موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

لإطلاق صحيحة زرارة « إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد » (١) والغسل الواحد مطلق يعمّ الواجب والمستحب ، كما أنّ الحقوق تعمّ الواجب والمستحب كما قدّمناه ، وعليه فلو اغتسل للجمعة غافلاً عن أنّ عليه جنابة يكفي ذلك في رفع جنابته.

ويؤيده رواية الصّدوق من « أن من جامع في أوّل شهر رمضان ثمّ نسي الغسل حتّى خرج شهر رمضان ، أنّ عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلاّ أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنّه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما بعد ذلك » (٢) ، أمّا قضاؤه الصّلاة فهو على طبق القاعدة ، لأنّ الصّلاة مشروطة بالطّهارة من الحدث ، فإذا نسي الغسل ثمّ تبيّن أنّها وقعت مع الجنابة فيجب قضاؤها لاستكشاف بطلانها.

وأمّا قضاؤه الصّيام فهو على خلاف القاعدة ، لأنّ الصّوم مشروط بعدم تعمد البقاء على الجنابة ، والناسي ليس متعمداً في بقائه على الجنابة ، فالقاعدة تقتضي صحّة صومه وعدم وجوب القضاء عليه ، إلاّ أنّ الأخبار المعتبرة دلّت على أنّ ناسي غسل الجنابة كالعالم والمتعمد (٣) ، فلا بدّ من أن يقضي صومه وليس حاله حال الجاهل بجنابته ، وهذه الرّواية دلّت على أنه إنّما يقضيهما إلى أن يغتسل للجمعة لأنّه يرفع الجنابة فيصح صومه وصلاته ، إلاّ أنّها ضعيفة ومن هنا جعلناها مؤيّدة للمدعى.

وأمّا عدم الحاجة مع ذلك الغسل الندبي إلى الوضوء فالكلام فيه هو الكلام في عدم الحاجة إليه مع الغسل الواجب كما مرّ ، لأنّ الغسل المستحب كالواجب في إغنائه عن الوضوء كما أنّ المكلّف لجنابته لا مقتضي في حقّه للوضوء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٣٨ / أبواب من يصحّ منه الصّوم ب ٣٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٣٧ / أبواب من يصحّ منه الصّوم ب ٣٠.

٦١

[٦٩٩] مسألة ١٦ : الأقوى صحّة غسل الجمعة من الجنب والحائض ، بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدّم (١).

[٧٠٠] مسألة ١٧ : إذا كان يعلم إجمالاً أنّ عليه أغسالاً لكن لا يعلم بعضها بعينه يكفيه أن يقصد جميع ما عليه كما يكفيه أن يقصد البعض المعيّن ويكفي عن غير المعيّن ، بل إذا نوى غسلاً معيّناً ولا يعلم ولو إجمالاً غيره وكان عليه في الواقع كفى عنه أيضاً وإن لم يحصل امتثال أمره (٢). نعم إذا نوى بعض الأغسال ونوى عدم تحقّق الآخر (٣) ففي كفايته عنه إشكال بل صحّته أيضاً لا تخلو عن إشكال (*) بعد كون حقيقة الأغسال واحدة ، ومن هذا يشكل البناء على عدم التداخل بأن يأتي بأغسال متعدّدة كلّ واحد بنيّة واحد منها ، لكن لا إشكال إذا أتى فيما عدا الأوّل برجاء الصحّة والمطلوبيّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) هذه المسألة من صغريات الكبرى المتقدّمة من أنّ الغسل المستحب يغني عن الأغسال الواجبة والمستحبّة مطلقاً وإن لم ينوها ولم تكن حاجة إلى التّكرار ، ولعلّه إنّما تعرّض لها بخصوصها لورود النص فيها وهو رواية الصدوق المتقدِّمة (٢).

(٢) علم تفصيل هذه المسألة ممّا قدّمناه في الفروع المتقدّمة فلا حاجة إلى إعادته.

إذا نوى البعض ونوى عدم الآخر‌

(٣) كما إذا اغتسل لمس الميت قاصداً أن لا يرتفع به جنابته ، لأنّه يريد أن يغتسل لها مستقلا ، فهل هذا الغسل صحيح في نفسه أو باطل؟ وعلى فرض صحّته فهل يغني عن غيره وإن كان المكلّف قد قصد عدمه أو لا يغني؟

__________________

(*) والأظهر هي الصحّة والكفاية ، فإنّ الأغسال حقائق متعدّدة والإجزاء حكم تعبّدي لا دخل لقصد المغتسل وعدمه فيه.

(١) تقدّمت في الصفحة السابقة.

٦٢

فيه كلام وقد تقدّم نظيره في الوضوء فيما إذا بال ونام وتوضّأ بقصد حدثه النومي دون البولي قاصداً لرفعه بوضوء آخر (١) ، وقد استشكل الماتن قدس‌سره في صحّته وإغنائه عما في ذمّته ، نظراً إلى أنّ الأغسال طبيعة واحدة ومتى تحقّق فرد منها ارتفع الجميع ، فلا انفكاك بين الفرد والطّبيعة ، لأنّه متى ما تحقّق تحققت الطّبيعة وارتفعت الأغسال بأجمعها ، ومعه يشكل الحكم بصحّة الغسل فيما إذا أتى به ناوياً عدم تحقّق الأغسال الأُخر ، وعليه أن يأتي بالغسل الآخر برجاء المطلوبيّة وقصد ما في الذمّة ، حيث يقطع بذلك بالامتثال ، لأنّه إمّا وقع غسله الأوّل صحيحاً وارتفع به الأغسال كلّها ، أو أنّه لو كان باطلاً فالغسل الثّاني وقع صحيحاً وبه ارتفعت الأغسال بأجمعها ، هذا.

ولكن الظّاهر صحّة ما أتى به من الغسل وإغنائه عن البقيّة ، بلا فرق في ذلك بين القول بوحدة طبائع الأغسال والقول بتعددها وتغايرها ، لأنّا إن قلنا بأن طبائع الأغسال طبيعة واحدة كما هو ظاهر المتن فلا إشكال في ما أتى به المكلّف من الغسل حيث أتى به قاصداً به القربة أمّا بقصده في نفسه لأنّه محبوب نفسي كما في غسل الجنابة أو بداعي أنّه واقع في سلسلة وجود الواجب النفسي ، ومع الإتيان بالطبيعة بقصد القربة لا موجب لبطلان ما أتى به من الغسل.

وأمّا إغناؤه عن بقيّة الأغسال وعدمه فهما حكمان شرعيّان خارجان عن اختيار المكلّف ، فقصده لأحدهما وقصد عدم تحقّق الآخر أو عدمه على حد سواء ، وحيث إنّ الشّارع حكم بإغناء الغسل الواحد عن الجميع فلا محالة تسقط به الأغسال الأُخر.

اللهمّ إلاّ أن ينوي بما أتى به الغسل الرّافع لما قصده وغير الرّافع لبقيّة الأغسال شرعاً ، لأنّه حينئذ تشريع محرّم ، ولم يجعل في الشّريعة المقدّسة غسل غير رافع عن بقيّة الأغسال ، فيحكم ببطلانه من جهة التّشريع ، وهو أمر آخر خارج عن محل‌

__________________

(١) تقدّم في المسألة [٤٨٩].

٦٣

الكلام ، لأنّ البحث فيما إذا أتى بفرد من الأغسال ناوياً عدم ارتفاع غيره به ، وأمّا إسناد عدم الرّفع إلى الشّارع فهو أمر آخر.

وأمّا إذا قلنا بأن الأغسال طبائع مختلفة بحسب حكم الشّارع واعتباره وإن كنّا لو خلّينا وأنفسنا لحكمنا بوحدة طبائعها ، لأنّ الغسل والماء في جميعها واحد ، كما أنّ الكيفيّة كذلك لأنّه إمّا على نحو الارتماس وإمّا على نحو الترتيب ، كما هو الحال في صلاتي الظّهر والعصر أو القضاء والأداء ، لأنّهما طبيعة واحدة ولا اختلاف بينهما بوجه ، إلاّ أنّ قوله عليه‌السلام « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (١) يدلّنا على تعدّد طبيعة الظّهر والعصر عند الشّارع وأنّ المشار إليه بكلمة هذه الاولى غير المشار إليه بكلمة هذه الثّانية ، وإلاّ لا معنى للإشارة بهما ، كما استفدنا تعدّد الطّبيعة في القضاء والأداء من استحباب تقديم القضاء على الأداء أو وجوبه ، وأنّه لو تذكر في أثناء الأداء أنّ عليه قضاء يعدل إلى القضاء ، لأنّه يدل على أنّهما طبيعتان ، وإلاّ لا

معنى لتقديم الشي‌ء على نفسه استحباباً أو وجوباً. وفي المقام أيضاً استفدنا تعدّد الطّبائع من قوله عليه‌السلام « إذا اجتمعت عليك حقوق » (٢) ، ولا يعبر عن الحقيقة الواحدة بالحقوق كما هو ظاهر فأيضاً إذا أتى بطبيعة من تلك الطّبائع قاصداً به القربة على أحد النحوين المتقدّمين فلا وجه للحكم ببطلانه ، وحيث إنّ الشّارع حكم بإغناء ذلك عن بقيّة الطبائع فيحكم بسقوط الجميع ، لأنّه حكم شرعي وغير موكول إلى اختيار المكلّف حتّى يقصد عدم سقوط البقيّة.

اللهمّ إلاّ أن يشرع في عمله بأن يقصد فرداً من الطّبيعة الّتي حكم الشّارع بعدم إغنائها عن بقيّة الأغسال ، لأنّه موجب للحكم ببطلان غسله من جهة التّشريع ، إلاّ أنّه خارج عن مورد الكلام ولا يوجب الحكم بالبطلان عند ما إذا أتى بها جاهلاً بالتداخل أو معتقداً عدم التداخل شرعاً.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ و ١٣٠ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ و ٢٠ و ٢١ و ٢٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

٦٤

فصل

في الحيض

وهو دم خلقه الله تعالى في الرّحم لمصالح ، وفي الغالب أسود أو أحمر غليظ طريّ حارّ يخرج بقوّة وحرقة ، كما أنّ دم الاستحاضة بعكس ذلك ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في الحيض

الظّاهر أنّ الحيض معنى حدثي ، ومن هنا يشتق منه ويقال : حاضت ، تحيض حائض وحيّض ، إذ لو كان من الجوامد لم يمكن منه الاشتقاق إلاّ على وجه التأويل كما في اللاّبن والتّامر والحدّاد.

ولكن قد أُطلق في غير واحد من الأخبار على نفس الدّم :

منها : صحيحة حَفص بن البَختَري ، قال « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام امرأة ، فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره ... » (١) ، حيث أُطلق الحيض على نفس الدّم. ومنها : ما ورد في رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حديث « وكل ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ... » (٢) ، وكذلك في غيرها من الأخبار (٣) حيث إنّ الظّاهر أنّ كلمة « من » للجنس ، ولا معنى لأنّ تكون نشوية ، لأنّ الدم لا ينشأ عن الحيض. ومنها : ما سأل فيه سلمان رحمه‌الله عليّاً عليه‌السلام « عن رزق الولد في بطن امّه ، فقال : إنّ الله تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن امّه » (٤) ، حيث أُطلق الحيضة على نفس الدّم. ومنها غير ذلك من الأخبار ، ولعلّه من‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٠ و ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٥ و ٦ و ٩.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣.

٦٥

هنا فسّر الأصحاب قدس‌سرهم الحيض بالدّم ، حيث قالوا إنّه دم أسود عبيط ...

ثمّ إنّ معنى الحيض هو السيلان ، فيقال : حيّض الماء أي سيّله كما في القاموس وهذا أيضاً يدل على أنّ الحيض معنى حدثي ، حيث اشتق منه وليس من الجوامد ، هذا كلّه في معنى الحيض ومادّته.

أوصاف الحيض

وأمّا أوصافه فالّذي يدلّ عليه الرّوايات ويستفاد من إخبارات النِّساء أنّ دم الحيض يمتاز عن بقيّة الدّماء ، ويخرج بدفع وقوّة وحرارة ، وأنّه طريّ على خلاف المتعارف في الدم الباقي المحتبس حيث تذهب طراوته وهو المعبر عنه في الأخبار بالعبيط (١) ، وأنّه أسود ، والظّاهر أنّ المراد به كثرة الحمرة ، وإلاّ فلم يُر دم بلون السواد كالفحم.

وذكر في المتن كما ذكر غيره أنّه غليظ ، وهو وإن لم يذكر في الأخبار ولكنّه أمر محتمل الوجود في الحيض ، ويأتي ما يتعيّن به دم الحيض عند الاشتباه من غير حاجة إلى اعتبار الغلظة.

السنّ الّذي يخرج فيه الحيض

وأمّا السنّ الّذي يخرج فيه الحيض فقد أشار إليه الماتن بقوله « ويشترط أن يكون بعد البلوغ إلخ » أي إكمال تسع سنين كما في صحيحة ابن الحجاج عن الصّادق عليه‌السلام « ثلاث يتزوجن على كلّ حال وعد منها الّتي لم تحض ومثلها لا تحيض قال : قلت : وما حدّها؟ قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين » (٢) ، هكذا‌

__________________

(١) كما في صحيحة حفص ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ١٨٣ / أبواب العدد ب ٢ ح ٤ ، وهذه رواية الكافي ، والّتي هي رواية الشيخ وفي سندها ابن الزّبير هي الرّواية المذكورة في : أبواب العدد ب ٣ ح ٥. وسيأتي ذكر كليهما في الصفحة ٦٨ و ٦٩.

٦٦

ويشترط أن يكون بعد البلوغ وقبل اليأس ، فما كان قبل البلوغ أو بعد اليأس ليس بحيض وإن كان بصفاته ، والبلوغ يحصل بإكمال تسع سنين ، واليأس ببلوغ ستّين سنة في القرشيّة (*) وخمسين في غيرها (١) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قيل (٢) ، والصّحيح أن يقال إنّ رواية ابن الحجاج ضعيفة ، لأنّ في سند الشيخ إليه ابن عُبدون وعلي بن محمّد بن الزُّبير وهما لم يوثقا في الرّجال. نعم ابن عُبدون من مشايخ النجاشي ، فلا بأس به من هذه الجهة ، بخلاف ابن الزُّبير كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى (٣) ، والأولى أن يستدل بموثقة عبد الله بن سنان « إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيِّئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك أنّها تحيض لتسع سنين » (٤).

على أنّ اعتبار ذلك أمر متسالَم عليه ، بل قالوا إنّه ضروري عند المسلمين حتّى المخالفين. ويأتي أن أقلّه ثلاثة أيّام ، فإذا وقع بعض الثّلاثة قبل إكمال التسع لم يحكم بحيضية الدم ، وعليه فلا وقع للتكلّم في أنّها إذا رأت الدم في آن إكمال التسع هل هو حيض أو ليس بحيض ، وذلك إذ يعتبر في الحيض أن يكون ثلاثة أيّام على الأقل ، فلو وقع بعض من الثّلاثة قبل إكمال التسع بحيث صدق عرفاً أنّ الثّلاثة قبل الإكمال لم يحكم بالحيضيّة بوجه ، وأمّا منتهى رؤية الحيض فقد أشار إليه بقوله « وقبل اليأس ».

منتهى رؤية الحيض‌

(١) ذهب بعض العامّة إلى أنّ حدّ اليأس هو سبعون سنة ، وحدّده بعض آخر‌

__________________

(*) فيما ذكر إشكال والأحوط للقرشيّة وغيرها الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة فيما بين الحدّين.

(١) القائل هو السيِّد الحكيم في المستمسك ٣ : ١٥٢.

(٢) يأتي في الصفحة ٧٠ ، وتأتي هناك قاعدة نافعة.

(٣) الوسائل ١٩ : ٣٦٥ / كتاب الوصايا ب ٤٤ ح ١٢.

٦٧

بخمسين أو بخمسة وخمسين ، إلى غير ذلك من التفاصيل ، وقال بعضهم إنّ الحيض لا منتهى له ، فكلّ دم تراه المرأة بعد بلوغها يحكم بحيضيّته عند استجماعه الأوصاف والشّرائط.

وأمّا أصحابنا فقد ذهب جملة منهم كالشيخ في نهايته (١) وجمله (٢) وصاحب السّرائر (٣) والمحقّق (٤) في كتاب الطلاق إلى أن حدّه خمسون سنة بلا فرق في ذلك بين القرشيّة وغيرها.

وفي قبال هذا قولان آخران :

أحدهما : أنّ حدّ انقطاع الحيض ستّون سنة في القرشية وغيرها ، وهو قول المحقّق في كتاب الطّهارة (٥) ، ونسب إلى العلاّمة في المنتهي والمختلف (٦) ، ونسب إلى الأردبيلي الميل إليه (٧).

وثانيهما : أن حدّه في القرشية ستّون سنة وفي غيرها خمسون ، وهذا هو المعروف بين أصحابنا.

ومنشأ الخلاف هو اختلاف الأخبار ، حيث ورد في روايتي عبد الرّحمن بن الحجاج اللتين رواهما صفوان عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ حدّه خمسون ، ففي إحداهما قال « قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثلاث يتزوّجن على كلّ حال إلى أن قال والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدّها؟ قال : إذا كان‌

__________________

(١) النّهاية : ٥١٦.

(٢) لم نعثر عليه في الجمل لكن نسبه إليه في الحدائق ٣ : ١٧١ كتاب الحيض.

(٣) السّرائر ٢ : ٦٨٨.

(٤) الشّرائع ٣ : ٣٠ / الفصل الثّالث في ذات الشهور.

(٥) الشّرائع ١ : ٣٣ / الفصل الثّاني في الحيض.

(٦) نسبه إلى العلاّمة في المستمسك ٣ : ١٥٤ وراجع المنتهي ٢ : ٢٧٢ والمختلف ٧ : ٤٦٣ / الفصل السّادس في العدد لكن قال بالستّين في خصوص القرشيّة والنبطيّة.

(٧) نسب القول بالخمسين لا بالستّين إلى الأردبيلي في المستمسك ٣ : ١٥٤ وراجع مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٣.

٦٨

لها خمسون سنة (١) ، وهذه ضعيفة بسهل بن زياد الواقع في سندها ، وفي ثانيتهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : حدّ الّتي قد يئست من المحيض خمسون سنة » (٢) وهي صحيحة.

وهناك روايتان تدلاّن على أنّ حدّ اليأس ستّون سنة ، إحداهما : مرسلة الكليني وروى ستّون سنة أيضاً (٣).

وثانيتهما : رواية الشيخ قدس‌سره بإسناده عن علي بن الحسن بن فَضّال عن ابن أبي الخطاب عن صفوان عن عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال قلت : الّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض؟ قال : إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » (٤).

وهاتان الطائفتان متعارضتان ، لأنّ الطائفة الأُولى تدل بإطلاقها على أنّ حدّ اليأس خمسون سنة في القرشية وغيرها ، والثّانية تدل بإطلاقها على أنّ الحدّ فيهما ستّون سنة.

وهناك مرسلتان مفصلتان بين القرشيّة وغيرها ، إحداهما : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش » (٥). وثانيتهما : مرسلة الصدوق ، قال « قال الصّادق عليه‌السلام : المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم تر حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، وهو حدّ المرأة الّتي تيأس من الحيض » (٦). هذه هي روايات المسألة.

نعم ، روى المفيد مرسلاً « أنّ القرشية من النِّساء والنبطيّة تريان الدم إلى ستّين سنة » (٧)

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣٦ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ٦ ، ٢٢ : ١٧٩ / أبواب العدد ب ٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣٥ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٣٦ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٣٧ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ٨ ، ٢٢ : ١٨٣ / أبواب العدد ب ٣ ح ٥.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٣٥ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ٢.

(٦) الوسائل ٢ : ٣٣٦ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ٧.

(٧) الوسائل ٢ : ٣٣٧ / أبواب الحيض ب ٣١ ح ٩.

٦٩

حيث ألحق النبطيّة بالقرشيّة ، إلاّ أنّه ممّا لم يظهر القائل به ، حتّى أنّ راوي الحديث الّذي هو المفيد قدس‌سره لم يذهب إلى إلحاقها بالقرشيّة.

وبما أنّ الطائفتين الأوليين متعارضتان فتجعل الطائفة المفصلة شاهد جمع بين الطائفتين ، وبها تحمل الطائفة الأُولى على غير القرشية ، والثّانية على القرشية.

أو يقال إنّ الطائفة الثّالثة تخصّص الطائفة الأُولى بغير القرشيّة ، لأنّ إطلاقها وإن كان يشمل القرشيّة أيضاً إلاّ أنّ الطائفة الثّالثة تخصصها بالمرأة غير القرشيّة ، وبهذا تنقلب النسبة بينها وبين الطائفة الثّانية وتكون النسبة بينهما عموماً مطلقاً ، لأنّ الثانية مطلقة وتدل بإطلاقها على أنّ حدّ اليأس ستّون سنة في القرشيّة وغيرها ، والطائفة الاولى بعد تقييدها بغير القرشيّة تدل على أنّ حدّ اليأس في غير القرشيّة خمسون سنة ، فهي أخصّ مطلقاً من تلك الطائفة ، فتخصصها بالقرشيّة لا محالة. هذا غاية ما يمكن أن يقرب به المسلك المشهور.

وربّما يناقش في ذلك بأنّها ضعيفة سنداً ، حيث إنّ الشيخ يرويها عن علي بن الحسن بن فَضّال ، وطريقه إليه ضعيف ، لأنّ فيه أحمد بن عُبدون عن علي بن محمّد بن الزُّبير ، ولم يثبت توثيقها.

ولكن الصّحيح أنّ أحمد بن عبدون ثقة ، لأنّه من مشايخ النجاشي ومشايخه كلّهم ثقات ، وطريق الشيخ إلى ابن فضال وإن كان ضعيفاً بعلي بن محمّد بن الزُّبير إلاّ أنّ ذلك الكتاب بعينه هو الّذي للنجاشي إليه طريق صحيح ، وعليه فلا أثر لضعف طريق الشيخ بعد وحدة الكتاب. وأمّا ما ورد في كلام النجاشي : وكان يعني أحمد ابن عبدون قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزُّبير ، وكان علواً في الوقت (١) ، فهو يدلّ على أنّ الرّجل في ذلك الوقت كان من الأكابر وعالي المقام ولا يستفاد منها الوثاقة بوجه.

على أنّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على أنّ الجملة المذكورة تفيد التوثيق ، فكلام‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٧ ، الرّقم [٢١١].

٧٠

النجاشي مجمل ولم يعلم أنّ الضّمير في قوله « وكان علواً » يرجع إلى ابن عبدون أو إلى ابن الزُّبير ، وعلى كلّ حال فهو يرجع إلى أحدهما لا محالة.

ومن الغريب ما في بعض الكلمات من إرجاع الضّمير إلى ابن عبدون والاستدلال به على وثاقته (١) ، وإرجاعه إلى ابن الزُّبير والاستدلال به على وثاقته (٢) ، فليراجع هذا كلّه في رواية الشيخ.

وأمّا مرسلة الكليني فيدفعها ضعف سندها بالإرسال.

وأمّا المرسلتان المستدل بهما على القول المشهور من التفصيل بين القرشيّة وغيرها فلا يمكن الاستدلال بهما لإرسالهما ، وقد مرّ غير مرّة أنّا لا نعتمد على المراسيل ولو كان مرسلها ابن أبي عمير ، للعلم بأنّه يروي عن الضعفاء ، ومعه نحتمل أن يكون الواسطة المحذوفة من الضّعفاء الّذين قد يروي عنهم ابن أبي عمير.

تحقيق المسألة‌

والصّحيح أن يقال إنّ روايتي ابن الحجاج غير قابلتين للاعتماد عليهما في نفسيهما وذلك لأنّ الرّاوي عن ابن الحجاج في كلتا الرّوايتين شخص واحد وهو صفوان ، وقد روى هو إحداهما لشخص والثّانية لراو آخر ، فلو كان كلّ من الرّوايتين صادراً عنه عليه‌السلام لم يكن أيّ وجه لما صنعه صفوان ، حيث نقل إحداهما لراوٍ والآخر لراو آخر ولم ينقل له كلتيهما ، نعم في نقل الرّواية الأُولى يمكن أن نفرضه فيما قبل سماعه الرّواية الثّانية من ابن الحجّاج ، فلذا لم ينقل للراوي الأوّل إلاّ ما سمعه وهو إحداهما ، ولكنّه بعد ما سمع الرّواية الثّانية ليس له أن ينقل للراوي إحداهما دون الأُخرى ، لعلمه بأنّ في المسألة روايتين ، فلو اكتفى بنقل إحداهما كانت هذه خيانة واضحة وتأبى ذلك منزلته ووثاقته ، فبهذا نجزم أنّ إحداهما غير صادرة عنه عليه‌السلام ، وهذا كما ترى لا اختصاص له بإحداهما المعيّنة ، فإنّه كما نحتمل أن تكون‌

__________________

(١) تنقيح المقال ١ : ٦٦ السطر ٣٧.

(٢) تنقيح المقال ٢ : ٣٠٤ السطر ٢٥.

٧١

والقرشيّة من انتسب إلى نضر بن كنانة (١) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية الستين غير صادرة عنه عليه‌السلام ، كذلك نحتمل أن تكون رواية الخمسين كذلك ، فالروايتان من باب اشتباه الحجّة باللاحجة وغير صالحتين للاعتماد عليهما في الاستدلال.

إذن نحن ومقتضى القاعدة في المقام ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الدّم الّذي تراه المرأة بعد الستّين ليس بحيض ، كما أنّ ما تراه قبل الخمسين محكوم بالحيضيّة على التفصيل الآتي في محله ، وأمّا ما تراه بين الستّين والخمسين فمقتضى الإطلاقات الدالّة على أنّ كلّ دم واجد لأوصاف الحيض حيض (١) ، أو أنّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها حيض (٢) ، هو الحكم بالحيضيّة ، إلاّ أنّ المشهور حيث لم يلتزموا بالحيضيّة بين الحدّين في غير القرشيّة فلا بدّ فيه من الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، هذا.

ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على أنّهما روايتان مستقلّتان قد صدرتا من الإمام عليه‌السلام فهما متعارضتان لا محالة ، ولا مرجّح لما دلّ على التحديد بالخمسين لو لم نقل بوجود المرجح لما دلّ على التحديد بالستّين ، لوجود القائل بالخمسين من العامّة بخلاف التحديد بالستّين ، إذن يتعيّن الحكم بالتساقط والعمل بالاحتياط لعين الوجه المتقدِّم آنفاً.

تعريف القرشيّة‌

(١) على تقدير التفصيل بين القرشيّة وغيرها يقع الكلام في معرفة القرشيّة ، فقد يقال إنّ قريش اسم لنضر بن كنانة ، وهو أحد أجداد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل إنّه اسم لفهر بن مالك بن نضر ، فأولاد أخي فهر لا تنتسب إلى قريش‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) راجع الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ وب ٤.

٧٢

ومن شكّ في كونها قرشيّة يلحقها حكم غيرها (١) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن كانت من أولاد مالك بن نضر ، وحيث إنّ المخصص منفصل أعني ما دلّ على أنّ القرشيّة تحيض إلى الستّين ، وهو الّذي خصّص ما دلّ على أنّ المرأة تحيض إلى الخمسين ودار أمره بين الأقل والأكثر فلا مناص من الاكتفاء في تخصيص العموم بالمقدار المتيقن وهو الأقل ، وعليه فيقتصر في الحكم بحيضيّة الدم الّذي تراه المرأة بعد الخمسين على المرأة المنتسبة إلى فهر بن مالك ، ولا نتعدّى عنها إلى المنتسبة إلى نضر ابن كنانة بغير واسطة فهر.

والّذي يوهن الخطب أنّ القرشيّة لا وجود لها غير أولاد عبّاس وعلي عليه‌السلام ، إذ لم يعلم لأولاد مالك غير فهر أولاد حتّى يتكلّم في أنّه قرشي أو غير قرشي ، فمحل الابتلاء معلوم القرشيّة على كلّ حال وغيره خارج عن محل الابتلاء.

(١) وذلك للاستصحاب ، وتوضيحه : أنّ الياء في القرشي والقرشيّة نسبيّة ، ومعناها الرّجل المنتسب إلى قريش أو المرأة المنتسبة إليه ، وهذا العنوان الوجودي هو المستثنى عن العام ، والمستثنى منه معنون بعنوان عدمي ، أعني المرأة غير المنتسبة إلى قريش ، ومعه إذا شككنا في أنّ امرأة قرشيّة أو غيرها فنستصحب عدم تحقّق الانتساب بينها وبين قريش ، فإنّ المرأة وإن كانت موجودة بالوجدان إلاّ أنّ انتسابها إلى قريش مشكوك فيه ، وهو عنوان وجودي مسبوق بالعدم والأصل عدم تحقّقه ، فبهذا يثبت الموضوع للحكم بعدم الحيض بعد خمسين ، حيث إنّ موضوعه مركّب من أمرين أحدهما ذات المرأة وثانيهما عدم انتسابها إلى قريش ، فبضمّ الوجدان إلى الأصل نحرز الموضوع للعموم.

ولا يعارضه أصالة عدم انتسابها إلى غير قريش من المضريّة والكلابيّة وغيرها إذ لا أثر لكون المرأة منتسبة إلى غير قريش ، وإنّما الأثر مرتّب على انتسابها إلى قريش ، فإذا نفيناه بالاستصحاب فلا محالة تدخل المرأة المشكوك حالها في موضوع العموم ، وهذا الأصل أمر متسالَم عليه ، ولعلّه ممّا لا خلاف فيه.

٧٣

ومن هنا ترى الأصحاب في مسائل الإرث والدّيات والزّواج يتمسكون بذلك من غير نكير ، مثلاً إذا شكّ في أنّ زيداً من أولاد الميت حتّى يرثه أو أنّه ليس من أولاده لا يعطونه من إرثه ، لاستصحاب عدم تحقّق الانتساب بينهما ، لأنّ الإرث مترتب على من انتسب إلى الميت بالتولد أو بغيره ، ومقتضى الأصل عدمه ، وكذا إذا شكّ في أنّ من يريد تزوّج امرأة كانت امرأة زيد في زمان هل هو ابن زيد ليحرم عليه تزوّج المرأة ، لحرمة منكوحة الأب على ابنه وهي منكوحة لزيد فتحرم على ولده أو أنّه ليس من أولاده ، جاز تزوّج تلك المرأة باستصحاب عدم تحقّق الانتساب بينه وبين زيد بالتولّد.

أو إذا قتل أحد أحداً وشككنا في أنّ المقتول ولد للقاتل حتّى لا يقتل لأنّ الأب لا يقتل بقتل ابنه ولو متعمداً ، وهو من مستثنيات القصاص في القتل العمدي أو أنّه أجنبي عنه وليس ولده حتّى يقتل قصاصاً ، يحكم بقتله لاستصحاب عدم تحقّق الانتساب بينه وبين المقتول بالتوالد ، وهكذا ، فالأصل الجاري في المقام أمر متسالم عليه في أبواب الفقه عندهم.

ولعلّه لذا لم يستشكل شيخنا الأُستاذ قدس‌سره في تعليقته على المتن في هذه المسألة ، حيث لم يخالف الماتن وأمضى حكمه بإلحاق من شكّ في قرشيتها بغيرها ، مع أنّه قدس‌سره منع عن الأصل في الأعدام الأزليّة في الأُصول ، ولو لا كونه إجماعيّاً ومورداً لتسالمهم كان من حقّه الاستشكال في المسألة والحكم إمّا بالاحتياط أو بالحيضيّة تمسكاً بعموم ما دلّ على أنّ الدم المشتمل على أوصاف الحيض حيض (١) أو ما دلّ على أنّ ما يمكن أن يكون حيضاً حيض (٢) ، إلاّ أنّه لم يخالف الماتن اعتماداً على إجماعهم وتسالمهم.

إلاّ أنّا لو كنّا لم نقل باستصحاب العدم الأزلي في محله لم يمكننا موافقة المتن في‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) ستأتي أخبار قاعدة الإمكان في الصفحة ١٩٧ وما بعدها.

٧٤

والمشكوك البلوغ محكوم بعدمه ، (١) ، والمشكوك يأسها كذلك (٢).

[٧٠١] مسألة ١ : إذا خرج ممن شكّ في بلوغها دم وكان بصفات الحيض يحكم بكونه حيضاً (*) ويجعل علامة على البلوغ ، بخلاف ما إذا كان بصفات الحيض وخرج ممّن علم عدم بلوغها ، فإنّه لا يحكم بحيضيّته وهذا هو المراد من شرطيّة البلوغ (٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة ، إذ لم يعلم أنّ إجماعهم تعبّدي ، ومن المحتمل أن يكون مدرك البعض لولا كلّهم هو جواز جريان الأصل في الأعدام الأزليّة ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن الاعتماد على الإجماع أبداً.

(١) للاستصحاب ، وهو من الأصل النعتي وغير مبتنٍ على جريان الأصل في الأعدام الأزليّة.

(٢) أيضاً للاستصحاب النعتي ، لأنّ الأصل عدم بلوغ المرأة خمسين سنة ، فلا مانع من الرّجوع إلى الاستصحاب في هذين الفرعين ، لأنّهما من الشبهات الموضوعيّة والأصل فيهما نعتي.

الدم الخارج من مشكوك البلوغ‌

(٣) الكلام في الدم الخارج من الصبيّة قبل إكمالها تسع سنين أو مع الشكّ في بلوغها تسعاً وعدمه إذا كان بصفة دم الحيض يقع في مقامين :

أحدهما : في مقام الثبوت وأن الدم الخارج قبل إكمال تسع سنين هل يمكن أن يكون حيضاً أو لا يمكن؟

وثانيهما : في مقام الإثبات وأنّه إذا شكّ في بلوغ الصبيّة تسعاً وخرج منها دم متّصف بأوصاف الحيض فهو أمارة على الحيضيّة والبلوغ أو لا ، لا يحكم به على كون الدم حيضاً وعلى الصبيّة بالبلوغ؟

__________________

(*) فيه إشكال ولعلّ عدمه أظهر.

٧٥

أمّا المقام الأوّل : فمقتضى الأخبار المحددة للحيض الواردة في أنّ الصبيّة لا ترى حيضاً قبل إكمالها تسع سنين كما في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج المتقدِّمة (١) وغيرها (٢) عدم تحقّق الحيض قبل إكمال الصبيّة تسع سنين ولو كان متّصفاً بأوصاف الحيض.

ودعوى أنّ ذلك محمول على الغلبة ، وإلاّ فالحيض أمر واقعي يخرج من عرق خاص ولو قبل إكمال الصبيّة تسعاً فلا مانع من خروج الحيض قبله.

مندفعة : بأنّ ذلك على خلاف ظواهر الأخبار المحدّدة الدالّة على عدم رؤية الصبيّة الحيض قبل إكمال تسع سنين ، على أنّ الغلبة كما هي متحقّقة قبل إكمال التسع كذلك متحقّقة بعد إكماله ، حيث إنّ المتعارف أنّ الصبيّة لا ترى الحيض قبل إكمال ثلاث عشرة سنة ، وعليه فما فائدة التحديد بالتسع؟ ومعه تقع الأخبار المحدّدة للحيض ببلوغ تسع سنين لغواً ظاهراً ، ولا مناص معه من أن يكون الحيض محدوداً ببلوغ التسع وعدم تحقّقه قبله حقيقة أو بالحكومة لو قلنا بأنّه أمر واقعي وله عرق مخصوص يمكن أن يخرج قبله ، لدلالة الأخبار المذكورة على اشتراط الحيض بالبلوغ.

وأمّا توهّم أنّ الأوصاف الموجودة في الدم أمارة على الحيضيّة ولا مانع من التعبد بها ، لقيام الأمارة عليها على الفرض.

فيدفعه : ما تقدّم من أنّ الأخبار المشتملة على تلك الأوصاف (٣) إمّا أنّ عنوان المرأة قد أُخذ في موضوعها وأنّ الدم الخارج من المرأة إذا كان حارّاً وخارجاً بدفع وقوّة وكان أسود فهو حيض ، وإمّا أنّها مطلقة ولكن التعبد بالحيضيّة إنّما يتصوّر في مورد قابل ، وهو على ما دلّت عليه الأخبار عبارة عن الصبيّة المكملة تسعاً ، ومع عدم بلوغها التسع لا يمكن أن يحكم بكون الدم الخارج منها حيضاً ، كما لا يحكم بذلك‌

__________________

(١) في الصفحة ٦٦ ، ٦٨ ، ٦٩.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٦٥ / كتاب الوصايا ب ٤٤ ح ١٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

٧٦

إذا خرج من غير الموضع المعهود ولو كان بصفات دم الحيض ، هذا كلّه في المقام الأوّل.

وأمّا المقام الثّاني فقد ذهب جمع منهم الماتن قدس‌سره إلى أنّ الدّم الخارج من الصبيّة المشكوك بلوغها تسعاً إذا كان بصفة دم الحيض محكوم بالحيضيّة ولعل هذا هو المعروف بينهم ، فتجعل الصفات أمارة على الحيضيّة والبلوغ تسعاً.

إلاّ أنّ الظّاهر أنّ ذلك أيضاً ملحق بسابقه في الفساد ، وذلك لأنّ الحكم بالحيضيّة والبلوغ بالأمارة إمّا أن يكون مع الشكّ في حيضيّة الدم وإمّا أن يكون مع العلم بكونه حيضاً. أمّا إذا شكّ في أنّه حيض أو ليس بحيض فلا يمكن الحكم بكونه حيضاً ، لاشتراطه بالبلوغ تسعاً ومع الشكّ في تحقّق شرطه بل التعبّد بعدم تحقّقه لاستصحاب عدم البلوغ كيف يمكن الحكم بحيضيّته وبالبلوغ؟

وأمّا مع العلم بكونه حيضاً فأيضاً لا معنى للأمارة والتعبّد بها بالبلوغ ، إذ العلم بالحيضيّة يساوق العلم ببلوغ الصبيّة تسعاً ، لأنّه لازم اشتراط الحيض بالبلوغ تسعاً ومع عدم العلم بتحقّقه كيف يعلم أنّ الدم حيض ، ومع العلم بهما لا معنى للأماريّة أبداً ، فما ذهبوا إليه من أنّ الصفات حينئذ أمارة على الحيضيّة والبلوغ ممّا لا وجه له.

نعم ، ورد في جملة من الرّوايات أنّ وجوب الصّوم والصّلاة ووجوب الخمار في الصّلاة إنّما هو مترتب على الحيض ، وهذا كما في مرسلة الصدوق « على الصبي إذا احتلم الصّيام ، وعلى المرأة إذا حاضت الصّيام » (١).

وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال سألته عن الغلام متى تجب عليه الصّلاة؟ قال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصّلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك ، إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصّلاة وجرى عليها القلم » (٢).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١٠.

(٢) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١٢.

٧٧

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنّه قال : على الصّبي إذا احتلم الصّيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار » (١).

وصحيحة يونس بن يعقوب « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل إلى أن قال قلت فالمرأة؟ قال : لا ، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار إلاّ أن لا تجده » (٢).

ومنها غير ذلك من الأخبار ، حيث دلّت على أنّ وجوب الصّيام والصّلاة والاختمار فيها على الصبيّة مترتبة على أحد أمرين : إمّا أن يأتي عليها ثلاث عشرة سنة وإمّا أن تحيض ، ومعه فالمدار على حيض الصبيّة دون بلوغها تسعاً ، فلو أخذنا بتلك الرّوايات أصبحت الأخبار الدالّة على اشتراط الحيض ببلوغ التسع لغواً ظاهراً ، فصوناً لتلك الأخبار عن اللغويّة لا مناص من جعل أوصاف الحيض في الدم أمارة تعبّديّة على حيضيّة الدم وعلى بلوغ الصبيّة تسعاً ، ولا محذور في التعبّد بالأمارة مع الشكّ في البلوغ وعدمه.

ويندفع هذا أيضاً بأنّ الأخبار الدالّة على ترتب الأحكام المذكورة على الحيض فحسب أو على بلوغ ثلاث عشرة سنة أجنبيّة عما نحن فيه ، لأنّ الكلام فيما إذا شككنا في بلوغ الصبيّة تسعاً وعدمه وخرج منها دم متصف بأوصاف الحيض وشككنا في حيضيّته للشك في شرطها وهو بلوغها تسعاً فهل يحكم بكونه حيضاً أو لا يحكم؟

والأخبار المذكورة إنّما دلّت على أنّ الدم إذا فرغنا عن كونه حيضاً يترتب عليه الأحكام المذكورة ، وأمّا أنّ الحيض متى يكون ومشروط بأي شي‌ء فلا دلالة لها على ذلك بوجه ، فمقتضى الأخبار الدالّة على اشتراطه بالبلوغ هو الحكم بعدم كونه حيضاً ، للشكّ في شرطه بل للتعبّد بعدم تحقّقه لاستصحاب عدم البلوغ.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٠٩ / أبواب لباس المصلّي ب ٢٩ ح ٣ ، ١٠ : ٢٣٦ / أبواب من يصحّ منه الصّوم ب ٢٩ ح ٧.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٠٥ / أبواب لباس المصلّي ب ٢٨ ح ٤.

٧٨

[٧٠٢] مسألة ٢ : لا فرق في كون اليأس بالستّين أو الخمسين بين الحرّة والأمة ، وحارّ المزاج وبارده ، وأهل مكان ومكان (١).

[٧٠٣] مسألة ٣ : لا إشكال في أنّ الحيض يجتمع مع الإرضاع (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنّ تلك الأخبار أكثرها ضعيفة السند ومعارضة في موردها بما دلّ على ترتب الأحكام المذكورة من حين البلوغ تسعاً ، فلو تمّت من حيث السند والمعارض لم يكن أي مانع من الالتزام بمداليلها والحكم بأنّ الأحكام المذكورة مترتبة على أحد الأمرين من بلوغ ثلاث عشرة سنة أو الحيض ، أو أنّ فيها تفصيلاً بين الصّوم فلا يجب إلاّ بعد إكمال ثلاث عشرة سنة وبين وجوب الصّلاة وغيرها فإنّما يترتب على رؤيتها الحيض أو البلوغ تسعاً ، كما فصّل بينهما القاساني في مفاتيحه (١) على ما ببالي والفرض أنّ الأخبار أجنبيّة عن المقام وأنّ مفادها أمر والمقام أمر آخر.

فالمتحصل : أنّه لم يرد نص ولو ضعيفاً في أنّ الدم المتصف بأوصاف الحيض مع الشكّ في بلوغ الصبيّة تسعاً محكوم بالحيضيّة ، بل لا بدّ من الحكم بعدم حيضيّته بمقتضى استصحاب عدم بلوغها تسعاً.

(١) وهذا كلّه للإطلاق.

اجتماع الحيض مع الإرضاع والحمل‌

(٢) وذلك للإطلاقات الدالّة على أنّ كلّ دم واجد لصفات الحيض حيض (٢) أو أنّ ما تراه المرأة أيّام عادتها فهو حيض (٣) ، على أنّ المسألة متسالم عليها وقد عدّ بعضهم إمكان اجتماع الحيض مع الإرضاع من الضّروريات.

__________________

(١) مفاتيح الشّرائع ١ : ١٤ / فيما يتحقّق به التكليف.

(٢) راجع الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٣) راجع الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ، ٤.

٧٩

وفي اجتماعه مع الحمل قولان الأقوى أنّه يجتمع معه ، سواء كان قبل الاستبانة أو بعدها ، وسواء كان في العادة أو قبلها أو بعدها ، نعم فيما كان بعد العادة بعشرين يوماً الأحوط الجمع (*) بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) فهل الحيض يجتمع مع الحمل مطلقاً أو لا يجتمع معه كذلك أو أنّ فيه تفصيلاً وجوه.

المشهور أنّ الحيض يجتمع مع الحمل ، وذهب جماعة إلى عدم جواز اجتماعهما كما عن المفيد (٢) وابن الجنيد (٣) والحلي (٤) والمحقّق في الشّرائع (٥) ، ونسبه في النافع (٦) إلى أشهر الرّوايات ، وهذا منه قدس‌سره عجيب ، حيث إنّ الأخبار المستدل بها على عدم جواز الاجتماع قليلة ، ولا يكاد يخفى عدم كثرتها فضلاً عن كونها أشهر على المحقّق قدس‌سره ، ولعله أراد من ذلك أمراً آخر كما ستقف عليه.

والكلام الآن في إثبات إمكان اجتماع الحيض مع الحمل في الجملة ، فقد دلّت الرّوايات الكثيرة الّتي فيها الصّحاح وغيرها على أنّ الحبلى قد تقذف بالدم (٧) ، ولا إشكال في سندها ولا في دلالتها.

وفي قبالها روايات اخرى استدل بها على عدم اجتماع الحيض مع الحمل.

__________________

(*) مورد الاحتياط ما إذا رأت الدم بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها وكان الدم بصفة الحيض ، وأمّا في غيره فحال الحامل حال غيرها.

(١) رسالة أحكام النِّساء ٩ : ٢٤ / باب الحيض.

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ١٩٥ / أحكام الحيض ، المسألة ١٤١.

(٣) السرائر ١ : ١٥٠ / أحكام الدّماء الثّلاثة.

(٤) الشرائع ١ : ٣٧ / الفصل الثّالث في الاستحاضة.

(٥) المختصر النافع ١ : ٩ / الثّاني : غسل الحيض.

(٦) الوسائل ٢ : ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٣٠.

٨٠