موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

[٧١٠] مسألة ١٠ : صاحبة العادة إذا رأت الدم مرّتين متماثلتين على خلاف العادة الاولى تنقلب عادتها إلى الثّانية (١) ، وإن رأت مرّتين على خلاف الاولى لكن غير متماثلتين يبقى حكم الاولى (*) ، نعم لو رأت على خلاف العادة الاولى مرّات عديدة مختلفة تبطل عادتها وتلحق بالمضطربة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صاحبة العادة إذا رأت الدم على خلاف عادتها‌

(١) فإذا كانت ترى الدم في الشهر الأوّل والثّاني من أوّله إلى خامسة وقد رأت في الشّهر الثّالث والرّابع من عاشره إلى مدّة معيّنة فتنقلب عادتها إلى الثّانية ، ففي الشّهر الخامس تأخذ بتلك العادة الحديثة ، فتجعل تلك الأيّام حيضاً من غير مراجعة الصفات والباقي استحاضة إذا كانت ذات عادة وقتيّة وعدديّة ، أو تجعل من أيّامها بعدد عادتها حيضاً والباقي استحاضة إذا كانت ذات عادة عدديّة وتجاوز دمها العشرة ، وقد ذكروا أنّ ذلك ممّا لا خلاف فيه ، وهو الصّحيح.

لأنّه كما لا نظن ولا نحتمل أحداً استشكل في انقلاب العادة العرفيّة بذلك ، مثلاً إذا فرضنا أنّ المرأة كانت ترى الدم سنة من أوّل الشهر إلى خامسة بحيث صدقت عليها « أيّامها » وعنوان « الوقت المعلوم » ثمّ كانت ترى الدم من خامسة إلى مدّة معيّنة أيضاً سنة ، فإنّها بعد تلك السنة الثّانية تأخذ بالعادة الثّانية لا محالة لصدق أنّها أيّامها ، وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في المقام ممّا لا شبهة فيه بحسب الكبرى ومصداقها العرفي فكذلك الحال في مصداقها التعبّدي الثابت بالموثقة والمرسلة ، فالعبرة إذن بالعادة المتصلة بالدم دون العادة الزائلة.

نعم ، لو رأت الدم على خلاف الشّهرين المتقدّمين مرّة واحدة فلا يكون ذلك موجباً لانقلاب عادتها ، بل في الشهر الرّابع تعامل بمقتضى عادتها السابقة قبل ذلك‌

__________________

(*) فيه إشكال والأحوط مراعاة أحكام ذات العادة والمضطربة.

١٦١

الشهر الواحد ، وذلك لإطلاق الموثقة وغيرها ممّا دلّت على أنّ اتفاق الدمين في الشّهرين عدّة أيّام سواء يوجب تحقّق العادة وصدق عنوان أيّامها ، وما ذكرناه لعله ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الكلام فيما إذا رأت في الشّهر الثّالث على خلاف الشهرين السابقين وكذا في الشّهر الرّابع إلاّ أنّ الدّمين فيهما في الشهر الثّالث والرّابع لم يكونا متساويين ، فإنّ ذلك وإن لم يكف في تحقّق العادة لما مرّ من أنّها إنّما تتحقّق برؤية الدم مرّتين متماثلتين إلاّ أنّ الكلام في أنّهما هل يوجبان ارتفاع عادتها السابقة بحيث تكون المرأة في الشهر الخامس مضطربة أو أنّ العادة السابقة لا ترتفع بذلك ، نعم ترتفع فيما إذا رأت مرّات مختلفة بحيث صدق أنّ المرأة مضطربة عرفاً.

ذهبوا إلى أنّ العادة السابقة لا ترتفع بذلك ولا تكون المرأة مضطربة برؤيتها الدم مرّتين غير متماثلتين على خلاف عادتها ، ولعلّ ذلك هو الصّحيح ، لإطلاق ما دلّ على تحقّق العادة برؤية الدم مرّتين وعدم تحقّقها برؤيتها مرّة واحدة ، حيث استفدنا من قوله عليه‌السلام في تفسير ما نقله عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ العادة تتحقّق برؤية الدم مرّتين فصاعداً ولا تتحقّق برؤيته مرّة واحدة (١).

على أنّ المسألة كما ذكروا ممّا لا خلاف فيه ، ولكن سيِّدنا الأُستاذ ( مدّ ظلّه ) احتاط في تعليقته الأنيقة على المتن ، نظراً إلى احتمال دلالة الموثقة (٢) بمفهومها على عدم بقاء عادتها السابقة بذلك ، لأنّ مفهومها أنّ الشّهرين إذا لم يتّفقا عدّة أيّام سواء فليست تلك بأيّامها ، وبما أنّ مفروضنا عدم اتّفاق الشّهرين عدّة أيّام سواء فلا تكون تلك الأيّام بأيّامها ، فإنّ احتمال ذلك يكفي فيما صنعه ( مدّ ظلّه ) من الاحتياط بالجمع بين أحكام ذات العادة والمضطربة. وإن كان احتمالاً ضعيفاً كما لا يخفى.

والوجه في ضعف ذلك هو أنّه لا مفهوم للموثقة لتدلّ على ارتفاع العادة السابقة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

١٦٢

حينئذ ، فإنّ مفهومها سالبة بانتفاء موضوعها ، ومقتضاه أنّ المرأة إذا رأت الدم شهرين مختلفين فليست تلك الأيّام بأيّامها ، وأمّا أنّ العادة السابقة ترتفع بذلك فلا يستفاد منها بوجه. فدعوى أنّ الموثقة تدل على أنّ المرأة إذا رأت الدم مرّتين مختلفتين على خلاف عادتها السالفة ترتفع بذلك العادة السابقة ساقطة لا يعتنى بها.

والصحيح في الحكم بارتفاع العادة السابقة أن يستدل بمعتبرة يونس المتقدّمة ، حيث إنّها بعد ما دلّت على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّ في الحيض ثلاث سنن وبيّنت أقسامها وشقوقها ، دلّت على أنّ ذات العادة إذا تغيّرت عادتها ورأت مرّة زائدة ومرّة ناقصة فهي مضطربة لا بدّ من أن ترجع إلى الصفات وإقبال الدم وإدباره أي زيادته وقلّته المعبر عنه بالدم البحراني ، وذلك حيث ورد في ذيلها وإن اختلط عليها أيّامها وزادت أي مرّة ونقصت أي مرّة أُخرى حتّى لا تقف منها على حدّ ولا من الدم على لون ، عملت بإقبال الدم وإدباره وليس لها سنّة غير هذا ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة وإذا أدبرت فاغتسلي ، ولقوله عليه‌السلام « إنّ دم الحيض أسود يعرف كقول أبي إذا رأيت الدم البحراني » الحديث (١).

ومقتضى ذلك الحكم بارتفاع العادة برؤية الدم مرّتين مختلفتين وكون المرأة مضطربة ، إلاّ أنّ المسألة لمّا كانت إجماعيّة حيث نقلوا عدم الخلاف في عدم انقلاب العادة برؤية الدم مرّتين مختلفتين كان الاحتياط بالجمع بين أحكام ذات العادة والمضطربة في محله وموقعه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٨ / أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

١٦٣

[٧١١] مسألة ١١ : لا يبعد تحقّق العادة المركّبة ، كما إذا رأت في الشهر الأوّل ثلاثة وفي الثّاني أربعة وفي الثّالث ثلاثة وفي الرّابع أربعة أو رأت شهرين متواليين ثلاثة وشهرين متواليين أربعة ثمّ شهرين متواليين ثلاثة وشهرين متواليين أربعة ، فتكون ذات عادة على النحو المزبور ، لكن لا يخلو عن إشكال خصوصاً في مثل الفرض الثّاني ، حيث يمكن أن يقال إنّ الشّهرين المتواليين على خلاف السابقين يكونان ناسخين للعادة الاولى ، فالعمل بالاحتياط أولى (*) (١).

نعم ، إذا تكرّرت الكيفيّة المذكورة مراراً عديدة بحيث يصدق في العرف أنّ هذه الكيفيّة عادتها وأيّامها لا إشكال في اعتبارها ، فالإشكال إنّما هو في ثبوت العادة الشرعيّة بذلك ، وهي الرؤية كذلك مرّتين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقسام العادة

العادة المركّبة‌

(١) العادة قد تكون بسيطة عدديّة أو وقتيّة كما إذا رأت الدم في وقت معيّن مرّتين أو عدداً معيّناً كذلك ، وقد تكون مركّبة كما إذا رأت ثلاثة أيّام مرّة وأربعة أيّام اخرى ، وأيضاً رأت ثلاثة مرّة وأربعة اخرى وهكذا ، بأن كانت عادتها مركّبة من ثلاثة وأربعة ، ففي المرّة الفرد ثلاثة وفي الزّوج أربعة بمعنى أنّه في المرّة الأُولى والثّالثة والخامسة والسّابعة وهكذا ثلاثة ، وفي المرّة الثّانية والرّابعة والسّادسة وهكذا أربعة فهل يكفي ذلك في تحقّق العادة فترجع في الشهور الفرديّة إلى ثلاثة أيّام وفي الزّوج إلى أربعة ، أو أنّها ليست بذات عادة بل مضطربة؟

فصّل الماتن قدس‌سره بين ما إذا تكرّرت الكيفيّة المذكورة مراراً عديدة كسنة أو أقل أو أكثر بحيث صدق عرفاً أنّ هذه الكيفيّة عادتها وأيّامها فلا إشكال في اعتبارها ، وبين ما إذا لم تتكرّر الكيفيّة المزبورة كذلك كما إذا رأت في الشهر الأوّل‌

__________________

(*) لا يترك الاحتياط حتّى إذا تكرّرت الكيفيّة المذكورة مرارا.

١٦٤

ثلاثة أيّام وفي الشهر الثّاني أربعة وفي الشهر الثّالث ثلاثة وفي الشهر الرّابع أربعة وهكذا ، أو رأت في الشهرين ثلاثة وفي الشهرين أربعة وهكذا ، فإنّ ثبوت العادة بذلك لا يخلو عن الإشكال ولا سيما في الفرض الأخير ، لأنّ الرؤية مرّتين ممّا يحقّق عادة جديدة وتكون ناسخة للعادة السابقة فالعمل بالاحتياط أولى هذا.

والصحيح عدم تحقّق العادة المركّبة مطلقاً ، وذلك لقصور المقتضي ووجود المانع.

أمّا عدم تماميّة المقتضي فلأن غاية ما يمكن أن يستدل به على كفاية العادة المركّبة دعوى أنّ الأيّام الواردة في الرّوايات مطلقة ، فكما أنّها تشمل العادة البسيطة فيما إذا رأت عدداً أو وقتاً معيّناً شهرين فصاعداً كذلك تشمل العادة المركّبة فيما إذا رأت ثلاثة في الشهور الفردة وأربعة أيّام في الأزواج مثلاً ، فيقال إنّ أيّامها ثلاثة في الأفراد وأربعة في الأزواج.

ويدفعه : أنّ الظّاهر من كلمة « أيّامها » الواردة في الرّوايات هو الأيّام المضبوطة والمعيّنة ، لأنّها الّتي يصدق عليها « الوقت المعلوم » دون غيرها ، ولا أقل من كونها محتملة لذلك ، ولا تصدق الأيّام المضبوطة المعيّنة على ما إذا رأت ثلاثة في شهر وأربعة في آخر ، ولا تكون الثّلاثة أيّامها المضبوطة ، ولا الأربعة كذلك ، فلو أُريد من « أيّامها » أعم من المضبوطة المعيّنة وغيرها للزم الالتزام بتحقّق العادة فيما إذا رأت في شهر خمسة أيّام وفي شهر آخر ستّة وفي شهر ثالث سبعة ، بدعوى أنّ عادتها التحيّض بما لا يزيد عن السبعة ولا ينقص عن الخمسة ، فأيّامها أحد الأيّام الثّلاثة في شهر خمسة وفي شهر ستّة وفي ثالث سبعة ، ولا نحتمل أحداً يلتزم بتحقّق العادة بذلك ، وإنّما هي مضطربة. وليس هذا إلاّ من جهة أنّ المدار على الأيّام المعيّنة المضبوطة ، وعليه فلا يكون شي‌ء من الثّلاثة ولا الأربعة أيّاماً معيّنة لها ، بل تكون بذلك مندرجة في المضطربة.

وأمّا وجود المانع فلأنا لو سلّمنا تماميّة المقتضي في نفسه وشمول « أيّامها » بإطلاقه على كلّ من العادة البسيطة والمركّبة فلا مانع من تقييده بالعادة البسيطة بالمرسلة والموثقة ، وذلك لأنّ ظاهر الموثقة موثقة سماعة (١) أنّ العادة العدديّة إنّما تتحقّق‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

١٦٥

[٧١٢] مسألة ١٢ : قد تحصل العادة بالتمييز (*) كما في المرأة المستمرة الدم إذا رأت خمسة أيّام مثلاً بصفات الحيض في أوّل الشهر الأوّل ثمّ رأت بصفات الاستحاضة ، وكذلك رأت في أوّل الشهر الثّاني خمسة أيّام بصفات الحيض ثمّ رأت بصفات الاستحاضة ، فحينئذ تصير ذات عادة عدديّة وقتيّة ، وإذا رأت في أوّل الشهر الأوّل خمسة بصفات الحيض وفي أوّل الشهر الثّاني ستّة أو سبعة مثلاً فتصير حينئذ ذات عادة وقتيّة ، وإذا رأت في أوّل الشهر الأوّل خمسة مثلاً وفي العاشر من الشهر الثّاني مثلاً خمسة بصفات الحيض فتصير ذات عادة عدديّة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

برؤية الدم شهرين أي مرّتين على حدّ سواء ، وظاهرها الشهران المتّصلان ، ولا إشكال في عدم تحقّق رؤية الدم على حدّ سواء شهرين متصلين في العادة المركّبة ، وإنّما ترى المرأة فيها الدم شهرين غير متّصلين ، ولا يصدق أنّها رأت ثلاثة أيّام في شهرين على حدّ سواء ، وهكذا في الأربعة.

وكذلك الحال في المرسلة (٢) بل دلالتها على ذلك أصرح من الموثقة ، حيث صرّحت بأن العادة الوقتيّة إنّما تتحقّق بحيضتين متواليتين فصاعداً ، فبهاتين الرّوايتين تقيّد الأيّام بالأيّام المتوالية بحسب الشهرين أو المرّتين ، وهذا لا يتحقّق في العادة المركّبة مطلقاً حتّى فيما إذا تكرّرت منها تلك الكيفيّة مدّة مديدة بحيث صدق عرفاً أنّ الكيفيّة المذكورة عادتها وأيّامها ، وذلك لعدم رؤيتها الدم شهرين متواليين على حدّ سواء ، فهي مضطربة من أوّل ما رأت الدم بتلك الكيفيّة ، وحيث إنّ الأصحاب ذهبوا إلى كفاية العادة المركّبة فالاحتياط بالجمع بين أحكام المضطربة وذات العادة ممّا لا ينبغي تركه.

ما تتحقّق به العادة‌

(١) لأنّ العادة قد تحصل بالوجدان كما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام مثلاً في كلا‌

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وسيأتي منه قدس‌سره المنع من الرّجوع إلى العادة الحاصلة من التمييز مع وجود الصفات في غيره.

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

١٦٦

الشهرين أو رأته في أوّل الشّهرين عدداً مختلفاً ، وقد تحصل بالتمييز وبالصفات كما إذا تجاوز دمها العشرة في كلا الشهرين ولكن خمسة من كلّ منهما كان بصفات الحيض فاتخذت الخمسة عادة عدديّة بالصفات لا بالوجدان ، أو أنّها رأت الدم زائداً على العشرة في كليهما إلاّ أنّه كان في أوّل الشهرين بصفات الحيض أو في وسطهما أو في آخرهما فحصلت لها العادة الوقتيّة بالصفات.

ولا يبعد أن يكون تحقّق العادة بالتمييز هو المعروف بينهم ، وذلك لأنّ الأمارات تقوم مقام العلم الطريقي ، والصفات أمارات شرعيّة على الحيض ، فلا محالة تقوم مقام العادة الحاصلة بالوجدان.

وعن شيخنا الأنصاري قدس‌سره الاستشكال في كبرى تحقّق العادة بالتمييز على نحو الموجبة الجزئيّة ، وهي ما إذا كانت الأمارة القائمة على الحيض مختلفة في الشهرين ومرّتين ، بأن رأت الدم زائداً على العشرة في كلا الشهرين ، إلاّ أنّها جعلت الخمسة الأُولى منها حيضاً في الشهر الأوّل لكونه أسود والخمسة الثّانية فصاعداً أحمر ، والسواد أمارة الحيض ، وجعلت الخمسة الاولى من الشهر الثّاني حيضاً لكونه أحمر والخمسة بعدها فصاعداً أصفر ، والحُمرة علامة الحيض لا محالة ، فكون عادتها في الشهرين خمسة أيّام إنّما ثبتت بالسواد والحمرة ، وهما أمارتان مختلفتان (١).

والاستشكال في هذه الصّورة من جهة عدم صدق رؤية الدم في الشهرين على حدّ سواء ، غير أنّه قدس‌سره إنّما استشكل في تحقّق العادة بالتمييز في هذه الصّورة من دون ما إذا كانت الأمارتان في الشهرين متماثلتين.

إلاّ أنّ هذا التفصيل ممّا لا وجه له ، لأنّ الدليل إنّما قام على اعتبار كون الدمين في الشّهرين متساويين من حيث الوقت أو العدد ، وأمّا كونهما متساويين متماثلين حتّى من حيث الأمارة القائمة عليهما ، فلا دليل عليه ، بل يمكن أن تكون الإمارة في كلّ شهر على الحيضيّة غير الأمارة القائمة في الشهر الآخر ، فلا يعتبر التساوي من حيث‌

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ١٩٩ السطر ٨ / المقصد الثّاني في الحيض.

١٦٧

السبب ، ومن هنا لو رأت الدم ثلاثة أيّام في أحد الشّهرين بالوجدان ورأت في الشهر الثّاني زائداً على العشرة ولكن كانت ثلاثة أيّام منها بصفات الحيض تتحقّق العادة بضمّ الوجدان إلى التعبد لو قلنا بثبوت العادة بالتمييز.

فإذن الأمر يدور بين أن نلتزم بثبوت العادة بالتمييز مطلقاً وإن كانت الأمارة القائمة على الحيضيّة مختلفة في الشّهرين بحيث لو تجاوز دمها العشرة في الشهر الثالث اتّخذت عادتها الثّابتة بالتمييز حيضاً والباقي استحاضة ، وبين أن لا نقول بتحقّق العادة بالتمييز مطلقاً ، ففي الشهر الثّالث لو تجاوز دمها العشرة أيضاً ترجع إلى التمييز بالصفات ، فما كان بصفات الحيض ، جعلته حيضاً وإن كان أقل أو أكثر ممّا رأته في الشّهرين المتقدّمين ، ولا ترجع إلى العادة الثّابتة بالتمييز ، كما التزم به الماتن قدس‌سره في أوّل مسألة من مسائل تجاوز الدم العشرة وسيأتي أنّه ممّا ينافي ما ذكره في المقام.

وكيف كان ، التفصيل المتقدّم عن شيخنا الأنصاري قدس‌سره ممّا لا وجه له ، وظاهر الجواهر التنظر في تحقّق العادة بالتمييز مطلقاً إن لم يكن إجماع متحقّق (١).

والصحيح عدم تحقّق العادة بالتمييز مطلقاً ، ولم يقم إجماع تعبدي على تحقّق العادة بذلك بحيث يصل إليهم يداً بيد عن المعصومين عليهم‌السلام ، لأنّ حكمهم هذا أمر موافق للقاعدة لقيام الأمارة مقام القطع الطريقي كما عرفت ، وحيث إنّ الصفات أمارة الحيض فذهبوا إلى أنّ الأمارة تقوم مقام القطع بتحقّق العادة لا محالة ، ومعه كيف يكون الإجماع تعبديّاً ، وإنّما هو مدركي فلا بدّ من ملاحظة ذلك المدرك.

ولا نريد بإنكار تحقّق العادة بالتمييز المنع عن قيام الأمارة مقام القطع الطريقي ، بل نلتزم بذلك ، ومن هنا لو كانت المرأة ذات عادة إلاّ أنّها نسيتها في الشهر الثّالث وقامت الأمارة على أنّها كانت خمسة أيّام مثلاً أو أنّ عادتها كانت التحيض من أوّل الشهر كانت الأمارة حجّة ، وبها تثبت عادتها لا محالة. وإنّما غرضنا أنّ العادة لا تتحقّق بالصفات ، بل يعتبر فيها ان تتحقّق بالوجدان ، لا أنّ الأمارة لا تقوم مقام‌

__________________

(١) الجواهر ٣ : ١٧٨ / الفصل الثّاني في الحيض.

١٦٨

القطع الطريقي.

وقبل الشّروع في بيان الدليل على هذا المدّعى ننبّه على أنّ كلام الماتن قدس‌سره في هذه المسألة حيث حكم بتحقّق العادة بالتمييز مناف لما يأتي منه قدس‌سره في المسألة الاولى من فصل حكم تجاوز الدم عن العشرة ، حيث منع فيها عن الرّجوع إلى العادة الحاصلة بالتمييز عند تجاوز الدم عن العشرة ، وحكم بالرجوع إلى العادة الحاصلة بالوجدان ، إذ لو كانت العادة الحاصلة بالتمييز كالعادة الحاصلة بالوجدان لم يكن وجه للمنع عن الرّجوع إليها.

وكيف كان إنّ مقتضى موثقة سماعة ومرسلة يونس المتقدّمتين (١) حصر تحقّق العادة بما إذا أُحرز بالوجدان الدم في شهرين على حدّ سواء من دون أن يتجاوز دمها العشرة. فذات العادة وقعت في مقابل من تجاوز دمها العشرة ، فلا عادة لمن تجاوز دمها العشرة ، وإنّما هي منحصرة بمن رأت انقطاع الدم في شهرين على حدّ سواء بالوجدان.

وتفصيل الكلام في ذلك أنّ الأدلّة الواردة في أنّ المرأة ترجع إلى عادتها وأيّامها فيما إذا تجاوز دمها العشرة وإن كانت كغيرها من الأدلّة متكلّفة لإثبات الحكم على الموضوع الواقعي ، وهو قد يثبت بالتعبّد فلا تكون الأيّام حينئذ بمعنى الأيّام المعلومة والثّابتة بالقطع والوجدان ، إلاّ أنّ مقتضى الإطلاقات الآمرة بالرّجوع إلى الصفات أنّ المرأة لا بدّ وأن تميّز الحيض بالصفات ، وقد خرجنا عن إطلاقها في المرأة ذات العادة أي المرأة الّتي تثبت لها العادة بالوجدان ، فإنّها ترجع إلى عادتها وتجعلها حيضاً والباقي استحاضة وإن كان بصفة الحيض ، وأمّا ذات العادة بالتمييز فلم يقم دليل على رجوعها إلى عادتها عند تجاوز دمها العشرة ، فالإطلاقات فيها محكمة ولا مناص من أن ترجع إلى الصفات في الشهر الثّالث أيضاً ، كما كانت ترجع إليها في الشهرين المتقدّمين.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ١ و ٢.

١٦٩

والوجه في ذلك أنّ الموثقة والمرسلة المتقدّمتين إنّما دلّتا على أنّ المرأة غير المستحاضة أي غير من تجاوز دمها العشرة إذا رأت الدم شهرين متساويين عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها ، فلو استحيضت أي رأت الدم زائداً على العشرة بعد ذلك تأخذ عادتها حيضاً والباقي استحاضة ، وأمّا المرأة الّتي رأت الدم زائداً على العشرة من الابتداء فهي خارجة عن مدلولهما.

ففي المرسلة عبّر بكلمة « ثمّ » في قوله « فالحائض الّتي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثمّ استحاضت فاستمرّ بها الدم ... » (١) وفي الموثقة سأل « عن الجارية البكر أوّل ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : فلها أن تجلس وتدع الصّلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها » (٢).

حيث إنّها دلّت على ثبوت العادة برؤية الدم مرّتين متساويتين في البكر الّتي ترى الدم في أوّل ما تراه في الشهرين أقل من عشرة أيّام كثلاثة أو أربعة ، فالّتي ترى الدم في أوّل ما تراه زائداً على العشرة خارجة عن مدلول الموثقة ، وإطلاقات وجوب الرّجوع إلى الصفات محكمة في حقّها.

وعلى الجملة إنّ مقتضى الإطلاقات والموثقة والمرسلة عدم كفاية العادة الحاصلة بالتمييز في تحقّق العادة ، لعدم الدليل على كفاية الصفات في ذلك ، فعدم قيام هذه الأمارات مقام القطع الطريقي مستند إلى قصور الدليل في خصوص المقام لا أنّ الأمارة لا تقوم مقام القطع الطريقي.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

١٧٠

[٧١٣] مسألة ١٣ : إذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النّقاء في البين فهل العادة أيّام الدم فقط أو مع أيّام النّقاء أو خصوص ما قبل النّقاء؟ الأظهر الأوّل (*). مثلاً إذا رأت أربعة أيّام ثمّ طهرت في اليوم الخامس ثمّ رأت في السّادس ، كذلك في الشهر الأوّل والثّاني فعادتها خمسة أيّام لا ستّة ولا أربعة فإذا تجاوز دمها رجعت إلى خمسة متوالية وتجعلها حيضاً ، لا ستّة ولا بأن تجعل اليوم الخامس يوم النّقاء والسّادس أيضاً حيضاً ولا إلى الأربعة (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النّقاء بين الحيضتين‌

(١) بأن رأت الدم في كلّ واحد من الشّهرين أربعة أيّام مثلاً وحصل النّقاء في اليوم الخامس ثمّ رأت الدم في اليوم السّادس أيضاً ، فهل تجعل أيّامها ستّة ، أعني مجموع أيّام الدم والنّقاء ، أو أنّ عادتها خمسة أيّام بإسقاط يوم النّقاء أو أنّ عادتها أربعة أيّام ، أعني ما رأته قبل النّقاء فحسب؟

ذهب الماتن قدس‌سره إلى أنّ عادتها هي أيّام الدم وهي خمسة ، دون ما قبل النّقاء أو المجموع. أمّا ما أفاده من أنّ أيّام العادة ليست هي أيّام الدم قبل النّقاء فحسب فهو كما أفاده لأنّ تخصيص الحيض بها بلا مخصّص ، فإنّه عبارة عن دم الحيض أو حدثه ، وكلاهما زائدان عن الأربعة في المثال ، وإنّما الكلام في أنّ عادتها هل هي أيّام الدم المركّبة ممّا تقدّم على النّقاء وما تأخّر عنه دون يوم النّقاء ، أو أنّ عادتها مجموع أيّام الدم والنّقاء؟

والظّاهر أنّ النّزاع في هذه المسألة يبتني على الخلاف المتقدِّم من أنّ النّقاء في أثناء الحيضة الواحدة طهر أو ملحق بما سبقه ولحقه من الدم (٢) ، فعلى ما ذهب إليه صاحب الحدائق قدس‌سره واحتاط فيه الماتن من عدم كون يوم النّقاء من‌

__________________

(*) بل الأظهر الثّاني ورعاية الاحتياط أولى.

(١) تقدّم في الصفحة ١٣٥.

١٧١

الحيض بحمل ما ورد من أنّ أقلّ الطّهر عشرة أيّام على ما بين الحيضتين دون أثناء الحيضة الواحدة لا بدّ من أن يلتزم بما أفاده الماتن قدس‌سره من جعل العادة هي أيّام الدم فحسب دون المجموع منها ومن يوم النّقاء ، لأنّ أيّام الدم هي أيّام قعودها وجلوسها الّتي ترجع إليها عند زيادة دمها على العشرة ، دون يوم النّقاء لأنّها فيه طاهرة.

وأمّا بناءً على ما قوّيناه من أن يوم النّقاء ملحق بما سبقه ولحقه من أيّام حيضها وأنّه لا وجه لتقييد ما دلّ على أنّ أقلّ الطّهر عشرة أيّام بالحيضتين المستقلّتين فالعادة هي المجموع من أيّام الدم وأيّام النّقاء ، لأنّه أيّام قعودها وجلوسها لا خصوص أيّام دمها.

وتوضيح ذلك : أنّ ظاهر « أيّامها » الّتي ترجع إليها المرأة عند تجاوز دمها العشرة هو أيّام قعودها وجلوسها ، وهي أعم من أيّام الدم ويوم النّقاء إذا قلنا بكونه بحكم الحيض ، ثمّ لو تنازلنا عن ذلك وقلنا إنّها ظاهرة في أيّام الدم أو أنّها مجملة في نفسها فهناك جملة من الأخبار قد وردت في أنّ الأيّام الّتي ترجع إليها المرأة عند تجاوز دمها العشرة هي أيّام قعودها وجلوسها.

منها : موثقة سماعة قال : « سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل ، قال : تقعد أيّامها الّتي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام الّتي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ثمّ هي مستحاضة » (١).

ومنها : صحيحة الصحّاف قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أُمّ ولدي إلى أن قال وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الّذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنّه من الحيضة ، فلتمسك عن الصّلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها » الحديث (٢).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٢ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٣٠ / أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٣.

١٧٢

ومنها : صحيحة أو موثقة يونس بن يعقوب (١) فراجع.

ومنها : غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ المراد من الأيّام أيّام قعودها وجلوسها (٢) ، وقد عرفت أنّها أعمّ من أيّام الدم والحدث.

وعليه فإذا قلنا أنّ يوم النّقاء محكوم بحكم الحيض كما بنينا عليه فأيّامها ستّة في المثال ، لأنّها الّتي كانت تقعد فيها ، أي هي أيّام قعودها. وأمّا إذا قلنا أنّ يوم النّقاء يوم طهر كما بنى عليه صاحب الحدائق قدس‌سره فأيّامها خمسة في المثال ، لأنّها الّتي كانت تقعد فيها ، وأمّا اليوم الخامس فهو يوم طهر لا يوم حدث ولا دم ، هذا كلّه في ذات العادة العدديّة.

وأمّا ذات العادة الوقتيّة كما إذا رأت أربعة أيّام من أوّل الشهر وانقطع يوم الخامس ثمّ عاد اليوم السّادس فقط ، ورأت كذلك في الشهر الثّاني إلاّ أنّها رأت بعد اليوم الخامس يومين ففي هذه الصّورة إن قلنا بأنّ كلمة « أيّامها » الّتي لا بدّ من أن ترجع إليها المرأة عند تجاوز دمها العشرة ظاهرة في أيّام قعودها وجلوسها فأيضاً يأتي التفصيل المتقدّم ، فعلى القول بأن يوم النّقاء محكوم بالحيض فأيّامها الّتي كانت تقعد فيها ستّة لا محالة ، وأمّا إذا قلنا بكونه يوم طهر فأيّامها الّتي تقعد فيها خمسة.

وكذلك الحال فيما إذا قلنا بإجمالها لتردّدها بين أيّام الدم والأعم منها ومن أيّام الحدث ، إذ لنا أن نرجع حينئذ إلى مرسلة يونس الطويلة (٣) المشتملة على الأمر بالرّجوع إلى أيّام أقرائها عند تجاوز دمها العشرة ، والأقراء جمع قرء وهو أعم من الدم والحدث ، فعلى القول بأن يوم النّقاء طهر فلا محالة تكون أيّامها خمسة في المثال لأنّ اليوم الخامس ليس بيوم الحدث ولا الدم.

كما لا يمكن الحكم بكون الصفرة فيه حيضاً تمسّكاً بما دلّ على أنّ الصّفرة في أيّام العادة حيض ، وذلك لعدم كون النّقاء من أيّام عادتها وإنّما هو يوم طهر.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٣ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٠ / أبواب الحيض ب ١٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٦ / أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

١٧٣

[٧١٤] مسألة ١٤ : يعتبر في تحقّق العادة العدديّة تساوي الحيضتين (١) وعدم زيادة إحداهما على الأُخرى ولو بنصف يوم أو أقل ، فلو رأت خمسة في الشهر‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نعم لا مانع من التمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته باعتبار إبراهيم بن هاشم أو الموثقة باعتبار حماد الواقع في سندها ، قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها فقال : لا تصلِّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت » (١) حيث دلّت على أنّ الصفرة الّتي تراها المرأة محكومة بالحيض ما دام لم تنقض أيّامها ، وعليه فإذا رأت المرأة صفرة في اليوم الخامس مثلاً فضلاً عن الدم في الشهر الثّالث فلا بدّ من الحكم بكونه حيضاً ، لأنّها تراها في وقت لم تنقض أيّامها لبداهة أنّها في اليوم الخامس لا يصحّ أن يقال : إنّ أيّامها انقضت ، لأنّها ترى الدم بعد ذلك يوماً أو يومين.

وعليه ففي العادة الوقتيّة لا بدّ من الحكم بأنّ عادتها هي مجموع أيّام الدم والنّقاء من غير تفصيل بين كون النّقاء طهراً أم حيضاً. وأمّا في العادة العدديّة فلا بدّ من التّفصيل بين المسلكين ، فعلى مسلكنا تكون عادتها هي مجموع أيّام الدم والنّقاء وعلى مسلك صاحب الحدائق قدس‌سره هي أيّام الدم فحسب.

تساوي الحيضتين في العدديّة‌

(١) نسب إلى بعضهم عدم كون الزّيادة بساعة أو ساعتين أو أكثر مانعة عن تحقّق العادة العدديّة ما لم تبلغ اليوم ، وذلك بدعوى أنّ المدار في العادة العدديّة على تساوي الشهرين من حيث عدد الأيّام ولا اعتبار بتساويهما من حيث السّاعات ، فلو رأت في أحد الشّهرين خمسة أيّام وفي الشهر الآخر خمسة أيّام ونصف يوم صدق أنّ المرأة رأت الدم في الشهر الثّاني بعدد لا يزيد عن عدد الأيّام في الشهر السابق بيوم وهي خمسة أيّام ونصف.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

١٧٤

الأوّل وخمسة وثلث أو ربع يوم في الشّهر الثّاني لا تتحقّق العادة من حيث العدد. نعم لو كانت الزّيادة يسيرة لا تضرّ. وكذا في العادة الوقتيّة تفاوت الوقت ولو‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولكن الصحيح ما هو المعروف بينهم من اعتبار التّساوي من حيث العدد في العادة العدديّة وعدم تحقّقها عند زيادة إحدى الحيضتين على الأُخرى ولو بنصف يوم.

والوجه في ذلك : أنّ الموثقة (١) دلّت على أنّ العادة العدديّة إنّما تتحقّق فيما إذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء ، ولا إشكال في عدم صدق ذلك عند رؤيتها الدم في شهر خمسة أيّام وفي شهر آخر خمسة أيّام ونصف ، لأنّ الأيّام كغيرها من الموجودات فكما أنّ أحداً إذا ملك خمسة دنانير مثلاً وملك الآخر خمسة دنانير ونصفاً لا يصدق أنّهما متّفقان في عدد ما يملكانه ، بل يقال إنّ أحدهما ملك خمسة دنانير ونصفاً وملك الآخر خمسة دنانير ، فكذلك الحال في المقام ، فلا يصدق في المثال أنّها رأت الدم في الشهرين عدّة أيّام سواء.

نعم ، الزّيادة اليسيرة بمقدار لا ينافي صدق اتّحاد الحيضتين من حيث العدد عرفاً غير مضرة ، لتحقّق العادة العدديّة بذلك ، كما إذا زاد أحد العددين عن الآخر بخمس دقائق ونحوها ، وذلك للقرينة الخارجيّة وهي القطع بعدم إرادة تساوي الحيضتين تساوياً عقليّاً بحسب العدد بحيث يضرّها الاختلاف ولو بزيادة أحدهما على الآخر بخمسة دقائق بل بدقيقة ، لعدم تحقّق ذلك في الخارج أصلاً ، ولو كان أمراً متحقّقاً فهو من الندرة بمكان لا يمكن حمل الموثقة عليه.

على أنّ السّاعات الدقيقة لم تكن موجودة في أزمنة صدور هذه الأخبار ، وإنّما المرأة كانت ترى الدم بعد طلوع الشّمس في شهر بمقدار ما وكانت تراه في الشهر الآخر بعد طلوعها بمقدار تظن أنّه عين المقدار السابق في الشهر الأوّل أو الحيضة الأُولى ، ولم يكن حينئذ طريق إلى حساب ساعات الدم وأيّامه على وجه دقيق عقلي‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

١٧٥

بثلث أو ربع يوم يضرّ ، وأمّا التّفاوت اليسير فلا يضرّ ، لكن المسألة لا تخلو عن إشكال ، فالأولى مراعاة الاحتياط (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا سيما في القرى والبوادي ، ومعه يزيد بحسب المتعارف أحد العددين على الآخر بمثل خمس دقائق أو أقل أو أكثر لا محالة. هذا كلّه في العادة العدديّة.

التساوي بين الحيضتين في الوقتيّة‌

(١) ظهر الحال في العادة الوقتيّة ممّا قدّمناه في العدديّة ، وعلم أنّ التّساوي بين الحيضتين تساوياً عقليّاً غير معتبر في الوقتيّة أيضاً ، وذلك لأنّ الوجه المتقدّم في العدديّة وهي ندرة تساويهما أو عدم تحقّقه وإن لم يأت في العادة الوقتيّة حيث إن الوقتيّة إذا لم تتساو الحيضتان فيها تساوياً عقلياً في أوّلها ، كما إذا رأت في إحداهما من أوّل الشهر خمسة أيّام وفي الأُخرى بعده أو قبله بساعات أو بيوم إلى خمسة أيّام فهما تتساويان لا محالة في وسطهما أو في آخرهما ، لأنّ اليوم الثّالث والرّابع والخامس متّحدان في كلتا الحيضتين من حيث رؤية الدم ، فلا حاجة إلى تساويهما من حيث أوّلهما إلاّ أنّ معتبرة يونس (١) الّتي دلّت على أنّ المرأة ترجع إلى أيّامها وتجعلها حيضاً في الشّهر الثّالث لا بدّ من حملها على إرادة الأيّام العرفيّة من « أيّامها » كما هو الحال في غيرها من الألفاظ ، ولا يحمل على إرادة ما يصدق عليه الأيّام لدى العقل بل الصدق العرفي كاف في تحقّقها ، ومن الظّاهر أنّ « أيّامها » يصدق عند اختلاف الحيضتين بخمس دقائق ونحوها ، فالمتحصل أنّ الزّيادة اليسيرة الّتي لا تمنع عن صدق عنوان « أيّامها » غير مخلّة بالعادة بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

١٧٦

[٧١٥] مسألة ١٥ : صاحبة العادة الوقتيّة سواء كانت عدديّة أيضاً أم لا تترك العبادة بمجرّد رؤية الدم في العادة (١)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وظائف صاحبة العادة الوقتيّة‌

(١) أمّا إذا كان الدم واجداً لصفات دم الحيض من الخروج بالدفع والحرارة والسواد وغيرها فلأنّ وجدان الصّفات في غير أيّام العادة يقتضي الحكم بالحيضيّة فضلاً عمّا إذا كان في أيّام العادة. وأمّا إذا لم يكن الدم واجداً للصفات كما إذا كان صفرة فلأجل الأخبار الواردة في أنّ الصفرة في أيّام العادة حيض ، وإليك بعضها :

منها : حسنة أو صحيحة محمّد بن مسلم قال « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : لا تصلِّي حتّى تنقضي أيّامها » الحديث (١).

ومنها : مرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حديث « وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض » الحديث (٢).

ومنها : موثقة الجُعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ ، وإن

كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت » (٣).

ومنها : ما عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال « سألته عن المرأة ترى الصفرة أيّام طمثها كيف تصنع؟ قال : تترك لذلك الصّلاة بعدد أيّامها الّتي كانت تقعد في طمثها ثمّ تغتسل وتصلّي » الحديث (٤).

ومنها : مضمرة معاوية بن حُكَيم قال « قال : الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض ليس من الحيض ، وهي في أيّام الحيض الحيض » (٥) ولعلّه‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٨ / أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٧.

(٥) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٦ ، وفي بعض النسخ « حيض » بدون الألف واللاّم.

١٧٧

أو مع تقدّمه (١) أو تأخّره يوماً أو يومين أو أزيد على وجه يصدق (*) عليه تقدّم‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سقطت من الرّواية كلمة ( من ) بين كلمتي الحيض ، كما ذكرها في صدرها ، قال : « الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، أو أنّ الألف واللاّم في الحيض الثّاني زائدة.

ومنها : ما عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال « سألته عن المرأة ترى الدم إلى أن قال فإن رأت صفرة في أيّام طمثها تركت الصّلاة كتركها للدم » (٢). وهذه الرّواية أُسندت في الطبع الأخير من الوسائل إلى علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام وجاءت هكذا : « وعنه ، عن علي بن جعفر ... » ولكن في طبع عين الدولة جاءت هكذا : « عنه ، عن علي بن محمّد ، عن علي بن جعفر » فليراجع.

ومنها : مرسلة المبسوط قال « روي عنهم عليه‌السلام أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض ، وفي أيّام الطّهر طهر » (٣). إلى غير ذلك من الأخبار (٤) ، وبعضها وإن لم يمكن الاستدلال بها لضعف سندها أو إضمارها أو إرسالها ، إلاّ أنّ في بعضها الآخر غنى وكفاية مؤيّداً بالبعض الآخر الضعيف. هذا على أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها ، فالمهم التكلّم في تقدّم الدم على العادة وتأخّره عنه بيوم أو يومين أو أزيد.

تأخّر أو تقدّم الدم على العادة‌

(١) الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :

إحداهما : جهة تقدّم الدم على العادة.

وثانيتهما : جهة تأخره عنها.

__________________

(*) الأولى رعاية الاحتياط فيما زاد على يومين في فرض التقدّم إن لم يكن الدم واجداً للصفات وأمّا في فرض التأخّر فإن كان عن أوّل العادة ولو بأكثر من يومين مع رؤية الدم في أثنائها فهو محكوم بالحيض ، وإن كان عن آخر العادة ولو بأقل من يومين فلا يحكم بكونه حيضا.

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨١ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٩.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٨ و ٣٠٥ / أبواب الحيض ب ٤ و ١٥.

١٧٨

جهة تقدّم الدّم

أمّا إذا كان متقدّماً عليها فإن تقدّمها بيوم أو يومين ـ هذا في قبال ما يأتي من تقدّمه على العادة بثلاثة أيّام فصاعداً فلا تغفل ـ فإن كان الدم بصفات الحيض ولم يزد على عشرة أيّام وتخلّل بينه وبين الحيضة السابقة أقل الطّهر فلا إشكال في الحكم بكونه حيضاً ، لأنّ الصفات أمارة على الحيضيّة مطلقاً قبل العادة وبعدها ، وأمّا إذا لم يكن بصفات الحيض وكان أقل من العشرة وتخلّل بينه وبين الحيضة الاُولى عشرة أيّام فلا ينبغي الإشكال في الحكم بكـونه حيضاً وإن لم يكن بصـفاته ، لما دلّ من الأخبار على أنّ الدم قد يعجّل ويخرج قبل عادة المرأة بيوم أو يومين ، وإليك بعضها :

فمنها : موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في المرأة ترى الصـفرة فقال : إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض» (١).

ومنها : مضمرة معاوية بن حُكَيم المتقدّمة ، قال «قال : الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض ليس من الحيض» (٢).

هذا وفي بعض الأخبار أنّ الصفرة قبل الحيض من الحيض من غير تقييد ذلك بيوم أو يومين.

ومنها : ما رواه علي بن أبي حمزة قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة ، فقال : ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه» (٣).

ومنها : ما عن سماعة ، قال «سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصّلاة ، فإنّه ربما تعجّل بها الوقت» (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٠٠ / أبواب الحيض ب ١٣ ح ١.

١٧٩

ومنها : مصححة الصحّاف (١) الآتية.

وعليه فيقع الكلام في أنّ القاعدة تقتضي تقييد المطلقات بالمقيّدات وحمل ما قبل الحيض على ما قبله بيوم أو يومين ، فما تراه المرأة من الصفرة قبل حيضها بثلاثة أيّام غير محكومة بالحيضيّة ، أو أنّ اللازم الأخذ بالمطلقات كما يأتي بيانه ، فكلّ صفرة تراها المرأة قبل حيضها ولو بثلاثة أيّام فهي محكومة بالحيضيّة؟

إختار الماتن (قدس سره) الثّاني حيث حكم بأنّ المرأة تترك صلاتها برؤية الدم ولو قبل أيّامها بيوم أو يومين أو أزيد ، ولعله المعروف بينهم ، وذلك بدعوى أنّ ما دلّ على أنّ ما تراه المرأة قبل أيّام عادتها حيض مطلق ، حيث يشمل اليوم واليومين وما زاد فيما إذا صدق عليه أنّه دم تعجل به ، بأن لم يكن عشرة أيّام ونحوها ، ولا دليل مقيّد لها بيوم أو يومين ، إذ لا مفهوم لموثقة أبي بصير (٢) ومضمرة معاوية بن حُكَيم (٣) حتّى يدل على أنّ ما تراه المرأة قبل أيّام عادتها في غير يوم أو يومين ليس بحيـض أمّا المضمرة فعدم دلالتها على ذلك ظاهر ، حيث ذكر فيها أنّ الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وهي كما ترى غير مشتملة على الجملة الشرطيّة حتّى تكون ذات مفهوم ، وأمّا الموثقة فهي وإن كانت مشتملة على الجملة الشرطيّة : «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض» إلاّ أنّ مفهومها ليس أنّ الدم إذا كان قبل الحيض بثلاثة أيّام ليس بحيض ، وذلك لأ نّها مسوقة لبيان حكم الدم الخارج قبل العادة في قبال الدم الخارج بعدها ، ولا نظر لها إلى إثبات الحكم في خصوص الدم الخارج قبل الحيض بيومين ونفيه في الخارج قبل الحيض بثلاثة أيّام ونحوها ، هذا.

ولكن الصحيح أنّ الحكم بالحيضيّة مختص بالدم الّذي تراه المرأة قبل عادتها بيومين أو أقل ، دون ما تراه قبلها بأكثر من يومين.

وذلك لأ نّه ـ مضافاً إلى أنّ كلمة اليومين قبل الحيض وردت في كلام الإمام (عليه

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٥ / أبواب الحيض ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٧٩ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٠ / أبواب الحيض ب ٤ ح ٦.

١٨٠