موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فصل

في حكم تجاوز الدم عن العشرة‌

[٧٢٨] مسألة ١ : من تجاوز دمها عن العشرة سواء استمرّ إلى شهر أو أقل أو أزيد إمّا أن تكون ذات عادة أو مبتدئة أو مضطربة أو ناسية ، أمّا ذات العادة فتجعل عادتها حيضاً وإن لم تكن بصفات الحيض (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة‌

(١) اعلم أنّ الكلام في هذه المسألة إنّما هو في المرأة ذات العادة الوقتيّة والعدديّة لأنّها الّتي ترجع إلى أيّامها عند تجاوز دمها العشرة ، أمّا ذات العادة الوقتيّة فحسب فلا معنى للقول بأنّها ترجع إلى أيّامها وتجعلها حيضاً والباقي استحاضة ، إذ ليس لها عدد معيّن حتّى تجعل ذلك العدد حيضاً ، كما أنّ ذات العادة العدديّة فقط كذلك ، لأنّه لا معنى لإرجاعها إلى أيّامها إذ لا أيّام لها على الفرض. نعم ذات العادة العدديّة والوقتيّة يصح أن تؤمر بالأخذ بعدد أيّامها حتّى تجعلها حيضاً والباقي استحاضة.

ويدلُّ على ذلك في الدم المرئي في أيّام العادة ما تقدّم من الأخبار الواردة في أنّ ما تراه في أيّامها من صفرة أو حمرة فهو حيض (١) ، وكذلك الأخبار الواردة في الاستظهار الدالّة على أنّ المستحاضة تقعد في أيّام قرئها (٢) ، ومرسلة يونس الطويلة المتقدّمة (٣) حيث دلّت على أنّ المرأة ذات الأقراء سنّتها الرّجوع إلى أيّامها وليس لها الرّجوع إلى الصفات ، لأنّها في حق غير ذات الأقراء ، وهو سنّة ثانية ، وعليه لا بدّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ، ص ٣٠٠ ب ١٣ ، ص ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٢٦١

والبقيّة استحاضة وإن كانت بصفاته إذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز (١) بأن يكون من العادة المتعارفة ، وإلاّ فلا يبعد ترجيح (*) الصفات على العادة بجعل ما بالصفة حيضاً دون ما في العادة الفاقدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن تجعل الدم المرئي في أيّام عادتها حيضاً بلا فرق في ذلك بين كونه واجداً للصفات أو فاقداً لها.

وأمّا الدم المشاهد بعد أيّامها وقبل العشرة فيما إذا انكشف عدم تجاوزه العشرة ففيه كلام ، حيث إنّ المعروف بل المتسالم عليه عند الأصحاب أنّه محكوم بكونه حيضاً مطلقاً صفرة كانت أم حمرة فلا ترجع فيها إلى الصفات أيضاً ، وأمّا نحن فقد ذكرنا أنّ مقتضى ما ورد من أن الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض (٢) عدم كون الدم حيضاً حينئذ فيما إذا لم يكن واجداً للصفات.

وأمّا الدم المرئي بعد العادة إذا تجاوز العشرة فلا مناص من الحكم باستحاضته بحيث يجب على المرأة أن تغتسل وتصلِّي ، ويدلّ على ذلك نفس الأخبار الواردة في الاستظهار ، إذ لو كان المتجاوز عن العشرة كالدم غير المتجاوز عنها في كونه حيضاً لم يكن وجه للأمر باستظهار المرأة ، لأنّه حيض على كلّ حال تجاوز العشرة أم لم يتجاوزها.

فالأمر بالاستظهار لمعرفة أنّ الدم يتجاوز أقوى دليل على أنّ الدم المتجاوز عن العشرة استحاضة.

ذات العادة غير المتعارفة ترجّح الصفات‌

(١) ما قدّمناه من أنّ المرأة ذات العادة الوقتيّة والعدديّة ترجع إلى أيّامها عند‌

__________________

(*) بل هو المتعيّن.

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

٢٦٢

وأمّا المبتدئة والمضطربة بمعنى من لم تستقر لها عادة فترجع إلى التمييز ، فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضاً ، وما كان بصفة الاستحاضة استحاضة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجاوز دمها العشرة إنّما هو في العادة المتعارفة ، أعني ما إذا رأت الدم شهرين متساويين من حيث الوقت والعدد ، لأنّها الّتي تدلّ الرّوايات على رجوعها إلى عادتها.

وأمّا إذا لم تكن عادتها متعارفة ، كما إذا رأت الدم مختلفاً في كلا الشهرين : الشهر الأوّل والثّاني ، إلاّ أنّها جعلت خمسة أيّام من كلّ منهما حيضاً لكون الدم فيها واجداً للصفات ، ففي الشهر الثّالث إذا تجاوز دمها العشرة ليس لها أن ترجع إلى عادتها الحاصلة بالتمييز في الشهرين المتقدّمين ، بأن تجعل خمسة منها حيضاً والباقي استحاضة ، لعدم شمول الأدلّة غير العادة المتعارفة ، بل لا بدّ من أن ترجع إلى الصفات ، فما كان بصفة الحيض حيض ، وما كان فاقداً لها فهو استحاضة زاد عن العادة غير المتعارفة الّتي حصلت بالتمييز أم لم يزد عليها ، لأنّها ليست ذات عادة حتّى ترجع إلى عادتها ، وإنّما هي مضطربة ولا بدّ لها من الرّجوع إلى الصفات.

ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده الماتن قدس‌سره في المقام من عدم جواز رجوع المرأة إلى عادتها الحاصلة بالتمييز هو الصحيح ، لا ما تقدّم منه قدس‌سره من عدم البعد في حصول العادة بالتمييز ، وهذان كلامان متناقضان كما أشرنا إليه هناك (١).

المضطربة ترجع إلى التمييز‌

(١) أمّا المضطربة وهي الّتي اختلطت أيّامها ولم تستقر لها عادة فلا كلام في أنّها ترجع إلى التمييز بالصفات فيما إذا تجاوز دمها العشرة وذلك لجملة من الرّوايات.

منها : مرسلة يونس الطويلة (٢) حيث دلّت على أنّ السنّة الثانية من السنن الّتي‌

__________________

(١) أشار إليه في الصفحة ١٦٩.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٢٦٣

سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المضطربة الّتي اختلطت عليها أيّامها أن ترجع إلى لون الدم وإدباره وإقباله ، وما لم يكن واجداً للصفات تجعله استحاضة.

وكذا غيرها من الأخبار الّتي دلّت على أنّ دم الحيض ممّا لا خفاء فيه ، لأنّه دم أحمر عبيط وغيرها من الأوصاف (١) ، وقد خرجنا عن ذلك في أيّام العادة لأنّ الصفرة أيضاً في أيّام العادة حيض وإن لم يكن واجداً للصفات.

المبتدئة هل هي كالمضطربة

وأمّا المبتدئة وهي الّتي لم تر الدم قط ورأت في أوّل ما تراه من الدم زائداً على العشرة فهل هي كالمضطربة لا بدّ من أن ترجع إلى الصفات أو أنّ حكمها أن ترجع إلى العدد وهو سبعة وتجعل الباقي استحاضة؟

المعروف بين الأصحاب أنّ حكم المبتدئة حكم المضطربة بل ادعي على ذلك الإجماع ، وخالف في ذلك صاحب الحدائق قدس‌سره (٢) وذهب إلى أنّ المبتدئة غير المضطربة وأنّها ترجع إلى الرّوايات والعدد ، أعني سبعة أيّام ، ولا ترجع إلى التمييز بالأوصاف مستنداً في ذلك إلى وجوه :

منها : مرسلة يونس الطويلة (٣) حيث دلّت على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سنّ في الحائض ثلاث سنن ، قسّمها إلى أقسام ثلاثة :

أحدها : ذات العادة ، وقد حكم عليها برجوعها إلى عادتها.

ثانيها : المضطربة ، وقد أوجب عليها الرّجوع إلى الصفات وتمييز الحيض باللّون والإدبار.

ثالثها : المبتدئة ، وقد دلّت على أنّها لا بدّ أن ترجع إلى الرّوايات والعدد ، وهو سبعة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) الحدائق ٣ : ٢٠٦ / كتاب الحيض.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١ ، و ٢٧٦ ب ٣ ح ٤ ، و ٢٨٧ ب ٧ ح ٢ ، و ٢٨٨ ب ٨ ح ٣.

٢٦٤

وبذلك لا بدّ من تقييد الأدلّة (١) الدالّة على أنّ غير ذات العادة ترجع إلى الصفات بغير المبتدئة كما عرفت.

والجواب عن ذلك هو ما حقّقه شيخنا الأنصاري (٢) قدس‌سره ، وحاصله : أنّ المرسلة لا تشتمل على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قسم الحائض إلى أقسام ثلاثة ، وإنّما دلّت على أنّه قسم الأحكام والسنن إلى ثلاثة :

الحكم الأوّل : هو وجوب الرّجوع إلى العادة ، وهذا موضوعه ذات العادة كما مرّ.

الحكم الثّاني : هو وجوب الرّجوع إلى التمييز بالصفات ، وهذا موضوعه من لم تكن ذات عادة مستقرة ، بلا فرق في ذلك بين أن تكون مضطربة أو تكون مبتدئة.

الحكم الثالث : هو وجوب الرّجوع إلى الرّوايات والعدد ، وموضوعه من لم يتمكّن من الرّجوع إلى الصفات لعدم اختلاف الأوصاف في دمها ، فهي ترجع إلى العدد بلا فرق في ذلك بين المضطربة والمبتدئة.

وأمّا ذكره عليه‌السلام المبتدئة بخصوصها حيث قال : « إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قط ، وهذه سنّة الّتي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه ، أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون » (٣). وقد كرّر قوله عليه‌السلام بعد ذلك « وإن لم يكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون » فهو لعله من جهة أن المبتدئة كما قيل لقوّة مزاجها وحرارة بدنها تقذف الدم بلون واحد قبل العشرة وبعدها ، فلا تختلف ألوانه حتّى تتمكّن من التمييز بالصفات ، فهي إنّما ذكرت لأنّها مصداق من مصاديق المرأة الّتي لا تتمكّن من التمييز بالصفات لا لأجل اختصاصها بذلك ، بل المضطربة أيضاً إذا لم تتمكن من التمييز بالصفات ترجع إلى الرّوايات والعدد.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) كتاب الطّهارة : ٢٣٢ السطر ٢٨ / المقصد الثّاني في الحيض.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٩٠ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢٦٥

ويدل على ذلك قوله عليه‌السلام في ذيلها « فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنّتها السبع والثّلاث والعشرون » ، حيث دلّنا على أن جعل السبع حيضاً وظيفة كلّ من لم يكن أمرها كما ذكر ، أي لم تتمكّن من التمييز بالصفات ، لأنّ الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارّة وكان الدم بلون واحد وحالة واحدة ، بلا فرق في ذلك بين المضطربة والمبتدئة.

ويؤكّده أن حمنة بنت جحش الّتي ذكرت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّي استحضت حيضة شديدة بحيث لم يكن يسدّها الكرسف لشدّتها وقوّتها ، وأمرها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتلجّم والتحيض في كلّ شهر ستّة أو سبعة ، لم يفرض كونها مبتدئة.

وما أفاده قدس‌سره في غاية المتانة ونهاية الجودة ، وعليه فلا وجه للحكم بالتفكيك بين المضطربة والمبتدئة في الرّجوع إلى الصفات ، بل إذا تمكنتا من التمييز بالصفات وجب الرّجوع إلى الصفات ، وعلى تقدير عدم تمكنهما من ذلك فترجعان إلى الرّوايات والعدد وتجعلان سبعة أيّام حيضاً والباقي استحاضة ، هذا.

ثمّ إنّ في المقام جملة من الأخبار قد استدل بها على أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد لا إلى الصفات ، اثنتان منها موثقتان لأبن بكير.

الاولى : عن عبد الله بن بُكَير « قال : في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة أنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثمّ صلّت فمكثت تصلِّي بقيّة شهرها ، ثمّ تترك الصّلاة في المرّة الثانية أقل ما تترك امرأة الصّلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام ، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصّلاة الّتي صلّت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطّهر وتركها للصلاة أقل ما يكون من الحيض » (١).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٥.

٢٦٦

الثانية : عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصّلاة عشرة أيّام ثمّ تصلّي عشرين يوماً فإنّ استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصّلاة ثلاثة أيّام وصلّت سبعة وعشرين يوماً » (١).

وهاتان الرّوايتان بمضمون واحد ، وهو أنّ المبتدئة تتحيض في أوّل شهرها عشرة أيّام وفي الشهر الثّاني ثلاثة أيّام ، إلاّ أنّ أُولاهما مقطوعة وغير مسندة إلى الإمام.

الثالثة : موثقة سَماعة قال « سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها في بعض النّسخ : قرئها ، وهو الصحيح إذ لا أقراء للمبتدئة وإنّما لها قرء واحد كما سيظهر فقال : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام وأقلّه ثلاثة أيّام » (٢).

وهي مرفوعة على طريق الكافي وأحد طريقي الشيخ ، نعم نقلها الشيخ بطريقه عن زُرعة من غير رفع.

وهذه الرّوايات الثلاث بين ما لا دلالة لها على أنّها ترجع إلى عدد معيّن كما في الثّالثة ، لأنّها إنّما تبيّن أقلّ حيضها وأكثره أعني الثّلاثة والعشرة ، وبين ما يقبل التقييد كالأُوليين على ما سوف نبيّن وجهه.

ثمّ إنّ الموثقة الثّالثة سأل فيها سماعة عن مبتدئة لا تعرف أيّام أقرائها وقرّره الإمام على هذا السؤال مع أنّ المبتدئة هي الّتي لا قرء لها حتّى تعرف أيّام أقرائها أو لا تعرفها ، فدلّ تقرير الإمام عليه‌السلام على أنّ المبتدئة لها طريق شرعي إلى معرفة أيّامها ، وأنّها قد تعرف وقد لا تعرف ، والطريق لمعرفة أيّامها وأقرائها منحصر بأمرين :

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

٢٦٧

أحدهما : العادة ، ثانيهما : الصفات.

ولا معنى للعادة في المبتدئة ، لأنّها ليست لها عادة على الفرض ، وإلاّ خرجت عن كونها مبتدئة فيتعيّن أن يكون طريق معرفة المبتدئة لأيّامها منحصراً بالصفات ، كما دلّ على أنّ دم الحيض ليس به خفاء وهو دم حار أحمر عبيط ، فإذا تمكّنت المبتدئة من معرفتها بالتمييز بالصفات فهو ، وإلاّ كما إذا لم تتمكن من معرفتها لأنّ دمها بلون واحد وكيفيّة واحدة فلا بدّ من أن ترجع إلى نسائها ، وإذا لم تكن لها نساء أو كانت نساؤها مختلفة فحينئذ ترجع إلى العدد والرّوايات وتتحيض بما لا يكون أقل من ثلاثة ولا أكثر من عشرة.

فالموثقة تدلّنا على أنّ الرّجوع إلى العدد إنّما هو بعد مرحلتين ، لأنّ المبتدئة ترجع أوّلاً إلى الصفات ، وعلى تقدير عدم التمكّن من التمييز بها ترجع إلى نسائها ، وعلى تقدير عدم التمكّن منها أيضاً ترجع إلى العدد.

وبما أنّ الموثقتين المتقدّمتين مطلقتان حيث دلّتا على أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد مطلقاً تمكّنت من التمييز بالصفات ومن الرّجوع إلى عادة نسائها أم لم تتمكن ، وكذلك المرسلة (١) على تقدير تسليم دلالتها على مدّعى صاحب الحدائق قدس‌سره فلا بدّ من تقييدها بالموثقة فتختص دلالتها على الرّجوع إلى العدد بما إذا لم تتمكن المبتدئة من التمييز بالصفات والرّجوع إلى نسائها ، ومعه فالمبتدئة كالمضطربة ترجع إلى التمييز بالصفات ، وعلى تقدير عدم التمكّن منه لغزارة الدم وكونه بلون واحد فلهما وظيفة أُخرى كما يأتي إن شاء الله تعالى ، هذا.

ثمّ إنّه إذا أغمضنا عن ذلك وبنينا على عدم دلالة الموثقة على التقييد فالنسبة بين تلك الرّوايات الدالّة على أنّ المبتدئة ترجع إلى الرّوايات والعدد كالمرسلة والموثقة وغيرهما مما ادّعي دلالتها على ذلك ، وبين أخبار الصفات الّتي دلّت على أنّ دم‌

__________________

(١) أي معتبرة يونس ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢٦٨

الحيض ليس به خفاء وأنّه دم حار عبيط أسود عموم من وجه ، لدلالة الأخبار المتقدّمة على أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد كان الدم واجداً للصفات أم فاقداً لها ، كما أنّ أخبار الصفات تدلّ على أنّ الدم الفاقد للصفات ليس بحيض سواء كانت المرأة مبتدئة أم غيرها ، فتتعارضان في الدم الّذي تراه المبتدئة فاقداً لصفات الحيض ، لأنّ مقتضى روايات الصفات أنّه ليس بحيض ، ومقتضى الرّوايات المتقدّمة أنّها تجعلها حيضاً ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام أو عشرة.

إلاّ أنّ أخبار الصفات تتقدّم على المرسلة والموثقة وأخواتها ، وذلك لا من جهة إبائها عن التخصيص ، إذ قد خصصناها بالصفرة المرئيّة في أيّام العادة ، لأنّها حيض وإن كانت فاقدة للصفات ، وبالدم المتجاوز عن العشرة ، لأنّه ليس بحيض ولو مع كونه واجداً للصفات ، بل من جهة ورودها لبيان حقيقة الحيض وواقعه وأنّه متقوّم بالصفات ، فمع دوران الأمر بين رفع اليد عن إطلاقها بتخصيصها بالمبتدئة وأنّها تتحيّض ثلاثة أيّام أو سبعة أو عشرة وإن لم يكن الدم واجداً للصفات وبين حمل المرسلة والموثقة وغيرهما على إرادة ما إذا كان الدم واجداً للصفات ، لا إشكال في تعيّن الثّاني حسب الفهم العرفي.

وذلك لأنّ أخبار الصفات قد وردت لبيان حقيقة الحيض ولها حكومة على المرسلة والموثقة من جهة أنّ موردها تحيّر المرأة وشكّها في الحيض لتجاوز الدم عن العشرة ، وهي تبيّن أنّ ما كان منه بصفات الحيض حيض ، وبما أنّ المرسلة والموثقة دلّت على التحيّض بالعدد فيستكشف بذلك أنّ الدم في تلك الأيّام كان واجداً للصفات ، هذا.

بل لا يبعد دعوى أنّ لفظة الدم ظاهرة في واجد الصفات كما ادعاها صاحب الجواهر (١) قدس‌سره في غير هذا المقام ، وذلك لأنّ الصفرة جعلت في بعض الرّوايات قسيماً للدم :

__________________

(١) الجواهر ٣ : ١٦٧ / في قاعدة الإمكان.

٢٦٩

بشرط أن لا يكون أقل من ثلاثة ولا أزيد عن العشرة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منها : ما ورد في مرسلة داود عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال « قلت له فالمرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام ، حيضها دائم مستقيم ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ثمّ ينقطع عنها الدم وترى البياض لا صفرة ولا دماً ... » (١).

ومنها : رواية الخَزّاز عن أبي الحسن عليه‌السلام قال « سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة ... » (٢).

ومنها غير ذلك من الأخبار (٣) ، ومعه لا بعد في حمل الدم الوارد في الموثقة والمرسلة ونظائرهما على الدم الواجد للصفات ، فتحصل أنّ ما ذهب إليه المشهور من أنّ المبتدئة كالمضطربة ترجعان إلى التمييز بالصفات هو الصحيح ، وإذا لم تتمكنا من التمييز بالصفات فيأتي بيان وظيفتها.

ما اشترطه الماتن في التمييز بالصفات‌

(١) قد اشترط قدس‌سره في رجوع المضطربة والمبتدئة إلى التمييز بالصفات شرطين :

أحدهما : أن لا يزيد عن العشرة ولا ينقص عن الثّلاثة.

وثانيهما : أن لا يعارضه دم آخر كما إذا رأت الدم الأحمر خمسة أيّام ثمّ رأت الأصفر خمسة أيّام ثمّ رأت الأسود خمسة أيّام ، فإنّ الحكم بكون مجموعها حيضاً غير ممكن لاستلزامه زيادة الحيض عن العشرة ، والحكم بحيضيّة الخمسة الأُولى معارض بالحكم بحيضيّة الخمسة الثّانية.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٥ / أبواب الحيض ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٤.

(٣) مثل ما في الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٨.

٢٧٠

الكلام على الشرط الأوّل :

أمّا اشتراطه الأوّل فيقع الكلام فيه من جهتين :

الجهة الاولى : في ثبوت شرطيّة عدم الزّيادة عن العشرة وعدم النقيصة عن الثّلاثة.

فنقول : المعروف بينهم هو الاشتراط ، وأنكره بعضهم تمسّكاً بإطلاق ما دلّ على رجوع غير مستقرة العادة إلى إقبال الدم وإدباره (١) ، حيث لم يقيّد الحكم بحيضيّة الدم المقبل بشي‌ء ، ومعه لا بدّ من الحكم بحيضيّته مطلقاً زاد عن العشرة أو نقص عن الثّلاثة أم لا.

ويدفعه أنّ الأخبار الواردة في أنّ دم الحيض لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة (٢) تقيّد إطلاق مثل المرسلة الدالّة على أنّ غير مستقرّة العادة ترجع إلى إقبال الدم وإدباره ، بمعنى أنّها تجعل الدم الواجد للصفات حيضاً فيما إذا كان واجداً لبقيّة الشروط.

وكذلك الحال فيما دلّ على أنّ دم الحيض ليس به خفاء لأنّه دم حار عبيط أسود (٣) ، فإنّ الدم الواجد لذلك وإن كان حيضاً إلاّ أنّه مقيّد بما إذا كان مشتملاً على بقيّة الشروط كعدم كونه أقلّ من الثّلاثة ولا زائداً عن العشرة ، وكذلك ما دلّ (٤) على أنّ الحمرة أو الصفرة في أيّام العادة حيض ، لأنّه مقيّد بما إذا كان مشتملاً على شروطه.

نعم ، في اشتراط الثّلاثة كلام قدّمناه في محلّه (٥) ، وهو أنّ الثّلاثة شرط لاستمرار‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩٠ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣ ، ٢٧٦ / ب ٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٣ / أبواب الحيض ب ١٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

(٥) تقدّم في الصفحة ١٢٤ و ١٣٣.

٢٧١

الدم أو لاستمرار الحدث ، فإذا رأت المرأة الدم لحظة فانقطع ثمّ رأته أيضاً لحظة في آخر اليوم الثّالث يحكم عليها بالحيضيّة أو لا لعدم استمرار الدم ثلاثة أيّام ، وقد بيّنا أنّ الحيض اسم لنفس الدم ، فلا بدّ أن يكون الدم مستمراً ثلاثة أيّام وإن علمنا من الخارج أنّ حدث الحيض أيضاً لا يكون أقل من ثلاثة ولا أكثر من عشرة ، وهو أمر آخر.

الجهة الثّانية : في أنّ المبتدئة أو المضطربة إذا رأت الدم الواجد للصفات أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة فوظيفتها ما هي؟

هل يحكم بكونهما غير متمكنتين من التمييز بالصفات فترجعان إلى نسائهما أو العدد أو غير ذلك ، أو يحكم بحيضيّة الدم الأقل من الثّلاثة لأنّه واجد للصفات وتكميله ثلاثة أيّام من الدم الأصفر من جهة الدلالة الالتزاميّة ، حيث إنّ إطلاق ما دلّ على أنّ دم الحيض ليس به خفاء وأنّه حارّ غير قاصر الشمول للمقام ، فإذا شملت اليومين مثلاً فيستفاد من ذلك الدليل بالدلالة الالتزاميّة أنّ يوماً من أيّام الصفرة أيضاً محكوم بالحيضيّة ، لما دلّ على أنّ الحيض لا يقل عن ثلاثة أيّام ، كما قدّمنا نظيره في الدم المرئي في العادة عند كونه أقل من ثلاثة أيّام (١)؟

قد يقال بالأخير وأنّ المبتدئة ترجع إلى التمييز بالصفات ، وإذا كان الدم الواجد للصفات أقل من الثلاثة أكملته من الدم الفاقد لها بمقدار يتم به الثّلاثة.

ويدفعه : أنّ الدلالة الالتزاميّة وإن كانت معتبرة كالدلالة المطابقيّة إلاّ أنّها إنّما تكون كذلك إذا لم تكن معارضة ، والدلالة الالتزاميّة في روايات الصفات معارضة في المقام ، وذلك لأنّ ظاهر قوله عليه‌السلام في المرسلة تنظر إقبال الدم وإدباره أنّ الإقبال وغيره من الصّفات أمارة الحيض كما أنّ إدبار الدم واصفراره أمارة الاستحاضة ، فكما أنّ مقتضى الأمارة القائمة على حيضيّة الدم الواجد للصفات أنّ الدم في اليومين حيض لأنّه المدلول المطابقي للأخبار ولا بدّ من ضمّ يوم واحد من‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢١٩ و ٢٢١.

٢٧٢

الأيّام الّتي ترى فيها الصفرة بمقتضى الدلالة الالتزاميّة لأنّ الحيض لا يقل عن ثلاثة أيّام ، كذلك مقتضى الأمارة القائمة على الاستحاضة أنّ اليوم الواحد ليس بحيض فتدل بالدلالة الالتزاميّة على أنّ الدم في اليومين أيضاً ليس بحيض ، لأنّ الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيّام ، فالدلالة الالتزاميّة في كلّ من الأمارتين معارضة بالدلالة الالتزاميّة في الأُخرى ، ومع المعارضة تتساقطان فيحكم بأن المرأة غير متمكنة من التمييز بالصفات.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المرسلة وغيرها من أخبار الصفات إنّما تدل على أنّ إقبال الدم أو غيره من الصفات أمارة الحيض ، ولا دلالة لها على أنّ الإدبار والصفرة أمارة على الاستحاضة ، وإنّما يحكم بالاستحاضة عند إدبار الدم وصفرته من جهة فقدان أمارة الحيض لا من جهة قيام الأمارة على الاستحاضة. وعليه فالأمارة أمارة الحيض ، ومقتضى مدلولها الالتزامي أنّ يوماً من أيّام الصفرة منضم إلى اليومين وأنّه حيض ، كما دلّ بالمطابقة على حيضيّة الدم في اليومين لأنّه واجد للصفات من غير أن تكون معارضة بشي‌ء.

توضيح كلام المحقّق الخراساني ( قدس‌سره )

والظّاهر والله العالم أنّ هذا هو المراد من كلام المحقّق الخراساني قدس‌سره من أنّه ليس الادبار الّذي يوجب البناء على الاستحاضة كالإقبال كي يعارض به ضرورة أنّه تبع الإقبال كما لا يخفى على المتأمل (١).

ومعنى أنّ الادبار تبع الإقبال أنّ الامارة هي الإقبال ، ومع فقدها نحكم بالاستحاضة لفقدها لا لوجود الادبار ، وإن كان الادبار متحقّقاً وتبعاً للإقبال.

وهذا نظير ما ذكروه فيما إذا وجد قطعة من الحيوان المذبوح في يد مسلم وقطعة اخرى منه في يد كافر وشككنا أنّه هل وقع عليه التذكية أم لم يقع ، فإن قلنا أنّ يد‌

__________________

(١) نقله عن رسالة الدّماء في المستمسك ٣ : ٢٨٢.

٢٧٣

الكافر أمارة عدم التذكية ويد المسلم أمارة على التذكية فكلّ منهما يتعارضان في مدلولهما الالتزامي ، لأنّ يد المسلم تدل بالالتزام على أنّ الحيوان مذكى ، لأنّها أمارة على التذكية في القطعة الموجودة منه في يد المسلم ، ولازم ذلك الحكم بتذكية الحيوان بتمامه ، لأنّه إن كان الحيوان مذكّى فهو كذلك في كلتا القطعتين ، وإن لم يكن مذكّى فهو كذلك في الجميع ، ولا يمكن أن يكون بعضه مذكّى وبعضه ميتة ، كما أنّ يد الكافر أمارة على عدم التذكية ، وتدل بالالتزام على عدم كون الحيوان مذكّى ، إذ لا معنى لعدم تذكيته في خصوص القطعة الموجودة منه في يد الكافر فتتعارضان.

وأمّا إذا قلنا إنّ الأمارة إنّما هي يد المسلم فقط ، وإنّما نحكم بعدم التذكية فيما وجد في يد الكافر من جهة فقدان أمارة التذكية وهي يد المسلم والاستصحاب حينئذٍ فأمارة التذكية غير معارضة بشي‌ء ومقتضاها الحكم بتذكية كلتا القطعتين.

ويرد على ذلك : أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام تنظر إقبال الدم وإدباره أنّ كلّ واحد منهما أمارة شرعيّة ، وأنّ الإقبال أمارة على الحيض والإدبار أمارة الاستحاضة ، لا أنّ الأمارة هو الإقبال فقط ، فإنّ الحيض والاستحاضة دمان مختلفان يخرجان من عرقين كما في الخبر (١) ، فأحدهما غير الآخر ولكلّ منهما أمارة على حدة ومعه تقع المعارضة بين الدلالتين الالتزاميتين فتتساقطان ويحكم على المرأة بعدم تمكنها من التمييز بالصفات ، ويتمّ ما أفاده الماتن قدس‌سره من أنّ رجوعها إلى التمييز بالصفات مشروط بعدم كون الدم أقل من ثلاثة أيّام.

بقي الكلام فيما إذا زاد عن العشرة

والمحتملات فيه ثلاثة :

الأوّل : وجوب الرّجوع فيه إلى الرّوايات وجعل ثلاثة أو ستّة أو سبعة حيضاً‌

__________________

(١) يمكن استفادة تلك من معتبرة يونس : الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١. ومن صحيحة معاوية بن عمار : الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ١ ، ولم نجد بهذه اللّفظة في الأخبار.

٢٧٤

لأنّ الدم واجد للصفات ولا يمكن الحكم بحيضيّة الجميع ، لأنّه زائد عن العشرة ولا تتمكّن من التمييز.

الثّاني : ما عن الشيخ قدس‌سره من الحكم بحيضيّة العشرة وبالاستحاضة فيما زاد عليها (١) ، وذلك لأنّ الحيض لا يزيد على العشرة وحيث إنّه واجد للصفات فيحكم بحيضيّته إلى العشرة وعدمها فيما زاد عليها.

ويرد عليه : أنّ المستفاد من المرسلة أنّ السنن منحصرة في ثلاث ، وهي الرّجوع إلى العادة ، وهذا يختص بذات العادة ، والرّجوع إلى التمييز بالصفات ، وهو يختص بالمستحاضة الّتي لا عادة لها فيما إذا تجاوز دمها العشرة وكان بعضه واجداً للصفات وبعضه فاقداً ، والرّجوع إلى العدد والرّوايات ، وهو يختص بالمستحاضة غير ذات العادة فيما إذا تجاوز دمها العشرة وكان اللّون واحداً في جميع الدم بحيث لم تتمكّن من التمييز.

فالحكم بجعل العشرة حيضاً دون الزائد سنّة رابعة ، وهو على خلاف حصر المرسلة ، على أنّ ذيلها يدل على أنّ المستحاضة إذا كانت استحاضتها دارّة وكان بلون واحد فوظيفتها الرّجوع إلى العدد ، ومقتضى إطلاقها الحكم في كلّ مستحاضة بذلك في غير ذات العادة وما إذا لم يكن الدم بلون واحد.

كما أنّ موثقتي ابن بكير المتقدِّمتين (٢) دلّتا بإطلاقهما على أنّ المستحاضة ترجع إلى العدد مطلقاً ، وخرجنا عن إطلاقهما في ذات العادة وما إذا تمكنت غير ذات العادة من التمييز بالصفات ، وبقي غيرهما تحت إطلاقهما ، ومنه المقام لأنّها مستحاضة ولا عادة لها ، كما أنّها غير متمكّنة من التمييز ، فما أفاده الشيخ قدس‌سره يشبه الاجتهاد في مقابلة النص فلا يمكن الاعتماد عليه.

ومن هذا يظهر الجواب عن المحتمل الثّالث في المقام.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٤٤ / في الحيض.

(٢) تقدّمتا في الصفحة ٢٦٦. وراجع الوسائل ٢ : ٢٩١ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ ، ٦.

٢٧٥

وأن لا يعارضه دم آخر (*) واجد للصفات ، كما إذا رأت خمسة أيّام مثلاً دماً أسود وخمسة أيّام أصفر ثمّ خمسة أيّام أسود (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثّالث : الرّجوع إلى الأصل العملي أعني استصحاب الحيض بعد الدخول في الثّلاثة الأخيرة من أيّام الدم ، والحكم بعدم التحيّض واستصحاب أحكام الطّاهرة في كلّ ثلاثة ممّا هو قبل الثّلاثة الأخيرة ـ ، مثلاً إذا رأت الدم خمسة عشر يوماً فهي في الثّلاثة الاولى من ابتداء رؤيتها الدم تشكّ في أنّها حائض أو ليست كذلك فتستصحب الأحكام المترتبة على الطاهرة لكونها كذلك قبل الثّلاثة ، وهكذا الحال في الثّلاثة الثّانية والثّالثة إلى اليوم الثّالث عشر ، فإذا دخلت في أوّل آن من آنات الثّلاثة الأخيرة فقد علمت بحيضها قطعاً إمّا في إحدى الثّلاثات المتقدّمة وإمّا في هذه الثّلاثة الأخيرة فتستصحب أحكام الحائض لا محالة ، وذلك لأنّه من العلم الإجمالي بالتكليف بين الأطراف التدريجيّة الحصول على ما تعرّض له شيخنا الأنصاري قدس‌سره ومثّل له بهذا المثال (٢).

والوجه في ظهور الجواب أنّ إطلاق الموثقتين وغيرهما ممّا قدّمنا يشمل المقام ومع الإطلاق لا معنى للرجوع إلى الأصل العملي.

فتحصل : أنّ الصحيح في هذه الصّورة هو الرّجوع إلى الرّوايات والعدد ، لعدم تمكّنها من الرّجوع إلى التمييز ، فصحّ اشتراط الماتن قدس‌سره في رجوع المضطربة والمبتدئة إلى التمييز بالصفات عدم زيادة الدم عن العشرة.

هذا كلّه في الشّرط الأوّل.

الكلام في الشرط الثّاني‌

(١) وأمّا الشرط الثّاني وهو الّذي أشار إليه بقوله « وأن لا يعارضه دم آخر واجد‌

__________________

(*) لا بدّ من الاحتياط فيما إذا كان كلّ من الدمين واجداً للصفة.

(١) فرائد الأُصول ٢ : ٤٢٧.

٢٧٦

للصفات » فهو أيضاً كما أفاده قدس‌سره ، وذلك لأنّها إذا رأت الدم خمسة أيّام مثلاً ثمّ رأت الصفرة خمسة أيّام ثمّ رأت الدم الواجد للصفات أيضاً خمسة أيّام فإن الحكم حينئذ بحيضيّة كلاّ الدمين الواجدين للصفات أمر غير ممكن ، لاستلزامه كون الحيض زائداً على العشرة فيما إذا جعلناهما حيضة واحدة ، فإنّ ما هو كالنقاء المتخلّل بينهما أيضاً بحكم الحيض والمجموع خمسة عشر يوماً ، وكذا لا يمكن جعلهما حيضيتين مستقلّتين ، لاشتراط التخلّل بينهما بعشرة أيّام على الأقل ، لأنّها أقل الطهر ، كما لا يمكن جعل إحدى الخمستين حيضاً دون الأُخرى ، لأنّه معارض بجعل الأُخرى حيضاً ، لاشتمال كلّ منهما على أمارات الحيض على الفرض ، فلا مناص من أن ترجع إلى الرّوايات والعدد لعدم تمكّنها من التمييز بالصفات ، هذا.

وقد تفرض المعارضة بين الدمين في غير الصّورة المتقدّمة وإن لم يزد المجموع بما هو المجموع عن عشرة أيّام ، وذلك كما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام واجداً للصفات ثمّ رأت الصفرة أربعة أيّام ثمّ رأت الدم الأحمر ثلاثة أيّام ، فإنّ الحكم بحيضيّة الجميع وإن كان أمراً ممكناً في نفسه لعدم تجاوزه عن العشرة ، إلاّ أنّه غير ممكن من جهة المعارضة وذلك لأنّ جعل الثّلاثتين حيضاً بمقتضى أمارية الصفات وإقبال الدم معارض بالأمارة القائمة على استحاضة الدم في الأربعة ، لأنّه مدبر فيها وواجد للصفرة وهما أمارتا الاستحاضة.

والوجه في تعارضهما : أنّ الاستحاضة أربعة أيّام لا يتخلّل بين حيضة واحدة ، ولا يمكن جعل الدمين حيضتين لكونهما قبل العشرة وعدم تخلّل أقلّ الطّهر بينهما ، نعم لا معارضة بين جعل الثّلاثة الأُولى حيضاً وبين استحاضة الأربعة ، ولا بين جعل الثّلاثة الثّانية حيضاً واستحاضة الأربعة ، بل المعارضة بين كون الأربعة استحاضة وحيضيّة كلا الدمين ، نظير ما ذكرناه في بحث التعادل والترجيح من كون العموم معارضاً بمجموع المخصّصين لا بكلّ واحد من المخصّصين ، وبما أنّ التعارض بين كون الأربعة استحاضة وحيضيّة مجموع الدمين لا بينه وبين حيضيّة كلّ من الثّلاثة فلا مانع من جعل الثّلاثة الأُولى حيضاً مع جعل الأربعة استحاضة ، كما لا مانع من جعل‌

٢٧٧

الثّلاثة الثّانية حيضاً ، لأنّ إحداهما حيض إلاّ أنّ كلاًّ منهما معارض بالآخر ، لشمول أماريّة الصفات كلاًّ منهما ، ولأجل المعارضة لا يمكن الرّجوع إلى التمييز بالصفات.

ويرد عليه أنّ ما دلّ من الأخبار على أماريّة الصفات (١) لا تشمل غير الثّلاثة الاولى من الدمين في المثال ، ولا تشمل الثّلاثة الثانية حتّى تقع المعارضة بينهما وبين ما دلّ على أماريّة الإدبار أو الصفرة للاستحاضة (٢) على التقريب المتقدّم ، ومعه لا مانع من الرّجوع إلى التمييز في الدم الأوّل.

والوجه في عدم شمول الأدلّة لغير الدم الأوّل ما ذكرناه في الأصل السببي والمسببي من أنّ الدليل الواحد لا يمكن أن يشمل السبب والمسبب ، لأنّه لغو لأنّه بعد ما ثبت السبب ترتب عليه المسبب شرعاً فلا حاجة فيه إلى الدليل ، ومن هنا قلنا إنّ أدلّة اعتبار الأُصول أيضاً لا تشمل الأصل المسببي بوجه وإنّما تختص بالأصل السببي.

وفي المقام دلّتنا الرّوايات الواردة في أنّ ما تراه المرأة من الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى (٣) على أنّ حيضيّة الدم الثّاني قبل العشرة من الآثار الشرعيّة المترتبة على حيضيّة الدم الأوّل ، ومع العلم بحيضيّة الدم الأوّل نعلم بحيضيّة الدم الثّاني كانت هناك أخبار الصفات أم لم تكن ، فتلك الرّوايات أعني ما دلّ على أمارية الصفات مختصّة بالدم الأوّل ، لأنّ حيضيّته هي السبب في الحكم بحيضيّة الدم الثّاني الخارج قبل العشرة ، فلا يمكن أن تشمل خصوص المسبب دون السبب إذ لا معنى له ، ولا لكليهما لأنّه لغو ، فلا مناص من اختصاصها بالدم الأوّل كما بيّناه.

فإذا كان الأمر كذلك فنأخذ بأخبار الصفات ونجعل الثّلاثة الأُولى حيضاً بمقتضى تلك الرّوايات ، ويترتب على حيضيّة الدم الأوّل أثران شرعيان :

أحدهما : الحكم بحيضيّة الثّلاثة الثّانية ، لأنّها دم رأته المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٢ و ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٩٦ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١ ، ص ٢٩٨ ب ١١ ح ٣.

٢٧٨

وثانيهما : الحكم بحيضيّة الصفرة المتخلّلة بينهما ، وذلك لأنّ المرأة لو كانت نقيّة وطاهرة من الدم كنّا نحكم بكونها حائضاً ، لما سبق من أنّ النّقاء المتخلّل بين الدمين حيض فضلاً عن الصفرة الواقعة بينهما ، لأنّها ليست بأقل من النّقاء والطهر ، فما دلّ على حيضيّة الثّلاثة الأُولى حاكم على ما دلّ على أماريّة الصفرة للاستحاضة ، كما أنّه حاكم على ما دلّ على حكم المسبب نفياً أو إثباتاً ، وحيضيّة الصفرة والثّلاثة الأخيرة من آثار الحيضيّة في الثّلاثة الاولى من الدم.

ولا عكس ، لأنّ ما دلّ على أنّ الصفرة أمارة الاستحاضة أو الثّلاثة الأخيرة حيض لا يترتب عليهما شرعاً أنّ الثّلاثة الأُولى ليست بحيض ، فلأجل الحكومة لا يبقى تعارض بين الأمارتين ، فما فرض من التعارض في هذه الصورة غير صحيح ، بل الصحيح ما مثّل به الماتن قدس‌سره كما قرّبناه.

ويمكن تقريب ما ذكرناه بوجه آخر ، وهو أنّ المرسلة (١) دلّت على أنّ منشأ احتمالي الحيض والاستحاضة في المرأة إذا كان هو الدم بأن رأته ولم تعلم أنّه حيض أو استحاضة رجعت إلى الصفات إن أمكنها وتجعل الحمرة أمارة على الحيض والصفرة أمارة على الاستحاضة ، وإلاّ فترجع إلى العدد ستّة أو سبعة بحيث لولا الدم لم يحتمل في حقّها الاستحاضة ولا الحيض ، فالرجوع إلى المعرفات يختص بما إذا نشأ احتمالا الحيض والاستحاضة من الدم.

وهذا غير متحقّق في المقام ، لأنّ المرأة في الأيّام المتخلّلة بين الدمين محكومة بكونها حائضاً وإن لم ترد دماً فيها أصلاً ، لما تقدّم من أنّ أيّام النّقاء ملحقة بالحيض فاحتمال الحيض غير ناشئ حينئذ من الدم ، بل الحكم بالحيضيّة هو المتعيّن كان هناك دم أم لم يكن ، فما دلّ على معرفية الصفرة للاستحاضة غير شامل للمقام ، فلا تعارض حينئذ بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢٧٩

ومع فقد الشرطين أو كون الدم لوناً واحداً ترجع إلى أقاربها في عدد الأيّام بشرط اتّفاقها أو كون النادر كالمعدوم ، ولا يعتبر اتّحاد البلد ، ومع عدم الأقارب أو اختلافها ترجع إلى الرّوايات مخيّرة (*) بين اختيار الثّلاثة في كلّ شهر أو ستّة أو سبعة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرجوع إلى الأقارب في عدد الأيّام‌

(١) قد تقدّم أنّ المضطربة والمبتدئة إذا أمكنهما الرّجوع إلى التمييز بالصفات تعيّن في حقّهما ذلك ، وأمّا إذا لم تتمكنا منه لأنّ الدم لون واحد أو أنّه معارض بدم آخر واجد للصفات فلا بدّ من أن ترجعا إلى أمر آخر كما سيظهر.

والكلام فيه يقع تارة في المبتدئة وتارة أُخرى في المضطربة.

أمّا المبتدئة : فوظيفتها الرّجوع إلى التمييز بالصفات إن أمكن ، وإلاّ فإلى أقاربها ومع عدم الأقارب أو اختلافها في العادة ترجع إلى العدد والرّوايات مخيّرة بين اختيار الثّلاثة أو الستّة أو السبعة أو غير ذلك كما سيظهر فهناك مراحل ثلاثة في المبتدئة.

المراحل الثلاث للمبتدئة والتمييز بالصفات

المرحلة الاولى : أن ترجع إلى التمييز بالصفات مع التمكّن ، استفدنا ذلك من المرسلة وموثقة سماعة المتقدّمتين (٢) على التقريب المتقدّم ولا نعيد.

رجوع المبتدئة إلى الأقارب

المرحلة الثّانية : أنّها لا بدّ من أن ترجع إلى الأقارب عند عدم التمكن من التمييز‌

__________________

(*) الأظهر أنّ المبتدئة إذا لم تكن لها أقارب أو كانت واختلفت أقراؤهنّ تحيّضت في الشهر الأوّل بستّة أو سبعة أيّام ثمّ احتاطت إلى العشرة ، وفيما بعد الشهر الأوّل تحيّضت بثلاثة واحتاطت إلى ستّة أو سبعة أيّام ، وأمّا المضطربة فهي تتحيّض بستّة أو سبعة أيّام مطلقاً وتعمل بعد ذلك بوظائف المستحاضة.

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣ ، ٢.

٢٨٠