موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وجبت الصلاتان إلاّ أنّ هذه قبل هذه (١) ، وعلى مسلك العدلية لا بدّ من الحكم في الرّواية بوجوب قضاء كلتا الصلاتين الظهر والعصر ، وتخصيصها القضاء بالظهر يدلّ على أنّ مقدار أربعة أقدام من الزّوال وقت صلاة الظهر فقط ، وهذا لا نقول به وإنّما تلتزم به العامّة ، ولعل الرّواية صدرت تقيّة من هذه الجهة ، فلا مناص من رد علم الرّواية إلى أهله.

إذن لمّا لم يثبت أنّ وجوب القضاء يدور مدار التمكّن من الصّلاة الاختياريّة بمقدّماتها فإطلاق صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج هو المحكّم ، قال « سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشّمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصّلاة؟ قال : نعم » (٢) ، فإنّها تدلّ على أنّ القضاء يدور مدار ترك الوظيفة من الصّلاة الاختياريّة أو الاضطراريّة ، فالقضاء واجب فيما إذا زالت الشّمس ومضى زمان تتمكّن فيه المرأة من أقلّ الواجب وهو الصّلاة الاضطراريّة أعني الصّلاة والطّهارة ، فلو تركتها وجب عليها قضاؤها ، وأمّا غير الطّهارة من الشرائط والأجزاء فهي شرائط وقيود اختياريّة ينتقل إلى بدلها مع العجز عنها ، وهذا بخلاف الطّهارة لأنّها عمود الصّلاة ولا صلاة إلاّ بطهور. نعم لا فرق في الطّهارة بين المائيّة والترابيّة كما تقدّم.

لا يقال : إنّ لازم ذلك أنّ المرأة إذا حاضت بعد الزّوال بمقدار تتمكّن فيه من الصّلاة دون الطّهارة لا تجب الصّلاة عليها لعدم تمكّنها من الصّلاة والطهور معاً ، مع إمكان أن يقال إنّ في وجوب الأداء يكفي التمكّن من أداء نفس الصّلاة ، والطّهارة لا بدّ من إتيانها قبل الوقت حتّى تتمكّن من الصّلاة عن طهور بعد الوقت.

فإنّه يقال : لا يجب على المرأة تحصيل الطّهارة قبل الوقت ، لأنّ الأدلّة دلّت على أنّ الشّمس إذا زالت فقد وجب الطهور والصلاتان ، وأمّا قبل الزّوال فلا ، لعدم وجوبها وبعد الزّوال لا يجب لعدم التمكّن منها على الفرض.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٥ / أبواب المواقيت ب ٤ وغيره.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٦٠ / أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٥.

٤٤١

[٧٧٥] مسألة ٣٢ : إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت فإن أدركت من الوقت ركعة مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء ، وإن تركت وجب قضاؤها وإلاّ فلا وإن كان الأحوط القضاء (*) إذا أدركت ركعة مع الطّهارة وإن لم تدرك سائر الشروط ، بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقاً ، وإذا أدركت ركعة مع التيمم لا يكفي في الوجوب إلاّ إذا كان وظيفتها التيمم مع قطع النظر عن ضيق الوقت ، وإن كان الأحوط الإتيان مع التيمم (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا طهرت قبل خروج الوقت‌

(١) هذا هو المقام الثّاني من البحث ، وهو أنّ الحائض إذا طهرت بعد دخول الوقت وقبل خروجه فهل يجب عليها أداء الفريضة أو لا يجب؟ لا إشكال ولا خلاف في أنّ الحائض إذا طهرت قبل خروج الوقت بمقدار تتمكّن فيه من الصّلاة مع الطّهارة والمقدّمات الاختياريّة يجب عليها الإتيان بفريضة الوقت أداءً ولم يستشكل أحد في ذلك ، لأنّ حال الحائض حال بقيّة المكلّفين بالصلاة.

نعم ، ورد في جملة من الأخبار أنّ المرأة إذا رأت الطّهر بعد ما مضى من الزّوال أربعة أقدام لم تجب عليها صلاة الظهر ، معلّلة بأنّ وقت الظّهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلِّي الظهر (٢).

وهذه الأخبار وإن كان لا بأس بإسناد بعضها إلاّ أنّها محمولة على التقيّة يقيناً وذلك لتعليلها ، حيث إنّه صريح في أن ما بعد الزّوال إلى أربعة أقدام مختص بصلاة الظهر ، ومن ثمة صرّح فيها بأنّ الحائض إذا طهرت بعد ما مضى من زوال الشّمس أربعة أقدام لم تجب عليها صلاة الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها وهي في الدم ، وهذا موافق لمذهب العامّة.

__________________

(*) بل لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر.

(١) الوسائل ٢ : ٣٦١ / أبواب الحيض ب ٤٩.

٤٤٢

وأمّا عندنا فلا إشكال في وجوب الصلاتين معاً بزوال الشّمس ، حيث دلّت الرّوايات الكثيرة على أنّه إذا زالت الشّمس وجبت الصلاتان ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما حتّى تغيب الشّمس (١) ، نعم آخر الوقت بمقدار صلاة العصر مختص بصلاة العصر ، ولا تزاحم الظهر العصر في وقتها كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى ، وهذه الأخبار معارضة مع الأخبار (٢) الدالّة على أنّ ما بعد الزّوال إلى مضي أربعة أقدام من الزوال وقت مختص بصلاة الظهر ، وحيث أنّ الأخيرة موافقة للعامّة ومخالفة لمذهب الشيعة لا مناص من حملها على التقيّة ، هذا.

على أنّها معارضة مع الأخبار (٣) الواردة في خصوص المقام الدالّة على أنّ الحائض إذا طهرت قبل أن تغيب الشّمس صلّت الظهر والعصر ، وإذا طهرت قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، نعم هذه الرّوايات تصلح للتأييد ، لأنّها بأجمعها مرويّة عن الشيخ بطريقه إلى ابن فَضّال ، وقد ناقشنا في طريقه إليه ، فالروايات ضعيفة بأجمعها (٤).

نعم ، هي معارضة مع الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الصّلاتين تجبان بزوال الشّمس إلى غروبها. هذا كلّه فيما إذا طهرت الحائض بعد الزّوال وكان الوقت كافياً للصلاة عن طهور وبمقدّماتها الاختياريّة.

إذا طهرت في زمان لا يسع الصّلاة مع الطّهارة

وأمّا إذا فرضنا أنّها طهرت قبل خروج الوقت بزمان لا تتمكّن فيه من الصّلاة مع الطّهارة المائيّة ، وهذا على قسمين :

فقد تعجز عن الاغتسال لمرض أو عدم وجدان الماء أو لغيرهما من الموانع غير‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٣٠ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٢٢ ، ١٢٦ / ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ١٤٠ / أبواب المواقيت ب ٨ وغيرها.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٦٣ و ٣٦٤ / أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٧ و ١٠ و ١١ و ١٢.

(٤) وقد نبّهنا غير مرّة أنّ سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) قد عدل عن ذلك ، فلاحظ الصفحة ٧٠.

٤٤٣

ضيق الوقت ، بحيث لو فرضنا أنّ المرأة طهرت في أوّل الزّوال فهي لا تتمكّن من الاغتسال لمرض ونحوه من الموانع.

وقد يستند عجزها عن الاغتسال إلى ضيق الوقت ، كما لو كان الهواء بارداً واحتاج غسلها إلى تسخين الماء ونحوه ولم يكن الوقت واسعاً له.

وفي هاتين الصورتين أي صورة ما إذا تتمكّن من الطّهارة المائيّة أو لم تتمكّن منها لأجل مرض أو نحوه لا لضيق الوقت لا يفرق الحال بين كون المرأة متمكّنة من الصّلاة بتمامها وكونها متمكّنة من ركعة واحدة من الصّلاة ، وذلك لما ورد في جملة من الأخبار من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت (١).

وهذه الرّوايات وإن لم تكن معتبرة سوى رواية واحدة وردت في إدراك ركعة من صلاة الغداة وأن من أدرك ركعة من الغداة فقد أدركها ، إلاّ أنّ من الظّاهر عدم خصوصيّة في ذلك لصلاة الغداة ، وإنّما ذكرت في الرّواية لكونها مورد الابتلاء ، لأنّ أكثر النّاس ينامون في وقتها ولا يدركون إلاّ ركعة واحدة منها ، ومع القطع بإلغاء الخصوصيّة يحكم بأن من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت مطلقاً ، فالحائض في ذلك وغيرها على حدّ سواء.

أمّا إذا استند عجزها عن الاغتسال إلى المرض وغيره من الموانع فلا ينبغي الإشكال في وجوب التيمم عليها وأنّها تصلِّي مع الطّهارة الترابيّة ، لأنّها بدل عن الطّهارة المائيّة ، وإذا تركتها عصت ، لمشروعيّة التيمم في حقّها ، حيث إنّ الغسل كان مشروعاً في حقّها ، لأنّ عدم اغتسالها لم يكن مستنداً إلى حيضها ليقال إنّ الغسل غير مشروع مع الحيض كما سيأتي في القسم الثّاني ، وإنّما استند إلى المرض ونحوه.

وأمّا إذا استند عجزها عن الاغتسال إلى ضيق الوقت فقد وقع الكلام فيه وأنّه هل يجب عليها أن تتيمم وتصلّي مع الطّهارة الترابيّة أو لا تجب عليها الصّلاة أداءً‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠. والمعتبرة منها هي موثقة عمّار بن موسى الساباطي.

٤٤٤

فضلاً عن القضاء؟

قد يقال : بعدم وجوب الصّلاة عليها حينئذ ، وذلك لاشتراط الصّلاة بالطّهارة حيث « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) ، والمرأة غير متمكِّنة من التيمّم لعدم مشروعيته حينئذ ، حيث إنّ البدل إنّما يشرع فيما إذا كان المبدل منه مشروعاً في حقّه ، والمبدل منه الاغتسال غير مشروع في حقّ المرأة ، لكونها حائضاً والحيض هو المانع من اغتسالها ولا يشرع الغسل مع الحيض ، وإذا لم يجز المبدل منه في حقّها فلا يجوز بدله.

ولا يخفى أنّ الاستدلال المذكور من الغرابة بمكان ، وذلك لأنّ المرأة إنّما تريد الاغتسال أو التيمّم بعد انقطاع حيضها ، ومع عدم الحيض لا مانع عن مشروعيّة الغسل في حقّها ، فيكون التيمم مشروعاً بالإضافة إليها ، نعم ما دام لم ينقطع دمها لا يشرع لها الاغتسال كما لا يشرع لها التيمم أيضاً ، إذ مع عدم مشروعيّة المبدل منه لا يشرع البدل ، إلاّ أنّ كلامنا إنّما هو بعد الانقطاع والطّهارة.

اللهمّ إلاّ أن يقال بعدم مشروعيّة التيمم في نفسه لضيق الوقت كما ذهب إليه الشيخ حسين آل عصفور في صلاته ، نظراً إلى أنّ المسوغ للتيمم إنّما هو المرض وفقدان الماء ونحوهما ، وأمّا ضيق الوقت فهو غير مسوغ للتيمم بوجه.

وهو متفرّد فيما ذهب إليه من أنّ التيمم لا يشرع حينئذ ، وسنبيّن في محله أنّ التيمم مشروع لضيق الوقت أيضاً في مباحث التيمم إن شاء الله تعالى (٢). وكلامنا في المقام بعد الفراغ عن مشروعيّة التيمم لضيق الوقت ، ومعه لا وجه للقول بعدم وجوب الصّلاة على المرأة في المقام.

بل الصحيح أنّها تتيمّم وتصلِّي كما هو الحال فيما إذا استند عجزها عن الاغتسال إلى مانع آخر مع ضيق الوقت. هذا كلّه بحسب الأداء ، وهل يجب عليها القضاء فيما إذا لم تأت بالفريضة أداءً أو لا يجب القضاء عليها؟

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ إلى ٣٦٩ / أبواب الوضوء ب ١ و ٢.

(٢) يأتي بعد المسألة [١٠٨٣].

٤٤٥

هل يجب القضاء في مفروض الكلام

أمّا إذا كانت متمكّنة من الإتيان بالصلاة مع الطّهارة المائيّة بمقدّماتها الاختياريّة ولم تأت بها فلا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء عليها ، وذلك مضافاً إلى الأخبار (١) العامّة الدالّة على أن من ترك صلاته يقضيها بعد وقتها يدلّ عليه الأخبار الواردة في المقام (٢) من أنّ الحائض إذا كانت قادرة على الاغتسال في وقت الصّلاة إلاّ أنّها توانت حتّى خرج وقتها وجب عليها قضاؤها ، فإنّ القضاء يتوقّف على فوت الفريضة ، ولا إشكال في صدق الفوت في المقام فيجب القضاء عليها لا محالة.

وكذلك الحال فيما إذا لم تتمكّن من الاغتسال لمرض ونحوه ، فإن فريضتها الصّلاة مع التيمم ، فإذا فوّتتها وفرطت فيها وجب عليها قضاؤها لا محالة بمقتضى الأخبار العامّة والرّوايات الواردة في المقام.

وإنّما الكلام فيما إذا لم تتمكّن المرأة من الاغتسال لضيق الوقت وأنّها إذا عصت ولم تتيمم ولم تصل أو نسيت ولم تصل هل يجب عليها القضاء أو لا يجب؟

حكم الماتن قدس‌سره بوجوب القضاء عليها مطلقاً ، مستنداً إلى إطلاق ما ورد (٣) من أنّ المرأة إذا طهرت قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر ، أو أنّها إذا طهرت قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشّمس صلّت الظهر والعصر ونحوهما.

وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ المرأة إذا طهرت في وقت لا تتمكّن من الصّلاة إلاّ نصف ركعة أو سوى التكبيرة لم تجب عليها الفريضة أداء حتّى تفوت عنها ويجب عليها قضاؤها ، لأنّها إنّما تجب إذا أدركت تمام الصّلاة أو ركعة منها.

وأمّا إطلاق الرّوايات ففيه أنّها سيقت لبيان وجوب الأداء على المرأة فيما إذا طهرت‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٣ / أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٦١ / أبواب الحيض ب ٤٩.

(٣) نفس المصدر.

٤٤٦

قبل خروج الوقت ، ولا نظر فيها إلى وجوب القضاء خارج الوقت فيما إذا عصت وتركت أو نسيت ولم تصل في الوقت ، فالأخبار أجنبيّة عن المقام ، فالحكم بوجوب القضاء مطلقاً لا وجه له.

وإنّما الكلام فيما إذا كانت المرأة طاهرة في وقت يسع الصّلاة بتمامها أو بركعة منها مع عدم تمكّنها من الطّهارة المائيّة لضيق الوقت فهل يجب عليها قضاؤها أو لا يجب؟

الصحيح عدم وجوب القضاء عليها على تقدير عصيانها فضلاً عن نسيانها وعدم الإتيان بالصلاة مع التيمم أداءً ، وهذا من أحد الموارد الّتي يجب فيها الأداء دون القضاء.

والوجه في ذلك ما ورد من أنّ المناط في وجوب القضاء على الحائض أن تكون طاهرة في زمان تتمكّن فيه من الاغتسال ، فإذا لم تغتسل ولم تصل وجب القضاء عليها ، وأمّا إذا طهرت في زمان لا تتمكّن فيه من الاغتسال لا يجب عليها القضاء.

والعمدة فيها صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قال : أيّما امرأة رأت الطّهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة الّتي فرطت فيها ، وإن رأت الطّهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أُخرى فليس عليها قضاء وتصلِّي الصلاة الّتي دخل وقتها » (١).

وهي كما ترى صريحة في أنّ المدار في وجوب القضاء على الحائض أن تكون طاهرة في وقت تتمكّن فيه من الاغتسال ، فإذا تمكّنت منه ولم تغتسل حتّى خرج الوقت قضت صلاتها ، وإذا لم تتمكّن من الاغتسال فلا يجب عليها القضاء.

وحيث إنّ الحائض في مفروض المقام طهرت في وقت لا تتمكّن فيه من الاغتسال فلو عصت وتركت الصّلاة مع التيمم فضلاً عمّا إذا لم تأت بالصلاة لعذر ونسيان لم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٦١ / أبواب الحيض ب ٤٩ ح ١.

٤٤٧

يجب عليها القضاء بمقتضى هذه الصحيحة.

نعم ، إنّ موردها بقرينة قوله عليه‌السلام « ففرطت فيها » وقوله عليه‌السلام « فقامت في تهيئة ذلك فجاز الوقت » إنّما هو فيما إذا كانت المرأة متمكِّنة من الاغتسال إلاّ أنّها فرّطت ولم تغتسل ، أو أنّها قامت لتغتسل وهيّأت مقدّمات الغسل ولكن الوقت لم يسعها فجاز وقت الصّلاة ، لا أنّها لم تكن متمكّنة من الاغتسال لمرض أو لفقدان الماء ، وعليه فتختص الصحيحة بما إذا كانت المرأة مأمورة بالتيمم لضيق الوقت بأن كانت قادرة على الاغتسال في نفسها ولكن الوقت لم يسعها لا أنّها لم تتمكّن من الاغتسال لمرض ونحوه.

ومن هنا يختص الحكم بعدم وجوب القضاء على تقدير عدم الإتيان بالصلاة مع الطّهارة في وقتها بما إذا لم تتمكّن المرأة من الاغتسال لضيق الوقت ، وأمّا إذا لم تتمكّن من الاغتسال لمرض ونحوه فتركت الصّلاة مع التيمم فهي مكلّفة بالقضاء بمقتضى الأخبار العامّة والرّوايات الواردة في خصوص المقام (١) ، لأنّها فرطت في صلاتها وقد فاتتها الفريضة والوظيفة فيجب القضاء عليها ، وفوت الفريضة والوظيفة وإن كان متحقّقاً في صورة عدم التمكّن من الاغتسال لضيق الوقت أيضاً ، إلاّ أنّ الصحيحة مخصّصة لما دلّ على وجوب القضاء مع الفوت في خصوص المقام.

وهذه الصورة من أحد الموارد الّتي يجب فيها الأداء ولا يجب فيها القضاء ، سواء تركت الصّلاة مع الطّهور عصياناً أم لعذر كنسيان ونحوه.

ويؤيّد تلك الصحيحة ما رواه عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المرأة تقوم في وقت الصّلاة فلا تقضي ظهرها حتّى تفوتها الصّلاة ويخرج الوقت أتقضي الصّلاة الّتي فاتتها؟ قال عليه‌السلام : إن كانت توانت قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي » (٢) ، والوجه في جعلها مؤيّدة أنّها مرويّة بطريق الشيخ إلى‌

__________________

(١) تقدّم في ص : ٤٤٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٦٤ / أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٨.

٤٤٨

وتماميّة الركعة بتماميّة الذكر من السجدة الثّانية (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابن فَضّال ، وقد عرفت المناقشة في طريقه إليه (١).

المناط في تماميّة الرّكعة‌

(١) وقع الكلام في أنّ المراد بالرّكعة فيما ذكرناه من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ما هو؟

قد تطلق ويراد منها الركوع ، يقال ركع ركعة كما يقال ركع ركوعاً ، وقد ورد في روايات « لا تعاد » (٢) أنّ الصّلاة لا تعاد من السجدة الواحدة وإنّما تعاد من الركعة وهي مقابل السّجود بمعنى الرّكوع.

وقد تطلق الركعة ويراد منها الركعة التامّة ، أي إلى آخر السجدة الثّانية ، وهو كثير.

والصحيح أنّ المراد بها هو الركعة التامّة ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في أن من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت ، روايات نبويّة (٣) ضعيفة السند سوى رواية واحدة هي موثقة عمّار الواردة في صلاة الغداة بمضمون أنّ من صلّى ركعة من الغداة فليتمّها.

ومن الظّاهر أنّ الصّلاة ركعة تتحقّق بالركعة التامّة والسجدة الأخيرة ، إذ لا تتحقّق الصّلاة من دون سجدة ، ولا سيما أنّ الرّواية عبرت بـ « صلّى » الّذي هو فعل ماض يدل على التحقّق والوجود والصدور ، وبما أنّ صلاة الغداة ركعتان فإذا قيل صلّى ركعة منها أي أتى بالركعة التامّة إلى السجدة الأخيرة وليس الوارد فيها عنوان « من أدرك » ليحتمل إرادة إدراك الرّكوع منه ، هذا.

__________________

(١) وقد عرفت عدوله ( دام ظلّه ) عن ذلك في الصفحة ٧٠ ، وعليه فالرواية صحيحة صالحة للاستدلال بها كما لا يخفى.

(٢) الوسائل ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ١ ، ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨ وغيرها.

(٣) الوسائل ٤ : ٢١٨ / أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٤.

٤٤٩

لا برفع الرأس منها (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنّا لو سلّمنا أنّ الأخبار الواردة في أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت معتبرة ولو من جهة انجبارها بعمل الأصحاب لا مناص من حمل الركعة على الركعة التامّة ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في أوقات الصّلاة قد حددتها من حيث المبدأ والمنتهى ، فقد ورد في صلاة الظهرين إذا زالت الشّمس دخل الوقتان أو دخل وقت الصلاتين أو وجبت الصلاتان ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً إلى أن تغرب أو تغيب الشّمس (١).

ومقتضى هذه الأخبار المحدّدة عدم تحقّق الامتثال بالإتيان بالصلاة قبل الوقت أو بعده ولو بجزء يسير ، فكما أنّه إذا صلّى قبل الوقت ولو بنصف ركعة أو ربعها لم يحسب امتثالاً إلاّ فيما دلّ دليل على إجزائه ، كما إذا اعتقد دخول الوقت فشرع في صلاته والوقت دخل في أثنائها.

كذلك الحال فيما إذا أتى بالصلاة خارج الوقت أو وقع جزء يسير منها خارجه فإنّه لا يحكم بصحّتها ولا يحسب امتثالاً بوجه. وقد خرجنا عن مقتضى قاعدة التحديد بما ورد من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، وحيث إنّها مجملة لا مناص في الخروج عن مقتضى قاعدة التحديد من الأخذ بالقدر المتيقّن من تلك الأخبار ، وهو ما إذا أدرك ركعة تامّة في الوقت ، وأمّا إدراك الرّكوع فلا يعلم كونه منزّلاً منزلة وقوع الصّلاة في الوقت ، فلا يكتفى به في الخروج عن مقتضى القاعدة بل يرجع فيه إلى تلك القاعدة وهي تقتضي بطلانها وعدم احتسابها امتثالاً.

(١) لصدق الصّلاة ركعة بالسجدة الثّانية وإن لم يرفع رأسه منها.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ و ١٣٠ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ و ٢٢.

٤٥٠

[٧٧٦] مسألة ٣٣ : إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفي في وجوب المبادرة ووجوب القضاء مضيّ مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحيض (١) فاعتبار مضي مقدار تحصيل الشرائط إنّما هو على تقدير عدم حصولها.

[٧٧٧] مسألة ٣٤ : إذا ظنّت ضيق الوقت عن إدراك الركعة فتركت ثمّ بان السّعة وجب عليها القضاء (٢).

[٧٧٨] مسألة ٣٥ : إذا شكّت في سعة الوقت وعدمها وجبت المبادرة (٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما يكفي في وجوب المبادرة والقضاء‌

(١) لوضوح أنّ اعتبار كون الوقت متّسعاً بمقدار الصّلاة ومقدّماتها إنّما هو مع الاحتياج إلى تلك المقدّمات بعد الوقت ، ومع عدم الحاجة إليها لتحققها قبل الوقت لا يعتبر إلاّ سعة الوقت بمقدار الصّلاة ، بحيث لو تركتها لصدق أنّها فوتت الفريضة وفرطت فيها فيجب عليها قضاؤها.

(٢) لصدق أنّها لم تأت بفريضة الوقت وأنّها فاتتها ، فيجب عليها قضاؤها بمقتضى الأخبار العامّة (١) والرّوايات الخاصّة الواردة في المقام (٢) ، بل تعاقب على تركها الصلاة لعدم حجيّة الظنّ شرعاً ، اللهمّ إلاّ أن تكون مطمئنة بضيق الوقت ، فإنّها تقضي صلاتها حينئذ ولا تعاقب على تركها في الوقت.

إذا شكّت في السعة‌

(٣) لا يختصّ هذا بالحائض بل يأتي في كلّ مكلّف يشك في حدوث التكليف في آخر الوقت ، كما إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون بعد الزّوال في وقت يشك في سعته للصّلاة ، وهذا يتصوّر على نحوين :

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٣ / أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٦١ / أبواب الحيض ب ٤٩.

٤٥١

قد يفرض الشكّ في سعة الوقت للإتيان بالمأمور به مع العلم بأنّ العمل يستلزم كذا مقداراً من الزّمان ، كما إذا علمت أنّ كلّ ركعة من الصلاة يشغل دقيقة واحدة فصلاة الظهر والعصر تشغل ثماني دقائق ، ولكنّها لا تدري أنّ الباقي من الوقت يسع لثماني دقائق أو لا ، وفي هذه الصورة يمكن التمسّك بالاستصحاب ، بأن يقال إنّ الشّمس لم تغرب في زمن الشروع في الصّلاة ونشك في أنّها تغرب قبل انقضاء الصلاتين أو لا تغرب ، فنستصحب أنّها لا تغرب قبل انقضائها.

وقد يفرض العلم بالمقدار الباقي من الوقت كخمس دقائق ، ولكن يشكّ في أنّ الإتيان بالمأمور به هل يتحقّق في تلك المدّة أو يستلزم زماناً زائداً على ذلك المقدار ولا مجرى للاستصحاب حينئذ ، فهل يمكن الرّجوع إلى البراءة لأجل الشكّ في توجّه التكليف إليها بالأداء ، لاحتمال عدم سعة الوقت للصلاة ومعه لا يجب عليها الأداء فضلاً عن القضاء كما تحتمل سعته لها ، فهو من الشكّ في أصل التكليف فيدفع بالبراءة أو لا يمكن؟

إن قلنا بجواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة فيما إذا كان المخصّص عقليّاً كما ذهب إليه بعضهم فاللاّزم في المقام هو الحكم بوجوب المبادرة إلى الصّلاة ، ولا يجري فيه التمسّك بالاستصحاب ولا البراءة في كلتا الصورتين ، إذ لا مجال للأصل العملي مع الدليل الاجتهادي.

والأمر في المقام كذلك ، لأنّ مقتضى العمومات (١) الدالّة على وجوب خمس فرائض على المكلّفين في كلّ يوم وجوب الصّلاة على المرأة في مفروض الكلام ، واشتراط التكاليف بالقدرة وعدم التكليف مع عدم القدرة حكم عقلي ، والمفروض جواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة فيما إذا كان المخصّص عقليّاً.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم جواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة مطلقاً ، سواء كان المخصّص لبيّاً أم لفظيّاً ولا سيما إذا كان المخصّص العقلي يعدّ قرينة متّصلة بالكلام كما في المقام ، لأنّ اشتراط التكاليف بالقدرة شرط ارتكازي للبشر من‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٠ / أبواب أعداد الفرائض ب ٢ وغيرها.

٤٥٢

الابتداء ، ومعه لا ينعقد للكلام ظهور في العموم من الابتداء ، فهل يجوز الرجوع إلى البراءة عن التكليف المحتمل أو لا يجوز؟

الظاهر عدم جواز الرجوع إلى البراءة مطلقاً ، سواء أُحرز الملاك الملزم كما إذا شكّ في وجوب إنقاذ الغريق للشكّ في قدرته عليه ، لأنّه لا يعرف السباحة ويحتمل أن يكون البحر عميقاً لا يتمكّن من الدّخول فيه للإنقاذ ، ولكن الملاك الملزم في إنقاذ الغريق محرز معلوم أم لم يكن الملاك محرزاً كما في المقام ، وذلك لأجل الشكّ في التكليف ، فإن مع عدم سعة الوقت لا تكليف بالصلاة ولا أنّها ذات ملاك ، ومن ثمة لا يجب قضاؤها على المكلّف.

والوجه في عدم جواز الرجوع إلى البراءة مع إحراز الملاك ظاهر ، لأنّه تفويت للملاك الملزم ، وتفويت الغرض والملاك كمخالفة التكليف بنظر العقل في العصيان ومع الشكّ في القدرة على العمل في تلك الموارد لا بدّ من الفحص والإقدام في العمل ليرى أنّه متمكّن منه أو ليس بمتمكّن ، ولا يجوز الرّجوع إلى البراءة بوجه.

والوجه في عدم جواز الرّجوع إلى البراءة مع عدم إحراز الملاك هو أنّ المورد حينئذ وإن كان من موارد البراءة لأجل الشكّ في أصل توجّه التكليف عليه لأجل الشكّ في القدرة إلاّ أنّ للمقام خصوصيّة تمنع عن الرّجوع إلى البراءة مع الشكّ في القدرة ، وتلك خصوصيّة هي أهميّة الصلاة وكونها الفاصل بين الإسلام والكفر وكونها عماد الدّين وممّا نعلم بعدم رضى الشارع بتفويتها على تقدير سعة الوقت.

ومع العلم بالأهميّة لا يمكن الرّجوع إلى البراءة ، بل لا بدّ في موارد الشكّ في القدرة من الفحص والإقدام على العمل ، فإن تمّ العمل قبل انقضاء الوقت فهو ، وإلاّ فينكشف عدم كونها مكلّفة بالصلاة.

وقد ذكرنا في محله عدم جواز إجراء البراءة في كلّ مورد علم بعدم رضى الشارع بالمخالفة على تقدير كون العمل مبغوضاً شرعاً ، فإذا رأى شبحاً وشكّ في أنّه إنسان أو بقر ليس له إجراء البراءة عن حرمة قتله ، بل لا بدّ من الفحص لعدم رضى الشارع بقتله على تقدير إنسانيّته.

٤٥٣

[٧٧٩] مسألة ٣٦ : إذا علمت أوّل الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة (١) بل وإن شكّت على الأحوط (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العلم أوّل الوقت بمفاجأة الحيض‌

(١) والتخيير في الإتيان بها إلى المغرب مثلاً إنّما هو مع التمكّن من جميع الأفراد الطوليّة ، وإلاّ فمع تعذّر بعض الأفراد الطوليّة يتعيّن الإتيان بالفرد الآخر ، كما هو الحال في تعذر بعض الأفراد العرضيّة ، وفي المقام تعلم المرأة بتعذّر الأفراد الآتية لطروء الحيض ، فيجب عليها المبادرة إلى الصلاة من أوّل الوقت.

(٢) والوجه فيما أفاده قدس‌سره أنّ الوقت إذا دخل وتنجز وجب الصّلاة على المرأة ، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الخروج عن عهدة ذلك التكليف المنجز المعلوم ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالمبادرة لاحتمال عدم تمكّنها من الصّلاة مع التأخير.

فالمبادرة واجبة بحسب الفتوى ، ولعل الماتن عبّر بالاحتياط لأنّه واجب عقلي حسب ما تقتضيه قاعدة الاشتغال.

وأمّا استصحاب عدم مفاجاة الحيض أو تأخيره وعدم طروئه فيدفعه أنّه ممّا لا يترتب عليه أثر ، حيث إن جواز تأخير الصلاة إنّما هو من الآثار المترتبة على الامتثال المتأخّر والتمكّن منه ، وليس أثر عدم طروء الحيض كون المكلّف ممتثلاً بعد ذلك أو متمكّناً منه كذلك ، وإنّما هو ملازم لعدم الحيض عقلاً ، والاستصحاب لا يثبت لوازمه العقليّة بوجه.

هذا كلّه إنّما هو فيما إذا دخل الوقت ومضى منه مقدار يسع للصّلاة ثمّ بعد ذلك شكّت في مفاجاة الحيض بحيث تنجز عليها الأمر بالصلاة.

وأمّا إذا دخل الوقت وبعد دقيقة ونحوها ممّا لا يسع للصّلاة شكّت في مفاجاة الحيض أي مع عدم تنجّز الحكم بالصلاة فهو مبني على ما قدّمناه عند الشكّ في القدرة ، فإن جوّزنا التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة إذا كان المخصّص عقليّاً‌

٤٥٤

وإن لم تبادر وجب عليها القضاء إلاّ إذا تبيّن عدم السّعة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيحكم عليها بوجوب المبادرة إلى الصّلاة ، وإذا لم نقل بذلك فالمورد مجرى للبراءة في غير المقام ، وأمّا في المقام فلمّا كانت الصّلاة ممّا اهتم بها الشارع وهي عمود الدين فلا مناص فيه من الفحص والمبادرة إلى الصلاة ولا يرجع فيها إلى البراءة.

هذا كلّه مضافاً إلى جريان استصحاب عدم الحيض بمقدار يسع للصلاة من الوقت ، فإنّ المانع عن الصّلاة هو الحيض ، والاستصحاب يقتضي التعبّد بعدم طروئه بمقدار الصّلاة ، فتجب المبادرة إليها لا محالة.

وجوب القضاء إذا لم تبادر‌

(١) إذا لم تبادر المرأة إلى الصّلاة ففاجأها الحيض فقد ينكشف أنّ الصّلاة لم تكن واجبة في حقّها لطروئه في زمان لا يسع الصّلاة والطّهارة ، ومعه لا يجب الأداء فضلاً عن القضاء.

وقد ينكشف وجوب الصّلاة عليها أداءً لطروء الحيض بعد زمان يسع الصّلاة والطّهارة ، وحيث إنّها فوتتها على نفسها بعدم المبادرة وجب عليها قضاؤها.

وثالثة : تشكّ في ذلك ولا تعلم بأن طروءه عليها بعد وقت يسع الصّلاة أو في وقت لا يسعها فهل يجب عليها قضاؤها أو لا يجب؟

مقتضى عبارة الماتن الوجوب ، لأنّه قدس‌سره حكم بوجوب القضاء عند عدم المبادرة مطلقاً إلاّ إذا تبيّن عدم سعة الوقت للصلاة ، وهذه الصورة هي المستثناة في كلامه من وجوب القضاء ، فصورة الشكّ في السعة والضيق باقية تحت الحكم بوجوب القضاء.

إلاّ أنّه ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ القضاء يجب مع الفوت ، وهو غير محرز في المقام ، لاحتمال أن يكون الحيض طرأ عليها بعد دقيقة أو دقيقتين بحيث‌

٤٥٥

[٧٨٠] مسألة ٣٧ : إذا طهرت ولها وقت لإحدى الصّلاتين صلّت الثّانية (١) وإذا كان بقدر خمس ركعات صلّتهما (٢).

[٧٨١] مسألة ٣٨ : في العشاءين إذا أدركت أربع ركعات صلّت العشاء فقط (٣) إلاّ إذا كانت مسافرة (٤)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يمكنها الصلاة فلا يجب معه الصلاة عليها ، ومع الشكّ في الفوت لا يحكم بوجوب القضاء ، بل ترجع إلى البراءة من وجوب القضاء ، لأنّه بأمر جديد تشك في حدوثه واستصحاب عدم الحيض لا يثبت عنوان فوت الفريضة بوجه.

إذا طهرت ولها وقت إحداهما‌

(١) مثل العصر ، وهذا بناءً على أنّ آخر الوقت بمقدار أربع ركعات يختص بالصلاة للثانية واضح ، والأمر كذلك في الجملة ، والقدر المتيقّن منه ما إذا كان المكلّف مأموراً بالصلاة الثّانية ولم يبق من الوقت إلاّ بمقدارها ، فإنّه يختص بالعصر حينئذ وقد ورد في بعض رواياته أنّ المكلّف إذا أتى بالفريضة الأُولى قد فوّت كلتا الصّلاتين (١) ، وهو يدلّ على أن آخر الوقت مختص بالصلاة الثّانية بحيث لو تركها وأتى بالأُولى بطلت الاولى ولم يأت بالثانية وفوت الصلاتين على نفسه.

(٢) لأنّها متمكّنة من إتيان صلاة الظهر بتمامها في الوقت ويبقى بعدها من الوقت بمقدار ركعة واحدة تأتي فيه بصلاة العصر « ومن أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كلّه ».

(٣) لما سبق من أنّ آخر الوقت بمقدار الفريضة الثّانية مختص بالصلاة الثّانية.

(٤) ولم يبق من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات ، فإنّها تأتي بصلاة المغرب في وقتها بتمامها ، وتأتي أيضاً بالركعة الاولى من العشاء في وقتها ، « ومن أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كلّه ».

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٩ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

٤٥٦

ولو في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام وتترك المغرب (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الكلام في هذه يقع في مقامين : أحدهما من حيث الحكم التكليفي. وثانيهما من حيث الحكم الوضعي.

المقام الأوّل : لا ينبغي الإشكال في أنّ اختيارها التمام محرم في حقّها ، لأنّه تفويت اختياري للفريضة الاولى مع التمكّن من إتيانها ، لأنّها لو اختارت العشاء قصراً تتمكّن من الصّلاتين معاً ، حيث تأتي بالمغرب ثلاث ركعات وتأتي بالعشاء بركعة واحدة منها في الوقت والباقي في خارجه ، وليس الأمر كذلك فيما لو اختارت العشاء تماماً ، لأنّ الوقت يختص بالعشاء حينئذ ولا تتمكّن من المغرب بوجه.

ومن هنا يظهر أنّ المكلّف ليس له قصد الإقامة فيما إذا كانت الحال هذه ، كما لو وصل إلى مكان لم يبق من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات بحيث لو لم يقصد الإقامة وصلّى العشاء قصراً تمكّن من فريضتي المغرب والعشاء قصراً ، ولو قصد الإقامة وصلّى العشاء تماماً لم يتمكّن إلاّ من فريضة العشاء ، فقصد الإقامة حينئذ تفويت اختياري للفريضة الاولى ، وهو حرام.

المقام الثّاني : ولو اختارت المرأة التمام في مواضع التخيير وفوتت الفريضة الأُولى بطلت صلاتها ، وذلك لأنّ مقتضى إطلاق الأدلّة الدالّة على اشتراط كون العصر بعد صلاة الظهر مثلاً كقوله عليه‌السلام « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (١) بطلان الصّلاة الثّانية فيما إذا أتت بها قبل الفريضة الأُولى ، لعدم كونها واجدة لشرطها.

وقد خرجنا عن ذلك فيما إذا لم يبق من الوقت إلاّ بمقدار الفريضة الثّانية ، فإنّه إذا أتى بالثانية حينئذ وقعت صحيحة وإن لم يأت بالفريضة الأُولى قبلها ، وهذا الاستثناء غير متحقّق في مقامنا ، وذلك لعدم صدق أنّ الوقت لم يبق منه إلاّ مقدار الصّلاة الثّانية ، بل الوقت متّسع لها وللفريضة الاولى.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ و ١٣٠ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢.

٤٥٧

والسرّ فيه أنّ الواجب في مواضع التخيير ليس هو خصوص التمام ليصدق أنّ الوقت لم يبق إلاّ بمقدارها ، بل الواجب هو الجامع بين القصر والتمام ، وأمّا التمام والقصر فهما ليسا بمأمور به في حقّه ، ومن الظّاهر أنّ الوقت بالإضافة إلى الجامع بين القصر والتمام موسع والمكلّف متمكن منه ومن الفريضة الأُولى ، كما إذا أوجد الجامع في ضمن فرده القصير ، واختيار أحد عدلي التخيير لا يوجب التعيين ليقال إنّ الصّلاة تماماً هي المتعيّنة والمأمور بها في حقّه ، ومع عدم صدق المستثنى في المقام لا يصحّ الإتيان بالصلاة تماماً ، لإطلاق أدلّة الاشتراط حيث إنّها تدلّ على بطلانها لوقوعها قبل صلاة الظهر ولم تقع بعدها فتبطل.

وأمّا في موارد قصد الإقامة عشراً فالصحيح الحكم بصحّة صلاتها تماماً ، وذلك لأنّها وإن ارتكبت محرماً بقصدها الإقامة وتفويتها للواجب إلاّ أنّ فعلها المحرم هذا أوجب انقلاب موضوع الحكم بالصلاة قصراً إلى موضوع آخر يجب عليها التمام بسببه ، وذلك لأنّ الموضوع في الحكم بوجوب التمام على المسافر قصده الإقامة عشرة أيّام سواء أكان قصده جائزاً أم محرماً ، ومع القصد يجب التمام وإذا أتى به وقعت صحيحة.

نعم ، كما يحرم عليها قصد إقامة العشرة كذلك يجب العدول عليها عن قصد الإقامة ، لأنّ تركه تفويت للواجب اختياراً ، إلاّ أنّها إذا قصدت الإقامة ولم تعدل عن قصدها وقعت صلاتها التمام صحيحة ، لتحقّق موضوعه وهو قصد إقامة عشرة أيّام وهذا بخلاف المقام ، فإنّ اختيارها التمام في مواضع التخيير لا يوجب قلب الموضوع بوجه.

ثمّ إنّه لا يفرق فيما ذكرناه في المقام من الحكم ببطلان الصّلاة تماماً في مواضع التخيير بين القول بأن صلاتي القصر والتمام طبيعة واحدة بحيث يجوز العدول من التمام إلى القصر وبالعكس في مواضع التخيير ، بل تصحّ الصّلاة وإن لم ينو القصر ولا التمام إلاّ أنّه سلّم بعد الركعتين أو لم يسلم إلاّ بعد أربع ركعات ، فإنّه نوى طبيعي الصلاة ، والتمام والقصر من طبيعة واحدة ، كما هو الحال في السّورة الواجب قراءتها في‌

٤٥٨

[٧٨٢] مسألة ٣٩ : إذا اعتقدت السعة للصلاتين فتبيّن عدمها ، وأنّ وظيفتها إتيان الثّانية وجب عليها قضاؤها (١) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصّلاة ، حيث لا يلزم قصد كون السورة هي سورة التّوحيد أو الكافرون أو الانشراح بل يكفي قصد طبيعي السورة كما هو واضح.

وبعبارة ثانية : إنّ الصّلاة في مواضع القصر اعتبرت بشرط لا من حيث انضمام الركعتين الأخيرتين بها ، وفي مواضع التمام اعتبرت بشرط شي‌ء أي بشرط زيادة ركعتين ، وفي مواضع التخيير اعتبرت لا بشرط وللمكلّف أن يأتي بالزيادة أو لا يأتي بها ، فهما طبيعة واحدة وبين القول بأن القصر والتمام طبيعتان متغايرتان إحداهما غير الأُخرى ، ولا يجوز العدول من إحداهما إلى الأُخرى لأنّه من العدول إلى المباين.

والوجه في عدم الفرق على القول بأنّهما من طبيعة واحدة وأنّه يجوز العدول من إحداهما إلى الأُخرى ظاهر. وأمّا على القول بتغايرهما من حيث الطبيعة وعدم جواز العدول من إحداهما إلى الأُخرى فلأنّ المكلّف وإن وجب عليه خصوص التمام حينئذ بعد الاختيار ، إذ لا يجوز له العدول إلى القصر إلاّ أنّه قبل اختيار أحدهما مختار بينهما ، ومعه نقول بحرمة اختياره التمام لأنّه تفويت للواجب وباطل ، لعدم كونه واجداً للشرط كما مرّ.

ثمّ إنّه إذا دخل في التمام يجب عليه العدول وقطع الصّلاة ، لأنّه يحرم مع دخوله في الصّلاة على وجه صحيح شرعي ، ودخوله في المقام محرم لوجوب اختيار القصر عليه كي لا تفوت الفريضة الاولى ، فلا فرق فيما ذكرناه بين القولين وإن كان الصحيح هو الأوّل.

إذا اعتقدت سعة الوقت‌

(١) وذلك لأنّها كانت مأمورة بصلاة العصر مثلاً ، فلم تكن ما أتت به من صلاة‌

٤٥٩

وإذا قدمت الثّانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحّت (١) ووجب عليها إتيان الاولى بعدها ، وإن كان التبيّن بعد خروج الوقت وجب قضاؤها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظهر مأموراً به في حقّها ، وإنّما الواجب في حقّها هو العصر وهي لم تأت بالعصر فيجب عليها قضاء العصر لا محالة ، ولا دليل على أنّ صلاة الظهر الّتي أتت بها تقع عصراً ، وإن دلّ الدليل على وقوع العصر عن الظهر في عكس المقام (١) ، وهو ما إذا أتت بالعصر قبل الظهر اشتباهاً ونحوه.

(١) لما مرّ من أنّها إذا أتت بصلاة العصر قبل الظهر لعذر وقعت صلاتها صحيحة حيث إنّ الترتيب شرط ذكرى ، ولا يشترط مع الغفلة والنّسيان وغيرهما ، فيحكم بصحّة الصّلاة لا محالة.

نعم ، هنا كلام يأتي تحقيقه في مبحث الأوقات إن شاء الله تعالى (٢) ، وهو أن ما أتت به من صلاة العصر هل يقع عصراً كما نوت ويجب عليها الإتيان بصلاة الظهر بعدها لحديث لا تعاد (٣) ، حيث يقتضي عدم وجوب إعادة العصر ، والترتيب ذكرى لا يوجب الإخلال به سهواً بطلان الصلاة ، أو أن ما أتت به يحسب ظهراً أيضاً لحديث « لا تعاد » ، لأنّه يقتضي عدم بطلان الصّلاة بالإخلال بالنيّة غير متعمّد ، ويجب عليها الإتيان بالعصر في الوقت أو في خارجه.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٢) يأتي في شرح المسألة [١١٨١].

(٣) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨ ، ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ١. وغيرها.

٤٦٠