موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وكذا مسّ كتابة القرآن على التفصيل الّذي مرّ في الوضوء (١).

الثّالث : قراءة آيات السّجدة بل سورها على الأحوط (*) (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) قدّمنا ذلك في بحث الجنابة أيضاً (٢) ، وقلنا إن غير المتطهر لا يجوز له أن يمسّ خط المصحف ، وذلك لما دلّ على أن من لم يكن على وضوء لا يمسّ الكتاب ، كما في موثقة أبي بصير (٣) ، فإنّه يدلّنا على أنّ مسّ الكتاب إنّما يجوز للمتطهِّر من الحدث وأمّا المحدث بالأصغر أو الأكبر فلا يجوز له أن يمسّ الكتاب.

حرمة القراءة على الحائض‌

(٢) قدّمنا تفصيل ذلك في بحث الجنابة (٤) ، وقلنا إنّ الجنب والحائض لا يجوز لهما قراءة آيات السجدة لجملة من الأخبار ، إلاّ أنّ الحرمة مختصّة بقراءة آية السجدة ولا تعم سورتها ، وذلك للأخبار الدالّة على أنّ الحائض والجنب يجوز أن يقرءا القرآن (٥) وقد علمنا بتخصيص هذا العموم بما دلّ على حرمة قراءتهما السجدة (٦) ، والسجدة إمّا أن تكون ظاهرة في خصوص آية السجدة فلا يحرم قراءة غيرها من الآيات ، أو تكون مجملة ، ومع الإجمال يكتفى في تخصيص العموم بالمقدار المتيقّن من المخصص المجمل وهو قراءة آية السجدة ، ويرجع في الزائد المشكوك إلى عموم العام ، وهو يقتضي جواز القراءة كما عرفت.

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) تقدّم في شرح العروة ٦ : ٣٠٣. وراجع بحث الوضوء من شرح العروة ٤ : ٤٧٣.

(٢) الوسائل ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١٢ ح ١.

(٣) في شرح العروة ٦ : ٣٢٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٢١٥ / أبواب الجنابة ب ١٩.

(٥) نفس المصدر.

٣٤١

الرّابع : اللبث في المساجد (١).

الخامس : وضع شي‌ء فيها إذا استلزم الدخول (*) (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حرمة اللّبث في المساجد على الحائض‌

(١) تقدّم الكلام في ذلك أيضاً في بحث الجنابة (٢).

والوجه في حرمته ما دلّ على أنّ الجنب والحائض لا يدخلان المسجد إلاّ مجتازين كما في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المروية عن الصدوق في العلل معلّلاً بقوله تعالى : ( ... وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ... ) (٣) وقد تكلّمنا هناك في أنّ الرّواية وإن كانت واردة في الجنب والحائض إلاّ أن استدلاله عليه‌السلام بالآية الكريمة يختص بالجنب لاختصاص الآية به حيث قال تعالى : ( ... لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ... وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ... ) (٤) ولم يقل « ولا حائضاً إلاّ عابرة سبيل » وقد ذكرنا أنّ المراد من النهي عن التقرّب إلى الصّلاة هو التقرّب إلى مكانها الّذي هو المسجد.

إلاّ أنّ استدلاله عليه‌السلام بالآية المباركة وتطبيقها على كلّ من الحائض والجنب يدلّنا على أنّهما من حيث العبور عن المساجد متلازمان.

حرمة الوضع في المساجد على الحائض‌

(٢) قيّده في المقام بما إذا استلزم الوضع الدخول في المسجد إلاّ أنّه في بحث الجنابة حكم بحرمة وضع الجنب شيئاً في المساجد مطلقاً استلزم الدخول أم لم يستلزمه (٥).

__________________

(*) بل مطلقاً كما مرّ في الجنابة.

(١) تقدّم في شرح العروة ٦ : ٣١٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٧ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠.

(٣) النِّساء ٤ : ٤٣.

(٤) حكم به في فصل ما يحرم على الجنب قبل المسألة [٦٥٢] ، وراجع شرح العروة ٦ : ٣٢٥.

٣٤٢

السّادس : الاجتياز من المسجدين (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وما ذكره هناك هو الصحيح ، وذلك لإطلاق الأخبار الناهية عن وضع الجنب أو الحائض شيئاً في المساجد (١) ولكن رخصت لهما في الأخذ منها ، معلّلة في بعضها كصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المرويّة عن علل الصدوق (٢) بما حاصله : أنّهما متمكِّنان من وضع الشي‌ء في غير المساجد ، ولا يتمكّنان من أخذ ما في المساجد إلاّ منها ، فيجوز الدخول فيها لأجل الأخذ منها.

حرمة الاجتياز من المسجدين‌

(١) يمكن أن يستدلّ على حرمة اجتياز الحائض من المسجدين كالجنب بما قدّمنا من صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم (٣) ، حيث استفدنا منها أنّهما متلازمان في الحكم من حيث العبور ، وبما أنّها دلّت على جواز عبورهما عن المساجد ، وعلمنا خارجاً أنّ المراد الجدّي منها هو جواز الاجتياز عن غير المسجدين فلا محالة نحكم بعدم جواز اجتياز الحائض عن المسجدين كما في الجنب.

فإن تمّ ذلك فهو وإلاّ فللتأمّل في الحكم بحرمة اجتياز الحائض المسجدين مجال ومن هنا أطلق جماعة من الأصحاب الحكم بجواز اجتياز الحائض عن المساجد وذلك لأنّ ما يمكن أن يستدلّ به على حرمة اجتيازها المسجدين روايتان :

إحداهما : رواية أبي حمزة قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا كان الرّجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمرّ في المسجد إلاّ متيمماً حتّى يخرج منه ثمّ يغتسل ، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ولا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢١٣ / أبواب الجنابة ب ١٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٣ / أبواب الجنابة ب ١٧ ح ٢.

(٣) نفس المصدر.

٣٤٣

يجلسان فيها » (١).

حيث دلّت على أنّ الحائض إذا طرأ حيضها وهي في المسجدين يجب أن تتيمّم وتخرج منهما ، فلو جاز لها اجتيازهما كما في سائر المساجد لم يجب عليها التيمم للخروج فوجوب التيمم في حقّها يدلّ على عدم جواز اجتيازها المسجدين.

وهذه الرّواية من حيث الدلالة وإن كانت ظاهرة ، إلاّ أنّها ضعيفة السند ، لما فيها من الرّفع فلا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال.

وثانيتهما : رواية محمّد بن مسلم قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث الجنب والحائض ـ : ويدخلان المسجد مجتازين ، ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرمين » (٢).

وهي من حيث الدلالة أيضاً ظاهرة ، إلاّ أنّها ضعيفة السند بنوح بن شعيب ، لتردّده بين نوح بن شعيب البغدادي الّذي وثقه الشيخ قدس‌سره (٣) وبين نوح بن شعيب الخراساني النيشابوري الّذي لم يوثق مع وحدة طبقتهما واتّحاد الرّاوي والمروي عنه ، ومع التردّد بين الثقة وغير الثقة لا يمكن الاستدلال بالرواية بوجه.

نعم ، قد يقال إنّ وحدة الطبقة واتّحاد الرّاوي والمروي عنه يدلّنا على اتّحاد الرّجلين لإمكان أن يكون الشخص الواحد متولداً في بلد وساكناً في بلد آخر فيتعدّد عنوانه بالخراساني مثلاً تارة وبالبغدادي اخرى ، وأنّ المراد بهما واحد وقد وثقه الشيخ كما عرفت.

إلاّ أنّ هذا لا يفيد سوى الظنّ بالاتّحاد ولا سيما بملاحظة أنّ المعنون باسم نوح أو باسم شعيب قليل في الرّواة ، بل لا نذكر المعنون بهما من الرواة بالفعل ، فإذا أُضيف‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٩ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٧.

(٣) رجال الشيخ : ٣٧٩ / الرقم [٥٦١٩].

٣٤٤

والمشاهد المشرّفة كسائر المساجد (*) (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحدهما إلى الآخر أعني نوح بن شعيب فيكون من القلّة بمكان يبعد أن يوجد المعنون به في طبقة واحدة متعدّداً ، إلاّ أنّ ذلك ليس سوى الظنّ ولا علم باتّحاد الطبقة والظنّ لا يترتّب عليه أثر ، مع أنّ أرباب الرّجال كالشيخ وغيره عنونوهما بعنوانين النيشابوري والبغدادي (٢) ، وعليه فلا يمكن الاعتماد على الرّواية بوجه.

ولعلّه لما ذكرنا لم يقيّد جمع من الأصحاب الحكم بجواز اجتياز الحائض المساجد بغير المسجدين.

عدم التحاق المشاهد بالمساجد‌

(١) قدّمنا الكلام في ذلك في بحث الجنابة (٣) وناقشنا في التحاق المشاهد بالمساجد فإن قلنا هناك بعدم الالتحاق فالأمر في المقام أوضح ، فإنّه إذا لم يحرم الدخول فيها على الجنب لا يحرم الدخول فيها على الحائض بطريق أولى ، لأنّ الرّوايات وردت في الجنب دون الحائض ، وأمّا إذا قلنا بالالتحاق في الجنابة فأيضاً لا نلتزم بالالتحاق في الحائض ، لأنّا استفدنا من الصحيحة المتقدّمة وحدة حكمهما في خصوص دخول المساجد على نحو الاجتياز فقط ، وأمّا وحدة حكمهما في مثل المشاهد المشرفة فلا دليل عليه ، لاحتمال أن يكون للجنابة خصوصيّة اقتضت حرمة دخول الجنب في المشاهد ، فلا يمكن التعدِّي عنه إلى الحائض وإن كان الأحوط ترك الدخول فيها للحائض أيضاً.

__________________

(*) على المشهور الموافق للاحتياط.

(١) قد رجع السيِّد الأُستاذ قدس‌سره عن ذلك في معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٩٩ ، واستظهر الاتّحاد.

(٢) تقدّم في شرح العروة ٦ : ٣٢٠. وراجع الصفحة ٣٥٥ من هذا الجزء.

٣٤٥

دون الرواق منها (١) وإن كان الأحوط إلحاقه بها. هذا مع عدم لزوم الهتك ، وإلاّ حرم (٢) ، وإذا حاضت في المسجدين تتيمّم وتخرج (*) إلاّ إذا كان زمان الخروج أقلّ من زمان التيمم أو مساوياً (٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) فإنّ الوارد في الأخبار (٢) هو بيت الأنبياء ، وهو غير الدار لأنّه أعمّ من البيت ، فلا يشمل البيت الرّواق الشريف ، وإن كان الأحوط الأولى إلحاق المشاهد ورواقها بالمسجدين الحرمين في ترك دخولهما ولو مجتازين.

(٢) لأنّ حرمة هتك الأئمّة عليهم‌السلام من الضروريّات.

إذا حاضت في المسجدين‌

(٣) تعرّض قدس‌سره لهذه المسألة في بحث الجنابة وتعرّضنا لحكمها هناك (٣) وحاصله : أنّ المكلّف إذا أجنب في خارج المسجدين ودخل فيهما غفلة أو نسياناً ونحوهما ، أو أنّه إذا أجنب وهو في المسجد من غير اختياره فإن كان زمن التيمم أقصر من زمن الخروج يتعيّن عليه التيمم حينئذ ، لحرمة بقائه في المسجدين اختياراً ومن الواضح أنّه على تقدير تركه التيمم واختياره الخروج قد اختار البقاء في المسجدين جنباً في المقدار الزائد عن زمان التيمم ، فإنّ المكلّف معذور في بقائه فيهما لاضطراره إلى البقاء في تلك المدّة المشتركة بين الخروج والتيمم ، وأمّا المقدار الزائد عليها فالبقاء فيه محرم لأنّه بقاء اختياري ، فيجب عليه التيمم والخروج حينئذ.

وأمّا إذا كان زمان التيمم أكثر من زمان الخروج أو كان مساوياً معه فلا يجوز له التيمم ، لاستلزامه المكث في المسجدين زائداً على المقدار الضروري ، بل لا بدّ من أن يخرج من غير تيمم أو يتيمم حال الخروج إذا أمكنه ذلك.

__________________

(*) في مشروعيّة التيمم في هذا الفرض منع تقدّم في بحث الجنابة.

(١) الوسائل ٢ : ٢١١ / أبواب الجنابة ب ١٦.

(٢) في المسألة [٦٥٢].

٣٤٦

[٧٤٤] مسألة ١ : إذا حاضت في أثناء الصّلاة ولو قبل السّلام بطلت (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكذلك الحال في الحائض إذا حاضت في خارج المسجدين ونقت ودخلت المسجدين من غير توجه والتفات ، وأمّا إذا دخلت المرأة المسجدين وحاضت فيهما فلا مسوغ للتيمم في حقّها بوجه ، لأنّ التيمم بدل الغسل إنّما يجب عن حدث الحيض والمفروض أنّ المرأة ذات الدم ولم ينقطع دمها على الفرض ، فلا مسوغ لتيممها بوجه كان زمانه أقصر أم أكثر أم مساوياً مع زمن الخروج.

نعم ، ورد الأمر به في حقّ الحائض في المرفوعة المتقدّمة (١) إلاّ أنّها لعدم حجيتها غير صالحة لرفع اليد بها عمّا علمنا بحرمته ، وهو مكث الحائض في المسجدين ولو بمقدار التيمم ، وعليه فالأحوط في حقّها الخروج من غير تيمم ، لأنّ التيمم غير مشروع في حقّها حينئذ ، نعم إذا تمكّنت من التيمم حال الخروج فالأحوط أن تتيمم حاله لورود الأمر به في حقّها في المرفوعة.

إذا حاضت في أثناء الصّلاة‌

(١) إذا حدث الحيض في أثناء الصّلاة في ما بين الرّكوع والسجود أو الركوع والقراءة أو السجود والتشهد وأمثالها بطلت الصّلاة ، لاشتراطها بالطّهارة والمفروض أنّها فاقدة لشرطها فتبطل.

وأمّا إذا حدث بعد التشهّد وقبل السّلام فإن بنينا على ما هو الصحيح من أنّ التسليمة جزء الصّلاة أيضاً يحكم ببطلان صلاتها ، لعدم وقوعها مع الطّهارة.

وأمّا إذا بنينا على عدم كونها من أجزاء الصّلاة وأنّها واجبة مستقلّة في آخر الصّلاة أو ليست بواجبة أصلاً وإنّما هي موجبة للفراغ والخروج عن الصّلاة فلا تبطل صلاتها بذلك ، غاية الأمر أنّها لم تأت بالُمخرج لعذر.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣.

٣٤٧

وإن شكّت في ذلك صحّت (١) ، فإن تبيّن بعد ذلك ينكشف بطلانها (٢) ، ولا يجب عليها الفحص (٣) ، وكذا الكلام في سائر مبطلات الصّلاة.

[٧٤٥] مسألة ٢ : يجوز للحائض سجدة الشكر ، ويجب عليها سجدة التلاوة إذا استمعت بل أو سمعت (*) آيتها (٤)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشكّ في الحيض في الأثناء‌

(١) لاستصحاب عدم حيضها وحدثها ، على أنّ استصحاب الطّهارة منصوص عليه في صحيحة زرارة (٢) ، لأنّها وإن كانت واردة فيما إذا علم بالوضوء وشكّ في النوم إلاّ أنّ قوله عليه‌السلام « فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً » يدلّنا على أنّها بصدد إعطاء ضابط كلّي ، وهو عدم الاعتناء باحتمال انتقاض الطّهارة بعد اليقين بها ، والأمر في المقام أيضاً كذلك.

(٢) لأنّه من انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهريّة ، لأنّها بعد ما علمت بحيضها في أثناء الصّلاة تعلم أنّ الأمر بالصلاة في حقّها كان ظاهرياً لا محالة ، وقد قلنا بعدم الإجزاء عند انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهريّة.

(٣) إذ الشبهة موضوعيّة ، ولا دليل على وجوب الفحص في مثلها.

(٤) الكلام في هذه المسألة يقع تارة في جواز سجدة الشكر في حقّ الحائض وأُخرى في وجوب سجدة التلاوة. كما يتكلّم على الثّاني تارة في وجوبها عليها عند الاستماع ، وأُخرى في وجوبها عليها عند السماع غير الاختياري.

جواز سجدة الشكر للحائض‌

إمّا سجدة الشكر فالظاهر وفاقاً للمشهور جوازها في حقّها ، وذلك لأنّها ذكر الله‌

__________________

(*) على الأحوط ، والظاهر عدم الوجوب بالسماع.

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

٣٤٨

وذكره سبحانه حسن على كلّ حال.

وقد خالف في ذلك الشيخ قدس‌سره ، حيث نسب إليه في التهذيب دعوى عدم جواز السجود لغير الطاهر بالاتفاق ، وظاهره الإجماع على حرمته على الحائض في المقام أيضاً.

ولكن الظاهر بل الواقع عدم التزام الشيخ بذلك ، لأنّ هذه الدعوى إنّما وقعت في عبارة المقنعة (١) دون التهذيب ، نعم الشيخ لم يناقش في ذلك.

على أنّه من الإجماع المنقول ، ولا نعتمد عليه مطلقاً ولا سيما في المقام ، للعلم بمخالفته للواقع ، لأنّ المشهور بين الأصحاب جواز سجدة الشكر على الحائض كما عرفت.

وجوب سجدة التلاوة على الحائض‌

وأمّا سجدة التلاوة عند الاستماع والإصغاء إلى آيات العزائم فوجوبها على الحائض هو المعروف بينهم ، وذلك لإطلاق ما دلّ على وجوب السجدة عند استماعها (٢) ، ولم يرد عدم وجوبها أو حرمتها في حقّ الحائض في شي‌ء من الأخبار وعليه فالإطلاق يشمل الحائض كما يشمل غيرها ، وليس في قبال المطلقات سوى دعوى الإجماع على حرمة السجدة على غير الطاهر كما تقدّمت عن الشيخ قدس‌سره وعرفت الجواب عنه.

وأمّا سجدة التلاوة عند سماعها من غير اختيارها فإن بنينا على عدم وجوب السجدة عند سماع آيات العزائم من غير الاختيار فالأمر في الحائض أوضح ، لأنّها كبقيّة المكلّفين لا تجب السجدة عليها فيما إذا سمعت الآيات من دون اختيارها ، ويأتي في محلّه أنّه هو الصحيح ، لأنّ السجدة إنّما تجب بأحد أمرين : قراءة المكلّف تلك‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٢ وفيه : ( ولا يجوز السجود إلاّ لطاهر من النجاسات ) ولم يشر إلى الاتفاق.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٣٩ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢.

٣٤٩

الآيات في نفسه ، واستماعه وإنصاته لها عند قراءة الغير ، وأمّا السماع من دون إنصات واستماع فلا دليل على كونه موجباً للسجدة بوجه.

وأمّا إذا قلنا بوجوبها عند السماع ولو من دون الاختيار فهل تجب على الحائض أيضاً أو لا تجب؟

فهو مورد الخلاف والكلام بينهم ، ومنشأ الخلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام ، فإن بعضها دلّ على الأمر بالسجدة على الحائض إذا سمعت الآية ، كما في صحيحة الحذّاء : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال عليه‌السلام : إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (١) وغيرها (٢).

وبعضها الآخر دلّ على النهي عن سجدتها ، كما في موثقة غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام « لا تقضي الحائض الصّلاة ، ولا تسجد إذا سمعت السجدة » (٣) ، وفي بعضها الآخر : « لا تقرأ ولا تسجد » (٤) وهي روايات متعارضة.

الجمع المحكي عن الشيخ (٥) قدس‌سره

وقد جمع بينهما الشيخ قدس‌سره بحمل الطائفة الناهية عن السجدة على الإباحة ، نظراً إلى أنّها واردة في مقام توهّم الوجوب فتفيد الجواز ، وبحمل الأمر في الطائفة الآمرة على الاستحباب.

وفيه مضافاً إلى أنّ الحكم باستحباب السجدة على الحائض لا يلائم ما علّله به في استبصاره (٦) حينما أراد أن يعلّل عدم جواز قراءة العزائم على الحائض ، علّله بأن‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٠ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٤١ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٤٢ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٤١ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٤. وفي نسخة « تقرأ ».

(٥) التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٣ ، الاستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٥.

(٦) نفس المصدر.

٣٥٠

فيها السجدة والسجدة يشترط فيها الطّهارة ، فإنّه حينئذ كيف يحكم باستحباب السجدة عليها ، بل لا بدّ من الحكم ببطلانها وعدم جوازها ، وكذا الحال في التهذيب (١) لأنّه قدس‌سره لم يناقش في كلام المقنعة ، حيث ادّعى الاتفاق على اشتراط الطّهارة في السجود ، ومع ذلك ذهب إلى استحباب السجدة عليها وهما أمران لا يتلائمان.

أنّه ليس من الجمع العرفي في شي‌ء ، وإلاّ لو صحّ ذلك وعد من الجمع العرفي لأمكن العكس ، بأن يدّعى أنّ الأمر في الطائفة الآمرة يدل على الجواز ، لأنّها واردة في مقام توهّم الحظر ، ويكون النهي في الطائفة الثانية محمولاً على الكراهة ، إلاّ أنّ ذلك وما ادّعاه الشيخ ليس جمعاً عرفيّاً بين المتعارضين ، لأنّ السجدة بعنوانها قد أُمر بها في طائفة ونهي عنها في طائفة أُخرى ، والأمر والنّهي أمران متنافيان.

الجمع المحكي عن المنتقى‌

وعن المنتقى جمعهما بحمل الأخبار الناهية على السجدة في سماع سور غير العزائم وحمل الأخبار الآمرة على السجدة في سماع العزائم (٢) ، وذلك لأنّ الأخبار وإن كانت متنافية لأنّ بعضها يدلّ على وجوب السجدة وبعضها على حرمتها ، إلاّ أنّ صحيحة الحذّاء مختصّة بالأمر بالسجدة في سماع خصوص آيات العزائم ، والطائفة الناهية مطلقة لاشتمالها على النهي عن السجدة في مطلق سماع السجدة ولو في غير العزائم فتقيّد الثّانية بالأُولى ، وينتج ذلك أنّ الحائض تجب عليها السجدة في سماع سور العزائم ، وتحرم في سماع سور غير العزائم.

وفيه : أنّ ظاهر الأخبار أنّ الحرمة أو الوجوب حكم مترتب على عنوان الحائض وأنّها مأمورة بالسجدة أو منهية عنها ، لا أنّ الحكم حكم عام من غير أن يكون لعنوان الحائض خصوصيّة ، ومن الظّاهر أنّ السجدة في سؤر غير العزائم غير واجبة‌

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) المنتقى ١ : ٢١٢ / باب ما تمنع منه الحائض.

٣٥١

على الجميع ، وليس هذا حكماً مختصّاً بالحائض ، فحمل الطائفة الناهية على ذلك موجب لإلغاء الحائض عن كونه موضوعاً للحكم الوارد فيها ، وهو خلاف الظاهر جدّاً.

الجمع المحكي عن الهمداني ( قدس‌سره )

وعن المحقّق الهمداني قدس‌سره جمعها بحمل الأخبار الآمرة على صورة استماع السور ، لأنّ السماع مطلق يشمل الاختياري وغيره ، والناهية على صورة سماعها غير الاختياري (١).

وهذا منه غريب ، لأنّ اللّفظة الواردة في الطائفتين واحدة ، ولا موجب لحملها في إحداهما على الاختياري وفي الأُخرى على غيره ، ومجرد التعيّن الخارجي على أنّ الاستماع يوجب السجدة لا يوجب حمل أحد المتعارضين على المتعيّن الخارجي ، كما ذكرنا نظيره في الرّوايتين الدالّتين على جواز بيع العذرة وعدمه ، حيث قلنا إنّ حمل العذرة في الطائفة المانعة على عذرة الإنسان وحملها في الطائفة المرخصة على عذرة غير الإنسان ليس من الجمع العرفي في شي‌ء (٢).

على أنّا نبيّن في محلّه عدم وجوب السجدة عند السماع غير الاختياري ، وعليه يرد على هذا الجمع ما أوردناه على ما نقلناه عن صاحب المعالم قدس‌سره ، وحاصله : أنّ حمل الطائفة الناهية على السماع غير الاختياري يوجب إلغاء الحائض عن الموضوعيّة في تلك الطائفة ، لأنّ السماع ممّا لا تجب فيه السجدة على الجميع من دون اختصاصه بالحائض. إذن فلا يتم شي‌ء من وجوه الجمع المذكورة في المقام.

والصحيح أنّهما متعارضان تعارض الأمر والنهي ، فإن ثبت ما ذكره صاحب‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٨٦ السطر ١٠.

(٢) مصباح الفقاهة ١ : ٦٥.

٣٥٢

ويجوز لها اجتياز غير المسجدين لكن يكره ، وكذا يجوز لها اجتياز المشاهد المشرّفة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوسائل (١) قدس‌سره وجماعة من ذهاب العامّة إلى حرمة السجدة على الحائض فيؤخذ بما دلّ على الأمر بالسجدة في حقّها ، لأنّها مخالفة للعامّة على الفرض ، وإلاّ فهما متعارضان ولا مرجح في البين من مخالفة العامّة وموافقة الكتاب ، فيتساقطان ونبقى نحن والعمومات والمطلقات الموجودة في المسألة ، وهي تدلّ على وجوب السجدة عند الاستماع بلا فرق في ذلك بين الحائض وغيرها ، وأمّا السماع فإن قلنا بوجوب السجدة معه على غير الحائض فنلتزم بوجوبها في حقّ الحائض أيضاً فعموم ما دلّ على وجوب السجدة عند السماع (٢) هو المحكّم ، وأمّا إذا لم نقل فلا ، لأنّ حكم الحائض حكم غيرها من المكلّفين ، إذ الأخبار متساقطة وكأنها غير واردة من الابتداء.

كراهة اجتيازها غير المسجدين‌

(١) تعرّض قدس‌سره في هذه المسألة لجملة فروع :

منها : أنّ الحائض لا يجوز لها الدّخول في المساجد إلاّ على نحو الاجتياز ، وقد تقدّم الكلام في ذلك عن قريب (٣) ، وقلنا إنّ الدليل عليه صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة حيث سألا فيها عن أن الجنب والحائض هل يدخلان المساجد؟ قال : لا إلاّ على نحو الاجتياز ، وقد قال الله تعالى ( ... وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ... ) (٤) وغيرها من الأخبار (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤٢ / أبواب الحيض ، آخر الباب ٣٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤٠ / أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصّلاة ب ٤٢ ح ٢ ، ص ٢٤٣ ب ٤٣ ح ٤.

(٣) تقدّم في الصفحة ٣٤٢.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٠٧ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠.

(٥) نفس الباب.

٣٥٣

ومنها : عدم جواز اجتيازها عن المسجدين ، وهذا أيضاً قدّمنا الكلام فيه (١) وقلنا إنّ الحكم في الجنب منصوص ولم يرد في حقّ الحائض منع عن ذلك ، بل مقتضى إطلاق الصحيحة المتقدّمة جواز مرورها على المسجدين أيضاً ، نعم هناك روايتان ربما يستدلّ بهما على إلحاق الحائض بالجنب من هذه الناحية :

إحداهما : ما ورد من أنّ المرأة إذا حاضت في المسجدين وجب عليها أن تتيمم وتخرج (٢) ، بدعوى أنّ الاجتياز عنهما لو كان جائزاً في حقّها كما في سائر المساجد لم تكن حاجة إلى التيمم بوجه ، ومنها يستكشف أنّ كونها في المسجدين مبغوض سواء كان على نحو المرور أم كان على نحو المكث فيهما.

ويدفعه : أنّ الرّواية ضعيفة لأنّها مرفوعة ، ومن ثمة استشكلنا في مشروعيّة التيمم في حقّها ، ولا سيما إذا كان مستلزماً لمكثها في المسجدين زائداً على المدّة الّتي تبقى فيهما لولا تيممها.

وثانيتهما : ما ورد من أنّ الجنب والحائض لا يقربان المسجدين (٣) ، ودلالته وإن كانت ظاهرة إلاّ أنّها ضعيفة السند بنوح بن شعيب كما مرّ.

نعم ، يمكن الاستدلال على ذلك بما يستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة المتقدِّمة ، حيث إنّ السؤال فيها إنّما هو عن حكم الجنب والحائض وأنّهما يدخلان المساجد أو لا يدخلان فيها ، وحكم عليه‌السلام بعدم جواز دخولهما فيها إلاّ على نحو الاجتياز ، وعلّله بقوله سبحانه ( ... وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ... ) (٤) ، وهذا يدلّنا على وحدة حكم الجنب والحائض ، وإلاّ لم يكن وجه للاستدلال بالآية على حكم الحائض لاختصاصها بالجنب.

فبهذا أو بالتسالم في المسألة يمكن القول بأنّ الحائض كالجنب لا يجوز لها الاجتياز‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٤٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٠٥ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٧.

(٤) النِّساء ٤ : ٤٣.

٣٥٤

عن المسجدين ، ومع قطع النّظر عنهما لا دليل على حرمة الاجتياز عن المسجدين في حقّ الحائض.

ومنها : أنّ الاجتياز للحائض عن غير المسجدين مكروه ، والمستند للماتن قدس‌سره في ذلك مرسلة دعائم الإسلام ، حيث روى أنّ الحيّض لا يقربن مسجداً (١) وهي وإن كانت مرسلة إلاّ أنّ قاعدة التّسامح في أدلّة السنن مرخّصة في الحكم بالكراهة.

وفيه : أنّ القاعدة غير تامّة في نفسها ، وتعديتها إلى المكروهات ممّا لا دليل عليه فلا يسعنا الحكم بالكراهة بوجه.

ومنها : أنّها لا تدخل المشاهد المشرفة كالمساجد ، ويجوز لها اجتيازها.

وهذا قد تقدّم الكلام فيه أيضاً (٢) وقلنا إنّه لا دليل على إلحاق المشاهد بالمساجد وما ورد في موثقة أو رواية أبي بصير من أنّ الجنب لا يدخل بيوت الأنبياء (٣) بعد ضمّها إلى ما ذكرناه من اشتراك الحائض مع الجنب في الأحكام لا يمكن الاستدلال به على المدّعى ، لأنّها إنّما وردت في مقام الإعجاز حيث إنّ السائل أراد فيها الاختبار وليست بصدد بيان حكم الله الواقعي.

على أنّ البيت غير المقابر والمشاهد ، فإنّ المقبرة لا يطلق عليها أنّها بيت علي عليه‌السلام أو بيت الحسين عليه‌السلام أو غيرهما من الأئمّة عليهم‌السلام فالرواية على تقدير تسليم دلالتها لا تشمل المشاهد والمقابر.

نعم ، يمكن الاستدلال على ذلك بما قدّمناه من استظهار وحدة حكم الحائض والجنب من الصحيحة المتقدّمة ، وبأنّ دخولهما على المشاهد هتك لأنّها معدّة للعبادة‌

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٢٧ / أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٣.

(٢) تقدّم في الصفحة ٣٤٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٢١١ / أبواب الجنابة ب ١٦ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٥. لكن رواية الاختبار ليس فيها نهي الجنب عن دخول بيوت الأنبياء ، وما فيه هذا الحكم ليس فيه الاختبار. ثمّ إنّ بعض هذه الرّوايات ليست عن أبي بصير ، وإنّما هو فيها صاحب القصّة.

٣٥٥

[٧٤٦] مسألة ٣ : لا يجوز لها دخول المساجد بغير الاجتياز (١) ، بل معه أيضاً في صورة استلزامه تلويثها (٢).

السّابع : وطؤها في القُبل حتّى بإدخال الحشفة من غير إنزال بل بعضها على الأحوط ، ويحرم عليها أيضاً (٣) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهي من شعائر الله ودخول الجنب والحائض عليها مناف لتعظيم شعائر الله سبحانه وهو هتك.

ومن ذلك يظهر أنّ المشاهد أهم من البيوت ، لأنّ دخول الجنب والحائض بيوت الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ممّا لا يستلزم الهتك بوجه ، إذ لا إشكال في أنّ الجنب والحائض ربما كانا يوجدان في بيوتهم من دون أن يجب عليهما الخروج عنها ، بل ربما كان يدخل فيها الجنب والحائض للسؤال عن حكمهما من دون أن يكون ذلك موجباً لهتكها ، وهذا بخلاف المشاهد لأنّها مواضع معدّة للعبادة ، ودخول الجنب أو الحائض في مثلها مناف لتعظيمها لأنّها من أهم شعائر الله ، فلا يبعد الحكم بحرمة دخولهما فيها من هذه الجهة.

(١) كما مرّ وعرفت.

(٢) إذ لا إشكال في حرمة تلويثها ، ومعه لا يرخص العقل في دخول المساجد ، لأنّ الامتثال يتوقّف على ترك الدّخول ، لا أنّ الدّخول حينئذ يتّصف بالحرمة الشرعيّة كما لعلّه ظاهر المتن ، وذلك لأنّ مقدّمة الحرام لا تتصف بالحرمة شرعاً ، نعم المحرّم هو التلويث والعقل يستقلّ معه في المنع عن الدّخول.

حرمة وطء الحائض في القُبل‌

(٣) يدلّ على ذلك الكتاب والسنّة معاً. قال عزّ من قائل ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ... ) (١).

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.

٣٥٦

وورد في السنّة أنّه يستمتع بما شاء ولا يوقب ، والأخبار في ذلك كثيرة (١). والمسألة متسالم عليها بين الأصحاب بل بين المسلمين ، لأنّ العامّة أيضاً ملتزمون بحرمة وطء الحائض ، فأصل الحرمة ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في خصوصياتها الّتي أشار إليها في المتن.

منها : أنّه لا إشكال في أنّ الوطء في القبل بإدخال الحشفة مع الإنزال محرم على الزّوج ، وهل الوطء كذلك من دون إنزال أيضاً محرم أو لا حرمة فيه؟

لا ينبغي الإشكال في حرمته ، لعدم تقييد الآية المباركة ولا الرّوايات الواردة في ذلك بالإنزال ، بل الوطء محرم مطلقاً سواء كان مع الإنزال أم لم يكن معه.

ومنها : أنّ المحرم هل هو الإدخال الموجب للغسل ، أعني ما إذا كان بقدر الحشفة ولا حرمة فيما لم يكن موجباً له كما إذا كان ببعض الحشفة ، أو أنّ الإدخال محرم مطلقاً سواء كان موجباً للغسل أم لم يكن؟

الصحيح هو الثّاني ، وذلك لأنّ الإدخال مناف للاعتزال وترك القرب والإيقاب الّذي هو بمعنى الإدخال ، وقد عرفت أنّ الاعتزال واجب في المحيض ، ولا ملازمة بين عدم كون الوطء موجباً للاغتسال وبين عدم حرمته ، لإمكان أن يكون موضوع الحرمة أوسع من موضوع ما يوجب الاغتسال ، وذلك لإطلاق ما دلّ على حرمة وطء الحائض.

ومنها : أنّ مقتضى الآية المتقدّمة والأخبار الواردة في المسألة أنّ الوطء محرم على الزّوج ، وهل الزوجة أيضاً يحرم عليها ذلك ، فلا يجوز أن تمكن زوجها من نفسها في المحيض أو لا يحرم ذلك على الزوجة؟

وبعبارة اخرى : هل التكليف واحد متوجّه إلى الزّوج فحسب أو أنّ هناك تكليفين تحريميين يتوجّه أحدهما إلى الزّوج ويتوجّه الآخر إلى الزّوجة؟

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢١ / أبواب الحيض ب ٢٥.

٣٥٧

المعروف بينهم هو الأخير وهو الصحيح ، وإنّما الكلام في مدرك ذلك.

ما استدلّ به على حرمة التمكين‌

فقد يستدلّ على حرمة تمكين الزّوجة بأنّه إعانة على الإثم ، وهي محرمة.

وفيه : أنّ تمكينها ربما يكون إعانة على الإثم وربما لا يكون ، وذلك لأنّ الزّوج قد لا يحرم عليه وطء زوجته في المحيض واقعاً ، كما إذا كان مجنوناً أو صغيراً أو ناسياً أو غافلاً ، وقد لا يحرم عليه ظاهراً كما إذا كان جاهلاً بحرمته ، ومعه لا يكون التمكين من الزّوجة إعانة على الإثم دائماً. على أنّ الإعانة على الإثم لم يقم دليل على حرمتها وإنّما المحرم أمران :

أحدهما : إعانة الظالم في ظلمة ، لأنّها محرمة بمقتضى الأخبار (١) ، وهذا غير الإعانة على الإثم بما هو إثم كما إذا ارتكب الحرام من دون أن يظلم أحداً من النّاس فلا دليل على حرمة إعانته.

ثانيهما : التعاون على الإثم بأن يصدر عمل واحد محرم من شخصين أو أشخاص متعددين فيعين كلّ واحد منهما الآخر في ذلك العمل ، كما إذا اجتمعوا وقتلوا واحداً هذا يضربه بالسيف والآخر يضربه بشي‌ء آخر حتّى يقتل ، أو اجتمعوا وخربوا مسجداً ، فالإثم صادر من الجميع وينتسب إليهم بإعانة كلّ منهم الآخر.

وأمّا الإعانة على الإثم بأن يصدر الإثم من واحد وشخص آخر يعينه في ذلك من دون أن ينتسب الحرام إليه ، كما إذا أراد شخص ضرب آخر وناوله شخص ثالث العصا فهي ممّا لم يقم دليل على حرمته.

وقد يستدلّ على ذلك برواية محمّد بن مسلم الواردة في العدّة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال « سألته عن الرّجل يطلق امرأته متى تبين منه؟ قال : حين يطلع الدم من‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٦ : ٥٥ / أبواب جهاد النّفس ب ٨٠ ، ١٧ : ١٧٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٢.

٣٥٨

الحيضة الثّالثة تملك نفسها ، قلت : فلها أن تتزوّج في تلك الحال؟ قال : نعم ، ولكن لا تمكّن من نفسها حتّى تطهر من الدم » (١) ، حيث دلّت على أنّ العدة تنقضي بمجرّد رؤيتها الحيضة الثّالثة ولها أن تتزوّج وهي في تلك الحيضة ، إلاّ أنّها لا تمكّن زوجها من نفسها حتّى تطهر من الدم ، ودلالتها على حرمة تمكين الحائض زوجها من نفسها وإن كانت لا بأس بها ، إلاّ أنّ الرّواية رواها محمّد بن الحسين ، عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مسلم ، والواسطة مجهولة ، وبذلك تندرج الرّواية في المراسيل ولا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء.

نعم ، ذكر الرّاوي أنّه يظن أن تكون الواسطة هو محمّد بن عبد الله بن هلال أو علي ابن الحكم ، إلاّ أنّ ظنّ الرّاوي ذلك ممّا لا أثر له ولا يمكن الاعتماد عليه ، وعلى تقدير التسليم فمحمّد بن عبد الله بن هلال لم تثبت وثاقته في الرّجال ، ولكنه وقع في أسانيد كامل الزّيارات فلاحظ ، وكيف كان الرّواية غير قابلة للاعتماد عليها.

وثالثة : يستدلّ عليه بالإجماع الّذي ادّعاه في الغنية (٢) ، إلاّ أنّه لا يزيد على الإجماع المنقول بشي‌ء ، والإجماعات المنقولة غير قابلة للاعتماد عليها.

والّذي يمكن الاستدلال به على ذلك أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ الوطء مبغوض في أيّام العادة مطلقاً ، ومبغوضيّة العمل بالنسبة إلى كلّ من الزّوج والزّوجة على حدّ سواء ، فكما يحرم ذلك على الزّوج كذلك يحرم على الزّوجة ، فلا يجوز لها أن تمكن الزّوج من نفسها.

ويمكن الاستئناس على مبغوضيّة العمل حينئذ بما ورد من أنّ مبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام إمّا أن يكون منافقاً أو ولد زنا أو ممّن حملته امّه في المحيض (٣) ، فإنّ ذلك يدلّ على أنّ حمل الأُم في أيّام العادة يترتّب عليه كون الولد مبغضاً لعليّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٢١٠ / أبواب العدد ب ١٦ ح ١.

(٢) الغنية : ٣٩ / كتاب الطّهارة.

(٣) الوسائل ٢ : ٣١٨ و ٣١٩ / أبواب الحيض ب ٢٤ ح ٧ ، ٨ ، ٩.

٣٥٩

( عليه‌السلام ) ، وحمل الام كما ينتسب إلى الزّوج كذلك ينتسب إلى الزّوجة ، فالحمل في أيّام الحيض كالزنية ، فكما أنّها عمل ينتسب إلى المرأة والرّجل وهي محرمة على كليهما فكذلك الحال في المحيض. هذا كلّه في الوطء في القبل.

وأمّا سائر الاستمتاعات فيقع الكلام فيها تارة في الاستمتاعات غير الوطء في الدبر ، وأُخرى في الاستمتاع بوطئها في دبرها.

حكم الاستمتاعات غير الوطء‌

أمّا الاستمتاعات غير الوطء في الدّبر كالتقبيل والتفخيذ والضمّ ونحوها فالمعروف جوازها ، ويدلّ عليه جملة من الرّوايات الواردة في أنّ للرجل ما بين أليتيها ولا يوقب ، أو أنّ له أن يأتيها إذا اجتنب ذلك الموضع ، أو له أن يأتي حيث شاء ما اتّقى موضع الدم أو ما دون الفرج إلى غير ذلك ممّا ورد في الرّوايات (١) ، ومقتضاها جواز الاستمتاع بالزوجة في حيضها في غير فرجها.

وبإزاء هذه الأخبار صحيحة وغيرها واردة بمضمون أنّ المرأة تتّزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرّتها ثمّ له ما فوق الإزار ، ومقتضاها عدم جواز الاستمتاع بها بما بين الركبتين والسرّة ، وعن ميمونة زوجة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها في حيضها كانت تتّزر بما بين الركبتين وسرتها ثمّ كانت تضاجع الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، ولأجل ذلك ذهب بعضهم إلى حرمة الاستمتاع بما بين السرّة والركبة ، وعن الأردبيلي (٣) الميل إليه.

إلاّ أنّ الصحيح خلاف ذلك ، وذلك لأنّ الأخبار المتقدّمة صريحة في جواز الاستمتاع بما دون الفرج ، وحينئذ إمّا أن نرفع اليد عن ظهور الطائفة الثّانية في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٢١ / أبواب الحيض ب ٢٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٣ / أبواب الحيض ب ٢٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٥٣ / في الحيض.

٣٦٠