موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

ومن ثمة جمعوا بينها وبين الطائفة المتقدِّمة بحمل الأوامر الواردة فيها على الاستحباب ، لظهورها في الوجوب وصراحة الطائفة الثّانية في عدمه ، وإلى هذا ذهب المشهور.

وربما يؤيِّد حمل الأخبار الآمرة بالاستظهار على استحبابه بما ذكروه في روايات البئر من أنّ الاختلاف في التقدير كاشف عن عدم وجوبه ، وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في المقام كذلك ، لأنّ في بعضها أنّها تستظهر بيوم ، وفي بعضها الآخر بيومين وفي ثالث بثلاثة أيّام ، وفي رابع بعشرة أيّام ، وفي خامس بثلثي أيّامها وإن كان ذلك وارداً في النّفساء دون الحائض ، والاختلاف في التقدير يكشف عن عدم الوجوب.

إلاّ أنّا أجبنا عن ذلك في محلّه بأن الاختلاف في بيان التقدير إنّما يكشف عن عدم الوجوب في المقدار الزّائد عن القدر المشترك بين الجميع ، ولا يكشف عن عدم الوجوب حتّى في المقدار الأقل المشترك فيه الجميع ، والاستظهار بيوم واحد ممّا يشترك فيه جميع التحديدات الواردة في الأخبار ، ولا موجب لرفع اليد عن الوجوب فيه.

ما هو الصحيح في الجمع بين الطائفتين

فالصحيح هو الوجه الأوّل أعني الجمع بين الطائفتين من الأخبار بحمل الظّاهر منها على النص.

وقد يقال بحمل الأخبار الآمرة بالاستظهار على الاستحباب في نفسها مع قطع النّظر عن معارضتها مع الطائفة الثّانية النافية لوجوب الاستظهار ، وذلك بدعوى أنّ المورد من موارد توهّم الحظر ، حيث إنّ المرأة تحتمل حرمة ترك الصّلاة في تلكم الأيّام لاحتمال كونها طاهرة وممّن تجب عليها الصّلاة ، فالأوامر الواردة بترك الصّلاة إنّما وردت دفعاً لهذا التوهّم ، فلا ظهور لها في الوجوب في نفسها ، وإنّما هي تفيد الإباحة والجواز.

ويدفعه : أنّ ترك الصّلاة كما يحتمل حرمته على المرأة في أيّام استظهارها كذلك‌

٢٤١

يحتمل أن يكون إتيانها بها بقصد القربة محرماً ، وكذا الحال في تمكينها لزوجها لدوران أمرها بين الحيض والطهر ، وقد سبق أنّ لكلّ منهما أحكاماً إلزاميّة ، فالمقام من دوران الأمر بين المحذورين لا من موارد توهّم الحظر الّتي توجب ظهور الأمر فيها في الإباحة.

فالعمدة في حمل الأوامر المذكورة على الاستحباب إنّما هو الوجه الأوّل فلا بدّ من ملاحظة أنّه تام أو ليس بتام. وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في الاستظهار على طائفتين :

إحداهما : ما دلّت على وجوب الاستظهار بيوم أو بيومين أو بثلاثة أو بعشرة وهي الّتي ادعي تواترها إجمالاً ، ولم نستبعد ذلك فيما إذا انضمّت إليها الأخبار الواردة في استظهار النّفساء ، بل الأخبار الواردة في المستحاضة بالغة حدّ الاستفاضة في نفسها ، بل لا يبعد دعوى تواترها الإجمالي في نفسها مضافاً إلى أنّ فيها روايات معتبرة من الصحاح والموثقات.

وثانيتهما : ما دلّ على عدم وجوب الاستظهار على المستحاضة وأنّها تقعد أيّام عادتها ثمّ تغتسل وتصلّي ويغشاها زوجها متى شاء ، وهي جملة من الأخبار أيضاً فيها صحيحة وموثقة.

اختلاف الأنظار في الجمع بين الطائفتين

وقد اختلفت الأقوال في المسألة باختلاف الأنظار في الجمع بينهما.

فالمشهور بينهم أنّ الاستظهار مستحب بحمل الطائفة الآمرة بالاستظهار على الاستحباب بملاحظة الطائفة النافية لوجوبه ، وحكي عن بعضهم أنّ الاستظهار أمر مباح وللمرأة أن تستظهر وأن لا تستظهر ، وعن الشيخ (١) والسيِّد (٢) وجوبه.

__________________

(١) النهاية : ٢٦ / باب حكم الحائض ، المبسوط ١ : ٤٤ / أحكام الحائض ، الجمل والعقود : ١٦٣.

(٢) نقل عن مصباح السيِّد في الحدائق ٣ : ٢١٦ / في غسل الحيض ، وكذا المحقّق في المعتبر ١ : ٢١٤ / في غسل الحيض.

٢٤٢

ولا يمكن القول بالإباحة بدعوى أنّ الأخبار الآمرة بالاستظهار وردت في مورد توهّم الحظر ، وذلك لما عرفت من أنّ المورد ليس كما توهّم.

كما لا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه المشهور من حمل الطائفة الآمرة بالاستظهار على الاستحباب بقرينة الطائفة النافية للوجوب ، وذلك لأنّ الطائفة الثّانية تشتمل على الأمر بالاغتسال والصّلاة بعد أيّام عادتها ، فلا وجه لترجيح إحداهما على الأُخرى ورفع اليد عن ظاهر إحداهما بملاحظة الأُخرى دون العكس.

ودعوى : الجمع بينهما بحملهما على الوجوب التخييري أو الاستحباب كذلك.

مندفعة بأنّ الاغتسال وتركه وكذلك الصّلاة وتركها من الضدّين لا ثالث لهما ، ولا معنى للتخيير في مثلهما ، لأنّ المرأة بطبعها إمّا أن تفعلهما وأمّا أن لا تفعلهما. فهذا الوجه ساقط أيضاً.

ما جمع به صاحب الحدائق بين الطائفتين

وقد جمع صاحب الحدائق قدس‌سره بينهما تارة بحمل الطائفة الثّانية النافية لوجوب الاستظهار على التقيّة ، نظراً إلى أنّ الطائفة الآمرة بالاستظهار روايات معروفة مشهورة بين الأصحاب ، فقد علمنا لأجلها أنّ الاستظهار على اختلاف أيّامه أمر ثابت من مذهب الشيعة ، وأمّا عدم وجوب الاستظهار على المستحاضة فهو أمر موافق لمذهب الجمهور إلاّ مالكاً فإنّه ذهب إلى وجوب الاستظهار ثلاثة أيّام على ما نسبه العلاّمة إليه في المنتهي (١).

ويدفعه : أنّ معاملة المتعارضين بينهما والترجيح بمخالفة العامّة إنّما تصل النوبة إليها فيما إذا لم يمكن الجمع بينهما بوجه ، لوضوح أنّه مع إمكان الجمع بينهما لا تعارض حتّى يرجح بمرجحات المتعارضين.

على أنّ مخالفة العامّة كما ذكرناه في محله مرجح ثان في المتعارضين ، ولا تصل‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٢٢٠ / في غسل الحيض.

٢٤٣

النوبة إلى الترجيح بها مع وجود المرجح الأوّل وهو موافقة الكتاب ، والطائفة النافية لوجوب الاستظهار يمكن أن يقال إنّها موافقة للكتاب ، لأنّ الحكم على المستحاضة بالصّلاة بعد أيّام عادتها موافق للمطلقات الواردة في الكتاب ، لأنّها إنّما خصّصت بأيّام الحيض ، وأمّا في غيرها فمقتضى المطلقات وجوب الصّلاة عليها مثلاً ، والحكم بعدم وجوبها عليها حينئذ تقييد زائد في المطلقات ، فبذلك تتقدّم على الطائفة الآمرة بالاستظهار.

وأُخرى جمع بينهما بحمل أخبار الاستظهار على المرأة غير مستقيمة الحيض كما إذا زاد دمها تارة ونقص اخرى ، وأخبار عدم وجوبه على المستقيمة في عادتها مستشهداً على ذلك بروايتين :

إحداهما : موثقة عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت؟ قال : تقعد قرأها الّذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل » (١).

ثانيتهما : رواية مالك بن أعين ، قال « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال : ينظر الأيّام الّتي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة ، فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر ، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام ، ولا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أراد » (٢).

وذكر أنّ الاستقامة في الحيض لمّا كانت قليلة أو نادرة تكاثرت الأخبار بالاستظهار للمرأة لأجله.

وهذا الجمع أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، لعدم ورود الرّوايتين اللتين استشهد بهما قدس‌سره على مدّعاه فيما هو محل الكلام ، لأنّ محل الكلام إنّما هو المرأة ذات‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٢٠ / أبواب الحيض ب ٢٤ ح ١١ ، ٣٧٩ / أبواب الاستحاضة ب ٣ ح ١.

٢٤٤

العادة العدديّة سواء أكانت ذات عادة وقتيّة أيضاً أم لم تكن فإنّ النسبة بين العادتين عموم من وجه كما قدّمناه فإذا زاد دمها على العشرة يتكلّم في أنّها ترجع إلى عددها ثمّ تغتسل أو أنّها تستظهر بعد ذلك العدد بثلاثة أيّام أو بأكثر أو بأقل.

وأمّا الرّوايتان فهما قد وردتا في المرأة ذات العادة الوقتيّة الّتي قد يزيد عدد أيّام دمها وينقص وقد لا يزيد ولا ينقص ، وذلك لاشتمالهما على أنّها تقعد قرأها الّذي كانت تحيض فيه أو الأيّام الّتي كانت تحيض فيها ، فعلمنا من ذلك أنّ لها عادة وقتيّة ولكن عددها قد يستقيم وقد لا يستقيم ، ومعه لا تكون الرّوايتان مفصلتين في محل الكلام ، بل هما من أدلّة عدم وجوب الاستظهار حيث دلّتا على أنّ المستقيمة العدد أي الّتي لها عدد معيّن وقد زاد دمها على العشرة تأخذ بعدد أيّامها ولا يجب عليها الاستظهار هذا.

على أنّ رواية مالك بن أعين ضعيفة ، لأنّ الشيخ رواها عن ابن فضال ، وطريقه إليه ضعيف (١).

وأمّا الرّواية الأُولى فقد عبّر عنها صاحب الحدائق قدس‌سره بالصحيحة ، ولعلّه من جهة أنّ أبان بن عثمان الواقع في سندها ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، إذ لم يرد فيه توثيق صريح بل ضعّفه العلاّمة وردّ روايته معتمداً على قوله تعالى : ( ... إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ) (٢) وأيّ فسق أعظم من مخالفة الإمام عليه‌السلام ، والرّجل ناووسي ، ولكنّا نعتمد على رواياته لأجل توثيق الشيخ إيّاه في ضمن جملة من أمثاله في عُدّته ، فهذا الجمع ممّا لا شاهد له.

ما جمع به شيخنا الأنصاري بين الطائفتين

وجمع بينهما شيخنا الأنصاري قدس‌سره بحمل الأخبار الآمرة بالاستظهار على‌

__________________

(١) تقدّم أنّ هذا ما بنى عليه سيِّدنا الأُستاذ أوّلاً غير أنّه رجع عن ذلك أخيراً ، راجع الصفحة ٧٠.

(٢) الحجرات ٤٩ : ٦.

٢٤٥

صورة رجاء الانقطاع قبل العشرة وعدم انقطاعه ، والأخبار النافية لوجوب الاستظهار على صورة اليأس من الانقطاع قبل العشرة (١).

وهذا الجمع أيضاً لا يمكن المساعدة عليه من جهة أنّ حمل الأخبار الآمرة بالاستظهار على صورة رجاء الانقطاع قبل العشرة وعدمه وإن كان صحيحاً ، لأنّه موردها وهو معنى الاستظهار ، لأنّه بمعنى طلب ظهور الشي‌ء ، وهذا إنّما يتحقّق مع الشكّ في حصوله وعدمه لا مع العلم بأحد الطرفين. إلاّ أنّ حمل الأخبار النافية لوجوب الاستظهار على صورة الجزم واليأس من الانقطاع قبل العشرة بلا وجه لأنّه على خلاف إطلاقها ولا قرينة على التقييد.

ودعوى : أنّ الأخبار الآمرة بالاستظهار مقيّدة بصورة الشكّ والرّجاء ، والأخبار النافية لوجوبه مطلقة تشمل صورة الشكّ في الانقطاع قبل العشرة والجزم بعدمه فمقتضى قانون الإطلاق والتقييد تقييد إطلاق الطائفة النافية بصورة الجزم واليأس عن الانقطاع قبل العشرة والحكم بعدم وجوب الاستظهار حينئذ ، وأمّا صورة الشكّ والرّجاء فهي مورد للحكم بوجوب الاستظهار بمقتضى الطائفة الآمرة به.

مندفعة : بأنّ تقييد إطلاق الطائفة النافية بعيد ، لاستلزامه حمل المطلق على الفرد النادر ، بل نفس السكوت عن بيان القيد مع ندرة الجزم بالانقطاع وكثرة التردّد والشكّ فيه يدلّنا على عدم تقيد الحكم بصورة اليأس من الانقطاع كما لعله ظاهر.

وقد يجمع بينهما بحمل الأخبار الآمرة بالصلاة والاغتسال على الصّلاة والاغتسال بعد أيّام الاستظهار ، وذلك لأنّها مطلقة تشمل كلتا الصّورتين ، أعني ما بعد العادة وما بعد أيّام الاستظهار ، وأمّا الأخبار الآمرة بالاستظهار فهي مقيّدة بما بعد العادة لا محالة ، فمقتضى قانون الإطلاق والتقييد حمل الأخبار الآمرة بالصّلاة والاغتسال على ما بعد أيّام الاستظهار لا محالة.

وهذا الجمع أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ ظاهر الرّوايات الآمرة‌

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ٢٢٩ السطر ٢٧ / المقصد الثّاني في الحيض.

٢٤٦

بالصلاة والاغتسال أنّها إنّما وردت بصدد بيان الوظيفة الفعليّة بعد أيّام العادة ، وقد دلّت على أنّ الوظيفة حينئذ هي الغسل والصّلاة ، وعليه فهما متنافيان وليسا من المطلق والمقيّد في شي‌ء ، ولا يكون الجمع بينهما بحمل الطائفة الآمرة بالصلاة والاغتسال على ما بعد أيّام الاستظهار من الجمع العرفي بينهما بوجه.

على أنّ ذلك لو تمّ فإنّما يتمّ فيما إذا كانت أيّام عادة المرأة وأيّام استظهارها أقل من عشرة أيّام ، كما إذا كانت عادتها أربعة أيّام واستظهرت ثلاثة أيّام ، فحينئذ يمكن القول بأنّ الصّلاة والاغتسال إنّما يجبان بعد أيّام الاستظهار أعني بعد سبعة أيّام.

وأمّا إذا كانت عادتها وأيّام استظهارها متجاوزة عن عشرة أيّام ، كما إذا كانت أيّام عادتها تسعة أيّام واستظهرت بثلاثة أيّام ، فإنّه لا معنى حينئذ للقول بأنّ الصّلاة والاغتسال تجب عليها بعد اثني عشر يوماً من رؤيتها الدم ، وذلك لوضوح أنّ الحيض لا يتجاوز عشرة أيّام ، والمرأة بعد عشرة أيّام لا إشكال في وجوب الصّلاة والغسل عليها ، فما فائدة تلك الأخبار إذا لم تكن حاجة إليها لوضوح الحكم من غير شكّ.

على أنّ في بعض الرّوايات ورد الأمر بالاستظهار بعشرة أيّام (١) إمّا بتقدير كلمة « تمام » كما صنعه صاحب الوسائل (٢) قدس‌سره ، أي تستظهر بتمام العشرة ، وإمّا بحمل الباء على معنى « إلى » أي إلى عشرة أيّام كما عن الشيخ (٣) قدس‌سره. وعلى كلّ تقدير يجب الاستظهار بمقتضى تلك الرّواية إلى عشرة أيّام من زمان رؤيتها الدم وحينئذ فما معنى وجوب الصّلاة والاغتسال عليها بعد العشرة ، لأنّه أمر واضح لا حاجة فيه إلى تلك الرّوايات.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٣ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٢ ، ص ٣٨٣ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٣ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٢.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٩.

٢٤٧

الجمع المنقول عن صاحب المدارك ( قدس‌سره )

وعن صاحب المدارك حمل الأخبار الآمرة بالاستظهار على ما إذا كان الدم واجداً للصفات ، وحمل الأخبار المقتصرة على أيّام العادة بما إذا كان الدم فاقداً للصفات ، لأنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض (١).

ويدفعه : أنّ هذا الجمع جمع تبرّعي محض ولا شاهد عليه بوجه ، فإنّ الدّم في كلتا الطائفتين بمعنى واحد ، حيث إنّ الموضوع الواحد وهو الدم الّذي يتجاوز عن العادة قد حكم في إحدى الطائفتين بوجوب الاستظهار معه وحكم في الطائفة الأُخرى بوجوب الصّلاة والاغتسال معه ، فتقييده في إحداهما بشي‌ء وفي الأُخرى بشي‌ء آخر خلاف ظاهر الكلمة ، ولا يعدّ من الجمع العرفي في شي‌ء.

وقد يجمع بينهما بحمل الأخبار الآمرة بالاستظهار على الحكم الظاهري ، وأنّ وظيفة المرأة ظاهراً أن تترك العبادة ظاهراً إلى ثلاثة أيّام أو أقل أو أكثر حتّى يتضح الحال بعد ذلك ، وحمل الأخبار الآمرة بالصلاة والاغتسال على بيان الحكم الواقعي وأنّ المرأة إذا تجاوز دمها العشرة ترجع إلى أيّام عادتها وتجعلها حيضاً والباقي استحاضة تجب عليها الصّلاة والاغتسال فيه ، فإذا انكشف بعد استظهارها أنّ الدم متجاوز عن العشرة فتقضي ما فاتها من الصلوات وغيرها.

وفيه ما عرفت من أنّ الأخبار الآمرة بالغسل والصّلاة ظاهرة في أنّ ذلك هو الوظيفة الفعليّة للمرأة ، وهذا ينافي حملها على بيان الحكم الواقعي ، فإنّ بيان الحكم الّذي لا يمكن إحراز موضوعه لغو لا أثر له ، ومن الظّاهر أنّ كشف تجاوز الدم عن العشرة إنّما هو متأخر عن أيّام العادة لا محالة ولا تعلم به المرأة بعد أيّام عادتها ، فماذا يفيدها الحكم الواقعي حينئذ وإن كان ذلك ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، لوضوح أنّ الدم إذا تجاوز العشرة فذات العادة ترجع إلى أيّام عادتها وتجعل الباقي استحاضة إلاّ أنّ الحكم الواقعي لا يفيدها فعلاً أي بعد تجاوز أيّام عادتها لعدم إحرازها‌

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٣٤ / أحكام الحيض.

٢٤٨

الموضوع ، فتصبح الأخبار الظاهرة في بيان الوظيفة الفعليّة لغواً ظاهراً ، فهذا الوجه أيضاً لا يتم.

ما جمع به الوحيد البهبهاني بين الطائفتين

وعن الوحيد البهبهاني قدس‌سره جمعهما بحمل الطائفة الآمرة بالاستظهار على الدور الأوّل من الدم ، وحمل الأخبار الآمرة بالصلاة والاغتسال على الدور الثّاني من الدم (١).

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام عادتها وتجاوز فيجب عليها أن تستظهر بيوم واحد كما في الموثقة الآتية ، وبعدها يحكم على الدم بالاستحاضة ، فإذا استمرّ بها الدم بعد ذلك إلى شهر وجاءت أيّام عادتها فتقتصر على أيّامها وبعدها تغتسل وتصلّي وإن لم ينقطع دمها لأنّها مستحاضة حينئذ ، وهكذا إذا انتهى إلى الشهر الثّاني والثّالث فإنّه الدور الثّاني من دمها ، وبهذا ترتفع المعارضة بينهما.

واستشهد على ذلك بموثقة إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها ، قال : إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ثمّ هي مستحاضة ، قالت : فإنّ الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثّلاثة كيف تصنع بالصّلاة؟ قال : تجلس أيّام حيضها ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين » (٢).

وهذا الجمع وإن كان أحسن الوجوه المذكورة في المقام إلاّ أنّه لا يمكن المساعدة عليه أيضاً ، والوجه فيه : أنّ الموثقة وإن دلّت على أنّ المرأة في دورها الأوّل تستظهر بيوم واحد إلاّ أنّها لم يعلم دلالتها على عدم وجوب الاستظهار عليها في دورها الثّاني ، لعدم كون الموضوع في سؤال المرأة السائلة من الإمام عليه‌السلام بقولها « فإنّ الدم يستمر الشهر والشهرين والثّلاثة » هو الموضوع في سؤالها السابق بقولها‌

__________________

(١) حكاه عنه في المستمسك ٣ : ٢٦٦ / كتاب الحيض.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

٢٤٩

« المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها » حتّى يقال إنّ المرأة بعد ما رأت الدم في حيضها وتجاوز عن عادتها ثمّ استمرّ بها الدم شهراً أو شهرين فلها دوران قد حكم عليه‌السلام في دورها الأوّل بالاستظهار وبعدم وجوبه في دورها الثّاني.

بل السؤال في قولها « فإنّ الدم يستمر بها ... » إنّما هو عن موضوع آخر ، أي امرأة أُخرى وأنّ المرأة إذا استمرّ بها الدم شهراً أو شهرين كيف تصنع؟ ولو كان ذلك دوراً أوّلاً لها لا دوراً ثانياً ، كما إذا فرضنا أنّها قبل أيّام عادتها رأت الدم حتّى انتهى إلى أيّام عادتها ورأت فيها أيضاً حتّى تجاوز عنها ، فإنّها مستمرّة الدم حينئذ ودامية ، إلاّ أنّها دور أوّل للمرأة إذ لم تبتل قبل ذلك برؤية الدم في عادتها مع تجاوزه عنها ليكون هذا دوراً أوّلاً لها ، وما رأته بعدها شهراً أو شهرين دوراً ثانياً هذا.

على أنّا لو سلمنا أنّ الموضوع في كلا الموردين امرأة واحدة ، والموثقة تضمنت حكم دورها الأوّل والثّاني كما أُفيد ، إلاّ أنّها ليست بذات مفهوم حتّى تدل على أنّ المرأة إذا كانت مستمرّة الدم من الابتداء لا في دورها الثّاني ، أي بعد رؤيتها الدم في عادتها مع تجاوزه عنها لا تجب عليها الصّلاة والغسل ، وإنّما تدل على أنّ المستمرّة في دورها الثّاني لا يجب عليها الاستظهار.

إذن فلا بدّ من استفادة حكم المستمرة الدم من الأخبار الأُخر ، فإذا لاحظنا صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المستحاضة تنظر أيّامها فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكُرسُف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ، تؤخِّر هذه وتعجل هذه ، وتغتسل للصبح ... » (١).

وحسنة أو صحيحة عبد الله بن سِنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سمعته يقول المرأة المستحاضة تغتسل الّتي لا تطهر كذا في الوسائل ، والظاهر أنّه هكذا : الّتي لا تطهر تغتسل عند صلاة الظّهر وتصلِّي الظّهر والعصر ، ثمّ تغتسل عند المغرب‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧١ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

٢٥٠

فتصلِّي المغرب والعشاء ، ثمّ تغتسل عند الصبح فتصلّي الفجر ، ولا بأس بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلاّ أيّام حيضها فيعتزلها زوجها » الحديث (١).

وموثقة سماعة ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستحاضة ، قال فقال : تصوم شهر رمضان إلاّ الأيّام الّتي كانت تحيض فيها ثمّ تقضيها من بعد » (٢) ، وغيرها ممّا رواه في الوسائل باب ١ من أبواب الاستحاضة وغيره.

ومن جملة الرّوايات مرسلة يونس الطويلة الّتي ذكرنا أنّها معتبرة ، لأنّها دلّت على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سنّ في المرأة ثلاث سنن ، منها أنّ المستحاضة من الابتداء تقعد في أيّام أقرائها وبعدها تغتسل وتصلِّي (٣).

علمنا أنّ المرأة المستحاضة من الابتداء لا يجب عليها الاستظهار ، لأنّ مورد تلك الأخبار هي المرأة المستحاضة من الابتداء ، لقوله عليه‌السلام فيها « تنظر أيّامها » فإنّها كالصريح في أنّ استحاضتها إنّما كانت قبل أيّامها إذ لو كانت رؤيتها الدم من أوّل أيّامها وكانت مستحاضة بعدها لم يكن معنى لانتظارها أيّام عادتها ، وكذلك الرّوايتان الأخيرتان ، لأنّ الموضوع فيهما المستحاضة ، وقد حكم بوجوب الصوم ووجوب الصّلاة عليها ابتداءً ، ثمّ استثنى أيّام عادتها ، فظاهرهما أنّ الاستحاضة كانت قبل أيّامها.

ما هو الجمع الصحيح بين الطائفتين

وبهذا يتّضح الوجه للجمع الصحيح بين الطائفتين ، حيث إنّ النّسبة بين أخبار وجوب الاستظهار وتلك الأخبار الدالّة على وجوب الصّلاة والاغتسال للمستحاضة عموم مطلق ، لأنّ أخبار الاستظهار أعمّ من أن تكون المرأة مستحاضة من الابتداء أو تكون كذلك بعد دورها الأوّل أي بعد أيّام عادتها ، وتلك الرّوايات مختصّة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٨ / أبواب الاستحاضة ب ٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١.

٢٥١

بالمستحاضة من الابتداء ، فمقتضى قانون الإطلاق والتقييد حمل روايات الاستظهار على المرأة المستحاضة بعد أيّام عادتها أو قبلها بيوم أو يومين ، لأنّ الدم قد يتعجّل ويحكم في المستحاضة بعد العادة بوجوب الاستظهار يوماً واحداً ، وبالتخيير في بقيّة الأيّام حتّى يتبيّن الحال ، ويحكم في المستحاضة من الابتداء بعدم وجوب الاستظهار. وهذا الوجه أليق من الوجوه المتقدّمة ، وبه يجمع بين الطائفتين كما عرفت.

وقد يتراءى أنّ الأخبار المقتصرة على أيّام العادة في المستحاضة من الابتداء معارضة برواية الجُعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإذا هي رأت طهراً ( الطّهر ) اغتسلت » (١).

ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين » (٢).

ورواية فضيل وزرارة عن أحدهما عليه‌السلام « قال : المستحاضة تكفّ عن الصّلاة أيّام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين » (٣).

حيث إنّها دلّت على أنّ المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين.

إلاّ أنّ دلالتها مورد المناقشة ، وذلك لعدم ظهورها في أنّ المراد بالمستحاضة هي المستحاضة من الابتداء وقبل العادة ، بأن رأت الدم واستمرّ بها في غير أيّام عادتها إلى أن دخلت في أيّام عادتها وتجاوزها الدم أيضاً ، ولا قرينة على إرادتها منها ، وإنّما هي مطلقة وليكن المراد منها المستحاضة بعد عادتها ، أعني المرأة الّتي رأت الدم في عادتها وتجاوز عنها ، وقد ذكرنا أنّ الاستظهار متعيّن حينئذ.

وعلى الجملة أنّهما إنّما يعارضان الأخبار المتقدّمة على تقدير ظهورها في إرادة المستحاضة من الابتداء ، وقد عرفت عدم ظهورها في ذلك.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٥ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٦ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٢.

٢٥٢

ومع كونها مطلقة يكون حالها حال بقيّة الأخبار المتقدِّمة ، حيث جمعنا بين ظهورها و[ بين ] نصّ المرسلة وصحيحتي معاوية وعبد الله بن سِنان وموثقة سَماعة في عدم وجوب الاستظهار على المستحاضة قبل العادة بحملها على المستحاضة بعد العادة ، هذا.

ولكن الإنصاف أنّ روايتي الجُعفي وزرارة الثّانية لا وجه للمناقشة في دلالتهما حيث إنّ المستحاضة فيهما ظاهرة في المستحاضة قبل العادة ، وقد دلّتا على وجوب الاستظهار عليها بيوم أو يومين ، وذلك لقرينة حكمه عليه‌السلام بأنّها تقعد أيّام قرئها ، حيث فرضها مستحاضة أوّلاً ثمّ حكم عليها بالقعود في أيّام قرئها الآتية بعد استحاضتها ، فهما معارضتان مع الأخبار المتقدّمة إلاّ أنّ سنديهما ضعيف.

أمّا رواية الجعفي فليست المناقشة في سندها مستندة إلى أبان بدعوى أنّه من الواقفة ، فإنّه وإن كان من الواقفة (١) ولم يرد توثيق صريح في حقّه إلاّ أنّه من أصحاب الإجماع فاتّفقوا على تصحيح ما يصح عنه ، وقد ذكرنا في محله أنّ غاية ما يستفاد من هذا الإجماع أنّه ممّن تعتبر روايته ، على أنّا استفدنا وثاقته من الشيخ في عدّته (٢) حيث وثّق جملة من مشايخ الواقفة وغيرها من الفرق غير الاثني عشريّة ، فلا تتوقّف في الرّواية من جهة أبان وإن توقّف فيها بعضهم كالعلاّمة (٣) قدس‌سره.

بل من جهة القاسم الّذي يروي عن أبان ، لأنّ من يروي عنه بهذا الاسم راويان : أحدهما القاسم بن محمّد الجوهري ، وثانيهما القاسم بن عروة ، ولم تثبت وثاقتهما (٤).

نعم ، ذكروا أنّ القاسم بن عروة ممدوح إلاّ أنّه لم تثبت وثاقته ، وغاية ما يمكن استفادته أنّه إمامي ، لأنّ الشيخ (٥) والنجاشي (٦) لم يغمزا في مذهبه.

__________________

(١) تقدّم منه في ص ٢٤٥ أنّه ناووسي ، فراجع.

(٢) عدّة الأُصول : ٥٦ السطر ١٢ / في العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر.

(٣) رجال العلاّمة الحلّي : ٢١ / الباب الثّامن ترجمة أبان بن عثمان الأحمر.

(٤) نعم القاسم بن محمّد الجوهري لم يوثق في الرّجال غير أنّه ممّن وقع في أسناد كامل الزّيارات ، فبناءً على مبنى سيِّدنا الأُستاذ لا بدّ من الحكم بوثاقته.

(٥) الفهرست : ١٢٦ / الرقم [٥٧٧] ترجمة قاسم بن عروة.

(٦) رجال النجاشي : ٣١٤ / الرقم [٨٦٠] ترجمة قاسم بن عروة.

٢٥٣

ولكن الأردبيلي في جامع الرّواة (١) أضاف إليهما القاسم بن عامر ، وذكر أنّه روى عن أبان في زكاة الحنطة من التّهذيب (٢) ، ونحن قد راجعنا المورد من التّهذيب وهو كما نقله فيما هو المطبوع من الكتاب.

ولكن الظاهر أنّ الأردبيلي اشتبه عليه الأمر من جهة غلط النسخة ، بل الصحيح أنّ الرّاوي عن أبان في زكاة الحنطة من التهذيب عبّاس بن عامر ، لأنّ صاحبي الوافي والوسائل (٣) قد نقلاها بعينها عن عبّاس بن عامر عن أبان ، هذا كلّه.

على أنّا لو سلّمنا أنّه القاسم بن عامر كما ذكره الأردبيلي قدس‌سره فهو أيضاً كسابقيه في عدم جواز الاعتماد على روايته ، لإهماله في الرّجال حتّى أنّ الأردبيلي بنفسه لم يتعرّض له في كتابه ، فالمتحصل أنّ الرّواية ضعيفة كما ذكرناه.

وأمّا المناقشة في سند الرّواية الثّانية لزرارة فهي مستندة إلى ما تقدّم من أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضال غير صحيح (٤) ، ثمّ إنّ في سندها محمّد بن عبد الله بن زرارة ووثاقته وإن كانت محل الكلام ، لكن الظّاهر وثاقته لتوثيق ابن داود إيّاه (٥).

وليعلم أنّ ابن داود هذا قميّ متقدّم على النجاشي ، لأنّه ذكره في رجاله وأثنى عليه (٦) ، فلا مناص من الاعتماد على توثيقه ، وليس هو ابن داود الرّجالي المعروف حتّى يستشكل في توثيقه بأنّه اجتهاد منه قدس‌سره لتأخّر عصره.

__________________

(١) جامع الرّواة ١ : ١٤ / ترجمة أبان بن عثمان.

(٢) التهذيب ٤ : ١٩ / الرّقم ٤٩.

(٣) الوافي ١٠ : ٨٠ / الرقم ٩١٩٨ ، الوسائل ٩ : ١٧٨ / الرقم ١١٧٨٠.

(٤) وقد تقدّم غير مرّة أنّ المناقشة في طريق الشيخ إلى الرّجل ممّا عدل عنه سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) أخيراً فبنى على اعتباره فلا تغفل. راجع الصفحة ٧٠.

(٥) راجع تنقيح المقال ٣ : ١٤٣ السطر ٢٨ / ترجمة محمّد بن عبد الله بن زرارة ، جامع الرّواة ١ : ٢١٤ / ترجمة الحسن بن علي بن فضّال. معجم الرجال ١٧ : ٢٥٣.

(٦) رجال النجاشي : ٣٨٤ الرقم [١٠٤٥] ترجمة محمّد بن أحمد بن داود.

٢٥٤

وأمّا رواية زرارة الأُولى فهي مطلقة كما ذكرنا ولا قرينة فيها على أنّ المستحاضة من الابتداء ، فلا بدّ من حملها على المستحاضة بعد العادة ، لصراحة ونصوصيّة الأخبار المقتصرة على العادة في عدم وجوب الاستظهار على المستحاضة من الابتداء.

على أنّ سندها ضعيف (١) لأنّه مضافاً إلى أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال لم يثبت اعتباره في سندها جعفر بن محمّد بن حكيم ، ولم تثبت وثاقته بل ذمّه بعضهم إلاّ أنّه غير ثابت لجهالة الذامّ ، فإنّ الكشي نقل عن حمدويه أنّه كان عند الحسن بن موسى يكتب عنه أحاديث جعفر بن محمّد بن حكيم إذ لقيه رجل من أهل الكوفة سمّاه الكشي (٢) وفي يده كتاب فيه أحاديث الرّجل ، فقال له الكوفي : هذا كتاب من؟ قال له : كتاب الحسن بن موسى ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، فقال له الكوفي : أمّا الحسن فقل له ما شئت ، وأمّا جعفر بن محمّد بن حكيم فليس بشي‌ء ، وجهالة الكوفي الذام يمنعنا عن الحكم بذمّة (٣).

فما ذكرناه من الوجه ممّا لا إشكال فيه وإن كان الاحتياط بعد العادة وقبل العشرة بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ولا سيما فيما إذا كانت مستحاضة من الابتداء ممّا لا بأس به ، لأنّه يولد العلم بالخروج عن عهدة الوظيفة الواقعيّة على كلّ تقدير.

وعليه يجب على المستحاضة بعد عادتها أعني من رأت الدم في أيّام عادتها وتجاوز عن عشرة أيّام أن تستظهر بيوم واحد وجوباً ، ويومين أو ثلاثة أو عشرة مخيراً ، بمعنى أنّها مخيّرة في غير اليوم الواحد بين أن تستظهر فتترك الصّلاة وغيرها من العبادات وبين أن تغتسل وتصلِّي.

__________________

(١) أمّا طريق الشيخ إلى ابن فضّال فقد عرفت الكلام فيه في الصفحة ٧٠ ، وأمّا جعفر بن محمّد بن حكيم فهو وإن لم يوثق في الرّجال غير أنّه ممّن وقع في أسانيد كامل الزّيارات ، وقد بنى سيِّدنا الأُستاذ ( دام ظلّه ) على وثاقة كلّ من وقع فيها ولم يضعّف بتضعيف معتبر.

(٢) بل لم يسمّه الكشي ونسي ذكر اسمه.

(٣) رجال الكشي ٥٤٥ / الرّقم ١٠٣١ في جعفر بن محمّد بن حكيم.

٢٥٥

والوجه في ذلك أن الأخبار الواردة (١) في أنّها تستظهر بيوم أو يومين أو بثلاثة وما ورد في أنّها تستظهر بعشرة أيّام وإن كانت متعارضة لدى العرف ، حيث وردت محدّدة للحيض لأنّه الموضوع لترك الصّلاة وغيرها من أعمال المرأة الحائض والحيض أمر واقعي قد دلّت بعض الرّوايات على تحديده بيوم وبعضها الآخر بيومين وهكذا ، فهي من الأخبار المتعارضة لدى العرف بلحاظ تحديدها.

وليست تلك الرّوايات نظير ما إذا ورد الأمر بإتيان شي‌ء مرّة واحدة وورد أمر آخر بإتيانه مرّتين وثالث بإتيانه ثلاث مرّات حتّى يؤخذ بالقدر المتيقن وهو المرّة الواحدة ويحكم بوجوبها ويحمل الباقي على الاستحباب ، بل الرّوايات متعارضة.

إلاّ أنّه لا مناص في المقام من الحكم بالتخيير بين الاستظهار وعدمه في اليومين والثّلاثة والعشرة ، وذلك لدلالة الأخبار على ذلك في نفسها ، حيث ورد في رواية واحدة كما في موثقة سعيد بن يسار (٢) أنّها تستظهر بيومين أو ثلاثة ، وهي نص في التخيير بينهما.

نعم لم يذكر فيها الاستظهار بعشرة أيّام ، إلاّ أنّ تلك الرّواية تدلّنا على أنّ الأخبار الواردة في المقام ليست ناظرة إلى التحديد ليكون بعضها معارضاً لبعض ، وإنّما هي واردة لبيان أنّ المرأة مخيّرة في الاستظهار بيومين أو ثلاثة أو عشرة فلا يبقى بينهما تعارض.

نعم ، يقع الكلام حينئذ في أنّه ما معنى كونها مخيّرة بين الاستظهار وتركه ، لأنّه يرجع إلى أنّها مخيّرة بين أن تصلّي وأن لا تصلّي ، وكيف يمكن الحكم بالتخيير في الواجب كالصلاة ، إذ لا معنى لوجوبها مع كونها متمكنة من تركها.

ويندفع بأنّ التخيير في تلك الرّوايات إنّما يرجع إلى أنّ التحيّض اختياره بيد المرأة ، فلها أن تجعل نفسها حائضاً في تلك الأيّام كما أنّ لها أن تجعل نفسها مستحاضة ، وهما الموضوعان لمثل وجوب الصّلاة أو وجوب تركها ، ومع اختيار‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٠ / أبواب الحيض ب ١٣ ، ٣٨٢ / أبواب النّفاس ب ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٢ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ٨.

٢٥٦

[٧٢٤] مسألة ٢٤ : إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة وعلمت أنّه يتجاوز عن العشرة تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد ولا حاجة إلى الاستظهار (١).

[٧٢٥] مسألة ٢٥ : إذا انقطع الدم بالمرّة وجب الغسل والصّلاة وإن احتملت العود قبل العشرة بل وإن ظنّت بل وإن كانت معتادة بذلك على إشكال (*) (٢) نعم لو علمت العود فالأحوط مراعاة الاحتياط في أيّام النّقاء ، لما مرّ من أنّ في النّقاء المتخلّل يجب الاحتياط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحد الموضوعين يترتب عليه حكمه ، وليست ناظرة إلى التخيير بين الواجب وتركه ابتداءً ليقال إنّه ما معنى وجوب الزّائد مع جواز تركه.

وهذا الّذي ذكرناه أمر قد وقع نظيره في غير المقام ، كما في المرأة الّتي زاد دمها على العشرة ولم تكن لها عادة فإنّها ترجع إلى أقرانها ، ومع عدم الأقران تتخيّر بين أن تتحيض ثلاثة أيّام أو ستّة أو سبعة في كلّ شهر كما يأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.

(١) لأنّه كما مرّ إنّما وجب لمعرفة الحال وظهورها ، ومع العلم بالتجاوز لا إشكال في ظهور الحال ووضوحها ولا حاجة إلى الاستظهار.

انقطاع الدم بالمرّة‌

(٢) للأخبار الدالّة على أنّ ذات العادة أو غيرها إذا انقطع دمها يجب عليها أن تغتسل وتصلِّي ، والأخبار المتقدّمة في الاستبراء حيث دلّت على أنّها تستبرئ فإذا خرجت القطنة نقيّة وظهر أنّ الدم قد انقطع تغتسل ، بلا فرق في ذلك بين احتمال عود الدم قبل تجاوز العشرة وعدمه ، لإطلاقات الأخبار ، وكذلك فيما إذا ظنّت العود ، لأنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً ، وهو والاحتمال على حدّ سواء.

__________________

(*) لكنه ضعيف ، نعم لو حصل لها العلم أو الاطمئنان بالعود لزمها ترتيب آثار الحيض في أيّام النّقاء كما تقدّم.

٢٥٧

[٧٢٦] مسألة ٢٦ : إذا تركت الاستبراء وصلّت بطلت وإن تبيّن بعد ذلك كونها طاهرة ، إلاّ إذا حصلت منها نيّة القربة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما أنّ مقتضى الاستصحاب ذلك بناءً على جريانه في الأُمور المستقبلة أيضاً كما هو الصحيح ، فإنّ الدم منقطع بالفعل ويشكّ في أنّه يرجع قبل العشرة أو لا يرجع فمقتضى الاستصحاب أنّه لا يعود قبل العشرة.

بل وكذلك الحال بين ما إذا كانت معتادة بعود الدم بعد انقطاعه وقبل العشرة وما إذا لم تكن معتادة بذلك وإن استشكل في ذلك الماتن قدس‌سره.

إلاّ أنّ الاستشكال ممّا لا وجه له ، وذلك لعدم الاعتبار بالاعتياد في عودة الدم شرعاً ولم يجعل له الطريقيّة إلى العود بوجه ، وإنّما العادة جعلت لها الطريقيّة إلى الحيض ، ومن هنا قلنا إنّ الصفرة في أيّام العادة حيض لوجود الأمارة والطريق وهي العادة ، وأمّا طريقيتها إلى عودة الدم فلا دلالة عليها في شي‌ء من الرّوايات ، فوجود العادة كعدمها ممّا لا أثر له.

مضافاً إلى الاستصحاب المقتضي لعدم عود الدم كما مرّ ، غاية الأمر أنّها تورث الظنّ بالرّجوع ، وقد عرفت أنّ الظنّ لا يعتمد عليه وأنّ حاله حال الاحتمال.

نعم ، إذا كانت عادتها منضبطة بحيث أوجبت العلم بالرّجوع أو علمت المرأة بذلك بشي‌ء من الأسباب الخارجيّة فلا محالة يحكم على الدم بالحيضيّة ، وما بين الدم المنقطع والدم العائد قبل العشرة أيّامُ النّقاء ، وقد عرفت حكمها وأنّها ملحقة بالحيض ، وقد احتاط الماتن فيها بالجمع بين أحكام الحائض والطّاهرة.

هل تبطل الصّلاة بترك الاستبراء‌

(١) تقدّم حكم هذه المسألة سابقاً (١) وقلنا إنّ بطلان الصّلاة ممّا لا وجه له ، لعدم‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٣٢.

٢٥٨

[٧٢٧] مسألة ٢٧ : إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى فالأحوط الغسل والصّلاة إلى زمان حصول العلم بالنّقاء (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثبوت أنّ الاستبراء شرط في صحّة الاغتسال ، وإنّما الدليل دلّ على أنّ المرأة ليس لها أن ترتب شيئاً من أحكام الحيض والطّهر على نفسها من دون الاستبراء ، وأمّا أنّه شرط واقعي فلا ، ومعه لا وجه للحكم بالبطلان عند عدم كونها حائضاً واقعاً إذا تمشّى منها قصد التقرّب ولو للغفلة ونحوها.

إذا لم تتمكّن من الاستبراء لظلمة أو عمى‌

(١) قدّمنا أنّ مقتضى موثقة سماعة (١) الواردة في الاستبراء عدم جريان استصحاب بقاء الحيض في حقّ المرأة إذا شكّت في نقائها باطناً ، بل لا بدّ لها من أن تستبرئ حتّى يظهر لها الحال ، وأنّها لا تتمكّن من أن ترتب على نفسها شيئاً من آثار الحيض أو الطّهر قبل ذلك ، فإذا تمكّنت من الاستبراء فهو ، إذ يجب أن تستبرئ نفسها مقدّمة للامتثال.

وأمّا إذا عجزت عن استبرائها لظلمة أو لفقدان القطنة أو لشلل أعضائها فمقتضى علمها الإجمالي بأنّها طاهرة أو حائض هو الاحتياط بالجمع بين أحكام الطّاهرة وتروك الحائض ، لعدم جريان الاستصحاب في حقّها كما مرّ ، ولا موجب لانحلال علمها الإجمالي ، ومعه لا مناص من الاحتياط فيجب عليها أن تغتسل وتصلِّي كما يحرم عليها تروك الحائض ، هذا إذا قلنا بحرمة العبادة في حقّها تشريعاً.

وأمّا إذا قلنا بكونها محرمة ذاتاً في حقّها فيدور أمرها بين المحذورين ، ولا مناص من التخيير بين ترتيب أحكام الطّاهرة على نفسها وبين ترتيب أحكام الحائض (٢).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٤.

(٢) تقدّم حكم هذه المسألة في الصفحة ٢٣٥.

٢٥٩

فتعيد الغسل حينئذ ، وعليها قضاء ما صامت (١). والأولى تجديد (*) الغسل في كلّ وقت تحتمل النّقاء (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) وذلك لأنّ العلم بحيضها أو طهرها على نحو الإجمال كما أنّه منجز بالإضافة إلى الأُمور غير التدريجيّة كذلك منجز بالإضافة إلى التدريجيات ، والمرأة حينما ينقطع دمها ظاهراً لها علم إجمالي إمّا بوجوب الصّوم في حقّها إذا كانت طاهرة وإمّا بوجوب قضائه بعد ذلك إذا كانت حائضاً ، وحيث لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين التدريجيّات والدفعيات فيجب عليها الاحتياط بالجمع بين الصّوم وقضائه.

أولويّة تجديد الغسل وعدمها‌

(٢) لا اختصاص في الأخبار الآمرة بالاستبراء بالمرّة الأُولى أو غيرها ، فإنّ مقتضى إطلاقها وجوب الاستبراء على المرأة في كلّ صلاة ، لأنّها لا تتمّكن من ترتيب آثار الطّاهرة أو الحائض على نفسها إلاّ بالاستبراء ، فإذا عصت المرأة مرّة ولم تستبرئ في صلاتها الاولى كصلاة الصبح مثلاً وجب عليها ذلك في المرّة الثّانية كصلاة الظّهر وهكذا ، فإذا فرضنا عدم تمكنها من الاستبراء فمقتضى علمها الإجمالي الاحتياط بالجمع بين أحكام الطّاهرة وتروك الحائض في كلّ واحدة من صلاتها.

فمن هنا يظهر أنّ الأولويّة في كلام الماتن ممّا لا وجه لها ، فإنّ الغسل في كلّ مورد تريد المرأة أن ترتب على نفسها شيئاً من آثار الطّاهرة أو الحائض لازم للاحتياط لعدم الفرق في علمها الإجمالي بين المرّة الأُولى والثّانية وغيرهما.

__________________

(*) بل الأحوط ذلك.

٢٦٠