موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٧٨٣] مسألة ٤٠ : إذا طهرت ولها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة والمفروض أن القبلة مشتبهة تأتي بها مخيّرة بين الجهات (*) وإذا كان مقدار صلاتين تأتي بهما كذلك (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم سعة الوقت إلاّ لواحدة مع اشتباه القبلة‌

(١) لا يختص هذا الفرع بالحائض ، بل يأتي في حق كلّ مكلّف التفت إلى بقاء صلاته في ذمّته ولم يبق من الوقت إلاّ مقدار صلاة واحدة مع اشتباه القبلة.

والوجه فيما أفاده الماتن قدس‌سره ظاهر بناءً على ما بنينا عليه من أنّ القبلة إذا اشتبهت لا يجب على المكلّف الصّلاة إلى القبلة حتّى مع التمكّن من الصّلاة إلى أربع جهات وفاقاً لجملة من المحقّقين ، لقوله عليه‌السلام « يجزئ المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (٢) ، فإنّ المكلّف لا يجب عليه الصّلاة إلى أربع جهات مع التمكّن منها فضلاً عما إذا لم يتمكّن من الصّلاة إلى أربع جهات ، فيجزئ الحائض إذا طهرت في آخر الوقت أن تصلِّي إلى أيّ جهة شاءت من الجهات.

وأمّا بناءً على ما سلكه المشهور من أنّ المكلّف إذا اشتبهت عليه القبلة وجب عليه الصّلاة إلى أربع جهات فإن قلنا إنّ اشتراط الاستقبال كباقي الأجزاء والشروط سوى الطهور من الشروط الاختياريّة الّتي تسقط مع العجز عنها ، وذلك لأنّ ما دلّ على سقوط شرطيّة بقيّة الشروط عند العجز عنها هو الّذي يدلّ على سقوط شرطيّة الاستقبال مع العجز ، وهو الجملة المعروفة « الصلاة لا تسقط بحال » الّتي ادّعي عليها الإجماع وإن لم يرد في الرّوايات عين تلك الألفاظ ، ويدلّ عليه ما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه‌السلام للمستحاضة « لا تدع الصّلاة على حال » (٣). ومن الإجماع والرّواية استكشفنا أنّ الصّلاة لا تسقط بتعذر جزء أو شرط منها بل لا بدّ‌

__________________

(*) لا يبعد التخيير حتّى مع التمكّن من الصّلاة إلى الجهات الأربع.

(١) الوسائل ٤ : ٣١١ / أبواب القبلة ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٤٦١

من إتيانها ، والمتعذّر إمّا أن يسقط من الاعتبار أو ينتقل إلى بدله ، كالقيام المتبدل إلى الجلوس المتبدل إلى النوم على طرف الأيمن فالأيسر مع العجز عن المرتّبة السابقة.

وعليه فالوجه فيما أفاده قدس‌سره واضح أيضاً ، ويكفي المكلّف أن يأتي بالصلاة مرّة واحدة إلى أيّة جهة شاء ، وذلك لعدم تمكّن المكلّف من الاستقبال فتسقط شرطيّته لا محالة ، وفي المقام يكفي الحائض إذا طهرت أن تأتي بصلاة واحدة إلى أيّة جهة شاءت.

ثمّ على تقدير التنزل والقول بأنّ شرطيّة القبلة من الشرائط الواقعيّة كالطهور ولا يسقط بالتعذر بوجه ، لا مناص من الحكم بوجوب صلاة واحدة على المرأة إلى أيّ جهة شاءت.

والوجه في ذلك : أنّ الامتثال الجزمي إذا كان متعذراً وجب التنزّل إلى الامتثال الاحتمالي لا محالة ، لما ذكرناه في بحوث العلم الإجمالي من أنّ وجوب الموافقة القطعيّة في أطراف العلم الإجمالي بمناط ، وحرمة المخالفة القطعيّة بمناط آخر ، وإذا تعذرت الموافقة القطعيّة وسقطت عن الوجوب لا تسقط حرمة المخالفة القطعيّة بوجه بل لا بدّ للمكلّف من أن يمتثل بالموافقة الاحتماليّة.

وحيث إنّ المكلّف في المقام لا يتمكّن من الموافقة القطعيّة بالصلاة إلى أربع جهات فلا تجب عليه للتعذّر إلاّ أنّه لا يقتضي جواز المخالفة القطعيّة عليه بتركها الصّلاة رأساً ، بل لا بدّ من الامتثال احتمالاً بإتيان صلاة واحدة إلى أيّة جهة شاء.

إذن على جميع المباني والمسالك في المسألة لا يجب على الحائض في مفروض الكلام إلاّ صلاة واحدة مخيّرة بين الجهات.

ثمّ إنّ المكلّف إذا صلّى إلى جهة واحدة من الجهات هل يجب عليه القضاء خارج الوقت بعد تبيّن القبلة لعدم علمه بالامتثال في الوقت ، وذلك لاحتمال أن لا تكون الصلاة إلى الجهة الّتي صلّى نحوها مأموراً بها واقعاً ، أو لا يجب عليه القضاء خارج الوقت؟

الظاهر هو الثّاني ، وذلك أمّا على ما بنينا عليه من عدم وجوب الصّلاة إلى أربع‌

٤٦٢

جهات حتّى مع التمكّن منها للمتحيّر فواضح ، وعلى مسلك المشهور بناءً على أنّ شرط الاستقبال شرط اختياري فلأجل إحراز المكلّف الامتثال والإتيان بالمأمور به بالوجدان ، ومع العلم بعدم الفوت لا وجه للقضاء.

وأمّا بناءً على أنّ الاستقبال شرط واقعي فلأجل أنّ القضاء يجب بأمر جديد وموضوعه الفوت وهو غير محرز في المقام ، لأنّه كما يحتمل عدم الإتيان بالمأمور به الواقعي كذلك يحتمل الإتيان به ، فالفوت غير محرز والقضاء غير واجب واستصحاب عدم الإتيان بوظيفة الوقت لا يثبت الفوت ، لأنّه عنوان ينتزع من عدم الإتيان بالواجب في ظرفه ، لا أنّه نفس عدم الإتيان.

هذا وإذا كان قد بقي للحائض الّتي طهرت من الوقت مقدار صلاتين فتأتي بهما إلى أيّة جهة شاءت فتصلّي الظهر مرّة واحدة إلى أيّة جهة شاءت ثمّ تصلّي العصر كذلك مرّة واحدة.

وذلك أمّا على ما بنينا عليه من عدم وجوب الصّلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة مع التمكّن منها فالحكم واضح.

وأمّا بناءً على مسلك المشهور فلعدم تمكّنها من الاستقبال في كلّ واحدة من الصلاتين فتسقط شرطيّة الاستقبال ، كما أنّها لعدم تمكّنها من الموافقة القطعيّة تجب عليها الموافقة الاحتماليّة في كلتا الصلاتين ، فتأتي بالظهر مرّة واحدة إلى جهة ثمّ تأتي بالعصر مرّة واحدة إلى جهة.

ثمّ إنّ هناك بحثاً آخر وهو أنّ المكلّف هل يجب أن يصلّي العصر إلى الجهة الّتي اختارها في صلاة الظهر أو يجوز له أن يصلّي العصر إلى غير تلك الجهة إلاّ أنّه غير مرتبط بمحل الكلام ، ويأتي التعرّض إليه في وقته إن شاء الله تعالى.

هذا كلّه إذا كان الوقت موسعاً بمقدار صلاتين ، وإذا كان الوقت متّسعاً لثلاث أو خمس أو ستّ أو سبع صلوات فهل يجب على المرأة أو غيرها أن تصلّي الظهر إلى أربع جهات وتأتي بالعصر إلى جهة واحدة أو جهتين أو ثلاث جهات بأن يدخل النقص على الصّلاة الثّانية ، وأمّا الصّلاة الاولى فلا مناص من إتيانها إلى أربع جهات‌

٤٦٣

[٧٨٤] مسألة ٤١ : يستحب للحائض أن تتنظف وتبدل القطنة والخرقة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو لا يجب ذلك؟

أمّا بناءً على ما سلكناه من عدم وجوب الصّلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة حتّى مع التمكّن منها فلا يجب إلاّ صلاتان ، مرّة واحدة تصلِّي الظهر وأُخرى تصلّي العصر.

وأمّا بناءً على ما سلكه المشهور فلا بدّ للمكلّف أن يأتي بالصلاة الاولى إلى أربع جهات لتمكّنها من الاستقبال بذلك أو لتمكّنها من الامتثال الجزمي على سبيل الاحتياط ، وتأتي بعد ذلك بصلاة العصر بالمقدار الممكن كالصلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات.

والسرّ في ذلك هو إطلاق أدلّة الترتيب حيث دلّت على أنّ صلاة العصر يشترط وقوعها بعد صلاة الظهر ، وإنّما خرج عنها ما إذا لم يبق من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات ، فيأتي بالعصر وتقع صحيحة وإن لم يتقدّم عليها صلاة الظهر ، وحيث إنّ المرأة في مفروض الكلام تتمكّن من الإتيان بصلاة الظهر قبل صلاة العصر فلا مناص من إدخال النقص على الصّلاة الثّانية ، وإلاّ لم يحرز أنّ العصر وقعت عقيب الظهر.

ما يستحبّ للحائض : التنظيف‌

(١) لا يبعد أن يكون مدرك ذلك إنّما هو محبوبيّة النّظافة في الشّريعة المقدّسة على إطلاقها ، فإنّ النّظافة من الإيمان ولا سيما في أوقات الصّلاة والعبادة وأداء الفريضة والامتثال ، وقد ورد أنّه يصلّي بأنظف ثيابه حينئذ ، فإنّ التطهر والتنظف بأيّ وجه كان يعد نحواً من الأدب لدى الامتثال.

والحائض من مصاديق هذه الكبرى ، فإنّ التنظيف بتبديل القطنة من أفراد النظافة ، وإلاّ لم يرد ما يدلّ على استحباب ذلك على خصوص الحائض فيما نعلم من الأدلّة ولا أنّ الفقهاء ذكروا ذلك في كلماتهم.

٤٦٤

وتتوضّأ في أوقات الصّلاة اليوميّة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويحتمل أن يكون الماتن استفاد ذلك ممّا ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « كنّ نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقضين الصّلاة إذا حضن ، ولكن يتحشّين حين يدخل وقت الصّلاة ويتوضّين ثمّ يجلسن قريباً من المسجد فيذكرن الله عزّ وجلّ » (١).

فإنّ الظّاهر أنّ المراد بالاحتشاء الّذي هو من الحشو : المنع عن خروج الدم إلى الخارج بحشو المحلّ وملئه بقطنة أو خرقة ونحوهما ، والرّواية تدلّ على أنّ المنع عن حدوث القذارة وخروج الدم إلى الخارج محبوب في حقّ الحائض ، ومن هنا حثّ الإمام الصادق عليه‌السلام النِّساء على ذلك بنقله قضيّة نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا كان المنع عن حدوث منافي النّظافة محبوباً كان المنع عن بقاء ما ينافي النظافة محبوباً أيضاً ، فإذا خرج دم كان إزالته والتنظف منه مطلوباً أيضاً ومحبوباً ، إذ لا يفرق في المحبوبيّة بين الحدوث والبقاء.

التوضّؤ في أوقات الصّلاة‌

(١) المعروف والمشهور من أصحابنا هو ذلك ، ونسب القول بوجوبه إلى والد الصّدوق قدس‌سره بل إلى نفسه (٢) ، وقد عبّر والد الصدوق بعين عبارة فقه الرّضا : يجب عليها ( على الحائض ) عند حضور كلّ صلاة أن تتوضأ ... (٣) ، ورجّحه صاحب الحدائق (٤) قدس‌سره خلافاً للمشهور ، ونسبه إلى الكليني قدس‌سره حيث‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٥ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ١.

(٢) حكى النسبة إليهما في الحدائق ٣ : ٢٧٣ / في وظيفة الحائض ، وراجع الفقيه ١ : ٥٠ / في الحيض.

(٣) فقه الرّضا عليه‌السلام : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٩ ح ٢.

(٤) الحدائق ٣ : ٢٧٤ / في وظيفة الحائض.

٤٦٥

عنون الباب « باب وجوب الوضوء على الحائض » (١) واستظهر منه أنّه يقول بالوجوب وإلاّ لم يكن وجه للتعبير بالوجوب ، هذا.

والصحيح ما ذهب إليه المشهور من عدم وجوب الوضوء على الحائض في أوقات الصّلاة وإنّما هو أمر مستحب ، وذلك لعدم إمكان المساعدة على ما استدلّوا به على الوجوب :

أمّا رواية الفقه الرّضوي فلعدم ثبوت كونه رواية عندنا فضلاً عن اعتبارها وإن أصرّ صاحب الحدائق قدس‌سره على اعتباره وأنّ والد الصدوق قدس‌سرهما عبّر بعباراته ولو لم يكن حجّة معتبرة لم يصدر ذلك عن ابن بابويه.

واستدلّوا على وجوب الوضوء على الحائض في أوقات الصّلاة بمرسلة الهداية (٢) وهي بعينها رواية الفقه الرّضوي إلاّ في شي‌ء يسير ، وهي لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها مضافاً إلى أنّها ليست رواية مستقلّة غير الأخبار الواردة في المسألة الّتي أجبنا عن بعضها ويأتي الجواب عن بعضها الآخر عند التعرّض لها.

وبصحيحة الحلبي المتقدّمة « كنّ نساء النّبيّ لا يقضين الصّلاة إذا حضن ، ولكن يتحشّين حين يدخل وقت الصّلاة ويتوضّين ... » (٣).

والجواب عنها أنّها تدل على أنّ الوضوء وغيره ممّا ذكر في الرّواية مشروع ومرغوب فيه بالإضافة إلى الحائض ، ولذا حثّ الصادق عليه‌السلام النِّساء على ذلك بنقله قضيّة نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا الوجوب وأن الترك غير جائز على الحائض فهو ممّا لا يمكن استفادته منها.

وبحسنة أو صحيحة محمّد بن مسلم ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تطّهّر يوم الجمعة وتذكر الله؟ قال : أمّا الطّهر فلا ، ولكنّها تتوضّأ في وقت الصّلاة ثمّ تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى » (٤) ، حيث دلّت على وجوب التوضؤ في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٠ / باب ما يجب على الحائض في أوقات الصّلاة.

(٢) المستدرك ٢ : ٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٤٥ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٤.

٤٦٦

وقت الصّلاة على الحائض ، كما دلّت على وجوب الاستقبال وذكر الله عليها ، لأنّ الجملة الفعليّة كصيغة الأمر ظاهرة في الوجوب.

والجواب عنها أنّ الظّاهر من الرّواية أنّ التوضّؤ والاستقبال وذكر الله تعالى مشروع وجائز على الحائض لا أنّها واجبة في حقّها ، وذلك بقرينة قوله « أمّا الطّهر فلا ، ولكنّها تتوضّأ » حيث نفى مشروعيّة الغسل في حقّها وأثبت المشروعيّة في الوضوء.

وهذه الرّواية غير قابلة للاستدلال بها في الوقت ، وإنّما العمدة هي الرّوايات الآتية.

منها : حسنة أو صحيح زيد الشحام ، قال « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ، ثمّ تستقبل القبلة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلّي » (١).

ودعوى أنّ كلمة « ينبغي » ظاهرة في الاستحباب وأنّ ظهورها في ذلك أقوى من ظهور ما دلّ على الوجوب ، بحيث لو تمّت دلالة تلك الرّوايات على الوجوب للزم رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بقرينة هذه الرّواية كما عن بعضهم ، مندفعة : بأنّ كلمة « ينبغي » ليست ظاهرة في الاستحباب بوجه ، وإنّما هي ظاهرة في أنّ العمل ميسور للمكلّف وهو متمكّن منه ، وأمّا أن تركه جائز فلا دلالة لها على ذلك بوجه ، فلا تنافي هذه الرّواية الأخبار الدالّة على الوجوب على تقدير تماميّة دلالتها ، والصحيح في الجواب ما سيأتي.

ومنها : ما عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي جعفر عليه‌السلام : « قال : إذا كانت المرأة طامثاً فلا تحل لها الصّلاة ، وعليها أن تتوضأ وضوء الصّلاة عند وقت كلّ صلاة ، ثمّ تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عزّ وجلّ وتسبِّحه وتهلِّله وتحمده كمقدار صلاتها ، ثمّ تفرغ لحاجتها » (٢) حيث إنّ قوله عليه‌السلام « وعليها أن تتوضّأ » ظاهره الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٥ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٤٥ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٢.

٤٦٧

والرّواية مرويّة بطريقين أحدهما صحيح بلا كلام ، وهو رواية الكليني عن محمّد ابن إسماعيل عن الفضل ، والثّاني أيضاً صحيح على الأظهر ، وهو روايته عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، فالفضل وإبراهيم كلاهما يرويان عن حماد بن عيسى ، ومع ما ذكرناه لا موجب للقول بأنّ الرّواية حسنة باعتبار أنّ علي بن إبراهيم يروي عن أبيه فلاحظ.

ومنها : ما عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : تتوضّأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصّلاة توضأت ... » (١) وقد عرفت أنّ الجملة الفعليّة ظاهرة في الوجوب.

هذه الرّوايات الثلاث هي العمدة في المقام ، ولكنّها لا يمكن الاستدلال بها على وجوب الوضوء ، للقرينة الداخليّة والخارجيّة.

أمّا القرينة الداخليّة فهي اشتمال الأخبار المتقدّمة على أنّ الحائض يجب عليها أن تتوضأ في أوّل وقت الصّلاة وتقعد في موضع طاهر ، وهذا نقطع بخلافه لعدم احتمال أن تكون وظيفة الحائض أشد من وظيفة الطاهرة فإنّ الطّاهرة لا يجب عليها أن تتوضّأ في أوّل وقت الصّلاة ، ولا يجب عليها أن تصلّي في موضع طاهر ، بل الصلاة لا يعتبر فيها طهارة الموضع ، لصحّة الصّلاة في الموضع النجس غير المسري ، ومعه كيف يكون ذلك واجباً في حقّ الحائض ، وهذه قرينة على كونها أُموراً مستحبّة لها.

ويؤيّده قوله « تتوضأ إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصّلاة توضأت » وذلك لعدم احتمال وجوب الوضوء للأكل.

وأمّا القرينة الخارجيّة فهي ليست عبارة عن إعراض المشهور عن الأخبار المذكورة كما في كلمات الأكثرين ، بل هي ما ذكرناه في جملة من الموارد من أنّ الأُمور الّتي يكثر الابتلاء بها لو كانت واجبة في زمانهم عليهم‌السلام لانتشرت وذاعت وظهرت ، والحيض تبتلي بها النِّساء في كلّ شهر مرّة ، فلو كانت هذه الأُمور كالوضوء‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٥.

٤٦٨

بل كلّ صلاة مؤقتة (١) ، وتقعد في مصلاّها (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واجبة في حقّها كيف أمكن خفاؤه على المتشرّعة وانحصر القائل به في فقيه أو اثنين أو ثلاثة ، وهذه قرينة قطعيّة على عدم الوجوب.

مضافاً إلى السيرة القطعيّة المستمرّة المتّصلة بزمانهم عليهم‌السلام الجارية على عدم الالتزام بهذه الأُمور في حقّ الحائض ، فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من استحباب تلك الأُمور على الحائض.

(١) ولو كانت من النوافل المستحبّة ، لعموم قوله عليه‌السلام عند وقت كلّ صلاة (١) ، فيستحب لها التوضؤ عند منتصف اللّيل ودخول وقت صلاة اللّيل.

القعود في المصلّى‌

(٢) إن أُريد من هذا التقييد القعود في المكان الّذي أعدّته لصلاتها ، كما هو ظاهر لفظ المصلّى ، فهو تقييد بالفرد النادر ، لأنّ النِّساء كالرّجال لا يجعلن لصلاتهنّ مكاناً معيّناً غالباً ، مضافاً إلى أنّه ممّا لم يرد في شي‌ء من النّصوص ، وإنّما ذكره الماتن تبعاً لجملة من الأصحاب.

وإن أُريد به القعود في أيّ مكان تريده على هيئة المصلِّي ، فكأنها مصلِّية ومكانها مصلّى فهو لا يخلو عن وجه ، وذلك لأنّ المستفاد من الرّوايات أن ذكر الحائض وتسبيحها بعد الوضوء بدل عن الصّلاة ، ومعه لا بأس بالقول باستحباب جلوس الحائض بعد التوضّؤ على هيئة المصلّي وتذكر الله سبحانه وتسبحه.

ويؤيّد ذلك أعني إرادة قعودها على هيئة المصلِّي أنّ مراد الفقهاء لو كان قعودها في مصلاها فهو تعرض منهم لحكم الفرد النادر ، فلم يتعرّضوا لحكم الأفراد الغالبة ، حيث إنّ الحائض لا تتّخذ مصلّى غالباً ، ومن البعيد أن يتعرّضوا لحكم الفرد النادر دون الغالب.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٥ / أبواب الحيض ب ٤٠.

٤٦٩

مستقبلة مشغولة بالتسبيح (١) والتهليل والتحميد والصّلاة على النّبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وقراءة القرآن وإن كانت مكروهة في غير هذا الوقت (٣)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاشتغال بالتسبيح ونحوه‌

(١) كما ورد في الرّوايات المتقدِّمة (١).

(٢) إن أُريد بالصلاة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله عليهم‌السلام الدعاء لهم فإنّ الدّعاء ذكر لا يختص بالنبيّ وآله ، بل يشمل دعاءها لنفسها وطلبها من الله سبحانه قضاء حوائجها أو حوائج جارها وشفاء مريضها ، لأنّها بأجمعها ذكر لله سبحانه ، فلا وجه للتخصيص ، وإن أُريد به أمر آخر فهو ليس بذكر الله سبحانه ، فلا يدخل تحت مطلق الذكر ، ولا دليل على استحبابه حينئذ ، وتوضيح ذلك أنّ الصّلاة على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدّعاء ، فإن قصد به في المقام كونه دعاءً فالدعاء لا ينحصر به ، وإن قصد به مع كونه دعاءً في نفسه أمراً آخر كالتعريف أو إظهار المحبّة أو غير ذلك فهو كيف يكون ذكراً لله.

قراءة القرآن‌

(٣) إن قلنا بعدم كراهة قراءة القرآن للحائض كما هو الصحيح ، لأنّ الأخبار الواردة (٢) في كراهتها ضعيفة السند ، نعم يكره على الجنب قراءة ما زاد عن سبع آيات دون الحائض ، فالأمر في استحباب قراءة القرآن واضح لوروده في رواية معاوية.

وأمّا إذا قلنا بكراهتها على الحائض ولو من باب التّسامح في أدلّة السنن فالأمر كذلك ، والوجه فيه أنّ الأخبار المذكورة دلّت على كراهة قراءة القرآن على الحائض‌

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) المستدرك ٢ : ٢٦ / أبواب الحيض ب ٢٧.

٤٧٠

والأولى اختيار التسبيحات الأربع (١) ، وإن لم تتمكّن من الوضوء تتيمّم بدلاً عنه (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مطلقاً ، ومصححة معاوية (١) دلّت على استحبابها في حالة خاصّة وهي ما إذا توضّأت ودخل وقت الصّلاة ، فنلتزم بالتخصيص في أدلّة الكراهة وأن قراءة القرآن مكروهة على الحائض إلاّ في صورة واحدة ، وهي ما إذا توضأت وقد دخل وقت الصّلاة.

(١) لكونها جامعة بين التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح.

بدليّة التيمّم عن الوضوء‌

(٢) قد يناقش في شمول أدلّة بدليّة التيمم عن الوضوء للمقام ، نظراً إلى أنّها إنّما دلّت على بدليّة التيمم عن الوضوء الطهور والغسل الطهور ، لقوله عليه‌السلام « التراب أو التيمم أحد الطهورين » (٢) والوضوء في المقام ليس بطهور ، ومن ثمة لا يترتّب على وضوء الحائض آثار الطهور ، ولا دليل على أنّ التيمم بدل من مطلق الوضوء المأمور به وإن لم يكن طهوراً.

ويدفعه : أنّ المستفاد من جملة من الأخبار الواردة في التيمم وإن كان هو ما ذكر وسطر ، إلاّ أن بينها ما يدلّ على بدليّة التيمم عن كلّ وضوء أو غسل مأمور به وإن لم يكن طهوراً ، وذلك كما ورد في الجنب يريد أن يدخل البئر ويغتسل ، من قوله عليه‌السلام « لا تدخل البئر ولا تفسد على القوم ماءهم ، فإن ربّ الماء هو ربّ الصعيد » (٣).

وما رواه الشيخ والكليني والصدوق فيمن أراد النزول إلى البئر لحاجته إلى الماء فمنعه عليه‌السلام عن النزول فيها لئلا يتضرّر بما فيها من الحيّة أو غيرها قائلاً عليه‌السلام « إنّ ربّ الماء وربّ الأرض واحد » (٤) أو ما هو بمضمونه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٦ / أبواب التيمم ب ٢٣ ح ٥ و ٦ ، ٣٧٠ / ب ١٤ ح ١٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٤٤ / أبواب التيمم ب ٣ ح ٢. ( نقل بالمضمون ).

(٤) الوسائل ٢ : ٣٤٣ و ٣٤٤ / أبواب التيمم ب ٣ ح ١ و ٤. ( نقل بالمضمون ).

٤٧١

والأولى عدم الفصل بين الوضوء أو التيمّم وبين الاشتغال بالمذكورات (١) ، ولا يبعد بدليّة القيام وإن كانت تتمكّن من الجلوس (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنّهما دلّتا على أنّ التيمم بدل من كلّ غسل أو وضوء مأمور به ، لإطلاق الرّواية الثّانية وعدم تقييده بالغسل أو الوضوء بعد إلغاء خصوصيّة الرّجل الّذي هو مورد الرّواية الأُولى والثّانية ، فنتعدى إلى المرأة والحائض ، فيسوغ لها التيمم بدلاً عن الوضوء المأمور به في حقّها ، ومن ذلك الوضوء المستحب للحائض في أكلها ، فإذا لم تتمكّن من الوضوء تتيمم بدلاً عنه وإن لم يكن الوضوء طهوراً.

أولويّة عدم الفصل‌

(١) وذلك لئلا يخرج منها الدم ، كما ورد (١) ذلك في المستحاضة من أنّها بعد اغتسالها وتوضئها تستعجل بالصلاة لئلاّ يخرج منها الدم ، إلاّ أنّ التقييد بذلك خلاف الإطلاق الّذي دلّت عليه الرّوايات (٢) وأنّ الوضوء مشروع في حقّ الحائض بوصف كونها حائضاً وإن خرج منها الدم.

بدليّة القيام عن الجلوس‌

(٢) وذلك لما قدّمناه من عدم وجوب التوضؤ والأُمور المتقدِّمة على الحائض وإنّما هي مستحبّة ولا نلتزم بالتقييد في المستحبّات ، فنلتزم بأنّ مطلق الذكر مستحب على الحائض وإن كان الذكر قاعداً أفضل ، كما هو حال المطلق والمقيّد في باقي المستحبّات كزيارة الحسين عليه‌السلام.

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥ ، ٦ ، ص ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٤٥ / أبواب الحيض ب ٤٠.

٤٧٢

والظّاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة (١).

[٧٨٥] مسألة ٤٢ : يكره للحائض الخضاب بالحِنّاء أو غيرها (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) وذلك لإطلاق أدلّة النواقض وعدم اختصاص ناقضيتها بالوضوء المطهر ، بل تشمل كلّ وضوء مأمور به.

ما يكره للحائض : الخضاب‌

(٢) لما ورد في جملة من الرّوايات من أنّ الحائض لا تختضب ، منها رواية عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سمعته يقول : لا تختضب الحائض ولا الجنب » (١) ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن الحائض هل تختضب؟ قال : لا ، يخاف عليها الشيطان عند ذلك » (٢) ، ومنها ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن الحائض هل تختضب؟ قال : لا ، لأنّه يخاف عليها الشيطان » (٣) ومنها غير ذلك من الرّوايات (٤).

وفي قبالها جملة من الرّوايات (٥) دلّت على الجواز ، عمدتها موثقة سَماعة ، قال « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن الجنب والحائض أيختضبان؟ قال : لا بأس » (٦) فلا ينبغي الإشكال في جواز الخضاب على الحائض بمقتضى الموثقة وإن تمّت الأخبار الناهية من حيث السند أو قلنا بالتّسامح في أدلّة السنن حملناها على الكراهة جمعاً بين الطائفتين ، وإن لم يتم سندها كما هو الواقع لضعفها في جملة منها ولم نقل بالتّسامح في أدلّة السنن التزمنا بالجواز من دون كراهة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٤ / أبواب الحيض ب ٤٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٥٣ / أبواب الحيض ب ٤٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٥٣ / أبواب الحيض ب ٤٢ ح ٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٥٤ / أبواب الحيض ب ٤٢ ح ٨ ، ٢٢٣ / أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ١١ و ١٢.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٥٢ و ٣٥٣ و ٣٥٤ / أبواب الحيض ب ٤٢ ح ١ و ٢ و ٥ و ٦.

(٦) الوسائل ٢ : ٣٥٤ / أبواب الحيض ب ٤٢ ح ٦.

٤٧٣

وقراءة القرآن ولو أقلّ من سبع آيات (١) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وما عن الشيخ المفيد (١) قدس‌سره من تعليل كراهة الاختضاب على الحائض بأنّه يمنع وصول الماء إلى البشرة فهو ممّا لا ينبغي صدوره من مثله من المحققين ، وذلك لأنّ اللّون ليس جسماً حتّى يمنع عن وصول الماء إلى البشرة ، وإلاّ لم يجز الخضاب للمكلّفين بأجمعهم لابتلائهم بالغسل والوضوء وهو مانع عن صحّتهما. هذا وعلى تقدير التسليم فما أفاده قدس‌سره يقتضي تحريم الخضاب لمنعه عن الغسل والصّلاة لا أنّه يقتضي الكراهة كما هو واضح.

كراهية قراءة القرآن‌

(١) ناقش صاحب الحدائق قدس‌سره في كراهته (٢) ، ولكن الصحيح هو الكراهة بناءً على التّسامح في أدلّة السنن ولا سيما في المكروهات ، لورود النهي عن قراءة الحائض القرآن في ثلاث روايات :

الاولى : ما عن دعائم الإسلام عن علي عليه‌السلام : « قال : لا تقرأ الحائض قرآناً ولا تدخل مسجداً » (٣).

الثّانية : ما عن دعائم الإسلام عن أبي جعفر عليه‌السلام : « قال : إنّا نأمر نساءنا الحُيّض أن يتوضأن عند وقت كلّ صلاة ... ولا يقربن مسجداً ولا يقرأن قرآناً » (٤).

الثّالثة : ما عن هداية الصدوق عن علي عليه‌السلام : « سبعة لا يقرءون القرآن : الرّاكع والسّاجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنّفساء والحائض » (٥).

وهي ضعيفة الإسناد ، لكنّها بناءً على قاعدة التّسامح تقتضي الكراهة ، والوجه فيما‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٨ / في الحيض.

(٢) الحدائق ٣ : ٢٧٦ / في الحيض.

(٣) المستدرك ٢ : ٢٦ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ١.

(٤) المستدرك ٢ : ٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٣.

(٥) المستدرك ٢ : ٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٤.

٤٧٤

وحمله ولمس هامشه وما بين سطوره إن لم تمس الخطّ وإلاّ حرم (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرناه : أنّ مقتضى الأخبار المعتبرة جواز القراءة للحائض ، كما في رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة « وتلت القرآن » (١) ، وفي صحيحة زُرارة : « قلت له الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئاً؟ قال : نعم ، ما شاءا إلاّ السجدة » (٢) وفي موثقة الفُضَيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن » (٣) ونظيرها غيرها من الأخبار (٤).

فإن قلنا بالتّسامح في أدلّة المكروهات فلا مناص من الالتزام بالكراهة ، لورود المنع في الأخبار المتقدّمة ، وإلاّ نلتزم بالجواز من دون كراهة.

نعم ، لو قلنا بالكراهة فلا تختصّ بما زاد عن سبع آيات ، بل الحكم بالكراهة مطلق ولو في أقلّ من آية فيما إذا صدق أنّها تقرأ القرآن.

كراهية حمل القرآن ولمس هامشه‌

(١) والدليل على ذلك ما ورد في رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام : « قال : المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنباً ولا تمسّ خيطه ولا تعلقه ، إنّ الله تعالى يقول ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » (٥) ، وما ورد فيما رواه محمّد بن مسلم قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام : الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ... » (٦) ، فإنّها تدل على أنّ مسّهما المصحف من غير واسطة الثوب ونحوه مبغوض.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٦ / أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٢١٧ / أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٥.

(٤) كصحاح زيد الشحّام والحلبي ومحمّد بن مسلم المذكورة في نفس الباب.

(٥) الوسائل ١ : ٣٨٤ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣. وفي نسخة « خطّه ».

(٦) الوسائل ٢ : ٢١٧ / أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٧.

٤٧٥

[٧٨٦] مسألة ٤٣ : يستحبّ لها الأغسال المندوبة كغسل الجمعة والإحرام والتّوبة ونحوها ، وأمّا الأغسال الواجبة فذكروا عدم صحّتها منها ، وعدم ارتفاع الحدث مع الحيض ، وكذا الوضوءات المندوبة ، وبعضهم قال بصحّة غسل الجنابة دون غيرها. والأقوى صحّة الجميع وارتفاع حدثها وإن كان حدث الحيض باقياً بل صحّة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي محمولة على الكراهة ، لما ورد في قبالها من الأخبار المصرحة بالجواز ، كما في حسنة داود بن فَرقَد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض ، قال : نعم ، لا بأس ، قال وقال : تقرؤه وتكتبه ولا تصيبه يدها » (١) مع أنّ التعليق يستلزم مسّ الجلد والورق عادة. على أنّ جواز مسّ الحائض والجنب غير كتابة القرآن ممّا نقطع بجوازه.

استحباب الأغسال المندوبة‌

(١) هل يجوز للحائض أن تأتي بالأغسال المستحبّة أو الواجبة غير غسل الحيض والوضوءات المستحبّة أو لا يجوز؟

الصحيح جواز ذلك ، لإطلاق ما دلّ على استحباب الأغسال والوضوءات المستحبّة وما دلّ على وجوب الأغسال الواجبة ، فإنّ مقتضاها الجواز والصحّة حتّى من الحائض.

نعم ، ورد في ما رواه سعيد بن يسار « أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أو غسل الجنابة والحيض واحد؟ قال قد أتاها ما هو أعظم من ذلك » (٢).

وفي موثقة الكاهلي ، قال « سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٢ / أبواب الحيض ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣١٤ / أبواب الحيض ب ٢٢ ح ٢.

٤٧٦

المغتسل تغتسل أو لا تغتسل؟ قال : قد جاءها ما يفسد الصّلاة فلا تغتسل » (١).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تطّهّر يوم الجمعة وتذكر الله؟ قال : أمّا الطّهر فلا ، ولكنّها تتوضأ في وقت الصّلاة » (٢).

إلاّ أنّها لا تدلّ على عدم جواز غسل الجنابة من الحائض ، وذلك لأنّها معارضة بما هو صريح في الجواز ، وهو مثل موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمّ تحيض قبل أن تغتسل ، قال : إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحيض والجنابة » (٣).

وتدلّنا هذه الموثقة على أنّ الوجه في عدم وجوب الغسل من الجنابة على الحائض هو أنّ الغسل يجب مقدّمة للصلاة ، وحيث إنّ الصّلاة غير واجبة على الحائض فلا يجب الاغتسال عليها من الجنابة لا أنّه غير مشروع في حقّها ، وبذلك يمكن الجمع بين الطائفتين ، وعلى تقدير المعارضة فتسقطان ونرجع إلى مقتضى العمومات والإطلاقات وهو الجواز.

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم فدلالتها على عدم جواز غسل الجنابة على الحائض متوقّفة على أن يراد من الطّهر الاغتسال من غير الحيض ، مع احتمال إرادة الاغتسال من الحيض وأنّه هل يسوغ لها غسل الحيض والوضوء لتتطهّر وتشتغل بذكر الله تعالى في أوقات الصّلاة أو غيرها ، فكأنه نوع تطهّر كما هو الحال في المستحاضة تغتسل وتتوضّأ للصلوات أو لا يجوز؟ فأجابه عليه‌السلام بعدم مشروعيّة غسل الحيض قبل انقطاع الدم.

وكيف كان لا ينبغي الإشكال في جواز الوضوءات والأغسال المستحبّة والواجبة عليها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣١٤ / أبواب الحيض ب ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣١٤ / أبواب الحيض ب ٢٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٦٤ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٧.

٤٧٧

نعم ، الإلزام بتلك الأغسال غير ثابت في حقّها ، لما قدّمناه من إجزاء كلّ غسل عن غيره من الأغسال وإن لم يقصد من جهة التداخل ، فإنّ الحائض حينئذ يجوز لها أن تترك غسل المسّ مثلاً إلى أن تغتسل من الحيض ، ويرتفع جميع الأحداث بغسل الحيض.

وأمّا ما عن المحقّق (١) من أنّ الطّهارة ضدّ الحدث ، ومع الحدث الحيض لا يتحقّق الطّهارة ، لعدم اجتماع الضدّين ، فمندفع بأنّه وجه استحساني غير قابل للاستدلال به على الأحكام الشرعيّة بوجه.

استدراك

ذكرنا أنّ المراد بالطّهر في صحيحة محمّد بن مسلم يحتمل أن يكون اغتسال المرأة من الحيض ، بأن يكون السائل وهو محمّد بن مسلم قد احتمل كون الحائض كالمستحاضة مشروعاً في حقّها الاغتسال من حدثها لتحصيل الطّهارة الوقتيّة للذكر ونحوه ، وإن كان يجب عليها أن تغتسل عن الحيض بعد انقطاع دمها أيضاً ، وأجابه الإمام عليه‌السلام بأنّ الاغتسال من الحيض لا يشرع في حقّ الحائض قبل أن ينقطع دمها ، وعليه فلا دلالة للصحيحة على أنّ الغسل لا يجوز للحائض واجباً كان الغسل أم مندوباً.

ويحتمل أن يراد من الطّهر غسل الجمعة المستحب ، وذلك لما سبق من أنّ كلّ غسل واجب أو مندوب يجزئ عن غيره من الأغسال الواجبة والمستحبّة أو لا أقل من أنّه يجزئ عن الوضوء فقط كما عرفت تفصيله ، فكأنّ السّائل علم بذلك أو احتمله فسأل الإمام عليه‌السلام عن أنّ الحائض هل لها أن تحصل الطّهارة لأجل ذكرها باغتسالها للجمعة ، وعليه فيكون جواب الإمام عليه‌السلام بقوله « أمّا الطّهر فلا » بمعنى أنّ الطّهارة لا تحصل للحائض باغتسالها عن الجمعة ، لا أنّه غير‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٢١ / أحكام الحائض ، الشرائع ١ : ٣٦ / أحكام الحائض.

٤٧٨

مشروع في حقّها وإنّما طهارتها منحصرة بالوضوء وحسب.

وعليه فالصحيحة أجنبيّة عمّا نحن فيه من أنّ الوضوءات المستحبّة والأغسال المسنونة والمفروضة جائزة للحائض أو ليست بجائزة كما هو ظاهر.

هذا تمام الكلام في الحيض وأحكامه

والحمد لله أوّلاً وآخراً‌

٤٧٩
٤٨٠