موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

انقطع الدم اغتسلت » فلا مانع من حمله على غسل الحيض لنقائها بعد عادتها الّتي هي خمسة أيّام.

إلى هنا تحصل أنّ الرّواية على خلاف ما ذهب إليه صاحب الحدائق قدس‌سره أدلّ ، على أنّ فيها أمرين يمنعان عن الاعتماد عليها مع الغض عن إرسالها.

أحدهما : اشتمالها على كفاية الأيّام الثّلاثة المتفرّقة ، وقد عرفت اعتبار التوالي في تلك الأيّام ، ولا يمكن الأخذ بتلك الرّواية كما تقدّم.

وثانيهما : دلالتها على أنّ المرأة إذا كان حيضها خمسة أيّام ورأت الدم كذلك ثمّ انقطع ثمّ رأته بعد ذلك فإن كان قبل مضي عشرة أيّام من أوّل ما رأت الدم فهو حيض ، وأمّا إذا كان بعد مضي العشرة فتحسب العشرة حيضاً والباقي استحاضة ، مع أنّ المرأة ذات العادة كما هو مورد الرّواية إذا رأت الدم بعد عادتها حتّى تجاوز العشرة تأخذ أيّام عادتها حيضاً وتجعل الباقي استحاضة ، لا أنّها تأخذ العشرة حيضاً ، فالرواية ممّا لا يمكن الاعتماد عليها.

هذا كلّه فيما استدلّ به على مسلكه برواية يونس وقد عرفت أنّها ضعيفة السند والدلالة.

وأيضاً استدلّ بمعتبرة محمّد بن مسلم المتقدِّمة (١). وتقريب الاستدلال بها أنّ المراد بالعشرة الثانية هو عشرة الطّهر لا محالة ، للإجماع والأخبار الدالّة على أنّ الحيضة الثّانية لا بدّ من أن تتحقّق بعد أقل الطّهر وهو عشرة أيّام ، ولا تتحقّق الحيضة الثّانية قبل ذلك ، ولا مناص من أن يتخلّل بينهما عشرة أيّام ، فالعشرة المذكورة في الشرطيّة الثّانية « وإذا رأته بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » هي عشرة الطّهر ، وهذه العشرة هي المذكورة في الشرطية الأُولى بعينها ، فالمراد بالعشرة في كلتا الجملتين عشرة الطّهر ، وعليه لا تتمّ الشرطيّة الأُولى على إطلاقها إلاّ إذا جعلنا أيّام النّقاء طهراً ، إذ لو جعلناه حيضاً فربّما زاد حيض المرأة عن عشرة أيّام كما إذا رأت الدم‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١٢٧ و ١٣٦.

١٤١

خمسة أيّام ثمّ انقطع خمسة أيّام ثمّ رأت خمسة أيّام ، لأنّ الخمسة المتوسطة لو كانت من الحيض زاد حيضها عن العشرة وكان خمسة عشر يوماً ، لدلالة الرّواية على أنّها إذا رأت الدم قبل عشرة الطّهر فهو من الحيضة الأُولى ، والمفروض أنّها رأته قبل عشرة الطّهر فحيضها خمسة عشر يوماً.

وهذا خلاف الإجماع والأخبار المحدّدة للحيض الدالّة على أنّه لا يزيد على عشرة أيّام ، فلا يمكن التحفظ على إطلاق الجملة الأُولى إلاّ إذا قلنا أنّ النّقاء المتخلّل بين الدمين طهر.

والجواب عن ذلك : أنّ الرّواية لا يمكن أن يتحفّظ على إطلاقها على كلا المسلكين ، بل لا بدّ من تقييدها على مسلك المشهور وعلى مسلكه قدس‌سره ، وذلك أمّا على مسلكه فلأنا إذا بنينا على أنّ المراد بالعشرة عشرة الطّهر وأنّ النقاء المتخلِّل طهر فإطلاق الشرطيّة الثّانية وإن كان يبقى بحاله ، لأنّا إنّما نحكم بكون الدم حيضة ثانية إذا رأته المرأة بعد عشرة الطهر ، إلاّ أنّ إطلاق الجملة الاولى لا يبقى بحاله لأنّ المرأة قد ترى الدم ستّة أيّام ثمّ ينقطع أربعة أيّام أو أقل أو أكثر ثمّ ترى ستّة أيام أُخر ، أو ترى ثمانية أيّام وينقطع يوماً ثمّ تراه ثمانية أيام أُخرى ، فإذا حكمنا بأن الدم الثّاني من الحيضة الاولى لأنّها رأته قبل عشرة الطّهر فيكون مجموعهما زائداً على العشرة ، وقد مرّ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام بالإجماع والأخبار ، فلا مناص من تقييد إطلاق الشرطية الأُولى بما إذا لم يكن مجموع الدمين زائداً على العشرة.

وهذا التقييد غير وارد على مسلك المشهور ، لأنّهم يرون مبدأ العشرة أوّل يوم رأت الدم ، ويحملون العشرة على عشرة الحيض لا الطهر ، ومعه يصح إطلاق قوله عليه‌السلام : إذا رأته قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى ، أي إذا رأته قبل مضي عشرة أيّام من يوم رأت المرأة فيه الدم ، ومع مضيها من أحدهما أو كليهما (١) لا يحكمون بحيضيّة الدم كما هو واضح.

__________________

(١) لعلّ الأنسب أن يُقال : ومع مضيّها من يوم رأت الدم لا يحكمون ....

١٤٢

وأمّا إذا قلنا بمسلك المشهور حملنا العشرة على عشرة الحيض وقلنا أنّ النّقاء من الحيض ، فقد عرفت أنّ إطلاق الشرطيّة الأُولى يبقى بحاله ، إلاّ أنّ إطلاق الشرطيّة الثّانية لا بدّ من تقييده بما إذا رأت الدم بعد عشرة أيّام الطهر ، إذ لو رأته قبل عشرة أيّام لم يمكن الحكم بكونه حيضة ثانية ، للإجماع والرّوايات الدالّة على أنّ الحيضتين المستقلّتين لا بدّ أن يتخلّل بينهما أقل الطهر.

فإذن لنا علم إجمالي بأنّ أحد الإطلاقين غير مراد وأنّ أحدهما مقيّد ، وحيث لا قرينة على أحدهما فتصبح الرّواية مجملة وتسقط عن قابلية الاستدلال بها ، اللهمّ إلاّ أن يكون جملة « فهو من الحيضة الأُولى » كما قدّمناه ظاهرة في أنّ الحيضة الأُولى غير مرتفعة في أيّام النّقاء ومستمرة إلى زمان رؤية الدم الثّاني قبل عشرة أيّام ، لعدم إمكان تخلّل العدم بين أجزاء شي‌ء واحد ، فإنّه على ذلك يتعيّن أن تكون العشرة عشرة الحيض ويكون المتعيّن تقييد الشرطيّة الثّانية ، ولكن الرّواية على هذا تدلّ على أنّ النّقاء من الحيض كما هو ظاهر ، فالرواية إمّا مجملة وإمّا ظاهرة فيما ذهب إليه المشهور.

وهذا هو العمدة فيما استدلّ به صاحب الحدائق قدس‌سره ثمّ إنّه أيّد مدعاه أعني كون المراد بالعشرة عشرة الطّهر بروايتين (١) :

إحداهما : رواية الفقه الرّضوي « وربّما تعجل الدم من الحيضة الثّانية ، والحد بين الحيضتين القرء ، وهو عشرة أيّام بيض ، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيّام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأُولى ، وإن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثّانية » (٢) حيث صرّح في الرّواية بإرادة عشرة الطّهر الّتي هي معنى العشرة البيض.

إلاّ أنّها ضعيفة بل لم يثبت كونها رواية أصلاً كما مرّ غير مرّة ، على أنّ دلالتها على‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٦٣ و ١٦٤ / في غسل الحيض.

(٢) فقه الرّضا عليه‌السلام : ١٩٢ / ب ٢٧ ، وروى عنه مع تفاوت يسير في المستدرك ٢ : ١٢ / أبواب الحيض ب ٩ ح ١ ، البحار ٨١ : ٩١ / باب غسل الحيض ح ١٢.

١٤٣

مدّعاه قابلة للمناقشة ، ولكنّا لا نطيل بذكرها الكلام.

وثانيتهما : ما رواه محمّد بن يعقوب بإسناده عن عبد الرّحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة إذا طلّقها زوجها متى تكون أملك بنفسها؟ فقال : إذا رأت الدم من الحيضة الثّالثة فهي أملك بنفسها ، قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها؟ فقال : إذا كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة الّتي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثّالثة وهي أملك بنفسها » (١).

وهذه الرّواية قد يناقش في الاستدلال بها بأنّها ضعيفة السند بمُعَلّى بن محمّد الواقع في سندها لعدم توثيقه في الرّجال ، وأمّا ما عن المجلسي (٢) قدس‌سره من أنّه شيخ إجازة ، وكون الرّجل شيخاً يكفي في وثاقته ولا يحتاج معه إلى التّوثيق ، مندفع صغرى وكبرى ، وذلك لعدم كفاية شيخوخة الإجازة في التّوثيق ، وعدم تحقّق الصغرى إذ لا تثبت شيخوخته بشهادة المجلسي ، لأنّه متأخر عن عصر مُعَلّى بن محمّد بمئات السنين ، لأنّه شيخ شيخ الكليني فإنّه يرويها عن الحسين بن محمّد وهو يروي عن معلى بن محمّد ، ومعه لا تقبل شهادته لأنّها اجتهاد منه لا شهادة ، فلم يثبت إلاّ أنّه صاحب كتاب ، وكم فرق بين كونه مؤلف كتاب وبين كونه شيخ إجازة.

ولكنّه يندفع من جهة وقوعه في أسناد كامل الزّيارات وتفسير علي بن إبراهيم فقد ذكرنا في محله شهادة مؤلفيهما بوثاقة كلّ من وقع في طريقهما إلى المعصومين عليهم‌السلام.

والصّحيح أنّها قاصرة الدلالة ، فإنّها تتوقف على أن يكون المراد بكلمة العشرة فيها عشرة الطهر ، ولم تقم قرينة على ذلك ، وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً عند المناقشة في دلالة معتبرة محمّد بن مسلم المتقدِّمة.

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٢١٢ / أبواب العدد ب ١٧ ح ١.

(٢) رجال المجلسي : ٣٢٤ / رقم ١٩٠٢.

١٤٤

التّاسع أو العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليه بالحيضيّة ، وأمّا إذا رأت يوم الحادي عشر بعد الحيض السابق فيحكم بحيضيّته إذا لم يكن مانع آخر ، والمشهور على اعتبار هذا الشرط ، أي مضيّ عشرة من الحيض السابق في حيضيّة الدم اللاّحق مطلقاً ، ولذا قالوا : لو رأت ثلاثة مثلاً ثمّ انقطع يوماً أو أزيد ثمّ رأت وانقطع على العشرة أنّ الطّهر المتوسط أيضاً حيض ، وإلاّ لزم كون الطّهر أقل من عشرة ، وما ذكروه محلّ إشكال (١) بل المسلّم أنّه لا يكون بين الحيضين أقل من عشرة ، وأمّا بين أيّام الحيض الواحد فلا ، فالأحوط مراعاة الاحتياط بالجمع في الطّهر بين أيّام الحيض الواحد كما في الفرض المذكور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثمّ إنّ من الغريب في المقام الاستدلال لما ذهب إليه صاحب الحدائق قدس‌سره بموثقة يونس بن يعقوب « قلت للصادق عليه‌السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة قال عليه‌السلام : تدع الصّلاة ، قلت : فإنّها ترى الطّهر ثلاثة أيّام أو أربعة قال عليه‌السلام : تصلِّي ، قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال عليه‌السلام : تدع الصّلاة ، قلت : فإنّها ترى الطّهر ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال عليه‌السلام : تصلِّي ، قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال عليه‌السلام : تدع الصّلاة تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع الدم عنها ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة » (٢). وموثقة أبي بصير بهذا المضمون غير أنّها فرضت الحيض والطّهر خمسة أيّام (٣). بدعوى أنّ النّقاء لو لم يكن طهراً لم يكن وجه لأمرها بالصلاة عند انقطاع الدم عنها.

والوجه في الغرابة : أنّا لو بنينا على مسلك صاحب الحدائق قدس‌سره من أنّ النّقاء طهر فهل نجعل كلّ أربعة أو ثلاثة أيّام حيضاً مستقلا أو نجعل المجموع حيضاً‌

__________________

(*) ما ذكره المشهور هو الأظهر.

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٥ / أبواب الحيض ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٦ / أبواب الحيض ب ٦ ح ٣.

١٤٥

واحداً ، فإن جعلنا كلاًّ منهما حيضة مستقلّة فلا بدّ أن يتخلّل بينهما عشرة أيّام للإجماع والأخبار ، ولم يتخلّل بينهما إلاّ ثلاثة أو أربعة أيّام ، وإن جعلنا المجموع حيضة واحدة فقد زادت عن عشرة أيّام لأنّها على تقدير رؤيتها الدم أربع أربعة ترى الدم ستّة عشر يوماً وقد فرضنا أنّ أكثر الحيض عشرة.

فتحصل أنّ ما ذهب إليه صاحب الحدائق قدس‌سره ممّا لا وجه له ، وأنّ أيّام النّقاء في أثناء الحيضة الواحدة بحكم الحيض ، فلا مناص حينئذ من حمل الرّوايتين على بيان الحكم الظّاهري وأنّ المرأة لأجل عدم كونها ذات عادة بما أنّها تحتمل كون الدم حيضاً فتجعله حيضاً في أيّام الدم وتجعل النّقاء طهراً ظاهراً ، لا أنّ النّقاء طهر كما صنعه صاحب الحدائق قدس‌سره.

التهافت بين كلامي الماتن ( قدس‌سره )

ثمّ إنّ الماتن قدس‌سره ذكر أنّ أقلّ الطّهر عشرة أيّام ، فلو رأت الدم يوم التّاسع أو العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليه بالحيضيّة ، لعدم تخلّل أقلّ الطّهر بين الدمين ، فترى أنّه حكم بعدم حيضيّة الدم المرئيّ يوم التّاسع أو العاشر جزماً ، وهذا مع استشكاله في كون النّقاء من الحيض حيث لم يبن على كونه حيضاً ، بل احتاط بعد ما قال : إنّ ما ذكروه أي المشهور محل إشكال ، وما تقدّم منه من عدم البناء على لزوم التّوالي في ثلاثة أيّام حيث استشكل فيه واحتاط ، أمران متهافتان.

وذلك لأنّ المرأة إذا رأت الدم ثلاثة أيّام أو يومين وانقطع تسعة أيّام ثمّ رأت يوماً أو أكثر يمكن أن يكون الدم حيضاً ، إذ لم يبن على أنّ النّقاء حيض أو أنّ توالي ثلاثة أيّام معتبر ليقال إنّ ما تراه بعد التسعة ليس بحيض ، وإلاّ زاد حيضها عن عشرة أيّام أو أنّها إذا كانت رأت الدم يومين لا يلحق الدم الّذي رأته بعد التّسعة بهما لاعتبار التّوالي بينهما ، بل يمكن أن يكون حيضاً على هذين المسلكين ، فالصحيح أن يحتاط حينئذ لا أن يحكم بعدم كونه حيضاً جزماً ، وإلاّ كان صدر كلامه وذيله متهافتاً.

١٤٦

[٧٠٨] مسألة ٨ : الحائض إمّا ذات العادة أو غيرها ، والأولى إمّا وقتيّة وعدديّة أو وقتيّة فقط أو عدديّة فقط ، والثّانية إمّا مبتدئة وهي الّتي لم تر الدم سابقاً ، وهذا الدم أوّل ما رأت ، وإمّا مضطربة وهي الّتي رأت الدم مكرّراً لكن لم تستقرّ لها عادة ، وإمّا ناسية وهي الّتي نسيت عادتها ، ويطلق عليها المتحيِّرة أيضاً ، وقد يطلق عليها المضطربة ، ويطلق المبتدئة على الأعم ممّن لم تر الدم سابقاً ومن لم تستقر لها عادة أي المضطربة بالمعنى الأوّل (١).

[٧٠٩] مسألة ٩ : تتحقّق العادة برؤية الدم مرّتين متماثلتين ، فإن كانتا متماثلتين في الوقت والعدد فهي ذات العادة الوقتيّة والعدديّة ، كأن رأت في أوّل شهر خمسة أيّام وفي أوّل الشّهر الآخر أيضاً خمسة أيّام ، وإن كانتا متماثلتين في الوقت دون العدد فهي ذات العادة الوقتيّة ، كما إذا رأت في أوّل شهر خمسة وفي أوّل الشهر الآخر ستّة أو سبعة مثلاً ، وإن كانتا متماثلتين في العدد فقط فهي ذات العادة العدديّة ، كما إذا رأت في أوّل شهر خمسة وبعد عشرة أيّام أو أزيد رأت خمسة أُخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقسام الحائض

ذات العادة‌

(١) إنّ المرأة إذا كان الدم الّذي تراه أوّل ما رأت الدم ولم تره سابقاً فهي مبتدئة وأمّا إذا تكرّر منها الدم من غير أن تستقر لها عادة وقتيّة وعدديّة أو إحداهما فهي مضطربة ، وأمّا إذا استقرّت لها العادة فقد تكون ذاكرة لعادتها وقد لا تكون ، وتسمّى الثّانية بالناسية ، وقد يطلق عليها المتحيّرة أيضاً ، كما تسمّى الاولى بذات العادة ، وهي قد تكون ذات عادة وقتيّة وعدديّة معاً ، كما إذا رأت الدم في كلّ من الشّهرين خمسة أيّام من أوّله وقد تكون ذات عادة عدديّة فقط ، كما إذا رأت الدم في الشهر الأوّل خمسة أيّام من أوّله وفي الشّهر الثّاني خمسة من خامسة أو سادسة مثلاً ، وقد تكون‌

١٤٧

ذات عادة وقتيّة فقط ، وهي على أقسام ثلاثة كما نبيّنها إن شاء الله. هذه هي أقسام المرأة الحائض.

ولكل من المبتدئة والمضطربة وذات العادة العدديّة أو الوقتيّة أحكام تخصّها ، فإن ذات العادة العدديّة ليس لها أن ترتب أحكام الحائض على نفسها بمجرّد رؤيتها الدم وإنّما ترتبها فيما إذا كان الدم واجداً للصفات كما هو الحال في المبتدئة والمضطربة ، نعم إذا تجاوز الدم العشرة فذات العادة العدديّة فقط تجعل عددها حيضاً والباقي استحاضة ، بخلاف المبتدئة والمضطربة فإنّهما تجعلان العشرة من الحيض والباقي استحاضة ، وأمّا ذات العادة الوقتيّة فهي تجعل الدم حيضاً من وقتها من غير مراجعة الصّفات إلاّ أنّها من حيث العدد مضطربة ، فإذا زاد على العشرة فترجع إلى الصّفات والمميّزات كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ، وأمّا ذات العادة الوقتيّة والعدديّة فهي تجعله حيضاً من غير مراجعة الأوصاف من حيث الوقت والعدد.

ثمّ إنّ ذات العادة الوقتيّة على ثلاثة أقسام ، لأنّ رؤيتها الدم في الشهرين قد تكون متّحدة من حيث أوّلهما ، كما إذا رأت الدم في كلّ من الشّهرين من أوّله ولكن اختلفا من حيث الآخر لانقطاعه في أحدهما في الخامس وفي الآخر في الرّابع مثلاً ، وقد تتحدان في الأخير دون الابتداء ، كما إذا انقطع في السّادس من الشهر في كليهما إلاّ أنّها رأته في أحدهما من أوّله وفي ثانيهما من ثانية أو ثالثة مثلاً ، وقد تتحدان من حيث الوسط دون المبدأ والمنتهى ، كما إذا رأت الدم في الثّالث والرّابع والخامس من الشّهرين إلاّ أنّ شروعه في أحدهما كان من أوّله إلى سابعه ، وفي الآخر كان في التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق عليه إلى ثامن الشهر اللاّحق.

ثمّ إنّ الكلام يقع فيما يتحقّق به العادة الّتي لا ترجع معها إلى الصّفات ، حيث إنّ أكثر الرّوايات الواردة في المقام قد اشتمل على عنوان « الوقت المعلوم » أو « أيّامها » (١) ، ومقتضى الفهم العرفي في مثلها أن تكون رؤية الدم متكرّرة بمقدار يصدق‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٧٥ إلى ٢٨٤ / أبواب الحيض ب ٣ و ٤ و ٥.

١٤٨

معه أنّها أيّامها أو عنوان الوقت المعلوم ، والعادة لم ترد في شي‌ء من الرّوايات ، وإنّما عنونها الأصحاب قدس‌سرهم في كلماتهم ، وذكروا أنّها تتحقّق برؤية الدم مرّتين متماثلتين ، ولعله إنّما سميت بالعادة لأنّها من العود حيث عاد مرّتين ، ويدلُّ عليه موثقة سماعة حيث ورد فيها « فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها » (١) ومرسلة يونس الطويلة « فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليه حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً معلوماً » (٢).

وقد قدّمنا غير مرّة أنّ الإرسال إنّما لا يعتمد عليه فيما إذا كان بمثل « عن رجل » أو « عن بعض أصحابه » ونحوهما ، للجهل بالواسطة وإن كان المرسِل مثل ابن أبي عمير ونظرائه ، والاستدلال على اعتبار مراسيلهم بالإجماع على تصحيح ما يصح عنهم قد عرفت ما فيه من المناقشة (٣).

وأمّا إذا كان الإرسال بمثل « عن غير واحد » كما في مرسلة يونس هذه فهي خارجة عن الإرسال ، لأنّ هذا التعبير إنّما يصح فيما إذا كان راوي الخبر كثيرين ، ولا يطلق عند كون راويه واحداً أو اثنين كما هو المتفاهم العرفي من مثله في زماننا هذا فإنّ فقيهاً إذا كتب في كتابه أنّ القول الكذائي قال به غير واحد من أصحابنا يستفاد منه لدى العرف أنّه قول قال به كثيرون وإن كان بحسب مفهومه اللغوي صادقاً على اثنين ، لأنّه أيضاً غير واحد ، واحتمال أن تكون تلك العدّة بأجمعهم من الضّعفاء ضعيف ولا يعتنى بمثله ، وعليه فالرواية ليست بمرسلة ، وقد دلّت على تحقّق العادة برؤية الدم شهرين متماثلاً.

استدراك

قدّمنا أنّ رواية يونس الطويلة وإن رواها يونس عن غير واحد من أصحابنا‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٦ / أبواب الحيض ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٢٦.

١٤٩

إلاّ أنّها لا تكون مرسلة بذلك لما قدّمناه ، فلا تقاس روايته هذه بمرسلته القصيرة (١) لأنّ في سندها « عن بعض رجاله » ، وله عدّة من رجال ، وبعض رجاله مهمل ، ومعه كيف يمكن الاعتماد عليها في مقام الاستدلال ، ومن ثمة تكون مرسلة بخلاف روايته هذه فإنّها ليست بمرسلة ، ومن هنا اعتمدنا عليها في الحكم بتحقّق العادة الوقتيّة بمرّتين.

ولكنّه ربما يورد على الاستدلال بها أنّ الرّاوي عن يونس هو محمّد بن عيسى وهو ممّن ضعّفه الشيخ قدس‌سره في فهرسته ، حيث قال : محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف استثناه أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة وقال : لا أروي ما يختص بروايته ، ولم يعمل ابن الوليد بما تفرّد به محمّد بن عيسى عن يونس ، حيث حكي عن ابن بابويه أنّه حكى عن شيخه ابن الوليد أنّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، كما أنّ الصّدوق لا يعتمد على ما تفرّد به على ما هو دأبه من تبعيّته لشيخه ابن الوليد في الجرح والتعديل والعمل برواية وتركه. وعن الشهيد الثّاني استناد جميع الأخبار الواردة في ذم زرارة إلى محمّد بن عيسى ، وهو قرينة عظيمة على ميل وانحراف منه على زرارة. وعن ابن طاوس أنّ محمّد بن عيسى قد أكثر في القول في زرارة حتّى لو كان بمقام عدالته كانت الظّنون تسرع إليه بالتهمة فكيف وهو مقدوح فيه (٢) ، ويؤيّد ذلك تضعيف جملة من المتأخرين له ، وعليه فلا يمكن الاعتماد على رواية يونس الطويلة في المقام لضعفها بمحمّد بن عيسى عن يونس هذا.

ولكن الصحيح أنّ الرّجل لا إشكال في وثاقته وصحّة رواياته ، والوجه في ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩٤ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ٤.

(٢) راجع معجم رجال الحديث ١٨ : ١١٩ ، الرّقم ١١٥٣٦ ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، الفهرست : ١٤٠ ، الرّقم ٦١١ ، رجال النّجاشي : ٣٣٣ ، الرّقم ٨٩٦ ، التحرير الطاووسي : ٢٤٠ / ١٧٥ ترجمة زرارة بن أعين. وأمّا كلام الشهيد الثّاني فمنقول في تعليقته على الخلاصة : ٣٨ ، وكذا في نقد الرّجال ٢ : ٢٥٦.

١٥٠

أنّ تضعيف الشيخ للرجل مستند إلى استثناء الصّدوق له ، كما هو ظاهر كلامه المتقدِّم حيث قال : محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف استثناه أبو جعفر محمّد بن علي ابن بابويه عن رجال نوادر الحكمة ، كما أنّ استثناء الصدوق له مستند إلى ما ذكره شيخه ابن الوليد من أنّه لا يعتمد على ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه ، فالتضعيف في الحقيقة مستند إلى ابن الوليد قدس‌سره.

إلاّ أنّ عدم اعتماده قدس‌سره على ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يدلّ على ضعف في الرّجل ، وإلاّ لم يكن وجه لعدم اعتماده على خصوص ما تفرّد به عن يونس ، لأنّه الضّعيف مطلقاً فلا يعتمد على شي‌ء من رواياته ، فيستفاد من تخصيصه عدم اعتماده بما تفرّد به من كتب يونس وحديثه أنّ لروايته عنه خصوصيّة أوجبت عدم اعتماده قدس‌سره على روايته عنه في ذلك المورد فحسب.

ولعلّ السرّ فيه ما حكاه نَصر بن صَبّاح (١) من أنّ محمّد بن عيسى أصغر سنّاً من أن يروي عن ابن محبوب فكيف بروايته عن يونس ، فإنّ ابن محبوب متأخر عن يونس بست عشرة سنة ، فإذا كان محمّد بن عيسى أصغر سنّاً بالإضافة إلى عصر ابن محبوب فلا محالة يكون أصغر سنّاً بالإضافة إلى يونس بطريق أولى ، والصغير لا يعتمد على روايته.

إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن الاعتماد على رواية الرّجل وذلك :

أمّا أوّلاً : فلأنّ كونه أصغر سنّاً من أن يروي عن ابن محبوب إنّما نقل عن نَصر بن صَباح ، وهو ممّن لا يعتمد على قدحه وإخباره كما ذكروه (٢).

وأمّا ثانياً : فلأن المانع عن قبول الرّواية إنّما هو صغر سنّ الرّاوي حال الأداء لا حال التحمّل ، فالمدار في الصغر المانع عن قبول الرّواية إنّما هو الصغر حال الأداء لا على حال التحمّل ، كما هو الحال في الشّهادة حيث إنّ الشاهد لو تحمّل الشهادة‌

__________________

(١) رجال الكشي : ٥٣٧ / الرّقم ١٠٢١ ، رجال النجاشي : ٣٣٤ ، الرّقم ٨٩٦.

(٢) راجع معجم رجال الحديث ١٨ : ١٢٤ ، الرّقم ١١٥٣٦.

١٥١

صغيراً إلاّ أنّه لم يشهد إلاّ بعد بلوغه فإنّه يعتمد على شهادته ، وإنّما لا يعتمد على شهادته فيما إذا كان صغيراً حال الشّهادة ، ولم يعلم أنّ الرّجل كان صغيراً حين روايته ، بل يمكن دعوى العلم بعدم كونه صغيراً حينئذ ، لأنّ الرّجل بعد ما ثبتت وثاقته وعدالته كما يظهر عن قريب لو كان نقلها حال صغره لبيّنه ، وإلاّ كان ذلك تدليساً قادحاً في عدالته.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الظّاهر أنّ محمّد بن عيسى لم يكن صغير السن في زمان ابن محبوب بل كان من الرّجال ، فإنّه من أصحاب الرّضا عليه‌السلام وقد استنابه في الحج عنه ، وهذا لا يلائم صغره كما لا يخفى على من رجع إلى ما كتبوه في الرّجال من تاريخ ولادته وتاريخ وفاة ابن محبوب فليراجع.

وأمّا ما ذكره الشّهيد الثّاني وابن طاوس قدس‌سرهما فلا دلالة له على ضعف الرّجل بوجه ، لأنّه كما روى الأخبار المشتملة على ذم زرارة روى بنفسه بعض الأخبار المادحة له ، وحيث إنّ الرّجل ثقة عين كما يأتي نقله عن النّجاشي وغيره فلا يمكننا حمل ذلك على انحرافه في زرارة وتعمّده في جعله ، بل نبني على أنّ كلاًّ من المدح والذم منهم عليهم‌السلام لحفظ زرارة وحقن دمه ، كما أنّ الخضر على نبيّنا وآله وعليه‌السلام قد خرق السفينة لحفظها من غصب الظّالم ، هذا كلّه.

أضف إلى ذلك أنّ تضعيف ابن الوليد أو غيره ممّا لا يمكن الاعتماد عليه في مقابل توثيق النّجاشي للرجل بقوله محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى ، مولى أسد بن خزيمة ، أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ثقة عين كثير الرّواية حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثّاني عليه‌السلام مكاتبة ومشافهة ، وذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَن مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى! (١).

فإنّ هذا يدلّنا على أنّ وثاقة الرّجل كانت من الأُمور المشهورة في تلك الأزمنة‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٣ ، الرّقم ٨٩٦.

١٥٢

وإنّما خالف في ذلك ابن الوليد ، ومن ثمة أنكروا عليه ذلك ، وقد عرفت أنّ عدم اعتماد ابن الوليد ممّا لا وجه له في نفسه ، مضافاً إلى معارضته لما هو المشهور في تلك الأزمنة ، ولتصريح النجاشي بوثاقة الرّجل وثنائه عليه ، ولما عن الفضل بن شاذان أنّه كان يحب الرّجل ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول ليس في أقرانه مثله (١) ، وكفى هذا في توثيق الرّجل والاعتماد على رواياته.

هل تتحقّق العادة بالرؤية مرّة؟

وعن بعضهم تحقّق العادة برؤية الدم مرّة واحدة ، كما يحكى ذلك عن الجمهور أيضاً.

ويدفعه : صريح قوله في رواية يونس حكاية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ المرأة الّتي تعرف أيّامها تدع الصّلاة أيّام أقرائها حيث لم يقل : دعي الصّلاة أيّام قرئك ، بل قال : أيّام أقرائك (٢) ، وكذا الحال في الأيّام الواردة في الأخبار (٣) وهي جمع لا يصدق على الفرد الواحد بل ولا على الاثنين ، فإن أقلّ الجمع اثنان فما فوقهما ، وأمّا الاثنان مجرّداً فلم نر إطلاق الجمع عليهما في اللّغة ، بل لعلّه يعدّ من الأغلاط وإن حكي عن المنطقيين أن أقلّ الجمع اثنان.

وأمّا الاثنان فما فوق فقد ورد إطلاق الجمع عليه في القرآن الكريم الّذي هو في أعلى مراتب الفصاحة كما في قوله تعالى : ( ... فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ... ) (٤) لأنّه وإن صرّح بإرادة فوق الاثنتين إلاّ أنّ إطلاق فوق الاثنتين وإرادة الاثنتين فما فوقهما أيضاً أمر دارج شائع ، كما أشار إليه صاحب الجواهر (٥) أيضاً ، وكما في إطلاق الإخوة‌

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٥ إلى ٢٨٤ / أبواب الحيض ب ٣ و ٤ و ٥ وكذا ١٣ و ...

(٤) النِّساء ٤ : ١١.

(٥) راجع الجواهر ٣٩ : ٩٣ / كتاب الفرائض ، المقدّمة الرّابعة.

١٥٣

على الاثنين فما فوقه في الكلالة ، ( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً ) (١) وكذا في الأخوين فما فوق وأنّ المرتبة الأُولى إذا فقدت ووصلت النوبة إلى المرتبة الثّانية فإن كان له أخ واحد فله نصف ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ... ) إلخ (٢) إلى غير ذلك من الموارد.

فتحصل أنّ الأقراء تصدق على رؤية الدم مرّتين فما فوق ، ولا يصدق على رؤيته مرّة أو مرّتين فحسب ، هذا كلّه في العادة العدديّة حيث إنّ مورد الموثقة والمقدار المتيقّن من الرّواية السابقتين هو ذات العادة العدديّة.

وأمّا العادة الوقتيّة فقد ورد في الأخبار المتضافرة (٣) ما مضمونه أنّها تجعل وقتها وأيّامها حيضاً ، كما ورد هذه العناوين في ذات العادة العدديّة ، ولا بأس بإضافة الأيّام إلى كلتيهما ، إذ يصحّ إطلاقه في كلّ من العادة الوقتيّة والعدديّة فيقال إنّها أيّامها وحيث إنّ ذلك على نحو القضيّة الحقيقيّة فلا دلالة لها على أنّ موضوعها أعني الوقت والأيّام تتحقّق بأيّ شي‌ء ، فلا يستفاد منها أنّ العادة الوقتيّة بأيّ شي‌ء تتحقّق ، كذا استشكل في غير واحد من الكتب.

وأُجيب عنه بالإجماع ، ومن هنا قد يتمسك للحكم بتحقّق العادة الوقتيّة أيضاً بمرّتين بالإجماع كما عن المستند (٤) ، وأنّ العادة العدديّة إذا قلنا بتحقّقها بمرّتين فكذلك نقول بتحقّق العادة الوقتيّة بذلك.

إلاّ أنّ هذه الإجماعات المنقولة لا سيما في كلمات المتأخرين ممّا لا يمكن الاعتماد عليه لعدم حجّيتها. على أنّها لو لم تكن من الإجماع المنقول أيضاً لم نكن نعتمد عليها على ما بيّناه في غير مورد ، لأنّها إجماعات معلومة المدرك أو محتملة المدرك على الأقل ، ومعه يرجع إلى ذلك المدرك لا إلى الإجماع.

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١٧٦.

(٢) النِّساء ٤ : ١١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٧٥ ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ٣ و ٤ و ٥ و ١٣ و ....

(٤) مستند الشيعة ٢ : ٤٣٠.

١٥٤

والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ رواية يونس (١) تدل على تحقّق العادة الوقتيّة برؤية الدم مرّتين ولو في بعض أقسامها ، وهو العادة الوقتيّة من حيث الانقطاع ، أي العادة الوقتيّة من حيث الآخر ، حيث ورد فيها « فان انقطع الدم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليه حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً تعمل عليه وتدع ما سواه ... » لدلالتها على أنّ انقطاع الدم على حدّ سواء في شهرين يوجب تحقّق العادة للمرأة ، وهذا قد يتّفق مع العادة العدديّة كما إذا كان مبدؤهما أيضاً متساويين ، وقد لا يتّفق وذلك إذا اختلفا من حيث المبدأ كما إذا كان انقطع في السّادس من كلّ شهر إلاّ أنّه اختلف مبدؤه فرأته في شهر من أوّله وفي الآخر من ثانية أو ثالثة ، وإذا علمنا بتحقّق العادة الوقتيّة من حيث المنتهي بمرّتين فلا نحتمل الفرق في ذلك بينها وبين العادة الوقتيّة من حيث المبدأ أو الوسط ، هذا.

على أنّ الرّواية دلّت على أنّ تحقّق العادة العدديّة بمرّتين ليس أمراً تعبّديّاً منهم عليهم‌السلام وإنّما علّله عليه‌السلام بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للتي تعرف أيّامها « دعي الصّلاة أيّام أقرائك ، فعلمنا أنّه لم يجعل القرء الواحد سنة لها ، فيقول دعي الصّلاة أيّام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعداً » الحديث (٢).

فإذا كانت العلّة في تحقّق العادة العدديّة بمرّتين هو صدق « أيّام أقرائها » بذلك فليتعدّى من العدديّة إلى جميع أقسام العادة الوقتيّة بذلك ، إذ يصدق « أيّام أقرائها » على رؤيتها الدم مرّتين متماثلتين من حيث الوقت في أوّله أو آخره أو وسطه ، وقد عرفت صحّة إضافة الأيّام إليها في كلّ من العادة الوقتيّة والعدديّة ، ومعه تدل الرّواية على تحقّق العادة بمرّتين مطلقاً ولو مع الإغماض عن اشتمالها على بعض أقسام العادة الوقتيّة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

(٢) نفس المصدر.

١٥٥

وقد يقال إنّ الرّواية وإن شملت كلتا العادتين بإطلاقها إلاّ أنّ مفهوم الموثقة موثقة سماعة حاكم على الرّواية ، ومقتضاه عدم تحقّق العادة غير العادة العدديّة برؤية الدم مرّتين ، وذلك حيث ورد في الموثقة « سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال عليه‌السلام : فلها أن تجلس وتدع الصّلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها » (١).

حيث دلّت بمفهوم قوله عليه‌السلام : « فإذا اتّفق ... » أنّه إذا لم يتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فليست الأيّام أيّام عادتها ، لأنّها حصرت أيّام عادتها بما إذا تحقّقت لها العادة العدديّة ، ومع عدم العادة العدديّة لا يكون أيّام رؤيتها الدم في الشهرين أيّاماً لها وإن كانت لها عادة وقتيّة. وبهذا يحكم بأنّ غير ذات العادة العدديّة لا تجعل أيّام الدم في الشهرين أيّامها وإن كانت ذات عادة وقتيّة.

ولكن الأمر ليس كذلك ، وذلك لأنّ مورد الرّواية ليست هي ذات العادة العدديّة فإنّ هذا التعبير « فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفا » وكذا قوله « أيّام أقرائك » لا يناسب ذات العادة العدديّة ، إذ لا وقت لها على الفرض ، وإنّما موردها ذات العادة الوقتيّة ولو من حيث الأخير ، ومورد الموثقة هو ذات العادة العدديّة كما هو مقتضى قوله « فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء » فقد دلّت الموثقة على أنّ المضطربة الّتي لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء إذا رأت الدم في الشّهرين سواء من حيث العدد فذلك العدد أيّامها ، فتجعلها حيضاً إذا تجاوز الدم بها العشرة ، وإذا لم يتّفق لها أيّام سواء في شهرين من حيث العدد فلا عادة عدديّة لها حتّى تجعلها حيضاً عند تجاوز دمها العشرة ، فهي ناظرة إلى من ليست لها عادة عدديّة ومن لها عادة عدديّة. وأين هذا من ذات العادة الوقتيّة لتدل على عدم تحقّق عادتها بمرّتين ، فكلمة الأيّام في الموثقة غير الأيّام في المرسلة (٢) ، والحصر في الموثقة بمقتضى‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

(٢) أي رواية يونس السابقة.

١٥٦

الشرط صحيح بالنسبة إلى العدد فقط كما استفدناه من إطلاق الرّواية.

فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من أنّ العادة الوقتيّة والعدديّة تتحقّقان برؤية الدم مرّتين في شهرين على حدّ سواء.

ثمّ إنّه لا شبهة في أنّ ذات العادة العدديّة لا يعتبر في تحقّق عادتها تساوي طهرها بين أقرائها ، مثلاً إذا رأت الدم في الشهر الأوّل خمسة أيّام وبعد ما مضى عليها ستّة وعشرون يوماً أيضاً رأت الدم خمسة أيّام إلاّ أنّها رأت الدم في الشهر الثّالث بعد مضي عشرين يوماً من حيضها السابق ولم يتخلّل بين الحيضة الثّانية والثّالثة ستّة وعشرون يوماً كما تخلّل ذلك بين الحيضة الأُولى والثّانية فإنّ العادة العدديّة تتحقّق بذلك وإن اختلف طهرها بين أقرائها.

العادة العدديّة تتحقّق بأيّ شي‌ء؟

إلاّ أنّ الكلام في أنّ العادة العدديّة كما أنّها تتحقّق برؤية الدم مرّتين في الشهرين على حدّ سواء ، هل تتحقّق برؤية الدم في شهر واحد مرّتين أو في أزيد من شهرين كما إذا جرت عادتها على رؤية الدم في كلّ خمسين يوماً مرّة واحدة ، كما إذا رأته في أوّل الشهر خمسة أيّام وفي اليوم السّادس والعشرين منه أيضاً إلى خمسة أيّام أو رأته بعد خمسة عشر يوماً من حيضتها السّابقة عدّة أيّام سواء أو رأت الدم في أزيد من شهرين كذلك ، كما إذا جرت عادتها على رؤية الدم في كلّ من خمسين يوماً مرّة واحدة أو أنّ العادة لا تتحقّق بذلك؟

قد يقال بالأخير نظراً إلى أنّ أكثر الأخبار الواردة كما مرّت (١) إنّما كانت مشتملة على عنوان أيّامها والوقت المعلوم ، ولم تكن مشتملة على عنوان العادة ، ومقتضى المتفاهم العرفي في مثلها أن يعتبر رؤيتها الدم إلى مدّة يصدق أنّ أيّام الدم أيّامها ، ولا إشكال في أنّ العرف لا يرى صدق ذلك برؤية الدم مرّتين ، فمقتضى القاعدة عدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : أبواب الحيض ب ٣ و ٤ و ٥ و ١٣ و ...

١٥٧

كفاية رؤية الدم مرّتين على حدّ سواء.

إلاّ أنّ الموثقة والمرسلة دلتا على كفاية الرؤية كذلك في تحقّق العادة العدديّة وفي صدق عنوان الأيّام والوقت المعلوم ، وحيث إنّ ذلك على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على موردها ، وهو رؤية الدم مرّتين في شهرين متعددّين ، فلا دليل على كفاية رؤيته مرّتين في شهر واحد أو في الزائد على شهرين في تحقّق العادة العدديّة ، هذا.

ولكن الصحيح كفاية رؤية الدم مرّتين في الشهر الواحد أو في الأزيد من شهرين كذلك ، وذلك لأنّ الموثقة دلّت على تحقّق العادة العدديّة برؤية الدم مرّتين على حدّ سواء ، ولم تدل على اختصاص ذلك برؤيته مرّتين في شهرين ، وإنّما ذكر الإمام عليه‌السلام اتفاق الشهرين عدّة أيّام سواء من جهة أنّ مورد السؤال فيها أنّ الجارية تختلف أيّامها في شهرين فترى الدم في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام ، فإنّه الغالب في النِّساء ، ومن هنا أجابه عليه‌السلام بأنّها إذا رأت الدم في الشهرين على حدّ سواء فتلك أيّامها ، ولا دلالة لها على عدم كفاية رؤية الدم مرّتين في شهر واحد على حدّ سواء.

على أنّ الموثقة في نفسها لا دلالة لها على عدم تحقّق العادة العدديّة برؤية الدم مرّتين في شهر واحد مع قطع النّظر عمّا ذكرناه ، وذلك لأنّ مفهوم قوله « فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها » ليس هو أنه « إذا اتّفق الدم في شهر واحد عدّة أيّام سواء فليست تلك أيّامها » ، بل مفهومه « إذا لم يتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فلا تكون تلك أيّامها » وهو سالبة بانتفاء موضوعها نظير ما إذا قيل إذا ركب الأمير يوم الجمعة فخذ ركابه ، فإنّ مفهومه ليس هو أنّه إذا ركب الأمير في غير يوم الجمعة لا يجب أخذ ركابه بل مفهومه أنّ الأمير إذا لم يركب يوم الجمعة فلا يؤخذ ركابه وهو سالبة بانتفاء موضوعها ، فلا مفهوم للموثقة من تلك الناحية ليستفاد منها عدم تحقّق العادة العدديّة برؤية الدم مرّتين في شهر واحد أو في الزّائد عن الشّهرين.

فالمتحصل أنّه لم يقم دليل على تقييد تحقّق العادة برؤية الدم مرّتين في شهرين ، بل‌

١٥٨

كما أنّ العادة تتحقّق برؤيته مدّة مديدة يصدق عرفاً أنّها أيّامها كذلك تتحقّق برؤية الدم مرّتين مطلقاً في شهر واحد أو في شهرين أو أكثر.

وكذلك الحال في العادة الوقتيّة ، فإنّها تتحقّق بمرّتين ولو في شهر واحد أو أزيد من شهرين ، كما إذا اعتادت على رؤيته في كلّ عشرين يوماً ثلاثة أيّام أو أزيد ، فكانت تراه في أوّل الشهر خمسة وفي الخامس والعشرين أيضاً خمسة أو في كلّ شهرين مرّة مثلاً ، وأمّا ذكر الرؤية متساوية في شهرين فإنّما هو من جهة كونه الغالب في النِّساء كما مرّ ، وإلاّ فالمدار على تحقّق الأقراء أو الأيّام وهما متحقّقان بمرّتين فصاعداً كما تقدّم.

هل يعتبر تساوي الطهرين في الوقتيّة؟

وهل يعتبر تساوي الطهرين في العادة الوقتيّة؟ أمّا في العادة الوقتيّة من حيث الأوّل أو الأخير أو الوسط فعدم اعتبار تساوي الطهرين ممّا لا خفاء فيه ، لأنّه لازم العادة الوقتيّة كذلك ، فإنّها إذا رأت الدم من أوّل الشهر إلى خمسة أيّام في أحدهما ومن أوّله إلى سادسة في أحدهما الآخر ، فهي ذات عادة وقتيّة من حيث المبدأ ، مع أنّ طهرها مختلفة ، لأنّها رأت الطّهر بين الحيضة الأُولى والثّانية خمسة وعشرين يوماً ، وأمّا بين الثّانية والثّالثة الّتي تراها في أوّل الشهر الثّالث فأيّام طهرها أربعة وعشرون يوماً.

وكذا الحال في ذات العادة الوقتيّة من حيث المنتهي ، كما إذا رأت الدم إلى اليوم السابع من كلّ شهر إلاّ أنّها رأته في الشهر الأوّل من أوّله وفي الشهر الثّاني من ثانية أو من اليوم الثّالث ، فإنّ أيّام طهرها بين حيضتها الاولى والثّانية أربعة وعشرون أو خمسة وعشرون ، ولكنّها بين الحيضة الثّانية والثّالثة ثلاثة وعشرون إذا رأته في الشّهر الثّالث من أوّله.

ومن ذلك يظهر الحال في ذات العادة الوقتيّة من حيث الوسط فلا نطيل ، ففي هذه الأقسام من ذات العادة الوقتيّة لا معنى لاعتبار تساوي أيّام الطّهر لعدم تحقّقه كما عرفت.

١٥٩

نعم إنّما يتحقّق تساوي أيّام الطّهر في ذات العادة الوقتيّة والعدديّة معاً إلاّ أنّه غير معتبر حتّى في مثلها ، إذ قد تختلف أيّام الطّهر حينئذ ، لاختلاف الشهور من حيث الزّيادة والنقيصة ، وبه تختلف أيّام الطّهر قلّة وكثرة ، فإذا فرضنا أنّ عادتها هي رؤية الدم من أوّل الشهر إلى خامسة وكان الشهر الأوّل تسعة وعشرين يوماً ، والشهر الثّاني ثلاثين يوماً فإن طهرها بين الحيضة الأُولى والثّانية أربعة وعشرون يوماً ولكنّه بين الثّانية والثّالثة خمسة وعشرون يوماً.

ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا كانت عادتها رؤية الدم من عاشر كلّ شهر إلى منتصفه لزيادة الشهر ونقصانه كما مرّ ، فتحصل أنّ تساوي الطّهر غير معتبر في شي‌ء من ذات العادة الوقتيّة والعدديّة أو إحداهما فحسب.

فذلكة الكلام

أنّ الأخبار الواردة (١) في المقام دلّت على أنّ المرأة إذا كانت لها « أيّام » أو « الوقت المعلوم » تجعل الدم في أيّامها حيضاً ، ومفهومها العرفي أن تكون المرأة متعوّدة برؤية الدم إلى مدّة يصدق عرفاً أنّ تلك المدّة أيّامها وأنّها الوقت المعلوم ، كما إذا رأت سنة أو سنتين من أوّل كلّ شهر إلى خامسة أو في كلّ شهر خمسة غير معيّنة الوقت. وهذه بحسب الكبرى ومصداقها ممّا لا شبهة فيه ولا كلام ، وإنما كنّا نتكلم في أنّ الأيّام الواردة في الرّوايات هل تنطبق على غير ما يستفاد منها بحسب المتفاهم العرفي أيضاً أو لا تنطبق ، وقد أثبتنا بالموثقة (٢) أنّها تنطبق وتتحقّق برؤية الدم عدّة أيّام سواء مرّتين كما أثبتنا بالمرسلة (٣) أنّها تنطبق على رؤية الدم في وقت معيّن مرّتين.

__________________

(١) الوسائل ٢ : أبواب الحيض ب ٣ و ٤ و ٥ و ١٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٤ / أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

١٦٠