موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فصل

في مستحبّات غسل الجنابة

وهي أُمور :

أحدها : الاستبراء من المني بالبول قبل الغسل.

الثّاني : غَسل اليدين ثلاثاً إلى المرفقين أو إلى نصف الذراع أو إلى الزَّندين من غير فرق بين الارتماس والتّرتيب.

الثّالث : المضمضة والاستنشاق بعد غَسل اليدين ثلاث مرّات ، ويكفي مرّة أيضاً.

الرّابع : أن يكون ماؤه في التّرتيبي بمقدار صاع ، وهو ستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال.

الخامس : إمرار اليد على الأعضاء لزيادة الاستظهار.

السّادس : تخليل الحاجب غير المانع لزيادة الاستظهار.

السّابع : غسل كلّ من الأعضاء الثّلاثة ثلاثاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل : في مستحبّات غسل الجنابة

قد تعرّض قدس‌سره لجملة من الأُمور الّتي قالوا باستحبابها في غسل الجنابة إلاّ أنّ بعضها لم يرد فيه رواية ، وإنما أفتى بعض الأصحاب باستحبابه ، وهو يبتني على‌

١

الثّامن : التّسمية ، بأن يقول « بسم الله » والأولى أن يقول « بسم الله الرّحمن الرّحيم ».

التّاسع : الدُّعاء المأثور في حال الاشتغال ، وهو : « اللهمّ طهِّر قلبي ، وتقبَّل سعيي ، واجعل ما عندك خيراً لي ، اللهمّ اجعلني من التّوّابين ، واجعلني من المتطهِّرين » ، أو يقول : « اللهمّ طهِّر قلبي ، واشرَح صدري ، وأجرِ على لساني مِدحتك والثّناء عليك ، اللهمّ اجعله لي طَهوراً وشِفاءً ونوراً ، إنّك على كلّ شي‌ء قدير » ، ولو قرأ هذا الدُّعاء بعد الفراغ أيضاً كان أولى.

العاشر : الموالاة والابتداء بالأعلى في كلّ من الأعضاء في التّرتيبي.

[٦٨٤] مسألة ١ : يكره الاستعانة بالغير في المقدّمات القريبة على ما مرّ في الوضوء (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تماميّة قاعدة التّسامح في أدلّة السنن في نفسها ثمّ تعديتها إلى فتوى الفقيه ، ومن ثمّ لا يهمّنا التعرّض لها في المقام. ثمّ تعرّض لعدّة مسائل :

(١) لم ترد رواية في كراهة الاستعانة بالغير في المقدّمات في الغسل ، وإنّما ذكروا ذلك في الوضوء وادّعوا دلالة بعض الأخبار (١) عليها معلّلاً بأنّ الله أمر أن لا يشرك في عبادته. وقد قدّمنا هناك (٢) أنّ الظّاهر من تعليل الرّواية أنّ المنهي عنه هو الاستعانة بالغير في النيّة ، بأن يأتي بالوضوء لغير الله ، فإنّ العبادة لا بدّ أن يؤتى بها مستقلّة لله ، ولا يصحّ إتيانها للغير مستقلا أو بالانضمام ، ولا دلالة لها على كراهة الاستعانة بالمقدّمات ، بل لا يتحقق الوضوء من غير الاستعانة بالغير في المقدّمات إلاّ على وجه الندرة والشذوذ ، لاحتياجه إليها ولو من حيث المكان والماء وغيرها.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧٦ / أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) ذيل القسم الثّاني قبل المسألة [٥٦١].

٢

[٦٨٥] مسألة ٢ : الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطاً في صحّته (١) وإنّما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمني ، فلو لم يستبرئ واغتسل وصلّى ثمّ خرج منه المني أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته ويجب عليه الغسل لما سيأتي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم اشتراط الاستبراء في صحّة الغسل‌

(١) وذلك لعدم دلالة الدليل على الاشتراط ، فمقتضى إطلاق الأخبار الواردة في كيفية الغسل الآمرة بغسل الرأس والبدن بل وغسل الفرج (١) وسكوتها عن بيان اعتبار البول في صحّته مع كونها واردة في مقام البيان عدم اشتراطه به.

نعم ، قد يستدلّ على اشتراط الغسل بالبول قبله بصحيحة محمّد بن مسلم « عن الرّجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء ، قال يغتسل ويعيد الصّلاة ، إلاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنه لا يعيد غسله » (٢) ، نظراً إلى أنه لا وجه للأمر بإعادة الصّلاة والاغتسال إلاّ بطلان الغسل قبل البول بخروج البلل من إحليله ، فهذا يدل على اشتراط الغسل بالبول قبله.

وفيه : أنّ راوي هذا الحديث وهو محمّد بن مسلم قد روى متّصلاً بهذا الحديث وقال « قال أبو جعفر عليه‌السلام من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ، ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء ، لأنّ البول لم يدع شيئاً » (٣) ، فإن التّعبير بالانتقاض كالصريح في أنّ غسله قبل أن يبول قد وقع صحيحاً ، إلاّ أنّه انتقض بحدوث الجنابة الجديدة أعني البلل المشتبه ، وبهذا نحمل الأمر بإعادة الصّلاة فيها على ما إذا صلّى بعد خروج البلل المشتبه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٢٩ / أبواب الجنابة ب ٢٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٧.

٣

وقد يتوهّم : أنّ الأمر بإعادة الغسل على تقدير عدم البول قبل الاغتسال وخروج البلل المشتبه بعده كما في صحيحة الحلبي (١) وموثقة سماعة (٢) وغيرهما (٣) بل وكذا في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث دلّت على أنّه إذا بال قبل أن يغتسل لا يعيد غسله يدل على بطلان الغسل الواقع من غير بول ، إذ لو كان الغسل قبل أن يبول صحيحاً وكانت الرطوبة المشتبهة جنابة جديدة لم يصح التعبير بإعادة الغسل حينئذ لأنّ السبب الجديد يستدعي الإتيان بالعمل ابتداء ، ولا يصح أن يقال إنّه يوجب إعادة العمل. مثلاً زوال الشّمس سبب في الأمر بصلاة الظّهر ، فلا يصح معه أن يقال إذا زالت الشّمس أعد صلاة الظّهر ، لأنّها حينئذ ليست إعادة للمأتي به ، بل هو مأمور به بالأمر الثّاني مستقلا ابتدائيّاً ، فالأمر بالإعادة يكشف عن عدم كون البلل المشتبه الخارج بعد الغسل وقبل البول سبباً جديداً ، وإنما هو كاشف عن فساد الغسل الواقع قبل البول.

ويدفعه : أنّ الكبرى المشار إليها وإن كانت صحيحة ، فإنّ السبب الجديد يستدعي إيجاد المأمور به ابتداء ، لا أنّه يوجب إعادته ، فالتعبير بالإعادة غير صحيح عند حدوثه ، إلاّ أنّ تلك الكبرى غير منطبقة على المقام ، حيث إنّ الغسل ليس واجباً نفسيّاً ، وإنّما هو شرط مقارن للصلاة ، وإنّما يؤتى به قبلها من جهة عدم تمكّن المكلّف من أن يأتي به مقارناً للمأمور به ، فإذا أتى به قبل الصّلاة فإنّما يأتيه بداعي أن يصلِّي مع الطّهارة ، فإذا اغتسل ولم يحصل به غرضه الدّاعي إلى إتيانه ، أي لم يأت بالصلاة بعده لتخلّل جنابة جديدة بينهما واحتاج إلى إتيان الغسل ثانياً تحصيلاً لثمرته وغرضه صحّ أن يقال أعد غسلك ، لا لأنّ الغسل الواقع قبل الجنابة وقع باطلاً ، بل لأنّه لم يحصل غرضه ولم يترتّب عليه ثمرته وكان في حكم الفاسد من حيث عدم إمكان الإتيان بالصلاة معه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٥٠ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١ ، ٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٨.

(٣) كموثقة سليمان بن خالد ورواية معاوية بن ميسرة ، نفس المصدر ح ١٠ ، ٩.

٤

والّذي يدلّنا على ذلك الأخبار المستفيضة الآمرة بإعادة الوضوء إذا غلب النوم العقل أو تحقّق بعده غيره من نواقض الوضوء (١) وما ورد من أنّ الوضوء لا يعاد من الرعاف ونحوه (٢) ، إذ لا يتوهّم أنّ عدم النوم شرط في صحّة الوضوء ، فالأمر بإعادته حينئذ ليس بكاشف عن وقوعه فاسداً ، وإنّما هو من جهة عدم ترتب الغرض المقصود منه عليه ، فكان الإتيان به صحيحاً كالإتيان به فاسداً من حيث عدم ترتب الواجب عليه فليراجع. فالصحيح عدم دلالة شي‌ء من ذلك على اشتراط الغسل بالبول قبله.

نعم ، موثقة أحمد بن هلال كالصريح في الاشتراط حيث قال « سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : إنّ الغسل بعد البول إلاّ أن يكون ناسياً فلا يعيد منه الغسل » (٣) ، لأنّ قوله « إنّ الغسل بعد البول » كالصريح في أنّه إذا وقع قبل البول فسد.

إلاّ أنّها ضعيفة الدلالة على المدّعى ، وذلك لعدم تعرّضها لخروج البلل المشتبه بعد الغسل ، وبطلان الغسل قبل البول إذا لم يخرج منه البلل المشتبه ممّا لا يلتزمون به فإنّما يقول من قال به على نحو الشرط المتأخّر ، وأنّه إذا خرجت منه الرّطوبة المشتبهة يكشف ذلك عن عدم صحّة الغسل الواقع قبل البول ، وأمّا إذا اغتسل ولم يبل ولم يخرج منه بلل بعد ذلك فلا يحكمون ببطلان غسله بوجه.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٩ ، ب ٣ ح ٢ ، ب ٥ ح ٥ ، ب ٧ ح ٩ ، ب ٩ ح ٩ ، ١٠.

(٢) الوسائل ١ : ٢٦٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٥ و ٨ و ١١ ، ب ٧ ح ٩ ، ب ٦ ح ١ ، ب ٩ ح ٨ ، ب ١٠ ح ٢ ، ب ١٤ ح ١ ، ب ١٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٥٢ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١٢.

٥

[٦٨٦] مسألة ٣ : إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثمّ خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنها مني ، فيجب الغسل ، ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بأنّه بول فيوجب الوضوء ، ومع عدم الأمرين (*) يجب الاحتياط بالجمع (**) بين الغسل والوضوء إن لم يحتمل غيرهما ، وإن احتمل كونها مذياً مثلاً بأن يدور الأمر بين البول والمني والمذي فلا يجب عليه شي‌ء ، وكذا حال الرّطوبة الخارجة بدواً من غير سبق جنابة ، فإنّها مع دورانها بين المني والبول يجب الاحتياط بالوضوء والغسل ، ومع دورانها بين الثّلاثة أو بين كونها منيّاً أو مذياً ، أو بولاً أو مذياً لا شي‌ء عليه (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البلل المشتبه وصوره‌

(١) الصور ثلاث لأنّه عند خروج البلل بعد الاغتسال قد لا يستبرئ بالبول قبله ، وقد يستبرئ بالبول قبل الاغتسال إلاّ أنّه لا يستبرئ بعد البول بالخرطات وثالثة يستبرئ بالبول قبل الاغتسال كما أنّه يستبرئ بالخرطات بعد البول.

الكلام في الصورة الاولى : أعني ما إذا اغتسل من غير أن يبول قبله ، وفيه جهات للكلام :

الجهة الأُولى : أنّه لا إشكال حينئذ في أنّ البلل المشتبه الخارج بعد الغسل في حكم المني ، ويجب معه الاغتسال ، وذلك للأخبار المعتبرة الّتي فيها صحيحة‌

__________________

(*) لعلّه أراد بالأمرين عدم الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات ، وإلاّ كانت كلمة « عدم » من سهو القلم.

(**) هذا إذا كان متطهِّراً قبل خروج الرّطوبة المشتبهة كما لعلّه المفروض ، وأمّا إذا كان محدثاً بالأصغر فالأظهر كفاية الاقتصار على الوضوء ، ومنه يظهر الحال فيما إذا خرجت الرّطوبة من غير سبق الجنابة.

٦

وموثقة (١) ، حيث دلّت على أنّه كالمني ولا بدّ معه من الاغتسال ، وهذا هو المعروف المشهور بينهم.

وقد نسب إلى الصدوق القول باستحباب الغسل حينئذ (٢) ، تمسكاً بما رواه من أنّه إن كان قد رأى بللاً ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل ، إنّما ذلك من الحبائل (٣) ، فإذا ضمّ ذلك إلى الأخبار الآمرة بالغسل حينئذ فتكون النتيجة هي استحباب الغسل عند خروج البلل المشتبه فيما إذا اغتسل ولم يكن قد بال.

ويدفعه : أن الرّواية قاصرة السند والدلالة ، أمّا بحسب السند فلأنها مرسلة ولا اعتبار بالمراسيل ، وأمّا من حيث الدلالة فلأن البلل الخارج حينئذ إذا كان من الحبائل كالمذي فلما ذا وجب معه الوضوء ، فالصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من وجوب الغسل حينئذ.

نعم ، ورد في رواية زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن يبول ثمّ رأى شيئاً ، قال : لا يعيد الغسل ، ليس ذلك الّذي رأى شيئاً » (٤) ، وفي رواية عبد الله بن هلال قال « سألت أبا عبد الله عن الرّجل يجامع أهله ثمّ يغتسل قبل أن يبول ثمّ يخرج منه شي‌ء بعد الغسل ، قال : لا شي‌ء عليه ، إنّ ذلك ممّا وضعه الله عنه » (٥). وهما تدلاّن على عدم وجوب الغسل حينئذ.

إلاّ أنّهما ليستا قابلتين للمعارضة مع الأخبار الدالّة على وجوب الاغتسال لضعفهما بحسب السند ، أمّا الأُولى فبأبي جميلة المفضّل بن الصالح ، وأمّا الثّانية فبعبد الله بن هلال. بل يمكن المناقشة في دلالتهما أيضاً ، حيث إنّ الجماع غير مستلزم للإنزال دائماً حتّى يجب البول بعده ، وكذا الجنابة المطلقة ، فإنّ البحث إنّما هو في الجنابة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٥٠ / أبواب الجنابة ب ٣٦.

(٢) نسبه إليه في المستمسك ٣ : ١١٩ ، وراجع الفقيه ١ : ٤٨ / باب صفة غسل الجنابة ، ذيل ح ١٨٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٥٠ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٢ ومع اختلاف يسير ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٥٣ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١٤.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٥٢ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١٣.

٧

بالإنزال ، وهو غير مذكور فيهما ، إلاّ أنّ العمدة في المناقشة هي ضعف سنديهما.

الجهة الثّانية : هل يجب الغسل عند خروج البلل المشتبه بعد الغسل وقبل البول مطلقاً ، أو أنّه يختص بما إذا ترك البول مع التمكّن منه قبل الاغتسال ، وأمّا إذا تركه لعدم تمكّنه من البول حينئذ فلا يجب عليه الاغتسال؟

الصحيح وجوب الغسل في كلتا الصورتين ، لإطلاق رواياته حيث لم يقم على التفصيل بين الصّورتين دليل ولو رواية ضعيفة.

وهل يجب الغسل مطلقاً أو يختص بما إذا ترك البول قبل الغسل متعمداً ، وأمّا إذا تركه نسياناً فلا يحكم عليه بوجوب الغسل؟

نسب التفصيل بين الناسي والعامد إلى الشيخ (١) ، والمشهور عدم الفرق بين الصورتين وهو الصّحيح وذلك لعدم تماميّة ما استدلّ به على هذا التفصيل ، وهو رواية جميل بن درّاج قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل تصيبه الجنابة ، فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئاً ، أيغتسل أيضاً؟ قال : لا ، قد تعصّرت ونزل من الحبائل » (٢) ، وهي ضعيفة السند بعلي بن السندي حيث لم تثبت وثاقته ومعه إطلاقات الأخبار الآمرة بالغسل حينئذ محكمة.

الجهة الثّالثة : أنّ مورد الأخبار الآمرة بالغسل عند خروج البلل المشتبه ما إذا احتمل أن تكون الرطوبة منيّاً ، ولا إطلاق لها يشمل صورة العلم بعدم كونها منيّاً كما إذا علمنا بأنّها بول أو مذي مثلاً ، وذلك لقوله عليه‌السلام « لأنّ البول لم يدع شيئاً » (٣) ، فإنّ ظاهره أنّه إنّما يغتسل إذا لم يبل من جهة احتمال أن يكون البلل منيّاً‌

__________________

(١) نسبه إليه في الحدائق ٣ : ٣١ وراجع الاستبصار ١ : ١٢٠ / باب وجوب الاستبراء من الجنابة ذيل الحديث ٨ ، ٩ ، التهذيب ١ : ١٤٥ / ب ٦ ذيل الحديث ١٠٠ ، ١٠١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٥٢ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٧.

٨

فلا يشمل صورة العلم بعدم كونها من المني ، هذا.

مع أنّا لو سلمنا أنّها مطلقة وإطلاقها يشمل ما إذا لم يحتمل كونها منيّاً فمقتضى الأخبار (١) الدالّة على حصر وجوب الغسل بالماء الأكبر عدم وجوب الغسل من غيره ، كالرطوبة المردّدة بين البول والمذي مثلاً ، فيختص الغسل بما إذا احتمل كون الرّطوبة منيّاً ، لأنّ احتماله منجّز حينئذ.

الجهة الرّابعة : أنّ الأخبار الآمرة بالغسل عند خروج البلل المشتبه بعد الغسل قبل أن يبول مقتضى إطلاقها وجوب الغسل سواء استبرأ بالخرطات أم لم يستبرئ فهي كما تشمل غير موارد العلم الإجمالي بالناقض ، كما إذا تردّدت الرّطوبة بين أن تكون منيّاً أو بولاً أو مذياً ، كذلك تشمل موارد العلم الإجمالي بوجوده ، كما إذا دارت بين كونها بولاً أو منيّاً ، إلاّ أنّ مقتضى إطلاقها تعيّن الوظيفة حينئذ في الغسل وانحلال العلم الإجمالي بذلك هذا كلّه في الصّورة الأُولى ، وهي ما إذا اغتسل من غير أن يستبرئ بالبول قبله.

وأمّا الصّورة الثّانية : وهي ما إذا استبرأ بالبول قبل غسله ولكنّه لم يستبرئ بعد البول بالخرطات ، فمقتضى الأخبار الواردة في المقام كموثقة سماعة : « فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ ويستنجي » (٢) ، وما رواه معاوية بن ميسرة : « إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ » (٣) وكذا الأخبار (٤) المطلقة الواردة في الاستبراء الآمرة بالوضوء بعد خروج مطلق الرطوبة بعد البول وإن لم يكن مسبوقاً بالجنابة وجوب الوضوء حينئذ ، بل مقتضى الموثقة نجاسة البلل أيضاً ، حيث دلّت على وجوب الاستنجاء معه ، نعم ذكر شيخنا الأنصاري في رسائله (٥) أنّ الأخبار إنما‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٨٧ و ١٨٨ / أبواب الجنابة ب ٧ ح ٦ و ١١ ، ١٩٦ و ١٩٧ / ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٥٢ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٩.

(٤) الوسائل ١ : ٢٨٢ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣.

(٥) الفرائد ٢ : ٤٢٣ صرّح الشيخ بنجاسة البلل من غير طريق الاستدلال بالموثّقة فراجع وتأمّل.

٩

تدل على وجوب الوضوء مع البلل ولا دلالة لها على نجاسته ، إلاّ أنّ الموثقة حجّة عليه ، هذه جهة.

الجهة الثّانية في المقام : أنّ الأخبار الآمرة بالوضوء حينئذ موردها ما إذا احتملنا أن تكون الرّطوبة بولاً ، وأمّا إذا دار أمرها بين أن تكون منيّاً أو مذياً فلا يجب عليه الوضوء ، لأنّ الظّاهر من الأخبار أنّه من جهة احتمال خروج البول حينئذ.

على أنّا لو سلمنا إطلاق الأخبار وعدم اختصاصها بصورة احتمال كون الرّطوبة المشتبهة بولاً فالأخبار الحاصرة لانتقاض الوضوء بالبول والغائط والرّيح والنّوم (١) تقتضي تقييد المطلقات بصورة احتمال كون الرّطوبة بولاً لا محالة ، فإنّ دلالة الأخبار على انحصار النواقض بما ذكر دلالة وضعية لكلمة إنّما ونحوها ، والدّلالة الوضعيّة متقدّمة على الدلالة بالإطلاق ومقدّمات الحكمة كما لا يخفى ، وعليه فلو فرضنا أنّ الرّطوبة دارت بين المني والمذي لا يجب عليه الغسل ، لأنّه بال والبول لم يدع شيئاً من المني ، ولا يجب عليه الوضوء أيضاً ، لأنّها ليست ببول على الفرض.

بقي الكلام في الصّورة الثّالثة

وهي ما إذا بال قبل الاغتسال واستبرأ بالخرطات بعد البول ، وهي المراد بقول الماتن « ومع عدم الأمرين يجب الاحتياط » ، فإنّ الأمرين السابقين هما الغسل مع عدم الاستبراء بالبول أو مع عدم الاستبراء بالخرطات على تقدير الاستبراء بالبول وعدمهما يكون عبارة عن الغسل مع الاستبراء بكلّ من البول والخرطات. وهذه الصّورة تنقسم إلى صور :

الصورة الأُولى : ما إذا بال واستبرأ بالخرطات ثمّ اغتسل وخرجت منه رطوبة مشتبهة مردّدة بين المني وغير البول للقطع بعدم كونها بولاً ، فلا يجب عليه حينئذ شي‌ء من الغسل والوضوء ، أمّا عدم وجوب الغسل فلاستبرائه بالبول وهو لم يدع‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ و ٢٤٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢ ، ٣ ، ٢٤٨ / ب ٢.

١٠

شيئاً ، وأمّا عدم وجوب الوضوء فللقطع بعدم كون الرّطوبة بولاً على الفرض.

الصورة الثّانية : الصورة مع تردّد الرّطوبة بين أن تكون بولاً أو غير مني أو بين البول والمني والمذي ، وفي هذه الصّورة أيضاً لا يجب عليه الغسل ، وذلك لأنّه استبرأ بالبول وهو لم يدع شيئاً ، وهل يجب عليه الوضوء حينئذ؟

فقد يتوهّم وجوبه تمسّكاً بإطلاق الأخبار الآمرة بالوضوء فيما إذا بال واغتسل وخرجت منه رطوبة مشتبهة ، لعدم تقييدها بصورة عدم الاستبراء بالخرطات ومقتضى إطلاقها حينئذ وجوب الوضوء (١).

ويندفع بأن الأخبار الآمرة بالوضوء (٢) وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنها معارضة في المقام بالأخبار الواردة في الاستبراء الدالّة على أنّه إذا بال واستبرأ بالخرطات وخرجت منه رطوبة مشتبهة لا يجب عليه الوضوء ، لأنّها من الحبائل (٣) ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لأنّ أخبار المقام تدل على أن من بال واغتسل وخرجت منه الرّطوبة المشتبهة يجب عليه الوضوء ، سواء استبرأ بالخرطات أم لم يستبرئ ومقتضى تلك الرّوايات الواردة في الاستبراء أنّه إذا بال واستبرأ بالخرطات ثمّ خرجت رطوبة مشتبهة لا يجب عليه الوضوء ، سواء أكان اغتسل قبل ذلك أم لم يكن قد اغتسل ، فيتعارضان في من اغتسل وقد استبرأ قبله بالبول والخرطات وخرجت منه رطوبة مشتبهة ، فمقتضى الاولى وجوب الوضوء كما أنّ مقتضى الثّانية عدم وجوبه. إلاّ أنّ الطائفة الثّانية تتقدّم على الطائفة الأُولى ، لقوّة دلالتها من حيث اشتمالها على التعليل بأنّها من الحبائل حينئذ ، وعليه فلا يجب عليه الوضوء كما لا يجب عليه الغسل ، هذا.

__________________

(١) أورد نظير هذا التوهم مع جوابه في المستمسك ٣ : ١٢١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٥٠ و ٢٥١ و ٢٥٢ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١ و ٧ و ٨ و ٩.

(٣) الوسائل ١ : ٣٢٠ / أبواب أحكام الخلوة ب ١١ ح ٢ ، ص ٢٨٢ و ٢٨٣ و ٢٨٦ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٢ و ٣ و ١٠.

١١

على أنّا لو سلمنا تكافؤهما فحيث إنّ تعارضهما بالإطلاق فلا مناص من تساقطهما ، وحيث إنّ الشبهة موضوعيّة فلا بدّ من الرّجوع فيها إلى الاستصحاب فترجع إلى استصحاب عدم وجوب الوضوء وعدم خروج البول منه ، وبما أنّ دلالة أدلّة الاستصحاب على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ بالعموم ، لقوله في صحيحة زرارة « ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً » (١) ، وكلمة أبداً تفيد العموم ، فلا محالة تتقدّم على المطلقات الواردة في المقام المقتضية لوجوب الوضوء في مفروض الكلام ، فبعموم أدلّة الاستصحاب نحكم بعدم وجوب الوضوء عليه.

وعلى الجملة إنّ النسبة بين أدلّة الاستصحاب والأخبار الواردة في المقام عموم من وجه ، حيث إنّها تدل على وجوب الوضوء فيما إذا بال قبل الغسل ، سواء أكان ذلك في موارد العلم الإجمالي كدوران الأمر بين البول والمني أم كان في غيرها كدوران الأمر بين المني والمذي أو بينهما وبين البول ، وهذا بخلاف الاستصحاب حيث إنّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي بوجه ، فهو أخص من الأخبار من تلك الجهة. كما أنّ الأخبار أخص من الاستصحاب من جهة أُخرى ، لأنّها دلّت على وجوب الوضوء بعد الغسل ، والاستصحاب غير مقيّد بالغسل وعدمه ، فالأخبار أخص من الاستصحاب من هذه الجهة ، فتتعارض فيما إذا بال المكلّف بعد الإنزال واغتسل ثمّ خرجت رطوبة مردّدة بين البول والمني والمذي ، فإنّ الأخبار تقتضي وجوب الوضوء والاستصحاب يقتضي عدمه. وبما أنّ دلالة أدلّة الاستصحاب بالعموم ، ودلالة الأخبار بالإطلاق فيتقدّم الاستصحاب على الأخبار في مورد المعارضة ، لاشتماله على قوله « ولا ينقض اليقين بالشكّ أبداً » ، وعليه لا يجب عليه الوضوء في مفروض المسألة.

وأمّا الأخبار الواردة في الاستبراء بالخرطات وأنّ من بال واستبرأ فلا يبالي بما خرج منه بعد ذلك من الرّطوبات المشتبهة ، فقد يقال إنّها أجنبيّة عن المقام بالمرّة لأنّ موضوعها من بال واستبرأ بالخرطات ، وموضوع الأخبار الآمرة بالوضوء من‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ ، ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١.

١٢

أجنب وبال واغتسل ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة ، فهما موضوعان متغايران.

إلاّ أنّه يندفع بأنّ إطلاق روايات الاستبراء يشمل صورة سبق الاغتسال أيضاً ، كما إذا أجنب ثمّ بال ثمّ اغتسل ثمّ خرجت رطوبة ، لأنّها غير مقيّدة بما إذا لم يغتسل بعد البول ، وعليه فهما متعارضان ، والنسبة بينهما أيضاً عموم من وجه ، لأنّ أخبار الاستبراء مقيّدة بما إذا استبرأ بالخرطات سواء أكان معه الغسل أم لم يكن ، وأخبار المقام مقيّدة بالغسل سواء أكان استبرأ بالخرطات أم لم يستبرئ ، فيتعارضان فيما إذا أجنب ثمّ بال واغتسل مع الاستبراء بالخرطات ، فإنّ الأخبار الواردة في المقام تقتضي وجوب الوضوء حينئذ ، لدلالتها على أنّ الرّطوبة المشتبهة ليس من المني ، لأنّ البول لم يدع شيئاً ، وتلك الأخبار تنفي وجوب الوضوء ، لدلالتها على أنّها ليست ببول لأنّه قد استبرأ بالخرطات ، فيتعارضان ويتساقطان ويبقى الاستصحاب سليماً عن المعارض ، وهو يقتضي عدم وجوب الوضوء كما مرّ.

واحتمال أنّ الاستصحاب بنفسه مورد المعارضة مع الأخبار الواردة في المقام مندفع بما مرّ ، من أنّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي الّتي تشملها الأخبار الواردة في المقام وإنما يجري في غيرها ، وهو في غيرها أخص مطلق من الأخبار فيتقدّم عليها ، ومع ملاحظة جميع مواردها النسبة عموم من وجه أيضاً يتقدّم الاستصحاب لعموم أدلّته بخلاف الأخبار كما لا يخفى.

وأمّا ما أشرنا إليه من أنّ أخبار الاستبراء أقوى دلالة من أخبار المقام ، لاشتمالها على التعليل بأنّها من الحبائل فهو ليس كما ذكرناه ، إذ ليست الأخبار الواردة في الاستبراء بالخرطات مشتملة على هذا التعليل وإنما يشتمل عليه ما لم يذكر فيه الاستبراء بالخرطات.

والوجه في جعل الاستصحاب معارضاً مع الأخبار الواردة في المقام هو أنّ موضوع تلك الأخبار أيضاً هو الشكّ في خروج البول وعدمه ، فحكمها حكم الأصل. وأماريّة البول إنّما تقتضي عدم كون الخارج منيّاً ، وأمّا أنّه بول فلا ، لأنّ البحث في دوران الأمر بين الاحتمالات الثّلاثة المني والبول والمذي ، فمن المحتمل أنّه‌

١٣

مذي ، فلا يُقال إنّ في المقام أمارة على البوليّة ، فما معنى استصحاب عدم خروج البول ، لكنّك عرفت أنّ الاستصحاب ليس بنفسه مورداً للمعارضة مع الرّوايات الواردة في المقام ، لأنّه لا يشمل موارد العلم الإجمالي والأخبار تشملها ، وفي غير تلك الموارد يجري الاستصحاب ولكنه فيها أخص مطلق من الأخبار ، فيتقدّم عليها لا محالة.

ويبقى دفع توهّم نجاسة تلك الرّطوبة حينئذ ، فإن موثقة سماعة (١) الآمرة بالوضوء والاستنجاء الشاملة للمقام بإطلاقها تقتضي الحكم بنجاسة الرّطوبة المردّدة أيضاً ولكنه يندفع بعموم قوله « كلّ شي‌ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » (٢) ، لعدم العلم بقذارة الرّطوبة فيحكم بطهارتها ، لأنّه عام لمكان قوله « كلّ شي‌ء » يتقدّم على المطلقات فالمتحصل إلى هنا عدم وجوب شي‌ء من الغسل والوضوء في هذه الصّورة أيضاً.

الصورة الثّالثة : الصورة مع دوران أمر الرّطوبة بين البول والمني ، أعني موارد العلم الإجمالي بأنّه إمّا مكلّف بالغسل وإمّا مكلّف بالوضوء ، ولهذه الصّورة صور :

الاولى : ما إذا كان المكلّف متطهراً قبل خروج الرّطوبة المشتبهة ، كما لعله مفروض كلام الماتن قدس‌سره ، حيث لم يفرض بين الغسل وخروج الرّطوبة شيئاً ممّا يوجب الوضوء من بول أو نوم ونحوهما ، بل فرض أنّه بال واستبرأ واغتسل ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة ، فهو متطهّر من الحدث الأكبر لغسله ، ومن الأصغر لعدم بوله أو نومه ونحوهما.

والمتعيّن في هذه الصّورة هو الجمع بين الغسل والوضوء ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ومعارضة استصحاب عدم خروج البول باستصحاب عدم خروج المني ، ومع تساقطهما لا بدّ من الجمع بينهما بقاعدة الاشتغال حتّى يقطع بالفراغ.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٥١ / أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٧ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.

١٤

الثّانية : ما إذا جهل حاله ولم يدر أنّه كان متطهراً أم محدثاً ، والحال فيها كسابقتها لمعارضة الاستصحابين وقاعدة الاشتغال.

الثّالثة : ما إذا كان عالماً بحدثه قبل خروج الرّطوبة المشتبهة ، لأنّه بال أو نام بعد غسله ، واللاّزم حينئذ هو الوضوء ولا يجب عليه الغسل حينئذ ، والعلم بخروج البول أو المني غير مؤثر في شي‌ء ، إذ لا أثر لخروج البول حينئذ ، لأنّه كان مكلّفاً بالوضوء قبل خروج الرّطوبة أيضاً ، وكان مكلّفاً بغسل الموضع مرّة واحدة فحسب بناءً على ما هو المشهور من كفاية الغسل مرّة واحدة في جميع النجاسات ، وعليه فالخارج سواء أكان بولاً أم كان منيّاً لا يوجب إلاّ الغسل مرّة واحدة ، فهو عالم بوجوب الغسل مرّة على كلّ تقدير ، فلا أثر زائد على خروج البول حينئذ ، إلاّ أن يقال بلزوم تعدّد الغسل في البول دون المني فمقتضى استصحاب عدم خروج المني عدم كونه مكلّفاً بالغسل ، لأنّ مقتضى قوله تعالى : ( ... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) (١) أنّ الوضوء وظيفة من لم يكن جنباً ، فإذا نفينا جنابته بالأصل فهو مكلّف ليس بجنب فلا محالة يجب عليه الوضوء ، ولا يعارضه استصحاب عدم خروج البول ، إذ لا أثر لخروجه وعدمه.

وتوهّم أنّ استصحاب كلّي الحدث يقضي بوجوب الغسل والوضوء حينئذ حتّى يقطع بارتفاعه.

مندفع : بأنّه إنّما يجري فيما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي حاكم عليه ، وفي المقام مقتضى استصحاب عدم خروج المني أو استصحاب بقاء حدثه الأصغر بحاله تعيين الرّطوبة المشتبهة في البول ، وأنّ حدثه كان هو الأصغر فقط ، هذا كلّه فيما إذا كان المكلّف جنباً واغتسل.

ومنه يظهر الحال في غير موارد الجنابة ، فإنّ غير الجنب إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة أيضاً يأتي فيه ما قدّمناه ، لأنّه إذا كان بال ولم يستبرئ بالخرطات يتعيّن عليه‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

١٥

[٦٨٧] مسألة ٤ : إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل وشكّ في أنّه استبرأ بالبول أم لا ، بنى على عدمه فيجب عليه الغسل (١) والأحوط ضمّ الوضوء أيضاً (٢).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوضوء ، وأمّا إذا كان متطهّراً ودار أمر الرّطوبة بين البول والمني فلا بدّ من الجمع بين الغسل والوضوء كما قدّمناه (١).

إذا شكّ في الاستبراء بالبول‌

(١) وذلك لأنّ الموضوع للحكم بوجوب الغسل حينئذ مركّب من أمرين على ما دلّت عليه رواياته : أحدهما أن يكون جنباً اغتسل وخرجت منه رطوبة مردّدة وثانيهما عدم البول قبله ، حيث قال إذا اغتسل ولم يبل (٢) ، وكونه جنباً اغتسل وخرجت منه رطوبة مشتبهة محرز بالوجدان ، وعدم بوله يثبت بالاستصحاب ، فبضمّ الوجدان إلى الأصل نحرز أنّه اغتسل ولم يبل وخرجت منه رطوبة مشتبهة ، فيجب عليه الغسل.

(٢) هذا يختص ببعض الصور المتقدّمة ، وهو ما إذا احتمل أن تكون الرّطوبة بولاً دون ما إذا علم بعدم كونها كذلك ، فإنّ احتمال كون الرّطوبة موجبة للوضوء مع العلم بعدم كونها بولاً مندفع بأخبار حصر النواقض كما مرّ (٣).

__________________

(١) راجع المسألة [٤٥٨].

(٢) هذه العبارة مضمون روايات أوردها في الوسائل ٢ : ٢٥٠ / أبواب الجنابة ب ٣٦.

(٣) تقدّم في ص ١٠.

١٦

[٦٨٨] مسألة ٥ : لا فرق في جريان حكم الرّطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص والاختبار أو لأجل عدم إمكان الاختبار من جهة العمى أو الظلمة أو نحو ذلك (١).

[٦٨٩] مسألة ٦ : الرّطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها (٢) وإن كانت قبل استبرائها ، فيحكم عليها بعدم الناقضيّة وعدم النجاسة ، إلاّ إذا علم أنّها إمّا بول أو مني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الفرق بين الفحص وعدمه‌

(١) لأنّ الأخبار الآمرة بالغسل فيما إذا خرجت الرّطوبة المشتبهة بعد الاغتسال من غير بول أو بعد البول من غير الاستبراء بالخرطات مطلقة تشمل ما إذا لم يتمكن المكلّف من الفحص وما إذا كان متمكناً من الفحص إلاّ أنّه فحص ولم يتمكن من التمييز.

لا حكم للرطوبة المشتبهة من المرأة‌

(٢) لأنّ مورد الأخبار الواردة في أنّ الرّطوبة مني وموجبة للاغتسال ، أو بول وموجبة للوضوء فيما إذا اغتسل من غير بول أو من غير استبراء بالخرطات ، هو الرّجل وأنّه يخرج من إحليله كذا ، ولا يمكننا الحكم باشتراك المرأة معه ، لاحتمال أن يكون للرجل خصوصيّة في ذلك ، حيث إن خلقته غير خلقة النِّساء ، ولعل مخرج البول فيهن بحيث لا يتخلّف فيه بقايا البول أو المني ، ومعه استصحاب عدم خروج المني منها هو المحكّم في حقِّها وإن لم تستبرئ بشي‌ء ، فلا يجب عليها الغسل عند دوران أمر الرّطوبة بين كونها منيّاً أو غير مني ، كما لا يجب عليها الوضوء عند دوران أمرها بين كونها بولاً أو غير بول ، لاستصحاب عدم خروج البول منها.

نعم ، إذا دار أمرها بين المني والبول وجب عليها الجمع بين الغسل والوضوء فيما إذا‌

١٧

[٦٩٠] مسألة ٧ : لا فرق في ناقضيّة الرّطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئاً بالخرطات أم لا ، وربما يقال : إذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه ، وهو ضعيف (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت متطهّرة ، ويجب عليها الوضوء فقط فيما إذا كانت محدثة بالأصغر قبل خروج الرّطوبة.

وأمّا الاستدلال على عدم وجوب الغسل على المرأة بخروج البلل المشتبه بصحيحة منصور وسليمان بن خالد المرويتين بعدّة طرق عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء ، قال عليه‌السلام : يعيد الغسل ، قلت : فالمرأة يخرج منها شي‌ء بعد الغسل؟ قال : لا تعيد ، قلت : فما الفرق بينهما؟ قال : لأنّ ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرّجل » (١) ونحوه الصحيحة الأُخرى.

فيدفعه : أنّهما خارجتان عن محل الكلام ، وذلك لأنّ موردهما بقرينة التعليل ما إذا علمت المرأة أنّ الرّطوبة الخارجة منها مني إلاّ أنّها متردّدة في أنّها منها أو من الرّجل ، لما بيّنا سابقاً أنّ المرأة تحتلم كالرّجل (٢) ، وقد حكم فيها الإمام بأنّها من الرّجل ولو لأجل غلبة ذلك ، ومحل الكلام ما إذا لم تعلم أنّ الرّطوبة مني منها أو غير مني ، ولا دلالة للرواية على أنّ المرأة عند احتمالها لكون الرّطوبة منيّاً أو مذياً لا يجب عليها الاغتسال.

لا فرق بين الاستبراء بالخرطات وعدمه‌

(١) قدّمنا الكلام على ذلك (٣) وقلنا إن التفصيل في المقام بين المتمكِّن من البول‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٠١ / أبواب الجنابة ب ١٣ ح ١ ، ٢.

(٢) تقدّم في فصل غسل الجنابة قبل المسألة [٦٤١].

(٣) في ص ٨.

١٨

[٦٩١] مسألة ٨ : إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة (١) الأقوى عدم بطلانه (*) ، نعم يجب عليه الوضوء بعده ، لكن الأحوط إعادة الغسل بعد إتمامه والوضوء بعده ، أو الاستئناف والوضوء بعده‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وغير المتمكِّن منه ممّا لم يقم عليه دليل ، ولم يرد في رواية ولو ضعيفة ، فالمطلقات الآمرة بالغسل عند ترك البول قبل الاغتسال محكّمة.

وأمّا ما في صحيحة البزنطي « وتبول إن قدرت على البول » (٢) فلا دلالة له على التفصيل بين المتمكن من البول وغيره ، وذلك لأنّها إنما تنهض حجّة على القول باشتراط الغسل بالبول قبله ، حيث تدل على صحّة الغسل ولو من غير بول ، وإلاّ لم يكن وجه لصحّته ممّن لا يقدر على البول.

وأمّا إذا قلنا بعدم الاشتراط وأنّ البول قبل الغسل فائدته عدم وجوب الغسل بعد خروج الرّطوبة المشتبهة فمن أين يستفاد منها أنّه إن لم يتمكن من البول لم يجب عليه الغسل ، وإن كان متمكناً وجب؟

فالصحيح أن يقال إنّ الصّحيحة إنّما وردت للدلالة على استحباب البول قبل الغسل في نفسه ، وأنّه إذا بال لم يجب عليه الغسل على تقدير خروج البلل المشتبه بعده ، فالتفصيل بين صورتي التمكّن وعدمه ممّا لا دليل عليه.

الإحداث بالأصغر في أثناء الغسل‌

(١) كما إذا اغتسل ترتيباً أو قلنا بمشروعيّة الغسل الارتماسي متدرجاً كما بنى عليه الماتن (٣) قدس‌سره ، وفي المسألة أقوال :

__________________

(*) بل الظاهر بطلانه ووجوب استئنافه وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، نعم إذا أعاد الغسل ارتماساً كان الاحتياط ضعيفاً جدّاً.

(١) الوسائل ٢ : ٢٤٧ / أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٣.

(٢) في المسألة [٦٦٥].

١٩

الأوّل : عدم بطلان الغسل بذلك ، بل يتمّه ويضمّ إليه الوضوء في أثنائه أو بعده ذهب إلى ذلك جماعة منهم المحقّق (١) قدس‌سره ، واختاره في المتن.

الثّاني : عدم بطلانه وإتمام الغسل من غير وجوب الوضوء معه ، وهذا القول أيضاً اختاره جماعة منهم المحقّق الثّاني (٢) قدس‌سره.

الثّالث : بطلان الغسل بالحدث في الأثناء ووجوب استئنافه من غير حاجة إلى ضمّ الوضوء إليه ، ذهب إليه الشيخ (٣) والصّدوق (٤) والعلاّمة (٥) والشّهيد (٦) قدس‌سرهم ، ونسبه بعضهم إلى المشهور (٧).

أمّا القول الأوّل فالوجه فيه أنّ الحدث في أثناء الغسل لم يدل دليل على كونه ناقضاً للغسل في الأجزاء السابقة منه ، فإنّ الأخبار الواردة في كيفيّة الغسل (٨) مع ورودها في مقام البيان ساكتة من بيان اعتبار عدم حدوث الحدث في أثنائه.

ودعوى أنّ الحدث كالبول بعد الغسل يبطل الغسل السابق ، فكيف لا يبطله فيما إذا وقع في أثنائه ، غير مسموعة لأنّ البول بعد الغسل لا يبطل الغسل ، وإنّما يمنع عن الدّخول في الصّلاة معه ، إلاّ أنّه وقع صحيحاً والجنابة قد ارتفعت به ، فلا يبطل به الغسل في الأجزاء السابقة منه ، ومع صحّتها يضمّ إليه غسل الأعضاء الباقية ، فهو غسل صحيح إلاّ أنّه يجب عليه الوضوء حينئذ للمطلقات الدالّة على أنّ الحدث سبب للوضوء وناقض للطّهارة ، وذلك في مثل قوله إن بلت فتوضّأ ، وإن نمت‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢ / الفصل الأوّل في الجنابة ، المعتبر ١ : ١٩٦ / أحكام الجنب.

(٢) رسائل المحقّق الكركي ١ : ٩٠ / الفصل الرّابع : الغسل.

(٣) النّهاية : ٢٢ ، المبسوط ١ : ٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ٤٩ / آخر باب صفة غسل الجنابة ، الهداية : ٢١.

(٥) منتهى المطلب ٢ : ٢٥٤ ، نهاية الإحكام ١ : ١١٤ / في لواحق الغسل ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢٤٦.

(٦) غاية المراد ١ : ٤٣ / المقصد الأوّل في الجنابة.

(٧) نسبه إلى المشهور ، الوحيد في حاشية المدارك على ما نقله في المستمسك ٣ : ١٢٧.

(٨) الوسائل ٢ : ٢٢٩ / أبواب الجنابة ب ٢٦.

٢٠