موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٧٣٣] مسألة ٦ : صاحبة العادة الوقتيّة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نعم ، إذا بنينا على ما بنى عليه الماتن قدس‌سره من إلحاق الناسية بالمضطربة والمبتدئة في الرّجوع إلى العدد تتحقّق الصغرى لذلك لا محالة ، لأنّ الناسية قد تعلم بعد ذلك أنّ عادتها كانت أقل أو أكثر من سبعة أيّام مثلاً ، إلاّ أنّها غير داخلة في حكمها كما مرّ.

إذن لا صغرى لتلك الكبرى إلاّ في فرض نادر جدّاً ، وهو ما إذا لم تتمكن المبتدئة من التمييز بالصفات ورجعت إلى نسائها واعتقدت أنّ حيضهن خمسة أيّام مثلاً ثمّ انكشف أنّ حيضهنّ أربعة أيّام أو ستّة مثلاً.

بعض أقسام ذات العادة‌

(١) هذه هي القسم الثّاني من أقسام ذات العادة ، لأنّا ذكرنا أنّ الكلام في صورة زيادة الدم عن العشرة ورجوع المرأة إلى عادتها إنّما هو في ذات العادة الوقتيّة والعدديّة معاً (١).

وأمّا ذات العادة الوقتيّة فقط المضطربة من حيث العدد ، أو ذات العادة العدديّة فقط المضطربة من حيث الوقت فلم يتعرّض لهما الماتن قدس‌سره ، وقد تعرّض لهما في المقام.

وذكر أنّ ذات العادة الوقتيّة فقط كما إذا علمت أنّها تتحيّض في أوّل كلّ شهر ولكن العدد مختلف فقد يكون خمسة وقد يكون أربعة وهكذا إذا زاد دمها عن العشرة فحالها حال المبتدئة في الرّجوع إلى الأقارب والرّجوع إلى التخيير المذكور مع فقدهم أو اختلافهم.

والكلام في ذلك يقع في جهات :

الاولى : فيما إذا لم يزد دمها عن العشرة ، فإنّها تجعل جميعه حيضاً لأنّ الدم المرئي‌

__________________

(١) ذكره في الصفحة ٢٦١.

٣٠١

قبل العشرة من الحيضة الأُولى إذا كان بصفات الحيض.

الثانية : فيما إذا زاد الدم على العشرة ولم يمكن جعل المجموع حيضاً لأنّه أكثر من العشرة فلا مناص من الرّجوع إلى التمييز بالصفات فتجعل ما هو بصفة الحيض حيضاً وما ليس بصفة الحيض تجعله استحاضة ، وذلك لما دلّ على أنّ دم الحيض ممّا ليس به خفاء أحمر حارّ عبيط ، وإنّما خرجنا عن ذلك في خصوص ذات العادة ، فإن ما تراه في أيّامها حيض وإن لم يكن واجداً للصفات. وإنّما لم يتعرّض الماتن لذلك لوضوحه قطعاً لأنّه أوّل المرجحات في المستحاضة.

الثالثة : فيما إذا لم يكن لها تمييز ، فقد ذكر الماتن قدس‌سره أنّها ترجع إلى الأقارب.

ومراده قدس‌سره من صاحبة العادة الوقتيّة المضطربة من حيث العدد خصوص المضطربة بالمعنى الأخص ولم يرد بها الأعم من ناسية العدد ، وإلاّ فقد تقدّم أنّها لا ترجع إلى الأقارب ، فلا يجتمع مع إرجاعها إلى الأقارب في المقام ، وأمّا قوله قدس‌سره : وإذا علمت كونه أزيد من الثّلاثة ليس لها أن تختار الثّلاثة فيما إذا لم يكن لها أقارب ، كما أنّها إذا علمت أنّه أقلّ من السبعة ليس لها اختيار السبعة ، فلا شهادة فيه على إرادة الأعم من الناسية في المقام.

وذلك لأنّ المضطربة في قبال الناسية أيضاً قد تعلم أنّ عدد حيضها زائد على الثّلاثة قطعاً ولكنّها لا تدري أنّه أربعة أو خمسة أو ستّة ، أو تعلم أنّه أقلّ من السبعة قطعاً ولا تدري أنّه ستّة أو خمسة أو أربعة.

وعلى الجملة : المراد من صاحبة العادة الوقتيّة هو المضطربة من حيث العدد إمّا لعدم استقرار عادتها على عدد معيّن أو كانت عادتها مستقرّة لكن العدد زاد مرّة ونقص اخرى حتّى زالت عادتها ، فهي المضطربة بالمعنى الأخص ، ولم يرد بها الأعم منها ومن ناسية العدد ، لقرينة ما تقدّم منه قدس‌سره من أنّ الناسية ولو عدداً لا ترجع إلى أقاربها ، وفي المقام حكم برجوع صاحبة العادة الوقتيّة إلى الأقارب وهذه قرينة قطعيّة على أنّ المراد بها غير الناسية.

٣٠٢

إذا تجاوز دمها العشرة في العدد حالها حال المبتدئة (*) في الرّجوع إلى الأقارب (١) والرّجوع إلى التخيير المذكور مع فقدهم أو اختلافهم (٢) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بل الأمر كذلك مع قطع النّظر عن هذه القرينة أيضاً ، لأنّه قدس‌سره تعرّض لحكم أقسام المرأة بأجمعها من ذات العادة العدديّة والوقتيّة والمبتدئة والمضطربة والناسية ولم يبق سوى ذات العادة الوقتيّة دون العدد أو العكس ، فمع تقدّم الناسية لا يحتمل إرادتها من ذات العادة الوقتيّة دون العدد.

وقد تقدّم أنّه لا شهادة لقوله « وإذا علمت كونه أزيد من الثّلاثة ... » على إرادة الأعم من الناسية في المقام ، وذلك لأنّ المضطربة أيضاً يتصوّر فيها ذلك كما مرّ ويأتي.

(١) أمّا إذا لم تزد عليها وكان بصفات الحيض فهو بأجمعه حيض ، لأنّ الدم المرئي قبل العشرة من الحيضة الأُولى.

وأمّا إذا تجاوز عن العشرة فقد ذكر الماتن أنّ حكمها حكم المبتدئة في الرّجوع إلى الأقارب ، والمفروض أنّ الرّجوع إلى الأقارب إنّما هو بعد عدم التمكّن من التمييز بالصفات ، وإلاّ فمع التمكّن منه فالصفات هي المرجحة الأُولى كما مرّ.

وأمّا إذا لم تتمكّن من التمييز بالصفات فهل ترجع إلى الأقارب كما في المتن؟ الصحيح لا ، لأنّ الرّجوع إلى الأقارب في غير المبتدئة إنّما ورد في رواية واحدة وقد عرفت ضعفها (٢).

(٢) مرّ وعرفت أنّ الثّلاثة إنّما وردت في موثقة ابن بكير ، وهي مختصّة بالمبتدئة مع الغض عن كونها معارضة مع المرسلة ، فلا يمكن التعدي عنها إلى المضطربة كما تقدّم ، بل إنّما تتخيّر بين الستّة والسبعة فحسب.

__________________

(*) بل ترجع إلى الستّة أو السبعة مع عدم التمييز.

(١) هي رواية محمّد بن مسلم وزرارة المتقدّمة في الصفحة ٢٨٧ و ٢٩١. وضعفها من جهة ضعف طريق الشيخ إلى ابن فضال الّذي تقدّم عدوله عنه.

٣٠٣

وإذا علمت كونه أزيد من الثّلاثة (١) ليس لها أن تختارها ، كما أنّها لو علمت أنّه أقلّ من السبعة ليس لها اختيارها (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) قدّمنا تصوير ذلك في المضطربة وقلنا إنّها أيضاً قد تعلم أنّ عدد حيضها أكثر من الثّلاثة ، لأنّها كانت ترى الدم خمسة أيّام تارة وستّة اخرى وأربعة ثالثة ، ومع العلم بزيادة حيضها عن الثّلاثة لا معنى للأخذ بالثلاثة ، فإنّ الرّجوع إلى العدد وظيفة المتحيّرة الّتي لا تعلم حيضها ، ومع العلم بكونه أكثر لا تردّد ولا تحيّر لها لتأخذ بالثلاثة.

(٢) لا إشكال في أنّها لو علمت بكون حيضها أكثر من السبعة لا يمكنها الرجوع إلى السبعة ، كما إذا كانت ترى الدم مدّة مديدة بين الثمانية والتسعة والعشرة وتقطع بعدم كون حيضها سبعة أيّام ، فإنّ العدد إنّما ترجع إليه المتحيّرة والّتي لا تدري تحيّضها ، ومع العلم بزيادة الحيض عن العدد لا معنى للرجوع إليه.

وإنّما الكلام فيما أفاده الماتن قدس‌سره من أنّها لو علمت أنّ حيضها أقلّ من السبعة ليس لها اختيار السبعة ، فإن ما أفاده بحسب الكبرى وإن كان صحيحاً إذ مع العلم لا تردّد لترجع إلى العدد والأمارة ، إلاّ أنّ الكلام في صغرى ذلك وأنّها من أين يحصل لها القطع بعدم كون حيضها ستّة أو سبعة أيّام ، ولا سبيل إليه إلاّ بالاستكشاف من جري العادة على أمر جامع ولوازمه ، وذلك كما إذا كانت ترى الدم تارة ثلاثة أيّام وأُخرى أربعة وثالثة ترى خمسة أيّام على نحو الاختلاف مدّة مديدة كعشر سنوات مثلاً ، فمن رؤيتها الدم في تلك الأيّام حصل لها العلم بأنّها لا تحيض إلاّ بأحد هذه الأيّام ، فعددها هو الجامع بين الثّلاثة والأربعة والخمسة نظير العادة المركّبة المتقدّمة فبذلك تعلم بعدم الحيض زائداً على الأعداد ، إلاّ أنّ ذلك ممّا لا يمكن تتميمه بدليل لأنّ الأخبار الواردة في أنّ ذات العادة ترجع إلى عادتها (١) إنّما تختص بالعادة الوجوديّة الخارجيّة ، وأمّا العادة العدمية وأنّ عادتها عدم الحيض زائداً على تلك‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥.

٣٠٤

[٧٣٤] مسألة ٧ : صاحبة العادة العدديّة ترجع في العدد إلى عادتها ، وأمّا في الزّمان فتأخذ بما فيه الصفة ، ومع فقد التمييز تجعل العدد في الأوّل على الأحوط (*) (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأعداد لأنّ عادتها هو الجامع بينها ، فمما لا تشملها الأدلّة بوجه.

إذن لا يمكن أن يحصل لها العلم بعدم زيادة حيضها على الخمسة مثلاً بل تحتمل زيادة حيضها عنها ونقصانها عنها ، ومعه تشملها المرسلة (٢) الدالّة على أنّ المضطربة والّتي لم تستقر لها عادة لزيادة دمها تارة ونقصانه اخرى تتخيّر بين الستّة والسبعة فلا مانع من الأخذ بأحدهما وإن لم تر الدم زائداً على خمسة أيّام كما مرّ.

وهذا بخلاف العلم بزيادة الحيض على السبعة ، لأنّها من العادة الوجوديّة ، ولا مانع من أن يحصل لها العلم بأنّ عادتها العدديّة أكثر من السبع ، ومعه لا يمكنها الرّجوع إلى العدد بل تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة ، للعلم الإجمالي بأنّها حائض أو مستحاضة إذا أمكنها الاحتياط ، وأمّا إذا قلنا بحرمة العبادة عليها ذاتاً فتتخيّر كما مرّ.

وظيفة صاحبة العادة العدديّة‌

(١) إذا رأت الدم ولم يزد على عشرة أيّام وهو واجد للصفات فيحكم على الجميع بالحيضيّة ، لأنّ الدم قبل العشرة من الحيضة الأُولى ، وأمّا إذا زاد عليها فمن جهة العدد ترجع إلى عادتها فتأخذ بها كخمسة أيّام مثلاً والباقي استحاضة ، وأمّا من حيث الوقت والزّمان فترجع فيه إلى الصفات فتجعل خمسة أيّام من الدم الواجد للصفات حيضاً.

__________________

(*) بل على الأظهر.

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٣٠٥

وإن كان الأقوى التخيير (١) وإن كان هناك تمييز لكن لم يكن موافقاً للعدد فتأخذه وتزيد (*) مع النقصان وتنقص مع الزّيادة (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) وإذا فرضنا أنّ الدم كلّه بلون واحد فذكر الماتن قدس‌سره أنّها تجعل العدد في الأوّل على الأحوط وإن كان الأقوى التخيير ، والظاهر أنّه استند في الحكم بالتخيير في المقام إلى الأخبار الواردة في أنّ ذات العادة ترجع إلى عددها (٢) ، حيث إنّها مطلقة وغير مقيّدة بالعدد من الأوّل أو الأخير أو الوسط.

إلاّ أنّ الصحيح كما ذكرناه في المبتدئة والمضطربة جعل العدد من الابتداء والاستحاضة بعد ذلك ، وذلك للأخبار الدالّة على أنّ ذات العادة ترجع إلى عادتها وتستظهر بيوم أو يومين أو أكثر ثمّ هي مستحاضة (٣) ، حيث جعلت الاستحاضة بعد التحيّض ، وهي صريحة في المدعى. نعم هي واردة في ذات العادة الوقتيّة والعدديّة أو في الوقتيّة فقط ، إلاّ أنّ منها ما يشمل ذات العادة العدديّة أيضاً كصحيحة ابن نُعيم الصحّاف عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث حيض الحامل قال : « فلتمسك عن الصّلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها » (٤) ، لأنّ الحامل لا يلزم أن تكون ذات عادة وقتيّة وترى الدم في وقت معيّن ، هذا كلّه ظاهر لا خفاء فيه.

وإنّما المهم فيما إذا اختلفت الصفات مع العدد فكانت عادتها سبعة أيّام والدم الواجد للصفات أربعة أيّام أو ثمانية فهل يجب تكميل الناقص وتنقيص الزائد ليتحد مع العادة أو لا؟ يأتي عليه الكلام في التعليقة الآتية فلاحظ.

إذا لم يكن التمييز موافقاً للعدد‌

(٢) كما إذا تجاوز دمها العشرة وكان الواجد للصفات منه أقلّ من عشرة أيّام حتّى‌

__________________

(*) فيه وفيما بعده إشكال ، بل الظاهر عدمه.

(١) الوسائل ٢ : ٢٨١ إلى ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٤ / أبواب الحيض ب ٥ ح ٦.

٣٠٦

يمكن التمييز إلاّ أنّه لم يكن موافقاً للعادة العدديّة ، كما إذا كان الدم واجداً للصفات ثمانية أيّام وعادتها ستّة أو كان الدم الواجد للصفات ستّة أيّام وعادتها ثمانية.

ذكر قدس‌سره أنّ مقتضى ما دلّ على أنّ ذات العادة ترجع إلى عددها تنقيص الزائد على الستّة وتكميل الناقص ، لأنّ المدار إنّما هو عددها ، فالزائد ليس بحيض وإن كان واجداً للصفات ، كما أنّ الفاقد حيض إلى أن يكمل العدد لأنّها تتحيّض بعددها.

ولا يمكن المساعدة على شي‌ء ممّا ذكره في التكميل والتنقيص.

أمّا بالإضافة إلى تكميل الناقص فلأن ما دلّ على أنّ ذات العادة ترجع إلى عددها فإنّما هو يختص بالمستحاضة الّتي تجاوز دمها العشرة وكان بلون واحد بحيث لم يمكن التمييز بالصفات ، وأمّا إذا كان الدم الواجد للصفات أقل من عشرة كما في المقام فهو ليس من موارد الرّجوع إلى العدد ، وإنّما هو من موارد التمييز بالصفات ، وقد دلّت صحيحة ابن البَختَري وغيرها من أخبار الصفات (١) على أنّ دم الحيض أسود حارّ عَبيط ودم الاستحاضة بارد أصفر ، ومقتضاها الحكم بحيض المرأة فيما نحن فيه ستّة أيّام وإن كانت عادتها العدديّة ثمانية ، وذلك لصفرة الدم في اليومين الزائدين على الستّة ، والصفرة ليست بحيض.

وقد خرجنا عن عمومه في أيّام العادة فقط ، ولكن الصفرة في المقام ليست من الصفرة في أيّام العادة ، لأنّها ليست بذات عادة وقتيّة لتكون لها أيّاماً ويحكم فيها على الصفرة بكونها حيضاً ، وعليه فلا وجه لضمّ الصفرة إلى الستّة وتكميلها إلى ثمانية أيّام.

نعم يمكن التكميل في بعض الفروض ، وهو ما إذا كان الدم الواجد للصفات أقلّ من ثلاثة أيّام ، فإنّ مقتضى أخبار الصفات أنّ اليومين مثلاً حيض ، ويستفاد منها بالدلالة الالتزاميّة أنّ الصفرة بمقدار يكمل بها ثلاثة أيّام أيضاً حيض ، لأنّ الحيض لا يقل عن ثلاثة أيّام.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٢ وغيرها من روايات الباب.

٣٠٧

ولكن هذا أيضاً مشكل ، لأنّ جعل اليومين حيضاً وتكميلها بيوم واحد من الدم الأصفر معارض بما دلّ على أنّ الصفرة ليست بحيض (١) ، فإنّه يدل بالالتزام على عدم كون اليومين حيضاً ، لأنّه لا يقل عن ثلاثة أيّام ، فتحصل أن التكميل ممّا لا يمكن تتميمه بدليل.

وأمّا بالإضافة إلى التنقيص والحكم بعدم حيضيّة الدم في اليومين الزائدين على العادة وهي ستّة أيّام فلأن الدم الواجد للصفات إذا لم يتجاوز عن العشرة فهو أيضاً حيض ، لما دلّ على أنّ كلّ دم تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى (٢) والمفروض في المقام أنّ الدم الّذي رأته المرأة في المقام أقلّ من عشرة ، لأنّ الصفرة وجودها كعدمها على ما قدّمناه من أنّ الصفرة جعلت في مقابل الدم في بعض الرّوايات (٣) ، فيصح أن يقال إنّها ليست بدم ، فالمرأة لم تر الدم زائداً على العشرة وعليه فالمرأة عالمة بأن ما رأته من الدم الواجد للصفات حيض ولا تردد لها في الحيضيّة لترجع إلى العدد ، إذ الرّجوع إليه إنّما هو في صورة التحير والتردّد كما إذا تجاوز الدم العشرة وكان جميعه بلون واحد أي متّصفاً بصفات الحيض ، وأمّا في المقام فلا تحيّر للمرأة كما ذكرناه.

وعلى الجملة : إنّ الدم إذا كان واجداً للصفات ثمانية أيّام مثلاً وكانت عادة المستحاضة بحسب العدد هو الست لا وجه للاكتفاء بالست وجعل اليومين الزائدين استحاضة مع أنّ الدم فيهما واجد للصفات ، بدعوى أنّها وإن كانت مستحاضة وقد رأت الدم أكثر من عشرة أيّام إلاّ أنّ الصفرة لمّا كانت مقابلة للدم في بعض الرّوايات فهي كالعدم ، فيصح أن يقال إنّ المرأة لم تر الدم زائداً على ثمانية أيّام ، وتشملها الأخبار الدالّة على أنّ كلّ دم تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة من دون أن يعارضها ما دلّ على أنّ المستحاضة ترجع إلى عددها ، لأنّا فرضنا أنّها كمن لم تر‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣١ و ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦ و ١٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٦ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١ ، ٢٩٨ / ب ١١ ح ٣ ، ٢٩٩ / ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٨ ، ٢٨٥ / ب ٦ ح ١ ، ٢٩١ / ب ٨ ح ٤.

٣٠٨

[٧٣٥] مسألة ٨ : لا فرق في الوصف بين الأسود والأحمر ، فلو رأت ثلاثة أيّام أسود وثلاثة أحمر ثمّ بصفة الاستحاضة تتحيّض بستّة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدم زائداً على العشرة وكأنها ليست مستحاضة لأنّ الصفرة في مقابل الدم ، هذا.

ولكن تتميم ذلك مشكل جدّاً ، إذ الحكم بأنّ الدم متى ما أُطلق يراد منه الدم الواجد للصفات يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل عليه.

فالصحيح في وجه الحكم بحيضيّة الثمان أن يقال : إنّ مقتضى الأخبار الدالّة على أنّ ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى هو الحكم بحيضيّة الثمان ، لأنّها فرضت في الحكم بحيضيّة الدم المرئي قبل العشرة وجود حيضة قبل ذلك ، والأمر في المقام كذلك لأنّا سواء قلنا بالرجوع إلى عادتها العدديّة أم بالرجوع إلى الصفات فإلى اليوم السّادس يحكم بحيضيّة الدم لا محالة ، إذن لا بدّ من الحكم بحيضيّة الزائد على الست أيضاً ، لأنّه دم رأته المرأة قبل العشرة ، فالأخبار غير قاصرة الشمول للمقام.

نعم ، إطلاق تلك الرّوايات في المقام معارض بما دلّ على أنّ المستحاضة ترجع إلى عددها (١) ، فإنّها تقتضي الحكم بحيضيّة الست دون الزائد عليها ، ويتساقطان بالمعارضة فترجع إلى أخبار الصفات (٢) الدالّة على أنّ دم الحيض ليس به خفاء لأنّه حار أسود عبيط ، ومقتضاها الحكم بحيضيّة الثمانية كما ذكرناه.

التسوية بين أوصاف الدم‌

(١) يأتي التعرّض لذلك في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى (٣) ، وسيظهر أنّ ما أفاده الماتن قدس‌سره هو الصحيح ، ولا يمكن الاعتماد على ما نسب إلى جماعة من أنّ الأسود مقدّم على الأحمر ، وهو مقدم على الأصفر ، وهو متقدّم على الأكدر ، لأنّها‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٣) يأتي في الصفحة ٣١٧.

٣٠٩

استنباطات لا يساعدها الدليل.

وذلك لأنّ الأخبار الواردة في صفات الحيض من صحيحة حفص بن البَختَري والمرسلة وغيرهما (١) إنّما دلّتا على أنّ دم الحيض أسود ودم الاستحاضة بارد أصفر ولا تعرّض في شي‌ء من تلك الرّوايات للأحمر (٢) ، فيدور الأمر بين إدراج الأحمر تحت الأسود والحكم بأنّه أعم من الحمرة ، وبين إدراجه تحت الأصفر والحكم بأنّه أعم من الأحمر ، إذ لا واسطة بين الحيض والاستحاضة ولا مجال لتثليث الأقسام والقول بأنّ الدم الأحمر ليس بحيض ولا باستحاضة.

فإذا راجعنا الرّوايات رأينا أنّ الأسود يراد به الأعم من الأسود والأحمر. وذلك لأنّ السواد بمفهومه المتعارف كما في سواد الفحم ممّا لا يوجد في الدم بوجه ، ولو وجد فهو أقلّ قليل ولا يمكن حمل الأخبار الواردة في أنّ دم الحيض أسود على المعدوم أو النادر مع كثرة النِّساء وكثرة حيضهن ، فمنه يعرف أنّ المراد بالأسود هو اللون المناسب للون الدم ، حيث يعبّر عن الدم شديد الحمرة بالأسود حتّى في زماننا ، وعليه فالمراد بالأسود هو الأحمر وإنّما عبّر عنه بذلك لشدّة حمرته.

ويكشف عن ذلك ما ورد في بعض الأخبار من جعل المقابلة بين الدم والصفرة حيث ورد أنّها « ترى البياض لا صفرة ولا دماً » (٣) ، أو أنّها « إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة » (٤) ، حيث يدلّنا على أنّ المراد بالأسود هو ما يقابل الأصفر أحمر كان أم أسود ، فإنّ الصفرة ليست بدم ، وما ورد في المرسلة من قوله « لأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة والكُدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك » (٥) حيث جعلت السواد وغيره حيضاً في قبال الصفرة والكدرة فما‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) نعم ورد في رواية محمّد بن مسلم : الوسائل ٢ : ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٦ ، إلاّ أنّها مرسلة.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٥ / أبواب الحيض ب ٦ ح ١.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٣١٠

[٧٣٦] مسألة ٩ : لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيّام ثمّ ثلاثة أيّام بصفة الاستحاضة ثمّ بصفة الحيض خمسة أيّام أو أزيد تجعل الحيض الثلاثة الاولى (*) (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فوقها ، فلا ترجيح للسواد على الحمرة ولا للصفرة على الكدرة ، فيدلّ ذلك على أنّ المراد بالأسود هو اللون المناسب للون الدم كما بيّناه.

مورد التمييز بالصفات‌

(١) ذكر قدس‌سره سابقاً أنّ التمييز بالصفات إنّما هو فيما إذا لم يعارضه دم آخر واجد للصفات (٢) ، وإلاّ فهي فاقدة للتمييز ولا بدّ من أن ترجع إلى العدد أو الأقارب كما مرّ ، ومقامنا هذا من هذا القبيل ، لأنّ الحكم بحيضيّة الثّلاثة معارض بالحكم بحيضيّة الخمسة ، إذ الحكم بحيضيّتهما معاً يستلزم كون الحيض أحد عشر يوماً ، ومعه لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بالصفات ، وعليه يكون ما أفاده قدس‌سره في هذه المسألة منافياً لما تقدّم منه في اشتراط الرّجوع إلى التمييز بعدم كونه معارضاً بدم آخر مثله ، إلاّ أنّ الظاهر ولا أقل من احتمال أنّ حكمه بجعل الثّلاثة حيضاً ليس من جهة التمييز بالصفات ليرد عليه أنّه مناف لما ذكره قبل ذلك ، بل التمييز بالصفات غير ممكن للمعارضة ، ومعه لا بدّ أن ترجع المرأة إلى العدد مخيّرة بين الثّلاثة والستّة والسبعة عنده قدس‌سره.

ومن الظّاهر أنّ الأخذ بالثلاثة حينئذ هو المتعيّن ، لأنّ أخذ الست أو السبع مستلزم للمكمل من أيّام الاستحاضة ، ولا مقتضي لجعل الاستحاضة حيضاً فيتعيّن الأخذ بالثلاثة ، وعليه فلا يكون ما ذكره في هذه المسألة منافياً لمّا تقدّم منه سابقاً.

نعم ، ظاهر كلامه في المقام أنّ الحكم بجعل العدد في الأوّل حيث جعل الثّلاثة‌

__________________

(*) بل تحتاط فيها وفي الخمسة الأخيرة.

(١) ذكره في الصفحة ٢٧٦.

٣١١

حيضاً مع إمكان جعل الثّلاثة من الخمسة الأخيرة حيضاً إنّما هو من باب الحكم والفتوى ، مع أنّه إنّما حكم بجعل العدد في أوّل رؤية الدم من باب الاحتياط (١) ، إلاّ أنّه سهل لأنّ الاحتياط لزومي ، والاحتياط اللازم بمنزلة الفتوى وهو ظاهر.

وتوضيح الكلام في المقام أنّ الماتن قدس‌سره قد ذكر في المقام أنّ المرأة إذا رأت الدم ثلاثة أيّام واجداً للصفات وثلاثة أيّام فاقداً لها وخمسة أيّام واجداً للصفات تجعل الحيض الثلاثة الأُولى ، وتعرّض لعين هذه المسألة سابقاً عند تعرّضه لأحكام المضطربة والمبتدئة وأنّهما ترجعان إلى التمييز بالصفات وذكر أنّ الرّجوع إلى الصفات مشروط بأمرين :

أحدهما : أن لا يقلّ الدم عن ثلاثة أيّام ولا يزيد على العشرة.

وثانيهما : أن لا يعارضه دم آخر واجد للصفات ، ومثّل له بما إذا رأت الدم خمسة أيّام أسود وخمسة أيّام أصفر وخمسة أيّام أسود ، فإنّ الرّجوع إلى الصفات في إحدى الخمستين معارض بالأُخرى ولا يمكن جعلهما معاً حيضاً ، ومعه تكون المرأة فاقدة للصفات ، ولم يحكم بجعل الخمسة الأُولى حيضاً ، لعدم كون الأسبقيّة في الوجود مرجحة.

وأمّا في المقام فقد ذكر أنّها تجعل الثّلاثة الأُولى حيضاً ، وذكرنا أنّ هذا بظاهره ينافي ما تقدّم منه قدس‌سره كما نقلناه.

ولكن الصحيح عدم التنافي بينهما ، وذلك لأنّ المرأة في كلتا المسألتين لا تتمكّن من الرّجوع إلى الصفات للمعارضة ، فلا بدّ من أن ترجع إلى أقاربها أو إلى العدد مخيّرة عنده بين الثّلاث والست والسبع ، وعلى كلا التقديرين لا بدّ من جعل العدد في أوّل ما تراه من الدم احتياطاً لزوميّا عنده ، بلا فرق في ذلك بين العدد المتخذ من الأقارب والعدد المتّخذ من الرّوايات ، ومعه لا بدّ للمرأة من جعل ثلاثة أيّام من أوّل رؤيتها الدم حيضاً في كلتا المسألتين ، لأنّها إن رجعت إلى أقاربها فلا يحتمل أن تكون‌

__________________

(١) حكم به في المسألة [٧٣٠].

٣١٢

عادتهنّ أقلّ من ثلاثة ، كما أنّها إذا رجعت إلى العدد أيضاً لا يقلّ حيضها عن الثّلاثة.

نعم ، بعد ذلك لا بدّ من تتميم الثّلاثة بمقدار عادة النِّساء أو العدد الّذي اختارته غير الثّلاثة ، لأنّ في اختيار الثّلاثة لا حاجة إلى التكميل ، فتأخذ من الخمسة الأخيرة في كلتا المسألتين ما به تكمل عادة نسائها أو العدد الّذي اختارته.

لكنّه لم يتعرّض للمكمّل في شي‌ء من المسألتين :

أمّا الوجه في عدم تعرّضه في المسألة الأُولى لجعل الدم الأوّل حيضاً مع تعرّضه له في المقام فهو أنّ في تلك المسألة لم يكن يتوهّم إلحاق الدم الأخير بتمامه أو ببعضه إلى الأوّل بوجه ، ولو بدعوى أن كلّ دم تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة أو من جهة الأخذ بأخبار الصفات بالمقدار الممكن وهو ما به يتمّ عشرة أيّام ، بل الدم الأخير فيها محكوم بعدم الحيضيّة لا محالة ، وإلاّ لو الحق الدم الأخير بالأوّل زاد الدم عن عشرة ، لأنّ الخمسة الاولى مع الخمسة الوسطانيّة عشرة أيّام ومع إلحاق الخمسة الأخيرة إليهما يزيد الحيض عن العشرة.

وأمّا في المقام فللتوهم المذكور مجال ، إذ لا يزيد الأوّل مع ما يلحق به من الدم الأخير على عشرة أيّام كما توهّم أيضاً ، بأن يحكم بالتحاق الدم من الخمسة الأخيرة إلى الدم الأوّل بمقدار يكمل به عشرة أيّام ، أي تنضمّ أربعة أيّام من الخمسة إلى الثّلاثة حتّى تكمل العشرة مع الدم المتخلّل بينهما وهو ثلاثة أيّام ، ويحذف اليوم الخامس لأنّه زائد على العشرة ، بدعوى أنّ كلّ دم تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى أو بالأخذ بروايات الصفات بالمقدار الممكن.

ولأجل دفع هذا التوهّم ذكر أنّ الدم الأوّل لا بدّ من جعله حيضاً ، لا أنّ الحيض يجعل عشرة أيّام بضم ما يكمل به العشرة من الدم الأخير إلى الدم الأوّل ، ولم يتعرّض لدفعه في المسألة الأُولى إذ لم يكن لهذا التوهّم فيها مجال كما عرفت فالمسألتان ليستا متنافيتين.

وأمّا فساد هذا التوهّم فهو أنّ أخبار الصفات قد سقطت بالمعارضة على الفرض ،

٣١٣

فلا مجال للرجوع إلى التمييز بالصفات والحكم بجعل الدم الأوّل حيضاً ، وتتميمه عشرة أيّام بالدم الأخير ليس بأولى من العكس وهو بجعل الخمسة الأخيرة حيضاً وتتميمها عشرة مع الدم المتوسط من الدم الأوّل بأن ينضم إليها يومان من الثّلاثة الأُولى ، ويكون الدم في اليوم الأوّل منها استحاضة ، مضافاً إلى أنّه لا وجه للتبعيض في الدم المتساوي من حيث الصفات بجعل بعضه حيضاً دون بعض.

هذا كلّه في شرح كلام الماتن قدس‌سره.

تحقيق الكلام في المسألتين

وأمّا تحقيق الكلام في هاتين المسألتين حيث لم نتعرّض نحن لحكمهما هنا ولا هناك ، فهو أنّ المرأة في مفروض المسألتين لا بدّ من أن ترجع إلى التمييز بالصفات ، وذلك لأنّ أخبار الصفات وإن كانت متعارضة بالإضافة إلى الدمين الواجدين للصفات ، إلاّ أنّها بالإضافة إلى الدم المتوسّط الفاقد لصفات الحيض ممّا لا معارض لها ، وقد عرفت أنّ المرسلة كما تدلّ على أنّ الإقبال والسواد أمارة الحيض ، كذلك تدلّ على أنّ الإدبار والصفرة أمارة الاستحاضة ، فإذن ترجع المرأة إلى تلك الأمارة وتحكم بعدم الحيضيّة في الدم المتوسط وكونه استحاضة ، وليس لها أن ترجع إلى أقاربها أو العدد ، لأنّهما مترتبان على فقد التمييز بالصفات ، وهذه المرأة ليست بفاقدة له.

على أنّ أدلّة الرّجوع إلى العدد (١) غير شاملة للمورد في نفسها ، وذلك لأنّ مورده كما في المرسلة (٢) ما إذا كانت الاستحاضة دارّة وكان الدم بلون واحد في الجميع وليس الدم في المسألتين على لون واحد في الجميع كما عرفت ، كما أنّ ما دلّ على الرّجوع إلى الأقارب لا تشمله ، لأنّ العمدة فيه هي الموثقة (٣) وهي مقيّدة بالمبتدئة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

٣١٤

وأمّا لو رأت بعد الستّة الأُولى ثلاثة أيّام أو أربعة بصفة الحيض تجعل الحيض الدمين الأوّل والأخير (١) ، وتحتاط في البين (*) ممّا هو بصفة الاستحاضة (٢) ، لأنّه كالنّقاء المتخلّل بين الدمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الّتي لا تعرف أيّامها ، وقد مرّ أنّ معرفتها لأيّامها لا يحتمل أن تكون بالعادة ، وإنّما المراد بها معرفتها بالتمييز ، والمرأة متمكّنة من التمييز في المقام ، فلا مناص من أن تجعل الدم الأصفر استحاضة من جهة الرّجوع إلى التمييز.

والّذي يوضّح ما ذكرناه أنّ المرأة إذا استحيضت مدّة شهر واحد إلاّ أنّها رأت الدم في العشرة الثّانية والثّالثة بلون الحيض ، وفي العشرة الأُولى بلون الاستحاضة فإنّه لا يمكن في حقِّها الحكم بأنّها فاقدة للتمييز فترجع إلى العدد أو عادة نسائها فتجعل الدم الأوّل الفاقد للصفات حيضاً ، والدمين الواجدين للأوصاف استحاضة. بل يقال إنّها متمكِّنة من التمييز في الدم الفاقد فيحكم بكونه استحاضة وإن كانت الأدلّة بالإضافة إلى أماريّة السواد مثلاً متعارضة في الدمين الواجدين للصفات.

فإذا حكمنا بالاستحاضة في الوسط فتبقى المرأة وعلمها الإجمالي بالإضافة إلى الدمين الواجدين للصفات ، لأنّها إمّا حائض في الأوّل ومستحاضة في الثّاني أو العكس أو لعلمها بكونها حائضاً في مجموع تلك الأيّام لا محالة ، ومعه لا بدّ من الاحتياط في الدمين بالجمع بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض.

بعض فروع التمييز‌

(١) لأنّهما واجدان للأوصاف وقد رأتهما قبل العشرة.

(٢) لأنّه في حكم النّقاء المتخلّل بين الدمين ، وقد تقدّم منه ( قدس‌سره )

__________________

(*) مرّ أنّه بحكم الحيض.

٣١٥

[٧٣٧] مسألة ١٠ : إذا تخلّل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيّام بصفة الاستحاضة جعلتهما حيضين (١) إذا لم يكن كلّ واحد منهما أقلّ من ثلاثة.

[٧٣٨] مسألة ١١ : إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرّقة في ضمن عشرة تحتاط في جميع العشرة (*) (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاحتياط فيه ، وذكرنا نحن أنّ حكمه حكم الحيض ، ولا يعارض الحكم بالحيضيّة حينئذ بما دلّ على أنّ الصفرة أمارة الاستحاضة ، لما تقدّم من أنّ التردّد في الحيضيّة حينئذ لم ينشأ عن وجود الدم لتكون صفرته أمارة على الاستحاضة والحمرة أمارة على الحيض ، وإنّما الحكم بالحيضيّة من جهة أنّ أقلّ الطّهر عشرة أيّام وما كان دون ذلك فهو ليس بطهر ، ومن ثمة حكمنا بالحيضيّة حينئذ حتّى مع النّقاء ، والصفرة في مثله ليست أمارة على الاستحاضة كما قدّمناه وقدّمنا له وجهاً آخر أيضاً فليلاحظ (٢).

(١) لأنّهما دمان واجدان للصفات مع الفصل بينهما بعشرة أيّام.

(٢) أمّا في الثّلاثة المتفرّقة فلاحتمال عدم اشتراط التوالي في ثلاثة الحيض ، ومن هنا احتاط الماتن قدس‌سره في غير المتوالي سابقاً.

وأمّا في المتخلّلات فلأنها كالنقاء المتخلّل بين حيضة واحدة ، وقد عرفت أنّه مورد الاحتياط عنده ، ونحن لمّا ذكرنا في محله أنّ التوالي معتبر في الثلاثة فلا يلزمنا الاحتياط لا في الثّلاثة لعدم كونها متوالية ، ولا في غيرها لعدم كونها متخلّلة بين الحيضة الواحدة.

__________________

(*) تقدّم أنّ الحكم بعدم الحيضيّة هو الأظهر.

(١) تقدّما في الصفحة ٢٧٨.

٣١٦

[٧٣٩] مسألة ١٢ : لا بدّ في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة وبعضها بصفة الحيض ، فإذا كانت مختلفة في صفات الحيض فلا تمييز بالشدّة والضعف أو غيرهما كما إذا كان في أحدهما وصفان وفي الآخر وصف واحد ، بل مثل هذا فاقد التمييز. ولا يعتبر اجتماع صفات الحيض بل تكفي واحدة منها (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما يعتبر في التمييز :

(١) هذه المسألة متضمّنة لعدّة فروع وكان من حقّها أن تجعل مسائل مستقلّة.

منها : أنّ الصفات غير المنصوصة كالشدّة والثخانة وغيرهما كالصفات المنصوصة مرجّحة أو لا يمكن الترجيح بها؟

لا وجه للتعدِّي عن الأوصاف المنصوصة إلى غيرها سوى الظنّ والاستحسان وهما ممّا لا يمكن الاعتماد عليهما وإن ذكر جملة من الأكابر كالمحقّق الهمداني (١) قدس‌سره أنّ المرسلة تدلّ على أنّ المرأة تعيّن الحيض بظنّها.

إلاّ أنّه ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، ولا دلالة للمرسلة على ذلك ، بل مقتضى قوله إذا كان الدم بلون واحد تتحيّض بست أو بسبع (٢) أنّ غير اللون لا يمكن الترجيح به.

إذن لا مسوغ للتعدِّي إلى غير المنصوص من الصفات إلاّ مجرّد الظنّ والاستحسان ولا يمكن أن يعتمد عليهما في مقابل إطلاق الأخبار ، لأنّه يقتضي عدم الاعتبار بالصفات غير المنصوصة.

ومنها : أنّ أحد الدمين إذا كان واجداً لوصفين والآخر واجداً لوصف واحد ، أو كان أحدهما مشتملاً على وصف واحد ولم يكن الآخر مشتملاً على شي‌ء من الأوصاف‌

__________________

(١) لاحظ مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣٠٥ تنبيه.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٣١٧

فهل يتقدّم الواجد للوصفين على واجد الوصف الواحد ، أو الواجد لوصف واحد على ما لا وصف له أو لا؟

تبتني هذه المسألة على ملاحظة أنّ الأمارة على الحيض هل هي مجموع الأوصاف الواردة في الأخبار ، أو أنّ الأمارة كلّ واحد واحد من الأوصاف بمعنى أنّ المعرّف هو طبيعي الأوصاف؟

فعلى الأوّل لا ترجيح لشي‌ء من الدمين على الآخر ، لعدم اشتمالهما على مجموع الصفات وإن اشتمل كلّ منهما على بعضها.

وعلى الثاني فيتقدّم الواجد للوصف الواحد على فاقده لاشتماله على أمارة الحيض وتقع المعارضة بين الواجد للوصفين والواجد لوصف واحد ، لأنّ الأمارة الواحدة تعارض الأمارتين والأكثر ، والكثرة والقلّة ليستا مرجحتين في الأمارتين ، ومن ثمة لو قامت بيّنة مركّبة من عدلين على شي‌ء وقامت بيّنة أُخرى مركّبة من أربعة عدول على خلافها وقعت المعارضة بينهما كما قدّمناه في بحث المياه. وكذا إذا كان أحدهما مشتملاً على صفة والآخر على صفة أُخرى ، وتكون المرأة حينئذ فاقدة التمييز لا محالة.

فنقول : إنّ الأوصاف الواردة في الأخبار ستّة ، وهي السواد والحرارة والكثرة والطراوة وهي المراد من العبيط والحرقة والدفع ، ويقابلها الصفرة والبرودة والقلّة والفساد وعدم الحرقة والفتور. حيث جعلت الأُولى معرّفة إلى الحيض والثّانية أمارة على الاستحاضة.

ففي صحيحة معاوية بن عمار « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ، إنّ دم الاستحاضة بارد وإنّ دم الحيض حارّ » (١).

وفي صحيحة حفص بن البَختَري « قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه‌السلام )

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ١.

٣١٨

امرأة فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ قال فقال لها : إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصّلاة ... » (١).

وفي صحيحة إسحاق بن جَرير : « أنّ دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد ... » (٢).

وفي صحيحة أبي المَغراء « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة ، إن كان دماً كثيراً فلا تصلِّين وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٣).

وفي مرسلة يونس الطويلة « وقال هاهنا إذا رأت الدم البَحراني فلتدع الصّلاة إلى أن قال وإنّما سمّاه أبي بَحرانياً لكثرته ولونه » (٤) ، وورد فيها أيضاً « إذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلِّي » ، لأنّ الظاهر من الإقبال والإدبار هو كثرة الدم وقلّته وإن كان محتملاً للإقبال والإدبار من جهة أُخرى.

هذه هي الأوصاف الواردة في الأخبار ، وهي كما عرفتها ستّة ، ويمكن إرجاعها إلى أربعة نظراً إلى أنّ الدفع لازم الكثرة كما أنّ الحرقة لازم الحرارة.

وكيف كان الظاهر من الأخبار أنّ المعرف إلى الحيض طبيعي الصفات ، حيث اقتصر في بعضها بذكر وصف واحد وفي بعضها وصفان وهكذا ، وهذا ظاهر في أنّ المعرف هو الطبيعي على نحو صرف الوجود لا أنّ المعرف هو المجموع.

ودعوى : أنّه لا بدّ من تقييد الأخبار بعضها ببعض.

مندفعة : بأنّ الدم الواجد لتلك الأوصاف بأجمعها من الندرة بمكان ، وقلّما يتحقّق له مصداق في الخارج ، فكيف يمكن حمل تلك الرّوايات على مثله.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٣١٩

[٧٤٠] مسألة ١٣ : ذكر بعض العلماء الرّجوع إلى الأقران مع فقد الأقارب ثمّ الرّجوع إلى التخيير بين الأعداد ، ولا دليل عليه ، فترجع إلى التخيير (*) بعد فقد الأقارب (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنّ ذيل المرسلة أصرح شاهد على ما ادّعيناه ، حيث إنّها بعد ما قسمت السنن إلى ثلاث إلى آخر الرّواية قال « فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنّتها السبع » (٢) الحديث ، فإنّ مقتضى ذلك أنّ كلّ واحد من الدمين إذا كان مساوياً مع الآخر في وصف أو وصفين ولكن كان في أحدهما صفة زائدة لم تكن تلك الصفة في الآخر ليس لها أن ترجع إلى العدد ، لعدم كون الدم على حالة واحدة أو لون واحد.

إذن فالمعرف هو الطبيعي على نحو صرف الوجود لا مجموع الأوصاف المتقدّمة.

وعليه فالدم الواجد لوصف واحد متقدّم على الدم العاري عن كلّ وصف لاشتماله على معرف الحيض كما مرّ ، كما أنّ الدم الواجد لوصفين منها مع الدم الواجد لوصف واحد متعارضان ، لاشتمال كلّ منهما على معرف الحيض وهو طبيعي الصفات المتحقّق في كليهما ، وقد عرفت أنّ الأمارة الواحدة تعارض الأمارتين.

وكذلك الحال فيما إذا كان في أحدهما وصف وفي الآخر وصف آخر ، فلا يمكن أن يقال إنّ المرأة حينئذ متمكّنة من التمييز ، وحيث إنّ السّنن منحصرة في ثلاث فلا مناص من أن يحكم على المرأة حينئذ بالرجوع إلى العدد ، لعدم تمكّنها من التمييز بالصفات.

الرجوع إلى الأقران‌

(١) قدّمنا أنّ الرّجوع إلى الأقارب ورد في روايتين :

__________________

(*) مرّ حكم ذلك [ في المسألة ٧٢٨ ].

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٣٢٠