم أو غير دم ، أو رأت دماً في ثوبها وشكّت في أنّه من الرّحم أو من غيره لا تجري أحكام الحيض (١) ، وإن علمت بكونه دماً واشتبه عليها فإمّا أن يشتبه بدم الاستحاضة أو بدم البَكارة أو بدم القرحة ، فإن اشتبه بدم الاستحاضة يرجع إلى الصفات (*) فإن كان بصفة الحيض يحكم بأنّه حيض ، وإلاّ فإن كان في أيّام العادة فكذلك ، وإلاّ فيحكم بأنّه استحاضة (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا شكّت في حيضيّة الدّم‌

(١) لاستصحاب عدم خروج دم الحيض واستصحاب عدم كونها حائضاً.

(٢) وهذا للأخبار المتقدّمة والآتية في محلها من أنّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها حيض وإن كان صفرة وغير متصف بأوصاف الحيض ، وأمّا في غير عادتها فإن كان متصفاً بأوصاف الحيض فحيض ، وإلاّ فاستحاضة.

وما أفاده قدس‌سره في المقام وإن لم يكن كذلك في جميع المقامات ، لأنّ المرأة إذا رأت الدم بعد عادتها كخمسة أيّام مثلاً وقبل انقضاء عشرة أيّام من عادتها يحكم بكونه حيضاً وإن لم يكن بصفات الحيض كما يأتي في محلّه ، وكذا إذا رأته بيوم أو يومين قبل عادتها واستمرّ إلى العادة ، فإنّه حيض أيضاً وإن لم يكن بصفاته ، كما أنّه إذا رأت الدم بعد عشرة أيّام من أوّل عادتها وقبل تخلّل أقل طهر كامل أعني عشرة أيّام بينه وبين حيضها لا يحكم بكونه حيضاً ولو كان بصفات الحيض ، إذ لا بدّ من تخلّل الطّهر بين الحيضتين ، وكذلك الحال في المضطربة والمبتدئة فإنهما ترجعان إلى نسائهما عند تجاوز الدم العشرة وعدم كونه بصفات الحيض ولا يحكم بعدم كونه حيضاً ، إلاّ أنّ غرضه قدس‌سره الإشارة إلى إجمال التفرقة والمميز بين دم الحيض والاستحاضة ، وأمّا تفصيلها فيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

__________________

(*) فيه تفصيل سيأتي.

٩٣

وإن اشتبه بدم البكارة يختبر بإدخال القطنة في الفرج (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثمّ إنّ الدّم إذا خرج في أيّام العادة أو بعدها ولكن كان متّصفاً بصفات الحيض فيحكم بكونه حيضاً ، وأمّا إذا علمنا بعدم كونه حيضاً لعدم استمراره ثلاثة أيّام مثلاً فهل يحكم بأنّه استحاضة بمعنى أنّ كلّ دم لم يكن حيضاً فهو استحاضة أو ليس كذلك فهو أمر موكول إلى بحث الاستحاضة ، ولا بدّ من التعرّض هناك لما هو المميز للاستحاضة ، فإنّ الكلام في المقام إنّما هو فيما يتميّز به دم الحيض.

تردّد الدم واشتباهه بدم البكارة‌

(١) لصحيحة خلف بن حمّاد الكوفي في حديث قال « دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام بمنى فقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية معصراً لم تطمث ، فلمّا افتضّها سال الدم فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام ، وإنّ القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهنّ : دم الحيض ، وقال بعضهنّ : دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال عليه‌السلام فلتتّق الله تعالى ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصّلاة حتّى ترى الطّهر وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتّق الله ولتتوضّأ ولتصلّ ويأتيها بعلها إن أحبّ ذلك ، فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي؟ قال : فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ، قال : ثمّ نهد إليّ فقال : يا خلف سرّ الله سرّ الله فلا تُذيعوه ولا تُعلّموا هذا الخلق أُصول دين الله ، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال ، قال ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين ، ثمّ قال : تستدخل القطنة ثمّ تدعها مليّاً ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً ، فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العُذرة ، وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض ... » الحديث (١).

وصحيحة زياد بن سوقة قال « سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن رجل افتضّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٢ / أبواب الحيض ب ٢ ح ١.

٩٤

امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً ، كيف تصنع بالصلاة؟ قال عليه‌السلام : تمسك الكُرسُف ، فإن خرجت القطنة مطوّقة بالدم فإنّه من العُذرة ، تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلّي ، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصّلاة أيّام الحيض » (١).

بل الظاهر أنّ المسألة غير خلافيّة ، ولا يعتبر في الاختبار بذلك أيّة كيفيّة ، وما عن الشهيد الثّاني في روضه (٢) من أنّها تستلقي وترفع رجلها وتستدخل القطنة فهو كما نبّه عليه المحقّق الهمداني (٣) وغيره مبني على الاشتباه ، لأنّ تلك الكيفيّة إنّما وردت عند اشتباه دم الحيض بدم القروح ، وأمّا عند التردّد بين دم البكارة والحيض فلم ترد كيفية خاصّة في الرّوايات.

ثمّ إنّ مورد الصحيحتين هو ما إذا علم بزوال البكارة وتردّد الدم الخارج بين دم البكارة والحيض من الابتداء ، وأمّا إذا لم يعلم بزوال البكارة وشكّ في أنّ الدم دم العُذرة ، والبكارة زالت ، أو أنّه دم الحيض ، والبكارة باقية ، أو علم بأنّ المرأة حائض وافتضها زوجها وهي حائض وخرج الدم وشكّ في أنّه حيض أو بكارة ، أو أنّ الدّم خرج قليلاً بحيث لم يحتمل كونه حيضاً ابتداءً بأن كان دم بكارة ثمّ كثر على نحو اشتبه لأجله أنّه حيض بقاءً أو دم العذرة أيضاً ، فهل يرجع إلى الاستصحاب حينئذ أعني استصحاب عدم كونها حائضاً فيما إذا لم تكن مسبوقة بالحيض ، أو استصحاب كونها حائضاً عند كونها مسبوقة به ، أو لا بدّ فيها من الاختبار بإدخال القطنة كما مرّ؟

الظاهر وجوب الاختبار حتّى في هذه الموارد وإن كانت خارجة عن مورد الصحيحتين ، وذلك لأنّه عليه‌السلام أمرها بالتقوى بقوله « فلتتّق الله ولتتوضّأ ولتصلّ » ، وظاهر ذلك أنّه لا بدّ من الاختبار في كلّ مورد اشتبه فيه الحيض بالبكارة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٣ / أبواب الحيض ب ٢ ح ٢.

(٢) روض الجنان : ٦٠ السطر ٥ / المقصد الثّاني في الحيض.

(٣) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٦٠ السطر ٦.

٩٥

حيث إنّ لهما أحكاماً خاصّة لا بدّ من مراعاتها ، ومن البعيد جدّاً اختصاص الأمر بالتقوى بخصوص ما إذا دار الأمر بينهما من الابتداء ، هذا ، ثمّ على تقدير عدم ظهور الصحيحتين في ذلك فلا أقل من أنّ الاختبار في هذه الموارد أحوط.

ثمّ إنّ خروج القطنة مطوّقة بالدم أمارة على أنّ الدم من العذرة حسب دلالة هاتين الصحيحتين ، وهل إنّ خروجها منغمسة أمارة أنّه حيض بحيث لو تردّد الدم بين دم الحيض والبكارة والاستحاضة أو غيرها حكم بكونه حيضاً عند خروجها منغمسة؟

لا كلام في أنّ خروج القطنة منغمسة بالدم أمارة أنّ الدم ليس بدم البكارة ، فلا محالة يكون أمارة على كونه دم حيض فيما إذا كان أمره مردّداً بين دم العذرة والحيض ، حيث لا يحتمل غير الحيضيّة بعد عدم كونه دم العذرة ، وهل خروج القطنة منغمسة بالدم أمارة الحيضيّة مطلقاً حتّى إذا احتمل مع الاحتمالين المذكورين أمر ثالث ، كما إذا احتملنا أنّه دم العذرة أو الحيض أو الاستحاضة ، فيحكم بأنّه دم الحيض إذا خرجت القطنة منغمسة بالدم أو أنّ أماريّة الانغماس للحيضيّة مختصّة بما إذا دار أمر الدم بين دم العذرة والحيض؟

فقد وقع ذلك مورد الكلام حيث إنّ ظاهر جملة منهم المحقّق في الشرائع (١) والنافع (٢) ، والعلاّمة في القواعد (٣) التوقف في الحكم بأماريّة الانغماس على الحيضيّة مطلقاً.

واعترض على ذلك بأنّهم كيف يتوقفون في الحكم بالحيضيّة مع الانغماس مع أنّه ظاهر النصوص والفتاوى. ومن هنا حمل ذلك شيخنا الأنصاري (٤) قدس‌سره على صورة احتمال غير الحيض ، كما إذا احتمل الاستحاضة أو القرحة أيضاً.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢ / الفصل الثّاني في الحيض.

(٢) المختصر النافع : ٩ / الثّاني غسل الحيض.

(٣) لاحظ القواعد : ٢١٢.

(٤) كتاب الطّهارة : ١٨٦ السطر ١ / المقصد الثّاني في الحيض.

٩٦

والصحيح هو ما ذكره شيخنا الأنصاري قدس‌سره فلا يحكم بكون الانغماس أمارة على الحيضيّة مطلقاً ، وإنّما تختص أماريّته بما إذا دار أمر الدم بين الحيض والعُذرة ، نظراً إلى أنّ خروجه مع الانغماس أمارة على عدم كونه دم العذرة ، ومعه يتعيّن أن يكون الدم حيضاً إذ لا ثالث هناك.

وأمّا مع احتمال كونه استحاضة أو غيرها فلا دلالة في الانغماس على كونه حيضاً أبداً ، وذلك لأنّ الانغماس لازم أعم للحيضيّة ، وإنّما هو لازم لكثرة الدم سواء كان حيضاً أم استحاضة أو غيرهما ، ولا أماريّة للازم الأعم على الملزوم الأخص ، والّذي يؤكّد ذلك بل يدلّ عليه أنّه لم يرد الاختبار بالانغماس في موارد اشتباه الحيض بالاستحاضة في شي‌ء من الرّوايات ، وإنّما ميّزوا الحيض بالأوصاف ، فلو كان الانغماس أيضاً من جملة الأمارات لكان عليهم عليهم‌السلام التنبيه على ذلك ، نعم الانغماس يدل على عدم كون الدم دم عذرة ، هذا.

مضافاً إلى أنّ المقتضي لكون الانغماس أمارة الحيضيّة حتّى في موارد احتمال غير الحيض والبكارة قاصر من أصله ، فإنّ الصحيحتين المتقدّمتين إنّما تدلاّن على أماريّة الانغماس للحيضيّة فيما إذا دار أمر الدم بين كونه حيضاً أو دم عذرة ، ولا دلالة لهما على أماريّته عند احتمال دم ثالث.

وذلك أمّا في صحيحة خلف فظاهر ، وذلك لأنّه عليه‌السلام أمرها بالتقوى بالإمساك عن الصّلاة وإمساك بعلها عنها إن كان الدم دم حيض ، وبالصلاة والاغتسال إن كان دم البكارة ، ولم يبيّن وظيفة غيرهما ، فلو كانت احتملت دماً ثالثاً لكان عليه عليه‌السلام أن يبيِّن وظيفتها على تقدير كونه استحاضة مثلاً ، لأنّ لها أحكاماً خاصّة وحيث لم يبيّن غيرهما فيستفاد منه أنّ الدم كان مردّداً بين دم البكارة والحيض ولو من جهة اختلاف القوابل ودعوى بعضهن الحيض وبعضهن البكارة وقد جعل عليه‌السلام الانغماس أمارة على الحيضيّة حينئذ ، ولا دلالة لها على أماريّته مطلقاً حتّى إذا احتمل دم ثالث كالاستحاضة.

٩٧

والصّبر قليلاً (١) ثمّ إخراجها ، فإن كانت مطوّقة بالدم فهو بكارة ، وإن كانت‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا صحيحة زياد بن سوقة فلأنها وإن لم تشتمل على ما اشتملت عليه الصحيحة المتقدِّمة إلاّ أنّ الضمائر في قوله عليه‌السلام « تمسك الكرسف وتغتسل وتمسك معها قطنة وتصلّي » كلّها راجعة إلى المرأة الواردة في كلام السائل ، وغير راجعة إلى المرأة الكليّة الّتي رأت دماً ، والمرأة المسئول عنها في كلام السائل يدور أمرها بين أن يكون الدم الخارج منها دم بكارة أو دم حيض ، وذلك لأنّه سأل عن امرأة افتضها زوجها أو سيِّدها ، والافتضاض بنفسه موجب لخروج الدم الكثير وعدم انقطاعه عنها يوماً. وقوله « كيف تصنع بالصلاة » قرينة قطعيّة على أنّ الدم يحتمل أن يكون حيضاً ، لأنّ الحائض هي الّتي تترك الصّلاة ، وأمّا غيرها فلا وجه للسؤال عن أنّه كيف تصنع بالصلاة ، لوضوح أنّ غير الحائض تأتي بها مع تطهير نجاسة الثوب والبدن إن أمكن وإلاّ فمعها ، وعليه فالسائل سأل عن امرأة دار أمر دمها بين دم البكارة ودم الحيض فحسب ، وفي مثلها حكم عليه‌السلام بترك الصّلاة وحرمة وطئها إذا خرج الكرسف منغمساً بالدم وبوجوب الصّلاة وجواز وطئها إن كان خرج مطوّقاً به.

فلم يجعل الانغماس أمارة على الحيضيّة في مطلق المرأة الّتي رأت الدم ولو كان يحتمل استحاضته ، وعليه فلو احتمل معهما دم ثالث يسقط الانغماس عن كونه أمارة على الحيض ، بل لا بدّ من الرّجوع إلى الصفات والتمييز بها إن كان واجداً لها ، وإلاّ فيحكم بكونه استحاضة.

وأمّا قاعدة الإمكان والحكم بالحيضيّة لأجلها فيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.

(١) أي في أقل مدّة يمكن الاختبار فيها ويصل الدم إلى جوف القطنة وينغمس فيها على تقدير كونه دم الحيض أو يطوّقها على تقدير كونه دم العذرة ، فكون المدّة أقل إنّما هو بالإضافة إلى جميع المدّة الّتي يخرج فيها الدم ، ولا يجب عليها أن تصبر مدّة خروج الدم ، وإنّما تصبر أقلّ مدّة يحصل فيها الاختبار.

٩٨

منغمسة به فهو حيض ، والاختبار المذكور واجب (*) ، فلو صلّت بدونه بطلت وإن تبيّن بعد ذلك عدم كونه حيضاً ، إلاّ إذا حصل منها قصد القربة بأن كانت جاهلة أو عالمة أيضاً إذا فرض حصول قصد القربة مع العلم أيضاً (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا أيضاً هو المراد بالمليّ الوارد في صحيحة خلف حيث قال : « وتدعها مليّاً » فإن الملي بحسب اللّغة وإن كان بمعنى الكثير ، ومنه قولهم « فأطرق مليّاً » أي مدّة من الزّمان ، إلاّ أنّ المراد به في الصحيحة هو المدّة الّتي يمكن فيها اختبار الدم كما ذكرناه ولم يرد به تمام مدّة خروج الدم ، وذلك لأنّ صبرها زائداً على المدّة الّتي تتمكن فيه المرأة من الاختبار لغو لا أثر له ، وعليه فالمراد بالقليل في كلام الماتن ، والمليّ في الصحيحة شي‌ء واحد ، وإنّما عبّر عنه بالقليل لأنّه أمر إضافي أي بالإضافة إلى تمام مدّة خروج الدم ، نعم إن كان الماتن عبّر بالمليّ لكان أحسن.

هل الاختبار واجب شرطي؟

(١) لا شبهة في أنّ الاختبار ليس من الواجبات النفسيّة في الشريعة المقدّسة حيث إنّ الدليل على وجوبه هو الصحيحتان المتقدّمتان ، وهو إنّما ذكر فيهما مقدّمة للصلاة ، حيث سئل في إحداهما عن أنّها كيف تصنع بالصلاة ، وهو يدلّنا على أنّ الاختبار إنّما هو لأجل الصّلاة ، على أنّ وجوبه النفسي غير محتمل في نفسه ، فأمرها بالاختبار في هذه الصحيحة لأجل الصّلاة ، كما أنّه أمرها بذلك في صحيحة خلف من جهة التّقوى وعدم تركها الصّلاة على تقدير كون الدم دم العُذرة وتركها لها على تقدير كونه دم الحيض ، فهو إنّما يجب شرطاً للصلاة لا أنّه واجب نفسي.

وإنّما الكلام في أنّه واجب شرطي لصلاة المرأة المذكورة مطلقاً بحيث لو صلّت ولم تختبر أصلاً أو اختبرت بعد الصّلاة ولم تكن حائضاً واقعاً حكم بفساد صلاتها‌

__________________

(*) في وجوبه إشكال ، والقدر المتيقّن أنّه لا تصحّ صلاتها قبله بقصد الأمر جزماً.

٩٩

لفقدانها الشرط الّذي هو الاختبار ، أو أنّه شرط لصحّة صلاة المرأة الّتي خرج عنها الدم المردّد بين الحيض والعذرة فيما إذا أرادت أن تصلّي بنيّة الجزم بمعنى أنّ الاختبار إنّما هو طريق إلى استكشاف حال الدم ، لا أنّه شرط في صحّة الصّلاة حيث لا تتمكن من الجزم بالنيّة في صلاتها إلاّ بالفحص والاختبار حتّى تعلم أنّ الدم الخارج دم العذرة دون الحيض ، وإلاّ فلو أتت بها جزماً لكانت تشريعاً محرّماً وتفسد صلاتها لا محالة ، فإنّ استصحاب عدم كونها حائضاً غير جارٍ في حقّها للصحيحتين وإن كان المورد مورداً له في نفسه ، لأنّهما وردتا في امرأة بكر افتضّها زوجها أو سيِّدها ، فهي مسبوقة بالطهر وعدم الحيض في نفسها ، ومقتضى استصحاب بقاء المرأة على ما كانت عليه الحكم بعدم كونها حائضاً ، إلاّ أنّه غير جارٍ لهاتين الصحيحتين الدالّتين على لزوم الاختبار حينئذ وإن كانت الشبهة موضوعيّة وغير واجبة الفحص ولكنّهما مخصّصتان لأدلّة الاستصحاب وتدلاّن على لزوم اختبارها ، ومع عدم جريان الاستصحاب لا تتمكن من الجزم بالنيّة إلاّ بالاختبار ، فالاختبار شرط لصحّة صلاة المرأة في مورد الكلام عند إرادتها الصلاة عن جزم بالنيّة ، دون ما إذا أتت بها رجاء كونها غير حائض ولاحتمال وجوبها في حقّها ، فإنّها صحيحة فيما إذا لم تكن حائضاً واقعاً وإن لم تختبر قبلها ، المقدار المتيقّن من اشتراط الاختبار اشتراطه في صلاتها مع الجزم بالنيّة لعدم جريان الاستصحاب في حقّها كما مرّ ، وأمّا اشتراطه في صلاتها مطلقاً حتّى فيما إذا صلّت رجاء كونها مأمورة بالصلاة فهو يبتني على أحد أُمور :

الأوّل : أن يقال إنّ الصّلاة في حقّ الحائض محرّمة بالذات نظير بقيّة المحرّمات الذاتيّة ، وعليه فأمر صلاة المرأة في مفروض الكلام يدور بين الحرمة والوجوب ، ومع احتمال الحرمة لا يتمشّى منها قصد القربة ، فتفسد صلاتها إلاّ أن تختبر دمها وتجزم بعدم كونه دم حيض.

الثّاني : أن يقال بوجوب تحصيل الجزم في نيّة العبادات مع التمكن منه ، وبما أنّ المرأة في مفروض الكلام متمكنة من تحصيله بالاختبار فلو أتت بصلاتها رجاءً يحكم ببطلانها ، لفقدانها الشرط المعتبر في صحّتها وهو الجزم بالنيّة مع التمكّن منه.

١٠٠