موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

الوطء حتّى تغتسل. والكلام في مدرك ما ذهب إليه المشهور.

لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى العمومات والإطلاقات جواز وطئها في جميع الأزمنة حتّى زمان الحيض ، كقوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ... ) (١) ، وإنّما خرجنا عن مقتضى الإطلاقات بما دلّ على حرمة وطء الحائض من الكتاب والسنّة ، حيث خصّصها بغير زمان الحيض ، ولا بدّ من ملاحظة المخصّص لنرى أنّ الحرمة هل هي مستمرة إلى زمان الاغتسال أو هي منقطعة بزمان انقطاع الدم.

المخصّص الكتابي

أمّا المخصّص الكتابي وهو قوله تعالى ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ، قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ، وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (٢) فلا يمكن استفادة الحرمة منها إلى أيّ زمان ، وذلك لأنّ القرّاء السبعة قرأوا لفظة ( ... حَتّى يَطْهُرْنَ ... ) مخففة أي حتّى ينقطع دمهن ، ويساعده صدر الآية المباركة حيث قالت ( هُوَ أَذىً ) ، وذلك لأنّ الأذى إنّما هو الحيض إلى زمن انقطاعه ، وأمّا بعده فليس هناك أذى فتختصّ الحرمة بالمرأة ذات الدم ، وإذا انقطع دمها جاز وطؤها بمقتضى الآية الكريمة إلى هنا.

ولكن ذيلها ( ... فَإِذا تَطَهَّرْنَ ... ) ينافيه ، فإنّه وإن أمكن أن يكون بمعنى ... يَطْهُرْنَ ... بالتخفيف بأن يستعمل التطهّر في الطّهارة ، إذ قد يستعمل التفعّل في المجرّد ويقال زيد تمرّض بمعنى مرِض ، وعليه يطابق الذيل الصّدر ، إلاّ أنّ ظاهر الذيل هو التفعّل والتطهّر بمعنى الاغتسال ، فيدلّنا هذا الذيل بمفهومه على حرمة إتيان المرأة ما دامت لم تغتسل ولم تتطهّر ، فيتنافى صدر الآية وذيلها وتصبح الآية مجملة.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٣.

(٢) البقرة ٢ : ٢٢٢.

٤٢١

على أنّ ( ... حَتّى يَطْهُرْنَ ... ) لم يثبت كونها مخففة وإن قرأها القراء السبعة مخففة إلاّ أنّه يحتمل تشديدها ، ومع احتمال التشديد والتخفيف وإجمال الآية لا يمكن الاستدلال بها بوجه. بل لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن من مدلولها ، وهو حرمة الوطء ما دام المرأة ذات الدم ، وأمّا حرمته بعد انقطاعه فهي مشكوكة يرجع فيها إلى مقتضى الإطلاقات والعمومات الّتي تقتضي الجواز في جميع الأوقات كما مرّ.

المخصّص من السنّة

وأمّا المخصّص من السنّة فالأخبار الواردة (١) في حرمة وطء الحائض قبل الاغتسال كلّها ضعيفة السند ، لأنّها مضافاً إلى اشتمال أسنادها على من لم تثبت وثاقته مرويّة في تهذيب الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فَضّال ، وقد بيّنا أنّ طريق الشيخ إلى ابن فَضّال ضعيف لا يعتمد عليه (٢) ، هذا.

على أنّها مع الغضّ عن ضعف أسنادها قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأنّها معارضة بما دلّ على جواز وطء الحائض بعد انقطاع دمها وقبل الاغتسال صريحاً (٣) ومع التعارض لا بدّ من الجمع بينهما بحمل الناهية على الكراهة.

نعم ، ورد في صحيحة محمّد بن مسلم الّتي هي من الأخبار الدالّة على الجواز أنّه « إذا أصاب زوجها شَبَق فليأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل » (٤) والشبق هو شدّة الميل إلى الجماع ، وقد دلّت على جواز وطء الحائض بعد الانقطاع وقبل الاغتسال مشروطاً بشرطين : أحدهما أن يصيب زوجها الشبق ، فلا يجوز من دون كونه شَبِقاً ، ثانيهما أن تغسل فرجها ، فلا يجوز الوطء من غير أن تغسل فرجها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٦ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٦ و ٧.

(٢) وقد قدّمنا أن سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) عدل عن ذلك ، فليراجع الصفحة ٧٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٥ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٣ و ٤ و ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٢٤ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ١.

٤٢٢

والمشهور بينهم عدم الالتزام بهذين الشرطين ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّ مقتضى المناسبة بين الحكم وموضوعه أنّ الشرط الأوّل في الصحيحة لم يكن مسوقاً لبيان حرمة الوطء من غير الشبق ، وإنّما سيقت لبيان ما يرتفع به الحزازة والكراهة في وطء الحائض قبل الاغتسال.

وتلك المناسبة هي العلم بأنّ المحرمات الإلهيّة لا تناط بعدم الشبق بحيث ترتفع الحرمة بالشبق الّذي هو شدّة الميل إلى الجماع لا الاضطرار إليه بقرينة قوله عليه‌السلام « ثمّ يمسّها إن شاء ». نعم لا بأس بارتفاع الحرمة بالحرج أو الخوف على النّفس ، كما ورد في بعض الرّوايات (١) من أنّه إذا خاف على نفسه لا بأس أن يأتي زوجته ، وأمّا مجرّد شدّة الميل فهو ممّا لا ترتفع به الحرمة شرعاً ، ومنه يظهر أن وطء الحائض بعد الانقطاع وقبل الاغتسال غير محرم مطلقاً ، نعم هو مكروه وترتفع الكراهة بالشبق إلى الجماع.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الأمر بغسل الفرج ، فإنّ المناسبة المركوزة بين الحكم وموضوعه تقتضي أن يكون الأمر بغسل الفرج لأجل التنظيف المرغوب فيه للشريعة المقدّسة لا أنّ الحرمة ترتفع به ، لكن مع ذلك يشكل رفع اليد عن ظاهر الأمر بغسل الفرج لتلك المناسبة ، ومن هنا الاحتياط الوجوبي في غسل الفرج قبل الوطء في محلّه بخلاف الشبق.

ويمكن الاستدلال على جواز وطء الحائض بعد الانقطاع قبل الاغتسال حتّى مع عدم الشبق في الزوج بالسيرة القطعيّة الجارية بين المتشرّعة ، حيث إن أغلب النِّساء من المماليك والزّوجات لم يكن يغتسلن بعد حيضهنّ في تلك الأعصار لكونهنّ كافرات أو من أهل الخلاف الّذين لا يصحّ منهم الاغتسال أو لا يغتسلن للتسامح والتساهل في الدِّين ، ومع ذلك كان أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام والمسلمون الآخرون يباشرون زوجاتهم وإمائهم بعد انقطاع حيضهنّ ، ولم يرد ردع عنه في الرّوايات لتدلّ على عدم جواز مقاربتهم لزوجاتهم أو مملوكاتهم لبطلان غسلهنّ أو عدمه ، فلو كان وطء الزّوجة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٥ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٢. وهي موثقة إسحاق بن عمّار.

٤٢٣

[٧٧٢] مسألة ٢٩ : ماء غسل الزوجة والأمة على الزوج والسيِّد على الأقوى (*) (١).

[٧٧٣] مسألة ٣٠ : إذا تيممت بدل الغسل ثمّ أحدثت بالأصغر لا يبطل تيممها (**) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد الانقطاع وعدم شبق الزّوج محرماً لانتشر الحكم وذاع ، فنستكشف منه عدم حرمة الوطء ولو من دون شبق الزّوج.

هل ماء غسل الزّوجة على زوجها؟

(١) تقدّمت المسألة في بحث الجنابة (٣) وذكر قدس‌سره أنّ ماء الغسل وأُجرة التسخين والاغتسال على الزوج ، وعلّله بأنّه من النّفقات ونفقة الزّوجة على الزّوج.

وذكرنا في ذاك الموضع أنّ الأخبار الآمرة بإعطاء نفقة الزوجة اشتملت على عنوان الإشباع والإسكان وما به يقوم صلبها ، والجامع ما تتقوّم به حياة الزّوجة وإعاشتها عادة حسب ما يليق بشأنها.

ومن الظّاهر أنّ الأحكام الشرعيّة والوظائف المتسببة منها خارجة عمّا تتقوّم به حياتها ، وإنّما هي وظائف شرعيّة لا إعاشة وإقامة حياة ، ولذا لو أفطرت الزّوجة في نهار شهر رمضان لم يجب على الزوج إعطاء الكفّارة وإنّما هي واجبة على الزوجة وكذا الاغتسال في المقام ، والشارع قد عيّن للمتمكّنة منها وظيفة وللعاجزة وظيفة أُخرى ، فإن كانت قادرة على الاغتسال فلتغتسل وإن عجزت عنه فلتتيمم ، ولا يجب على الزوج إقدار زوجته على الاغتسال بإعطاء الماء وأُجرة التسخين ونحوهما حتّى تتمكّن الزّوجة من الاغتسال ليجب الغسل عليها ، وتفصيل الكلام في بحث النفقات.

__________________

(*) فيه منع ، نعم هو أحوط.

(**) الظاهر أنّه يبطل ، والأولى رعاية الاحتياط مهما أمكن.

(١) في شرح العروة ٦ : ٤٢٢.

٤٢٤

بل هو باق إلى أن تتمكّن من الغسل (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتقاض التيمّم بالحدث الأصغر‌

(١) فلا يجب عليها إلاّ الوضوء لأنّها أحدثت بالأصغر. وتأتي هذه المسألة في بحث التيمم (١) ونتكلم هناك في أنّ التيمم هل ينتقض بالأحداث الصغيرة أو أنّه كالغسل لا ينتقض بها وإنّما يجب بها الوضوء ، فلو تيمم المكلّف بدلاً عن الغسل لعذر ثمّ نام أو بال فهل يجب عليه بعد ذلك أن يتيمم بدلاً عن غسله مع بقاء عذره لأنّه انتقض بحدثه الأصغر ، أو أن تيمّمه كالغسل لا يرتفع ولا ينتقض بالحدث الأصغر وهو باق إلاّ أنّه يتيمم بدلاً عن الوضوء إذا لم يتمكّن من الوضوء أيضاً أو يتوضأ إذا تمكّن منه ، يأتي تفصيل الكلام في بحوث التيمم إن شاء الله.

وملخّصه : أنّ الظّاهر انتقاض التيمم بالحدث الأصغر وأنّه يجب بعده التيمم بدلاً عن غسله ، ولا يقاس التيمم بالغسل ، وكونه بدلاً عنه لا يقتضي أن يترتب عليه كلّ ما يترتب على الغسل ، لأنّه إنّما يقوم مقام الغسل من حيث الطّهارة وحسب ، لأنّ التيمم أو التراب أحد الطهورين ، فكلّ أمر يتوقّف على الطّهارة بالغسل يترتب على التيمم البدل عنه ، وأمّا أنّ الغسل لا ينتقض بالأحداث الصغيرة ولا يجب معه إلاّ الوضوء حينئذ فلا بدّ أن يكون التيمم كذلك أيضاً فهو أمر يحتاج إلى الدليل ولا دليل عليه ، فلا يترتب على التيمم سوى استباحة الدخول فيما يشترط فيه الطّهارة.

بل الدليل على انتقاض التيمم بالحدث الأصغر موجود ، وذلك لأنّ مقتضى قوله تعالى ( ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ... ) (٢) أنّ كلّ من كانت وظيفته في نفسه الغسل ولم يتمكّن منه فوظيفته التيمم ، والمكلّف بعد تيمّمه بدلاً عن غسله وإحداثه بالحدث الأصغر كذلك ، لأنّه مكلّف وظيفته الغسل لو‌

__________________

(١) في المسألة [١١٥٠].

(٢) المائدة ٥ : ٦.

٤٢٥

الحادي عشر : وجوب قضاء ما فات في حال الحيض من صوم شهر رمضان وغيره من الصيام الواجب (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمكّن من الماء من غير خلاف ، فوظيفته التيمم لا محالة بمقتضى الآية المباركة وإطلاقها.

بل في بعض الرّوايات الواردة في التيمم أُطلق الجنب على المتيمم بدلاً عن الغسل حيث قال « لكن يتيمّم الجنب ويصلِّي بهم » أي يصلي بالناس جنباً (١) ، فهو جنب جاز له الدخول في الصّلاة ولو جماعة لأنّه متطهر ، ومعه يجب عليه التيمم إذا أحدث بالأصغر بدلاً عن الغسل لا أنّه يتوضأ أو يتيمم بدلاً عن الوضوء ، خلافاً للماتن قدس‌سره ويأتي ذلك في محله.

يجب على الحائض قضاء الصيام‌

(١) والأمر كما أفاده قدس‌سره ، فإنّ جملة من الأخبار (٢) الواردة في وجوب قضاء الصوم على الحائض وإن كانت مختصّة بصوم شهر رمضان ، إلاّ أنّ بعضها مطلق لا يختص بصوم رمضان وقد دلّ على أنّ الحائض تقضي الصّيام.

بل لا حاجة في الحكم بوجوب قضاء الصّوم الواجب إلى تلكم الأخبار أصلاً وذلك لعموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت من الصّيام والصّلاة ، فإنّه شامل للحائض أيضاً ، والحكم بالسقوط وعدم وجوب القضاء يحتاج إلى الدليل ، ومقتضى عمومه عدم الفرق بين صوم شهر رمضان وغيره.

اللهمّ إلاّ أن يكون صوماً لا يجب قضاؤه شرعاً ، كما في الصوم الواجب بأمر السيِّد أو الوالد ، فكما لا يجب قضاؤه على غير الحائض لا يجب قضاؤه من الحائض ، فإنّ‌

__________________

(١) كما في صحيحة جميل ومحمّد بن حُمران ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ / أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢ ، ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤١.

٤٢٦

الحائض لا يزيد حكمها على غير الحائض ليتوهّم أنّ قضاء مثل ذلك الصّوم وإن لم يجب على غير الحائض إلاّ أنّه واجب على الحائض ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في أنّ الحائض تقضي الصّيام ليست بصدد بيان امتياز الحائض عن بقيّة النِّساء بأنّها تقضي الصوم مطلقاً حتّى ما لا يجب قضاؤه على غيرها ، بل هي مسوقة لبيان أنّ الحيض ليس بمانع عن وجوب القضاء وأنّه ليس يعذر عنه ، فحكم الحائض حكم غيرها ، إذا وجب قضاء الصوم على غيرها وجب عليها أيضاً ، ومتى لم يجب على غيرها لا يجب عليها أيضاً.

وعلى الجملة لا حاجة لنا في الحكم بوجوب القضاء وعدمه على الحائض إلى تلك الأخبار ، بل العمومات الدالّة على وجوب قضاء الصّوم والصّلاة تكفي في الحكم بوجوب قضاء مطلق الصّوم الواجب على الحائض.

قضاء الصوم الواجب بالنذر

نعم ، يبقى الكلام في الصوم الواجب بالنذر ، فإنّ وجوب قضائه على الحائض مورد الكلام بين الأصحاب ، حيث ذهبوا إلى عدم وجوب قضائه وأنّها إذا نذرت صوم يوم فحاضت فيه لم يجب عليها قضاؤه ، نظراً إلى أنّ متعلق النذر يشترط كونه راجحاً ، ولا رجحان في صوم الحائض بل هو حرام ، فالنذر لم ينعقد أصلاً حتّى يجب قضاؤه أو لا يجب.

وفصّل فيه شيخنا الأنصاري قدس‌سره بين ما إذا نذرت صوم يوم معيّن شخصي وبين ما إذا نذرت صوم يوم كلّي ينطبق على يوم حيضها وغيره ، كما لو نذرت صوم كلّ يوم خميس فحاضت في خميس من الخميسات ، فحكم بالبطلان وعدم وجوب القضاء في الأوّل ، وبانعقاد النذر ووجوب القضاء في الثّاني ، نظراً إلى أنّ صوم كلّي الخميس أمر راجح ، وصوم بعض الخميسات مثلاً وإن لم يكن براجح إلاّ أنّه ليس متعلّقاً للنذر (١).

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ٢٤١ السطر ٩ / في الحيض.

٤٢٧

وأمّا الصّلوات اليوميّة فليس عليها قضاؤها (١) ، بخلاف غير اليوميّة مثل الطّواف‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويندفع بأنّ الحكم المترتب على عام استغراقي ينحل إلى أفراده ومصاديقه ، فإذا لم يكن بعض أفراده راجحاً فلا مناص من الحكم ببطلان النذر بالإضافة إليه.

والصحيح في المقام أن يقال : إنّ ما ذكروه من عدم انعقاد النذر في المقام لأجل اشتراط الرجحان في متعلّق النذر هو الصحيح ، إلاّ أنّه على طبق القاعدة بغض النظر عن صحيحة علي بن مهزيار ، وإلاّ فبالنظر إليها لا بدّ من الحكم بوجوب القضاء في المقام وفي كلّ مورد نذر صومه ثمّ لم يتمكّن من صيامه لعذر من الأعذار.

قال « كتبت إليه يعني إلى أبي الحسن عليه‌السلام يا سيِّدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه وكيف يصنع يا سيِّدي؟ فكتب إليه : قد وضع الله عنه الصّيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله ... » (١) حيث دلّت على وجوب قضاء الصوم المنذور وإن لم ينعقد نذره لعدم رجحان متعلقه ، حيث إنّ صوم يوم العيدين محرم.

ثمّ إنّها وإن وردت في غير الحيض من الأعذار إلاّ أنّ قوله عليه‌السلام « ويصوم يوماً بدل يوم » يدلّنا على أنّ الحكم عام لا يختص بعذر دون عذر ، بل كلّما نذر صوماً معيّناً فصادف شيئاً من الأعذار وجب قضاؤه تعبداً ولو من جهة أنّه أثبت لله على ذمّته صوم يوم ، فوجب الخروج عن عهدته بقضائه وإن كان النذر باطلاً لعدم رجحان متعلقه لأنّه من صوم يوم العيد أو الحيض أو غيرهما ممّا لا رجحان في صيامه ، مع أنّ مقتضى القاعدة بطلان النذر في مورد الصحيحة المتقدِّمة وفي المقام لعدم كون المتعلّق راجحاً.

الحائض لا تقضي صلواتها‌

(١) لا إشكال ولا خلاف في عدم وجوب القضاء للصلوات اليوميّة على الحائض‌

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / كتاب النذر ب ١٠ ح ١.

٤٢٨

والنّذر المعيّن (*) وصلاة الآيات ، فإنّه يجب قضاؤها على الأحوط بل الأقوى (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولم ينقل الخلاف في ذلك من أحد المسلمين مضافاً إلى النصوص المعتبرة الكثيرة الواردة في المقام (٢).

(١) وتوضيح الكلام في هذه المسألة أنّ القضاء إنّما يجب فيما إذا كان للفعل وقت معيّن ولم يؤت به في وقته المضروب له ، فإنّه إذا أتى به خارج الوقت يعبّر عنه بالقضاء. وأمّا الواجب الّذي ليس له وقت معيّن شرعاً كصلاة الطواف فلا معنى للقضاء فيه ، فإنّه لم يفت الواجب في وقته ليؤتى به في خارج وقته ، وإنّما هو واجب لو أتي به في أيّ وقت وزمان وقع في وقته وزمانه ولا قضاء في مثله ، كما حكي عن العلاّمة (٣) قدس‌سره من أنّ القضاء إنّما هو في الموقتات ولا قضاء في غيرها.

وعليه فمثل صلاة الطواف خارجة عن محل الكلام ، إذ لا معنى فيها للقضاء وهي أداء في كلّ وقت ، ويجب على الحائض وغيرها الإتيان بها بعد حيضها وارتفاع عذر المكلّف لا محالة.

وأمّا الصلوات المنذورة فهي ممّا لا يجب قضاؤها على الحائض فيما إذا نذرت صلاة في وقت معيّن ثمّ طرأ الحيض عليها في ذلك الوقت ، وذلك لأُمور :

الأوّل : هو أنّ القضاء إنّما يجب فيما إذا كان العمل المأتي به أداءً وقضاءً طبيعة واحدة بحيث لا امتياز بينهما ولا اختلاف فيهما من غير جهة الزّمان ، فإنّ الأداء ما اتي به في وقته والقضاء ما اتي به في خارجه ، وهذا لا يتحقّق في الصلوات المنذورة ، لأنّ الواجب في الفعل المنذور هو الوفاء بالنذر ، والوفاء بمعنى إنهاء الشي‌ء وإتمامه ، فالواجب في النذر إنهاء الالتزام وإتمامه ، كما هو الحال في قوله تعالى ( ... أَوْفُوا

__________________

(*) الظاهر عدم وجوب القضاء إذا كان الفائت حال الحيض النذر المعيّن بل لا يبعد عدمه في صلاة الآيات أيضاً.

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤١.

(٢) أشار إلى هذه القاعدة في المنتهي : ١ : ٤٢٣ / في قضاء النوافل.

٤٢٩

بِالْعُقُودِ ... ) (١).

ولازم إنهاء الالتزام وإتمامه وعدم رفع اليد عنه أن يأتي بما التزم به في الخارج ، إذ لو لم يأت به رفع اليد عن التزامه ولم يتمّه ولم ينهه إلى آخره ، والالتزام تعلّق بالإتيان بالصلاة في وقت خاص ، وهو الأمر الملتزم به ، وإذا لم يأت بالصلاة في ذاك الوقت الخاص لحيض أو لنسيان أو لعمد أو لغير ذلك كيف يمكنه الإتيان بما التزم به خارج الوقت الخاص ، فإنّه أمر آخر لم يتعلّق به الالتزام ، فلا يكون العمل المأتي به في الوقت متحداً مع العمل المأتي به في خارجه ، فإنّ الأوّل وفاء بالالتزام وإنهاء له والثّاني ليس بوفاء ولا إنهاء ، فلا معنى للقضاء فيه.

ومن هنا يقرب أن يقال : إنّ العمل المنذور إذا لم يؤت به في وقته لم يجب قضاؤه في غير وقته ، لقصور المقتضي من دون فرق في ذلك بين ترك العمل بالنذر لأجل الحيض وبين تركه للنسيان أو للعمد أو لمانع آخر.

الثّاني : لو تنزلنا عن ذلك وقلنا الواجب في موارد النذر هو ذات العمل وعنوان النذر طريق إليه ، ومعنى وجوب الوفاء بالنذر هو وجوب الإتيان بالصلاة المنذورة لا أنّ الواجب هو عنوان الوفاء ، ومن الظّاهر أنّ الصّلاة في الوقت المنذور فيه وغيرها طبيعة واحدة ، فإذا لم يؤت بها في وقتها وجب الإتيان بها في خارج وقتها قضاءً ، فهو يتمّ في موارد ترك العمل بالنذر من غير جهة الحيض كما لو ترك نسياناً أو متعمداً أو نحو ذلك من الأسباب ، فيقال إنّ الواجب هو طبيعي الصّلاة فإذا فاتت المكلّف في وقتها وجب الإتيان بها في خارجه.

وأمّا إذا استند ترك الصّلاة المنذورة إلى الحيض فلا يأتي فيه ذلك بوجه ، وذلك لأنّ بالحيض يستكشف أنّ الصّلاة الّتي نذرتها المرأة في وقت معيّن لم تكن مشروعة ولم تكن راجحة ، فالنذر غير منعقد من أصله.

ومن هنا قلنا إنّ الصوم المنذور المعيّن لا قضاء له على الحائض بمقتضى القاعدة‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

٤٣٠

لعدم انعقاد النذر مع الحيض ، وإنّما قلنا فيه بوجوب القضاء من جهة النص الخاص (١) كما مرّ ، ومعه لا تجب الصلاة في وقتها أداءً حتّى يصدق فواتها ويجب قضاؤها خارج الوقت.

وعلى هذا الوجه نفصل بين ترك الصّلاة المنذورة لأجل الحيض فلا قضاء فيه ، وبين تركها لأجل الأسباب الأُخر من النسيان والعمد وغيرهما فيجب فيه القضاء.

الثّالث : أنّا لو أغمضنا عن الوجهين السابقين وبنينا على أنّ مجرّد الجعل والبناء ولو من قبل الناذر يكفي في الحكم بوجوب القضاء وإن لم يكن منعقداً شرعاً لا نلتزم بوجوب قضاء الصلوات المنذورة ، وذلك لإطلاق الأخبار (٢) الدالّة على أنّ الحائض لا تقضي الصّلاة وإنّما تقضي الصوم ، فإنّها تقتضي عدم وجوب القضاء على الحائض في الصلاة المنذورة ، ودعوى انصرافها إلى الصلوات اليوميّة ممّا لا يصغي إليها ، لأنّ كون فرد قدراً متيقّناً من اللّفظ لا يوجب انصراف الرّواية إليه.

وأمّا ما ربما يتوهّم من ظهور بعض الأخبار في الصّلاة اليوميّة حيث علّل وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصّلاة بأنّ الصّلاة تجب في كلّ يوم خمس مرّات وأمّا الصوم فيجب في كلّ سنة شهراً واحداً ، ومن المعلوم أنّ الصّلاة اليوميّة هي الّتي تجب في كلّ يوم خمس مرّات دون غيرها ، ومعه لا يتعدّى إلى غير الصّلاة اليوميّة.

فيندفع : بأنّ هذه التعليلات ليست عللاً حقيقيّة واقعيّة ، وإنّما هي حكم ذكرت تقريباً للأذهان ، والمدار على تماميّة الملاك الملزم وعدمه.

هذا على أنّ روايات العلل اشتملت على هذا التعليل وعلى تعليل آخر ، وهو أنّ الصّلاة فعل يشغل الزّمان والصّوم عبارة عن ترك الأكل والشرب ، وهو أمر لا يشغل زماناً ويجتمع مع أيّ فعل من الأفعال الخارجيّة (٣) ، وهذه العلّة تشمل الصلاة اليوميّة‌

__________________

(١) وهي صحيحة علي بن مهزيار ، وقد مرّت في الصفحة ٤٢٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٥٠ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٨.

٤٣١

وغير اليوميّة لأنّها فعل يشغل الزّمان وإن كانت العلّة المتقدِّمة مختصّة بالصلاة اليوميّة هذا.

والّذي يسهِّل الخطب ويدلّ على أنّ العلّة المذكورة ليست بعلل حقيقيّة أنّ العلّة المتقدِّمة ذكرت في روايتين كلتاهما ضعيفة ، فإحداهما رواها الصدوق في عيون الأخبار (١) وفي سندها محمّد بن سنان الضعيف ، وثانيتهما رواها في الوسائل عن العلل (٢) وفي سندها موسى بن عمران ، وهو مهمل مجهول في الرِّجال ، نعم يمكن الحكم بوثاقته من جهة وقوعه في كامل الزيارات وتفسير القمّي ، ولكن في سندها أيضاً عليّ بن أبي حمزة ، والظاهر أنّه البطائني الضعيف كما أنّ في سندها عليّ ابن أحمد ، والظاهر أنّه حفيد البرقي وهو أيضاً لم يوثق في الرّجال وإن كان من مشايخ الصدوق قدس‌سره ، كما أنّ الرّواية المشتملة على التعليل الثّاني ضعيفة بعبد الواحد ابن محمّد بن عبدوس ، وهو ضعيف.

وبهذا الوجه الأخير وهو إطلاق الرّوايات نستدل على عدم وجوب القضاء فيما إذا فاتها صلاة الآيات الّتي لها قضاء ، كما لو تركتها عمداً أو عن غير التفات مع احتراق القرص بتمامه ، وذلك لإطلاق ما دلّ (٣) على أنّ الحائض لا تقضي الصّلاة.

نعم ، صلاة الطواف لا مناص من أن تأتي بها الحائض ، إذ لا وقت لها لتفوت ويجب قضاؤها ، بل هي واجبة على الحائض بنفس الأمر الأوّلي ، ونظيرها الصّلاة المنذورة في وقت معيّن على نحو تعدّد المطلوب بأن يكون أصل الفعل مطلوباً وكونه في وقت معيّن مطلوباً ثانياً ، فإذا فاتتها في وقتها وجب الإتيان بها بعد الوقت ، وهذا لا لوجوب القضاء بل بنفس الأمر الأوّلي المتعلّق بنفس الفعل ، لعدم كونه مقيّداً بزمان لفرض كون النذر على نحو تعدّد المطلوب.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٠ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٥١ / أبواب الحيض ب ٤١ ح ١٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤١.

٤٣٢

[٧٧٤] مسألة ٣١ : إذا حاضت بعد دخول الوقت فإن كان مضى منه مقدار أداء أقلّ الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة والبطء والصحّة والمرض والسّفر والحضر وتحصيل الشرائط بحسب تكليفها الفعلي من الوضوء أو الغسل أو التيمم وغيرها من سائر الشرائط غير الحاصلة ولم تصل وجب عليها قضاء تلك الصّلاة ، كما أنّها لو علمت بمفاجأة الحيض وجب عليها المبادرة إلى الصّلاة وفي مواطن التخيير يكفي سعة مقدار القصر ، ولو أدركت من الوقت أقلّ ممّا ذكرنا لا يجب عليها القضاء وإن كان الأحوط القضاء (*) إذا أدركت الصّلاة مع الطّهارة وإن لم تدرك سائر الشرائط ، بل ولو أدركت أكثر الصّلاة ، بل الأحوط قضاء الصّلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقاً وإن لم تدرك شيئاً من الصّلاة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا حاضت بعد دخول الوقت‌

(١) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :

أحدهما : فيما إذا كانت المرأة طاهرة فحاضت بعد دخول الوقت هل يجب عليها القضاء أو لا؟

وثانيهما : إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل خروج الوقت فهل يجب عليها أن تأتي بها في الوقت أداءً أو لا يجب؟

أمّا المقام الأوّل : فلا إشكال ولا خلاف في أنّ المرأة لو علمت ولو من جهة عادتها بأنّها تحيض بعد دخول الوقت وجبت المبادرة عليها إلى الصّلاة قبل أن تحيض ، فلو تركتها حتّى حاضت عصت وفوّتت الصّلاة الواجبة في حقّها اختياراً وهو حرام وهذا ممّا لا إشكال فيه فيما إذا كانت المرأة متمكّنة من الإتيان بالصلاة مع الطّهارة المائيّة وسائر الشروط المعتبرة فيها في حال الاختيار.

__________________

(*) بل لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر.

٤٣٣

وأمّا إذا كانت المرأة متمكّنة من الإتيان بالصلاة مع الوضوء ولم يسع الوقت لتهيئة باقي الشروط كتطهير ثوبها النجس فهل يجب عليها الإتيان بالصلاة مع الوضوء فاقدة لبقيّة الشرائط أو لا يجب؟ الصحيح أنّ المبادرة واجبة عليها في هذه الصّورة وذلك لأنّ بقيّة الشرائط غير الطّهارة شرائط اختياريّة ، ومع عدم التمكّن منها ينتقل الأمر فيها إلى بدلها ، فتصلّي المرأة في مفروض المسألة مع الوضوء بالثوب النجس على ما هو المختار عندنا أو عارية على قول آخر فيمن لم يتمكّن من الصّلاة في الثوب الطاهر ، وليس لها تفويت وظيفتها في تلك الحالة بوجه.

وأمّا إذا لم يسع الوقت للصلاة مع الوضوء وتمكّنت من الصّلاة مع التيمم لعدم الماء وقتئذ أو أنّ الماء موجود ولكن بعض مواضع وضوئه متنجس لا يسع الماء لتطهيره فالظاهر أنّ الأمر كذلك ، لأنّ وظيفتها حينئذ هي الصّلاة مع الطّهارة الترابيّة.

والمناقشة في شمول أدلّة البدليّة لهذه الصورة واضحة الفساد ، لأنّ المكلّف يجب أن يأتي بالصلوات المفروضة حسب ما تقتضيه وظيفته في الوقت ، من الصّلاة مع الوضوء أو مع التيمم أو في الثوب النجس أو عارياً أو نحو ذلك من الوظائف ، ولم يرد في المقام دليل على خروج الحائض عمّا هو الواجب على بقيّة المكلّفين وأنّه لا يجب على الحائض الصّلاة مع التيمم ، فلا امتياز للحائض عن باقي المكلّفين.

نعم ، هناك مطلب آخر لكنّه أجنبي عن المقام ، وهو أنّ المرأة إذا علمت بأنّها لو لم تهيّ‌ء مقدّمات صلاتها قبل الوقت لم تتمكّن من تحصيلها بعد دخولها وجب عليها تحصيلها قبل دخول الوقت ، إلاّ أنّ ذلك يعم كلّ مكلّف علم بعدم تمكّنه من الامتثال على تقدير تركه المقدّمات قبل الوقت ولا اختصاص له بالحائض بوجه. هذا كلّه فيما إذا علمت المرأة بعد دخول الوقت أنّها ستحيض في أثنائه.

وأمّا إذا لم تعلم المرأة بذلك فدخل الوقت وهي طاهرة ثمّ فاجأها الحيض فهل يجب عليها القضاء مطلقاً أو لا يجب مطلقاً أو فيه تفصيل أو تفاصيل؟

أمّا احتمال أن لا يجب عليها القضاء مطلقاً فهو مقطوع العدم ولم يقل به أحد‌

٤٣٤

وذلك لأنّه مضافاً إلى الأخبار الواردة في خصوص المقام (١) الدالّة على أنّ المرأة إذا حاضت بعد دخول الوقت وجب عليها أن تقضي صلاتها يدلّ عليه العمومات الواردة في أنّ من لم يصل أو ترك صلاته نسياناً قضاها (٢) ، فهي شاملة للمرأة في المقام.

ودعوى أنّ الأخبار (٣) دلّت على أنّ الحائض لا تقضي صلاتها وإنّما تقضي صومها ، فلا يجب عليها قضاء الصّلاة حينئذ.

مندفعة بأن تلك الرّوايات ظاهرة أو كالصريحة في أن عدم وجوب القضاء في الصّلاة إنّما هو فيما استند تركها إلى الحيض ، بأن لم تصل المرأة لمانع فيها وهو الحيض فهي لا تقضي تلك الصّلاة ، وأمّا إذا استند تركها إلى مانع آخر من نوم أو نسيان أو تساهل فلا دلالة لتلك الأخبار على عدم وجوب قضائها ، فاحتمال عدم وجوب القضاء على المرأة في المقام مطلقاً ممّا يقطع بخلافه.

وقد يفصّل في وجوب القضاء بين ما إذا كانت المرأة متمكّنة من إدراك أكثر الصّلاة فلم تصل فيجب عليها القضاء وبين ما إذا لم تتمكّن من أكثرها فلا يجب ، ويستدلّ عليه برواية أبي الورد قال « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة الّتي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم ، قال : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا تطهرت فلتقض الركعة الّتي فاتتها من المغرب » (٤).

بتقريب أنّها دلّت على عدم وجوب قضاء الركعتين الباقيتين في صلاة الظهر فيما إذا صلّت ركعتين ، لأنّهما ليستا بأكثر الصّلاة في صلاة الظهر ، ولم تكن المرأة متمكّنة من الإتيان بأكثرها ، فلذا لم يجب عليها القضاء في صلاة الظّهر ، وأمّا في صلاة المغرب فبما‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٩ / أبواب الحيض ب ٤٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٣ / أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٤٦ / أبواب الحيض ب ٤١.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٦٠ / أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٣.

٤٣٥

أنّ الركعتين أكثر الصّلاة فيها وقد تمكّنت المرأة من أكثرها فوجب عليها قضاء الركعة الباقية ، ولمّا كانت الصّلاة مركّبة ارتباطيّة كان قوله عليه‌السلام فلتقض الركعة الّتي فاتتها كناية عن قضاء تمام الصّلاة ، فتدلنا الرّواية على أنّ من تمكّنت من إدراك أكثر الصّلاة وجب عليها قضاؤها بأجمعها إذا لم تأت بها في وقتها.

ويرد على هذا الاستدلال أُمور :

أوّلاً : أنّ الرّواية ضعيفة ، لعدم ثبوت وثاقة أبي الورد على ما قدّمناه في بحث التقيّة (١) ، فإنّه وإن ورد في بعض الرّوايات الواردة في الحج أنّ أبا الورد ورد على الإمام عليه‌السلام وذكر في حقّه ما يوجب مدحه (٢) إلاّ أنّه لم يعلم أنّ أبا الورد الواقع في هذا السند هو ذاك الرّجل الوارد على الإمام عليه‌السلام أو غيره فالسند ضعيف.

وثانياً : أنّ دلالتها قاصرة ، وذلك لأنّ حملها على ما إذا كانت المرأة متمكّنة من أكثرها أو غير متمكّنة منه يستلزم حمل الرّواية على مورد نادر ، وهو فرض أنّ المرأة صلّت في أوّل زمان ممكن من الزّوال ، وهو فرض نادر ولا سيما في النِّساء ، فإنّ المصلّي عادة لا يأتي بصلاة في أوّل آن ممكن من الزّوال بل يأتي بها بعده بزمان ، فلا دلالة لها على أنّ المرأة في صلاة الظهر كانت غير متمكنة من أكثر الصّلاة لا من جميعها وفي صلاة المغرب كانت متمكّنة من أكثرها.

بل الرّواية على تقدير اعتبارها تدلّ على أنّ الحائض في صلاة الظّهر إذا أتت بركعتين منها لا يجب عليها أن تأتي بالركعتين الباقيتين ، لعدم كونهما فريضة أو لغير ذلك ، وأمّا في صلاة المغرب فيجب أن تأتي بالركعة الثّالثة أينما تمكّنت منها ، نظير ما ورد في بعض الأخبار من أن من صلّى الظهر مثلاً ركعتين وترك ركعتيها نسياناً يقضي‌

__________________

(١) تقدّم في شرح العروة ٥ : ٢٠٣ ، ولكن الرّجل موجود في أسناد تفسير القمّي ، فيمكن الحكم بوثاقته من تلك الجهة.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٣ ح ٤٦ / باب فضل الحج والعمرة وثوابهما.

٤٣٦

الركعتين منفصلة أينما تذكرهما ولو بالصين (١) ، فالقضاء في الرّواية وإن لم يكن بمعنى الإتيان كما يأتي في الرّواية الأُخرى ، بل هو بمعنى الإتيان بعد الوقت إلاّ أنّه ليس بمعنى القضاء المبحوث عنه في المقام أعني قضاء تمام الصّلاة ، بل بمعنى قضاء خصوص الركعة أينما تذكرها كما في تلك الأخبار.

ثمّ إنّ الوجه في عدم كون القضاء في الرّواية بمعنى الإتيان هو أنّه ذكر في ذيله أنّها تقضي الركعة الّتي فاتتها من المغرب ، فراجع.

إذن لا موجب لحمل الرواية على إرادة وجوب قضاء صلاة المغرب بوجه.

وعن بعضهم وجوب القضاء على المرأة مستنداً في ذلك إلى إطلاق بعض الأخبار الواردة في المقام ، كما في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج ، قال « سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصّلاة؟ قال : نعم » (٢) ، فإنّها مطلقة وقد دلّت على أنّ المرأة إذا تركت صلاتها بعد زوال الشّمس قضتها ، سواء كانت متمكّنة من الصّلاة الاختياريّة أو الاضطراريّة أم لم تكن.

وفيه : أنّ ظاهر قوله « ولم تصل الظهر » أنّها لم تصلِّها مع التمكّن من الصّلاة أي كانت المرأة ممّن من شأنها أن تصلِّي ولم تصلّ اختياراً واستند تركها الصّلاة إلى اختيارها لا إلى عدم تمكّنها من الصّلاة ، وإلاّ لم يصح التعبير عن عدم إمكان الصّلاة أنّها لم تصل الظهر لا أنّها تركتها لعدم التمكّن من الصّلاة ، فهي نافية وسالبة بنفي المحمول لا بسلب الموضوع ، فلا دلالة لها على وجوب القضاء مطلقاً ، بل لو كنّا نحن وهذه الرّواية كانت الإطلاقات الدالّة على أنّ الحائض لا تقضي صلاتها هي المحكّمة.

وقد يقال : إنّ المدار في وجوب القضاء على المرأة إنّما هو مضي مقدار من الزّوال تتمكّن فيه المرأة من الصّلاة الاختياريّة بمقدّماتها الّتي تختلف باختلاف النِّساء والحالات من السرعة والبطء وكثرة المقدّمات وقلّتها ، كالحاجة إلى تطهير أثواب‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٤ / أبواب الخلل في الصّلاة ب ٣ ح ٢٠. ( وليس فيها لفظ القضاء ).

(٢) الوسائل ٢ : ٣٦٠ / أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٥.

٤٣٧

متعدّدة لتلبسها في صلاتها أو إلى تطهير ثوب واحد كما في الشتاء والصيف ، فإذا زالت الشّمس ومضى مقدار من الزّمان تتمكّن فيه المرأة من الصّلاة الاختياريّة ولم تصل وجب القضاء عليها ، وإذا لم يمض زمان تتمكّن فيه المرأة من الصّلاة الاختياريّة لم يجب عليها القضاء وإن كانت متمكّنة من الصّلاة الاضطراريّة ، ويستدلّ على ذلك بوجوه :

منها : صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج ، قال « سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصّلاة؟ قال عليه‌السلام : نعم » (١) بدعوى أنّ المراد بقوله « ولم تصلّ الظهر » أي لم تصلّها باختيارها لأنّه ظاهره ، فيكون وجوب القضاء دائراً مدار تركها الصّلاة الاختياريّة وحسب.

وفيه : أنّ ظاهر قوله « ولم تصلّ الظهر » أنّها لم تأت بما هو وظيفتها الفعليّة في صلاة الظهر ، لا أنّها تركت الصّلاة الاختياريّة ، نعم ظاهرها أنّ الترك اختياري لها ، وأمّا أنّ المتروك هو الصّلاة الاختباريّة فقط فلا ، بل الظاهر أنّ المتروك هو الوظيفة الفعليّة الأعم من الصّلاة الاختياريّة أو الاضطراريّة ، فلا دلالة للموثقة على المدّعى.

ومنها : موثقة سَماعة ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ، ثمّ إنّها طمثت وهي جالسة ، فقال : تقوم من مكانها ولا تقضي الركعتين » (٢) ، بتقريب أنّ العادة قاضية على أن من تتمكّن من الصّلاة الاختياريّة ركعتين فهي تتمكّن من أربع ركعات من الصّلاة الاضطرارية ، فالموثقة تدلّنا على أن من لم تتمكّن من الصّلاة الاختياريّة لا يجب عليها القضاء وإن تمكّنت من الصّلاة الاضطراريّة.

ويدفعه أوّلاً : ما أشرنا إليه من أنّ حمل الموثقة على ذلك حمل على المورد النادر حيث إنّ لازمه حملها على أنّ المرأة قد صلّت صلاتها في أوّل زمان ممكن من الزّوال‌

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٦٠ / أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٦. وفي نسخة : من مسجدها.

٤٣٨

وهو فرض بعيد ، فإنّ العادة جرت في المكلّفين الأعم من الرّجال والنِّساء على الصّلاة بعد الزوال بشي‌ء ، ومعها من أين يستكشف أنّ المرأة لم تتمكّن في مفروض الرّواية من الصّلاة الاختياريّة.

وثانياً : أنّ القضاء في الموثقة لا قرينة على إرادة القضاء بالمعنى المصطلح منه ، بل حمله عليه عجيب لأنّه بمعنى الإتيان ، ومعنى أنّها لا تقضي الركعتين أنّها لا تأتي بهما لحدوث المانع الّذي هو الحيض.

ومنها : رواية الفضيل بن يونس عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام في حديث « قال : وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصّلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر ، فضيّعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها » (١).

ورواية أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : وإذا طهرت في وقت فأخرت الصّلاة حتّى يدخل وقت صلاة أُخرى ثمّ رأت دماً كان عليها قضاء تلك الصّلاة الّتي فرّطت فيها » (٢) بتقريب أنّهما دلّتا على أنّ المدار في وجوب القضاء على المرأة في مفروض الكلام هو صدق أنّها ضيّعت صلاتها أو فرّطت فيها بعد رفع اليد عن صدر الرّواية الأُولى الظاهر في أنّ المدار في وجوب القضاء مضي أربعة أقدام من الزّوال ولو بقرينة الذيل الظاهر في أن المدار في وجوب القضاء هو التضييع والتفريط.

ومن الظاهر أنّ المرأة لو كانت بعد الزّوال مشتغلة بمقدّمات الصّلاة من تطهير الثوب والبدن والوضوء ونحوها وطرأ عليها الحيض في أثنائها لم يصدق عليها أنّها‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٩ / أبواب الحيض ب ٤٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٥٩ / أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٢ ، والرّواية صحيحة ، فإنّ علي بن زيد الموجود في الوسائل عن بعض نسخ الكافي محرف علي بن رئاب كما هو الموجود في التهذيبين ، وقد تعرّض لذلك السيِّد الأُستاذ ( دام ظلّه ) في المعجم في ترجمة علي بن زيد بن علي.

٤٣٩

ضيّعت صلاتها أو فرطت فيها ، وإنّما يصدق هذا العنوان فيما إذا تمكّنت من الصّلاة بمقدّماتها الاختياريّة ولم تصل ، وأمّا التمكّن من الصّلاة الاضطراريّة فهو لا يحقق صدق عنوان التضييع والتفريط ، هذا.

ولا يخفى أنّ بين صدق عنوان التضييع والتفريط وبين ما ذهب إليه المشهور من اعتبار مضي زمان تتمكّن فيها المرأة من الصّلاة الاختياريّة بمقدّماتها عموم من وجه فقد يصدق عنوان التضييع مع عدم مضي زمان تتمكّن فيه المرأة من الصّلاة الاختياريّة ، كما إذا مضى من الزّوال مدّة تتمكّن فيها المرأة من الصّلاة الاضطراريّة دون الاختياريّة بمقدّماتها وتركت وظيفتها ، فإنّه لا شبهة في صدق عنوان التضييع عليها ، ويشهد على ذلك أنّ المرأة لو علمت بأنّها تحيض بعد الزّوال بمقدار الصّلاة الاضطراريّة لم يستشكل أحد في وجوب الصّلاة عليها ، ولا نحتمل فقيهاً يفتي بعدم وجوب الصّلاة عليها حينئذ ، ومع وجوبها في حقّها وقد تركتها فيصدق أنّها ضيّعت صلاتها وفرّطت فيها مع عدم مضي زمان تتمكّن فيه المرأة من الصّلاة الاختياريّة بمقدّماتها.

وقد يمضي من الزّوال زمان تتمكّن فيه المرأة من الصّلاة الاختياريّة ولا يصدق بترك الصّلاة أنّها ضيعت صلاتها كما إذا غفلت أو نسيت أو نامت قبل الزّوال إلى ساعة بعد الزّوال ، فإنّها تركت الصّلاة في المدّة الّتي تتمكّن المرأة فيها من الصّلاة الاختياريّة بمقدّماتها ولكن لا يصدق أنّها ضيعت صلاتها بوجه.

وعليه فلا يمكن الاستدلال بالروايتين على مسلك المشهور.

على أنّ وجوب القضاء في الشريعة المقدّسة لم يترتب على عنوان التضييع بضرورة الفقه ، وإلاّ لم يجب القضاء على من تركت صلاتها لغفلة أو نسيان ونحوهما من الأعذار المانعة عن صدق التضييع على الترك.

هذا كلّه على أنّ الرّواية الاولى لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله وذلك لدلالتها على أنّ الواجب من الزّوال إلى أن يمضي أربعة أقدام هو صلاة الظهر فقط ، ومن ثمة أوجبت قضاءها دون قضاء صلاة العصر ، مع أنّ الرّوايات دلّتنا على أنّه إذا زالت الشّمس‌

٤٤٠