موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٧٥٢] مسألة ٩ : إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم فالظاهر وجوب الكفّارة (١) بخلاف وطئها في محل الخروج (٢).

[٧٥٣] مسألة ١٠ : لا فرق في وجوب الكفّارة بين كون المرأة حيّة أو ميتة (٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظاهر أنّهما يصدقان على المرأة الأجنبيّة الحائض ، لإطلاقها وعدم تقييدها بكون الوطء عن استحقاق ، فيشمل الوطء عن استحقاق والوطء لا عن استحقاق كما في الزِّنا ، ومع عدم الاستحقاق لا فرق بين علم الواطئ بعدم استحقاقه الوطء كما في الزِّنا وبين عدم علمه به كما في الوطء بشبهة.

(١) وذلك لصدق أنّه أتى المرأة الحائض ، فتجب عليه الكفّارة لا محالة.

(٢) إذ لا يصدق عليه الإتيان ، ولا يجب معه الغسل ولا حرمة فيه.

لا كفّارة في وطء الحائض الميتة‌

(٣) لا يمكن المساعدة على ما أفاده بوجه ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في الكفّارة أُخذ في موضوعها عنوان الحائض أو الزّوجة أو الأمة ، ولا يصدق شي‌ء من ذلك على المرأة الميتة ، لأنّها جماد وليست بحائض ، لأنّ الحيض من صفات الحي ولا يكون الجماد حائضاً ، كما أنّها ليست بزوجة ولا أمة.

ثمّ لو فرضنا أنّ الأخبار مطلقة فهي منصرفة إلى المرأة الحيّة انصرافاً قطعيّاً ، فلا تشمل المرأة الميتة بوجه.

ودعوى أن وطئها قبل أن تموت كان موجباً للكفّارة ، والأصل يقتضي أنّه كذلك‌

__________________

عنوان الحائض ، ٣٢٨ ح ٧ ، وفيه إن جامعها ، والضمير يرجع إلى المرأة وهي حائض ، ٢٨ : ٣٧٧ / أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب ١٣ ح ١ ، وفيه المرأة وهي حائض ، ولعلّ ذيلها قرينة على أنّ المراد زوجته.

٣٨١

[٧٥٤] مسألة ١١ : إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفّارة على الأحوط (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد موتها أيضاً.

مندفعة : أوّلاً بعدم بقاء الموضوع للاستصحاب ، لأنّ الوطء إنّما كان يوجب الكفّارة في المرأة الحيّة ، وهي غير الميتة لدى العرف ، فإنّ الحي والميت موضوعان متغايران ، ومع عدم بقاء الموضوع لا مجرى للاستصحاب ولا معنى له.

وثانياً بأنّه من الاستصحاب الجاري في الأحكام ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الاستصحاب لا مجال له في الشبهات الحكمية.

وثالثاً بأنّه من الاستصحاب التعليقي ، إذ المرأة المسجّاة لو كانت وطئت حال حياتها وجبت الكفّارة على واطئها ، أو أنّ الوطء لو كان وقع عليها حال حياتها وجبت الكفّارة على الواطئ ، وهو أمر تعليقي كما لعلّه ظاهر.

إدخال بعض الحشفة‌

(١) لكفاية ذلك في صدق عنوان الإتيان الّذي هو موضوع وجوب الكفّارة على الوطء ، ولا يقاس المقام بالغسل والجنابة حيث إنّهما لا يتحقّقان بإدخال بعض الحشفة ، وذلك لأنّهما حكمان متغايران على موضوعين مختلفين ، ويؤيِّد ذلك قوله تعالى ( ... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ... ) (١) ، فإنّ إدخال بعض الحشفة خلاف الاعتزال ونوع من المقاربة.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.

٣٨٢

[٧٥٥] مسألة ١٢ : إذا وطئها بتخيّل أنّها أمته فبانت زوجته عليه كفّارة دينار (١) ، وبالعكس كفّارة الأمداد ، كما أنّه إذا اعتقد كونها في أوّل الحيض فبان الوسط أو الآخر أو العكس فالمناط الواقع.

[٧٥٦] مسألة ١٣ : إذا وطئها بتخيّل أنّها في الحيض فبان الخلاف لا شي‌ء عليه (٢).

[٧٥٧] مسألة ١٤ : لا تسقط الكفّارة بالعجز عنها فمتى تيسّرت وجبت (٣) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وطء الزّوجة بتخيّل أنّها أمة‌

(١) لفرض علمه بحيض المرأة وعلمه بحكم وطيها إلاّ أنّه كان معتقداً كونها أمة ومع العلم بحيضها والعلم بحكمه يتحقّق موضوع وجوب الكفّارة واقعاً ، وبما أنّه في الواقع وطء الزّوجة دون الأمة فتجب عليه كفّارة دينار إذا كان في أوّله ، والاعتقاد بكونها أمة لا يوجب تغير الواقع بما هو عليه.

وكذلك الحال لو انعكس الأمر ، بأن اعتقد أنّ المرأة الحائض زوجته فوطئها ثمّ بان أنّها أمته ، فإنّه تجب عليه الكفّارة بثلاثة أمداد ، أو إذا وطئها معتقداً أنّها في آخر حيضها فبان كونها في أوّله ، فإنّ المدار في جميع ذلك على الواقع ، ولا وقع للاعتقاد.

(٢) لعدم تحقّق موضوع وجوب الكفّارة ، والاعتقاد لا أثر له في المقام.

العجز غير مسقط للكفّارة‌

(٣) ما أفاده قدس‌سره من أنّ الكفّارة إذا ثبتت بسببها لم تسقط بالعجز عن أدائها وإن كان صحيحاً في نفسه فإن سقوطها بعد الثبوت يحتاج إلى مسقط ، والعجز إذا لم يدلّ دليل على كونه مسقطاً فلا محالة يكون بقاء الكفّارة مع العجز عنها على القاعدة ، إلاّ أنّه لا يتمّ في خصوص المقام ، لدلالة الدليل على سقوط الكفّارة بالعجز عنها.

٣٨٣

والأحوط الاستغفار مع العجز بدلاً عنها ما دام العجز (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان ذلك : أنّ التفصيل في الكفّارة بحسب أوّل الحيض ووسطه وآخره على ما التزم به المشهور لا دليل عليه سوى رواية داود بن فَرقَد (١) ، حيث وردت على طبق مسلك المشهور ، فإذا لم نعتمد عليها لضعفها وعدم انجبار ضعفها بعملهم فلا نقول بوجوب الكفّارة في وطء الحائض أصلاً.

وأمّا إذا اعتمدنا عليها فهي قد دلّت على أنّ المكلّف إذا لم يتمكّن من الدّينار ونصفه وربعه يتصدّق على مسكين واحد ،

ومع عدم التمكّن منه أيضاً يستغفر الله ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لمن لم يجد إلى الكفّارة سبيلاً ، ومعها لا بدّ من الالتزام بسقوط الكفّارة في المقام مع العجز عنها ، فإنّ المراد بقوله « لم يجد ... » أي بالفعل وفي حال ثبوت الكفّارة ووجوبها لا إلى الأبد ، فإذا كان حينئذ عاجزاً سقطت عنه فلا تجب بعد طروء التمكّن منها.

والمشهور لم يلتزموا بالسقوط حين العجز ، وذهبوا إلى بقاء الكفّارة بحيث إذا تمكّن من أدائها وجبت ، ولعمري إنّ هذا من موهنات الرّواية ، حيث يستكشف بذلك أنّ المشهور لم يعتمدوا فيما ذهبوا إليه على هذه الرّواية ، وإلاّ كان اللاّزم أن يلتزموا بمضمونها الّذي منه سقوط الكفّارة عند العجز عنها ، ولعلهم اعتمدوا في ذلك على الإجماع المنقول عن الغنية وغيرها ، فالرواية ضعيفة ولم يعتمد عليها المشهور فيما سلكوه.

(١) الاحتياط الّذي ذكره قدس‌سره في محلّه ، وذلك لأنّ رواية داود بن فَرقَد اشتملت على أنّه إذا لم يجد الكفّارة فليتصدق على مسكين واحد ، وإن لم يتمكّن منه أيضاً فليستغفر الله ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لمن لم يجد إليها سبيلاً ، فإن صريحها أنّ الاستغفار للعاجز عن التكفير غير التوبة الواجبة عن كلّ ذنب ، فإنّه يكفي في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ١.

٣٨٤

[٧٥٨] مسألة ١٥ : إذا اتّفق حيضها حال المقاربة وتعمّد في عدم الإخراج وجبت الكفّارة (١).

[٧٥٩] مسألة ١٦ : إذا أخبرت بالحيض أو عدمه يسمع قولها (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التوبة مجرّد الندم ولا يعتبر فيها الاستغفار ، فالاستغفار بدل الكفّارة لدى العجز عنها.

إلاّ أنّه كان عليه أن يضم التصدّق على مسكين بأن يقول : والأحوط أن يتصدّق على مسكين وإن لم يجد فليستغفر الله ، لأنّ الرّواية مشتملة على كليهما على الترتيب وهذا من الموهنات للرواية فإنّه يكشف عن عدم اعتماد المشهور على تلك الرّواية وإلاّ لأفتوا على مضمونها كما تقدّم.

تحيّض الزّوجة أثناء الجماع‌

(١) والوجه في وجوب الكفّارة هو إطلاق الدليل ، فإنّ الآية المباركة دلّت على أنّ الحائض يجب الاعتزال عنها ، بلا فرق في ذلك بين سبق حيضها على المقاربة وبين سبق المقاربة على الحيض ، وعليه لو حاضت المرأة في أثناء المقاربة وجب الإخراج والاعتزال عنها ، وتركهما معصية وارتكاب لما نهى الله تعالى عنه ، وقد دلّت الأخبار (١) على أن الوطء الّذي هو معصية وارتكاب لما نهى الله عنه موجب للكفّارة مطلقاً ، أي بلا فرق بين سبق الحيض عليه وبين سبق الوطء على الحيض.

إخبارها عن الحيض أو عدمه‌

(٢) كما تقدّم (٢) ، للصحيحة (٣) الدالّة على أنّ أمر العدّة والحيض موكول إلى النِّساء ، فإنّ المستفاد فيها لدى العرف أنّ أمرهما وجوداً أو عدماً بيدهنّ.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٧ ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٨ و ٢٩.

(٢) تقدّم في الصفحة ٣٦٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٥٨ / أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٢.

٣٨٥

فإذا وطئها بعد إخبارها بالحيض وجبت الكفّارة إلاّ إذا علم كذبها (١) ، بل لا يبعد سماع قولها في كونه أوّله أو وسطه أو آخره (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) لأنّ حجيّة كلّ أمارة إنّما هي في ظرف الشكّ ، ومع القطع بالخلاف لا حجيّة لقولها.

(٢) الكلام في مدرك ذلك ، فقد يقال إنّ الرّواية إنّما دلّت على أنّ أصل الحيض وجوداً وعدماً إلى النِّساء ، وأمّا خصوصياته من الأوّل والوسط والأخير أو غيرها ممّا لا مقتضي لحجيّة قول المرأة فيه ، هذا.

والصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره والوجه في ذلك :

أنّ الرّواية الصحيحة دلّت على حجيّة إخبار المرأة بوجود الحيض وعدمه ، وقد بيّنا في محلِّه أنّ الأمارات الّتي هي من قبيل الحكايات والأخبار تعتبر في مداليلها الالتزاميّة كما أنّها حجّة في مداليلها المطابقيّة ، وعليه لو أخبرت المرأة أنّ حيضها ستّة أيّام ولنفرض الوقت أوّل الشهر فمعناه ولازمه الإخبار بعدم حيضها قبل الستّة أيّ قبل أوّل الشهر ، ولازمه أن يكون أوّل الشهر أوّل حيضها ، فاليومان الأوّلان أوّل حيضها والوسطان وسطه والأخيران آخره. وعلى الجملة إذا قلنا بحجيّة قول المرأة في وجود الحيض وعدمه فلازمه أن يكون قولها حجّة في كونه أوّل الحيض أو وسطه أو آخره.

وأمّا دعوى أنّ حجيّة قول المرأة في وجوب الحيض وعدمه إنّما تثبت بالأولويّة لحجيّة قول ذي اليد عمّا في يده ، وعليه يكون قولها في حيضها وعدمه حجّة بطريق أولى ، وأمّا في خصوصياته فلم يقم على اعتبار قولها دليل ، فغريبة جدّاً ، وذلك أمّا أوّلاً : فلأن حجيّة قول ذي اليد إنّما تثبت في موارد خاصّة ، ولم يقم دليل على حجيّته مطلقاً.

٣٨٦

[٧٦٠] مسألة ١٧ : يجوز إعطاء قيمة الدّينار (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا ثانياً : فلأنه لا أولويّة في حجيّة قولها في حيضها.

فالصحيح أنّ مدرك حجيّة قول المرأة في حيضها إنّما هو الصحيحة ، ومعها لا فرق في اعتباره بين أصل الحيض وبين خصوصياته كما عرفت.

إعطاء قيمة الدّينار‌

(١) والدليل على ذلك أحد أمرين :

إمّا دعوى أنّ المستفاد من النقدين في موارد استعمالاتهما هو الماليّة فحسب بلا خصوصيّة لمادتهما في ذلك ، فإذا قال شخص لوكيله : بع كتابي هذا بدينار ، جاز أن يبيعه بنصفين من الدّينار أو بأربعة أرباعه أو بمأة عشرة فلوس أو بعشرين درهماً أو بألف فلس أو بغير ذلك ممّا يساوي الدّينار بحسب ماليّته ، لأنّه يصح أن يقال إنّه باع الكتاب بدينار ، لأنّ الدّينار وإن كان ثمانية عشر حمّصة من الذّهب إلاّ أنّ مادّته غير معتبرة ولا ملحوظة في موارد استعمالاته ، وإنّما المستفاد منه هو الماليّة فحسب ، نعم يعتبر في الماليّة أن تكون من جنس النقود ، فلا يكفي غيرها في ماليّة النقدين ، فإنّه إذا باع كتاب الموكّل بثوب يسوى ديناراً لا يقال إنّه باع الكتاب بدينار ، وإنّما باعه بالثوب وهو يسوى ديناراً ، وعليه فالمراد بالدّينار في أوّل الحيض إنّما هو قيمته وماليّته ، فلا يجب إعطاء الدّينار بنفسه ، وكذلك الحال في نصف الدّينار وربعه.

وإمّا دعوى أنّ المتداول في عصر الأئمّة عليهم‌السلام إنّما كان هو الدّينار والدرهم فحسب ، ولم يكن نصف الدّينار وربعه في عصرهم ، ومعه ورد في رواية داود ابن فَرقَد (١) الأمر بإعطاء نصف الدّينار وربعه كفّارة عن الوطء ، وهذا يدلّ على أنّ المراد بهما إنّما هو قيمة النّصف وقيمة الرّبع لا النصف أو الرّبع بشخصهما لعدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ١.

٣٨٧

والمناط قيمة وقت الأداء (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجودهما في عصرهم ، وكذلك الحال في الدّينار بوحدة السياق.

ويؤيّد هذه الدّعوى أنّا لم نجد في شي‌ء من الرّوايات ما يدلّ على وجود نصف الدّينار أو ربعه في عصرهم ، وإنّما كان المتعارف في عصرهم هو الدّينار والدرهم فقط ، وهذا يطمئن بصحّة الدّعوى المذكورة ، ومعه يجوز إعطاء القيمة بدلاً عن الدّينار ونصفه وربعه.

لا يقال : إنّ النّصف أو الرّبع وإن لم يكن موجوداً في عصرهم عليهم‌السلام ، إلاّ أنّه من الممكن أن يعطي الفقير ديناراً ويريد به النّصف المشاع أو الرّبع المشاع ليشترك مع الفقير في الدّينار ويترتب عليه آثار الشركة من التقسيم أو البقاء على الشركة ، فعدم وجودهما في عصرهم عليهم‌السلام لا يدلّ على إرادة القيمة من النّصف أو الرّبع.

لأنّه يقال : إرادة المشاع بالنصف أو الرّبع المستعملين في الرّواية بعيدة عن الفهم العرفي غاية البعد.

بل الصحيح ما أفاده الماتن قدس‌سره إمّا للدعوى الاولى كما قدّمناه أو للدعوى الثّانية كما هي المطمأنّ بها على ما مرّ.

ما هو المناط في القيمة‌

(١) إذا بنينا على أنّ الواجب إنّما هو إعطاء قيمة الدّينار لا نفسه ، فهل المدار في قيمته على قيمة وقت تشريع الحكم ، أو أنّ المدار على قيمته في وقت الوطء أو لا هذا ولا ذاك وإنّما المناط في قيمته قيمة وقت الأداء والامتثال؟

الأخير هو الصحيح ، وذلك لأنّ الثّابت في الذمّة ليس هو الدّينار ليقال إنّ القيمة الأقل تجزئ عن الدّينار الثّابت في الذمّة أو لا تجزئ عنه حتّى يرجع إلى البراءة أو‌

٣٨٨

[٧٦١] مسألة ١٨ : الأحوط إعطاء كفّارة الأمداد لثلاثة مساكين (١) ، وأمّا كفّارة الدّينار فيجوز إعطاؤها لمسكين واحد ، والأحوط صرفها على ستّة أو سبعة مساكين (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاشتغال ، وإنّما الثّابت في الذمّة هو القيمة ، فالمكلّف مأمور بإخراج قيمة الدّينار ومعه يتعيّن أن تكون القيمة قيمة وقت الأداء والامتثال ، إذ لو كانت القيمة المدفوعة أقلّ من قيمة وقت الأداء والامتثال لم يصدق أن يقال إنّك أدّيت قيمة الدّينار بل أدّيت ما هو أقلّ منها ، والمدار على صدق العنوان أداء قيمة الدّينار كما عرفت سواء أكانت مساوية لقيمته وقت التشريع أو وقت الوطء أم لم تكن.

وعلى الجملة متى ما صدق أنّك أدّيت قيمة الدّينار امتثلت الأمر بالتكفير وسقطت عن ذمّتك الكفّارة ، وهو إنّما يتحقّق فيما إذا كانت القيمة المدفوعة قيمة الدّينار وقت الأداء والامتثال.

(١) قدّمنا أنّ المدرك في حكمهم بوجوب الكفّارة بثلاثة أمداد في وطء الأمة الحائض منحصر في رواية فقه الرّضا (١) ، وهو غير مشتمل على إعطاء ثلاثة أمداد لثلاثة مساكين ، وإنّما ورد فيه إعطاء ثلاثة أمداد فحسب ، وأمّا الإعطاء لثلاثة أشخاص أو أقل أو أكثر فهو غير وارد في الرّواية ، فهذا الاحتياط لا منشأ له.

(٢) المظنون أنّ في العبارة غلطاً وأنّ الستّة مصحّفة العشرة ، فإنّ الستّة غير موجودة في كلمات الأصحاب غير الماتن قدس‌سره ، ولا في الرّوايات ضعيفها وصحيحها ، والوارد هو عشرة مساكين في ما رواه عبد الملك (٢) كما قدّمناه ، وهي قد دلّت على عدم وجوب الكفّارة بما هي ، ولكن السائل لمّا ذكر له عليه‌السلام أنّ‌

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٢١ / أبواب الحيض ب ٢٣ ح ١. وقد تقدّم البحث في الصفحة ٣٧٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢. والرّواية غير معتبرة ، لاختلاف النسخ بين عبد الملك وبين عبد الكريم ، والأوّل لم يوثّق ولم يثبت حسنه.

٣٨٩

النّاس يقولون إنّ فيه ديناراً أو نصف دينار قال عليه‌السلام فليتصدّق على عشرة مساكين ، وهو أمر بالتصدق للمجاملة مع العامّة وعدم مخالفة الشيعة لهم في العمل ولا دلالة لها على أنّ الدّينار يقسم بين عشرة مساكين أو نصف الدّينار يقسم بينهم وإنّما دلّت على التصدّق على العشرة من دون بيان المقدار المتصدق به لكلّ منهم فالاستدلال بها على تقسيم الدّينار بين العشرة ممّا لا وجه له.

نعم ، ورود الرّواية في الأمة لا يمنع عن الاستدلال بها على هذا الحكم في غير الأمة بتخيّل أنّ التعدِّي عنها إلى الزّوجة ممّا لا دليل عليه ، وذلك لأنّ الأمة إنّما هي مورد الرّواية لا أنّها موضوع الحكم ، والمورد لا يكون مخصّصاً.

ويدلّ على ما ذكرناه أنّ عبد الملك قال له عليه‌السلام إنّ النّاس يقولون إنّ فيه ديناراً أو نصفه ، ومن الظّاهر أنّ العامّة لا يقولون بها في الأمة وإنّما يقولون بها في الزّوجة أو في مطلق وطء الحائض ، فالحكم عام لا يختص بالأمة وإن كان موردها الأمة ، فالمانع عن الاعتماد على الرّواية عدم دلالتها على تقسيم الدّينار بين العشرة وإنّما اشتملت على التصدّق على عشرة ، لكلّ واحد يعطى دينار أو أقل أو أكثر.

وأمّا سبعة مساكين فقد ورد في صحيحة الحلبي (١) وإنّ عبّر عنها بالحسنة في المستند (٢) إلاّ أنّها صحيحة ، وقد ورد فيها أنّه يتصدّق على سبعة نفر من المؤمنين إلاّ أنّها لم تدلّ على أنّ الدّينار أو نصفه أو ربعه يقسم بين السبعة ، وإنّما دلّت على التصدّق على سبعة بقدر قوت كلّ نفر منهم ليومه ، وعليه فالاحتياط بإعطاء الدّينار وتقسيمه على سبعة لا دليل عليه كالعشرة.

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٩١ / أبواب الكفارات ب ٢٢ ح ٢.

(٢) مستند الشيعة ٢ : ٤٨٨ / المسألة الثّالثة عشرة من أحكام الحائض.

٣٩٠

[٧٦٢] مسألة ١٩ : إذا وطئها في الثّلث الأوّل والثّاني والثّالث فعليه الدّينار ونصفه وربعه (١) ، وإذا كرّر الوطء في كلّ ثلث (٢) فإن كان بعد التكفير وجب التكرار (٣) ، وإلاّ فكذلك أيضاً على الأحوط (٤).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وطء الحائض في كلّ ثلث من الحيض‌

(١) لأنّ كلّ مسبب مغاير للمسبب من الشرط الآخر ، فهناك مسببات متعدّدة مترتبة على الوطء في أوّل الحيض ووسطه وآخره ، فلا موجب لتوهّم التداخل في المسببات بوجه.

تكرّر الوطء في كلّ ثلث‌

(٢) بأن وطئها في أوّل حيضها مرّتين أو في وسطه أو في آخره كذلك ، فتعدّد الشرط واتّحد الجزاء.

(٣) وذلك لأنّ الكفّارة بالوطء الأوّل قد سقطت بالامتثال ، والوطء الثّاني موضوع جديد ، فيترتب عليه حكمه.

(٤) أي إذا كان التعدّد قبل التكفير أيضاً وجب التكرار على الأحوط.

والمسألة من صغريات الكبرى المشهورة المعنونة بأن الشرط إذا كان متعدّداً والجزاء متّحداً فمقتضى القاعدة هو التداخل في المسببات أو مقتضاها عدم التداخل وقد ذكرنا في بحث الأُصول أنّ الشرط المتعدّد سواء كان من جنسين ، كما في قولك إن ظاهرت فكفّر ، وإن أفطرت فكفّر ، أم كانا من جنس واحد ، كما إذا ظاهر مرّتين أو أكثر ، يقتضي جزاء متعدّداً ، وأنّ القاعدة تقتضي عدم التداخل في المسببات (١).

وذلك لأنّ القضيّة الشرطيّة ظاهرة في الانحلال ، وكأنّه قال كلّما صدر الوطء منك فكفر ، وقد ترتب الحكم في إحداهما على فرد من الطبيعة وترتب في الآخر على فرد‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٤.

٣٩١

آخر من الطبيعة ، وهذا يقتضي التعدّد في الجزاء ، ولم يترتب الحكم على الطبيعة مرّتين.

ودعوى : أنّ ظاهر القضيتين أنّ الطبيعة مقتضية للكفّارة مطلقاً سواء وجدت مرّة واحدة أو مرّتين ، فلا تجب الكفّارة مع التعدّد إلاّ مرّة واحدة.

مندفعة : بأنّ ذلك لو تمّ فإنّما يتمّ في الأفراد العرضيّة ، كما إذا ترتّب على هتك الفقير كفّارة وقد هتك عشرة من الفقراء مرّة واحدة ، فإنّ في مثله يمكن أن يقال إنّ الموضوع لوجوب الكفّارة هو طبيعة الهتك ، وقد وجد عشرة من أفرادها مرّة واحدة من غير سبق بعضها ببعض ، فلا تجب الكفّارة إلاّ مرّة واحدة.

وأمّا بالإضافة إلى الأفراد الطولية ولا سيما مع تخلّل العدم بينهما ، كما إذا وطئ الحائض في أوّل حيضها مرّة ثمّ بعد مضي مقدار من الزّمان وطئها مرّة ثانية وهكذا فإنّ المستفاد العرفي من القضيّة الشرطيّة المتكفلة لوجوب الكفّارة بالوطء أنّ الفرد الأوّل من الطبيعة له حكم وللفرد الآخر منها حكم آخر ، وكأنّه قال كلّما صدر منك وطء الحائض فكفر. ومعه لا بدّ من الالتزام بالتعدّد في الجزاء كما ذكرناه.

نعم لا نلتزم بالتعدّد في كفّارة الإفطار في نهار شهر رمضان حتّى مع التكفير ، كما إذا أكل في نهار شهر رمضان متعمداً فكفر ثمّ جامع ثمّ ارتمس وهكذا ، فالواجب حينئذ ليس إلاّ كفّارة واحدة وذلك لعدم ترتبها على الأكل أو الجماع أو الارتماس حتّى تتعدّد بتعدّدها ، وإنّما ترتّبت الكفّارة على الإفطار وهو يتحقّق بأوّل فرد من المفطرات. ولا صوم بعده ليتحقّق الإفطار ثانياً وثالثاً ، وبما أنّ الإفطار تحقّق مرّة فلا يترتّب عليه الكفّارة إلاّ مرّة واحدة إلاّ في خصوص الجماع ، لما ورد في النص (١) من تكرّر الكفّارة بتكرّر الجماع في الصّيام ، وقد ألحقنا به الاستمناء لما دلّ على أنّ حكمه حكم الجماع (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٥ / أبواب ما يمسك عنه الصّائم ب ١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٩ / أبواب ما يمسك عنه الصّائم ب ٤.

٣٩٢

[٧٦٣] مسألة ٢٠ : ألحق بعضهم النّفساء بالحائض في وجوب الكفّارة ، ولا دليل عليه ، نعم لا إشكال في حرمة وطئها (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تلحق النّفساء بالحائض‌

(١) لا إشكال في أنّ النّفساء كالحائض من حيث حرمة وطئها ما دام لم ينقطع الدم ، للروايات الدالّة عليها (١) ، وأمّا كونها كالحائض من حيث وجوب الكفّارة بوطئها فهو وإن كان معروفاً بين الأصحاب إلاّ أنّه لم يدلّ عليه دليل ، وما استدلّ به على ذلك أُمور ضعيفة.

منها : ما ورد في صحيحة زرارة من أنّ الحائض تصنع مثل النّفساء سواء (٢) ، لدلالتها على أنّ الحائض كالنفساء فيما يترتب على الحائض.

وفيه : أنّ الصحيحة إنّما تدلّ على أنّ الحائض كالنّفساء ، فما كان يترتب على النّفساء يترتب على الحائض أيضاً ، وأمّا أنّ النّفساء كالحائض ليترتب على النّفساء ما كان يترتب على الحائض فهو ممّا لا يستفاد من الصحيحة ، هذا.

على أنّا لو سلمنا أنّ التشبيه من كلا الطرفين والحائض كالنّفساء والنّفساء كالحائض لا دلالة للصحيحة على وجوب الكفّارة في وطء النّفساء ، لأنّ غاية ما تدلّ عليه الصحيحة حينئذ أنّ المرأتين من حيث الأحكام المرتّبة على الأفعال الصادرة منهن على حد سواء ، فيحرم على الحائض ما يحرم على النّفساء وبالعكس ، وأمّا أنّ الأحكام المرتّبة على زوج النّفساء أيضاً مرتّبة على زوج الحائض وبالعكس حتّى يجب على زوج النّفساء الكفّارة بوطئها كما كانت الكفّارة تجب على زوج الحائض بوطئها فلا يكاد يستفاد منها بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٩٥ / أبواب النّفاس ب ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٣٩٣

ومنها : ما ورد في بعض الرّوايات (١) من أنّ الله سبحانه حبس الحيض على المرأة وجعله رزقاً للولد في بطن امّه ، فتدلّ على أنّ دم النّفاس هو دم الحيض والنّفساء كالحائض.

وفيه : أنّ الرّواية على تقدير تسليم سندها أجنبيّة عن الدلالة على المدّعى ، لأنّها إنّما تدلّ على أنّ الحامل يمكن أن تحيض كما استدلّ بها عليه. وأمّا أنّ دم النّفاس هو دم الحيض والنّفساء كالحائض فلا يستفاد من الرّواية بوجه.

كيف وإنّ للنفاس أحكاماً وللحيض أحكاماً أُخر ، مثلاً إن أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، وأمّا أقلّ النّفاس فلا حدّ له ويمكن كونه لحظة ، وبما أنّ النّفاس لا يطلق عليه الحيض عرفاً فلا يمكن أن تترتّب عليه أحكام الحيض.

ومنها : أنّ دم الولادة حيض محتبس ، فيدلّنا هذا بصراحة على أنّ دم النّفاس والحيض على حد سواء ، فإنّ النّفاس هو الحيض المحتبس ، فالأحكام المترتبة على أحدهما مترتبة على الآخر.

وفيه : أنّه لم يثبت أنّ دم النّفاس هو الحيض المحتبس وإن نسب ذلك إلى الرّواية إلاّ أنّه لم يرد ذلك في شي‌ء من الأدلّة المعتبرة.

على أنّه لو ثبت ذلك وقلنا إنّ دم الولادة هو الحيض المحتبس لا يثبت أنّ أحكام النّفاس هي أحكام الحيض بعينها ، لأنّ الأحكام المرتّبة على الحيض الّتي منها وجوب الكفارة إنّما ترتبت على الحيض غير المحتبس ، وأمّا الحيض المحتبس فلم يدلّنا على أنّه كالحيض غير المحتبس.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣٣ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٣ ، وبمعناه الحديث ١٤ وهو صحيح.

٣٩٤

التّاسع : بطلان طلاقها وظهارها (١) إذا كانت مدخولاً بها (٢) ولو دبراً وكان زوجها حاضراً أو في حكم الحاضر (٣) ولم تكن حاملاً ، فلو لم تكن مدخولاً بها أو كان زوجها غائباً أو في حكم الغائب (٤) بأن لم يكن متمكّناً من استعلام حالها أو كانت حاملاً يصحّ طلاقها ، والمراد بكونه في حكم الحاضر أن يكون مع غيبته متمكّناً من استعلام حالها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتحصل أنّ إلحاق النّفساء بالحائض من حيث وجوب الكفّارة مجرّد حكم مشهور لم يثبت بدليل ، فعلى تقدير القول بوجوب الكفّارة في وطء الحائض لا نلتزم بوجوبها في وطء النّفساء.

طلاق الحائض وظهارها‌

(١) للأخبار الدالّة على بطلانهما في غير حالة الطّهر (١).

(٢) لما دلّ على أنّ خمساً يطلقن على كلّ حال : الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها والغائب عنها زوجها والحبلى (٢) ، بحيث لو ظهر بعد طلاقها أنّها كانت في طمثها لم يبطل طلاقها.

(٣) يأتي عليه الكلام عن قريب.

(٤) اشترط بعضهم في جواز طلاق الغائب عنها زوجها على كلّ حال أن لا يكون الزّوج متمكّناً من استعلام حال زوجته وأنّها في الحيض أو الطّهر ، إلاّ أنّه ممّا لا دليل عليه ، اللهمّ إلاّ أن يدّعى انصراف أدلّة استثناء الغائب إلى صورة عدم التمكّن عن الاستعلام ، وهو أيضاً لا دليل عليه إذ لا وجه للانصراف.

نعم ، ورد في صحيح عبد الرّحمن بن الحجاج : « سألت أبا الحسن عن رجل تزوّج امرأة سرّاً من أهلها وهي في منزل أهلها ، وقد أراد أن يطلقها وليس يصل إليها فيعلم‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ١٩ و ٢٣ / أبواب شرائط الطّلاق ب ٨ و ٩ : ٣٠٧ / كتاب الظهار ب ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٥٤ / أبواب شرائط الطلاق ب ٢٥.

٣٩٥

[٧٦٤] مسألة ٢١ : إذا كان الزّوج غائباً ووكّل حاضراً متمكّناً من استعلام حالها لا يجوز له طلاقها في حال الحيض (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت ، قال فقال عليه‌السلام : هذا مثل الغائب عن أهله يطلق بالأهلّة والشهور » (١).

إلاّ أنّها لا تدلّ على اعتبار عدم التمكّن من استعلام حال الزّوجة في الغائب ، وإنّما تدلّ على أنّ الحاضر غير الغائب عن بلد زوجته إذا أراد أن يطلقها ولا سبيل له إلى معرفة طهرها وطمثها لأنّها تخفيهما عن زوجها لعلمها أنّه أراد طلاقها يتمكّن أن يطلقها على كلّ حال ، فهذا الاشتراط إنّما هو في الحاضر في البلد بحيث لو طلقها من غير استعلام حالها مع التمكّن منه ثمّ ظهر أنّها كانت طامثاً بطل الطلاق ، ولا اشتراط بالإضافة إلى الغائب عن البلد بوجه.

ونظيرها ما يقال في المحبوس من أنّه إذا أراد طلاق زوجته صحّ على كلّ حال فيما إذا لم يتمكّن من استعلام حال زوجته ، إلاّ أنّ هذا الكلام يدلّ على أنّ الحاضر في البلد يشترط في صحّة طلاق زوجته على كلّ حال أن لا يكون متمكّناً من استعلام حالها ، ولا دلالة له على ثبوت هذا الاشتراط حتّى بالإضافة إلى الغائب عن البلد.

فالصحيح أنّ الغائب لا يشترط في صحّة طلاقه أن لا يتمكّن من استعلام حال زوجته ، فإنّ طلاقه إنّما هو بالأهلة والشهور ، فإذا مضى على غيبته عن زوجته مدّة يعلم فيها بانقلابها عن حالها الّتي كانت عليها صحّ طلاقه إيّاها ، فهذا الاشتراط في الغائب مبنيّ على الاحتياط.

حكم طلاق الوكيل‌

(١) وذلك لأنّ طلاق الوكيل ليس طلاقاً صادراً من الموكّل نفسه ، نعم يصحّ إسناده إلى الموكّل أيضاً ، لأنّ فعل الوكيل كفعل الموكّل ، ومع عدم صدور الطلاق من‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٦٠ / أبواب شرائط الطلاق ب ٢٨ ح ١.

٣٩٦

[٧٦٥] مسألة ٢٢ : لو طلّقها باعتقاد أنّها طاهرة فبانت حائضاً بطل (١) وبالعكس صحّ (٢).

[٧٦٦] مسألة ٢٣ : لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانيّاً أو بالرجوع إلى التمييز أو التخيير بين الأعداد المذكورة (*) سابقاً (٣) ، ولو طلقها في صورة تخييرها قبل اختيارها فاختارت التحيّض بطل ، ولو اختارت عدمه صحّ ، ولو ماتت قبل الاختيار بطل أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموكّل لا تشمله الأخبار الدالّة على أنّ طلاق الغائب يصحّ على كلّ حال (٢) ، ولمّا كان الوكيل متمكِّناً من استعلام حال زوجة الموكّل لنسب أو سبب بينهما ولم يفحص وطلقها لم يحكم بصحّته إذا كانت واقعاً في الحيض ، لأنّه من طلاق الحاضر في البلد وهو مشروط بعدم الحيض إلاّ مع العجز عن استعلام حال المرأة من حيض أو طهر.

(١) لأنّ الطّهر شرط واقعي لصحّة الطلاق ، ومع فقده يبطل ، ولا أثر لاعتقاد المطلق والزّوج فيه.

(٢) لصدور الإنشاء منه بقصد الطلاق على الفرض ، وهي واجدة لشرائط صحّة طلاقها فيصحّ طلاقها. غاية الأمر أنّه كان يعتقد عدم كون إنشائه ماضياً شرعاً مع كونه ممضى واقعاً ، ولا أثر لمجرّد الاعتقاد كما عرفت.

تعميم الحكم لجميع أقسام الحائض‌

(٣) لأنّ المرأة متى ما حكم بحيضها شرعاً حكم ببطلان طلاقها وظهارها ، سواء ثبت حيضها بالوجدان أم بالرجوع إلى التمييز أو التخيير كما إذا اختارت الحيض سبعة أيّام في موارد تخييرها بين أن تتحيّض ستّة أيّام أو سبعة ووقع طلاقها في اليوم السّابع ، فإنّه محكوم بالبطلان لفقده شرط صحّة الطلاق شرعاً.

__________________

(*) مرّ أنّ التخيير لم يثبت في مورد.

(١) الوسائل ٢٢ : ٥٤ / أبواب شرائط الطلاق ب ٢٥.

٣٩٧

[٧٦٧] مسألة ٢٤ : بطلان الطلاق والظهار وحرمة الوطء ووجوب الكفّارة مختصّة بحال الحيض (١) ، فلو طهرت ولم تغتسل لا تترتّب هذه الأحكام ، فيصحّ طلاقها وظهارها ويجوز وطؤها ولا كفّارة فيه ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن هنا يظهر أنّها لو طلقت قبل أن تختار الستّة أيّام أو السبع مثلاً ، وبعد ما طلقت اختارت الستّ حكم بصحّة طلاقها ، لوقوعه في اليوم السّابع وهي فيه طاهرة ، كما أنّها لو اختارت السبع بطل طلاقها ، لوقوعه في اليوم السّابع وهي فيه حائض ، ولعل هذا ظاهر.

وإنّما الكلام فيما إذا طلقها زوجها قبل أن تختار لنفسها شيئاً ، وبعد طلاقها ماتت أو تركت الاختيار لعدم مبالاتها بالدين بحيث لم يعلم أنّها يوم طلقت كانت محكومة بالحيض أو بالطهر ، فهل يحكم بصحّة طلاقها أو يحكم ببطلانه؟

الصحيح هو الحكم ببطلان الطلاق ، لعدم إحراز ما هو الشرط في صحّة طلاقها وهو طهرها وقت الطّلاق ، ولأجل عدم إحراز الشرط لا يمكن الحكم بصحّة الطّلاق.

المدار على وجود الدم في الأحكام الثّلاثة‌

(١) فلو وطئها بعد انقطاع الدم وقبل أن تغتسل لم يرتكب حراماً ، ولا وجبت عليه كفّارة ، ويصحّ طلاقها وظهارها ، ويجوز وطؤها حينئذ ، للنصوص الدالّة على ذلك وتأتي في محله.

ويمكن الاستدلال على ذلك مضافاً لما سنذكره في محله بالسيرة القطعيّة ، وهي في الإماء الكافرات وفي الزّوجات الخارجات عن المذهب الاثني عشري ، فإنّ الأمة الكافرة لا تغتسل أصلاً ، والزّوجة الخارجة عن مذهبنا لو اغتسلت حكم ببطلانه فلا يصدر منهنّ غسل صحيح بعد حيضهنّ ، ومع ذلك لم يسمع توقف واحد من المُلاّك لهنّ أو المتزوجين بهنّ في وطئهنّ بعد الانقطاع أو في طلاقهنّ نظراً إلى عدم اغتسالهنّ ، وهذا دليل قطعي على أنّ حرمة الوطء ووجوب الكفّارة وبطلان الطلاق والظهار إنّما هي أحكام مترتّبة على الحائض ذات الدم لا على الحائض المتّصفة بحدث الحيض.

٣٩٨

وأمّا الأحكام الأُخر (١) المذكورة فهي ثابتة ما لم تغتسل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) كحرمة مسّ كتابة القرآن ، فإنّها مترتبة على حدث الحيض ولا يجوز المسّ قبل الاغتسال وبمجرّد انقطاع دمها ، وذلك لما استفدناه من قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) بضميمة الرّواية (٢) الدالّة عليه ، وهذا لعلّه ممّا لا كلام فيه.

ما هو المدار في حرمة دخولهن المساجد

وأمّا الكلام في مثل حرمة دخولهن المساجد أو المسجدين وأنّها هل هي مترتبة على دم الحيض أو حدثه؟ فقد ذكرنا أنّ جملة من الأحكام المرتّبة على الحائض مترتّبة على الحائض بمعنى ذات الدم أو من في حكمها كما في أيّام النّقاء المتخلّل بين الدمين ، كما في وجوب الكفّارة على القول به ، وعدم صحّة الطلاق والظّهار بلا كلام وعدم جواز الوطء على المختار.

ومنها ما يترتّب على الحائض بمعنى صاحبة الحدث وإن انقطع دمها ، كما في حرمة مسّ القرآن على ما استفدناه من الآية الكريمة ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) بضميمة الرّواية الواردة في تفسيرها.

وأمّا عدم صحّة الصّلاة والصّوم فهي مترتّبة على الحائض بمعنى المحدث ، لعدم صحّتهما من الحائض ما دامت لم تغتسل ، وقد أُمرت بالاغتسال من حيضها قبل طلوع الفجر لصومها بعد الفجر.

وأمّا ارتفاع الخطاب والتكليف بالصلاة والصّوم عنها فهو مترتّب على الحائض بمعنى ذات الدم ، لعدم كونها مكلّفة بهما ما دام لم ينقطع دمها ، وإذا انقطع أُمرت بهما ولو بتحصيل ما هو مقدّمة لصحّتهما ، فالمانع عن التكليف بهما إنّما هو الحيض بمعنى الدم أو ما في حكمه كالنّقاء المتخلّل بين الدمين ، وأمّا الحدث فقط فهو غير مانع عن التكليف بهما ، وإنّما الحدث مانع عن الصحّة.

__________________

(١) الواقعة ٥٦ : ٧٩.

(٢) الوسائل ١ : ٣٨٥ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٥.

٣٩٩

العاشر : وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض للأعمال الواجبة المشروطة بالطّهارة كالصّلاة والطّواف والصّوم ، واستحبابه للأعمال الّتي يستحب لها الطّهارة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا حرمة العبادة على الحائض فإن قلنا بالحرمة الذاتيّة فهي مترتّبة على صاحبة الدم وحسب ، وأمّا المرأة المنقطع عنها الدم وإن لم تغتسل فهي مكلّفة بالعبادة كما عرفت لا أنّها محرمة عليها ، نعم لو قلنا بالحرمة التشريعيّة كما هو الصحيح فهي مترتبة على الحيض بمعنى الحدث سواء انقطع عنها الدم أم لم ينقطع ، لعدم مشروعيّة الصّلاة منها ما لم تغتسل وإن كان دمها منقطعاً.

وأمّا حرمة دخولها المساجد للمكث وحرمة الأخذ منها شيئاً وحرمة اجتيازها المسجدين فهل هي مترتّبة على الحيض بمعنى الدم أو على الحيض بمعنى الحدث؟

قد يقال : إنّها مترتّبة على الحائض صاحبة الدم ، لأنّ الحائض الوارد في الرّوايات (١) ظاهره المرأة الواجدة للدم دون المحدثة بحدث الحيض ، وهذا هو الّذي ذكر صاحب المدارك (٢) أنّه غير بعيد غير أنّ المشهور وهو الوجه الآتي أقرب.

وقد يقال : إنّها مترتبة على المرأة المحدثة بحدث الحيض دون صاحبة الدم ، وذلك لأنّ ظاهر الحائض الوارد في الأخبار وإن كان هو صاحبة الدم إلاّ أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع والقرينة تقتضي حمله على صاحبة الحدث ، لأنّ الحائض والجنب قد قُرنا في تلك الرّوايات ، ومن الظّاهر أنّ المراد فيها بالجنب هو صاحب الحدث دون واجد المني ، وهو يقتضي أن يكون المراد بالحائض أيضاً صاحبة الحدث ، وهذا هو الأقرب.

(١) هذا بناءً على القول بأنّ مقدّمة الواجب واجبة ومقدّمة المستحب مستحبّة وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من عدم اتصاف المقدّمة بالأمر الغيري مطلقاً فغسل الحيض كالجنابة شرط مطلقاً.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥.

(٢) لاحظ المدارك ١ : ٣٤٥ / الثّاني من أحكام الحائض.

٤٠٠