موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فتوضأ (*) ، وإنّما خرجنا عنها في مورد واحد وهو الحدث قبل غسل الجنابة ، لأنّه ممّا علمنا بعدم كونه سبباً للوضوء ، فإنّ غسل الجنابة ليس معه وضوء ، بمعنى أنّ ما ورد من أنّ غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء (**) مختص بما إذا وقع الحدث قبل تمام الغسل لا قبل إتمامه أي في الأثناء ، وقد قدّمنا أنّ الأوامر الواردة في الوضوء ليست أوامر مولويّة ، وإنّما هي أوامر إرشاديّة إلى شرطيّة الوضوء للصلاة ، فمقتضى المطلقات أنّ الحدث مطلقاً يجب معه الوضوء ، أي أنّ الوضوء شرط للصلاة سواء تحقّق الحدث قبل الغسل أم في أثنائه أم بعده. نعم خرجنا عن ذلك في الحدث قبل الغسل إذ لا يشترط معه الوضوء في الصّلاة ، للأدلّة الدالّة على أنّ غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء ، ومع كون الأوامر إرشاديّة لا يأتي فيها بحث التداخل بوجه.

وأمّا القول الثّاني فهو مشترك الوجه مع القول السّابق في الحكم بصحّة الغسل ، إذ لم يقم دليل على بطلان الغسل في الأعضاء السابقة بالحدث ، وإنّما يمتاز عنه في عدم إيجابه الوضوء معه ، ووجهه أنّ المطلقات الدالّة على أنّ البول أو غيره سبب للوضوء غير تامّة عند هذا القائل ، لتقييدها بما ورد من أن غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء ، فإذا حكمنا بصحّة الغسل فهو غسل جنابة ليس معه وضوء صدر الحدث قبله أم في أثنائه.

وأمّا القول الثّالث فمدركه أنّ حدوث الحدث في أثناء الغسل يبطله ويجعله كالعدم ومعه لا مناص من استئنافه من غير حاجة إلى ضمّ الوضوء إليه ، وهذا القول الأخير هو الأقوى.

والوجه فيه قوله سبحانه ( ... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) (٣) حيث دلّ على أنّ المكلّف الّذي قام إلى الصّلاة من النّوم أو من مطلق الحدث على قسمين جنب وغير جنب ، ووظيفة الجنب‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ ٢٥٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ، ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٦ / أبواب الجنابة ب ٣٤.

(٣) المائدة ٥ : ٦.

٢١

الاغتسال ووظيفة غير الجنب الوضوء ، وحيث إنّ المكلّف في مفروض المسألة جنب لعدم تمام غسله ومن هنا لا يسوغ له المحرمات في حقّ الجنب وقد قام من الحدث فوظيفته الغسل ، ولا مناص له من أن يشرع فيه من الابتداء ، لأنّ ظاهر الأمر بالغسل إيجاده بتمامه لا إتمامه ، وهذا معنى كون الحدث ناقضاً للغسل في الأعضاء السابقة ، ومعه لا يجب عليه الوضوء أيضاً ، لأنّه وظيفة غير الجنب ووظيفة الجنب الاغتسال.

نعم ، الأحوط أن يأتي بالغسل في الأعضاء السابقة رجاءً لا بقصد الإتمام أو التمام لاحتمال عدم كون الحدث في أثناء الغسل مبطلاً له في الأعضاء المتقدّمة ، ويضمّ إليه الوضوء أيضاً بداعي احتمال اختصاص كفاية الغسل عن الوضوء بما إذا وقع الحدث قبل تمامه لا قبل إتمامه ، وبهذا يجمع بين جميع المحتملات ، إلاّ أنّه يختص بما إذا استأنف غسله الترتيبي بالغسل الترتيبي.

وأمّا إذا استأنف الترتيبي بالارتماسي فاحتمال صحّة الغسل في الأعضاء السابقة كاحتمال الحاجة إلى الوضوء يضعف غايته ، وذلك لأنّ احتمال صحّة الغسل في الأعضاء السابقة إنما هو فيما إذا أتى بالأجزاء الباقية وضمّها إليها ، وأمّا إذا رفع يده عن تلك الأجزاء المتقدّمة والشارع أيضاً رخص له في ترك إتمامه غسله الترتيبي فلا يحتمل صحّته ، لأنّه مركب ارتباطي ، ومع عدم ضمّ الأجزاء الباقية إلى سابقتها يبطل لا محالة ، والمفروض أنّ الشّارع رخّص له في رفع اليد عمّا أتى به ترتيباً حتّى مع القطع بصحّته فضلاً عما إذا شكّ فيها ، لجواز العدول من الترتيبي إلى الارتماسي ، بمعنى أنّ التخيير بينهما ليس تخييراً بدوياً بل استمراري ، وله أن يرفع يده عن غسله الترتيبي ويرتمس في الماء ، وبه نقطع بفساد الغسل في الأجزاء المتقدّمة ، ويكون ما عدل به من الغسل الارتماسي مأموراً به قطعاً ، ويأتي به بنيّة التمام ، ولا حاجة معه إلى نيّة الرّجاء في الأعضاء السابقة ، كما لا يحتاج إلى ضمّ الوضوء إليه ، لصحّة غسله الارتماسي ومعه لا يحتاج إلى الوضوء ، إذ لم يقع الحدث في أثنائه ، والأجزاء المأتي بها سابقاً بطل فيها الغسل على الفرض.

٢٢

وكذا إذا أحدث في سائر الأغسال (*) (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحداث بالأصغر بين بقيّة الأغسال‌

(١) كغسل الحيض ومسّ الميت وغيرهما ، وتوضيح الكلام في هذه المسألة أنّ فيها بحثين تختلف النتيجة باختلافهما.

أحدهما : أنّ المكلّف إذا كان متطهراً فمس الميت مثلاً أو حدث عليه غيره من أسباب الأحداث الكبيرة ، فهل يكون مس الميت أو غيره من الأحداث الكبيرة ناقضاً لطهارته كما في البول والرّيح والمني ، أو لا تكون ناقضة لطهارته؟

ثانيهما : أنّ المكلّف إذا كان محدثاً فأحدث بغير الجنابة من الأحداث الكبيرة ، فهل يكون الاغتسال منها مغنياً عن الوضوء أو لا يكون ، بل لا بدّ معها من أن يتوضأ بعد الغسل أو قبله؟

أمّا البحث الأوّل فقد تقدّم الكلام فيه في بحث الوضوء (٢) وقلنا إنّ مقتضى حصر النواقض بما تخرج من الطرفين والنوم أعني الرّيح والغائط والبول والمني عدم انتقاض الطّهارة بالأحداث الكبيرة في غير الاستحاضة المتوسطة لما يأتي من أنّها ناقضة للطهارة كالجنابة (٣).

وأمّا البحث الثّاني فالصحيح فيه أنّ كلّ غسل وجوبي أو استحبابي يغني عن الوضوء إذ أيّ وضوء أنقى من الغسل غير غسل الاستحاضة المتوسطة ، وتفصيل الكلام في ذلك يأتي بعد التكلّم في الأغسال إن شاء الله تعالى (٤).

__________________

(*) لا يبعد جواز رفع اليد عمّا بيده والإتيان بغسل ارتماسي ، وسيأتي أنّه يكفي عن الوضوء في غير غسل الاستحاضة المتوسطة.

(١) تقدّم قبل المسألة [٤٦٢].

(٢) يأتي في المسألة [٧٨٧].

(٣) يأتي التفصيل في ص ٤٠٢ ، وتأتي الإشارة في المسألة [٨٢٠] ، [١٠٥٥].

٢٣

وعليه لو قلنا إنّ الأحداث الكبيرة ناقضة للوضوء وكان المكلّف قد أحدث بالأصغر في أثناء غسل مس الميت أو الحيض أو غيرهما فلا يترتّب على حدثه ذلك أثر ولا يجب عليه بذلك الحدث الوضوء بعد الغسل ، لأنّه سواء أحدث في الأثناء أم لم يحدث يجب عليه الوضوء بحدثه الأكبر ، لأنّ المفروض أنّه ناقض للطهارة كالبول.

ودعوى : أنّ أثر الحدث الأصغر في أثناء الغسل بطلان الغسل في الأعضاء السابقة وعدم كفاية ضمّ الغسل في الأعضاء الباقية إليه فلا مناص من استئنافه.

مندفعة بأنا إنّما التزمنا بذلك في غسل الجنابة لأجل الآية المباركة كما مرّ (١) ، وأمّا في غيره من الأغسال فلم يدل دليل على أنّ الحدث الأصغر في الأثناء موجب لبطلان الغسل في الأعضاء السابقة ، بل حاله في الأثناء حال الحدث بعد الغسل ، فكما أنّه لا يوجب بطلان الغسل السابق كذلك الحدث الواقع في أثنائه ، وعليه فلا بدّ من إتمام غسله والوضوء بعده أو قبله.

فإن قلت : إنّ الغسل وإن لم يبطل بالحدث في أثنائه إلاّ أنّه لا إشكال في أنّ الحدث الأصغر في نفسه سبب مستقل للوضوء ، وبما أنّ الحدث الأكبر أيضاً سبب له على الفرض ، لأنّه يوجب انتقاض الطّهارة كالبول وإن كان سبباً للغسل أيضاً ، فهناك سببان مستقلان للوضوء ، والأصل عدم التداخل ، ومعه لا بدّ من إتمام غسله وضمّ وضوءين إليه.

قلت : لو تمّ هذا المدعى وجب الغسل مع الوضوءين مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين الحدث الأصغر في أثناء الغسل والحدث الأصغر قبله أم بعده ، لأنّه سبب مستقل على كلّ حال ، كما أنّ الحدث الأكبر سبب ، والأصل عدم التّداخل ، ولا يمكن الالتزام بوجوب الغسل مع الوضوءين بوجه.

وحلّ ذلك أنّ أصالة عدم التّداخل إنّما هي فيما إذا كان الأمران تكليفيين مولويين كما إذا ورد إن ظاهرت فكفّر ، وإن أفطرت فكفّر ، فيقال في مثله إنّ المكلّف إذا ظاهر‌

__________________

(١) مرّ في الصفحة ٢١.

٢٤

وأفطر وجبت عليه كفّارتان ، لأنّ الأصل عدم التّداخل ، وأمّا في الأوامر الإرشاديّة إلى الشرطيّة فحسب كما هو الحال في المقام لأنّ معنى الأمر بالوضوء على تقدير البول أو مسّ الميت ونحوهما عدم جواز الدّخول في الصّلاة حينئذ من غير وضوء ، فلا مجال فيه لأصالة عدم التّداخل كما مرّ تحقيقه غير مرّة (١) ، بل مقتضى إطلاق الدّليل في مثله التداخل ، لعدم تقييد الوضوء بفرد دون فرد ، ومن هنا لا يجب عليه غير وضوء واحد فيما إذا بال مرّتين أو نام وبال ، هذا إذا كان المكلّف متطهّراً.

وأمّا إذا كان محدثاً فاغتسل وأحدث في أثنائه وبنينا على أنّ غير غسل الجنابة لا يغني عن الوضوء فأيضاً الأمر كما قدّمناه ، فإنّ الوضوء واجب في حقّه سواء أحدث في أثناء غسله أم لم يحدث ، وقد مرّ أنّه لا دليل على بطلان غسله بالحدث الأصغر في أثنائه ، وعليه فيجب عليه إتمام الغسل مع الوضوء.

وأمّا إذا قلنا إنّ كلّ غسل يغني عن الوضوء كما هو الصّحيح غير غسل الاستحاضة المتوسطة فأيضاً لا كلام في صحّة غسله ، لما مرّ من أنّ الحدث الأصغر لا دليل على كونه موجباً لبطلان الغسل في الأجزاء السابقة ، إلاّ أنّ الصّحيح حينئذ وجوب الوضوء بعده أو في أثنائه ، لأنّ بقيّة الغسل ليست بغسل حتّى يكون أنقى من الوضوء ، وإنّما الدّليل دلّ على أنّ الغسل يغني عن الوضوء ، وليس غير الغسل التامّ بغسل ، فإطلاقات أدلّة وجوب الوضوء بعد البول محكّمة ، فلا مناص من أن يتمّ غسله ويضمّ إليه الوضوء أيضاً.

اللهمّ إلاّ أن يعدل عن التّرتيبي إلى الارتماسي ، بأن يرفع يده عن غسله في الأجزاء السابقة ، لأنّه أمر سائغ له على الفرض ، وهو مخيّر بينهما في أثناء الغسل كما كان مخيراً بينهما قبله ، فلا يجب الوضوء حينئذ ، لأنّ ارتماسه غسل صحيح ، لقوله عليه‌السلام « إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه ذلك » (٢) ، ومع الغسل الصّحيح التام لا يجب الوضوء ، لأنّ الغسل أنقى من الوضوء ، هذا.

__________________

(١) مرّ في المسألة [٢٣٧] ، وسيأتي في الصفحة ٤٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٥ كلّها بمضمونه.

٢٥

ولا فرق بين أن يكون الغسل ترتيبيّاً أو ارتماسيّاً (١) إذا كان على وجه التّدريج (*)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وربما يستدلّ على بطلان الغسل في الأعضاء السابقة بالحدث الأصغر الواقع في أثنائه بمرسلة الصدوق عن الصّادق عليه‌السلام حيث قال فيها « إذا أردت ذلك فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح أو منيّ بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوّله » (٢) ، وبرواية الفقه الرضوي (٣) الّتي هي أيضاً بمضمون المرسلة.

إلاّ أنّ المرسلة ضعيفة بإرسالها ، والفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها ، نعم على تقدير كونهما معتبرتين لدلّتا بإطلاقهما على بطلان غير غسل الجنابة أيضاً بالحدث الأصغر في أثنائه.

عدم الفرق بين التّرتيبي والارتماسي في المسألة‌

(١) يأتي فيه ما قدّمناه في التّرتيبي بعينه ، ففي غسل الجنابة لا بدّ وأن يستأنف غسله ، بخلاف غسل غير الجنابة ، إذ لا دليل على بطلان غيره من الأغسال بالحدث الأصغر في أثنائه ، إلاّ أنّه يضم إليه الوضوء من جهة الحدث الأصغر. اللهمّ إلاّ أن يعدل عما بيده إلى الارتماسي [ الدفعي ] فإنّه يصح ويغني عن الوضوء في غسل الجنابة وغيره ، بناءً على أنّ كلّ غسل يغني عن الوضوء في غير غسل الاستحاضة المتوسطة.

__________________

(*) تقدّم أنّه يعتبر في صحّة الارتماسي التدريجي الدفعة العرفيّة ، وعليه يجوز للمغتسل رفع اليد عن المقدار المتحقّق ولو بخروجه من الماء ثمّ الاغتسال ارتماساً أو ترتيباً ، ومعه لا حاجة إلى الوضوء في غسل الجنابة قطعاً.

(١) الوسائل ٢ : ٢٣٨ / أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٤.

(٢) المستدرك ١ : ٤٧٤ / أبواب الجنابة ب ٢١.

٢٦

وأمّا إذا كان على وجه الآنيّة (١) فلا يتصور فيه حدوث الحدث في أثنائه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقارن الحدث الأصغر مع الارتماسي‌

(١) كما هو الصّحيح ، حيث قدّمنا أنّه أمر آنيّ عقلي غير قابل للتجزية (١) ، وعليه فلا معنى لوقوع الحدث الأصغر في أثنائه ، إذ لا أثناء له حتّى يقع الحدث في أثنائه. نعم يمكن أن يقارنه الحدث الأصغر ، بأن يتحقّق الحادثان مقترنين ، وهذا لا ينافي عدم إمكان وقوع أحدهما في أثناء الآخر لبساطته ، إذ لا مانع من أن يكون البسيط مقارناً لأمر آخر بحسب الزّمان ، وهل يكون هذا موجباً لبطلان غسل الجنابة كما كان هو الحال في الغسل التّرتيبي أو الارتماسي التّدريجي أو لا يكون؟

التحقيق صحّة الغسل حينئذ وعدم بطلانه بمقارنة الحدث الأصغر معه ، وذلك لأنّ نسبة الغسل إلى ارتفاع الجنابة كنسبة العلّة إلى معلولها ونسبة الحكم إلى موضوعه ومن البديهي أنّ التقدّم في العلّة ومعلولها وكذا في الحكم وموضوعه طبعي رتبي ، وأمّا بحسب الزّمان فهما متقارنان ، لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته والحكم عن موضوعه ، وعليه فالمكلّف حينما يغتسل محكوم بارتفاع جنابته ، وبما أنّ الحدث الأصغر مقترن مع الغسل فهو مقترن مع ارتفاع الحدث والجنابة لا محالة ، فالحكم بكونه محدثاً بالحدث الأصغر إنما هو في زمان الحكم بعدم جنابته ، ومن الواضح أنّ وظيفة المحدث بالحدث الأصغر غير الجنب هو التوضؤ دون الاغتسال ، كما قدّمنا تقريبه عند الاستدلال بالآية المباركة (٢).

نعم ، لو قلنا باعتبار المرسلة ورواية الفقه الرّضوي وتعدّينا عن موردهما الّذي هو الغسل التّرتيبي إلى المقام لأمكن الحكم ببطلان غسل الجنابة حينئذ ، إلاّ أنّك عرفت عدم تماميّة شي‌ء منهما.

__________________

(١) تقدّم في المسألة [٦٦٥].

(٢) تقدّم في الصفحة ٢١.

٢٧

[٦٩٢] مسألة ٩ : إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل فإن كان مماثلاً للحدث السّابق كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله فلا إشكال في وجوب الاستئناف ، وإن كان مخالفاً له فالأقوى عدم بطلانه ، فيتمّه ويأتي بالآخر ، ويجوز الاستئناف بغسل (*) واحد لهما ويجب الوضوء بعده (**) إن كانا غير الجنابة أو كان السابق هو الجنابة (***) حتّى لو استأنف وجمعهما بنيّة واحدة على الأحوط ، وإن كان اللاّحق جنابة فلا حاجة إلى الوضوء ، سواء أتمّه وأتى للجنابة بعده أم استأنف وجمعهما بنيّة واحدة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوع الحدث الأكبر في أثناء الغسل وصوره‌

(١) للمسألة صور : فإنّ الحدث الأكبر الواقع في أثناء الغسل إمّا أن يكون متماثلاً مع الحدث السابق ، كما إذا خرج منه المني في أثناء غسله من الجنابة ، أو مسّ الميت في أثناء غسله من المس وهكذا ، وإمّا أن يكون مخالفاً له ، وعليه فقد يكون المتقدّم هو الجنابة وما وقع في الأثناء غير الجنابة ، وقد يكون المتقدّم غير الجنابة والمتأخر هو الجنابة ، وثالثة يكون المتقدِّم والمتأخِّر كلاهما غير الجنابة.

أمّا إذا كان المتأخر والمتقدّم متماثلين فلا ينبغي الإشكال في أنّ المتأخر موضوع مستقل للحكم بوجوب الاغتسال ، وظاهر الأمر بالغسل حينئذ إيجاده من الابتداء فلا يكفي تتميم الغسل السابق في ارتفاع حدثه ، فيجب عليه حينئذ أن يستأنف غسله ، ففي غسل الجنابة لا يجب عليه الوضوء حينئذ ، لأنّه مغن عنه ، وأمّا في غيره فيبتني على القول بأنّه يغني عن الوضوء أو لا يغني ، وحال المكلّف حينئذ من هذه الجهة حال ما إذا لم يكن له إلاّ حدث واحد ولم يطرأ عليه الحدث الثّاني في أثناء غسله.

__________________

(*) ارتماساً ، وأمّا التّرتيبي فيقصد به رفع الحدث الموجود على النحو المأمور به في الواقع.

(**) على الأحوط ، ولا يبعد عدم وجوبه في غير غسل الاستحاضة المتوسطة كما سيأتي.

(***) إذا كان الاستئناف بغسل ارتماسي كان الاحتياط في هذا الفرض ضعيفاً.

٢٨

وأمّا إذا كان المتقدّم والمتأخر متخالفين فقد تقدّم أنّ له صوراً ثلاثاً ، ولا إشكال في جميع تلك الصور في عدم بطلان الغسل في الأعضاء السابقة بالحدث الأكبر الواقع في أثنائه ، لأنّه لا دليل عليه ، وإنّما الكلام في أنّه هل يوجب الوضوء أو لا يوجبه؟

أمّا الصورة الأُولى ووقوع الحدث غير الجنابة في أثناء غسل الجنابة ، كما إذا مسّ الميت في أثناء غسل الجنابة ، فإن قلنا إنّ الأحداث الكبيرة غير الجنابة أيضاً من نواقض الوضوء فهي في أنفسها توجب الوضوء ولا رافع له ، لأنّ غسل الجنابة إنّما يغني عن الوضوء فيما إذا وقع بتمامه بعد الحدث ، وأمّا إذا وقع بعضه بعد الحدث فلا يوجب رفعه ، ومعه لا بدّ من أن يتمّ غسله ثمّ يغتسل لمسّ الميت ويضمّ إليه الوضوء أيضاً ، نعم له أن يرفع يده عن غسله ويعدل إلى الارتماس فإنّه حينئذ يكفي عن كلا الحدثين كما يغني عن الوضوء أيضاً.

وأمّا إذا لم نقل بكونها من النواقض ، فسواء قلنا بكونها مغنية أم لم نقل لا يجب عليه الوضوء في مفروض المسألة ، لأنّ غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء ، ولم يحدث سبب يقتضي الوضوء ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون المكلّف محدثاً بالأصغر قبل حدثه الأوّل أم كان متطهراً منه.

وأمّا الصّورة الثّانية أعني ما إذا كان الحدث الواقع في الأثناء هو الجنابة والحدث الأوّل غير الجنابة ، كما إذا أجنب في أثناء غسل مسّ الميت ، فلا إشكال في عدم وجوب الوضوء عليه ، لأنّه لا بدّ من أن يغتسل للجنابة في أثناء غسله أم بعده وغسل الجنابة يغني عن الوضوء.

وله في هذه الصّورة أيضاً أن يرفع يده عن غسله ويأتي بغسل الجنابة بعد ذلك لأنّه يرفع جميع الأحداث الطارية عليه سواء قصدها أم لم ينوها ، لما يأتي من أنّ غسل الجنابة يرفع ما تقدّم عليه من الأحداث ، وهذه الصّورة أيضاً لا يفرق فيها بين ما إذا كان المكلّف متطهراً قبل حدثه الأوّل أم كان محدثاً.

وأمّا الصّورة الثّالثة بأن يكون الحدثان كلاهما غير الجنابة ، كما إذا مسّت المرأة ميتاً في أثناء اغتسالها من النّفاس ، فإن كان المكلّف متطهراً قبل حدثه السابق وقلنا‌

٢٩

إنّ الحدث الأكبر غير الجنابة ليس من نواقض الوضوء ولا يوجبه كما هو الصّحيح فلا موجب لتوهم وجوب الوضوء عليه ، لأنّه كان متطهراً على الفرض ، وما وقع من الحدثين غير ناقض ولا موجب للوضوء ، فطهارته باقية بحالها.

وأمّا إذا كان محدثاً قبل حدثه السّابق وقلنا أنّ الحدثين غير ناقضين ولا موجبين للطهارة فلا مناص من أن يتوضأ ، لأنّه محدث بالأصغر ولم يطرأ ما يرفعه.

وأمّا إذا قلنا إنّ الأحداث الكبيرة غير الجنابة موجبة للطهارة ومغنية عن الوضوء فأيضاً لا يجب عليه الوضوء ، لاغتساله من الحدثين ، وهما يغنيان عن الوضوء ، وإن قلنا بالتفصيل في ذلك بين الأحداث ولم نقل بإغناء بعضها عن الوضوء ، كغسل الاستحاضة المتوسطة مثلاً ، فلا بدّ من التفكيك في المقام والحكم بعدم وجوب الوضوء في غسل الاستحاضة المذكورة والحكم بوجوبه فيه.

بقي الكلام في شي‌ء وإن ظهر حكمه ممّا تقدّم ، وهو ما إذا أحدث بالحدث الأكبر في أثناء الوضوء ، فهل يجب عليه إتمامه أو لا بدّ من استئنافه الوضوء؟

إذا كان الحدث الطارئ هو الجنابة فلا إشكال في بطلان وضوئه ، لأنّ المني من جملة النواقض ، وليس له إتمامه لأنّه محدث وهو جنب ، والمحدث الجنب يجب عليه الغسل بمقتضى الآية المباركة (١) دون الوضوء.

وأمّا إذا كان غير الجنابة فإن قلنا إنّها من النواقض كالبول والغائط فأيضاً لا كلام في بطلان الوضوء بها ، ويجب عليه استئنافه كما يجب عليه أن يغتسل من الحدث الطارئ في الأثناء ، وأمّا إذا لم نقل بكونها من النواقض كما لا نقول به لأدلّة حصر النواقض فلا وجه لبطلان وضوئه ، بل له أن يتمّه ويغتسل من حدثه ، نعم إذا قلنا بإغناء كلّ غسل عن الوضوء لا يجب عليه التوضؤ فيما إذا اغتسل من حدثه الطارئ في أثناء وضوئه ، لأنّه يغني عن الوضوء.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

٣٠

[٦٩٣] مسألة ١٠ : الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبّة أيضاً لا يكون مبطلاً لها (١) ، نعم في الأغسال المستحبّة لإتيان فعل (٢) كغسل الزّيارة والإحرام لا يبعد البطلان ، كما أنّ حدوثه بعده وقبل الإتيان بذلك الفعل كذلك كما سيأتي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوع الحدث الأصغر في أثناء الغسل المستحب‌

(١) لأنّ الحال فيها هو الحال في الأغسال الواجبة من تلك الجهة ، نعم يجب عليه التوضؤ بعد إتمام غسله أو في أثنائه ، لفرض أنّه قد أحدث بالبول ونحوه ، ولا يرفعه إتمام غسله الاستحبابي ، لأنّا لو قلنا بإغناء كلّ غسل عن الوضوء فإنّما هو فيما إذا وقع الغسل بعد الحدث ولو كان غسلاً ندبيّاً ، دون ما إذا وقع الحدث في أثنائه ، اللهمّ إلاّ أن يعدل عن التّرتيبي إلى الارتماسي ، فإنّه يغني عن الوضوء حينئذ بناءً على ما هو الحق من إغناء كلّ غسل عن الوضوء.

(٢) بأن اعتبر فيه طهارة خاصّة وهو الطّهارة الحاصلة من الغسل ، أو اعتبر فيه بقاء غسله بأن يكون على غسل ، فلا يكفي فيه الطّهارة الحاصلة بالوضوء ، ومن هنا لو اغتسل له ثمّ بعد ذلك بال أو نام لم يحصل به شرط ذلك العمل وإن توضأ بعد ذلك لأنّ شرطه الطّهارة الحاصلة بالغسل لا مطلق الطّهارة ، وحينئذ إذا وقع الحدث الأصغر في أثناء غسله للإحرام أو للزيارة أو غيرهما من الأفعال والجامع هو الأغسال الفعليّة فهل يبطل بذلك غسله فليس له أن يدخل في ذلك العمل بإتمامه أو له ذلك إذا أتمّه؟

لم يستبعد البطلان في المتن ، وهو الصّحيح بل هو الأظهر ، وذلك لأنّا وإن التزمنا بأنّ الغسل يغني عن الوضوء إلاّ أنّه فيما إذا وقع الغسل بعد الحدث ، وأمّا ما وقع منه في أثنائه فإتمام الغسل فيه لا يوجب ارتفاعه ، وحيث إنّه بال في أثناء غسله والغسل لم يرفع حدثه ، ومن هنا لم يجز له الدّخول في الصّلاة بعد غسله هذا ، فهو حينئذ أي إذا أتمّ غسله فلا محالة يقع صحيحاً ، لأنّ الحدث الأصغر الواقع في أثنائه لا يبطله‌

٣١

[٦٩٤] مسألة ١١ : إذا شكّ في غسل عضو من الأعضاء الثّلاثة أو في شرطه قبل الدّخول في العضو الآخرة رجع (*) وأتى به (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن هنا له أن يكتفي به في الأغسال الزمانيّة كغسل يوم الجمعة أو ليلة كذا ، إلاّ أنّه محدث لا محالة ، فلو دخل في الإحرام أو غيره من الأعمال المشترطة بالطّهارة الحاصلة من الغسل فقد دخل فيه محدثاً وغير واجد لشرطه ، وإن توضأ ارتفع حدثه بذلك ، إلاّ أنّه طهارة وضوئيّة وشرط العمل هو الطّهارة الحاصلة من الغسل دون الوضوء ، فلا مناص له إلاّ أن يستأنف غسله حتّى يحصل له الطّهارة الغسليّة ، فلو استأنفه بنحو العدول من التّرتيب إلى الارتماس كان أحوط.

الشكّ في غسل عضو من أعضاء الغسل‌

(١) لا إشكال ولا خلاف في أنّ الشكّ في صحّة العمل وفساده بعد الفراغ عنه مورد لقاعدة الفراغ ، كما أنّ الشكّ في وجود شي‌ء بعد الدّخول في الغير المرتّب عليه مورد لقاعدة التّجاوز ، فيعتبر في قاعدة الفراغ أن يكون الشكّ في فساد العمل وصحّته ، إذ يعتبر فيها إحراز المضي ، وهو لا يتحقق مع الشكّ في أصل الوجود ، كما يعتبر في قاعدة التّجاوز الشكّ في وجود الشي‌ء وعدمه بعد الدّخول في الغير المرتب عليه ، أي بعد التّجاوز عن محل المشكوك فيه.

فعلى هذا إذا فرغ عن غسله وشكّ في صحّة ما أتى به أو فساده لاحتماله الإخلال بجزء أو بشرط لا يعتني بشكّه ذلك ، بل يبني على صحّته لقاعدة الفراغ ، وأمّا إذا شكّ في أصل وجوده وأنّه أتى به أم لم يأت به فلا بدّ من أن يعتني بشكّه ذلك ، لاستصحاب عدم إتيانه بالغسل ، وليس المورد من موارد قاعدة التّجاوز ، لعدم التّجاوز عن محل المشكوك فيه ، إذ لا محل شرعي للغسل المأمور به حتّى إذا اعتاد‌

__________________

(*) لا يبعد عدم وجوب الرّجوع إذا كان المشكوك فيه هو الشّرط.

٣٢

وإن كان بعد الدّخول فيه لم يعتن به ويبني على الإتيان على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاعتناء ما دام في الأثناء ولم يفرغ من الغسل ، كما في الوضوء. نعم ، لو شكّ في غسل الأيسر (*) أتى به وإن طال الزّمان ، لعدم تحقّق الفراغ حينئذ ، لعدم اعتبار الموالاة فيه ، وإن كان يحتمل عدم الاعتناء إذا كان معتاد الموالاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغسل في محل ، كما إذا كان من عادته الاغتسال بعد الجنابة بلا فصل لكراهة البقاء على الجنابة في النّوم مثلاً وقد شكّ في الإتيان به بعد قيامه من النّوم ، وذلك لأنّه حينئذ وإن كان قد تجاوز عن المحل الاعتيادي للاغتسال ، إلاّ أنّا ذكرنا في الأُصول أنّ التّجاوز عن المحل الاعتيادي ممّا لا أثر له ، والمعتبر هو التّجاوز عن المحل المقرّر الشرعي (٢) ، وبما أنّ الغسل لا محل له فلو شكّ في وجوده لا بدّ من أن يعتني بشكّه هذا كلّه إذا شكّ بعد الفراغ عن العمل.

وأمّا إذا شكّ وهو في أثنائه في أنّه أتى بجزء من أجزائه أم تركه ، فإن كان دخل في الجزء المترتب عليه لم يعتن بشكّه لقاعدة التّجاوز ، وأمّا إذا كان في المحل ولم يدخل في جزء مترتب عليه فلا مناص من أن يعتني بشكّه ويأتي بالمشكوك فيه ، للاستصحاب أو قاعدة الاشتغال بل لنفس أدلّة قاعدة التّجاوز ، حيث دلّت على أنّ الشكّ إنّما هو في شي‌ء لم تجزه (٣) ، هذا إذا كان شكّه في الجزء.

وأمّا إذا شكّ في شرط من شروط الجزء أو العمل فعلى ما قدّمناه في محله من عدم اختصاص قاعدة الفراغ بالمركبات وإتيانها في الأجزاء (٤) أيضاً لا يعتني بشكّه ذلك بل يبني على صحّة ما أتى به لقاعدة الفراغ ، وذلك لعموم أدلّتها وأنّ « كلّ ما شككت‌

__________________

(*) بناءً على عدم اعتبار التّرتيب بين الجانبين يكون حكم الشكّ في غسل الأيمن حكم الشكّ في غسل الأيسر بعينه ، واحتمال عدم الاعتناء بالشكّ لمعتاد المبالاة ضعيف جدّاً.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣١٥.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٩ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٣ ، ٢٧٧.

٣٣

فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (١) نعم بناءً على اختصاصها بالمركب كما بنى عليه شيخنا الأُستاد قدس‌سره (٢) لا تجري القاعدة في المقام ، ولا بدّ من الاعتناء بشكّه.

ومن لم يقل بجريان قاعدة التّجاوز عند تجاوز المحل والدّخول في الجزء الآخر المترتب عليه إنّما استند إلى أنّ المأمور به في الوضوء إنّما هو الطّهارة ، وهي أمر بسيط لا معنى للشك فيه في أثنائه ، إذ ليس له أجزاء ليعقل الشكّ في جزء منه بعد الدّخول في جزئه الآخر ، وإنّما هي أمر واحد بسيط إمّا أن يوجد وإمّا أن ينعدم ، فما دلّ (٣) على عدم جريان القاعدة في الوضوء على طبق القاعدة ، وكذلك الحال في الغسل والتّيمم ، لوحدة المناط في الجميع. وهذا هو الّذي ذهب إليه شيخنا الأنصاري قدس‌سره (٤).

وقد أجبنا عنه في محله بأن الوضوء والغسل والتيمم هي الطّهارة بعينها ، لأنّها اسم لتلك الأفعال الصّادرة في الخارج من المسحات والغسلات ، وهي أُمور مركّبة لا مانع من الشكّ في جزء منها بعد الدّخول في جزء آخر ، بل الأمر كذلك حتّى إذا قلنا أنّ الطّهارة أمر بسيط وتلك الأفعال أسباب لها ، وذلك لأنّها أسباب شرعيّة تعبديّة لا مانع من إجراء قاعدة التّجاوز فيها عند الشكّ في أجزائها ، فما دلّ على عدم جريان القاعدة في الوضوء على خلاف القاعدة ، فلا بدّ من الاقتصار فيه على مورده وهو الوضوء دون الغسل والتّيمم (٥).

وقد ذكر شيخنا الأُستاذ قدس‌سره وجهاً آخر ، وهو أنّ أدلّة اعتبار قاعدة التّجاوز مختصّة بالصّلاة ، فعدم جريانها في الوضوء والغسل والتّيمم على القاعدة لقصور الدّليل (٦).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصّلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٧ / الرّابع من وجوه تغاير قاعدة الفراغ والتّجاوز.

(٣) الوسائل ١ : ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٣.

(٤) كتاب الطّهارة : ١٦١ السطر ٢٥ ، فرائد الأُصول ٢ : ٧١٣.

(٥) مصباح الأُصول ٣ : ٢٨٨.

(٦) أجود التقريرات ٢ : ٤٦٨.

٣٤

وقد دفعنا هذا أيضاً (١) بأنّ أدلّة القاعدة عامّة للصلاة وغيرها ، لقوله عليه‌السلام « كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (٢) ، وإنّما طبّقه الإمام عليه‌السلام على الشكّ في السّجود بعد ما قام أو على الشك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، كما في رواية أُخرى (٣). وعليه فلا قصور في أدلّة اعتبارها ، وإنّما لا نلتزم بجريانها في الوضوء للنص (٤) ، وأمّا الغسل والتّيمم فلا محذور في جريانها فيهما.

بقي هناك بحث صغروي : وهو أنّه إذا شكّ في غسل الأيمن وقد دخل في غسل الجانب الأيسر هل تجري فيه قاعدة التّجاوز ولا يعتني بشكّه ، أو لا بدّ من الاعتناء به؟

يبتني هذا على أنّ التّرتيب معتبر في غسل الجانبين أو غير معتبر ، فعلى الأوّل تجري القاعدة ، للتجاوز عن محل المشكوك فيه بالدخول في الجزء المترتب عليه ، وأمّا بناءً على عدم اعتبار التّرتيب بينهما كما هو الصّحيح فلا ، لعدم التّجاوز عن المحل. هذا كلّه إذا شكّ في غير الجزء الأخير وهو في أثناء العمل.

وأمّا إذا شكّ في غير الجزء الأخير بعد الفراغ عن العمل فهو أيضاً مورد لقاعدة التّجاوز ، لأنّها كانت تقتضي الحكم بإتيانه وصحّته عند الشكّ في الأثناء ، فما ظنّك بما إذا شكّ فيه بعد الفراغ.

وأمّا إذا شكّ في الإتيان بالجزء الأخير من الغسل كالإتيان بغسل الجانب الأيسر بناءً على اعتبار التّرتيب بينه وبين غسل الجانب الأيمن ، أو الإتيان بغسل الجسد بناءً على عدم اعتبار التّرتيب بين الجانبين ، وهو مشتغل بالكتابة أو بأمر آخر مثلاً فهل تجري قاعدة الفراغ ويحكم بصحّة العمل ، أو قاعدة التّجاوز ويحكم بإتيان‌

__________________

(١) في مصباح الأُصول ٣ : ٢٨٠. وراجع المسألة [٥٨٦].

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٧ / أبواب الرّكوع ب ١٣ ح ٤ صحيحة إسماعيل بن جابر.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصّلاة ب ٢٣ ح ١ صحيحة زرارة.

(٤) الوسائل ١ : ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٣.

٣٥

الجزء الأخير أو لا تجري القاعدة؟

قد يقال بجريان قاعدة الفراغ نظراً إلى أنّ المضي المعتبر في جريان القاعدة ليس هو المضي الحقيقي ، وإلاّ لم يعقل الشكّ في صحّة العمل وفساده ، للعلم بمضيّه وتحقّقه فالمراد بالمضي هو المضي البنائي والاعتقادي ، وهو متحقّق في المقام ، لأنّه اعتقد وبنى على إتمام العمل ، ومن هنا اشتغل بشي‌ء من الأفعال الأُخر وإن شكّ بعد ذلك في صحّة اعتقاده وعدمه ، فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ في المقام.

ويدفعه : أنّ المعتبر في جريان القاعدة هو المضي الحقيقي على ما اشتملت عليه أخبارها ، وحمله على المضي بحسب البناء والخيال يحتاج إلى مئونة زائدة ولا دليل عليه ، ودعوى أنّه مع اعتبار المضي الحقيقي لا مجال للشكّ في صحّة العمل وفساده إنّما يتمّ إذا اعتبر في جريان القاعدة مضي العمل الصّحيح ، وأمّا إذا اعتبر مضي الجامع بين الصّحيح والفاسد لا تتوجّه عليه هذه المناقشة ، لأنّه ممّا يمكن إحرازه مع الشكّ في صحّة العمل ، فكلّ ما أحرزنا مضي الجامع بين صحيح العمل وفاسده يحكم بصحّته ، وهذا كما إذا شككنا بعد الإتيان بالجزء الأخير في صحّة العمل وفساده من جهة الشك في أنّه أتى بأحد أجزائه أو شرائطه غير الجزء الأخير ، أو من جهة الشكّ في الجزء الأخير أيضاً فيما إذا أخل بالموالاة ، لعلمه حينئذ بمضي العمل المحتمل صحّته وفساده فيحكم بصحّته ، وأمّا في المقام الّذي يشكّ فيه في الجزء الأخير من دون أن يعتبر فيه الموالاة ، لعدم اعتبارها في الغسل فلا يحرز مضي الجامع بين الصّحيح والفاسد ، إذ يحتمل أن يكون بعد في أثناء العمل ، لاحتمال أنّه لم يأت بعد بالجزء الأخير ، ولم تعتبر فيه الموالاة حتّى يقطع بمضيه عند فوات الموالاة.

فتحصل أنّ المورد ليس من موارد قاعدة الفراغ ، كما أنّه ليس من موارد قاعدة التّجاوز ، كما إذا كانت عادته جارية على عدم الاشتغال بشي‌ء من الأفعال الأُخر قبل إتمام غسله ، بأن اعتاد الموالاة في غسله ، فإنه إذا رأى نفسه مشتغلاً بشي‌ء من الكتابة والمطالعة فلا محالة يعلم بتجاوز المحل العادي للجزء الأخير ، لأنّ محله إنّما هو قبل الشّروع في بقيّة الأفعال وقبل فوات الموالاة.

٣٦

والوجه في عدم جريانها ما تقدّم من أنّ التّجاوز عن المحل الاعتيادي لا اعتبار به (١) فإنّ المعتبر هو التّجاوز عن المحل المقرّر الشرعي ، وهو غير متحقّق في المقام فالمتحصل إلى هنا أنّ الشكّ في الجزء الأخير ليس بمورد لشي‌ء من القاعدتين.

نعم ، نلتزم بعدم الاعتبار بالشكّ في الجزء الأخير من غسله فيما إذا دخل في الصّلاة ، وهذا لا لعموم أدلّة قاعدة التّجاوز أو إطلاقاتها ، وذلك لما مرّ من عدم جريان القاعدة حينئذ ، ومن هنا لو شكّ في أصل طهارته وهو في أثناء الصّلاة قلنا بعدم جريان قاعدة التّجاوز في وضوئه وغسله ، لأنّ الطّهارة من الشّرائط المقارنة للصلاة وليس محلّها قبل الصّلاة ، بل الوجه فيما ذكرنا هو الصّحيحة الواردة في « رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة ، فقال : إذا شكّ وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه إلى أن قال فإن دخله الشكّ وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شي‌ء عليه » (٢).

وعليه فلو شكّ في أنّه غسل جانبه الأيسر أم لم يغسله وهو في الصّلاة لم يعتن بشكّه ، لهذه الصّحيحة ، إلاّ أنّها لمّا كانت على خلاف القاعدة لم يكن مناص من الالتزام بأمرين :

أحدهما : تخصيص الحكم بموردها ، وهو ما إذا كان داخلاً في صلاته ، فلو دخل في غيرها من الأفعال لم يحكم بصحّة غسله ، نعم ورد في رواية الكافي « وقد دخل في حال أُخرى » (٣) ، بدلاً عن قوله « وقد دخل في صلاته » إلاّ أنّ الترجيح مع رواية الشيخ المشتملة على قوله « وقد دخل في صلاته » وإن كان الكليني أضبط ، وذلك لأنّ ذيلها قرينة على أنّ المذكور هو الدّخول في صلاته ، حيث قال « فليمض في صلاته » إذ لو كان الوارد هو قوله « وقد دخل في حال اخرى » لم يكن معنى لقوله « فليمض في صلاته » ، بل كان الصّحيح أن يقول فليدخل في صلاة أو غيرها ممّا يشترط فيه الطّهارة.

__________________

(١) تقدّم في ص ٣٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٦٠ / أبواب الجنابة ب ٤١ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ / ٢ باب الشكّ في الوضوء.

٣٧

[٦٩٥] مسألة ١٢ : إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل ثمّ شكّ في أنّه كان ناوياً للغسل الارتماسي حتّى يكون فارغاً ، أو لغسل الرأس والرقبة في التّرتيبي حتّى يكون في الأثناء ويجب عليه الإتيان بالطرفين ، يجب عليه الاستئناف. نعم يكفيه غسل الطرفين بقصد التّرتيبي ، لأنّه إن كان بارتماسه قاصداً للغسل الارتماسي فقد فرغ ، وإن كان قاصداً للرأس والرّقبة فبإتيان غسل الطرفين يتمّ الغسل التّرتيبي (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وثانيهما : تخصيصه بما إذا كان الشكّ في غسل بعض جسده ، وأمّا إذا شكّ في غسل تمام جسده كما إذا علم بأنّه غسل رأسه وشكّ في أنّه هل شرع في غسل جسده أم لم يغسله أصلاً فلا يجري فيه ما تقدّم ، لاختصاص الصّحيحة بما إذا كان الشكّ في غسل بعض الجسد ، وأمّا في غيره فمقتضى القاعدة هو الاعتناء بالشكّ ، هذا في الغسل.

وأمّا في الوضوء فنحكم بصحّته حتّى فيما إذا دخل في غير الصّلاة ، لاشتمال الصّحيحة الواردة في الوضوء الّتي هي كهذه الصّحيحة من حيث الرواة ، وكذا غيرها من الرّوايات على قوله « ودخلت في حالة اخرى من صلاة أو غيرها » (١) وأمّا في التّيمم فلا نلتزم بصحّته عند الشكّ في جزئه الأخير مطلقاً دخل في الصّلاة أو في غيرها ، لاختصاص الصحيحتين بالغسل والوضوء ، ومقتضى القاعدة في التّيمم هو الاعتناء ، كما أنّ ما التزمنا به في الوضوء والغسل إنّما كان بمقتضى الوقوف مع النص وإلاّ فمقتضى القاعدة الاعتناء بالشكّ كما مرّ.

إذا شكّ في نيّة الارتماسي بعد الارتماس‌

(١) مقتضى استصحاب عدم الإتيان بغسل البدن بعنوان غسل الجنابة كفاية غسل طرفي بدنه قاصداً به الغسل ، إلاّ أنّه مخيّر بينه وبين العدول عمّا بيده إلى الغسل‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٩ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١.

٣٨

[٦٩٦] مسألة ١٣ : إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثمّ تبيّن له بقاء جزء من بدنه غير منغسل يجب عليه الإعادة ترتيباً أو ارتماساً ، (١) ولا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرّأس والرّقبة (*) إن كان الجزء غير المنغسل في الطّرفين فيأتي بالطّرفين الآخرين ، لأنّه قصد به تمام الغسل ارتماساً لا خصوص الرّأس والرقبة ، ولا تكفي نيّتهما في ضمن المجموع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الارتماسي ، فلو أراد قدس‌سره من الاستئناف ذلك ، أي العدول إلى الارتماسي فهو وإلاّ فلو أراد به ما هو ظاهره من إعادة غسله من الابتداء فيدفعه أنّه لا أمر له بالغسل في رأسه ورقبته للقطع بغسلهما من باب الاغتسال ، لأنّه إمّا ارتمس فلا أمر له بغسل الجنابة أصلاً وإمّا إنّه اغتسل ترتيباً فقد غسل رأسه ورقبته ، فلا أمر له بغسلهما ، ومع سقوط الأمر كيف يمكنه الإتيان بالغسل فيهما.

إذا تبيّن بقاء جزء غير منغسل بعد الانغماس‌

(١) هذا مبني على أنّ الغسل التّرتيبي والارتماسي طبيعتان متغايرتان وأنّ إحداهما غير الأُخرى ، فحينئذ يتمّ ما أفاده قدس‌سره ولا يكفي حينئذ جعل ما أتى به من الغسل غسلاً لرأسه ورقبته ويأتي بغسل بدنه بعد ذلك فيما إذا كان موضع غير منغسل في بدنه ، وذلك لأنّ ما وقع من الغسل التّرتيبي لم يقصد ، وما قصده من الغسل الارتماسي لم يقع لعدم وصول الماء إلى تمام بدنه.

وأمّا إذا بنينا على أنّهما طبيعة واحدة ، لأنّ الغسل عبارة عن وصول الماء بصبه أو بالدخول في الماء من القرن إلى القدم ، وهذا قد يتحقّق بالتّرتيب وقد يتحقّق بالارتماس.

نعم ، إذا حصل ذلك على نحو التّدريج يشترط فيه التّرتيب بين الرّأس والبدن ولا يشترط فيه ذلك إذا وقع على نحو الدفعة كما في الارتماس ، لأنّه أمر آني كما مرّ‌

__________________

(*) لا تبعد كفايته.

٣٩

[٦٩٧] مسألة ١٤ : إذا صلّى ثمّ شكّ في أنّه اغتسل للجنابة أم لا ، يبني على صحّة صلاته ، ولكن يجب عليه الغسل (*) للأعمال الآتية (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا نظير صلاة الفرادى والجماعة حيث إنّهما طبيعة واحدة ولكن يشترط فيها القراءة وعدم زيادة الأركان إذا أوجدها فرادى ، ولا يشترط فيها ذلك إذا صلّى جماعة ، فلا تجب القراءة حينئذ وإذا زاد ركناً كالرّكوع أو غيره للمتابعة مع الإمام لم تبطل صلاته ، فلا مانع من أن يجعل ذلك الارتماس غسلاً لرأسه ورقبته ، لأنّه قد قصد تلك الطّبيعة الواحدة على الفرض وتحقّق الغسل بالإضافة إلى رأسه ورقبته ولم يتحقق بالإضافة إلى جسده بتمامه ، فله أن يتمّ غسله بغسل بدنه ، كما أنّ له أن يرفع يده عن غسله بالعدول إلى الارتماس.

إذا شكّ في الاغتسال بعد الصّلاة‌

(١) هذا إنّما يتمّ فيما إذا شكّ بعد الصّلاة في أنّه اغتسل عن الجنابة قبلها أم لم يغتسل من دون أن يحدث بعد صلاته بالحدث الأصغر ، لأنّ مقتضى استصحاب بقاء الجنابة وجوب الاغتسال عليه بالإضافة إلى صلواته الآتية ، وأمّا صلاته السابقة فهي محكومة بالصحّة بقاعدة الفراغ ، وهي مخصّصة أو كالمخصّص للاستصحاب.

إلاّ أنّ قاعدة الفراغ إنّما تقتضي صحّة العمل المشكوك فيه فقط ولا تثبت لوازم صحّته ، فإذا شكّ في صحّة وضوئه بعد الفراغ عنه يبني على صحّته ويرتب عليه جميع آثار صحّة الوضوء ، فله أن يدخل به في كلّ عمل مشروط بالوضوء ، وكذا إذا شكّ في صحّة صلاته يبني على صحّتها فحسب ، وأمّا أنّه قد اغتسل من الجنابة وهو ليس بمحدث حتّى لا يجب عليه الغسل بالإضافة إلى الصلوات الآتية فلا ، بلا فرق في ذلك بين القول بأنّ القاعدة من الأمارات والقول بأنّها من الأُصول.

__________________

(*) هذا إذا لم يصدر منه الحدث الأصغر بعد الصّلاة وإلاّ وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل بل وجبت عليه إعادة الصّلاة أيضاً إذا كان الشكّ في الوقت.

٤٠