موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فإذا رأت في وسط اليوم الأوّل واستمرّ إلى وسط اليوم الرّابع يكفي في الحكم بكونه حيضاً (١) ، والمشهور اعتبروا التوالي (*) في الأيّام الثلاثة (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كفاية التلفيق في الثّلاثة‌

(١) كما هو الحال في قصد إقامة العشرة ، وذلك لأنّ اليوم كما مرّ وإن كان ظاهره ما يقابل اللّيلة فالمراد به بياض النّهار واللّيالي خارجة عن مفهومه وإنّما يحكم بدخولها في الحكم بالاستمرار لما يأتي بيانه عند التكلّم على اعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة إلاّ أنّه يحمل على مقداره في المقامين للقرينة الخارجيّة ، وهي الغلبة بحسب الوجود الخارجي ، حيث إنّه قلّما يتّفق أن يرد المسافر بلدة في أوّل طلوع الفجر أو طلوع الشّمس ، وإنّما يردها في أواسطه ، وكذلك الحال في المقام ، لأنّ المرأة إنّما ترى الدم في أواسط اللّيل أو النّهار وقلّ أن تتحيض عند طلوع الفجر أو طلوع الشّمس فإذا قصد الإقامة من نصف يوم إلى نصف اليوم الحادي عشر صدق حقيقة أنّه قصد إقامة عشرة أيّام ، بل لو قال إنِّي قصدت الإقامة تسعة أيّام ونصفين من اليوم كان من المضحك لدى العرف ، وكذلك الحال في المقام ، ومن هنا يحمل الأيّام على مقاديرها فلو رأت الدم من أوّل الزوال إلى زوال اليوم الرّابع صدق أنّها رأت الدم ثلاثة أيّام حقيقة ، ويحكم على الدم بكونه حيضاً.

اعتبار التوالي في الثلاثة أيّام‌

(٢) المعروف بينهم ( قدس الله أسرارهم ) اعتبار التوالي والاستمرار في الثّلاثة الأُول من الحيض ، وأمّا اعتبارهما بعد الثّلاثة وعدمه فهو أمر آخر يأتي عليه الكلام بعد ذلك.

__________________

(*) ما ذهب إليه المشهور هو الأظهر.

١٢١

وقد خالف في ذلك صاحب الحدائق قدس‌سره (١) وذهب إلى كفاية الثّلاثة المتفرقة ، ونقله عن بعض علماء البحرين أيضاً ، كما نسب ذلك إلى الشيخ قدس‌سره في نهايته واستبصاره وذهب إليه المحقّق الأردبيلي قدس‌سره (٢).

وما ذهب إليه المشهور هو الصّحيح ، والثّلاثة المتفرّقة غير كافية في الحكم بحيضيّة الدم ، فلو رأت الدم يوماً وانقطع بعده يومين ثمّ رأت يوماً واحداً وانقطع كذلك إلى أن ترى الدم ثلاثة أيّام متفرّقات لم يحكم بكونه حيضاً.

وعلى ما ذهب إليه صاحب الحدائق قدس‌سره وموافقوه يمكن أن تستمر حيضة واحدة واحداً وتسعين يوماً كما ذكره المحقّق الهمداني قدس‌سره (٣) ، كما إذا رأت الدم يوماً وانقطع إلى تسعة أيّام ، ورأت الدم يوم الحادي عشر وانقطع إلى تسعة أيّام ، ثمّ تراه يوم الحادي والعشرين وانقطع إلى تسعة أيّام ، ورأته يوم الحادي والثّلاثين وهكذا إلى اليوم الواحد والتسعين ، حتّى تكون الأيّام الّتي رأت فيها الدم عشرة أيّام مع عدم تخلّل طهر واحد بين الأيّام المذكورة ، وإن تخلّل أقل من الطّهر كتسعة أيّام مثلاً فهو غير مانع من الحكم بكون الدم حيضاً ، لأنّ اعتبار تخلّل أقلّ الطّهر إنّما يختص بحيضتين ، وأمّا الحيضة الواحدة فلا يعتبر أن يتخلّل في أثنائها أقل الطهر.

هذا بل لو اكتفى صاحب الحدائق قدس‌سره بكفاية التلفيق لأمكن استمرار الحيضة الواحدة إلى مائة واثنين وثمانين يوماً ، كما إذا رأت الدم نصف يوم وانقطع تسعة أيّام ، ورأته نصف يوم من اليوم الحادي عشر وانقطع حتّى رأته نصف يوم من اليوم الحادي والعشرين وهكذا ، فإنّه يكون ضعف الواحد والتسعين ، هذا.

ولكن ملاحظة ذيل كلام صاحب الحدائق قدس‌سره تعطي أنّه لا يلتزم بعدم اعتبار التوالي مطلقاً ، حيث تعرّض في نهاية كلامه إلى رواية الفقه الرّضوي الدالّة‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٥٩ / في غسل الحيض.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٣ / المقصد الثّاني في الحيض.

(٣) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٦٣ السطر ٦.

١٢٢

نعم بعد توالي الثّلاثة في الأُول لا يلزم التوالي في البقيّة ، فلو رأت ثلاثة متفرّقة في ضمن العشرة لا يكفي ، وهو محل إشكال ، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض فيها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على اعتبار التوالي في الثّلاثة (١) ، وحيث إنّه يرى اعتبارها جمع بينها وبين رواية يونس (٢) بحمل رواية الفقه الرّضوي وما بمعناها على غير أيّام العادة ، وحمل رواية يونس على أيّام العادة جمعاً بينهما (٣) ، أذن فهو لا يرى اعتبار التوالي في الثّلاثة في أيّام العادة لا مطلقاً.

وعلى ذلك لا يرد على صاحب الحدائق قدس‌سره أنّ الحيضة الواحدة قد تطول ستّة أشهر أو سنة بل أزيد إذا فرضنا أنّها رأت ساعة في كلّ يوم ، فإنّه قدس‌سره يرى اعتبار التوالي في الثّلاثة بالإضافة إلى غير أيّام العادة ، نعم لا يعتبره في أيّام العادة إلاّ أنّها ترى الحيض في كلّ شهر مرّة واحدة ، فلا تطول الحيضة الواحدة إلى سنة أو أقل أو أكثر.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة يقع في مراحل ثلاث :

الاولى : في إمكان استفادة اعتبار التوالي من الأدلّة الاجتهاديّة الواردة في المقام وعدمه.

الثانية : فيما تقتضيه القاعدة من العمومات والإطلاقات مع قطع النظر عما تدلّ عليه الأخبار الواردة في المقام.

الثالثة : فيما تقتضيه الأُصول العمليّة عند عدم توالي رؤية الدم في الأيّام الثلاثة على تقدير عدم دلالة الأدلّة الاجتهاديّة على اعتباره وعدم اقتضاء العمومات والقاعدة ذلك.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٢ : ١٢ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٣) الحدائق ٣ : ١٦٨ ، التنبيه الثّاني.

١٢٣

أمّا المرحلة الاولى : فالصحيح أنّ الأخبار المحدّدة لأقل الحيض بثلاثة أيّام كأكثره بعشرة أيّام تدل على اعتبار الاستمرار والتوالي في الأيّام الثلاثة ، واستفادة ذلك من الأخبار يتوقف على أُمور ، إذ لم يرد بهذا المضمون رواية.

الأمر الأوّل : أنّ الأخبار المحدّدة لأقل الحيض بثلاثة وأكثره بعشرة إنّما هي ناظرة إلى الحيضة الواحدة دون المتعدّدة ، لوضوح أنّه لا وجه لتحديد أكثر الحيضة المتعدّدة بعشرة أيّام ، فإنّ المرأة في عمرها لعلّها ترى الحيض أكثر من سنة ، فالروايات تحدّد أقل الحيضة الواحدة بثلاثة أيّام وتدل على أنّ الأقل من الثّلاثة ليس بحيض ، كما أنّ الأكثر من العشرة كذلك.

الأمر الثّاني : أنّ الحيض اسم لنفس الدم كما قدّمناه وقلنا إنّه اسم لنفسه أو لسيلانه ، وإطلاقه على المرأة بعد نَقائها مبني على المسامحة والعناية ، فهذه الرّوايات إنّما تدل على أنّ الدم المسمّى بالحيض لا يقصُر عن الثّلاثة ولا يزيد على العشرة ، وليس اسماً لحدث الحيض ، ويكشف عن ذلك تقابل الحيض بالطهر والنقاء من الدم في قوله تعالى : ( ... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ... حَتّى يَطْهُرْنَ ... ) (١) فالطهارة أي انقطاع الدم والحيض متقابلان ، فلو كان الحيض بمعنى الحدث لم يكن وجه لتقابلهما ، لبقاء الحدث عند طهارتها أي نقائها من الدم ، وكذا ما ورد في الرّوايات من قولهم « إذا طهرت تغتسل » (٢) حيث جعل الطّهر في قبال الحيض ، ولا وجه له إلاّ إذا كان بمعنى نفس الدم ، وإلاّ فالحدث باق إلى أن تغتسل.

الأمر الثالث : أنّ الاتصال مساوق للوحدة ، فمع اتصال الدم في الثّلاثة فهو حيض واحد ، وأمّا إذا انقطع فرأته يومين فلا يصدق عليه الحيضة الواحدة للانفصال.

فهذه الأُمور تجعل الأخبار الواردة في تحديد الحيض ظاهرة في إرادة التوالي والاستمرار في الثّلاثة ، لأنّه مع الانقطاع يخرج الدم عن كونه واحداً ، فهما دمان كلّ‌

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٠٩ / أبواب الحيض ب ١٧ ح ٢ ، ص ٣١٢ ب ٢١ ح ١ و ٣ ، ص ٣٢٥ ب ٢٧ ح ٤ و ٥ و ٦ ، وغيرها.

١٢٤

واحد منهما أقلّ من الثّلاثة فليس بحيض.

ومن هذا ظهر أنّ ما ذكره الأردبيلي (١) قدس‌سره من أنّ ما ذهب إليه المشهور من اعتبار التوالي والاستمرار في الثّلاثة أمر لا دليل عليه ، بل يكفي رؤيته ثلاثة أيّام متفرّقات لإطلاق الأخبار ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لا إطلاق في الأخبار كما عرفت حيث إنّها إنّما تحدّد الحيضة الواحدة دون المتعدّدة ، ومع الانقطاع ترتفع الوحدة كما مرّ ، وقد ذكرنا أنّ الأخبار بمعونة الأُمور الثلاثة تدل على اعتبار التوالي والاستمرار ، فما كان أقل من الثّلاثة ليس بحيض كان واحداً أو متعدِّداً.

نعم بعد رؤية الدم ثلاثة أيّام إذا انقطع ثمّ رأت الدم يوماً أو يومين قبل انقضاء العشرة كما في اليوم التاسع أو الثامن أو السابع يحكم بكونه حيضاً للأخبار (٢) ، وهي مخصّصة لما دلّ على أنّ الحيض لا يكون أقل من ثلاثة ، ولكن بعد رؤيتها ثلاثة أيّام وقبل العشرة ، وهذا بلحاظ ضمّه إلى الثلاثة واعتبار مجموعهما حيضاً واحداً ، ومن هنا عبّر في الرّوايات بأنّه من الحيض أي من ثلاثة أيّام.

هذا وقد استدل على مسلك غير المشهور برواية يونس القصيرة « وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام ، فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام فذلك الدم الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الّذي رأته لم يكن من الحيض ، إنّما كان من علّة ... » (٣) فتقضي صلاتها الفائتة في تلك الأيّام. وهي على تقدير تماميتها صريحة في عدم اعتبار التوالي في الثّلاثة الأُول ، وتكون حينئذ حاكمة على ظهور الأخبار المتقدّمة في التوالي والاستمرار.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٣ / المقصد الثّاني في المحيض.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

١٢٥

إلاّ أنّها غير تامّة لإرسالها حيث رواها يونس عن بعض رجاله ولا ندري أنّه أيّ شخص ولعله من الضعاف ، فتسقط الرّواية بذلك عن الاعتبار ، نعم يبقى هناك ما ادّعاه الكشي (١) من الإجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة كابن أبي عمير وزرارة وغيرهم ومنهم يونس هذا ، إلاّ أنّ ذلك الإجماع غير قابل للاعتماد عليه.

أمّا أوّلاً : فلإجمال المراد به ، فهل أُريد بالإجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة أنّ السند إذا كان معتبراً إلى تلك الجماعة فلا ينظر إلى من وقع بعدهم من الرّواة في سلسلة السند ، بل يحكم باعتبار الرّواية وإن كان الرّاوي بعدهم غير معلوم الحال لنا حتّى يوجب اعتبار الرّواية في أمثال المقام ، أو أنّ المراد به توثيق هؤلاء الجماعة في أنفسهم وأنّهم ثقات أو عدول وإن لم يرد توثيق في حقّ بعضهم غير هذا ، أو كان واقفياً أو فطحياً مثلاً ، ليكون معناه أنّ السند إذا تمّ من غير ناحيتهم فهو تام من جهتهم أيضاً لأنّهم ثقات أو عدول ، وأمّا من وقع قبلهم أو بعدهم فلا يستفاد من هذا توثيقه ، وبما أنّ الثّاني محتمل في نفسه فيصبح معقد الإجماع مجملاً ولا يمكننا الاعتماد عليه.

وأمّا ثانياً : مع قطع النّظر عن المناقشة الاولى فلأن هذا الإجماع ليس بأزيد من إجماع منقول بخبر الواحد ، وهو ممّا لا نعتمد عليه ، والمحصل منه غير حاصل لنا ، فلا يمكن تصحيح الرّواية من هذه الجهة.

كما أنّ احتمال الانجبار بعمل مثل الشيخ غير تام ، لعدم كون عمله ومن تبعه موجباً للانجبار ، على أنّه عدل عنه في كتب فتاواه كالمبسوط على ما حكي (٢).

وأمّا المناقشة في الرّواية من جهة اشتمال سندها على إسماعيل بن مَرّار لعدم توثيقه فيمكن دفعها بأنّه وإن لم يرد توثيق في حقّه بشخصه إلاّ أنّ محمّد بن الحسن بن الوليد قد صحّح كتب يونس ورواياته عن رجاله بأجمعها ، ولم يستثن منها إلاّ محمّد بن‌

__________________

(١) رجال الكشي ٥٥٦ / الرّقم ١٠٥٠.

(٢) حكاه في المستمسك ٣ : ١٩٧ ، وراجع المبسوط ١ : ٤٢ / فصل في ذكر الحيض.

١٢٦

عيسى العبيدي ، وهو توثيق إجمالي لرجال يونس الّذين منهم إسماعيل بن مرار ، ولا يعتبر في التوثيق أن يكون شخصيّاً أو تفصيليّاً ، على أنّ الرّجل ممن وقع في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي ، وقد بنينا على وثاقة كلّ من وقع في تلك الأسانيد ويؤكّده أنّ القميين عملوا بروايات نوادر الحكمة ولم يستثنوا منها إلاّ ما تفرّد به محمّد ابن عيسى العبيدي مع أنّ في سندها إسماعيل بن مَرّار ، فلا وجه للمناقشة في الرّواية من هذه الجهة.

هذا وقد استدلّ صاحب الحدائق (١) قدس‌سره على عدم اعتبار التوالي برواية عبّر عنها بموثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة » (٢) بدعوى دلالتها على أنّ المرأة إذا رأت الدم مثلاً يوماً وانقطع ثمّ رأته يومين قبل انقضاء العشرة فهما يلتحقان باليوم الأوّل ، فيكون المجموع حيضاً واحداً.

ويندفع بأنّه وإن ادّعى في الحدائق ظهورها في المدعى إلاّ أنّها أجنبيّة عن المقام رأساً.

وذلك لأنّها ناظرة إلى بيان أنّ ما تراه المرأة من الدم قبل العشرة بعد حيضها ينضم إلى الحيضة الأُولى ، وما تراه بعد العشرة فهو من الحيضة الثانية ، وأمّا أنّ الحيضة الأُولى تتحقّق بأيّ شي‌ء وشرطها ماذا فلا دلالة للرواية عليه ، بل تدلّ على أنّ الحيضة بعد تحقّقها ينضم إليها الدم الّذي تراه المرأة قبل العشرة ، فلا دلالة لها على عدم اعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة بوجه.

والّذي يوضِّح ما ذكرناه مضافاً إلى وضوحه في نفسه أنّه عليه‌السلام حكم بأنّ‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٦١ / في غسل الحيض.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٦ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١. وهذه الرواية لا بأس بعدّها موثقة. نعم لمحمّد ابن مسلم رواية أُخرى بهذا المضمون وهي صحيحة ، تراها في الوسائل ٢ : ٢٩٨ / أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.

١٢٧

ما تراه بعد العشرة من الحيضة الثّانية ، مع أنّه لا تتحقّق الحيضة الثّانية إلاّ بتخلّل أقل الطّهر وعدم كون الدم أقل من ثلاثة وكونه بأوصاف الحيض ، فلا دلالة لها على أنّ الحيضة الثّانية غير مشترطة بشي‌ء ، بل تدل على أنّ الحيضة الثّانية على تقدير تحقّقها في نفسها بمالها من الشرائط ينضم إليها الدم الّذي تراه المرأة بعد العشرة ، فلا بدّ من استفادة أنّ شرائط الحيضة الأُولى والثّانية أيّ شي‌ء من المراجعة إلى الأدلّة الخارجيّة ، وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في المسألة ظاهرة الدلالة على اعتبار التّوالي والاستمرار في الثّلاثة.

ولعلّ ما ذكرناه من عدم دلالة الرّواية على المدعى هو مراد صاحب المدارك (١) قدس‌سره من أنّ الرّواية غير صريحة في كفاية الثّلاثة المتفرّقة بإرادة عدم الدلالة من عدم الصّراحة ، فلا يرد عليه ما أورده في الحدائق من أنّ ظهور الرّواية في المدعى يكفي في إثباته ولا يعتبر كونها صريحة ، فإنّ من البعيد جدّاً أن يخفى على صاحب المدارك حجيّة الظّهور وكفايته في المدّعى ، فالمراد به عدم دلالتها على المدّعى كما قدّمناه. هذا كلّه في المرحلة الاولى وبالنظر إلى دلالة الأخبار على ذلك.

المرحلة الثّانية : أعني ما تقتضيه العمومات والإطلاقات في المقام ، فنقول : إنّ مقتضى عموم ما دلّ على وجوب الصّلاة على جميع المكلّفين أو إطلاقه ، وعموم ما دلّ على جواز إتيان الزّوج زوجته أنّى شاء وفي أيّ زمان أراد ، وغير ذلك من الأحكام وجوب الصّلاة على المرأة الّتي رأت الدم ثلاثة أيّام متفرّقات ، لأنّها أيضاً من أفراد المكلّفين ، كما أنّ مقتضى العموم أو الإطلاق في قوله : ( ... فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ... ) (٢) جواز إتيان بعلها في ذلك الزّمان ، أعني الزّمان الّذي رأت فيه المرأة الدم ثلاثة أيّام متفرّقات.

والسرّ في ذلك أنّ نسبة ما دلّ على عدم وجوب الصّلاة على الحائض وعدم جواز‌

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٢١ / الفصل الثّاني في الحيض.

(٢) البقرة ٢ : ٢٢٢.

١٢٨

إتيانها وعدم جواز دخولها المسجد وغير ذلك من أحكامها بالإضافة إلى تلك العمومات والمطلقات نسبة المخصّص أو المقيّد ، ونشكّ في سعة مفهوم الحيض وضيقه ولا ندري أنّه هل يتحقّق برؤية الدم ثلاثة أيّام متفرّقات كتحقّقه بالثلاثة المتواليات أو لا تحقّق لها معها ، وإذا دار أمر المخصّص بين الأقل والأكثر ، بمعنى أنّ الشبهة كانت مفهوميّة ، فيكتفى في تخصيص العمومات بالمقدار المتيقن ، ويرجع في المقدار المشكوك الزائد إلى العموم والإطلاق ، ومعه فالنتيجة اعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة في الحيض وعدم كفاية الثّلاثة المتفرّقات.

ومن الغريب في المقام ما صدر عن المحقّق الهمداني قدس‌سره ، حيث منع عن التمسّك بالعمومات حينئذ بدعوى أنّ الشبهة مصداقيّة ولا يجوز فيها التمسّك بالعام وإن عقّبه بقوله : إلاّ أن يقال إنّ الشّبهة مفهوميّة ، ولا بأس معها من الرّجوع إلى العام ، ثمّ أمر بالتأمّل (١).

وذلك لأنّ عدم كون الشبهة مصداقيّة في المقام أمر واضح لا وجه لاحتماله ، حيث إنّ الشبهة إنّما تكون مصداقيّة إذا شكّكنا في فرد أنّه من الأفراد الخارجة عن العموم أو من الباقية تحته مع وضوح المفهوم في المخصّص ، وأمّا إذا كانت الشبهة مفهوميّة كما في المقام لعدم العلم بسعة مفهوم الحيض وضيقه فلا بدّ معه من التمسّك بالعام في غير المقدار المتيقّن من المخصّص.

ثمّ إنّا إن قلنا بالواسطة بين دم الحيض والاستحاضة في غير دم النفاس ودم القروح والجروح ودم العُذرة للعلم بعدم كونها حيضاً ولا استحاضة ، بأن لم نقل : إنّ كلّ دم لم يكن حيضاً في غير الدّماء المذكورة فهو استحاضة ، فمقتضى العمومات المتقدِّمة وجوب الصّلاة عليها وغيرها من أحكام الطّهارة فحسب ، وأمّا إذا لم نقل بالواسطة وقلنا إنّ كلّ دم لم يحكم بحيضيّته فهو استحاضة ، كما يأتي الكلام عليه في بحث الاستحاضة فهي مستحاضة ، فلا بدّ من أن تعمل المرأة بأحكام المستحاضة بأن تصلِّي مع الاغتسال.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطّهارة ) : ٢٦٣ السطر ١٤.

١٢٩

وذلك لأنّ العمومات الدالّة على وجوب الصّلاة في حقّها بالدلالة المطابقيّة تدل بالدلالة الالتزاميّة على وجوب اغتسالها وكونها مستحاضة ، لأنّه لازم عدم كونها حائضاً ، حيث بنينا على أنّ كلّ دم لم يكن بحيض فهو استحاضة ، وبما أنّ المرأة تجب عليها الصّلاة ويعامل معها معاملة غير الحائض فلا بدّ أن يحكم عليها بالاستحاضة هذا.

وقد يتوهّم أنّ الحيض ليس من المفاهيم الاختراعيّة الشرعيّة ، وإنّما هو مفهوم عرفي كان متحقّقاً ودارجاً عند العرف قبل الشرع والشّريعة المقدّسة ، نظير مفهوم البيع وغيره من الأُمور العرفيّة ، ولا بدّ في مثله من الرّجوع إلى العرف عند الشكّ في اعتبار قيد في مفهومه وعدمه ، إلاّ أن يقوم دليل شرعي على اعتباره ، كاعتبار عدم الغرر في البيع واعتبار ثلاثة أيّام في الحيض ، وأمّا إذا لم يدل دليل على الاعتبار وشككنا في اعتباره فيه فلا مناص من الرّجوع فيه إلى العرف ، ولا شبهة في أنّ الدم ثلاثة أيّام غير متوالية حيض لدى العرف ، ولا يعتبر في مفهومه عندهم التوالي والاستمرار.

ويندفع بأنّ الحيض وإن كان له مفهوم عند العرف ، إلاّ أنّه بمفهومه العرفي ليس بموضوع للأحكام المترتبة عليه ، وإلاّ للزم التسوية بين الحيض والاستحاضة لأنّ مادتهما مشتركة ، والاستحاضة هو الحيض الكثير ، لأنّه لغة بمعنى الدم الكثير ، مع أنّها بمفهومها الجامع بين الحيض والاستحاضة المصطلح عليهما غير مرادة فيما ترتب عليها من الأحكام ، بل الموضوع للأحكام المترتبة عليه هو الدم العبيط الخارج من عرق مخصوص مع سائر المزايا المعتبرة فيه شرعاً.

وبعبارة اخرى الموضوع لتلك الأحكام معنى اصطلاحي خاص ، وحيث إنّا نشك في سعته وضيقه فلا مناص من الاقتصار في تخصيص العمومات والمطلقات على المقدار المتيقّن منه ونرجع في المقدار الزائد المشكوك فيه إلى العموم والإطلاق ، وليس الحيض كالبيع وغيره من المفاهيم المتحد فيها المستعمل فيه والموضوع له في لسان‌

١٣٠

الشرع والعرف. هذا كلّه في هذه المرحلة ، ثمّ إنّه إذا لم يتم التمسّك بالعموم والإطلاق تصل النوبة إلى المرحلة الثالثة أعني مقتضى الأصل العملي.

أمّا المرحلة الثّالثة : فحاصل الكلام فيها أنّ المرأة لمّا كانت عالمة بتوجّه أحكام إلزاميّة إليها لأنّها إن كانت حائضاً يحرم عليها دخول المسجد وتمكين زوجها من نفسها ولا تجب عليها الصّلاة ، وإن كانت غير حائض وجبت عليها الصّلاة من دون اغتسال إذا قلنا بالواسطة بين الحيض والاستحاضة ، أو مع الاغتسال إذا أنكرنا الواسطة بينهما فمقتضى العلم الإجمالي وقاعدة الاشتغال الاحتياط بالجمع بين أحكام الطّاهرة أو المستحاضة وأحكام الحائض أي تروكها ، هذا.

ولكن شيخنا الأنصاري (١) قدس‌سره أجرى استصحاب عدم الحيض حينئذ وبه حكم بعدم كونها حائضاً ، فتجب عليها الصّلاة وغيرها من الوظائف المقررة لغير الحائضات ، وقال إنّ هذا الأصل لا يعارض باستصحاب عدم الاستحاضة ، وذلك لأنّا إن قلنا بالواسطة بين الحيض والاستحاضة فلا تنافي بين الأصلين ، فيحكم بعدم كونها حائضاً ولا مستحاضة ، وأمّا إذا أنكرنا الواسطة بينهما فلا مجرى لاستصحاب عدم الاستحاضة ، لأنّه لا يثبت كونها حائضاً ، وهذا الاستصحاب يوجب انحلال العلم الإجمالي لا محالة.

ويدفعه : أنّ المراد بالاستصحاب إن كان هو الأصل الموضوعي أعني استصحاب عدم كون الدم حيضاً فقد بيّنا وبيّنه هو قدس‌سره في محله أنّ الشبهات المفهوميّة ممّا لا مجرى فيه للأصل الموضوعي ، لعدم الشك في شي‌ء غير التسمية ، حيث إنّ خروج الدم ثلاثة أيّام أمر قطعي لا شكّ فيه ، وعدم كونها متوالية أيضاً كذلك ، ومعه يجري الاستصحاب في أيّ شي‌ء ، إذ الشكّ إنّما هو في التسمية وأنّ مثل هذا الدم يسمّى حيضاً أو لا يسمّى كذلك ، وأي أصل يحرز به ذلك.

وإن أُريد به الأصل الحكمي فإن أُريد استصحاب الحكم في مرحلة الفعليّة‌

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ١٨٩ السطر ٢٨ / المقصد الثّاني في الحيض.

١٣١

كاستصحاب عدم حرمة الدخول في المساجد ، واستصحاب وجوب الصّلاة في حقّها وهكذا ، ففيه أنّه لا يمكن استصحاب الحكم مع الشكّ في تحقّق موضوعه ، لأنّا نحتمل بالوجدان عدم كون المرأة طاهرة بأن تكون حائضاً كما نحتمل طهارتها ، ومعه كيف يحكم عليها بأحكام المرأة الطاهرة.

وإن أُريد به استصحاب الحكم في مرحلة الجعل ، كاستصحاب عدم جعل حرمة الدّخول في المساجد عليها ، أو استصحاب عدم جعل حرمة وطئها وهكذا ، ففيه أنّه وإن كان له حالة سابقة إلاّ أنّه معارض باستصحاب عدم جعل وجوب الصّلاة أو جواز الدّخول في المساجد أو جواز الوطء عليها حينئذ ، بلا فرق في ذلك بين القول بالواسطة بين الحيض والاستحاضة وبين القول بعدمها ، لأنّ الصّلاة واجبة عليها على كلّ حال إذا لم تكن حائضاً إمّا بلا غسل وإمّا مع الاغتسال ، ولأجل العلم الإجمالي بكونها حائضاً أو غير حائض يتعارض الأصلان.

وكذلك الحال فيما إذا أُريد به البراءة عن حرمة الدّخول في المساجد مثلاً ، لكونها معارضة بالبراءة عن وجوب الصّلاة ، فلا

يبقى مورد للأصل غير إجراء الاستصحاب في عدم خروج الدم من العرق المخصوص ، فإنّه جار من غير معارض ، حيث لا أثر لعدم خروجه من سائر العروق إلاّ على القول بالأصل المثبت ، إلاّ أنّه أيضاً يندفع بعدم ترتّب أثر على خروج الدم من العرق المخصوص ، لأنّ ذلك إنّما أُخذ معرفاً وحاكياً عن الحيض في الأخبار ، والأحكام مترتبة على ما يلزم خروج الدم من العرق المخصوص ، فإنّه إذا خرج منه يحرم وطؤها ويحكم بكونها حائضاً ، واستصحاب عدم اللاّزم لنفي ملزومه من الأُصول المثبتة.

فإذن لا مناص من الاحتياط كما قدّمناه ، إلاّ أنّك عرفت أنّ مقتضى الأخبار اعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة ، والحكم بعدم الحيضيّة عند فقد التوالي في الثّلاثة.

١٣٢

وكذا اعتبروا استمرار الدم في الثّلاثة ولو في فضاء الفرج ، والأقوى كفاية الاستمرار العرفي وعدم مضرّيّة الفترات (*) اليسيرة في البين ، بشرط أن لا ينقص من ثلاثة بأن كان بين أوّل الدم وآخره ثلاثة أيّام ولو ملفّقة ، فلو لم تر في الأوّل مقدار نصف ساعة من أوّل النّهار ومقدار نصف ساعة في آخر اليوم الثّالث لا يحكم بحيضيّته ، لأنّه يصير ثلاثة إلاّ ساعة مثلاً. واللّيالي المتوسطة داخلة فيعتبر الاستمرار العرفي فيها أيضاً ، بخلاف ليلة اليوم الأوّل وليلة اليوم الرّابع ، فلو رأت من أوّل نهار اليوم الأوّل إلى آخر نهار اليوم الثّالث كفى (١).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اعتبار الاستمرار في الثّلاثة ولو في فضاء الفرج‌

(١) ما قدّمناه إلى هنا إنّما كان راجعاً إلى اعتبار الاستمرار في الأيّام الثّلاثة ، وقد عرفت اعتباره بمقتضى الأخبار المتقدّمة ، وهل يعتبر الاستمرار في نفس الدم أيضاً بأن يكون خارجاً من الرّحم على نحو الاتصال وإن لم يخرج إلى الخارج بل كان في فضاء الفرج ، لما مرّ من أنّ الخروج إلى الخارج إنّما يعتبر في حدوث الحيض ، فإنّ موضوعه ما تراه المرأة أو نحوه من المعاني ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالخروج إلى الخارج وأمّا بحسب البقاء فلا يعتبر ذلك بوجه ، بل لو كان موجوداً في المجرى وفي فضاء الفرج بحيث لو أدخلت كرسفاً لخرج الكُرسُف ملوّثاً به كفى ذلك في صدقه ، فلو انقطع الدم آناً أو دقيقة حكم بعدم حيضها أو لا يعتبر الاستمرار في الدم بالنظر العقلي؟

الصحيح عدم كون الانقطاع آناً أو دقيقة مضرّاً بالحيض فيما إذا كان ذلك عادة النِّساء ، بأن كانت عادتهنّ أن ينقطع دمهنّ دقيقة أو أكثر مثلاً ، بحيث يصدق عليها أنّها رأت الدم مستمرّاً ثلاثة أيّام ، لأنّه الموضوع للحكم بالحيضيّة ، وهو الأكثر في الحيض إذا كان عادة النِّساء ، نعم الانقطاع بأكثر ممّا جرت عليه عادة النِّساء مانع عن‌

__________________

(*) الظاهر أنّه يريد بها ما تكون متعارفة خارجاً ولو في بعض النِّساء.

١٣٣

الحكم بالحيضيّة.

ثمّ إنّك عرفت أنّ مقتضى الأخبار الواردة في تحديد أقل الحيض وأكثره (١) أنّ أقلّه ثلاثة وأكثره عشرة ، وهو تحديد لنفس الدم المعبّر عنه أو عن سيلانه بالحيض ، وأمّا قعود المرأة وحدث الحيض فلم يرد تحديد أقلّه ولا أكثره بشي‌ء في الرّوايات. نعم يمكن استفادة ذلك من الأخبار بالدلالة الالتزاميّة ، وذلك لأنّها دلّت على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام فالدم المرئي يوماً أو يومين ليس بحيض ، ومع عدم كون الدم حيضاً فلا يتحقّق حدث الحيض لا محالة ، فتدل تلك الرّوايات بالملازمة على أنّ أقل حدث الحيض كدمه ثلاثة أيّام.

وأمّا بحسب أكثره فقد حدّدت الرّوايات أكثر دم الحيض بعشرة ، فإن كان الدم مستمرّاً إلى عشرة أيّام فلا محالة تدل تلك الأخبار على عدم حيضيّة الدم بعد العشرة ، ومع عدم كون الدم حيضاً لا يتحقّق حدث الحيض لا محالة ، فيستفاد من الأخبار أنّ أكثر حدث الحيض أيضاً عشرة أيّام عند استمرار الدم إلى عشرة.

وأمّا إذا كان الدم غير متّصل ومستمر فلا يخلو إمّا أن يتخلّل بين الدمين أقلّ الطّهر أو لا يتخلّل ، فإن تخلّل بينهما أقلّ الطّهر فهما حيضتان ، وكلّ منهما لا بدّ وأن لا يقلّ عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة ، فيأتي في كلّ منهما ما قدّمناه وما سنذكره ، فعند استمرار كلّ منهما إلى عشرة يستفاد من الأخبار المحدّدة لأكثر الحيض أنّ أكثر حدث الحيض أيضاً عشرة ، وأمّا إذا لم يستمر فيظهر حكمه عن قريب.

وأمّا إذا تخلّل بينهما أقلّ من عشرة أيّام أي لم يتخلّل بينهما أقلّ الطّهر ، كما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام ثمّ انقطع خمسة أيّام ثمّ رأت ثلاثة أيّام أو أقل أو أكثر ، فإن قلنا إن المدّة المتخلّلة بين الدمين إذا كانت أقل من عشرة أيّام بحكم الحيض كما هو الصّحيح فأيضاً لا بدّ أن لا يكون الدم أكثر من عشرة أيّام ، فبالملازمة يستفاد أنّ الحدث أيضاً لا يكون أكثر من عشرة من أوّل يوم رأت الدم ، فتحسب أيّام الدم وأيّام النَّقاء المتخلِّل‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩٣ / أبواب الحيض ب ١٠.

١٣٤

[٧٠٧] مسألة ٧ : قد عرفت أنّ أقلّ الطّهر عشرة (١) ، فلو رأت الدم يوم‌

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الّتي هي بحكم الحيض إلى عشرة أيّام ، ولا يزيد الدم والحدث عن عشرة أيّام لا محالة.

وأمّا إذا قلنا أنّ النقاء المتخلّل الأقل من العشرة طهر كما بنى عليه صاحب الحدائق (١) قدس‌سره فأيضاً يحسب المجموع مجموع الدمين ، ولا بدّ أن لا يكون المجموع من الدمين أو الأكثر غير أيّام النقاء زائداً على العشرة ، فأيضاً لا بدّ أن لا يكون الحدث زائداً على العشرة ، لدلالة الأخبار على عدم حيضيّة الدم في الزّائد عن العشرة ، ومع سلب كونه حيضاً كيف يبقى الحدث.

فتحصل أنّ الحدث كنفس الدم أقلّه ثلاثة أيّام وأكثره عشرة.

حكم النّقاء الأقلّ من عشرة المتخلّل بين الدمين‌

(١) هذه هي المسألة المعروفة بين الفقهاء من أنّ النّقاء الأقل من عشرة المتخلّل بين الدمين بحكم الحيض أو أنّه طهر ، فعلى الأوّل إذا رأت الدم ثلاثة أيّام وانقطع أربعة ثمّ رأته ثلاثة أيّام يكون حيضها عشرة أيّام ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا أنّ مدّة النّقاء الأقل من عشرة أيّام طهر ، لأنّ الحيض في هذه الصّورة ستّة أيّام.

والمعروف بينهم أنّ النّقاء المتخلّل الأقل من العشرة بحكم الحيض ، فيجب عليها ما يجب على الحائض ويحرم عليها ما يحرم عليها ، وخالف في ذلك قليل ، منهم صاحب الحدائق (٢) قدس‌سره ، وذهب إلى أنّ النّقاء الأقل من العشرة طهر ، ولا مانع من تخلّله بين حيضة واحدة ، وإنّما لا يتخلّل أقل من عشرة أيّام بين حيضتين مستقلّتين ، إذ يعتبر فيهما تخلّل أقلّ الطّهر وهو عشرة أيّام ، ولكن الماتن ( قدس‌سره )

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٦٠ / في غسل الحيض.

(٢) نفس المصدر.

١٣٥

لم يرجّح أحد القولين على الآخر في المسألة ، ومن ثمة احتاط بالجمع بين أحكام الطاهرة وتروك الحائض ، ولم يحكم أن أيّام النّقاء طهر ، وبين صدر كلامه وذيله تهافت كما تأتي الإشارة إليه.

والكلام في ذلك يقع في مقامين :

أحدهما : في المقتضي ، أي ما استدلّ به على مسلك المشهور.

ثانيهما : فيما يمنع عن ذلك ، أي ما استدلّ به صاحب الحدائق قدس‌سره.

أمّا المقام الأوّل : فقد استدلّ على مسلك المشهور بمعتبرة محمّد بن مسلم من أنّ المرأة إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى ، وإن رأته بعد العشرة فهو من حيضة مستقبلة (١). وبمضمونها رواية عبد الرّحمن بن أبي عبد الله الآتية (٢).

وجه الدلالة أنّ قوله عليه‌السلام « فهو من الحيضة الأُولى » ظاهر في بقاء الحيضة الاولى إلى زمان رؤية الدم قبل انقضاء العشرة حسب المتفاهم العرفي ، ومعناه كون النقاء المتخلّل بين الدمين محكوماً بالحيض ، إذ لو كان طهراً كان ما قبله وجوداً وما بعده وجوداً آخر ، ولا يكونان موجودين بوجود واحد ، نعم كون الموجودين موجودين بوجود واحد اعتباراً أمر ممكن ، لكنّه يحتاج إلى دليل وعلى خلاف المتفاهم العرفي من الرّواية.

وأيضاً استدلّ للمشهور بالأخبار الواردة في أنّ أقلّ الطّهر عشرة أو أنّ القرء لا يكون أقل من العشرة (٣) ، فإنّ مقتضى إطلاقها أنّ ما يتخلّل بين الدمين وكان أقل من العشرة ليس بطهر ، بلا فرق في ذلك بين كون الدمين حيضة واحدة وكونهما حيضتين مستقلّتين.

وكيف كان فإنّ هذه الأخبار تقتضي الحكم ببقاء الحيضة الأُولى عند رؤية الدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٩٦ / أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١. ص ٢٩٨ ب ١١ ح ٣.

(٢) تأتي في الصفحة ١٤٤.

(٣) الوسائل ٢ : ٢٩٣ و ٢٩٧ / أبواب الحيض ب ١٠ و ١١.

١٣٦

بعد النّقاء بأقل من عشرة أيّام ، حيث دلّت على أنّ الدم حينئذ من الحيضة الأُولى وعليه فمدّة النّقاء محكومة بالحيض لا محالة ، هذا.

وقد استدلّ صاحب الحدائق قدس‌سره على ما ذهب إليه من تخصيص عدم كون الطّهر أقلّ من العشرة بالحيضتين المستقلّتين ، وجواز تخلّل أقلّه ، أي أقلّ الطّهر (١) بين حيضة واحدة وكونه طهراً برواية يونس القصيرة (٢) ، وبها ادعى تقييد ما دلّ على أنّ أقلّ الطّهر عشرة بما إذا وقع بين الحيضتين المستقلّتين.

ويدفعه : أنّها ضعيفة السند ، لأنّ يونس رواها عن بعض رجاله ، ودعوى أنّ يونس من أصحاب الإجماع ، وقد أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه ، مندفعة بما مرّ غير مرّة من أنّ ذلك إجماع منقول بخبر الواحد ، على أنّ معقده غير واضح ، لقوّة احتمال أنّهم أرادوا بذلك توثيق نفس هؤلاء الأشخاص ، وأنّ السّند إذا انتهى إليهم فلا يتوقّف من قبلهم ، لا أنّهم أرادوا تصحيح الخبر عند انتهاء السند إليهم ولو كان الرّاوي بعدهم ضعيفاً أو مجهول الحال.

على أنّ دلالتها على مدعى صاحب الحدائق قدس‌سره غير تامّة ، وذلك لأنّه قدس‌سره استدلّ بقوله فيها « فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصّلاة فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض ، وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام ، فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الّذي رأته لم يكن من الحيض ، إنّما كان من علّة ... » نظراً إلى أنّها دلّت على أنّ الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة من الحيض ، ولم تدل على أنّهما وأيّام النقاء المتخلّلة في الأثناء من الحيض مع أنّه في مقام البيان ، فسكوته عن بيان أنّ أيّام النّقاء‌

__________________

(١) لعلّ الأنسب أن يُقال : وجواز تخلّل الأقل من العشرة ....

(٢) الوسائل ٢ : ٢٩٩ / أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

١٣٧

حيض يدلّنا على أنّ النّقاء المتخلّل طهر ، وإلاّ لوجب عليه عليه‌السلام بيان ذلك.

ويدفعه : أنّ جملة « فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض » ليست كلاماً ابتدائيّاً له عليه‌السلام حتّى يتمسك بسكوته في مقام البيان ، وإنّما كلامه الابتدائي قوله في صدر الحديث وأوّله « أدنى الطّهر عشرة أيّام » ثمّ فرع عليه قوله « فإن استمرّ بها ... » وقوله « فإن رأت في تلك العشرة ... » فقوله « فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر ... » إذا لوحظ مع صدر الرّواية يدلّ على أنّ النّقاء المتخلّل بين الحيضة الواحدة ليس بطهر إذا كان أقل من عشرة أيّام ، لا أنّه عليه‌السلام سكت عن بيان كون أيّام النّقاء بحكم الحيض ، بل بيّنه بقوله في صدرها « أدنى الطّهر عشرة أيّام ».

وأمّا عدم عدّ أيّام النّقاء من الحيض حيث خصّ الحيض بذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فالوجه فيه أنّ الحيض اسم لنفس الدم أو سيلانه ، ولا معنى لأنّ يكون الطّهر والنّقاء حيضاً ، نعم أيّام النّقاء الأقل من عشرة أيام أيام حدث الحيض لا أنّها حيض ، هذا.

على أنّ الرّواية إنّما تدل على مسلك المشهور في نفسها ، ولا دلالة لها على ما ذهب إليه صاحب الحدائق قدس‌سره ، وذلك لأنّها صرحت في غير واحدة من جملاتها على أنّ مبدأ احتساب العشرة أوّل يوم رأت المرأة فيه الدم ، وعليه فإذا فرضنا أنّها رأت الدم يومين ثمّ انقطع تسعة أيّام وهما أحد عشر يوماً ورأت الدم اليوم الثّاني عشر فمقتضى هذه الرّواية أنّه ليس بحيض ، لأنّها رأته بعد مضي عشرة أيّام من أوّل يوم رأت الدم ، مع أنّه من الحيض على مسلك صاحب الحدائق قدس‌سره ، لأنّه لا مانع على مسلكه من أن يتخلّل أقل من عشرة بين حيضة واحدة ، فعشرة الحيض إنّما هي مجموع أيّام رؤية الدم وأيّام النّقاء على ما دلّت عليه الرّواية.

وأيضاً استدلّ بقوله فيها « فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيّام ثمّ انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدمَ ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام فذلك من الحيض تدع الصّلاة ، وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثّاني الّذي رأته تمام‌

١٣٨

العشرة أيّام ودام عليها عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثّاني عشرة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة ... ».

بتقريب أنّها دلّت على أن المرأة إذا حاضت خمسة أيّام ثمّ انقطع الدم ثمّ رأت الدم قبل مضي عشرة أيّام من طهرها وانقطاع دمها فهو حيض ، ومعه لو كانت مدّة النّقاء محسوبة من الحيض ربّما زادت أيّام حيضها على العشرة ، كما إذا حاضت خمسة أيّام وطهرت تسعة أيّام ورأت الدم اليوم الخامس عشر ، حيث إنّه دم رأته قبل تمام العشرة من يوم طهرها فهو حيض ، كما أنّ الأوّل والأثناء حيض ، فقد زاد حيضها على العشرة ، وبما أنّ الحيض لا يزيد عن عشرة أيّام فلا يمكن عدّ أيّام النّقاء من الحيض وإنّما هي طهر.

ويدفعه أوّلاً : أنّ شيخنا الأنصاري (١) قدس‌سره نقل عن بعض النسخ المعتبرة « من يوم طمثت » لا طهرت ، وعليه فلا يرد أنّ أيّام النّقاء لو احتسبت من الحيض لزاد على العشرة في بعض الفروض ، لأنّها دلّت على احتساب العشرة من أوّل يوم رأت الدم ، فجعل عشرة الحيض مجموع أيّام الدم وأيّام النّقاء ، ومع اختلاف النّسخ تسقط الرّواية عن قابليّة الاستدلال بها.

وثانياً : لو فرضنا أنّ الرّواية « من يوم طهرت » كما نقله صاحب الحدائق قدس‌سره فيدفعه أنّ الظّروف وغيرها من المتعلّقات إنّما ترجع إلى الفعل أو المصدر أو غيرهما من الأُمور الحدثيّة المذكورة في الكلام ، لأنّه ظاهر كلّ كلام عربي وغيره فإذا قيل جاء زيد أو ضرب يوم الجمعة فالظاهر أنّ يوم الجمعة ظرف للضرب أو المجي‌ء ، لا أنّه ظرف للجوهر أعني زيد بتقدير كائن أو غيره ، لأنّه على خلاف الظّاهر ، وعليه فقوله عليه‌السلام « عشرة أيّام » ظرف ومتعلّق لقوله « لم يتم » ، ثمّ إنّ التمام إنّما يكون بعد الوجود والحدوث ، ومعنى ذلك أنّ عشرة الحيض الّتي تحقّقت منها خمسة أيّام على الفرض إذا تمّت من يوم طهارتها عشرة أيّام ، أي مضت عليها خمسة‌

__________________

(١) كتاب الطّهارة : ١٩٣ السطر ١٥ / المقصد الثّاني في الحيض.

١٣٩

أُخرى ثمّ رأت الدم فهو استحاضة ، وإذا لم تتمّ بأن لم تمض عليها خمسة أيّام بل يوم أو يومان مثلاً فرأت الدم فهو من الحيض ، فالمراد من تمام العشرة وعدمه تمام عشرة الحيض وعدمه ، لأنّها الّتي تحقّقت ووجدت فقد تتمّ وقد لا تتم ، لا عشرة الطّهر إذ لا وجود لها ليتم أو لا يتم ، ولم يعبر فيها بالانقضاء والمضي كي يمكن حمله على انقضاء عشرة الطّهر ، كما حمله عليه صاحب الحدائق قدس‌سره واستدلّ بها على مدّعاه وإنّما عبّر بالتمام وقد عرفت أنّه يحتاج إلى وجود الشي‌ء قبل ذلك. وعليه فالرواية أدلّ على مسلك المشهور حيث حسبت عشرة الحيض مجموع أيّام الدم والنّقاء إلى عشرة أيّام.

ويؤيّد ما ذكرناه قوله بعد ذلك « وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثّاني الّذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثّاني عشرة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة » حيث صرّحت بأنّ العشرة تحسب من أوّل ما رأت الدم لا بعد انقطاع الدم دواماً ، وإنّ قوله « فإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثّاني » لا يخلو عن الإغلاق ، إلاّ أنّ الظّاهر أنّ الثّاني عطف بيان أو بدل من أوّل ما رأت ، فبه يرتفع الإغلاق ، فلا دلالة لها على حساب العشرة بعد الانقطاع حتّى تدل على عدم كون أيّام النقاء من الحيض لاستلزامه زيادة الحيض عن عشرة أيّام في بعض الفروض.

وقد ظهر ممّا ذكرناه في المقام أنّ المراد من قوله عليه‌السلام اغتسلت عند انقطاع دمها ليس أنّها تغتسل من الحيض ، إذ لا يصحّ غسل الحيض في أثنائه ، وإنّما المراد به غسل الاستحاضة ، وغاية الأمر أنّها إذا انتظرت ورأت الدم قبل انقضاء العشرة تستكشف وقوع غسل الاستحاضة لغواً لكونها حائضاً واقعاً ، وأمّا إذا رأته بعد تجاوز العشرة فقد وقع غسلها في محله ، والسرّ في ذلك أنّ المرأة إمّا حائض فلا يصح غسل الحيض في أثنائه ، وإمّا مستحاضة ولا معنى لغسل الحيض من المستحاضة ، فتحمل على غسل الاستحاضة كما عرفت أو يحمل على التنظيف كما هو معناه لغة. هذا كلّه بالإضافة إلى الاغتسال الواقع في قوله اغتسلت وصلّت وانتظرت ، وأمّا الاغتسال في قوله عليه‌السلام « فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيّام ثمّ‌

١٤٠