موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

وإن كان بعض كلّ واحد منهما في العادة فإن كان ما في الطرف الأوّل من العادة ثلاثة أيّام أو أزيد ، جعلت الطرفين من العادة حيضاً وتحتاط في النّقاء المتخلّل ، وما قبل الطرف الأوّل وما بعد الطرف الثّاني استحاضة ، وإن كان ما في العادة في الطّرف الأوّل أقل من ثلاثة تحتاط في جميع أيّام الدمين (*) والنّقاء بالجمع بين الوظيفتين (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا كان بعض كلّ واحد من الدمين في العادة‌

(١) فصّل قدس‌سره في هذه الصّورة بين ما إذا كان ما في الدم الأوّل ممّا صادف أيّام العادة قابلاً للحكم بحيضيّته بأن كان ثلاثة أيّام أو أزيد ، وبين ما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان أقل من ثلاثة أيّام لعدم كونه قابلاً للحيضيّة ، فحكم في الصّورة الأُولى بحيضيّة الدم الأوّل أعني ما رأته في ثلاثة أيّام أو أزيد من أيّام عادتها وما رأته من الدم الثّاني ممّا صادف أيّام عادتها ، وأمّا أيّام النّقاء المتخلّل بين الدمين فحكمه ما تقدّم من إلحاقه بالحيض كما قوّيناه ، أو الاحتياط فيه بالجمع بين أحكام الطاهرة والحيض كما صنعه الماتن قدس‌سره.

وأمّا الصّورة الثّانية فحيث إن ما صادف العادة من الدم الأوّل لم يكن قابلاً للحيضيّة لكونه أقل من ثلاثة أيّام ، ولا يمكن ضمّ ما وقع في العادة من الدم الثّاني إليه ، إذ يعتبر في الحيض التوالي ثلاثة أيّام ، فيدور الأمر بين أن يحكم بحيضيّة مجموع الدم الأوّل واستحاضة الأخير أو العكس ، لعدم إمكان الحكم بحيضيّتهما معاً ، لكونهما مع أيّام النّقاء زائداً على العشرة ولا ترجيح في البين ، احتاط قدس‌سره في مجموع الدمين وأيّام النّقاء بالجمع بين الوظيفتين.

وما أفاده قدس‌سره في الصّورة الأُولى صحيح ولا بدّ من الحكم بحيضيّة ما وقع‌

__________________

(*) لا يبعد جعل ما وقع في العادة من الطرف الأوّل مع متمّمة من الدم السابق حيضاً ، فإن أمكن معه جعل المقدار الواقع في العادة من الدم الثّاني حيضاً بأن لا يزيد المجموع مع النّقاء المتخلّل على العشرة كان المجموع حيضاً ، وإلاّ فخصوص الدم الأوّل على تفصيل مرّ.

٢٢١

في أيّام العادة من الدم الأوّل ، أعني ثلاثة أيّام أو أزيد ، وكذا ما وقع في أيّام العادة من الدم الثّاني ، لأنّه في أيّام العادة ومن الحيضة الأُولى ، وفي أيّام النّقاء ما عرفته من الخلاف.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره في الصّورة الثّانية فهو ممّا لا يمكن المساعدة عليه وذلك لأنّ الحيض وإن اعتبر فيه أن يكون ثلاثة أيّام متواليات إلاّ أنّ إطلاق ما دلّ (١) على أنّ ما تراه المرأة أيّام عادتها من صفرة أو حمرة فهو حيض غير قاصر الشمول للمقام ، فلا مناص من الحكم بحيضيّة ما وقع في أيّام العادة بمقتضى دلالة الدليل ، كما لا بدّ من تتميم ذلك ممّا سبقه من الدم الأوّل إلى أن تكمل الثّلاثة المعتبرة في الحيض ، سواء كان يوماً أو يومين أو أكثر ، كما إذا صادف الدم الأوّل من أيّام العادة نصف يوم ، وذلك لاستكشاف حيضيّة المكمل للثلاثة من الدلالة الالتزاميّة المستفادة من الأخبار الواردة في أنّ ما تراه المرأة من صفرة أو حمرة في أيّام عادتها حيض ، بضميمة ما دلّ على أنّ الحيض لا يقل عن ثلاثة أيّام.

ثمّ إنّ ما وقع في العادة من الدم الأوّل ومكمّله إلى الثّلاثة وأيّام النّقاء إن لم يزد على عشرة أيّام فتلحق ما وقع في العادة من الدم الثّاني أيضاً بالحيض إلى تمام العشرة لأنّه ممّا رأته المرأة في أيّام عادتها.

وأمّا إذا لم يمكن إلحاق ما وقع في العادة من الدم الثّاني بالحيض ، لكون الثّلاثة من الدم الأوّل وأيّام النّقاء عشرة أيّام ، والزّائد على العشرة استحاضة ، فربّما يتوهّم التعارض بين جعل ما وقع في العادة من الدم الأوّل حيضاً لتلحق به مكمّل الثّلاثة وأيّام النّقاء ويكون المجموع عشرة أيّام حتّى يخرج الدم الثّاني عن كونه حيضاً ، وبين عكسه بأن يجعل ما وقع في العادة من الدم الثّاني حيضاً لتلحق به مكمّل الثّلاثة ليكون الدم الأوّل خارجاً عن الحيض ، إذ لا مرجح لأحدهما على الآخر.

وهذا كما إذا كانت عادتها تسعة أيّام من العشرة الثّانية فرأت المرأة الدم من اليوم السّابع خمسة أيّام ، فكان اليوم الخامس مصادفاً لأيّام عادتها وهو اليوم الحادي عشر‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

٢٢٢

ثمّ نقت سبعة أيّام ورأت الدم الثّاني من اليوم التاسع عشر أيضاً خمسة أيّام مثلاً فصادف اليوم الأوّل من الدم الثّاني مع العادة ، فإذا حكمنا بحيضيّة اليوم الحادي عشر وضممنا إليه يومين آخرين من الدم الأوّل ثمّ ألحقنا به أيّام النّقاء وهي سبعة أيّام ، بلغ المجموع عشرة أيّام وكان الدم الثّاني خارجاً عن الحيض ، وإذا عكسناه ينعكس.

إلاّ أنّا قدّمنا أنّ الأسبقيّة في الزّمان مرجحة فيما نحن فيه ، لا لأنّها من إحدى مرجحات المتعارضين أو المتزاحمين ، بل لدلالة الأخبار على أنّ حيضيّة الدم الثّاني يشترط فيها تخلّل أقلّ الطّهر بينها وبين الحيضة الأُولى ، وبما أنّه لم يتخلّل في المقام فيحكم بعدم حيضيّة الدم الثّاني لا محالة ، لأنّه من آثار حيضيّة الدم الأوّل شرعاً ولا عكس ، ولأجل المزيد من التوضيح فليراجع ما قدّمناه في المسألة السابقة (١).

ثمّ إن أخرجنا الدم الثّاني عن الحيض فهل نقتصر في الحكم بالحيضيّة على ثلاثة أيّام من الدم من الأوّل أو نحكم بحيضيّة الدم الأوّل بأسره أو أنّ فيه تفصيلا؟

يختلف هذا باختلاف النِّساء ، فإن كانت المرأة ذات عادة عدديّة فبما أنّها مستمرة الدم على الفرض لزيادة مجموع الدم وأيّام النّقاء عن العشرة فلا بدّ من أن ترجع إلى عادتها فتأخذ بمقدار عددها حيضاً والباقي استحاضة ، كما أنّ الدم الثّاني استحاضة.

وأمّا إذا لم يكن لها عادة عدديّة فترجع إلى التمييز بالصفات فما كان من الدم الأوّل بصفات الحيض فهو حيض ، وما لم يكن كذلك فهو استحاضة ، لأنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض.

فتحصل أنّه لا بدّ في الصّورة الثّانية من التفصيل بما عرفت بعد الحكم بحيضيّة ثلاثة أيّام من الدم الأوّل كما في الصّورة الأُولى ، وإنّما نلحق ما وقع في العادة من الدم الثّاني بالحيض فيما إذا لم يزد المجموع من الثّلاثة وأيّام النّقاء على عشرة أيّام ، وعلى تقدير كونه عشرة إنّما نحكم بحيضيّة الباقي من الدم الأوّل بعدد أيّامها أو بالتمييز بالصفات.

__________________

(١) تقدّمت هذه المسألة في الصفحة ٢١٦.

٢٢٣

[٧١٩] مسألة ١٩ : إذا تعارض الوقت والعدد في ذات العادة الوقتيّة العدديّة يقدّم الوقت ، كما إذا رأت في أيّام العادة أقل أو أكثر من عدد العادة ودماً آخر في غير أيّام العادة بعددها ، فتجعل ما في أيّام العادة حيضاً وإن كان متأخّراً ، وربما يرجّح الأسبق ، فالأولى فيما إذا كان الأسبق العدد في غير أيّام العادة الاحتياط في الدمين بالجمع بين الوظيفتين (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه من رجوع ذات العادة العدديّة إلى عدد أيّامها إنّما هو فيما إذا تجاوز دم المرأة ولو بانضمام أيّام النّقاء عن عشرة أيّام ، وإلاّ بأن كان الدم أقل من عشرة أيّام فهو بأجمعه محكوم بالحيضيّة فيما إذا كان واجداً للصفات ، إذ لا مانع من حيضيّته بالإضافة إلى شروط الحيض.

تعارض الوقت والعدد‌

(١) والصحيح ما بنى عليه الماتن قدس‌سره من الحكم بحيضيّة ما في أيّام العادة ولو كان متأخِّراً ، ولا وجه للترجيح بالأسبقيّة ، وذلك لمّا استفدناه من مرسلة يونس (١) من أنّ العادة الوقتيّة أمارة وطريق إلى أنّ الدم حيض. وأمّا العادة العدديّة فلا دليل على أماريتها على الحيضيّة ليقع بينهما التعارض ، وإنّما هي معيّنة للعدد المجعول حيضاً فيما إذا تجاوز الدم عن العشرة فقط ، ومع قيام الأمارة على حيضيّة الدم المرئي في أيّام العادة لا يمكن الحكم بحيضيّة غيره ولو كان متقدّماً ، بل يمكن أن يستكشف عدم حيضيّة ما في غير أيّام العادة بالملازمة. وأمّا أخبار الصفات فهي أيضاً غير شاملة للمقام ، لأنّ الترجيح بالصفات إنّما هو في غير ذات العادة كما تقدّم.

وعلى الجملة إنّ الرّجوع إلى العدد سُنّة ثانية وموردها غير ذات العادة الوقتيّة لأنّ المرجع فيها إلى الوقت وهي السنّة الأُولى الّتي سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١.

٢٢٤

[٧٢٠] مسألة ٢٠ : ذات العادة العدديّة إذا رأت أزيد من العدد ولم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض (*) (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد يستدلّ على حيضيّة الدم الأسبق بإطلاق مصححة صفوان عن أبي الحسن عليه‌السلام « إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ثمّ رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصّلاة؟ قال : لا ، هذه مستحاضة » (٢) نظراً إلى أنّها دلّت على حيضيّة الدم المتأخّر ولو كان في أيّام العادة.

ويدفعه : أنّ مفروض الرّواية حيضيّة الدم الأوّل ولو بإحرازها خارجاً ، والشكّ في حيضيّة الدم الأخير ، وأين هذا ممّا نحن فيه الذي قامت فيه الأمارة على حيضيّة الدم الأخير ، وهي رؤيته في أيّام العادة ، إذ لا إطلاق للرواية يشمل هذه الصّورة ، بل قد عرفت أنّ لازم أمارية العادة الوقتيّة استكشاف عدم حيضيّة الدم الأوّل. مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على أنّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها من صفرة أو حمرة فهو حيض (٣) ، ومعه لا حاجة إلى الاحتياط بالجمع بين وظيفتي الحائض والمستحاضة فيما إذا كان الأسبق العدد في غير أيّام العادة كما في المتن.

رؤية الدم أزيد من العدد‌

(١) لما عرفته من تضاعيف ما قدّمناه من أنّ العادة العدديّة ليست طريقاً إلى الحيضيّة ، وإنّما هي معيّنة للعدد عند تجارز الدم العشرة ، ومع عدم تجاوزه يحكم بحيضيّة الجميع إذا كان واجداً للصفات ، إذ لا مانع من حيضيّته بالمقايسة إلى الشروط ولو كان زائداً على عددها ، كما إذا استمرّ الدم سبعة أيّام وكانت عادتها ستّة أيّام.

__________________

(*) إذا كان الجميع واجداً للصفات.

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

٢٢٥

وكذا ذات الوقت إذا رأت أزيد من الوقت (١).

[٧٢١] مسألة ٢١ : إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطّهر وكانا بصفة الحيض فكلاهما حيض (٢) ، سواء كانت ذات عادة وقتاً أو عدداً أو لا ، وسواء كانا موافقين للعدد والوقت (*) أو يكون أحدهما مخالفاً (٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رؤية الدم أزيد من الوقت‌

(١) زيادة الدم المرئي عن العدد عند عدم تجاوزه العشرة وإن كان واضحاً كما مثلناه ، إلاّ أنّ زيادته عن العادة الوقتيّة فقط كما هو مفروض الماتن ليست بذلك الوضوح ، ومن ثمة وقع مورداً للكلام في أنّ الدم كيف يزيد عن الوقت في ذات العادة الوقتيّة فقط ، لأنّه لا يتصوّر إلاّ مع فرض العادة العدديّة لا في العادة الوقتيّة فقط ، إذ لا عدد لها ليزيد أو ينقص.

ولكن الظّاهر أنّ نظر الماتن قدس‌سره إلى العادة الوقتيّة من حيث المنتهي فقط لأنّ العادة الوقتيّة كما عرفته في محلّه على أقسام ، منها العادة الوقتيّة من حيث الآخر كما إذا جرت عادتها على انقطاع دمها في اليوم العاشر مثلاً من كلّ شهر مع الاختلاف في أوّله ، إلاّ أنّه في بعض الشهور تجاوز عن اليوم العاشر وانقطع في اليوم الحادي عشر مثلاً وكان مجموع أيّام الدم أقل من عشرة أيّام ، وعليه فتصوير الزيادة عن الوقت في ذات العادة الوقتيّة فقط بمكان من الوضوح.

رؤية الدم مرّتين في شهر واحد‌

(٢) لوجدانهما الصفات وتحقّق ما هو الشرط في حيضيّة الدم الثّاني ، أعني فصل أقل الطّهر بينهما.

(٣) التسوية بين كون الدمين موافقين للعدد وبين عدمه أمر ظاهر لا شبهة فيه ، كما‌

__________________

(*) لا يمكن تصوير الموافقة في الوقت في كلتا المرّتين في مفروض المسألة.

٢٢٦

إذا كانت عادتها ستّة أيّام في كلّ شهر وقد فرضنا أن كلّ واحد من الدمين كان ستّة أيّام أو كان أحدهما ستّة والآخر خمسة أيّام.

وإنّما الكلام في التسوية بين كونهما موافقين في الوقت وعدمه ، لأنّ المرأة إنّما يكون لها وقت واحد وهو إمّا أن يوافق الدم الأوّل وإمّا أن يوافق الدم الثّاني ، فكيف يتصوّر وقوع كلّ منهما في أيّامها ووقتها.

وتصوير ذلك في ذات العادة البسيطة غير ممكن لما مرّ من أنّ لها وقت واحد في كلّ شهر ، وكيف يقع كلّ من الدمين في وقتها.

وأمّا بناءً على الالتزام بالعادة المركّبة كما عليه الماتن قدس‌سره فتصويره أمر ظاهر لا غبار عليه ، وهذا كما إذا جرت عادتها على التحيض في العشرة الأخيرة من كلّ شهر في أيّام الشتاء مثلاً وفي العشرة الاولى في أيّام الرّبيع باختلاف بعد الشّمس وقربها ، ورأت الدم في شهر واحد قمري مرّتين بأن رأت الدم مرّة من خامسة إلى تاسعه ثمّ رأت الطّهر عشرة أيّام ثمّ رأت الدم من اليوم التّاسع عشر إلى الرّابع والعشرين منه مثلاً وكان ذلك الشهر مجمعاً بين الشتاء والرّبيع. فإنّ الأربعة الأُولى حينئذ أعني أيّام الدم الأوّل قد وقعت في العشرة الأخيرة من الشتاء ، كما أنّ أيّام الدم الثّاني وقعت في العشرة الاولى من شهور الرّبيع ، وقد وقع كلّ واحد من الدمين في وقتها.

ثمّ إنّ الوجه في الحكم بالحيضيّة في هذه المسألة هو إمكان كون الدمين حيضاً بالقياس إلى أدلّة الشروط ، وبما أنّ المقتضي لحيضيّتهما موجود ولا مانع عنها فلا بدّ من الحكم بكونهما حيضاً.

٢٢٧

[٧٢٢] مسألة ٢٢ : إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرّة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطّهر فإن كانت إحداهما في العادة والأُخرى في غير وقت العادة ولم تكن الثّانية بصفة الحيض تجعل ما في الوقت وإن لم يكن بصفة الحيض حيضاً (١) وتحتاط في الأُخرى (*) (٢) ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رؤية الدم مرّتين في شهر واحد مع الاختلاف‌

(١) فما في العادة حيض سواء أكان واجداً للصفات أم فاقداً لها ، وذلك لما دلّ من الأخبار على أن ما تراه المرأة في أيّام عادتها من صفرة أو حمرة فهو حيض (٢).

وأمّا ما وقع في غير أيّام العادة فهو قد يكون واجداً للصفات فلا بدّ من الحكم بحيضيّته ، لأدلّة الصفات وإمكان كونه حيضاً بقاعدة الإمكان القياسي من غير ما يمنعه ، وهذا لم يتعرّض الماتن لحكمه إلاّ أنّه يستفاد من مجموع كلماته.

وقد يكون الدم الواقع في غير أيّام العادة فاقداً للصفات فقد أشار الماتن إلى حكمه بقوله « وتحتاط في الأُخرى ».

(٢) والوجه في هذا الاحتياط هو ما ذهب إليه المشهور من قاعدة الإمكان والحكم بأن ما يحتمل أن يكون حيضاً واقعيّاً فهو حيض ، ولكنك عرفت عدم تماميّته وأنّ الثّابت من القاعدة هو الإمكان القياسي ، وبما أنّ الدم الفاقد للصفات في غير أيّام العادة لا يمكن أن يكون حيضاً بالقياس إلى أدلّة الشروط فلا مناص من الحكم بعدم كونه حيضاً ، مضافاً إلى الأخبار الصريحة في أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض (٣).

__________________

(*) وإن كان الأظهر عدم كون الثّانية حيضاً فيه وفيما بعده.

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

(٢) نفس المصدر.

٢٢٨

وإن كانتا معاً في غير الوقت فمع كونهما واجدتين كلتاهما حيض ، ومع كون إحداهما واجدة تجعلها حيضاً وتحتاط في الأُخرى ، ومع كونهما فاقدتين تجعل إحداهما حيضاً (*) ، والأحوط كونها الاولى ، وتحتاط في الأُخرى (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صور المسألة :

(١) وهذا له صور :

الاولى : أن تكونا واجدتين للصفات ، ولا بدّ حينئذ من الحكم بحيضيتهما للإمكان القياسي كما مرّ.

الثّانية : أن يكون أحدهما واجداً للصفات دون الآخر ، أمّا الواجد فلا مناص من الحكم بحيضيّته ، لوجدانه الشرائط وفقدانه الموانع.

وأمّا الفاقد فلا وجه للحكم بحيضيّته ، لأنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ولا يمكن أن تكون حيضاً بالإمكان القياسي ، اللهمّ إلاّ أن نلتزم بقاعدة الإمكان بمعناها المعروف ، فإن الفاقد أيضاً حيض حينئذ لاحتمال كونها حيضاً واقعاً.

الثّالثة : أن تكونا فاقدتين للصفات ، فمقتضى ما قدّمنا الحكم بعدم حيضيتهما ، لأنّ الصفرة لا يمكن أن تكون حيضاً بالإمكان القياسي كما مرّ ، إلاّ أن نقول بقاعدة الإمكان بمعناها المعروف وقد مرّ عدم تماميّتها ، فما أفاده الماتن قدس‌سره ممّا لا وجه له.

ثمّ لو فرضنا العلم بحيضيّة أحدهما إجمالاً فاللازم الاحتياط بين أحكام الحائض والطاهرة ، لا جعل أحد الدمين حيضاً دون الآخر كما في المتن ، وذلك لأنّ نسبة العلم الإجمالي إلى كلّ من الدمين على حدّ سواء.

__________________

(*) الأظهر أن لا يحكم بحيضيّة شي‌ء من الدمين ، نعم إذا علم إجمالاً بحيضيّة أحدهما لا بدّ من الاحتياط في كلّ منهما.

٢٢٩

[٧٢٣] مسألة ٢٣ : إذا انقطع الدم قبل العشرة فإن علمت بالنّقاء وعدم وجود الدم في الباطن اغتسلت وصلّت ولا حاجة إلى الاستبراء (١) ، وإن احتملت بقاءه في الباطن وجب (٢) عليها الاستبراء (*) واستعلام الحال بإدخال قطنة وإخراجها بعد الصبر هُنَيئة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل يجب الاستبراء للعلم بالنّقاء‌

(١) لأنّه إنّما جعل لتحصيل العلم بالنّقاء ، ومع وجوده لا حاجة إلى الاستبراء.

(٢) من غير خلاف كما عن بعضهم ، والوجه فيه ما أشرنا إليه في أوائل بحث الحيض من أنّ الحيض بحسب الحدوث يعتبر فيه الرؤية والخروج ، فلو علمت المرأة بخروج الدم من رحمها ولكنّه لم يخرج إلى الخارج فهي ليست بحائض ، بل لها أن تمنع عن خروجه بجعل خرقة أو قطنة مانعة عن خروجه ، وأمّا بحسب البقاء فلا يشترط فيه الخروج والرؤية ، بل وجوده في المحل والمجرى كاف في تحقّقه ، فلا تجب عليها الصّلاة ولا تحل لها بقيّة المحرمات إلاّ بنقائها ظاهراً وباطناً ، وتفصيل الكلام في المقام يقع من جهتين :

الجهة الاولى : في وجوب الاستبراء وعدمه.

الجهة الثّانية : في كيفيّة الاستبراء.

أمّا الجهة الأُولى فالمحتملات فيها أربعة :

الأوّل : عدم وجوب الاستبراء بوجه كما عن شيخنا الأنصاري (٢) قدس‌سره لولا تسالم الأصحاب عليه ، وذلك نظراً إلى أن صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم ترَ شيئاً فلتغتسل » (٣) إنّما دلّت على وجوبه عند إرادة‌

__________________

(*) بمعنى عدم جواز تركها الصّلاة بدونه وعدم جواز ترتيب الآثار على الغسل بدونه.

(١) كتاب الطّهارة : ٢٢٦ السطر ٢٩ / المقصد الثّاني في الحيض.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٨ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ١.

٢٣٠

الاغتسال ، ولا دلالة لها على وجوب الاستبراء لا نفساً ولا شرطاً.

ويدفعه : أنّ الصحيحة وإن لم يمكن استفادة الوجوب النفسي منها كما أُفيد ، إلاّ أنّ دعوى دلالتها على وجوبه الشرطي بمكان من الإمكان ، حيث علّقت وجوب الاستبراء على إرادة الاغتسال ، فيمكن أن يدعى أنّ ظاهره كون الاستبراء شرطاً أو قيداً في الاغتسال ، فإنّ التعبير عن الوجوب الشرطي بذلك أمر متعارف ، كما في قوله تعالى : ( ... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... ) (١) حيث دلّ على أنّ الوضوء والغسل والتيمم واجب شرطي ، وأنّهما قيدان في الصّلاة ، فليكن الحال في المقام أيضاً كذلك ، ولا يمكن حينئذ دعوى عدم دلالة الصحيحة على أنّ الاستبراء واجب شرطي ، بل لا بدّ في منع ذلك من جواب آخر هذا.

على أنّ القائل بالوجوب النفسي في الاستبراء صريحاً غير معلوم ، فمراد القائل بالوجوب إنّما هو الوجوب الشرطي ، وقد عرفت أنّ الصحيحة يمكن دعوى دلالتها على ذلك.

ويوضح ما ذكرناه ضمّ الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الحائض إذا نقت وطهرت اغتسلت (٢) إلى الصحيحة ، لأنّها بضميمتها إلى تلك الأخبار تدلّ على أنّ الحائض ليس لها أن تترك الغسل باستصحاب عدم النّقاء ، بل لا بدّ لها من الاغتسال ، وهي مأمورة بالاستبراء عند إرادة الغسل ، فكأنها بضميمة تلك الأخبار تدلّ على أنّ الحائض إذا طهرت أي نقت ظاهراً لأنّ المراد بالطهر فيها مقابل الرؤية لا الطّهر باطناً وجب الاستبراء والاغتسال ، فدعوى عدم وجوب الاستبراء رأساً ساقطة على أنّها مخالفة لما تسالم عليه الأصحاب.

الثّاني : وجوب الاستبراء نفساً ، وهذا الاحتمال أيضاً لا مثبت له من الأخبار لصراحة الصحيحة المتقدّمة في أنّ الاستبراء إنّما يجب إذا أرادت الاغتسال ، وأمّا أنّه‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٢ / أبواب الحيض ب ١ ، ٣ ، ٤ ، ٥ وغيرها.

٢٣١

واجب في نفسه فلا. وأصرح من ذلك موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : المرأة ترى الطّهر وترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال : فإذا كان كذلك فلتقم فلتصق » (١) حيث صرحت بأن الاستبراء إنّما هو لمعرفة الحال واستخبار أنّها طاهرة أو حائض ، لا أنّه واجب نفسي.

وهاتان الرّوايتان هما العمدة في المقام ، ولا يعتمد على غيرهما من الرّوايات ، فهذا الاحتمال ساقط أيضاً.

الثّالث : أنّ الاستبراء واجب شرطي فلو اغتسلت من دون استبراء بطل غسلها لأنّ ذلك ظاهر الصحيحة المتقدِّمة نظير قوله تعالى : ( ... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) (٢).

وهذه الدّعوى لا يمكن المساعدة عليها ، لأنّ الصحيحة وإن أمكن دعوى ظهورها في ذلك إلاّ أنّ الموثقة المتقدّمة كالصريحة في أنّ الاستبراء إنّما أُمر به لأنّه الطريق إلى معرفة الحال واستخبار أنّها حائض أو طاهرة ، حيث دلّت على أنّ الحائض عند انقطاع دمها ظاهراً ليس لها أن تعتمد على استصحاب عدم النّقاء باطناً مع أنّه الغالب عند انقطاع الدم ظاهراً ، لأنّ الحيض بحسب البقاء لا يعتبر فيه الرؤية والخروج ، بل إنّ وجود الدم في الباطن أيضاً يكفي في الحكم بالحيضيّة ، ومع الشكّ في أنّه انقطع أم لم ينقطع فالأصل عدم النّقاء والانقطاع ، ومع كون هذا هو الأمر الغالب لم يرجعها الإمام عليه‌السلام إليه بل أرجعها إلى استدخال القطنة في كلّ من الصحيحة والموثقة.

فعلمنا من ذلك أنّ الاستصحاب لا يجري في المقام ، ومع سقوطه لا طريق إلى معرفة الحال غير الاستبراء ، فهو إنّما أُمر به لأجل فائدة الاستخبار وتحصيل العلم بالحال ، لا أنّه قيد في الاغتسال ، ولا يمكن قياسه بالوضوء ، لأنّ في المقام قد أُشير إلى‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٤.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

٢٣٢

فائدة الاستبراء وأنّه لمعرفة الحال لا أنّه قيد معتبر في الغسل.

الرّابع : أنّ الاستبراء واجب عقلاً ، والأمر في الرّوايات للإرشاد إليه ، وهذا هو الصّحيح.

وتقريبه : أنّ الاستصحاب ساقط في حقّها كما عرفت ، ومع سقوطه تعلم المرأة بأنّها إمّا حائض وإمّا طاهرة ، ولكلّ منهما أحكام إلزاميّة ، وليس لها أن تغتسل وتصلِّي لاحتمال كونها حائضاً ، ولا أن تتركهما لاحتمال كونها طاهرة ، فلها علم إجمالي بتوجّه أحكام إلزاميّة في حقّها ، ولقد تنجزت عليها بالعلم الإجمالي ، ولا مناص من أن تخرج عن عهدتها.

ولا تتمكّن من الامتثال بالاحتياط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهرة ، لدوران أمرها بين المحذورين ، فإنّ زوجها إذا طلب منها التمكين للجماع يجب عليها ذلك إن كانت طاهرة كما أنّه يحرم عليها إذا كانت حائضاً ، وكذلك الأمر في الصّلاة بناءً على أنّ حرمة العبادة على الحائض ذاتية فإنّ الصّلاة حينئذ إمّا واجبة في حقّها لو كانت طاهرة وإمّا محرمة لو كانت حائضاً. فلا تتمكن المرأة من الخروج عن عهدة تلك التكاليف المنجزة بالاحتياط ، ولا يرخّص العقل في إهمالها ، لتمكنها من الامتثال بتحصيل المعرفة بالحال.

فالاستبراء والاستخبار واجبان عليها بالعقل وإن كانت الشبهة موضوعيّة ولا يجب فيها الفحص ، وذلك لتنجز الحكم في حقّها وتمكنها من الامتثال بالفحص والاختبار ، ومعه لا إشكال في لزوم الخروج عن عهدة ما توجهت عليها من أحكام إلزامية ، والأخبار الآمرة بالاستبراء إنّما وردت إرشاداً إلى ذلك الحكم العقلي ، ونتيجة ذلك أنّها إذا اغتسلت ولم تستبرئ وكان قد انقطع دمها واقعاً صحّ غسلها وصلاتها لعدم اشتراط الغسل في حقّها بشي‌ء.

نعم بناءً على أنّ حرمة العبادة على الحائض تشريعيّة لا ذاتيّة تتمكّن المرأة من الخروج عن عهدة ما توجه عليها من الحكم الإلزامي بالصلاة مثلاً بالاحتياط ، بأن تغتسل وتصلِّي رجاءً ، لعدم حرمتها في ذاتها ، ولا مانع من التقرّب بما ليس بمبغوض على نحو الرّجاء ، وهذا بخلاف مثل التمكين لدوران أمره بين المحذورين.

٢٣٣

فذلكة الكلام

إنّ الحائض إذا انقطع دمها ظاهراً واحتملت عدم نقائها باطناً وإن لم يخرج الدم إلى الخارج لضعفه يتردّد أمرها بين كونها حائضاً أو طاهرة ، ولكلّ من الحالتين أحكام إلزاميّة ، وهي متنجزة في حقّها لعلمها الإجمالي ، فلا مناص من أن تخرج عن عهدتها ، وطريق ذلك أحد أمرين : إمّا الاحتياط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهرة ، وإمّا الفحص والاختبار بالاستبراء ، وهذا في مثل الصّلاة وغيرها من العبادات بناءً على أنّها محرمة على الحائض حرمة تشريعيّة لا ذاتيّة.

وأمّا في مثل ذات البعل إذا طلب زوجها الوقاع فلا يتيسر فيه الاحتياط ، لدوران الأمر في التمكين بين المحذورين ، لأنّه واجب عليها إن كانت طاهرة وهو محرم عليها إن كانت حائضاً. وكذلك الحال في العبادات بناءً على أنّ حرمتها على الحائض ذاتيّة ومعه يتعيّن عليها الفحص والاختبار وإن كانت الشبهة موضوعيّة ولا يجب فيها الفحص كما حررناه في محله ، إلاّ أنّه في المقام لمّا كانت الأحكام متنجزة في حقّها وهي متمكنة من امتثالها بالفحص والاختبار فقد وجب عليها الفحص عقلاً ، لانحصار طريق امتثال الأحكام المنجزة بالفحص ، ومعه تكون الأوامر الواردة في الرّوايات إرشاديّة لا محالة. وإن شئت فقل : إنّ الاستبراء واجب شرطي ظاهراً ، لأنّ مفادهما واحد.

لكن ذلك كلّه مبنيّ على عدم جريان استصحاب عدم النّقاء في المقام ، وإلاّ لو جرى الاستصحاب في حقّها لما بيّناه في محلّه (١) من أنّ الاستصحاب كما يجري في الأُمور القارّة كذلك يجري في الأُمور التدريجيّة الّتي لها وحدة عرفية ، والأمر في المقام أيضاً كذلك ، فإنّ خروج الدم وسيلانه تدريجي ، وقد علمنا بخروج مقدار منه ونشك في خروج مقدار آخر منه إلاّ أنّه لكونه أمراً واحداً بالنظر العرفي لا مانع من استصحابه لا نحلّ به العلم الإجمالي ويتعيّن كونها حائضاً.

__________________

(١) في مصباح الأُصول ٣ : ١٢٦.

٢٣٤

سقوط الاستصحاب عند الشكّ في النَّقاء

فالعمدة في المقام تحقيق أنّ الاستصحاب جار أو أنّه ساقط في محلّ الكلام.

والظاهر أنّ الاستصحاب ملغى في المقام ، وذلك لموثقة سماعة المتقدِّمة حيث أرجع الإمام عليه‌السلام فيها إلى الاستبراء عند استكشاف أنّ المرأة حائض أو طاهرة ولم يرجعها إلى الاستصحاب مع أنّه مورد الاستصحاب لليقين بخروج الدم وجريانه والشك في بقائه ، فمن هذا يستكشف أنّ الاستصحاب ساقط في حقّه ، ومع عدم جريانه يدور أمر المرأة بين الاحتياط والاختبار كما عرفت.

ثمّ إنّ المنع عن جريان الاستصحاب بالموثقة لا يكشف عن أنّ الاستبراء شرط في صحّة الغسل بحيث لو اغتسلت من دون استبراء بطل غسلها ، وذلك لدلالة الموثقة على أنّ الغرض من الأمر به إنّما هو معرفة الحال وأنّها حائض أو طاهرة ، ولا دلالة لها على أنّ الاستبراء شرط في صحّة الغسل نظير شرطية الوضوء للصلاة.

وكذلك الحال في الصحيحة ، فإنّها إنّما تدل على أنّ المرأة بعد انقطاع دمها ظاهراً ليس لها أن ترتب أحكام الطاهرة على نفسها وتغتسل إلاّ أن تستبرئ ، وأمّا أنّ الاستبراء شرط في صحّة غسلها فلا يمكن استفادته من الصحيحة ، بل الاستبراء واجب عقلاً ، أو إن شئت قلت : إنّه واجب شرطي ظاهراً ، فإذا اغتسلت وتركت الاستبراء وكانت نقيّة واقعاً صحّ غسلها لا محالة. هذا كلّه فيما إذا كانت متمكنة من الاستبراء.

وأمّا إذا فرضنا عدم قدرتها عليه إمّا لشلل في يدها أو لعدم تمكنها من قطنة وما يشبهها من الأجسام ، فهل يجري الاستصحاب في حقّها أو لا بدّ من أن تحتاط؟

ظهر ممّا بيّناه آنفاً عدم جريان الاستصحاب في المقام لدلالة الموثقة على أنّ المرجع هو الاختبار دون الاستصحاب ، ولا وجه لتقييد الموثقة بحالة تمكن المرأة وقدرتها على الاستبراء ، لأنّه ليس من الواجبات التكليفيّة ليتقيّد بصورة القدرة عليه ، وإنّما هو واجب عقلي وشرط ظاهري ، ولا يفرق في مثله بين صورتي التمكّن وغيرها كما سبق غير مرّة ، فإذا لم يجر الاستصحاب في حقّها ولم تتمكن من الاستبراء‌

٢٣٥

ينحصر الطريق إلى امتثال الأحكام المنجزة في حقّها بالاحتياط فتجمع بين أحكام الطاهرة والحائض ، كما في العبادات بناءً على أنّها محرمة على الحائض تشريعاً ، وأمّا بناءً على حرمتها ذاتاً في حقّها أو ذات البعل الّتي طلب زوجها منها الوقاع فلا محالة تتخيّر المرأة بين الوظيفتين ، لدوران أمرها بين المحذورين. هذا تمام الكلام في الجهة الأُولى.

الجهة الثّانية في كيفيّة الاستبراء

وأمّا الجهة الثّانية أعني كيفيّة الاستبراء فقد وردت فيها جملة من الأخبار :

منها : مرسلة يونس عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري أطهرت أم لا ، قال : تقوم قائمة وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بيضاء ، وترفع رجلها اليمنى » (١).

ومنها : رواية شرحبيل الكندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له كيف تعرف الطّامث طهرها؟ قال عليه‌السلام : تعمد برجلها اليسرى على الحائط ، وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى » (٢).

ومنها : موثقة سَماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : المرأة ترى الطّهر وترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري أطهرت أم لا ، قال عليه‌السلام : فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط وترفع رجلها على حائط ، كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ، ثمّ تستدخل الكُرسُف » (٣).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج ... » (٤).

ولكن الرّوايتان الأُوليان ضعيفتان ، فإنّ الأُولى مرسلة ، والثانية ضعيفة بشرحبيل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٠٨ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ١.

٢٣٦

فإن خرجت نقيّة اغتسلت وصلّت ، وإن خرجت ملطّخة ولو بصُفرة (*) (١) صبرت‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكندي وسَلَمة بن الخَطّاب ، لإهمالهما في الرّجال ، بل وتضعيف الثّاني على ما يظهر من كلماتهم ، فلا يعتمد عليهما في الحكم بوجوب الاستبراء ولا في كيفيّته.

والعمدة هي الصحيحة والموثقة وهما من المطلق والمقيّد ، لعدم تقييد الاستبراء في الصحيحة بالقيام ورفع إحدى الرّجلين وإلصاق البطن إلى الحائط. ومقتضى قانون الإطلاق والتقييد تقييد الصحيحة بالموثقة واعتبار القيود الواردة فيها في الاستبراء إلاّ أنّه بعيد ، ولأجل ذلك تحمل الموثقة على أفضل الأفراد.

والوجه في بُعد التقييد أنّ المسألة من المسائل عامّة البلوى ، لكثرة ابتلاء النِّساء بها ، ومع كون المسألة كذلك وكونه عليه‌السلام في مقام البيان إذا لم يقيّد الاستبراء بقيد فلا محالة يدل ذلك على عدم اعتبار شي‌ء من القيود المذكورة في الموثقة في الاستبراء ، وبذلك تكون الصحيحة أظهر وأقوى في الدلالة من الموثقة ، فتحمل الموثقة على الأفضليّة ، ومن ثمة ذهب المشهور إلى عدم اعتبار كيفيّة خاصّة في الاستبراء هذا.

على أنّ المسألة كما عرفت من المسائل عامّة البلوى وكثيرة الدوران ، فلو كانت الكيفيّة الواردة في الموثقة واجبة المراعاة في الاستبراء لشاعت وظهرت ولم يمكن أن تكون مختفية على المشهور ، وقد عرفت أنّهم ذهبوا إلى عدم اعتبار كيفيّة خاصّة في الاستبراء ، وقد ذكرنا نظير ذلك في جملة من الموارد منها الإقامة في الصّلاة.

مضافاً إلى أنّ ذلك هو الّذي تقتضيه القرينة الخارجيّة ، لأنّ الغرض من الاستبراء ليس إلاّ مجرّد معرفة الحال والاستخبار عن أنّ المرأة ذات دم أو غيرها ، والظّاهر عدم مدخليّة شي‌ء من القيود المذكورة في الموثقة في ذلك ، فتحمل على إرادة التسهيل على المرأة في استبرائها أو على أفضل الأفراد كما عرفت.

نتيجة الاستبراء‌

(١) إذا استبرأت المرأة بعد انقطاع دمها فلا يخلو الحال إمّا أن تخرج القطنة نقيّة‌

__________________

(*) لا أثر لرؤية الدم الأصفر إلاّ إذا كان في أيّام العادة.

٢٣٧

حتّى تنقى أو تنقضي عشرة أيّام إن لم تكن ذات عادة أو كانت عادتها عشرة ، وإن كانت ذات عادة أقل من عشرة فكذلك مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة ، وأمّا إذا احتملت التجاوز فعليها الاستظهار بترك العبادة استحباباً بيوم أو يومين (١) أو إلى العشرة مخيّرة بينها ، فإن انقطع الدم على العشرة أو أقل فالمجموع حيض في الجميع ، وإن تجاوز فسيجي‌ء حكمه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإمّا أن تخرج ملطّخة بالصفرة وإمّا أن تخرج ملطّخة بالدم الأحمر أو الأسود.

أمّا إذا خرجت نقيّة فلا إشكال في أنّه يجب عليها الاغتسال وتصلِّي ، لأنّها طاهرة.

وأمّا إذا خرجت ملطّخة بالصفرة فإن كانت خارجة في أيّام عادتها فلا كلام أيضاً في الحكم بحيضيّة المرأة ، لأنّ حكم الصفرة في أيّام العادة حكم الحمرة وأنّها من الحيض كما قدّمنا تفصيله.

وأمّا إذا خرجت في غير أيّام العادة أو لم تكن المرأة ذات عادة أصلاً فصريح كلام الماتن قدس‌سره أنّ حكمها حكم الدم الأحمر على ما نبيّنه عن قريب وهو المشهور لقاعدة الإمكان.

إلاّ أنّ الحكم بذلك ممّا لا وجه له ، وذلك لأنّ دم الحيض أسود عبيط وليس به خفاء ، وليست الصفرة من الحيض بمقتضى الأخبار (٢) ، وقد خرجنا عن ذلك في الصفرة الخارجة في أيّام العادة لأنّها من الحيض ، ومعه لا يتمّ الحكم بحيضيّة الصفرة في المقام.

ويدلّ على ذلك مضافاً إلى إطلاق ما ورد من أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض (٣) نفس الأخبار الواردة في الاستبراء حيث إنّ صريح الموثقة المتقدِّمة‌

__________________

(*) الظاهر وجوب الاستظهار بيوم إذا لم تكن مستمرّة الدم قبل أيّام العادة ، ثمّ هي مخيّرة بين الاستظهار بيومين أو ثلاثة أو إلى العشرة وعدمه ، وأمّا إذا كانت كذلك فلا استظهار عليها على الأظهر ، والأحوط في جميع ذلك الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٢ و ٣ و ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

٢٣٨

أنّ القطنة إذا خرجت ملطّخة بالدم الأحمر أو الأسود فالمرأة حائض دون ما إذا خرجت ملطّخة بالصفرة ، وذلك لأنّ مفروض الرّواية أنّ المرأة ترى الصفرة ولا تدري أنّها حيض أو ليست بحيض ، وفي هذا الفرض أمرها عليه‌السلام بإدخال الكرسف أو القطنة ، فإذا خرجت ملطّخة بالدم فهي حائض ، ومعه يتعيّن أن يراد بالدم خصوص الأسود أو الأحمر ، إذ لو أريد منه الأعم من الصفرة لم تكن هناك حاجة إلى الاستخبار ، بل لا بدّ من الحكم بكونها حائضاً من دون استبراء ، لأجل أنّ المرأة تخرج منها الصفرة على الفرض.

ويؤيّد ذلك ما في المرسلة (١) من أنّ القطنة إذا خرجت وفيها دم عبيط ولو بمقدار رأس الذباب فهي حائض ، فإنّ التقييد بالعبيط يدل على عدم كون الصفرة حيضاً ، هذا كلّه إذا خرجت القطنة ملطّخة بالصفرة.

أمّا إذا خرجت القطنة ملطّخة بالدم الأحمر أو الأسود فهي على أقسام :

الأقسام المتصوّرة في المقام

لأنّ المرأة إمّا لا تكون لها عادة أو تكون ، وعلى الثّاني إمّا أن تكون عادتها عشرة أيّام أو أقل ، وعلى الثّاني قد تحتمل تجاوز دمها العشرة وعدم انقطاعه قبلها ، وقد تجزم بانقطاعه قبل تجاوز العشرة.

أمّا إذا لم تكن لها عادة ، أو كانت ذات عادة ولكن عادتها عشرة أيّام ، أو أنّها أقل وتجزم بعدم تجاوز دمها العشرة فلا بدّ من الحكم بكونها حائضاً إلى عشرة أيّام للأخبار الواردة في الاستبراء ولما ورد من أنّ الدم قبل العشرة من الحيضة الأُولى (٢) كما سبق في محلّه.

وأمّا إذا كانت عادتها أقلّ من العشرة وهي تحتمل انقطاع دمها قبل العشرة كما‌

__________________

(١) أي مرسلة يونس المروية في الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٦ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١ ، ٢٩٨ / ب ١١ ح ٣.

٢٣٩

تحتمل تجاوزه عنها فمقتضى الاستصحاب أنّ دمها لا ينقطع قبل العشرة ، لما عرفت في محلّه من أنّ الاستصحاب كما يجري في الأُمور الحالية يجري في الأُمور الاستقباليّة أيضاً ، وبما أنّ الدم يجري من المرأة بالفعل وتشكّ في دوامه وانقطاعه في الأزمنة المستقبلة فالأصل عدم انقطاعه ، فهي كالعالمة بتجاوز دمها العشرة ، لأنّ العلم التعبّدي كالعلم الوجداني ، ولا بدّ حينئذ من أن ترجع إلى أيّام عادتها وتجعلها حيضاً والزائد استحاضة ، فلها أن تغتسل بعد أيّام عادتها وتصلِّي وترتب أحكام المستحاضة على نفسها.

ما دلّ على وجوب الاستظهار عند تجاوز الدم عن العشرة

إلاّ أنّ هناك جملة من الرّوايات الّتي ادّعي تواترها إجمالاً ولا بأس بهذه الدعوى إذا انضمّت إليها الأخبار الواردة في استظهار النّفساء لوحدة حكمهما كما يأتي قد دلّت على أنّ المرأة إذا تجاوز دمها العشرة وكانت عادتها أقل منها تستظهر بيوم (١) أو يومين (٢) أو بثلاثة أيّام (٣) أو بعشرة (٤) أو بثلثي أيّام عادتها (٥) إلاّ أنّه ورد في النّفساء دون الحائض وعليه فلا مناص من أن تترك المرأة صلاتها وتستظهر وتغتسل بعد أيّام استظهارها ، ولا تتمكّن من الاغتسال بعد أيّام عادتها قبل الاستظهار.

ولكن في قبال هذه الرّوايات جملة من الأخبار (٦) دلّت على عدم وجوب الاستظهار حينئذ ، بل المرأة طاهرة ويجوز لزوجها أن يأتيها متى شاء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠١ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ٣ و ٤ و ٥ ، ٣٨٣ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٨٣ و ٣٨٤ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢ و ٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٠٠ و ٣٠٢ و ٣٠٣ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١ و ٦ و ١٠.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٠٣ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٢ ، ٣٨٣ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٨٩ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٢٠.

(٦) الوسائل ٢ : ٣٧١ و ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١ و ٤ ، ٣٧٨ / ب ٢ ، ٣٧٩ / ب ٣ ح ١.

٢٤٠