موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

من جهة فقدانه الصفات لا من جهة الشبهة الحكمية ولا من جهة الشبهة الموضوعيّة لأجل الشكّ في تحقّق شرط الحيض.

ويؤيّدها موثقة سماعة ، قال « سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها إلى أن قال فلها أن تجلس وتدع الصّلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (١) حيث دلّت على كون الدم في مفروض الرّواية حيضاً مع تردّده بين الحيض والاستحاضة.

وعلى الجملة إنّ الدم الواجد لجميع شرائط الحيض غير الصفات إذا شكّ في حيضيّته لتردّده بين الحيض والاستحاضة لا من جهة الشبهة الحكمية ولا من جهة الشبهة المصداقيّة شملته قاعدة الإمكان ، فيحكم بكونه حيضاً بالقياس إلى الأخبار وأدلّة الشّروط.

المراد بالإمكان في القاعدة

وبهذا يظهر أنّ الإمكان في القاعدة يراد به الإمكان القياسي بمعنى أنّ الدّم حيض بالقياس إلى أدلّة الشّروط والأخبار المتقدّمة ، فكلّ دم يمكن أن يكون حيضاً بالقياس إلى أدلّة الشّروط والأخبار فهو حيض ، وليس المراد به الإمكان الاحتمالي بأن يقال : كلّ دم يحتمل أن يكون حيضاً فهو حيض ، لما مرّ من أنّ الدم في الشبهات الحكمية والمصداقيّة يحتمل أن يكون حيضاً واقعاً مع أنّه ليس بحيض ، ولم يلتزم الأصحاب بالحيضيّة فيهما ، والإجماع على تقدير تحقّقه إنّما هو في غير الموردين.

كما أنّ المراد بالإمكان ليس هو الإمكان الذاتي في كلماتهم ، لعدم وقوع البحث فيه ، حيث إنّ حيضيّة الدم المردّد بين الحيض والاستحاضة ليست من المستحيلات الأوّلية كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، بل كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً ولو كان بلحظة أو غير مستمر ثلاثة أيّام أو قبل تخلّل عشرة الطّهر ، وإنّما الشارع لم يحكم بحيضيّته في تلك الموارد ، وهو أمر آخر غير الإمكان الذاتي ، ومن ثمة لم يردّوا ما نقل من بعض‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

٢٠١

العامّة من أنّ الحيض يمكن أن يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بأنّه أمر مستحيل ذاتاً.

وأمّا الإمكان الوقوعي وعدم استتباع حيضيّة الدم المردّد بين الحيض وغيره محذوراً وأمراً ممتنعاً فهو أيضاً غير مراد من كلماتهم ، وذلك لأنّه لا سبيل لنا إلى إحراز أنّ كون الدم حيضاً في موارد الاشتباه يلزمه محذور أو لا يلزمه.

فالإمكان في كلماتهم إنّما يراد به الإمكان القياسي ، أي الدم الّذي يمكن أن يكون حيضاً بالقياس إلى أدلّة الشروط والأخبار لاستجماعه جميع الشروط ، وهو حيض. هذا تمام الكلام في المرحلة الاولى والمقتضي.

وأمّا المرحلة الثّانية أعني البحث عن أنّ للأخبار المتقدّمة مانعاً أو لا مانع عنها فملخص الكلام في ذلك أنّ الصفرة كما تقدّم وعرفت في غير أيّام العادة ليست بحيض ، كما أنّها في أيّام العادة حيض حسب الأخبار المتقدّمة في مواردها ، ومقتضى ما سردناه من الأخبار أنّ كلّ دم مردّد بين الحيض والاستحاضة عند استجماعه لشروط الحيض حيض.

فإذن لا بدّ من النّظر إلى أنّ كلّ دم أحمر أو أصفر محكوم بكونه حيضاً كما هو مقتضى ما سردناه من الرّوايات إلاّ الدم الأصفر في ذات العادة إذا رأته في غير أيّامها ، فخروج الصفرة عن الحيض يحتاج إلى دليل أو أنّ الحيض يشترط فيه الحمرة كما هو مقتضى أخبار الصفات ، فكلّ دم ليس بأحمر كما إذا كان أصفر فهو ليس بحيض إلاّ الدم الأصفر في ذات العادة إذا رأته في أيّام عادتها أو قبلها بيوم أو يومين (١) ، وعليه فكون الصفرة حيضاً هو المحتاج إلى إقامة الدليل عليه.

فالعمدة أن يتكلّم في أنّ الصفات كالحمرة والسواد هل هي كبقيّة الشروط المعتبرة في تحقّق الحيض ، بحيث لو لم يكن الدم أحمر فهو ليس بحيض إلاّ فيما إذا رأته المرأة في أيّام عادتها أو قبلها بيوم أو يومين ، لأنّ الصفرة فيها حيض بمقتضى النّصوص ، أو أنّ الحمرة ليست من شروط الحيض ، وهو قد يكون أصفر وقد يكون أحمر ، فكلّ دم كان مستجمعاً للشروط فهو حيض وإن كان أصفر ، وإنّما يستثني من ذلك الصفرة في‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

٢٠٢

غير أيّام العادة ، لأنّها ليست بحيض في ذات العادة.

وهذا الأخير لعله هو المعروف بينهم ، ومن ثمة حكموا بأنّ ما تراه المبتدئة والمضطربة والناسية من الدم بعد تقييده بما إذا كان واجداً للشرائط حيض وإن كان أصفر.

إلاّ أنّ الصحيح أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في المقام هو مدخليّة الحمرة في الحكم بالحيضيّة وأنّها كبقيّة الشروط ، فكلّ دم لم يكن بأحمر فهو ليس بحيض وإن كان أصفر ، إلاّ الصفرة في أيّام العادة أو قبلها بيوم أو يومين.

والّذي يدلّنا على ذلك من الأخبار : الرّوايات الواردة في المائز بين دم الحيض والاستحاضة الدالّة على أنّ الحيض دم حار عبيط أحمر أو أسود يخرج بحرقة ودفع ودم الاستحاضة دم بارد أصفر ، وأنّ دم الحيض ليس به خفاء (١) ، فإنّ مقتضى تلك الرّوايات أنّ الحمرة والسواد من الأُمور المقوّمة للحيض ، فكلّ دم لم يكن كذلك ليس بحيض ، كما أنّ الصفرة تلازم الاستحاضة إلاّ الصفرة في أيّام العادة ، لأنّها كالصفرة قبلها بيوم أو يومين حيض بمقتضى النّصوص.

وهذه الرّوايات وإن كانت واردة في المستحاضة وهي الّتي تجاوز دمها العشرة إلاّ أنّ جوابه عليه‌السلام ليس حكماً مختصّاً بمورد الأخبار حتّى لا يمكن التعدِّي إلى غيره ، وإنّما هو حكم كبروي ينطبق عليه وعلى غيره ، لأنّها بصدد بيان المائز بين دم الحيض وغيره ، فكل دم لم يكن كما وصف فهو ليس بحيض.

ومن تلك الرّوايات ما ورد في أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، بل المرأة تتوضّأ وتصلِّي إذا كانت الصفرة قليلة ، أو تغتسل وتصلِّي إذا كانت كثيرة لكونها مستحاضة حينئذ ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال عليه‌السلام : لا تصلِّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت » (٢) وبمضمونها روايات عديدة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ / أبواب الحيض ب ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤ ح ١ ، وبمضمونه أكثر روايات الباب.

٢٠٣

اخرى ، وهي كما تشمل الصفرة في ذات العادة تشمل الصفرة في غير ذات العادة ، حيث دلّت على أنّ الصفرة في يوم ليس هو بأيّام العادة ليس بحيض ، سواء كانت المرأة ذات عادة أم لم تكن لها عادة أصلاً ، لصدق أنّ اليوم ليس من أيّام عادتها.

وأصرح من الجميع رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام حيث ورد فيها « قلت كيف تصنع؟ قال : ما دامت ترى الصفرة فلتتوضأ من الصفرة وتصلّي ، ولا غسل عليها من صفرة تراها إلاّ في أيّام طمثها ، فإن رأت صفرة في أيّام طمثها تركت الصّلاة كتركها للدم » (١) حيث صرحت فيها بأنّ الصفرة ليست بحيض مطلقاً ولو من غير ذات العادة إلاّ في أيّام عادتها.

ومقتضى هذه الأخبار هو الحكم بأنّ ما تراه المبتدئة والمضطربة والناسية في الدم الفاقد للحمرة استحاضة وليس بحيض وإن كان واجداً لبقيّة الشروط وإن كان خلاف ما ذهب إليه المشهور ، بل خلاف ما ادّعوا عليه الإجماع ، لكن الصحيح ما عرفته وإن كان الاحتياط في محله.

فالمتحصل أنّ الحمرة أو السواد معتبران في حيضيّة الدم ، فالدم الأصفر ليس بحيض إلاّ الصفرة الّتي تراها ذات العادة أيّام عادتها ، هذا كلّه في ذات العادة غير الحبلى.

فهل الصفرة الّتي تراها الحبلى في أيّام عادتها أيضاً محكومة بالحيض وهي مستثناة من كبرى عدم حيضيّة الصفرة ، كما في الحائل غير الحبلى ، أو أنّ الصفرة في الحبلى ليست بحيض ولو كانت في أيّام عادتها؟

مقتضى الأخبار الواردة في أنّ الصفرة في أيّام العادة حيض (٢) سواء كانت المرأة حبلى أو غير حبلى أنّها حيض ، كما أنّ مقتضى الأخبار الواردة في أنّ الصفرة الّتي‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

٢٠٤

تراها الحبلى ليست بحيض (١) سواء تراها في أيّام عادتها أو في غيرها أنّها ليست بحيض ، والطائفتان متعارضتان والنسبة بينهما عموم من وجه ، وتعارضهما في الصفرة الّتي تراها الحبلى أيّام عادتها ، ومقتضى القاعدة تقديم ما دلّ على أنّ الصفرة في أيّام العادة حيض ، لأنّ في تلك الطائفة رواية يونس المشتملة على أنّ « كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض » (٢) وحيث إنّ دلالتها بالعموم ودلالة الطائفة الثّانية بالإطلاق ، لا محالة يتقدّم ما كانت دلالته بالعموم على ما كانت دلالته بالإطلاق.

ولكن الرّواية ضعيفة بالإرسال ، لأنّ يونس رواها عن بعض أصحابه ، وغيرها من الأخبار مطلق ، على أنّ كون دلالتها بالعموم محل تأمّل ومنع ، لأنّ عمومها إنّما هو بالإضافة إلى الدم الأحمر والأصفر ، وأمّا بالإضافة إلى أفراد المرأة فدلالتها بالإطلاق ، وعلى تقدير الغض عن ذلك وفرضها عامّة أيضاً لا يمكننا الحكم بحيضيّة الدم المذكور ، لضعف الرّواية بحسب السند.

ومقتضى القاعدة في تعارض المطلقين بالعموم من وجه هو التساقط والرّجوع إلى العام الفوق ، وهو ما دلّ على أنّ دم الحيض والاستحاضة لا خفاء فيه ، لأنّ الحيض دم أحمر عبيط ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، ومعه لا يحكم على الصفرة الّتي تراها الحبلى بالحيضيّة.

ومع الغض عن هذا العموم لا بدّ من الرّجوع إلى عمومات ومطلقات أدلّة التكاليف ، كما دلّ على وجوب الصّلاة على كلّ مكلّف ، أو ما دلّ على أنّ الزّوج يجوز له وطء زوجته أنّى شاء ، ومقتضاها الحكم بعدم الحيضيّة في المقام. وهذه المسألة ممّا لم نر التعرّض له في كلمات الأصحاب.

هذا كلّه في المقام الأوّل ، وهو ما إذا استمرّ الدم ثلاثة أيّام ولم يكن واجداً للصفات ، وهو الّذي جزم الماتن بكونه حيضاً كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣١ و ٣٣٤ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦ و ١٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٣.

٢٠٥

الكلام في المقام الثّاني

وأمّا المقام الثّاني : أعني الدم الّذي تراه المبتدئة أو المضطربة أو الناسية قبل أن تمضي عليه ثلاثة أيّام أعني أوّل ما رأته من الدم فهل يحكم عليه بالحيضيّة ولو ظاهراً ، ثمّ إنّه إن دام الدم ثلاثة أيّام فهو ، وإلاّ فيستكشف عدم كونه حيضاً ، وتقضي ما تركته من الصّلاة أو لا يحكم عليه بالحيضيّة؟

ولا إجماع على الحيضيّة في هذه المسألة ، بل ذهب بعضهم إلى الحكم بالحيضيّة وذهب بعضهم إلى أنّه استحاضة ، والكلام يقع في هذه المسألة في مقامين :

أحدهما : فيما إذا كان الدم الّذي تراه المبتدئة وأخواتها أحمر ، وهذا لم يتعرّض الماتن لحكمه.

وثانيهما : فيما إذا كان الدم أصفر.

أمّا المقام الأوّل : أعني ما إذا كان الدم أحمر فالمعروف أنّه حيض ، وهذا هو الصحيح ، ويكفي في ذلك :

أوّلاً : الاستصحاب ، لأنّه كما يجري في الأُمور المتقدّمة كذلك يجري في الأُمور المستقبلة ، وحيث إنّها قاطعة بجريانه بالفعل ، فإذا شكّت في أنّه ينقطع قبل الثلاثة أو لا ينقطع فالأصل عدم انقطاعه قبل الثّلاثة ، وبه يحكم بأنّه حيض ، إذ المفروض اشتماله على الأوصاف ولم يكن شكّ في حيضيّته إلاّ من جهة الاستمرار ثلاثة أيّام وقد حكم الشارع بكونه مستمراً كذلك.

وثانياً : الأخبار ، وهي كثيرة.

منها : موثقة سماعة ، قال « سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام إلى أن قال فلها أن تجلس وتدع الصّلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة » (١) حيث دلّت على أنّ الدم حيض من أوّل وقت تراها المبتدئة بلا فرق في ذلك بين احتمال انقطاع الدم قبل الثّلاثة وعدمه ، لأنّ احتمال الانقطاع قبل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

٢٠٦

الثّلاثة وإن لم يكن بأغلب إلاّ أنّه كثير في نفسه ، فتشمله الإطلاقات في هذه الرّواية والأخبار الآتية لا محالة.

ومنها : صحيحة إسحاق بن عمّار ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : إن كان دماً عبيطاً فلا تصلِّي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (١) لدلالتها على ترتيب آثار الحيض من أوّل يوم رأت الدم.

وقد يقال : إنّها معارضة بما دلّت على أن أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، فإنّ الصحيحة تدلّ على أنّ الدم حيض في ذينك اليومين.

ولكنّا أجبنا عن ذلك عند الكلام على اعتبار الاستمرار ثلاثة أيّام في الحيض وقلنا إنّها إنّما تكون معارضة للأخبار الدالّة على اعتبار الثّلاثة في الحيض فيما إذا كانت ناظرة إلى الحكم بترك الصّلاة بعد ذينك اليومين ، إلاّ أنها ليست كذلك لأنّها واردة لبيان الوظيفة الفعلية في أوّل آن رأت فيه الدم ، إذ لا معنى للحكم بترك الصلاة ذينك اليومين بعد انقضائها ، وإنّما يصح ذلك قبل انقضائها ، وقد دلّت على أنّها تترك الصّلاة في أوّل زمان رؤيتها.

وأمّا أنّه لا تقضي تلك الصلوات حتّى إذا انقطع قبل الثّلاثة ليدل على أنّ الحيض يتحقّق ليوم أو يومين ، أو تقضي تلك الصلوات عند عدم استمرار الدم ثلاثة أيّام فهو أمر آخر لا دلالة عليه في الرّواية ، بل مقتضى ما دلّ على اعتبار الثّلاثة في الحيض الحكم بعدم حيضيّته بعد ما انكشف عدم استمراره ثلاثة أيّام ، وهذا لا ينافي الحكم بالحيضيّة ظاهراً من أوّل يوم رأت فيه الدم.

ومنها : صحيحة عبد الله بن المُغِيرة الواردة « في امرأة نفِست فتركت الصّلاة ثلاثين يوماً ثمّ طهرت ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : تدع الصّلاة » (٢) فقد دلّت على وجوب ترك الصّلاة من حين رؤيتها الدم كسابقتها ، بلا فرق في ذلك بين احتمالها انقطاع الدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النّفاس ب ٥ ح ١.

٢٠٧

قبل الثّلاثة وعدمه.

ومنها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : أيّ ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت ، وإذا رأت الطّهر في ساعة من النّهار قضت صلاة اليوم واللّيل مثل ذلك » (١). وهي تدلّنا على أمرين :

أحدهما : أنّ صحّة الصوم مشروطة بعدم الحيض في ساعات النّهار ، بحيث لو رأت المرأة الحيض في ساعة منها ولو في آخر ساعات النّهار بطل صومها لا محالة.

ثانيهما : وجوب ترتيب آثار الحيض في أوّل زمان رؤية الدم ، بلا فرق بين احتمالها انقطاع الدم قبل الثّلاثة وعدمه.

ومنها : الأخبار الواردة في الحبلى من أنّها إذا رأت الدم عبيطاً تترك الصّلاة (٢) وعليه فلا مناص من الحكم بأن ما تراه المبتدئة وأخواتها من الدم الأحمر حيضاً ، ثمّ إن استمر ثلاثة أيّام فهو ، وإلاّ فيستكشف أنّه كان استحاضة ، ويجب قضاء ما تركته من الصلوات في اليوم أو اليومين.

وهل هذا يعم الحبلى وغيرها ، أو أنّ الحبلى لا ترتب آثار الحيض عند رؤيتها الدم الأحمر إلاّ إذا استمرّ ثلاثة أيّام؟

ذهب المحقّق الهمداني إلى التفصيل ، ومستنده صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال « سألت أبا الحسن عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر ، هل تترك الصّلاة؟ قال : تترك الصّلاة إذا دام » (٣) بدعوى أنّ مفهوم الجملة الشرطيّة « إذا دام ... » أنّ الدم الّذي رأته الحبلى إذا لم يدم ثلاثة أيّام فهو ليس بحيض فلا يحكم على الحبلى بالحيض إلاّ إذا دام ثلاثة أيّام بخلاف غير الحبلى (٤).

ويدفعه : أنّ الصحيحة لا دلالة لها على المدّعى ، لأنّ « دام » بمعنى استمرّ في مقابل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٦٦ / أبواب الحيض ب ٥٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٣٠ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٢.

(٤) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٩٩ السطر ٢٧ ٣١.

٢٠٨

الانقطاع ورؤية الدم دفعة أو دفعتين ، كما في بعض الأخبار ، فالصحيحة تدلّ على أنّ الدم إذا رأته الحبلى وانقطع لا يحكم عليه بكونه حيضاً ، كما ورد في بعض الرّوايات (١) من أنّ الدم الّذي تراه المرأة دفعة أو دفعتين من الهراقة وليس بحيض ، لاعتبار الاستمرار فيه ، وأمّا إذا استمرّ في أوّل زمان رؤيتها ولم ينقطع بعد رؤيته فهو حيض ولا دلالة في الصحيحة على أنّه إذا استمرّ ثلاثة أيّام فهو حيض لعدم ذكر الثّلاثة في الرّواية.

فالصحيح عدم الفرق في ذلك بين الحبلى وغيرها ، هذا كلّه في المقام الأوّل.

وأمّا المقام الثّاني : أعني ما إذا كان الدم الّذي تراه المبتدئة أو أخواتها صفرة ، فهل يحكم بكونه حيضاً؟

فإن قلنا بعدم كون الصفرة حيضاً في المقام الأوّل ، أعني ما إذا استمرّ ثلاثة أيّام فلا يحكم بحيضيّتها في هذا المقام بطريق أولى.

وأمّا إذا حكمنا بحيضيّة الصفرة إذا مضت عليها ثلاثة أيّام فيقع الكلام في أنّها قبل انقضاء الثّلاثة حيض أو ليس بحيض ، المشهور بينهم هو الحكم بحيضيّته إذ لا فرق عندهم في ذلك بين المستمر ثلاثة أيّام وغير المستمر ، كما لا فرق في الحكم بالحيضيّة عندهم بين واجد الصفات وفاقدها.

لكن الماتن احتاط في المسألة بالجمع بين أحكام المستحاضة وتروك الحائض ، والوجه في احتياطه عدم ترجح الأدلّة الدالّة على الحيضيّة كقاعدة الإمكان ، لأنّه دم يمكن أن يكون حيضاً على أدلّة النافين عنده ، ولكن مقتضى القاعدة لو كنّا نحن والقاعدة هو الحكم بحيضيّته ، وذلك لاستصحاب عدم انقطاعه إلى ثلاثة أيّام والمفروض أنّه على تقدير استمراره كذلك محكوم بالحيضيّة ، والاستصحاب لا يفرق فيه بين أن يكون متعلّق اليقين أمراً متقدِّماً وبين أن يكون أمراً فعليّاً ويكون المشكوك فيه أمراً استقبالياً ، لأنّ المدار فيه على فعلية اليقين والشكّ ، وأمّا كون متعلّق اليقين‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٣٢ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٨.

٢٠٩

أمراً سابقاً فهو غير معتبر في جريانه على ما تكلّمنا عليه في محلّه.

ولم يؤخذ في الحكم بالحيضيّة عنوان آخر وجودي غير استمراره ثلاثة أيّام ، ليقال إنّ الاستصحاب لا يثبت ذلك العنوان الوجودي ، وحيث إنّه دم واجد للصفات أو فاقد لها بالوجدان وباق إلى ثلاثة أيّام بالاستصحاب فلا مناص من الحكم بحيضيّته ولم نفهم لمناقشة شيخنا الأنصاري (١) قدس‌سره في جريان هذا الاستصحاب وجهاً صحيحاً ، هذا كلّه بحسب القاعدة.

إلاّ أنّ النصوص دلتنا على عدم كون الصّفرة حيضا بمجرّد رؤيتها ولو مع الحكم بحيضيّتها بعد استمراره ثلاثة أيّام ، كما في صحيحة إسحاق بن عمار ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال : إن كان دماً عبيطاً فلا تصلي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٢) حيث قدّمنا أنّ أظهر ما يمكن أن يحمل عليه هذه الرّواية إنّما هو ترك الصّلاة بمجرّد رؤية الدم لا بعد انقضاء اليوم أو اليومين ، إذ لا معنى للأمر بترك الصّلاة فيهما بعد انقضائهما وقد دلّت في هذه الصّورة على أنّ ما تراه الحبلى إذا كان دماً أحمر وعبيطاً فهو حيض وإذا كان صفرة فهو استحاضة فلتغتسل وتصلّي.

وكما في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج ، قال « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن امرأة نفِست فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ثمّ طهرت وصلّت ثمّ رأت دماً أو صفرة قال : إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصّلاة » (٣) وبمضمونها غيرها من الأخبار (٤) حيث دلّت على أنّ ما رأته النّفساء إذا كان صفرة فهو ليس بحيض وعليه فلا يمكننا الحكم بأن ما تراه المرأة من الصفرة قبل انقضاء ثلاثة أيّام حيض.

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ٢٠١ السطر الأخير / المقصد الثّاني في الحيض.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣١ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٣٩٣ / أبواب النّفاس ب ٥ ح ٢.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٨٣ و ٣٨٧ / أبواب النّفاس ب ٣ ح ٣ و ١٦.

٢١٠

وأمّا غير ذات العادة المذكورة كذات العادة العدديّة فقط والمبتدئة والمضطربة والناسية فإنّها تترك العبادة وترتب أحكام الحيض بمجرّد رؤيته إذا كان بالصفات ، وأمّا مع عدمها فتحتاط بالجمع (*) بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيّام ، فإن رأت ثلاثة أو أزيد تجعلها حيضاً ، نعم لو علمت أنّه يستمر إلى ثلاثة أيّام تركت العبادة بمجرّد الرؤية وإن تبيّن الخلاف تقضي ما تركته.

[٧١٦] مسألة ١٦ : صاحبة العادة المستقرّة في الوقت والعدد إذا رأت العدد في غير وقتها ولم تره في الوقت تجعله حيضاً (**) ، سواء كان قبل الوقت أو بعده (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نعم ، هذا يختص بالحبلى والنّفساء لورود الأخبار فيهما ، وأمّا في غيرهما فلا دليل على عدم كون الصفرة حيضاً ، فعلى تقدير الالتزام بالحيضيّة بعد انقضاء الثّلاثة لا بدّ من الالتزام بها قبل انقضائها أيضاً بالاستصحاب.

إلاّ أنّ من المقطوع به عدم الفرق بين الحبلى والنّفساء وبين بقيّة أقسام المرأة في الحكم بعدم حيضيّة ما تراه من الصفرة ، ولأجل ذلك يحكم بعدم حيضيّة الصفرة في جميع أقسام المرأة غير ذات العادة ، لأنّ الصفرة في أيّام العادة حيض كما مرّ.

هذا تمام الكلام في قاعدة الإمكان وما يترتب عليها من الفروع.

رؤية العدد في غير وقتها‌

(١) قدّمنا أنّ ذات العادة العدديّة إذا رأت الدم زائداً على العشرة تجعل عدد أيّامها حيضاً والزّائد استحاضة ، وإذا رأته ولم يتجاوز العشرة وكان الدم واجداً للصفات يحكم بكونه حيضاً ، نعم إذا كان غير واجد للصفات يشكل الحكم بحيضيّته كما‌

__________________

(*) وإن كان الأقرب كونها استحاضة وإن استمرّ الدم إلى ثلاثة أيّام.

(**) إذا كان واجداً للصفات وإلاّ فهو استحاضة وإن كان الاحتياط أولى.

٢١١

[٧١٧] مسألة ١٧ : إذا رأت قبل العادة وفيها ولم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضاً (*) ، وكذا إذا رأت في العادة وبعدها ولم يتجاوز عن العشرة أو رأت قبلها وفيها وبعدها ، وإن تجاوز العشرة في الصور المذكورة فالحيض أيّام العادة فقط والبقيّة استحاضة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عرفت ، كما أنّها إذا رأت الدم بعدد أيّامها تجعله حيضاً.

وكذا ذات العادة الوقتيّة فإن الدم الّذي تراه في وقتها حيض ، وفي المقام لم تتحقّق رؤية الدم في وقتها ولكنّها رأته في غير وقتها. فإذن يأتي ما قدّمناه في المقام ، فإن لم يتجاوز العشرة وكان واجداً للصفات فهو حيض ، ويشكل الحكم بحيضيّته فيما إذا لم يكن واجداً للصفات كما إذا كان صفرة ، وأمّا إذا تجاوز العشرة فتأخذ بمقدار عددها حيضاً والباقي استحاضة.

الرؤية في العادة وبعدها ، أو قبلها وفيها وبعدها

(١) إطلاق حكمه بالحيضيّة في المجموع ممّا لا أساس له ، لأنّه إنّما يتم فيما إذا كان الدم الّذي تراه المرأة في عادتها وقبلها أو في عادتها وبعدها أو في عادتها وقبلها وبعدها بصفات الحيض ، فإنّ الدم الّذي تراه ذات العادة وهو واجد للصفات محكوم بالحيضيّة فيما إذا لم يتجاوز العشرة.

وكذلك الحال فيما إذا لم يكن واجداً للصفات إلاّ أنّه تقدّم على العادة بيوم أو يومين ، لأنّ حكم الدم قبل العادة بيوم أو يومين حكم الدم في أيّام العادة صفرة كانت أم حمرة ، وبما أنّ الصفرة في أيّام العادة حيض فكذلك الصفرة قبلها بيوم أو يومين لما‌

__________________

(*) هذا إذا كان التقدّم بيوم أو يومين أو كان الدم بصفات الحيض وأمّا إذا كان التقدّم بأكثر من يومين ولم يكن الدم بصفات الحيض فالحكم بكونه حيضاً لا يخلو عن إشكال بل منع وإن كان الأولى الاحتياط وكذا الحال فيما إذا رأت الدم بعد العادة فإنّه لا يحكم بكونه حيضاً إذا لم يكن واجداً للصفات.

٢١٢

[٧١٨] مسألة ١٨ : إذا رأت ثلاثة أيّام متواليات وانقطع ثمّ رأت ثلاثة أيّام أو أزيد فإن كان مجموع الدمين والنّقاء المتخلّل لا يزيد عن عشرة كان الطرفان حيضاً (*)(١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دلّ من الرّوايات المتقدّمة على أنّ العادة ربما تتقدّم بيوم أو يومين (٢) ، فيحكم بحيضيّة الصفرة قبل العادة وفي العادة.

وأمّا إذا لم يكن الدم واجداً لصفات الحيض وتقدّم على العادة بأكثر من يومين أو تأخّر عنها فلا دليل على الحكم بحيضيّة الصفرة السابقة على أيّام العادة أو المتأخِّرة عنها إلاّ قاعدة الإمكان والإجماع المدّعى في كلمات بعضهم ، وقد عرفت عدم تماميّة القاعدة للأخبار المتقدِّمة الدالّة على أنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض.

وأمّا إطلاق ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الدم قد يتعجّل بالمرأة (٣) الشامل لما إذا رأت الصفرة قبل أيّام عادتها بأكثر من يومين فهو ممّا لا يمكن الاعتماد عليه بعد تصريح الرّوايات ودلالتها على أنّ الصفرة قبل أيّام العادة حيض إذا كانت بيوم أو يومين ، وإلاّ فهي استحاضة.

الرؤية ثلاثة أيّام ثمّ الانقطاع ثمّ الرؤية كذلك‌

(١) لما تقدّم من أنّ ما تراه المرأة من الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى على تفصيل قد عرفته.

__________________

(*) هذا إذا كان كلا الدمين في أيّام العادة أو كان واجداً للصفات وأمّا الدم الفاقد لها فلا يحكم بكونه حيضاً إذا لم يكن في أيّام العادة.

(١) تقدّمت في الصفحة ١٧٩ ، وراجع الوسائل ٢ : ٢٧٩ و ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٢ و ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٥ / أبواب الحيض ب ١٥ ح ٢ وغيره.

٢١٣

وفي النّقاء المتخلّل تحتاط بالجمع بين (*) تروك الحائض وأعمال المستحاضة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) هذا يبتني على الخلاف المتقدّم في النّقاء المتخلّل في أثناء الحيضة الواحدة (٢) وقد احتاط قدس‌سره هناك بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة وأشرنا هناك إلى أنّ مقتضى إطلاق الأخبار الواردة في أنّ أقلّ الطّهر عشرة (٣) أنّ طبيعي الطّهر والنّقاء لا يكون أقل منها كان متخلِّلاً بين حيضتين أو بين حيضة واحدة لا خصوص الطّهر المتخلّل بين الحيضتين.

ثمّ على تقدير الاحتياط فلا بدّ من الجمع بين أحكام الحائض والطّاهرة ، لا بين وظائف الحائض والمستحاضة ، لدوران الأمر بين الحيض والطّهر ، لا بين الحيض والاستحاضة ، لأنّ المفروض عدم رؤيتها الدم ليحتمل كونه استحاضة فهي إمّا بحكم الحائض وإمّا طاهرة.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة : أنّ مجموع الدمين وأيّام النّقاء المتخلّل بينهما قد يكون عشرة أيّام أو أقل كما إذا رأت ثلاثة أيّام ثمّ طهرت ثلاثة أيّام ثمّ رأت الدم ثلاثة أيّام ، ولا إشكال حينئذ في الحكم بحيضيّة الدمين ، وأمّا النّقاء المتخلّل بينهما فحكمه يبتني على المسألة المتقدِّمة ، وقد احتاط فيها الماتن بالجمع بين أحكام الحائض والمستحاضة ، ولكن ذكرنا أنّه محكوم بحكم الحيض ، لأنّ الطّهر على إطلاقه وطبيعته لا يقل عن عشرة أيّام سواء كان متخلّلاً بين حيضتين أو في أثناء حيضة واحدة ، وأشرنا إلى أنّه على تقدير الاحتياط لا بدّ أن يحتاط بالجمع بين أحكام الحائض والطاهرة لا الحائض والمستحاضة ، لأنّها لا ترى دماً في أيّام النّقاء ليدور أمره بين الحيض والاستحاضة وإنّما أمرها يدور بين كونها بحكم الحائض أو الطاهرة.

وقد يكون مجموع الدمين وأيّام النّقاء زائداً عن العشرة ، كما إذا رأت خمسة أيّام‌

__________________

(*) تقدّم أنّ الأظهر كونه من الحيض وكذا الحال فيما بعده.

(١) تقدّم في الصفحة ١٣٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٧ / أبواب الحيض ب ١١.

٢١٤

وطهرت خمسة أيّام ثمّ رأت خمسة أيّام آخر ، وحينئذ قد يكون الطّهر المتخلّل بين الدمين عشرة أيّام أو أكثر ، ومعه يحكم بحيضيّة كلّ واحد من الدمين فيما إذا كانا واجدين للشرائط ، لعدم المانع من حيضيتهما بعد وجود أمارات الحيض في الدمين وتخلّل أقل الطّهر بينهما.

وقد لا يكون الطّهر المتخلّل بينهما عشرة أيّام بل أقل ، ومعه لا بدّ من ملاحظة الترجيح بينهما ، لعدم إمكان الحكم بحيضيّة الجميع ، لاستلزامه زيادة الحيض عن عشرة أيّام ، فلا بدّ من أن يكون أحدهما حيضاً دون الآخر ، فإن كان أحدهما في العادة دون الآخر فما في العادة حيض دون الآخر ، وذلك لرواية يونس المتضمنة على أن كلّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها فهو حيض ، دون ما تراه في غيرها (١) ، وكذلك غيرها من الأخبار الدالّة على أنّ ما تراه المرأة من صفرة أو حمرة في أيّام عادتها فهو حيض دون ما تراه في غيرها (٢) ، فيستفاد من ذلك أنّ الترجيح بالعادة مقدم على التمييز بالصفات ، لأنّه إنّما يرجّح ويميّز بها في غير أيّام العادة لا في العادة.

وأمّا إذا كان كلاهما في غير أيّام العادة فإن لم يكن شي‌ء منهما متصفاً بأوصاف الحيض فيحكم بعدم كونهما حيضاً وإن كان ذلك خلاف ما هو المشهور بينهم ، لأنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض ، وقد عرفت أنّ الإمكان في قاعدة الإمكان بمعنى الإمكان القياسي ، ولا يمكن أن يكون شي‌ء من الدمين حيضاً في مفروض الكلام بالقياس إلى أدلّة الشروط والأوصاف ، لأنّ الحيض كما يعتبر فيه أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام وأكثر من عشرة ويتخلّل بينه وبين الحيضة السابقة أقلّ الطّهر كذلك يعتبر فيه أن يكون أحمر أو أسود ، ففاقد الصفات غير مشمول لقاعدة الإمكان.

نعم ، لو تمّت قاعدة الإمكان بالمعنى غير الصحيح ، وهي القاعدة بمعنى الإمكان الاحتمالي ليقال : إنّ كلّ دم يمكن أي يحتمل أن يكون حيضاً فهو حيض ، فلا بدّ من‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٣.

(٢) نفس الباب.

٢١٥

الحكم بحيضيّة إحدى الصفرتين ، لاحتمالهما الحيضيّة كما هو ظاهر ، كما أنّه إذا كان أحدهما واجداً للصفات دون الآخر يتعيّن الحكم بحيضيّة الواجد للصفات ، لأنّها أمارات الحيض. هذا كلّه فيما إذا لم تكن المرأة ذات عادة عدديّة ، فإنّها تميز الحيض بالصفات.

وأمّا ذات العادة العدديّة فلا يمكن نفي الحيضيّة عن الدمين في حقّها ، بل لا بدّ من أن تجعل عدد أيّامها حيضاً ، لما دلّ من الأخبار على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سنّ في ذات العادة العدديّة أن ترجع إلى عدد أيّامها إذا كانت مستحاضة أي مستمرة الدم وتجعل الباقي استحاضة (١) ، وهذا كلّه ممّا لا شبهة فيه.

وإنّما الكلام فيما إذا كان كلاهما واجداً للصفات ، فهل يحكم بحيضيّة الدم الأوّل دون الثّاني ، أو يحكم بالتخيير بينهما كما في المتن ، أو لا يحكم بحيضيّة شي‌ء منهما للتعارض وهو يقتضي التساقط؟ وذلك لعدم إمكان الحكم بحيضيّة الجميع ، لاستلزامه كون الحيض زائداً عن العشرة ، فإذا لم يقم دليل خاص على حيضيّة أحدهما فلا يمكن أن يتمسّك بعمومات أدلّة الحيض وإطلاقاته فيهما معاً لما عرفته من المحذور ولا في أحدهما المعيّن دون الآخر لأنّه بلا مرجح ، ولا في أحدهما لا بعينه كما بيّناه في محلّه ، وهو معنى التساقط بالمعارضة ، فلا يحكم بحيضية هذا ولا ذاك.

الصحيح الحكم بحيضيّة الدم الأوّل دون الأخير ، وذلك لما بيّناه في التعارض المتوهم بين الأصل السببي والمسببي من أنّ الأصل الجاري في السبب مقدّم على الأصل في المسبب ، لأنّه يرفع موضوع الشكّ المسببي ولا معارض له في نفيه ، حيث إنّ أدلّة الأصل الجاري في المسبب غير متكفّلة لإثبات وجود موضوعه أو نفيه ، وإنّما هي تثبت الحكم على تقدير وجود موضوعها.

وهذا كما في الماء المشكوك طهارته فيما إذا غسلنا به ثوباً متنجساً ، فإنّ قاعدة الطّهارة الجارية في الماء لا تبقي شكّاً في طهارة الثّوب المغسول به ليجري فيه‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٢١٦

استصحاب نجاسته ، لأنّ من الآثار الشرعيّة المترتبة على طهارة الماء طهارة المتنجس المغسول به ، فهي رافعة لموضوع استصحاب النجاسة الجاري في الثوب ، وأدلّة الاستصحاب لا تتكفّل بإثبات وجود موضوعه في الثوب ، وهذا بخلاف ما لو عكسنا الأمر وأجرينا الاستصحاب المسببي ، لأنّ نجاسة الثوب وبقاءها ممّا لا يترتّب عليه نجاسة الماء شرعاً إلاّ بالملازمة العقليّة ، لأنّه لو كان طاهراً لطهر الثوب فيه.

والأمر في المقام كذلك ، وذلك لأنّ من آثار حيضيّة الدم الأوّل شرعاً أنّ الدم الثّاني الّذي تراه المرأة بعدها إن كان قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة ، وإن كان بعد العشرة فالزائد على العادة استحاضة ، وإن كان بعد العشرة وبعد تخلّل أقلّ الطّهر بينهما فهو من الحيضة المستقبلة.

وعلى الجملة إنّ من آثار حيضيّة الدم الأوّل أن لا يحكم بحيضيّة الدم الثّاني فيما إذا لم يتخلّل بينهما أقلّ الطّهر ولم يمكن إلحاقه بالدم الأوّل لاستلزامه زيادة الحيض عن العشرة.

وهذا بخلاف حيضيّة الدم الثّاني ، حيث لم يترتب عليها عدم حيضيّة الدم الأوّل شرعاً في شي‌ء من الرّوايات إلاّ من جهة الملازمة العقليّة ، نظراً إلى أنّه لو كان حيضاً لزم عدم تخلّل أقلّ الطّهر بينهما أو كون الحيضة زائدة على العشرة.

إذن الحكم بحيضيّة الدم الأوّل يرفع الشكّ في حيضيّة الدم الثّاني شرعاً ، ولا عكس ، ومعه لا معارضة بينهما ليتوهم التساقط ، كما لا وجه للتخيير إذ لم يدل دليل على أنّ اختيار الحيض بيد المرأة ، بل اللازم تعين الدم الأوّل في كونه حيضاً دون الأخير ، لأنّ الشكّ فيهما من الشكّ السبي والمسببي ، وقد عرفت عدم التعارض بينهما.

ولعلّه إلى ذلك نظر صاحب الجواهر قدس‌سره فيما نسب إليه من الحكم بحيضيّة الدم الأوّل حتّى فيما إذا كان الدم الثّاني في العادة أو متّصفاً بأوصاف الحيض دون الدم الأوّل (١) ، كما هو أي الأخير صريح بعض آخر.

__________________

(١) نسبه إليه في المستمسك ٣ : ٢٤٥ / كتاب الحيض ، وراجع الجواهر ٣ : ١٨٧ / كتاب الحيض.

٢١٧

وإن تجاوز المجموع عن العشرة فإن كان أحدهما في أيّام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضاً (*) ، وإن لم يكن واحد منهما في العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجداً للصفات ، وإن كانا متساويين في الصفات فالأحوط (**) جعل أولهما حيضاً وإن كان الأقوى التخيير‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلاّ أنّ ما أفاده قدس‌سره إنّما يمكن المساعدة عليه فيما إذا كان الدمان متساويين في الأوصاف ولم يكن أحدهما في العادة ، وإلاّ فرواية يونس (٣) المتقدِّمة وغيرها ممّا دلّ على أنّ ما تراه المرأة من حمرة أو صفرة في أيّام عادتها حيض لا يبقي مجالاً للترجيح بالأسبقيّة في الزّمان ، لأنّها أمارة الحيض شرعاً ، وكذلك أدلّة الصفات ، فإنّ الصفرة في غير أيّام العادة ليست بحيض.

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام يأتي في غير هذه المسألة أيضاً من الفروع الآتية الّتي يدور فيها الأمر بين كون الدم الأوّل حيضاً دون الأخير أو العكس ، هذا.

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه من لزوم جعل أوّل الدمين حيضاً وإن كان صحيحاً كما عرفت ، إلاّ أنّه لا يتم على إطلاقه ، لأنّه إنّما يصحّ في غير ذات العادة العدديّة ، لأنّ تميزها بالصفات كما مرّ ، وأمّا ذات العادة العدديّة فقد عرفت أنّ دمها إذا تجاوز عن العشرة وكانت مستمرّة الدم المعبّر عنها بالاستحاضة في الأخبار (٤) ترجع إلى عدد أيّامها وتجعله حيضاً والباقي استحاضة ، وعليه لا بدّ من أن تأخذ من أوّل الدمين بعدد أيّامها حيضاً ، لإتمام الدم الأوّل وتجعل الباقي استحاضة.

هذا كلّه فيما إذا كان كلا الدمين في غير أيّام العادة وكانا واجدين للصفات.

__________________

(*) وأمّا الدم الآخر فهو استحاضة إلاّ إذا كان مقدار منه بصفات الحيض ولم يزد بضميمة ما في العادة مع النّقاء المتخلّل على عشرة أيّام وحينئذٍ فالمجموع مع النّقاء المتخلّل حيض.

(**) بل الأظهر ذلك لكنّها إذا كانت ذات عادة عدديّة وكان بعض الدم الثّاني متمّماً للعدد مع النّقاء المتخلّل جعلته حيضاً على الأظهر.

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٣ ، وكذا أكثر روايات الباب.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٣ / أبواب الحيض ب ٥ ح ٢ و ٣ و ....

٢١٨

وإن كان بعض أحدهما في العادة دون الآخر جعلت ما بعضه في العادة حيضاً (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا كان بعض أحد الدمين في العادة‌

(١) كما إذا فرضنا المرأة ذات عادة وقتيّة وأنّها تحيض من عاشر كلّ شهر ، أو أنّ آخر حيضها في كلّ شهر هو اليوم الخامس عشر ، ورأت (١) الدم من اليوم السّادس إلى اليوم الحادي عشر خمسة أيّام ونقت بعد ذلك ستّة أيّام ثمّ رأت الدم الآخر خمسة أيّام أيضاً فإنّ الثّاني وقع خارج العادة بأجمعه ، إلاّ أنّ الدم الأوّل وقع يوم منه في أيّام العادة.

أو أنّها رأت (٢) الدم من اليوم الخامس إلى العاشر ونقت من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر ثمّ رأت الدم الآخر من اليوم الخامس عشر خمسة أيّام مثلاً ، فإنّ الدم الأوّل حينئذ لم يقع شي‌ء منه في أيّام العادة ولكن الدم الثّاني وقع يوم منه في أيّام العادة.

فمقتضى الأخبار الواردة في أنّ العادة متقدّمة على الترجيح بالصفات (٣) أن تجعل ما في عادتها حيضاً سواء أكان واجداً للصفات أم فاقداً لها ، لأنّ ما تراه المرأة من صفرة أو حمرة في أيّام عادتها فهو حيض.

ثمّ إنّ ما رأته من الدم في أيّام العادة إن كان ثلاثة أيّام فأكثر فهو ، وأمّا إذا كان أقل منها فمقتضى ما دلّ على أنّ المرأة إذا رأت الدم في أيّام عادتها فهو حيض (٤) بضميمة ما دلّ على أنّ الحيض لا يقل من ثلاثة أيّام (٥) أن يضمّ إليه ما يتمّ به ثلاثة أيّام من الدم الأوّل في المثال (٦) ، لأنّه المدلول الالتزامي المستفاد من الأخبار المتقدِّمة‌

__________________

(١) هذا مثال للفرض الأوّل ، أعني من تحيض من عاشر كلّ شهر.

(٢) هذا مثال للفرض الثّاني ، أعني من ينتهي حيضها في اليوم الخامس عشر من كلّ شهر.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤.

(٤) نفس المصدر.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٩٣ / أبواب الحيض ب ١٠.

(٦) في المثال الأوّل.

٢١٩

فإنّ الحيض لا يقل عن ثلاثة أيّام ، ففي المثال يحكم بلحوق يومين من الدم الأوّل باليوم السابق (١) الواقع في أيّام العادة من الدم الأوّل لأنّهما متمّمات لثلاثة الحيض.

وهل يحكم بحيضيّة الدم الثّاني أيضاً أو لا يحكم ، يختلف هذا باختلاف النِّساء لأنّ المرأة إن كانت ذات عادة عدديّة فترجع إلى عدد أيّامها وتأخذ من أيّام الدم بعد الثّلاثة بمقدار يكمل به عددها ، مثلاً إذا كانت عادتها جارية على التحيض ثمانية أيّام في كلّ شهر ورأت الدم ثلاثة أيّام ثمّ انقطع أربعة أيّام ثمّ رأته خمسة أيّام ، وفرضنا أنّ اليوم الثّالث من الثّلاثة الأُول كان واقعاً في أيّام عادتها الوقتيّة ولأجل ذلك حكمنا بكونه حيضاً ثمّ ألحقنا به اليومين السابقين حتّى تتمّ الثّلاثة المعتبرة في الحيض ، ولكن مجموع أيّام الدمين والنّقاء لمّا كان زائداً عن العشرة فلا محيص من أن تأخذ عدد أيّامها حيضاً وتجعل الباقي استحاضة ، ولأجله تضمّ الثّلاثة إلى أربعة النّقاء لأنّها أيضاً بحكم الحيض فيكون سبعة أيّام وحيث إنّ عدد أيّامها ثمانية فتأخذ يوماً واحداً من الخمسة المتأخّرة وتضمّه إلى السبعة ليكتمل به عدد أيّام المرأة ، والباقي استحاضة أو تأخذ منها يومين إذا كانت عادتها تسعة أيّام. هذا فيما إذا كانت المرأة ذات عادة عدديّة.

وأمّا إذا لم تكن لها عادة عدديّة فلا مناص من التمييز بالصفات فما كان بصفات الحيض حيض وما لم يكن بصفاته استحاضة ، فلو فرضنا أنّ الدم في ثلاثة أيّام أو يومين أو يوم واحد من الخمسة كان أحمر والباقي أصفر فيحكم على ما كان لونه أحمر بالحيضيّة إلى أن تتمّ عشرة أيّام دون غيره لأنّه استحاضة. هذا كلّه فيما إذا كان بعض أحد الدمين في العادة دون الآخر.

__________________

(١) باليوم اللاّحق.

٢٢٠