موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ويجوز الاستمتاع بغير الوطء من التقبيل والتفخيذ والضمّ ، نعم يكره الاستمتاع بما بين السرّة والركبة منها بالمباشرة ، وأمّا فوق اللّباس فلا بأس ، وأمّا الوطء في دبرها فجوازه محل إشكال (*) (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحرمة بصراحة الأخبار المجوّزة ونحمل الأخبار الناهية على الكراهة ، وهذا هو الظاهر لأنّه الّذي يقتضيه الجمع العرفي بين النص والظاهر في جميع الموارد ، أو لو لم نرفع اليد عن ظاهر الطائفة الثّانية في الحرمة وقلنا إنّهما متعارضتان فلا مناص من حمل الأخبار الناهية على التقيّة لموافقتها العامّة ، والحكم بجواز الاستمتاع بما دون الفرج من غير كراهة.

إلاّ أنّ الأظهر عدم وصول النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامّة ، لوجود الجمع العرفي بين الطائفتين ، ومعه لا بدّ من الحكم بكراهة الاستمتاع بما بين السرّة والركبة عند عدم اتّزارها ، وانتفاء الكراهة مع اتّزارها بما بين السرّة والركبة ، هذا تمام الكلام في الاستمتاع بما دون الفرج غير الوطء في الدبر.

وأمّا الاستمتاع بالحائض بوطئها في دبرها فأشار إليه الماتن بقوله : « وأمّا الوطء ... » ، ونتعرّض له في التعليقة القادمة فلاحظ.

وطء الحائض في دبرها‌

(١) إن قلنا بحرمة الوطء في الدبر في نفسه فلا كلام في حرمة وطء الحائض في دبرها ، لعدم احتمال أن تكون الحائض مستثناة من عموم أو إطلاق حرمة الوطء في الدبر ، وما دلّ على حلّية ما عدا القبل لزوج الحائض ناظر إلى ما هو حلال في نفسه ولا يشمل الدبر على تقدير القول بحرمة الوطء فيه في نفسه.

وأمّا إذا قلنا بجواز الوطء في الدبر في غير الحائض فهل يجوز ذلك في حقّ‌

__________________

(*) والأحوط وجوباً تركه حتّى في غير حال الحيض.

٣٦١

الحائض أيضاً أو لا يجوز؟ الظاهر هو الجواز ، وذلك لأنّ ما استدلّ به على حرمة الوطء في دبر الحائض أمران :

أحدهما : ما ورد في بعض الرّوايات من النهي عن إيقابها ، حيث قال : « له ما بين أليتيها ولا يوقب » (١) ، فإنّ معناه الإدخال ، وبما أنّ متعلقه غير مذكور فيشمل الإيقاب في كلّ من القُبل والدّبر.

ثانيهما : دعوى أنّ الفرج في لغة العرب أعم من القبل والدبر ، وبما أنّه مستثنى من جواز الاستمتاعات بالحائض لما ورد ما هو بمضمون أنّ لصاحب الحائض كلّ شي‌ء غير الفرج (٢) فلا بدّ من الحكم بحرمة وطء الزّوجة في كلّ من قبلها ودبرها.

وبإزاء ذلك عام ومطلق ، أمّا العام فقد ورد فيه أنّ له كلّ شي‌ء ما عدا القُبل منها بعينه (٣) ، وقد دلّ بعمومه على أنّ غير القُبل ممّا يتمكّن الزّوج من الاستمتاع به حتّى الدبر ، وبما أنّ دلالته بالعموم فلا محالة يتقدّم على الرّوايتين المتقدّمتين الدالّتين بإطلاقهما على حرمة الوطء في الدّبر ، لأنّ دلالته بالوضع ودلالتهما بمقدّمات الحكمة.

وأمّا المطلق فهو ما دلّ على أن له الاستمتاع حيث شاء ما اتّقى موضع الدم (٤) ، أو لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع (٥) ، فإنّ المراد بهما القبل وقد دلّ بإطلاقه على أنّ الاستمتاع في غير القبل مرخص للزوج ولو كان هو الدّبر ، وهو مع الرّوايتين المتقدّمتين متعارضتان بالإطلاق ، ومقتضى القاعدة في مثله التساقط والرّجوع إلى العام أو الدليل الآخر ، وهو يقتضي جواز الوطء في الدّبر على الفرض.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٢ / أبواب الحيض ب ٢٥ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢١ و ٣٢٢ / أبواب الحيض ب ٢٥ ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٩.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢١ / أبواب الحيض ب ٢٥ ح ١.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٢٢ / أبواب الحيض ب ٢٥ ح ٥.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٢٢ / أبواب الحيض ب ٢٥ ح ٦.

٣٦٢

وإذا خرج دمها من غير الفرج فوجوب الاجتناب عنه غير معلوم (١) ، بل الأقوى عدمه إذا كان من غير الدبر ، نعم لا يجوز الوطء في فرجها الخالي عن الدم حينئذ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خروج دمها من غير الفرج‌

(١) كما إذا كانت ثقبة في بدنها يخرج منها الدم فهل يحرم على زوجها وطؤها في تلك الثقبة أو لا يحرم؟

الأخبار الواردة في المقام إنّما دلّت على حرمة الوطء في الفرج والقبل أو ذلك الموضع الّذي أُريد منه الفرج ، وإنّما لم يصرح باسمه لقبحه.

ولم يرد استثناء ما يخرج منه الدم إلاّ في مرسلة ابن بكير (١) ، ولا يمكن الاستدلال بها على حرمة الوطء في الثقبة الّتي يخرج منها الدم غير القبل والدبر.

وذلك لضعف سندها بالإرسال أوّلاً ، ولضعف دلالتها ثانياً ، للاطمئنان ولا أقل من احتمال عدم أخذ هذا العنوان « موضع الدم » موضوعاً للحكم بالحرمة في المرسلة.

بل الظاهر أنّه أُخذ معرّفاً ومشيراً للموضع المخصوص ، كما هو الحال في قوله « ذلك الموضع » ، وعليه فلا دليل على حرمة الوطء في الثقبة الخارج منها الدم لاختصاص أدلّة التحريم بالفرج.

نعم ، إذا خرج منها الدم من غير قبلها ودبرها وحكم عليها بكونها حائضاً يحرم الوطء في قبلها الخالي من الدم ، إذ المطلقات الدالّة على حرمة وطء الحائض في فرجها غير قاصرة الشمول لمفروض الكلام ، فإنّها غير مقيّدة بما إذا خرج الدم من فرجها.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٢ / أبواب الحيض ب ٢٥ ح ٥.

٣٦٣

[٧٤٧] مسألة ٤ : إذا أخبرت بأنّها حائض يسمع منها ، كما لو أخبرت بأنّها طاهر (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إخبار المرأة بحيضها‌

(١) إذا علم حيض المرأة تترتب عليه ما تقدّم من الآثار ، وإذا شكّ في حيضها لم يحكم بحيضها ولا يترتّب عليه أحكامه إلاّ إذا كانت حالتها السابقة هي الحيض. وإذا أخبرت بحيضها فهل يسمع قولها في ذلك ويترتب عليه ما قدّمناه من الأحكام المترتبة على الحيض أم لا؟

المعروف والمشهور بل ادّعي عليه الإجماع أنّ إخبار المرأة بحيضها مسموع. واستدلّ عليه بوجوه :

الأوّل : الإجماع على قبول إخبار المرأة في حيضها.

وفيه : أنّا نجزم بعدم كون الإجماع تعبديّاً كاشفاً عن قول المعصوم عليه‌السلام لأنّهم إنّما استندوا في ذلك إلى الوجوه الآتية ، فلا يعتمد على إجماعهم ذلك بوجه.

الثّاني : قوله تعالى ( ... وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ... ) (١) بتقريب أنّ حرمة الكتمان على المرأة ووجوب الإظهار عليها ملازمة لوجوب القبول منها ، إذ لو لم يجب قبول قولها في إخبارها كانت حرمة الكتمان ووجوب الإظهار على المرأة لغواً ظاهراً.

وفيه : أنّ أحكام الحائض على قسمين : قسم لها وقسم عليها ، فإخبارها عن حيضها إقرار على نفسها في الأحكام الّتي عليها كحرمة دخولها المساجد ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ووجوب الإقرار على المرأة لا يلازم وجوب القبول منها بوجه ، بل يمكن أن يحكم على المرأة بحيضها وعدم جواز دخولها المسجد أو غيره من الآثار ومع ذلك لا تكون حائضاً لدى زوجها أو غيره.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٨.

٣٦٤

الثّالث : أنّ الحيض ممّا لا يعلم إلاّ من قبلها ، وما لا يعلم إلاّ من قبل المرأة يسمع قولها فيه.

وفيه : أنّ الاستدلال بذلك مورد المناقشة صغرى وكبرى.

أمّا بحسب الكبرى فلعدم دلالة الدليل على أنّ كلّ ما لا يعلم إلاّ من قبل شخص يكون قوله حجّة فيه.

وأمّا بحسب الصغرى فلأنّ الحيض ممّا يمكن العلم به بسائر الطرق ، فإنّ النِّساء المعاشرات مع المرأة يعرفن حيضها ، فليس الحيض ممّا لا يعلم إلاّ من قبل الحائض.

فالصحيح أن يستدلّ على ذلك بالروايات ، أعني صحيحة زرارة : « العدّة والحيض إلى النِّساء » (١) ، ومعتبرة الكليني حيث وقع في سندها إبراهيم بن هاشم ، المرويّة إحداهما بسندين ، وهي أمّا صحيحة أو حسنة بمضمون الصحيحة الاولى مع زيادة « إذا ادّعت صُدّقت » (٢).

وقد دلّت هاتان الرّوايتان على أنّ أمر العدّة والحيض موكول إلى النِّساء ، فهن مصدقات فيهما ، وبهما يثبت حجيّة إخبارها عن حيضها.

بقي الكلام في أنّ اعتبار إخبارها عن حيضها مطلق أو أنّه يختص بغير ما إذا كانت المرأة متّهمة ، وأمّا إذا اتّهمت بأنّها تدّعي الحيض لرغبتها عن زوجها أو رغبتها فيما يمنع عنه المجامعة مع زوجها فلا يسمع منها إخبارها.

وتفصيل الكلام في هذا المقام : هو أنّا إن اعتمدنا في الحكم باعتبار قول المرأة وإخبارها عن حيضها على الإجماع المدّعى في المسألة فلا مناص من تقييد حجيّة إخبار المرأة بما إذا لم تكن متّهمة ، لأنّها القدر المتيقن من معقد الإجماع.

وأمّا إذا اعتمدنا على الرّوايات فلا وجه لتقييدها بما إذا لم تكن المرأة متّهمة ، فإنّ إطلاقها هو المحكّم. ودعوى أنّها منصرفة عن المتّهمة دعوى غير مسموعة ، كيف‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٨ / أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٥٨ / أبواب الحيض ب ٤٧ ح ١ ، ٢٢ : ٢٢٢ / أبواب العدد ب ٢٤ ح ١.

٣٦٥

وقد صرّح بعضهم بذلك في العدّة وقال إنّ مقتضى إطلاق الرّواية سماع قولها في عدّتها ولو كانت متّهمة.

وعليه فلا بدّ من ملاحظة الدليل على تقييد إطلاق الرّوايتين ، فقد استدلّوا عليه برواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام : أنّه نقل عن علي عليه‌السلام أنّه سئل عن امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث مرّات ، وأجاب بأنّ النِّساء إن شهدت على أنّ حيضها فيما مضى في شهر واحد ثلاث مرّات صُدّقت ، وإلاّ فهي كاذبة (١).

والرّواية من حيث السند معتبرة لا بأس بها ، وقد رواها عن عبد الله بن المغيرة لا عن النوفلي فلاحظ.

وإنّما الكلام في دلالتها ، وهي مورد الإشكال والكلام ، لأنّها ادّعت في مورد الرّواية أمراً غير معهود بل غير متحقّق أصلاً ، ولو كان متحقّقاً فهو من الندرة بمكان حيث ادّعت أنّها حاضت في أوّل الشهر إلى ثلاثة أيّام ، ثمّ انقطع دمها عشرة أيّام وفي اليوم الرّابع عشر رأت الدم ثلاثة أيّام ، ثمّ انقطع عشرة أيّام ، وفي اليوم السّابع والعشرين أيضاً رأت الدم ، وهذا أمر غير معهود ، ولعلّ عدم تصديقها من جهة كون المدّعى غريباً.

وعليه لا يمكننا التعدِّي عن موردها إلى غيره ، كما إذا ادّعت أنّها رأت الحيض في شهر واحد مرّتين ، نعم في خصوص مورد الرّواية لا يمكننا تصديقها بأخبارها بمقتضى هذه الرّواية ، فالتقييد بعدم كون المرأة متّهمة ممّا لا دليل عليه.

إلى هنا تحصل أنّ إخبار المرأة عن حيضها مسموع شرعاً.

إخبار المرأة عن طهرها

وهل يسمع قولها في الاخبار عن طهرها وعدم حيضها أو لا يسمع؟

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٥٨ / أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٣ ، ٢٧ : ٣٦١ / كتاب الشّهادات ب ٢٤ ح ٣٧.

٣٦٦

[٧٤٨] مسألة ٥ : لا فرق في حرمة وطء الحائض بين الزّوجة الدائمة والمتعة والحرّة والأمة والأجنبيّة والمملوكة (١) ، كما لا فرق بين أن يكون الحيض قطعيّاً وجدانيّاً أو كان بالرجوع إلى التمييز أو نحوه ، بل يحرم أيضاً في زمان الاستظهار إذا تحيّضت (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظاهر قوله عليه‌السلام « العدّة والحيض إلى النِّساء » أنّ أمر هاتين الطبيعتين راجع إليهن نفياً وإثباتاً ، وهو نظير ما إذا قلنا سفر المرأة إلى زوجها أي نفياً وإثباتاً لا إثباتاً فقط ، فإنّه الظّاهر المستفاد من الرّواية عرفاً ، مضافاً إلى القرينة الخارجيّة وهي ما دلّ من الأخبار على أنّ المرأة إذا ادّعت انقضاء عدّتها جاز لها أن تتزوّج (١) ، حيث يدلّنا على أنّ إخبار المرأة عن عدّتها وحيضها نفياً وإثباتاً مورد للتصديق فلا يرجع إلى استصحاب بقاء عدّتها أو حيضها.

عدم الفرق بين أصناف المرأة‌

(١) وذلك لإطلاق ما دلّ على حرمة وطء الحائض ، لأنّ قوله تعالى ( ... قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ... ) (٢) غير مقيّد بالدائمة أو بغيرها من أقسام المرأة.

هذا كلّه فيما إذا ثبت حيض المرأة بالعلم الوجداني أو التعبدي ، وأمّا إذا ثبت باختبار المرأة نفسها كما في أيّام الاستظهار في اليوم الثّاني والثّالث ، لأنّه في اليوم الأوّل واجب عندنا ، نعم عند الماتن قدس‌سره تتخيّر المرأة في اليوم الأوّل أيضاً فإذا اختارت المرأة الحيض لنفسها فهل يترتّب عليه أحكام الحيض المتقدِّمة؟

(٢) لا إشكال في حرمة وطء الحائض فيما إذا ثبت حيضها بالعلم الوجداني أو‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٣٠ / أبواب المتعة ب ١٠ ، ٢٠ : ٣٠١ / أبواب عقد النكاح ب ٢٥.

(٢) البقرة ٢ : ٢٢٢.

٣٦٧

التعبّدي كالصفات المجعولة أمارة على الحيض ، وإنّما الكلام في زمان الاستظهار فيما إذا تحيّضت ، فهل يحرم وطؤها حينئذ أو لا يحرم؟

عرفت أنّ أيّام الاستظهار مختلفة ، فإنّه في غير اليوم الأوّل كاليوم الثّاني والثّالث غير واجب ، وإنّما المرأة ذات العادة إذا تجاوز دمها عن أيّام عادتها مخيّرة في التحيّض وفي جعل نفسها مستحاضة في غير اليوم الأوّل ، فلها أن تتحيّض فتترك الصّلاة كما أنّ لها أن تختار لنفسها الاستحاضة فتصلّي ، ومعنى ذلك عدم جريان الاستصحاب في حقّها ، حيث إنّ الاستصحاب يقتضي كونها مستحاضة وممّن تجب عليها الصّلاة وذلك لأنّه كما يجري في الأُمور الحاليّة كذلك يجري في الأُمور الاستقباليّة ، وبما أنّ المرأة ذات عادة قد تجاوز دمها عن أيّامها وتشكّ في أنّه يتجاوز عن العشرة حتّى تجعل أيّام عادتها حيضاً والباقي استحاضة أو أنّه ينقطع دون العشرة حتّى يكون المجموع حيضاً ، فمقتضى الاستصحاب أنّه يجري ولا ينقطع حتّى يتجاوز العشرة وعليه فالمرأة مستحاضة فيما بعد أيّام العادة وتجب عليها الصّلاة ، ولكن الشارع المقدّس منع عن جريان الاستصحاب في حقّها وجعلها مخيّرة بين الحيض والاستحاضة في غير اليوم الأوّل من أيّام الاستظهار ، إلاّ أنّه لمّا لم يكن تكليفاً إلزاميّاً لعدم إلزام المرأة بالتحيّض على الفرض لم يمكن أن يعارض التكليف الإلزامي وهو وجوب إطاعة الزّوج فيما إذا طالبها بالجماع ، حيث يجوز له ذلك في غير أيّام طمثها لقوله تعالى ( ... فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ... ) (١) ، وإنّما خرج عنه أيّام العادة فقط كما يدلّ عليه غير واحد من الرّوايات (٢) ، فإذا طالبها بالجماع في غير أيّام العادة كأيّام الاستظهار وجب عليها المطاوعة ، فلا يحرم وطؤها في أيّام الاستظهار غير الواجب.

وأمّا اليوم الأوّل من الاستظهار الّذي يجب فيه الاستظهار فالظاهر أنّ حكمه حكم الحيض فيحرم وطؤها فيه ، وذلك لأنّ المستفاد ممّا دلّ على وجوب الاستظهار‌

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣١٧ ٣٢٣ / أبواب الحيض ب ٢٤ و ٢٥.

٣٦٨

في اليوم الأوّل أنّ المرأة حائض شرعاً ، لا أنّها ليست بحائض إلاّ أنّ حكم الحيض مترتِّب عليها بالتعبّد الشرعي ، فإنّه بعيد عن المتفاهم العرفي ، فإذا كانت المرأة حائضاً فيترتّب عليها جميع أحكام الحائض الّتي منها حرمة الوطء.

ويمكن الاستدلال على ذلك مضافاً إلى دلالة نفس أدلّة الاستظهار عليه كما عرفت بما ورد في بعض الرّوايات من أنّ المرأة مستحاضة بعد الاستظهار بيوم واحد ، كما في صحيحة إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها ، قال : إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ثمّ هي مستحاضة » (١).

وذلك لعدم الفاصل بين الحيض والاستحاضة ، فإذا حكمنا على المرأة بالاستحاضة بعد يوم الاستظهار دلّ ذلك على أنّها في يوم الاستظهار حائض فيترتب عليها جميع آثار الحائض لا محالة.

ويؤيّد ما ذكرناه رواية مالك بن أعين قال « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النّفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم؟ قال : نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثمّ يغشاها إن أحب » (٢).

لصراحتها في عدم جواز وطء المرأة ذات الدم في يوم الاستظهار ، وإنّما يجوز وطؤها بعد الاستظهار بيوم. إلاّ أنّها غير صالحة للاستدلال لضعفها سنداً أوّلاً حيث إنّ طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال ضعيف (٣) ، ولورودها في النّفساء ثانياً فتختصّ بموردها ، ولا يمكن التعدي عنه إلى الحائض أيضاً ، ومن هنا جعلناها مؤيّدة للمدّعى.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠١ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٣ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٤.

(٣) وقد تقدّم أنّ سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) عدل عن ذلك وبنى على اعتبار طريق الشيخ إلى ابن فضّال ، راجع الصفحة ٧٠.

٣٦٩

وإذا حاضت في حال المقاربة تجب المبادرة بالإخراج (١).

الثّامن : وجوب الكفّارة (*) بوطئها وهي دينار في أوّل الحيض ونصفه في وسطه وربعه في آخره إذا كانت زوجة ، من غير فرق بين الحرّة والأمة والدائمة والمنقطعة (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) لصدق أنّ المرأة في المحيض فيجب الاعتزال عنها وأنّها حائض ، فلا يقربها بعلها ، إلى غير ذلك من العناوين الواردة في الكتاب والسنّة.

هل تجب الكفّارة بوطئها؟

(٢) ما أفاده الماتن قدس‌سره هو المشهور بين المتقدّمين ، ولكن المشهور بين المتأخّرين على ما في الحدائق (٢) عدم وجوب الكفّارة على الواطئ في المحيض ومنهم صاحب الوسائل (٣) قدس‌سره على ما عنون به الباب : باب استحباب الكفّارة لمن وطئ في الحيض ....

والوجه في اختلاف المتقدّمين والمتأخّرين في المسألة هو اختلاف الأخبار ، لأنّ الكفّارة على الترتيب الّذي ذكره الماتن قدس‌سره إنّما ورد في رواية داود بن فَرقَد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في كفّارة الطمث أنّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار ، قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال : فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر الله تعالى ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفّارة » (٤).

وفي مرسلة المُقنع قال « روي أنّه إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق‌

__________________

(*) لا يبعد استحبابها ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، وبذلك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

(١) الحدائق ٣ : ٢٦٥ / في الحيض.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ١.

٣٧٠

بدينار ، وإن كان في نصفه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار » (١).

ولا يمكن الاعتماد على ذلك لإرسالها ، ولعلّ المراد بالمرسلة هو رواية داود بن فرقد ، ولا يمكن الاعتماد على رواية داود لضعف سندها بالإرسال أوّلاً ، لأنّ محمّد بن أحمد بن يحيى رواها عن بعض أصحابنا عن الطيالسي ، وبعدم دلالتها على وجوب الكفّارة بتلك الكيفيّة ثانياً ، وذلك لأنّ السؤال فيها إنّما هو عن كمّ الكفّارة وأنّه أيّ شي‌ء فأجابه بما أجاب به ، ولا دلالة لها على أنّ أصل الكفّارة واجب ، بل الكفّارة المعطاة هي الدينار ونصفه وربعه ولو كانت الكفّارة مستحبّة ، فلا دلالة لها على أصل وجوب الكفّارة.

وأمّا غير هذه الكيفيّة المذكورة في المتن فقد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم وجوب التصدّق بدينار مطلقاً بلا فرق في ذلك بين أوّل الحيض وآخره ووسطه ، قال « سألته عمن أتى امرأته وهي طامث ، قال : يتصدّق بدينار ، ويستغفر الله تعالى » (٢).

إلاّ أنّ مضمونها ممّا لم يقل به أحد من أصحابنا وإن حكي القول به عن المخالفين مضافاً إلى أنّها معارضة بما دلّ على نفي وجوب الكفّارة كصحيحة العِيص ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله تعالى أن يقربها ، قلت : فإن فعل أعليه كفّارة؟ قال : لا أعلم فيه شيئاً ، يستغفر الله » (٣).

والجمع بينها وبين الصحيحة المتقدّمة يقتضي حملها على الاستحباب أو التقيّة كما سيأتي.

ويؤيّد ذلك ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال « سألته عن الحائض يأتيها زوجها؟ قال : ليس عليه شي‌ء ، يستغفر الله ولا يعود » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٨ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٩ ح ١.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٩ ح ٢.

٣٧١

وما رواه ليث المرادي ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقوع الرّجل على امرأته وهي طامث خطأً أي من باب الخطيئة والمعصية بقرينة قوله بعد ذلك : وقد عصى ربّه ، لا من باب الخطأ والاشتباه ، وإلاّ لم يكن عاصياً بوجه قال : ليس عليه شي‌ء ، وقد عصى ربّه » (١).

وأمّا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : من أتى حائضاً فعليه نصف دينار يتصدّق به » (٢) ، حيث دلّت على أنّ الكفّارة هي نصف دينار مطلقاً ، فهو كسابقه ممّا لم يلتزم به الأصحاب.

وفي رواية علي بن إبراهيم في تفسيره قال « قال الصّادق عليه‌السلام : من أتى امرأته في الفرج في أوّل أيّام حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار ، وعليه ربع حدّ الزاني : خمسة وعشرون جلدة ، وإن أتاها في آخر أيّام حيضها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار ، ويضرب اثنتي عشرة جلدة ونصفاً » (٣).

ويدفعه : مضافاً إلى إرسالها ، أنّ مضمونها ممّا لم يقل به أحد من أصحابنا ، فإنّهم إنّما ذهبوا إلى وجوب الكفّارة بنصف دينار فيما إذا كان في وسط الحيض ، وربع دينار إذا كان في آخره ، لا نصف دينار في آخر الحيض.

وقد ورد مضمون هذه الرّواية في رواية محمّد بن مسلم المرويّة في باب التعزيرات من الوسائل ، قال « سألت أبا جعفر عن الرّجل يأتي المرأة وهي حائض ، قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي استدباره نصف دينار ... » (٤).

لكنّه ضعيف بأبي حبيب الواقع في سنده ، وهو ممّن لم تثبت وثاقته ، وهو أيضاً غير معمول به بين الأصحاب.

وقد تحصل إلى هنا أنّ وجوب الكفّارة في وطء الحائض ممّا لا مقتضي له ولا دليل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٦.

(٤) الوسائل ٢٨ : ٣٧٧ / أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب ١٣ ح ١.

٣٧٢

عليه ، وقد دلّت صحيحة العِيص على نفي لزوم الكفّارة على الوطء في الحيض ، هذا بعد ما عرفت من الإشكال في سند رواية داود بن فرقد ودلالتها.

ثمّ على تقدير التنازل وفرض تماميّة الأخبار المتقدِّمة ، أي غير رواية داود بن فرقد ، فإنّها ضعيفة السند والدلالة كما مرّ كالأخبار الدالّة على وجوب الدّينار أو نصفه أو التفصيل ، فقد عرفت أنّها متعارضة ولا مناص من العلاج بينها.

والتصرّف فيما دلّ على وجوب الكفّارة بدينار مطلقاً كما في صحيحة محمّد بن مسلم وما دلّ على وجوب الكفّارة بنصف دينار مطلقاً كما في رواية أبي بصير ، بحمل الأوّل على أوّل الحيض واستقباله ، وحمل الثّاني على آخره واستدباره كما في رواية القمّي ومحمّد بن مسلم المرويّة في باب التعزيرات.

مندفع : بأنّه ليس من الجمع العرفي في شي‌ء ، لبعد أن يحكم الإمام عليه‌السلام بوجوب الكفّارة بدينار على وجه الإطلاق مريداً به أوّل الحيض ، أو يحكم بوجوب الكفّارة بنصف دينار مطلقاً مريداً به آخر الحيض.

بل الصحيح في العلاج بين الأخبار أمران :

أحدهما : حمل الأخبار على الاستحباب ، كما صنعه صاحب الوسائل (١) قدس‌سره نظراً إلى أنّ اختلاف الأخبار في حدّ الكفّارة بنفسه يدلّ على عدم الوجوب ويدلّ عليه صحيح العيص المتقدِّم الدالّ على عدم وجوب الكفّارة على الواطئ في أيّام الحيض.

وثانيهما : حملها على التقيّة ، حيث إنّ العامّة تقول بوجوب الدّينار أو نصفه في كفّارة وطء الحائض ، ويدلّ عليه ما ورد في رواية عبد الملك بن عمرو (٢) ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أتى جاريته وهي طامث ، قال : يستغفر الله ربّه ، قال عبد الملك : فإنّ النّاس يقولون : عليه نصف دينار أو دينار ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فليتصدّق على عشرة مساكين » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٨ / أبواب الحيض ، آخر الباب ٢٨.

(٢) هكذا في التهذيب والوافي ولكن في الاستبصار عبد الكريم بن عمرو وهو ثقة.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٢.

٣٧٣

وإذا كانت مملوكة للواطئ فكفارته ثلاثة أمداد من طعام يتصدّق بها على ثلاثة مساكين لكلّ مسكين مد ، من غير فرق بين كونها قِنّة أو مدبّرة أو مكاتبة أو أُمّ ولد (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حيث إنّها وإن وردت في الأمة وهي خارجة عمّا هو محلّ الكلام ، لأنّ البحث في وطء الزّوجة الحائض بأقسامها من الدائمة والمنقطعة والحرّة والأمة ، لا في الجارية غير الزّوجة ، إلاّ أنّها تدلّنا على أنّ وجوب الكفّارة بدينار أو نصفه كان أمراً شائعاً بينهم ، فتحمل الأخبار الواردة في وجوبهما على التقيّة ، فلا تكون الكفّارة واجبة ولا مستحبّة بعنوان كونها كفّارة ، وأمّا بعنوان الصدقة والإحسان فهو أمر آخر.

هذا كلّه في الزّوجة بأقسامها ، وقد تحصل أنّ كفّارة وطء الحائض ليست واجبة وإنّما يجب على الواطئ الاستغفار لارتكابه المعصية وإن كان التكفير أحوط.

وطء المملوكة في حيضها‌

وبقي الكلام في وطء المملوكة في حيضها.

(١) لم يرد ما ذكره قدس‌سره في شي‌ء من الرّوايات المتقدّمة ، إذ أنّ رواية داود بن فَرقَد ناظرة إلى كمّ الكفّارة ، وأمّا وجوب الكفّارة فلا نظر في الرّواية إليه فضلاً عن إطلاقها بالإضافة إلى وطء المملوكة.

وأمّا بقيّة الرّوايات غير رواية عبد الملك بن عمرو فلاختصاصها بالزوجة كما هو ظاهر.

وأمّا رواية عبد الملك فهي وإن كانت واردة في الجارية ، إلاّ أنّها تدلّ على عدم وجوب الكفّارة في وطئها ، ولا دلالة لها على الوجوب. نعم دلّت الرّواية على وجوب التصدّق على عشرة مساكين لا بعنوان الكفّارة في وطء الأمة الحائض ، بل بعنوان عدم مخالفة النّاس القائلين بوجوب الكفّارة بدينار أو نصف دينار.

٣٧٤

نعم في المبعضة والمشتركة والمزوّجة والمحلّلة إذا وطئها مالكها إشكال (١) ، ولا يبعد إلحاقها بالزوجة في لزوم الدّينار أو نصفه أو ربعه ، والأحوط الجمع بين الدّينار والأمداد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذن لا يمكن استفادة ما ذكره الماتن أعني وجوب الكفّارة في وطء الأمة الحائض من شي‌ء من الأخبار المتقدّمة ، ولا مدرك له سوى الإجماع المنقول والشهرة الفتوائيّة بين الأصحاب والفقه الرّضوي (١). ولا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها في الاستدلال.

نعم حسنة عبد الملك وردت في الجارية إلاّ أنّها دلّت على عدم وجوب الكفّارة في وطئها حائضاً ، ولمّا قال له السائل إنّ النّاس ذكروا أنّ فيه كفّارة دينار أو نصفه أمره عليه‌السلام بالتصدّق على عشرة مساكين.

والظاهر أنّ ما حكم به الإمام عليه‌السلام ليس من باب وجوب الكفّارة بعنوانها الأوّلي ، وإنّما هو من جهة العنوان الثّانوي وعدم مخالفة الشيعة مع العامّة بحسب العمل فهو مجاملة معهم عملاً ، هذا.

على أنّ المذكور في الحسنة إنّما هو التصدّق على عشرة مساكين لا ثلاثة أمداد على ثلاثة مساكين ، فالمقدار المعطى للمساكين غير مذكور في الحسنة.

وطء المبعّضة وأخواتها‌

(١) بناءً على وجوب الكفّارة في وطء الأمة والزّوجة ، إذا كانت الأمة مبعّضة أو مشتركة أو مزوّجة أو محلّلة ووطئها مالكها ، فهل يجب على الواطئ كفّارة وطء الأمة لأنّها أمة ، أو يجب كفّارة الزّوجة إلحاقاً لها بالزوجة ، لعدم كونها أمة محلّلة لمالكها فلأجل كونها محرمة الوطء على مالكها تلحق بالزوجة في وجوب التكفير بدينار في‌

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٢١ / أبواب الحيض ب ٢٣ ح ١.

٣٧٥

أوّل الحيض ونصف دينار في وسطه وربع دينار في آخره؟

مقتضى العلم الإجمالي الجمع بين الكفارتين ، ولكنّ الصحيح هو التفصيل بين الأمة المبعضة والمشتركة وبين الأمة المزوّجة والمحلّلة.

وذلك لأنّ حسنة عبد الملك المتقدّمة إنّما أُخذ في موضوعها عنوان وطء الرّجل أمته ، وهذا لا ينطبق على المبعضة أو المشتركة ، أمّا المبعضة فلأنها ليست بأمة وإنّما الأمة نصفها مثلاً ، ونصفها الآخر حرّ ، فلا يصدق أنّه وطئ أمته. وكذلك المشتركة لأنّها ليست بأمة الواطئ وإنّما هي أمته وأمة غيره ، فلا يصدق أنّه وطئ أمته ، فلا تجب فيهما كفّارة وطء الأمة.

ولكن يجب في المبعضة والمشتركة كفّارة وطء الزّوجة ، لأنّ الأخبار الواردة فيها وإن كان بعضها مختصّاً بالزوجة ، إلاّ أنّ المأخوذ في موضوع بعضها وطء مطلق الحائض زوجة كانت أم غيرها بل تشمل المزني بها أيضاً ، كرواية داود بن فَرقَد الّتي كان السؤال فيها عن كفّارة الطّمث (١) ، ورواية محمّد بن مسلم : عن الرّجل يأتي المرأة وهي حائض (٢) ، ورواية أبي بصير : من أتى حائضاً (٣) ، وهذه العناوين كما ترى تنطبق على الأمة المشتركة والمبعضة ، لعدم تقييدها بالزوجة ولا بالحرّة ، ومعه لا بدّ من إلحاقهما بالزوجة ، فيجب في وطئهما في الحيض أن يكفّر في أوّله بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار.

وأمّا الأمة المحلّلة أو المزوّجة إذا وطئهما مالكهما فهما ملحقتان بالأمة ، وذلك لصدق الأمة عليهما ، إذ تحليل الأمة أو تزويجها من الغير لا يخرجها عن كونها أمته ، فيصدق أنّ المالك وطئ أمته وارتكب محرّماً ، ومعه يجب أن يتصدّق في كفّارته على عشرة مساكين أو بثلاثة أمداد.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٨ : ٣٧٧ / أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ٤.

٣٧٦

ولا كفّارة على المرأة وإن كانت مطاوعة (١) ، ويشترط في وجوبها العلم والعمد والبلوغ والعقل (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا كفّارة على المرأة‌

(١) لعدم الدليل عليه وإن طاوعت الرّجل ، ولا يقاس المقام بالمرأة الصائمة في نهار شهر رمضان ، حيث إنّها مع المطاوعة محكومة بوجوب الكفّارة كالرجل ، وذلك لقيام الدليل عليه هناك دون المقام.

(٢) قد دلّت الأخبار الواردة في المقام على اعتبار المعصية في موضوع وجوب الكفّارة على الواطئ في الحيض ، حيث ورد في بعضها أنّه عصى ربّه (١) وأوجبت عليه الاستغفار (٢) وهو إنّما يجب مع المعصية لوجوب التّوبة معها ، فإذا فرضنا في مورد انتفاء المعصية إمّا بحسب الواقع كما إذا كان الواطئ مجنوناً أو غير بالغ أو ناسياً ، حيث ذكرنا غير مرّة أنّ الناسي غير مكلّف في الواقع بما نسيه لعدم قدرته عليه ، وإمّا بحسب الظّاهر دون الواقع ، كما إذا كان الواطئ جاهلاً بالموضوع ولم يعلم أنّ المرأة حائض ، لأنّ الجهل عذر ولا معصية معه ، انتفت الكفّارة أيضاً ، وكذلك الحال فيما إذا كان جاهلاً بالحكم إلاّ أنّه كان قاصراً لا مقصّراً ، وهذا كما في المجتهد إذا بنى على أنّ الصفرة مثلاً بعد أيّام العادة وقبل العشرة ليست بحيض وكانت في الواقع حيضاً ، أو المقلّد بنى على ذلك تقليداً لمجتهده فإنّه معذور في جهله قطعاً ، ولا كفّارة معه بوجه.

وإنّما المهم ما إذا كان الواطئ للحائض جاهلاً بالحكم عن تقصير لتمكّنه من السؤال ولم يسأل فهل تجب الكفّارة حينئذ أو لا تجب؟

ذكر الماتن قدس‌سره أن التكفير أحوط ، وقوّاه بعضهم وذكروا أنّ الجاهل المقصّر كالعامد في العصيان ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٧ ٣٢٩ / أبواب الحيض ب ٢٨ و ٢٩.

٣٧٧

لا كفّارة على الجاهل

والصحيح عدم وجوب الكفّارة على الجاهل القاصر والمقصّر مطلقاً ، لا في المقام ولا في الحج ولا في الصيام ولا غيرها من المقامات ما لم يقم عليه دليل في مورد ، بلا فرق في ذلك بين الجهل بالحكم والجهل بالموضوع.

وذلك للأخبار الواردة في موارد خاصّة ولما دلّ على نفي وجوب الكفّارة على الجاهل مطلقاً ، كصحيحة عبد الصمد بن بشير ، حيث سئل فيها عن المحرم لبس المخيط ، وقال له النّاس أفسدت عملك وأبطلت نسكك ، فسأله عليه‌السلام عن حكمه ، فقال له عليه‌السلام ألبسته قبل الإحرام أم بعده؟ قال : بل قبله ، قال عليه‌السلام « لا شي‌ء عليك معلّلاً بقوله : أيّما رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي‌ء عليه (١).

وهي وإن كانت واردة في الإحرام إلاّ أنّ عموم تعليلها يشمل المقام ، ومقتضاها عدم ترتب الأثر على الفعل الصادر عن جهالة من الكفّارة والحد ، وأمّا الإجماع القائم على أنّ الجاهل المقصّر كالمتعمد فهو راجع إلى توجّه الخطاب وتنجيز الحكم ، لوجوب التعلّم عليه ومع تركه يكون مستحقّاً للعقاب ويكون ما أتى به معصية محرماً ، إلاّ أنّ الآثار المترتبة عليه من الحدّ والكفّارة وغيرها ترتفع عنه بتلك الرّوايات.

وقد دلّنا التعليل المذكور على أنّ العمل المأتي به بجهالة لا يترتّب عليه شي‌ء من الآثار كالكفّارة ونحوها ، وأمّا نفس العمل فهو باطل إذا كان غير مطابق للمأمور به ويجب قضاؤه ، فإذا أتى بمفطر في نهار شهر رمضان بجهالة لم تجب عليه الكفّارة وإن فسد صومه ووجب عليه قضاؤه ، وكذلك الحال في الإحرام وغيره.

وعليه ففي مقامنا وإن أتى المكلّف بحرام إلاّ أنّه لمّا صدر عن جهالة لم تترتب عليه الكفّارة شرعاً ، بلا فرق في ذلك بين الجهل القصوري والتقصيري.

وكصحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج الواردة فيمن تزوّج امرأة في عدّتها عن جهالة ، قال : لا شي‌ء عليه ، يتزوّجها بعد انقضاء عدّتها ، فإنّ النّاس قد يعذرون فيما‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٨٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

٣٧٨

فلا كفّارة على الصبي ولا المجنون ولا الناسي ولا الجاهل بكونها في الحيض ، بل إذا كان جاهلاً بالحكم أيضاً وهو الحرمة وإن كان أحوط. نعم مع الجهل بوجوب الكفّارة بعد العلم بالحرمة لا إشكال في الثّبوت (١).

[٧٤٩] مسألة ٦ : المراد بأوّل الحيض ثلثه الأوّل (٢) وبوسطه ثلثه الثّاني وبآخره الثّلث الأخير ، فإن كان أيّام حيضها ستّة فكلّ ثلث يومان ، وإن كان سبعة فكلّ ثلث يومان وثلث يوم ، وهكذا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو أعظم من ذلك (١) مع أنّه لو كان متعمداً في تزويجها حرمت عليه المرأة حرمة دائميّة.

وأمّا ما ورد في بعض الموارد الخاصّة فهو كالخمر ، فإنّه إذا شربه أحد عن جهل بحكمه ولو تقصيراً لم يحدّ ، لأنّ الحدود تدرأ بالشبهات (٢).

وكيف كان فلا تجب الكفّارة على جاهل الحكم مقصّراً أبداً ، إلاّ أن يقوم دليل على وجوبها في مورد خاص.

الجهل بوجوب الكفّارة‌

(١) إذا علم بالحكم والموضوع إلاّ أنّه لم يعلم أنّ في مخالفة الحكم كفّارة واجبة مقتضى إطلاق دليل وجوب الكفّارة وجوبها في حقّه ، بل هذا هو الأغلب ، لأنّ المرتكب لا يعلم بوجوب الكفّارة في عمله غالباً.

(٢) كما هو المستفاد عرفاً من تقسيم الشي‌ء إلى ثلاثة أقسام ، فإنّ العرف يفهم من مثله أنّ المراد من أوّل الشي‌ء ثلثه الأوّل وهكذا ، فجعل المدار عشرة أيّام وأنّ أوّلها ثلاثة أيّام وثلث يوم وكذا وسطها وآخرها خلاف المتفاهم العرفي من مثله.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٤٥٠ / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٨ : ٤٧ / أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٤ ح ٤. وراجع ص ٣٢ ب ١٤.

٣٧٩

[٧٥٠] مسألة ٧ : وجوب الكفّارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم لكنّه أحوط (١).

[٧٥١] مسألة ٨ : إذا زنى بحائض أو وطأها شبهة فالأحوط التكفير ، بل لا يخلو عن قوّة (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنّ لازمه أن لا يكون للحيض أوّل ولا وسط ولا آخر فيما إذا كان حيضها ثلاثة أيّام إذ ليس فيها ثلاثة أيّام وثلث يوم ليكون أوّل الحيض أو وسطه أو آخره كما أنّه إذا كان ستّة أيّام لم يكن للحيض آخر بل ولا وسط.

الكفّارة في الوطء في الدّبر‌

(١) هذه المسألة تبتني على ما تقدّم من جواز الوطء في دبر المرأة وعدمه ، فعلى القول بحرمته تجب الكفّارة بالوطء في دبرها ، لأنّه إتيان للمرأة وهي حائض ، إذ لا فرق في صدق الإتيان بين الوطء في الدبر أو في القبل ، لأنّ الدّبر أحد المأتيين كما في الخبر (١) ، وبما أنّه إتيان حرام ومعصية للربّ تجب فيه الكفّارة كما في الوطء في القبل.

وأمّا إذا قلنا بجواز الوطء في الدبر وهي حائض فهو وإن كان إتياناً للمرأة إلاّ أنّه إتيان حلال ليس بمعصية ولا حرام ، وقد اشتملت أخبار الكفّارة (٢) على كون الإتيان معصية ، ومع انتفائها تنتفي الكفّارة لا محالة.

ثبوت الكفّارة في الزِّنا بالحائض‌

(٢) الأمر كما أفاده ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في التكفير وإن كان بعضها مختصّاً بالزّوجة والأمة ، إلاّ أن بعضها الآخر اشتملت على عنوان الحائض أو المرأة (٣) ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ١٤٧ / أبواب مقدّمات النّكاح ب ٧٣ ح ٧.

(٢) كما تقدّم ذكرها في اشتراط العلم والعمد في الصفحة ٣٧٧.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٨ ح ١ ، وفيه عنوان الطمث ، ص ٣٢٨ ح ٤ ، وفيه

٣٨٠