موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

بالصفات ، ويدلّنا على ذلك موثقة سماعة « سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، قال عليه‌السلام : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام وأقلّه ثلاثة أيّام » (١).

حيث إنّ السائل فرض الجارية غير عارفة بأيّامها فدلّنا على أنّ المبتدئة قد تعرف أيّامها وقد لا تعرفها ، ولا طريق لمعرفة أيّامها سوى الصفات ، وحيث إنّه عليه‌السلام أمضى ذلك وقرّره عليه علمنا أنّ المبتدئة ابتداءً لا بدّ من أن ترجع إلى الصفات وبها تميز الحيض عن غيره ، وإذا عجزت عن ذلك لكون الدم لوناً واحداً فترجع إلى أيّام أقرانها ، ومع عدم التمكن من ذلك أيضاً لعدم الأقران أو اختلافها في العادة فترجع إلى العدد ما بين الثّلاثة والعشرة.

وبهذه الموثقة نقيّد إطلاق المرسلة وموثقة ابن بكير الدالّتين على أن المبتدئة عند عجزها عن التمييز بالصفات ترجع إلى العدد ستّة أو سبعة كما في المرسلة (٢) أو العشرة في الشهر الأوّل وثلاثة أيّام في الشهر الثّاني كما في موثقة ابن بكير (٣) ، لإطلاقهما من جهة التمكن من الرّجوع إلى نسائها وعدمه ، ودلالتهما على أنّها ترجع إلى العدد مطلقاً ، ومقتضى الصناعة تقييد ذلك الإطلاق بالموثقة ، لأنّ نسبتهما نسبة العام إلى الخاص.

على أنّ المسألة لو لم يكن حكمها متسالماً عليه فهو من الشهرة بمكان.

وقد يناقش في الاستدلال بالموثقة من جهة رفعها فلا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال.

ويدفعه : أنّها وإن كانت مروية بطريق الكليني وأحد طريقي الشيخ مرفوعة إلاّ أنّ الشيخ رواها بطريقه الآخر مسندة كما تقدّم (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ و ٦.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢٦٧.

٢٨١

وقد يناقش فيها بالإضمار ، لأنّ سَماعة لم يذكر الإمام عليه‌السلام ، بل قال : « سألته عن جارية » فلم يذكر أنّ المسئول أيّ شخص ، فيسقط بذلك عن الاعتبار.

ويدفعه : أنّ الرّجل لم يرو ولو في مورد روايته من غير الإمام عليه‌السلام وبذلك تطمئن النفس بأنّه لا يسأل غيره عليه‌السلام ، فإنّه من أكابر فقهائهم ورواتهم ، وفي مذهبه قولان :

أحدهما : أنّه فطحي كما ذكره المولى الصالح المازندراني (١).

وثانيهما : أنّه واقفي ، ذكره الشيخ (٢) قدس‌سره ، وعلى كلا التقديرين لا يروي عن غير الإمام عليه‌السلام ، أمّا إذا كان واقفياً فلأنه لا إمام له غير أئمتنا حتّى يروي عنه ، وأمّا إذا كان فطحياً فلأن مدّة عبد الله الأفطح لم تكن كثيرة بحيث يروي عنه الرّوايات ، هذا بل ظاهر النجاشي أنّ الرّجل اثنا عشري ، لأنّه قال في حقّه : « إنّه ثقة ثقة ومن الفقهاء » (٣) ، ولم يغمز في مذهبه.

وكيف كان فلا يروي مثله عن غير الإمام عليه‌السلام.

وثالثة : يناقش في الموثقة بأنّها معارضة بدعوى أنّها دلّت على أنّ المبتدئة إذا لم تتمكن من أن ترجع إلى الصفات ولا إلى أقاربها رجعت إلى العدد ، وهو لا يزيد عن العشرة ولا يقل عن ثلاثة ، والمرسلة دلّت على أنّها بعد عدم التمكن من الرّجوع إلى الصفات ترجع إلى العدد وهو ستّة أو سبعة فهما متعارضتان ، لدلالة كلّ منهما على عدد غير العدد الّذي عيّنته الأُخرى ، فلا بدّ من علاج المعارضة بينهما ولا يمكن تخصيص المرسلة بالموثقة.

ويدفعه : أنّ الموثقة إنّما سيقت لبيان أنّ المرأة على تقدير عدم التمكّن من التمييز بالصفات لا ترجع إلى العدد مطلقاً ، وإنّما ترجع إليه إذا لم تتمكّن من الرّجوع إلى‌

__________________

(١) نقله عنه في تنقيح المقال ٢ : ٦٧ السطر ٢٠ / ترجمة سماعة بن مهران.

(٢) رجال الشيخ : ٣٣٧ / الرقم [٥٠٢١] سماعة بن مهران.

(٣) رجال النجاشي : ١٩٣ / الرقم [٥١٧] ، لكن ليس فيه أنّه من الفقهاء. وراجع معجم رجال الحديث ٩ : ٣١٣.

٢٨٢

نسائها ، ولا تعارضها المرسلة من هذه الجهة ، لأنّ نسبتهما كما عرفت نسبة العموم والخصوص.

وأمّا أنّها إذا رجعت إلى العدد فإلى أيّ عدد ترجع فلا دلالة للموثقة عليه ، وإنّما تدل على أنّ ما ترجع إليه لا يكثر عن عشرة أيّام ولا يقل عن ثلاثة لأنّ الحيض كذلك ، لا لخصوصيّة في المقام ، فلا تعارض المرسلة من هذه الجهة أيضاً لسكوتها عن العدد الّذي لا بدّ من التحيّض به ، فالصحيح ما ذكرنا من تخصيص المرسلة وموثقة ابن بكير بموثقة سماعة.

رجوع المبتدئة إلى العدد

لمرحلة الثّالثة : أنّ المبتدئة إذا لم تتمكن من الرّجوع إلى نسائها إذ ليست لها نساء أو أنّ لها نساء مختلفات في مقدار عادتهنّ رجعت إلى العدد.

وقد دلّت على ذلك المرسلة والموثقتان المتقدّمتان إلاّ أنّها مختلفة من حيث مقداره ، فالمرسلة دلّت على أنّها تتحيض بستّة أيّام أو سبعة ، وموثقة ابن بكير دلّت على أنّها تتحيض بعشرة أيّام في الشهر الأوّل وبثلاثة أيّام في الشهر الثّاني.

وقد جمع جماعة من الفقهاء بينهما بالحمل على التخيير ، بدعوى أنّ لكلّ منهما نصّاً وظاهراً فيرفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنص الآخر ، فالمرسلة نص في جواز ترك العبادة ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، وإن شئت قلت إنّها نص في وجوب التحيّض بهما وظاهرة في تعيّن ذلك وعدم جواز التحيّض بغير العددين.

وإنّ موثقة ابن بكير نص في وجوب التحيّض ثلاثة أيّام في غير الشهر الأوّل وعشرة أيّام في الشهر الأوّل ، وظاهرة في تعينه وعدم جواز التحيّض بغيره ، فنأخذ بنصهما وأن التحيّض بكلّ واحد من العددين واجب تخييري ، فلها أن تختار ما شاءت من العدد ، ونرفع اليد عن ظهورهما بالنص وهو من الجمع العرفي المقبول وبه يتصرّف في كلا المتعارضين.

وهذا تخيير في المسألة الفرعيّة ، فإنّ المجتهد له أن يفتي بتخيير المكلّف بينهما ، وليس‌

٢٨٣

تخييراً بين الرّوايتين المتعارضتين كما توهّم ، لأنّه تخيير في المسألة الأُصوليّة وهو مختص بالمجتهد فيأخذ بأحد المتعارضين ويفتي على طبقه معيّناً لا على وجه التخيير.

وكبرى هذا الجمع وإن كانت من الجمع المقبول كما ذكر ، ومن هنا إذا ورد في دليل وجوب القصر على المكلّف في مورد وورد دليل آخر في وجوب التمام عليه ، فلأجل العلم بعدم وجوبهما معيّناً يقع المعارضة بينهما ونأخذ بنص كلّ منهما في الوجوب ونرفع اليد عن ظاهرهما في التعيّن فينتج التخيير بينهما.

إلاّ أنّها غير منطبقة على المقام ، لأنّ المرسلة صريحة في أنّ عدد المبتدئة ستّة أو سبعة ، وليست لها أن تتحيّض بأكثر منها ولا بأقل ، لأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة حمنة بنت جحش أمرها بترك العبادة إلى ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، فلو لم تكن حائضاً ستّة أيّام أو سبعة بل كان حيضها أقل منه لم يكن يأمرها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بترك العبادة حينئذ ، لوضوح أنّ الطّاهرة لا يأمرها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بترك عبادتها ، كما أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرها بالصلاة والاغتسال بعد الستّة أو السبعة ، فلو كان حيضها زائداً عليها كيف يأمرها صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاغتسال والصّلاة.

وقد صرّح الإمام عليه‌السلام بذلك في المرسلة حيث قال « ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع وكانت خمساً أو أقل من ذلك ما قال لها : تحيّضي سبعاً فيكون قد أمرها بترك الصّلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض ، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيّامها عشراً أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض » (١).

وعليه فالروايتان متعارضتان. هذا.

تعارض المرسلة في نفسها :

وقد يقال إنّ المرسلة في مدلولها متعارضة ، لأنّها وإن دلّت بصدرها على أنّ المبتدئة تتحيّض بستّة أو سبعة إلاّ أنّها اقتصرت على ذكر السبعة في بقيّة الجملات‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢٨٤

وليس فيها من ذكر الستّة عين ولا أثر كما في قوله « ما قال لها تحيّضي سبعاً » وقوله « أقصى وقتها سبع » وقوله « فوقتها سبع » وقوله « فسنّتها السبع » ، ومقتضى ذلك أنّ عدد المبتدئة هو السبع ، وهو ينافي التخيير بين الست والسبع في صدرها ، ولعل الماتن قدس‌سره لأجل ذلك قال « والأحوط أن تختار السبع » ، لأنّه حيض على كلّ حال وتقدير إمّا متعيّناً وإمّا للتخيير بينه وبين الستّ.

ويدفعه : أن ترك الستّة في بقيّة الجملات والاقتصار على السبعة إنّما هو من جهة الاعتماد على ذكرها في صدر المرسلة ولأنّ السبع أقصى عادتها ، لا من جهة أنّ عددها السبع فقط ، ومن ثمّة ترى أنّه عليه‌السلام قال : « أقصى وقتها سبع » ولم يقل أنّ وقتها سبع.

نعم ، إنّ « أقصى » لم تذكر في بقيّة الجملات ، إلاّ أنّ الاقتصار فيها على السبع مستند إلى أنّها أقصى عددها ، ويشهد لذلك أنّه عليه‌السلام في مقام التمثيل بكون عادتها أقلّ من سبع مثّل بما إذا كانت حيضتها خمساً أو أقلّ منه ، حيث قال « ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمساً أو أقل من ذلك » ، ولم يقل وكانت ستّاً فلو كان عددها هو السبع متعيّناً لم يكن للعدول عن ذكر الست إلى الخمس وجه ، وإن دار الأمر بين كون الست في صدر المرسلة زائدة وبين أن تكون الجملات الأخيرة ناقصة فلا يمكن الاعتماد في نفي زيادة الست على أصالة عدم الزّيادة في صدر المرسلة لأنّها معارضة بأصالة عدم النقيصة في سائر الفقرات.

إذن فلا تعارض في نفس المرسلة.

تعارض المرسلة والموثقة

نعم ، المرسلة وموثقة ابن بكير متعارضتان كما عرفت.

وقد يقال حينئذ : إنّهما تتعارضان وتتساقطان ويرجع إلى استصحاب الحيض إلى العشرة للقطع بعدمه بعد العشرة ، وأمّا بعد السبعة فيحتمل الحيض إلى العشرة ، لأنّ الموثقة دلّت على أنّها تتحيّض إلى عشرة أيّام فتستصحب حيضها إلى العشرة حيث‌

٢٨٥

يقطع بعدمه.

ويدفعه : أنّ استصحاب الحيض مضافاً إلى عدم جريانه في نفسه لأنّه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وقد ذكرنا عدم جريانه في الأحكام معارض باستصحابه في الشهر الثّاني ، وذلك لأنّ مقتضاه في الشهر الثّاني هو التحيّض إلى السبع لأنّه أكثر العددين ، فإنّ مقتضى الموثقة أنّها تتحيّض ثلاثة أيّام في الشهر الثّاني والمرسلة تقتضي تحيّضها إلى سبعة أيّام ، فبعد الثّلاثة تشك في بقاء حيضها فتستصحبه إلى السبع.

تعارض الاستصحابين

وهذان الاستصحابان متعارضان للعلم بمخالفة أحدهما مع الواقع ، حيث إنّا إمّا أن نأخذ بالموثقة وهي تقتضي الحكم بالتحيّض في الشهر الأوّل بعشرة أيّام وفي الشهر الثّاني بثلاثة ، فالاستصحاب في الشهر الأوّل مطابق للواقع إلاّ أنّه على خلافه في الشهر الثّاني ، إذ لا وجه للتحيّض فيه زائداً على ثلاثة أيّام إلى السبع. وإمّا أن نأخذ بالمرسلة وهي تقتضي التحيّض بسبعة أيّام في كلّ شهر ، ومعه الاستصحاب في الشهر الثّاني موافق للواقع وفي الشهر الأوّل على خلافه ، إذ لا موجب للتحيّض زائداً على السبعة إلى عشرة أيّام.

فأحد الاستصحابين معلوم الخلاف ، فلا يمكن الاعتماد على شي‌ء من الاستصحابين.

بل الصحيح أن يقال : إنّ مورد التعارض بين الرّوايتين في الشهر الأوّل إنّما هو في الزائد على السبع إلى عشرة أيّام ، وفي الشهر الثّاني في الزّائد على الثّلاثة إلى السبع وحيث إنهما متعارضتان والمرجّح منحصر بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة وشي‌ء منهما غير متحقّق في المقام لعدم ذكر شي‌ء منهما في الكتاب ولو على نحو الإطلاق ، كما أنّ العامّة غير ملتزمين بذلك أصلاً فتسقطان بالمعارضة.

ومقتضى علم المرأة إجمالاً بأنّها حائض أو مستحاضة في المقدار الزائد على السبع‌

٢٨٦

والثّلاث هو الاحتياط بالجمع بين وظيفتي الحائض والمستحاضة ، للقطع حينئذ بالخروج عن عهدة التكليف المتوجه إليها واقعاً بمقدار لا يلزمها العسر والحرج ومع لزومهما فلا. نعم تتحيّض في الشهر الأوّل إلى السبع وفي الشهر الثّاني إلى الثّلاثة جزماً ، وإنّما تحتاط في الزيادتين وبه يقطع بالفراغ.

وأمّا احتمال أن تأخذ بعادة بعض نسائها إذا كان عادتهن مختلفة وتحتاط إلى العشرة في الشهر الأوّل وتتحيّض بثلاثة أيّام في الشهر الثّاني وتحتاط إلى آخر زمان العادة الّتي أخذتها من نسائها في الشهر الأوّل فهو مبني على توهم معارضة اخرى بين الرّوايات غير المعارضة المتقدّمة.

وبيان تلك المعارضة : أنّه ورد في رواية محمّد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم » (١) ومقتضى إطلاقها أنّ المبتدئة إذا تجاوز دمها العشرة ترجع إلى بعض نسائها لأنّ المستحاضة تشمل المبتدئة وغيرها ، كما أنّ مقتضى المرسلة وموثقة ابن بكير (٢) أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد عند عدم تمكنها من الرّجوع إلى الصفات.

والنسبة بين الطائفتين عموم من وجه ، لأنّ الأُولى مطلقة تشمل المبتدئة والمضطربة وغيرهما فإنّها دلّت على أنّ المستحاضة تقتدي ببعض نسائها مبتدئة كانت أو غيرها. والطائفة الثّانية مطلقة من حيث التمكّن من الرّجوع إلى عادة بعض النِّساء وعدمه حيث دلّت على أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد تمكنت من الرّجوع إلى عادة بعض نسائها أم لم تتمكّن.

وأمّا موثقة سماعة (٣) فلا تنافي بينها وبين رواية زرارة ومحمّد بن مسلم ، لأنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ و ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣ و ٥ و ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

٢٨٧

الموثقة دلّت على أنّه إذا لم تكن للمستحاضة أقارب أو كنّ مختلفات بحسب العادة فتتحيّض بما بين الثّلاثة والعشرة فلا دلالة لها على الرّجوع إلى العدد ، بل تلائم الرّجوع إلى عادة بعض النِّساء ، لأنّها أيضاً ما بين الثّلاثة والعشرة فيما إذا كانت أقاربها مختلفة العادة.

فتتعارضان في المبتدئة الّتي تتمكن من الرّجوع إلى عادة بعض نسائها وتتساقطان ، ومقتضى العلم الإجمالي بالحيض أو الاستحاضة في الزائد على عادة بعض نسائها إلى العشرة في الشهر الأوّل وفي الزائد على الثّلاثة في الشهر الثّاني إلى عادة بعض نسائها هو الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى العشرة في الشهر الأوّل وإلى عادة بعض نسائها في الشهر الثّاني.

إلاّ أنّ هذا التوهّم ممّا لا أساس له ، لأنّ الرّواية الدالّة على أنّ المستحاضة ترجع إلى عادة بعض نسائها ضعيفة ، لما مرّ من أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضال ضعيف (١).

فالصحيح الاحتياط على الكيفيّة المتقدّمة ، أعني الاحتياط في الشهر الأوّل بعد السبع إلى العشرة وفي الشهر الثّاني بعد الثّلاثة إلى السبع ، هذا كلّه في المبتدئة.

حكم المضطربة

وأمّا المضطربة فهي كالمبتدئة في رجوعها إلى التمييز بالصفات مع الإمكان ، لما دلّ على أنّ دم الحيض ليس به خفاء حارّ أسود عبيط (٢).

وأمّا إذا لم تتمكّن من التمييز بالصفات لأنّ الدم على لون واحد فهل ترجع إلى عادة نسائها كما في المبتدئة؟ لم يدلّنا دليل على ذلك ، فإنّه لم يرد في شي‌ء من الرّوايات غير الرّواية المتقدّمة الدالّة على أنّ المستحاضة يجب أن تقتدي ببعض نسائها ، ولكن‌

__________________

(١) مرّ تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضال وأنّ التضعيف مبني على ما أفاده أوّلاً ولكنّه رجع عنه أخيراً كما مرّ في الصفحة ٧٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

٢٨٨

عرفت ضعف سندها (١).

وهل ترجع إلى العدد المتقدّم في المبتدئة أو أنّ لها وظيفة اخرى؟ مقتضى موثقة سماعة وابن بكير وإن كان هو الرّجوع إلى العدد عند عدم التمكن من الرّجوع إلى الأقارب إلاّ أنّهما مختصتان بالمبتدئة ولا تشملان المضطربة.

نعم ، ورد في رواية الخزاز ( الوشاء ) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال « سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصّلاة؟ فقال : أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصّلاتين » (٢).

إلاّ أنّها لا تدل على أنّ للمضطربة والمستحاضة عدداً معيّناً ، وإنّما دلّت على تحديد الحيض وأنّه لا يقل عن ثلاثة أيّام ولا يزيد على عشرة أيّام.

على أنّها ضعيفة السند بعلي بن محمّد بن الزُّبير إذ لم تثبت وثاقته ، نعم ذكر النجاشي في ترجمة ابن عبدون الّذي هو من مشايخه وقد يعبّر عنه بشيخ الشيوخ : أنّه لقي علي بن محمّد بن الزُّبير وكان علواً في الوقت (٣) ولكن لم يظهر أنّ الضمير في « كان » راجع إلى ابن الزُّبير ليدلّ على حسنة أو أنّه راجع إلى ابن عبدون ، بل الظاهر رجوعه إلى ابن عبدون ، لأنّ النجاشي بصراط ترجمته لا بصدد ترجمة ابن الزُّبير (٤).

إذن المرسلة بلا معارض وقد دلّت بذيلها على أنّ الاستحاضة في المرأة إذا كانت دارة وكان الدم على لون واحد فوظيفتها التحيّض إلى الست أو السبع.

__________________

(١) بل عرفت صحّة سندها.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٤.

(٣) رجال النجاشي ١ : ٨٧ / الرقم [٢١١].

(٤) إن أردت زيادة التوضيح لهذه الجملة فراجع معجم رجال الحديث ١٣ : ١٥٠ ترجمة علي بن محمّد بن الزُّبير القرشي ، الرقم [٨٤٣١].

٢٨٩

وأمّا الناسية فترجع (*) إلى التمييز (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحكام الناسية‌

(١) الكلام في الناسية تارة يقع في ناسية العدد فقط مع حفظ الوقت كما إذا علمت أنّ عادتها في العشرة الاولى من كلّ شهر لكنها نسيت العدد وأنّه خمسة أو ستّة أو سبعة مثلاً. وأُخرى يقع الكلام في ناسية الوقت دون العدد. وثالثة يقع الكلام في ناسية الوقت والعدد.

أقسام الناسية

ناسية العدد

أمّا ناسية العدد فحسب فالمعروف بينهم أنّ حكم الناسية مطلقاً حكم المضطربة والمبتدئة في أنّها ترجع إلى التمييز بالصفات ، وإذا فقدت التمييز فيختلف حكمها عن حكمهما ، لأنّها لا ترجع إلى الأقارب بل ترجع إلى العدد ، وهما يرجعان إلى الأقارب ومع فقدها فإلى العدد.

وهذا أيضاً ظاهر كلام الماتن قدس‌سره في المقام لإطلاقه ، هذا.

ولكن الصحيح أنّ ناسية العدد سواء كانت ذات عادة وقتيّة أم لم تكن لا ترجع إلى التمييز بالصفات ولا إلى الأقارب ولا إلى العدد.

أمّا عدم رجوعها إلى التمييز بالصفات فلأن ما دلّ على التمييز بها إمّا هو الأخبار المطلقة الّتي دلّت على أنّ دم الحيض أسود حار عبيط ودم الاستحاضة بارد أصفر وغيرها من الأوصاف (٢) ، وإمّا مرسلة يونس (٣) الدالّة على أنّ الإقبال أمارة الحيض‌

__________________

(*) الظاهر أنّ ناسية العدد تجعل المقدار الّذي تحتمل أن تكون عادتها حيضاً والباقي استحاضة ، ولكن إن احتملت العادة في أزيد من السبعة وجب عليها الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة في المقدار الزائد على السبعة إلى تمام العشرة.

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٢٩٠

والإدبار أمارة الاستحاضة ، ولا يشمل شي‌ء منهما لناسية العدد :

أمّا الأخبار المطلقة فلاختصاصها بغير ذات العادة ، فإنّها لا ٢ تحتاج إلى التمييز ولا تكون الصفرة والبرودة فيها أمارة على الاستحاضة ، بل كل ما تراه المرأة في أيّام عادتها من صفرة أو حمرة فهو حيض ، وحيث إنّ المرأة ذات عادة وهي تعلم بوقتها لكن نسيت عددها فلا تكون مشمولة لتلك الأخبار بوجه ، على أنّ المرأة قد تعلم بمخالفة الصفات لعادتها ، كما إذا كان الدم تسعة أيّام واجداً للصفات وهي تعلم أنّ عددها لا يتجاوز الستّة قطعاً وإن لم تدر أنّه أربعة أو خمسة أو ستّة ، أو كان الدم واجداً لها خمسة أيّام وهي تعلم أنّ عددها أكثر من خمسة يقيناً ، ومع العلم بمخالفة الأمارة والصفات لعادتها كيف يمكنها الرّجوع إليها.

وأمّا المرسلة فلأنها على تقدير شمولها للناسية كما ادّعاه صاحب الحدائق وبعض من تأخّر عنه وقالوا : إنّ الناسية هي القدر المتيقن من المرسلة ، ويأتي عدم شمولها للناسية أصلاً (١) فإنّما تختص بالناسية للوقت والعدد كما صرّحت بذلك في جملتين منها أو أكثر كما في قوله « فهذا بيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ، لم تعرف عددها ولا وقتها » وقوله « فإذا جهلت الأيّام وعددها » ، وأمّا ناسية العدد فقط فهي خارجة عن موردها.

وأمّا عدم رجوعها إلى الأقارب فلأنه إنّما ورد في موثقة سماعة ورواية محمّد بن مسلم وزرارة (٢). أمّا الموثقة فهي مختصّة بالمبتدئة ، حيث وردت في جارية رأت الدم زائداً على العشرة في أوّل ما حاضت ، فلا تشمل الناسية بوجه ، وأمّا الرّواية ففيها أنّها وإن كانت شاملة للناسية بإطلاقها إلاّ أنّ الاستدلال بها غير تام.

أمّا أوّلاً فلأنّها ضعيفة السند ، لأنّ طريق الشيخ إلى ابن فضال ضعيف (٣).

وأمّا ثانياً فلأنها واردة في المستحاضة قبل العادة ، حيث قال « المستحاضة تنظر » ‌

__________________

(١) يأتي في الصفحة ٢٩٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ١ و ٢.

(٣) مرّ صحّة طريق الشيخ إلى ابن فضّال ، فلاحظ الصفحة ٧٠.

٢٩١

ففرض المرأة مستحاضة قبل عادتها وحكم عليها بأنّها في عادتها الآتية ترجع إلى بعض نسائها ، وأين هذا من الناسية الّتي ليست بمستحاضة قبل عادتها ، وإنّما تصير كذلك بعد عادتها وتريد معرفة حكم ما بعدها من عادتها ، ولا دلالة لها على أنّها فيما بعدها من عادتها ترجع إلى نسائها كما هو محل الكلام دون عادتها الآتية.

وأمّا ثالثاً فلأنها منصرفة عن الناسية في نفسها ، فإنّ الرّجوع إلى الأقارب إنّما يصح في غير ذات العادة ، إذ لا مانع من إرجاعها إلى عادة نسائها ، وأمّا ذات العادة في المقام فلا معنى لإرجاعها إلى عادة غيرها مع أنّها ذات عادة على الفرض تذكر وقتها وقد نسيت عددها.

ومع الغض عن جميع ذلك فالرواية مخصّصة بما ورد في ذات العادة وأنّها ترجع إلى أيّامها ، حيث يستفاد منها أنّ وظيفة الناسية الرجوع إلى أيّامها ، وحيث إنّها نسيت فترجع إلى استصحاب بقاء الحيض كما يأتي.

وأمّا عدم رجوعها إلى العدد فلأنّ ما دلّ على ذلك إمّا هو المرسلة الآمرة بالتحيّض سبعاً أو ستّاً ، وإمّا هو موثقة ابن بكير (١) الدالّة على التحيّض في الشهر الأوّل بعشرة أيّام وفي الشهر الثّاني بثلاثة ، ولا دلالة في شي‌ء منهما على المدّعى ، أمّا المرسلة فلأنها على تقدير شمولها للناسية إنّما تشمل ناسية الوقت والعدد لا ناسية العدد فقط كما مرّ ، وأمّا الموثقة فهي مختصّة بالمبتدئة كما هو واضح.

إذن ما ذهب إليه المشهور المعروف من أنّ الناسية ترجع إلى التمييز بالصفات أو إلى العدد ممّا لم نقف له على دليل. بل المتيقن في حقّها هو الرّجوع إلى استصحاب الحيض.

وذلك لأنّها ذات عادة على الفرض ولا بدّ من أن ترجع إلى عادتها ، وحيث إنّها لا تتمكّن من ذلك لنسيانها فلا مناص من أن ترجع إلى الاستصحاب ، وهو استصحاب جار في الموضوع ومنقّح له ، حيث يثبت به أنّ عددها في عادتها‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ و ٦.

٢٩٢

والشهرين المتقدّمين أيّ شي‌ء فتأخذ به فيما بيدها من الشهر.

لأنّ مرجع شكّها في عددها إلى الأقل والأكثر وأنّها لا تعلم أنّ عدد حيضها في الشهرين المتقدّمين خمسة مثلاً أو ثمانية ، فهي تعلم باستمرار حيضها إلى الخمسة أو الأربعة أو غيرهما من العدد ، ولكنّها تشكّ في كونه مستمراً إلى الثمانية أو التسعة والأصل بقاؤه وعدم انقطاعه إلى الثمانية أو التسعة أو غيرهما ممّا تقطع بعدم كونها حائضاً فيه ، لأنّه شبهة موضوعيّة.

فإذا ثبت بالاستصحاب أنّ عدد حيضها في الشهرين السابقين هو الثمانية أو غيرها ، فلا محالة يترتب عليه آثارها الّتي منها أن تتحيّض فيما بيدها من الشهر بتلك الأيّام وذلك العدد ويحكم في الباقي بالاستحاضة ، والعلم الإجمالي بأنّها حائض أو مستحاضة في غير العدد المتيقّن في الحيضيّة لا يمنع عن الرّجوع إلى الأصل ، لانحلاله بالاستصحاب الجاري في أحد الطرفين دون الآخر.

نعم ، لمّا كان المشهور هو التحيّض ستّاً أو سبعاً في حقّ الناسية أعني الرّجوع إلى العدد ، فالاحتياط في الزائد على السبع بالجمع بين أحكام الحائض والمستحاضة إلى اليوم الّذي تقطع بعدم كونها حائضاً في ذلك اليوم ممّا لا مانع عنه خروجاً عن الخلاف ، وإن لم يكن متعيّناً لاستصحاب الحيض كما عرفت.

ناسية الوقت

وأمّا الناسية للوقت دون العدد كما إذا علمت أنّ عددها خمسة أيّام مثلاً إلاّ أنّها لم تدر وقتها وأنّه أوّل الشهر أو وسطه أو غيره ، فلا مناص من أن تحتاط في جميع الأيّام الّتي ترى فيها الدم كاثني عشر يوماً أو أقل أو أكثر ، وذلك لقانون العلم الإجمالي بأنّها في الأيّام المذكورة حائض أو مستحاضة ، فلا مناص من الاحتياط تحصيلاً للقطع بالامتثال ، وهذا بناءً على أنّ حرمة العبادات في حقّ الحائض تشريعيّة ، فإنّ المرأة حينئذ تأتي بالصلاة وغيرها من عباداتها وتترك المحرمات على الحائض وتقطع بذلك بالامتثال.

٢٩٣

وأمّا بناءً على أنّ حرمتها ذاتيّة كما ذهب إليه بعضهم فأمرها يدور بين المحذورين ، لأنّها إمّا مكلّفة بالصلاة مثلاً وإمّا إنّها مكلّفة بتركها ، فلأجل دوران الأمر في حقّها بين المحذورين لا بدّ من الحكم بكونها مخيّرة.

إلاّ أنّ التخيير في حقّها ليس بمعنى كونها مخيّرة بين الإتيان بالعبادة وتركها في كلّ يوم حتّى يجوز لها أن تأتي بها في يوم وتتركها في يوم آخر إلى آخر الأيّام ، وذلك لأنّه يستلزم العلم بالمخالفة القطعيّة ، لأنّها في اليوم الّذي تركت الصّلاة إن كانت حائضاً واقعاً وإن كانت قد عملت بوظيفتها إلاّ أنّها أتت بها في اليوم الثّاني فقد خالفت وظيفتها ، لأنّها حائض ويجب عليها ترك الصّلاة في أيّام حيضها ، وإن كانت مستحاضة فإتيانها بالصلاة في اليوم الثّاني موافقة للتكليف إلاّ أنّ تركها في اليوم الأوّل مخالفة للأمر بالصلاة في حقّها لأنّها مستحاضة واقعاً ، والمخالفة القطعيّة ممّا لا يرضى بها العقل ولا يرخّص فيها وإن كانت مستلزمة للموافقة القطعيّة أيضاً.

وكذا ليس التخيير بمعنى جواز اختيارها الحيض إلى آخر الشهر أو الاستحاضة كذلك ، لأنّه أيضاً مستلزم للمخالفة القطعيّة وإن حصل بها العلم بالموافقة القطعيّة أيضاً.

بل التخيير بمعنى أنّها تأخذ خمسة أيّام منها وتجعلها حيضاً مخيّرة بين أوّل الأيّام أو وسطها أو آخرها ، لأنّه وإن لم يوجب العلم بالموافقة القطعيّة إلاّ أنّه موافقة احتماليّة ، والعقل بعد عدم التمكن من الامتثال الجزمي بالاحتياط يتنزل إلى الامتثال الاحتمالي لا محالة ، كما أنّ الأمر إذا دار بين المخالفة القطعيّة المستلزمة للموافقة القطعيّة وبين الامتثال الاحتمالي يتعيّن الامتثال الاحتمالي لدى العقل ، فإذا فرضنا أنّ مظنونها كون وقتها هو أوّل الدم أو وسطه أو أثنائه يتعيّن الأخذ بالتحيّض في ذلك الوقت الّذي تظنّ أنّه أيّامها ووقتها ، وذلك لأنّ العقل الحاكم في باب الإطاعة المستقل بقبح المعصية ولزوم الامتثال هو الّذي يستقل بتقديم الامتثال الظنّي على الامتثال الموهومي عند دوران الأمر بينهما.

٢٩٤

ناسية الوقت والعدد‌

وأمّا الناسية للوقت والعدد كليهما فصريح المحقّق في الشرائع أنّ حكمها حكم المضطربة (١) ، فيجب أن تميّز بالصفات ومع فقدها ترجع إلى العدد.

وذكر صاحب الحدائق (٢) وغيره (٣) أنّ الناسية للوقت والعدد هي القدر المتيقّن من المرسلة ، فيتعيّن في حقّها التمييز بالصفات ومع عدم التمكّن ترجع إلى العدد ولا ترجع إلى أقاربها.

ولعلّ الوجه فيما ذهبوا إليه من إدراج الناسية تحت المضطربة وغير مستقرّة العادة توهم أنّ قوله عليه‌السلام في المرسلة « أغفلت عددها » (٤) بمعنى الغفلة والنسيان.

ولكن الصحيح أن أغفلت بمعنى تركت ، أي المرأة بعد ما تقدّم دمها في شهر وتأخّر في آخر وزاد تارة ونقص اخرى تركت عادتها وعددها ولم تستقر لها عادة ، ويدلُّ على ذلك قوله عليه‌السلام « زاد أو نقص تأخّر أو تقدم » (٥) ، فالمرسلة مختصّة بالمضطربة الّتي لم تستقر لها عادة ، ولا تشمل الناسية الّتي لها عادة معيّنة إلاّ أنّها نسيتها ، لا أنّها تركت عادتها. فإدراج الناسية في غير مستقرّة العادة ممّا لا وجه له والمرسلة غير شاملة للناسية لوقتها وعددها فضلاً عن ناسية العدد أو الوقت خاصّة ، هذا.

وذكر المحقّق الهمداني قدس‌سره أنّ الناسية وإن كانت خارجة عن موضوع المضطربة لما عرفت ، إلاّ أنّ وظيفتها وظيفة المضطربة ومن لم تستقر لها عادة ، وذلك لأنّ المرسلة حصرت السنن في ثلاث وصرّحت بأنّها لا رابع لها ، فلو حكمنا في‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٤٠ / في الاستحاضة.

(٢) الحدائق ٣ : ٢٣٨ / في الحيض.

(٣) الجمل والعقود : ١٦٤ / في الحيض.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢٩٥

الناسية بغير تلك السنن الثّلاث لزادت السنن واحدة وصارت أربعة ، وهو خلاف ما تدلّ عليه المرسلة ، وبما أنّ الناسية لا يمكن الحكم برجوعها إلى أيّامها كما في ذات العادة ، وهي اولى السنن لعدم تذكرها ونسيانها ، فلا مناص من كون الناسية كغير ذات العادة ترجع إلى التمييز بالصفات إن تمكّنت ، وإلاّ فترجع إلى العدد (١).

ولا يمكن المساعدة على ما أفاده قدس‌سره ، وذلك لأنّ السنن وإن كانت محصورة في الثّلاث إلاّ أنّ المرسلة إنّما تدلّ على أنّ السنن الواقعيّة منحصرة فيها وبحسب الواقع لا تجد سنة رابعة ، وغير ناظرة إلى الظاهر لتدلّ على أنّ الوظيفة الظاهريّة لا يمكن أن تكون شيئاً آخر ، والناسية داخلة في السنّة الأُولى حقيقة ، لأنّها ذات عادة فلا بدّ من أن ترجع إلى عادتها ، إلاّ أنّها لما نسيت عادتها لم تتمكن من الرّجوع إلى أيّامها ، وبما أنّها عالمة إجمالاً بأنّها حائض أو مستحاضة فالعلم الإجمالي يقتضي وجوب الاحتياط. وعلى تقدير عدم التمكن منه فالتخيير على النحو الّذي تقدّم ، ولا دلالة للمرسلة بوجه على أنّها إذا علمت إجمالاً بأنّها حائض أو مستحاضة ليس لها أن تحتاط.

فالمتحصل : أنّ الناسية غير داخلة في موضوع غير مستقرّة العادة ولا يشملها حكمها ، بل لا بدّ أن ترجع إلى استصحاب بقاء حيضها في الشهرين المتقدّمين في الأيّام المحتملة للحيضيّة حتّى يثبت به أنّ عدد أيّامها في الشهرين المتقدّمين ما هو كستّة أيّام مثلاً ، للقطع بعدم كونها أقلّ من أربعة ولا أزيد من ستّة ، وهي محتملة في اليوم الخامس والسّادس فتستصحبها ، فإذا تحقّقت عادتها في الشهرين في الستّة فتأخذ بها في الشهر الثّالث كما ذكرناه في ناسية العدد خاصّة.

كما أنّها مخيّرة في تطبيق هذه الأيّام على أوّل الدم أو وسطه أو آخره كما ذكرناه في ناسية الوقت خاصّة بناءً على أنّ العبادة محرمة على الحائض ذاتاً ، وذلك للتنزّل عن الموافقة القطعيّة إلى الموافقة الاحتماليّة بحكم العقل ، وإذا ظنّت بكون وقتها أوّل الأيّام الّتي ترى فيها الدم أو آخرها أو وسطها فتعمل على طبق ظنّها لتقدّم الامتثال الظنّي‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٣١٢ السطر ١.

٢٩٦

ومع عدمه إلى الرّوايات (١) ، ولا ترجع إلى أقاربها ، والأحوط أن تختار السبع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الامتثال الوهمي كما قدّمناه.

نعم بناءً على أنّها محرمة عليها تشريعاً يجب أن تحتاط في مجموع الأيّام الّتي ترى فيها الدم بمقتضى علمها الإجمالي ، فناسية الوقت والعدد تجمع بين وظيفتي ناسية الوقت خاصّة وناسية العدد خاصّة.

(١) فتتخير بين الثّلاثة والستّة والسبعة كما صرّح بذلك سابقاً ، وأنّ المبتدئة والمضطربة عند عدم التمكّن من التمييز بالصفات وعدم الأقارب ترجعان إلى العدد مخيّرة بين اختيار الثّلاثة في كلّ شهر أو الستّة أو السبعة.

والتخيير بين الستّة والسبعة يستفاد من المرسلة كما تقدّم ، فبناءً على أنّ حكم الناسية حكم المضطربة والمبتدئة فلا محالة يثبت التخيير بين الست والسبع في حقّها أيضاً. وأمّا الثّلاثة فهي غير واردة في شي‌ء من الرّوايات غير موثقتي ابن بكير (١) الدالّتين على أنّ المستحاضة تجعل عشرة أيّام حيضاً في الشهر الأوّل وثلاثة في الشهر الثّاني ولم ترد في غيرهما من الأخبار.

وأمّا موثقة سماعة (٢) الدالّة على أنّ أكثر حيضها عشرة وأقلّه ثلاثة فقد تقدّم أنّها لا دلالة لها على التحديد ، وإنّما هي لبيان أقلّ الحيض وأكثره ، وأمّا أنّ المرأة تجعل الحيض بينهما أيّ مقدار فهو لا يستفاد من الموثقة ، فالموثقتان شارحتان لهذه الموثقة.

ولكن عرفت أنّ الرّوايات متعارضة ، فلا يمكن الجمع بينهما بالتخيير حتّى يحكم بكون المرأة مخيّرة بين الثّلاث والست والسبع ولو في غير الشهر الأوّل. ثمّ على تقدير التنزل والبناء على عدم تعارضها فأقصى ما يمكن استفادته من الموثقتين أنّ المبتدئة مخيّرة بين الثّلاث والست والسبع لأنّها موردهما ، فكيف يمكن التعدِّي عن موردهما إلى المضطربة أو الناسية ، فالثلاثة ممّا لا دليل عليها أصلاً.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

٢٩٧

[٧٢٩] مسألة ٢ : المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم إلى ثلاثين يوماً وإن كان في أواسط الشهر الهلالي أو أواخره (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما هو المراد بالشهر‌

(١) هناك أمران اختلط أحدهما بالآخر :

أحدهما : أنّ المراد بالشهر الّذي تجعل المستحاضة ثلاثة أو سبعة منه حيضاً والباقي استحاضة ما هو؟

وثانيهما : أنّ المستحاضة مخيّرة في جعل العدد ووضعه أينما شاءت في أوّل رؤيتها الدم ووسطه وآخره ، أو أنّه لا بدّ من أن تجعل العدد حيضاً من أوّل رؤيتها الدم وتجعل الاستحاضة بعد ذلك.

أمّا الأمر الأوّل فالمراد بالشهر ليس هو الشهر الهلالي ، بل المراد مقداره وهو ثلاثون يوماً ، وأوّل الثّلاثين ومبدؤها هو أوّل رؤيتها الدم كان في أوّل الشهر أو وسطه أو آخره.

وتدل على ذلك المرسلة والموثقة ، وذلك لقوله عليه‌السلام في المرسلة « تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، ثمّ اغتسلي غسلاً وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين » (١) وقد دلّت على أنّ المراد بالشهر ثلاثون يوماً في كلّ شهر وإن كان من وسطه أو آخره.

وفي مرسلته الأُخرى « وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام » (٢) وفي الموثقة : « إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم تركت الصّلاة عشرة أيّام ثمّ تصلِّي عشرين يوماً » (٣) الحديث ، فيستفاد منها أنّ المراد بالشهر ثلاثون يوماً ، وأوّله أوّل رؤيتها الدم.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٦.

٢٩٨

[٧٣٠] مسألة ٣ : الأحوط أن تختار العدد (*) في أوّل رؤية الدم (١) إلاّ إذا كان مرجح لغير الأوّل (**) (٢).

[٧٣١] مسألة ٤ : يجب الموافقة بين الشهور ، فلو اختارت في الشهر الأوّل أوّله ففي الشهر الثّاني أيضاً كذلك ، وهكذا (٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا الأمر الثّاني فالصحيح أنّها ليست مخيّرة في وضع العدد أينما شاءت ، بل المتعيّن في حقّها جعل العدد من أوّل رؤيتها الدم والاستحاضة بعد ذلك ، لأنّه عبّر في الرّوايات بـ « ثمّ » كقوله « ثمّ تصلِّي عشرين يوماً » وقوله « ثمّ اغتسلي غسلاً وصومي » ومعه لا وجه لتخييرها في جعل العدد أينما أرادت ولو بعد الاستحاضة كما هو صريح الماتن في المسألة السابعة الآتية حيث قال : وإن كان الأقوى التخيير.

(١) قد عرفت أنّه المتعيّن لا أنّه أحوط.

(٢) لم يظهر لنا المراد بالمرجح لغير الأوّل ، لأنّ مفروض الكلام تساوي الدم من حيث الصفات وعدم التمكّن من الرّجوع إلى الأقارب ، ومعه ما معنى المرجّح للحيضيّة في الأوّل أو غيره ، بل الصحيح والمتعيّن أنّ العدد تجعله في الأوّل لدلالة المرسلة والموثقة كما تقدّم.

وجوب الموافقة بين الشهور‌

(٣) هذا متفرّع على تخيير المرأة في جعل العدد أينما شاءت وأنّها إذا وضعته في الشهر الأوّل في أوّله أو وسطه أو موضع آخر لا بدّ أن تجعله في الشهر الثّاني في ذلك الوقت بعينه ، وبعبارة اخرى التخيير ابتدائي وليس استمرارياً ، وذلك لأنّ المرسلة والموثقة حدّدتا أيّام الحيض والاستحاضة بثلاثين يوماً ، فلا يكونان أزيد من ذلك‌

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(**) لا نعرف ما يكون مرجّحاً والمفروض عدم التمييز.

٢٩٩

[٧٣٢] مسألة ٥ : إذا تبيّن بعد ذلك أنّ زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصّلوات ، وكذا إذا تبيّنت الزّيادة والنقيصة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا أقل ، وهذا إنّما يكون فيما إذا كانت الشهور متوافقة من حيث وضع العدد ، فلو وضعته في الشهر الأوّل من اليوم الخامس عشر يجب أن تضعه في الشهر الثّاني أيضاً كذلك ، إذ لو وضعته قبله بخمسة أيّام كان الحيض والاستحاضة في الشهر المتقدّم عليه خمسة وعشرين يوماً ، وهو على خلاف الرّوايتين ، كما أنّها لو وضعته في الشهر الثّاني متأخّراً عن النّصف بخمسة أيّام كان حيضها واستحاضتها في الشهر السابق خمسة وثلاثين يوماً ، وقد دلّت الرّوايتان على أن مجموعهما ثلاثون يوماً لا يزيد عليه ولا ينقص.

وأمّا بناءً على ما ذكرناه من عدم ثبوت التخيير حتّى في الشهر الأوّل فالأمر أوضح ، إذ يتعيّن عليها من أوّل رؤيتها الدم أن تجعل العدد حيضاً وتصلّي سبعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين يوماً ، وهكذا في كلّ شهر.

تبيّن الخلاف في المختار‌

(١) لأنّ التحيّض بالعدد حكم ظاهري ولا اعتبار به بعد العلم بالمخالفة ، فلو تركت الصّلاة سبعة أيّام ثمّ علمت أنّ حيضها خمسة أيّام فلا بدّ من قضاء الصلوات في اليومين الزائدين لعدم كونها حائضاً فيها ، أو إذا تركت عبادتها سبعة أيّام وصامت بعدها ثمّ ظهرت أنّ عادتها أو حيضها تسعة أيّام فلا بدّ من أن تقضي صومها يومين لوقوعه في أيّام الحيض فهو باطل ، أو علمت أنّ حيضها في غير تلك الأيّام بأجمعه.

وما أفاده قدس‌سره بحسب الكبرى متين لا غبار عليه ، إلاّ أنّها ممّا لا تنطبق على المقام ، إذ لا يتحقّق لها الصغرى بوجه ، لأنّ المرأة بعد عدم كونها ذات عادة وعدم كون الدم مختلف الصفات كيف يمكنها أن تعلم أنّ حيضها أقل أو أكثر ، لأنّه يحتاج إلى الغيب.

٣٠٠