العقائد الإسلاميّة - ج ١

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

العقائد الإسلاميّة - ج ١

المؤلف:

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-118-4
ISBN الدورة:
964-319-117-6

الصفحات: ٣٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بلى . قال يا أصحاب الشمال ، فاستجابوا له فقالوا لبيك ربنا وسعديك ، قال ألست بربكم قالوا بلى . فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم : رب لم خلطت بيننا ، قال ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، ثم ردهم في صلب آدم ، فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها .

فقال قائل يا رسول الله فما الأعمال ؟ قال : يعمل كل قوم لمنازلهم ، فقال عمر بن الخطاب : إذاً نجتهد .

أقول قوله ( ص ) وعرشه على الماء ، كناية عن تقدم أخذ الميثاق وليس المراد به تقدم خلق الأرواح على الأجساد زماناً ، فإن عليه من الإشكال ما على عالم الذر بالمعنى الذي فهمه جمهور المثبتين ، وقد تقدم .

وقوله ( ص ) يعمل كل قوم لمنازلهم ، أي أن كل واحد من المنزلين يحتاج إلى أعمال تناسبه في الدنيا ، فإن كان العامل من أهل الجنة عمل الخير لا محالة وإن كان من أهل النار عمل الشر لا محالة ، والدعوة إلى الجنة وعمل الخير لأن عمل الخير يعين منزله في الجنة وإن عمل الشر يعين منزله في النار لا محالة ، كما قال تعالى : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ . البقره ـ ١٤٨ فلم يمنع تعين الوجهة عن الدعوة إلى استباق الخيرات ، ولا منافاة بين تعين السعادة والشقاوة بالنظر إلى العلل التامة ، وبين عدم تعينها بالنظر إلى اختيار الإنسان في تعيين عمله ، فإنه جزء العلة وجزء علة الشئ لا يتعين معه وجود الشئ ولا عدمه بخلاف تمام العلة ، وقد تقدم استيفاء هذا البحث في موارد من هذا الكتاب ، وآخرها في تفسير قوله تعالى : كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ـ الأعراف ـ ٣٠ ، وأخبار الطينة المتقدمة من أخبار هذا الباب بوجه .

وفيه ، أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس : في قوله إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ الآية ، قال : خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه ، وكتب أجله ورزقه ومصيبته ، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة

٦١
 &

الذر ، فأخذ مواثيقهم أنه ربهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم .

أقول : وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس بطرق كثيرة في ألفاظ مختلفة ، لكن الجميع تشترك في أصل المعنى وهو إخراج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق منهم .

وفيه ، أخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود وناس من الصحابة : في قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، قالوا : لما أخرج الله آدم من الجنة ، قبل تهبيطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى ، فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر ، فقال لهم أدخلوا الجنة برحمتي ، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال ادخلوا النار ولا أبالي ، فذلك قوله أصحاب اليمين وأصحاب الشمال . ثم أخذ منهم الميثاق فقال ألست بربكم قالوا بلى ، فأعطاه طائفة طائعين ، وطائفة كارهين على وجه التقيه فقال هو والملائكة : شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ، قالوا فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنه ربه وذلك قوله عز وجل : وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهً ، وذلك قوله : فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ، يعني يوم أخذ الميثاق .

أقول : وقد روى حديث الذر كما في الرواية موقوفة وموصولة عن عدة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كعلي عليه‌السلام وابن عباس وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وسلمان وأبي هريرة وأبي أمامة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمان بن قتادة وأبي الدرداء وأنس ومعاوية وأبي موسى الأشعري .

كما روي من طرق الشيعة عن علي وعلي بن الحسين ، ( ومحمد بن علي ) ، وجعفر بن محمد ، والحسن بن علي العسكري عليهم‌السلام .

ومن طرق أهل السنة أيضاً عن علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن

٦٢
 &

محمد بطرق كثيرة ، فليس من البعيد أن يدعي تواتره المعنوي .

واعلم أن الروايات في الذر كثيرة جداً ، وقد تركنا إيراد أكثرها لوفاء ما أوردنا من ذلك بمعناها . وهنا روايات أخر في أخذ الميثاق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأنبياء عليهم‌السلام سنوردها في محلها إن شاء الله تعالى . انتهى .

عوالم وجـود الإنسان

تحصل من بحث صاحب الميزان رحمه‌الله أنه جعل الأقوال في عالم الذر ثلاثة :

الأول : نفي وجود عالم الذر ، والقول بأن ما ورد في الآية من إشهاد الناس وإقرارهم بالربوبية ، إنما هو تعبير مجازي عن تكوينهم الذي يهديهم إلى ربهم تعالى . وهو قول عدد من المتأثرين بالفلسفة اليونانية من القدماء ، وبالثقافة الغربية من المتأخرين .

الثاني : أن عالم الذر بمعنى أن الله تعالى استخرج نطف أبناء آدم عليه‌السلام من ظهره ، ثم من ظهور أبنائه إلى آخر أب ، ثم كونهم بشكل معين وأشهدهم فأقروا ، ثم أعادهم إلى حالتهم الأولى في ظهر آدم عليه‌السلام . وقد ذهب إليه بعض المفسرين من السنة والشيعة .

الثالث : أن عالم الذر هو عالم الملكوت والخزائن ، وهو الوجه الذي اختاره صاحب الميزان رحمه‌الله وأطال في الكلام حوله واختصر في الإستدلال عليه .

ولكن يرد عليه إشكالات متعددة ، أهمها :

أولاً ، أن عالم الملكوت اسم عام لكل عوالم ملك الله تعالى ، وتفسير عالم الذر به لا يحل المشكلة ، لأنه يبقى السؤال وارداً : في أي عالم من ملكوت الله تعالى تم خلق الناس وأخذ الميثاق منهم ؟

ثانياً ، أن تفسير عالم الذر بعالم الملكوت تفسير استحساني لا دليل عليه ، وطريقنا إلى معرفة عوالم خلق الله وأفعاله سبحانه وتعالى ، محصور بما أخبرنا به

٦٣
 &

النبي وآله صلى الله عليهم ، وما دل العقل عليه بدلالة قطعية ، لا ظنية أو احتمالية .

ثالثاً ، أن عوالم وجود النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجود الناس قبل هذا العالم ، وردت فيها أحاديث كثيرة لا يمكن إغفالها في البحث ، كما فعل بعضهم ، ولا نفيها بجرة قلم كما فعل بعضهم ، كما لا يمكن دمجها في عالم واحد كعالم الملكوت أو الخزائن كما فعل صاحب الميزان رحمه‌الله بل هي عوالم متعددة قد تصل إلى عشرة عوالم ، نذكر منها :

عالم الأنوار الأولى ، أو عالم الأشباح ، وهو أول ظلال أو فئ خلقه الله تعالى من نور عظمته ، وهو نور نبينا وآله صلى الله عليه وعليهم .

عالم الأظلة ، الذي تم فيه خلق جميع الناس وتعارفهم .

عالم الذر الذي أخذ فيه الميثاق على الناس ، وتدل الأحاديث على أنه نفس عالم الأظلة أو مرتبط به بنحو من الإرتباط .

عالم الطينة التي خلق منها الناس .

وذكرت أحاديث أخرى أن خلق الأرواح تم قبل خلق الأجساد . . الخ .

كما ذكرت الآيات والأحاديث عوالم أخرى مثل قوله تعالى ( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ) أي كان في ذلك الحين شيئاً ، ولكنه غير مذكور ، كما ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه‌السلام .

وهذه العوالم كلها من عالم الملكوت ومن خزائن ملكه تعالى ، ولكنها ليست نفس عالم الملكوت ولا الخزائن .

وقد تقدم عدد من روايات العوالم الأربعة الأولى ، ونورد فيما يلي عدداً آخر ، وبعضها نص على أن عالم الذر هو عالم الأظلة .

من روايات عالم الأشباح ( ظلال النور )

ـ الأصول الستة عشر ص ١٥

عباد عن عمرو ، عن أبي حمزة قال : سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : إن الله

٦٤
 &

خلق محمداً وعلياً وأحد عشر من ولده من نور عظمته ، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق ، يسبحون الله ويقدسونه . وهم الأئمة من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ـ ورواه الكليني في الكافي ج ١ ص ٥٣٠ ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبي حمزة . . . . كما في الأصول الستة عشر .

ـ الكافي ج ١ ص ٤٤٢

الحسين ( عن محمد ) بن عبد الله ، بن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن جابر بن يزيد قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله ، قلت : وما الأشباح ؟ قال : ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس ، فبه كان يعبد الله وعترته ، ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء ، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ويحجون ويصومون . انتهى . ورواه البحراني في حلية الأبرار ج ١ ص ١٩

ـ علل الشرائع ج ١ ص ٢٠٨

حدثنا إبراهيم بن هارون الهاشمي قال : حدثنا محمد بن احمد بن أبي الثلج قال : حدثنا عيسى بن مهران قال : حدثنا منذر الشراك قال : حدثنا إسماعيل بن علية قال : أخبرني أسلم بن ميسرة العجلي ، عن أنس بن مالك ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله عز وجل خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام . قلت فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش نسبح الله تعالى ونحمده ونقدسه ونمجده . قلت : على أي مثال ؟ قال : أشباح نور ، حتى إذا أراد الله عز وجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ، ثم قذفنا في صلب آدم ، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، ولا يصيبنا نجس الشرك

٦٥
 &

ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون ، فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب ، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة والنصف إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً ، ثم أعاد عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ، ثم أعاد عز وجل العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين ـ يعني من النصفين جميعاً ـ فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين ، فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة .

ـ شرح الأخبار ج ٣ ص ٦

صفوان الجمال قال : دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام وهو يقرأ هذه الآية : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم . ثم التفت الي فقال : يا صفوان إن الله تعالى ألهم آدم عليه‌السلام أن يرمي بطرفه نحو العرش ، فإذا هو بخمسة أشباح من نور يسبحون الله ويقدسونه ، فقال آدم : يا رب من هؤلاء ؟ قال : يا آدم صفوتي من خلقي ، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، خلقت الجنة لهم ولمن والاهم ، والنار لمن عاداهم . لو أن عبداً من عبادي أتى بذنوب كالجبال الرواسي ثم توسل الي بحق هؤلاء لعفوت له .

فلما أن وقع آدم في الخطيئة قال : يا رب بحق هؤلاء الأشباح اغفر لي ، فأوحى الله عز وجل إليه : إنك توسلت إلي بصفوتي وقد عفوت لك . قال آدم : يا رب بالمغفرة التي غفرت إلا أخبرتني من هم . فأوحى الله إليه : يا آدم هؤلاء خمسة من ولدك ، لعظيم حقهم عندي اشتققت لهم خمسة أسماء من أسمائي ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا الأعلى وهذا علي ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا المحسن وهذا الحسن ، وأنا الإحسان وهذا الحسين .

ـ شرح الأخبار ج ٣ ص ٥١٤

عن عبد القادر بن أبي صالح ، عن هبة الله بن موسى ، عن هناد بن إبراهيم ، عن

٦٦
 &

الحسن بن محمد ، عن محمد بن فرحان ، عن محمد بن يزيد ، عن الليث بن سعد ، عن العلاء بن عبد الرحمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : أنه لما خلق الله تعالى آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح . . . . الحديث .

ـ شرح الأخبار ج ٢ ص ٥٠٠

أحمد بن محمد بن عيسى المصري ، بإسناده عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : لما خلق الله عز وجل آدم ( عليه‌السلام ) ونفخ فيه من روحه ، نظر آدم ( عليه‌السلام ) يمنة العرش ، فإذا من النور خمسة أشباح على صورته ركعاً سجداً فقال : يا رب هل خلقت أحداً من البشر قبلي ؟ قال : لا . قال : فمن هؤلاء الذين أراهم على هيئتي وعلى صورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك ، لولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن . هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي ، فأنا المحمود وهذا محمد وأنا الأعلى وهذا علي ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا حسن ، وأنا المحسن وهذا الحسين . . . .

ـ تحف العقول ص ١٦٣

. . . . بل اشتقاق الحقيقة والمعنى من اسمه تعالى كما جاء في حديث المعراج : إن الله تعالى قال لي : يا محمد اشتققت لك إسماً من أسمائي فأنا المحمود وأنت محمد ، واشتققت لعلي إسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي ، وهكذا فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فكلهم أشباح نور من نوره تعالى جل اسمه .

ـ كفاية الأثر ص ٧٠

قال هارون : حدثنا حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي ، قال حدثني أبو النصر محمد بن مسعود العياشي ، عن يوسف بن المشحت البصري ، قال حدثنا إسحق بن

٦٧
 &

الحارث ، قال حدثنا محمد بن البشار ، عن محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ، عن هشام بن يزيد ، عن أنس بن مالك قال : كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل الحسن والحسين عليهما‌السلام فقبلهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقام أبو ذر فانكب عليهما وقبل أيديهما ، ثم رجع فقعد معنا ، فقلنا له سراً : رأيت رجلاً شيخاً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم إلى صبيين من بني هاشم فينكب عليهما ويقبل أيديهما ؟ فقال : نعم ، لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفعلتم بهما أكثر مما فعلت . قلنا : وماذا سمعت يا أبا ذر ؟ قال : سمعته يقول لعلي ولهما : يا علي والله لو أن رجلاً صلى وصام حتى يصير كالشن البالي إذاً ما نفعه صلاته وصومه إلا بحبكم . يا علي من توسل إلى الله بحبكم فحق على الله أن لا يرده . يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة الوثقى . قال : ثم قام أبو ذر وخرج . وتقدمنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلنا : يا رسول الله أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت .

قال : صدق أبو ذر ، صدق والله ، ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر . ثم قال : خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ، ثم نقلنا إلى صلب آدم ، ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات . فقلت : يا رسول الله فأين كنتم وعلى أي مثال كنتم ؟ قال : كنا أشباحاً من نور تحت العرش نسبح الله تعالى ونمجده . ثم قال : لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرئيل عليه‌السلام فقلت : حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني ؟ فقال : يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي .

ثم زج بي في النور ما شاء الله ، فأوحى الله إلي : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً ، ثم اطلعت ثانياً فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي ، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار . يا

٦٨
 &

محمد أتحب أن تراهم قلت : نعم يا رب . فنوديت : يا محمد إرفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ، والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري . فقلت : يا رب من هؤلاء ومن هذا ؟ قال : يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك ، وهو الحجة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين .

قلنا : بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجباً . فقال عليه‌السلام : وأعجب من هذا أن قوماً يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ، ويؤذوني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي .

ـ بصائر الدرجات ص ٨٣

أحمد بن محمد ويعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله مثَّل لي أمتي في الطين وعلمني أسماءهم كلها ، كما علم آدم الأسماء كلها ، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته ، إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة . قيل يا رسول الله وما هي ؟ قال المغفرة منهم لمن آمن واتقى ، لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة ، ولهم تبدل السيئات حسنات .

الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن بعض قريش قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال : إني كنت أول من أقر بربي وأول من أجاب ، حيث أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ، وكنت أنا أول نبي قال بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله .

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن النعمي ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أمتي عرضت

٦٩
 &

عليَّ عند الميثاق ، وكان أول من آمن وصدقني علي ، وكان أول من آمن بي وصدقني حيث بعثت فهو الصديق الأكبر .

حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي الجارود ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللهم لقني إخواني ، مرتين . فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول ؟ فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا . أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة . انتهى . وروايات البصائر هذه ليس فيها تصريح بعالم الأظلة أو الاشباح ، لكن يصح حملها عليه بالقرائن .

من روايات عالم الأظلة

ـ الإعتقادات للصدوق ص ٢٦

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف . وقال الصادق عليه‌السلام : إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورَّث الأخ الذي آخا بينهما في الأظلة ، ولم يورث الأخ من الولادة . انتهى . ورواه في الفقيه ج ٤ ص ٣٥٢ ورواه في بحار الأنوار ج ٦ ص ٢٤٩ ورواه الصدوق في الخصال ص ١٦٩ ، قال :

حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا حمزة بن القاسم العلوي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عمران البرقي قال : حدثنا محمد بن علي الهمداني ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام قالا : لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله : يقتل الشيخ الزاني ، ويقتل مانع الزكاة ، ويورث الأخ أخاه في الأظلة .

٧٠
 &

ـ الكافي ج ١ ص ٤٤١

علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي بن إبراهيم ، عن علي بن حماد ، عن المفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة ؟ فقال : يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا ، في ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده ، وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا ، حتى بدا له في خلق الأشياء ، فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم ، ثم أنهى علم ذلك إلينا . انتهى . والمقصود بقوله عليه‌السلام : ثم أنهى علم ذلك إلينا ، شبيه قوله تعالى : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا .

ـ الكافي ج ١ ص ٤٣٦

محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وعن عقبة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن الله خلق ، فخلق ما أحب مما أحب وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة ، وخلق ما أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثم بعثهم في الظلال . فقلت : وأي شئ الظلال ؟ قال : ألم تر إلى ظلك في الشمس شئ وليس بشئ ، ثم بعث الله فيهم النبيين يدعونهم إلى الإقرار بالله وهو قوله : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون الله . ثم دعاهم إلا الإقرار بالنبيين ، فأقر بعضهم وأنكر بعضهم ، ثم دعاهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض ، وهو قوله : فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ . ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان التكذيب ثَمَّ .انتهى . ورواه في الكافي ج ٢ ص ١٠ عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة ، جميعاً عن أبي جعفر عليه‌السلام قال . . . . ورواه في علل الشرائع ج ١ ص ١١٨ رواه في بصائر الدرجات ص٨٠ ، وفيه ( كان التكذيب ثمت ) .

٧١
 &

ـ الكافي ج ٨ ص ٢

حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن حفص المؤذن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها .

قال : وحدثني الحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي ، عن القاسم بن الربيع الصحاف ، عن إسماعيل بن مخلد السراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابه :

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد ، فاسألوا ربكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم ، وعليكم بمجاملة أهل الباطل . . . .

وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه ، وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه . .

وعليكم بالدعاء ، فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه . . . .

فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية أن أتم الله لكم ما أعطاكم ، فإنه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم . . . .

واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس . قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى لا رأي ولا مقائيس ، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به

٧٢
 &

ووضعه عندهم ، كرامة من الله أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم ، وهم الذين من سألهم ـ وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم ـ أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه ، وإلى جميع سبل الحق ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة ، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم ، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان . . . .

ـ الأصول الستة عشر ص ٦٣

جابر قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية ، عن قول الله عز وجل : وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ، يعني لو أنهم استقاموا على الولاية في الأصل تحت الأظلة ، حين أخذ الله ميثاق ذرية آدم . لأسقيناهم ماء غدقاً : يعني لأسقينا أظلتهم الماء العذب الفرات .

ـ تفسير القمي ج ٢ ص ٣٩١

أخبرنا أحمد بن إدريس قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في هذه الآية : وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ، يعني من جرى فيه شئ من شرك الشيطان . على الطريقة : يعني على الولاية في الأصل عند الأظلة ، حين أخذ الله ميثاق ذرية آدم . انتهى . ونحوه في تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٣٨

ـ بصائر الدرجات ص ٧٣

حدثنا أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميره ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن حذيفة بن أسيد الغفار ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما تكاملت النبوة

٧٣
 &

لنبي في الأظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ، ومثلوا له ، فأقروا بطاعتهم وولايتهم .

ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ١٢٦

عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : إن الله خلق الخلق وهي أظلة ، فأرسل رسوله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فمنهم من آمن به ومنهم من كذبه ، ثم بعثه في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن في الأظلة ، وجحده من جحد به يومئذ ، فقال : ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل .

ـ تفسير فرات الكوفي ص ١٤٧

فرات قال : حدثني عثمان بن محمد معنعناً : عن أبي خديجة قال قال محمد بن علي عليهما‌السلام : لو علم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما اختلف فيه اثنان . قال قلت : متى ؟ قال فقال لي : في الأظلة حين أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى . محمد نبيكم ، علي أمير المؤمنين وليكم .

ـ الإيضاح لابن شاذان ص ١٠٦

. . . . فوالله ما الحق إلا واضح بين منير ، وما الباطل إلا مظلم كدر ، وقد عرفتم موضعه ومستقره ، إلا أن الميثاق قد تقدم في الأظلة بالسعادة والشقاوة ، وقد بين الله جل ذكره لنا ذلك بقوله : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا .

ـ شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٦٦

قد عرف النور بأنه الظاهر بذاته المظهر لغيره وهو القدر المشترك بين جميع مراتبه من الضوء وضوء الضوء والظل وظل الظل ، في كل بحسبه وهذا المعنى حق حقيقة الوجود ، إذ كما أنها الموجودة بذاتها وبها توجد المهيات المعدومة بذواتها

٧٤
 &

بل لا موجودة ولا معدومة ، كذلك تلك الحقيقة ظاهرة بذاتها مظهرة لغيرها من الأعيان ، والمهيات المظلمة بذواتها بل لا مظلمة ولا نورية ، فمراتب الوجود من الحقايق والرقايق والأرواح والأشباح والأشعة والأظلة كلها أنوار لتحقق هذا المعنى فيها ، حتى في الأشباح المادية وأظلال الأظلال . انتهى .

ـ ويدل النص التالي على أن حديث عالم الظلال كان معروفاً في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم غاب من بعده كما غابت أحاديث كثيرة في فضائله صلى‌الله‌عليه‌وآله والسبب في ذلك أن هذه الأحاديث فيها ذكر فضل بني هاشم وبني عبد المطلب وفضل علي وفاطمة والأئمة الإثني عشر الموعودين في هذه الأمة ! وقد عتموا عليها ما استطاعوا ! وما رووه منها من فضائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جردوه من فضائل أهل بيته وعترته إلا ما أفلت منها ، وما رواه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم !

ـ قال في كنز العمال ج ١٢ ص ٤٢٧ :

عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلی الله عليه وسلم فقلت : فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال : كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبي نوح ، وقذف بي في صلب أبي إبراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي ، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري ، وبين كل نبي صفتي ، تشرق الأرض بنوري والغمام لوجهي ، وعلمني كتابه ، ورقى بي في سمائه وشق لي اسماً من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر ، وأن يجعلني أول مشفع ، ثم أخرجني من خير قرن لأمتي وهم الحمادون ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

٧٥
 &

قال ابن عباس : فقال حسان بن ثابت في النبي صلی الله عليه وسلم :

من قبلها طبت في الظلال وفي

مستودع حيث يُخْصَف الورقُ

ثم سكنت البلاد لا بشرٌ

أنت ولا نطفةٌ ولا علقُ

مطهرٌ تركب السفين وقد

ألجمَ أهل الضلالة الغرق

تُنقل من صلب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق

فقال النبي صلی الله عليه وسلم : يرحم الله حساناً ! فقال علي بن أبي طالب : وجبت الجنة لحسان ورب الكعبة . كر ، وقال : هذا حديث غريب جداً ، والمحفوظ أن هذه الأبيات للعباس . انتهى . ولكن نسبة هذه الأبيات إلى حسان أولى ، فهي تشبه شعره إلى حد كبير ، ولم يعهد في التاريخ شعر للعباس عم النبي ، كما عهد لعمه أبي طالب صلى‌الله‌عليه‌وآله . ورواه في مجمع الزوائد للعباس في ج ٨ ص ٢١٧ ، وقال : رواه الطبراني وفيهم من لم أعرفهم ، قال :

وعن خريم بن أوس بن جارية بن لام قال : كنا عند النبي صلی الله عليه وسلم فقال له العباس بن عبد المطلب : يا رسول الله إني أريد أن أمدحك ، فقال له صلی الله عليه وسلم : هات لا يفضض الله فاك ، فأنشأ يقول :

قبلها طبت في الظلال وفـي

مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد

ألجم نسراً وأهله الغرق

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق

حتى احتوى بيتك المهيمن

من خندف علياء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأ

رض وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفي

النور سبل الرشاد نخترق

٧٦
 &

ـ وروى نحوه في مناقب آل ابي طالب ج ١ ص ٢٧

ـ وفي مناقب آل ابي طالب ج ٢ ص ١٧

أشباحكم كن في بدو الظلال له

دون البرية خداماً وحجابا

وأنتمُ الكلمات اللاي لقنها

جبريل آدم عند الذنب إذ تابا

وأنتمُ قبلة الدين التي جعلت

للقاصدين إلى الرحمن محرابا

وقد روى إخواننا السنة أحاديث كثيرة وصححوا عدداً منها تنص على أن خلق النبي ونبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تما قبل خلق آدم عليه‌السلام ولكنها مجردة عن فضل أهل بيته ، ففي مسند أحمد ج ٤ ص ١٢٧

الكلبي عن عبد الله بن هلال السلمي ، عن عرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني عبد الله لخاتم النبيين وإن آدم عليه‌السلام لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك : دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يَرَيْنَ . انتهى . ورواه في مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٤١٨ وص ٦٠٠ في ص ٦٠٨ وزاد فيه ( وإن أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأت حين وضعته له نورا أضاءت لها قصور الشام ، ثم تلا : النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـ ورواه في مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٢٣ تحت عنوان : باب قدم نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في الحاكم وقال ( رواه أحمد بأسانيد ، والبزار ، والطبراني بنحوه ، وقال : سأحدثكم بتأويل ذلك : دعوة إبراهيم دعا وابعث فيهم رسولاً منهم ، وبشارة عيسى بن مريم قوله وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ، ورؤيا أمي التي رأت في منامها أنها وضعت نوراً أضاءت منه قصور الشام . وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان .

٧٧
 &

وعن ميسرة العجر قال قلت يا رسول الله متى كتبت نبياً ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد . رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح .

وعن عبد الله بن شقيق عن رجل قال قلت يا رسول الله متى جعلت نبياً ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .

وعن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله متى كتبت نبياً ؟ قال وآدم بين الروح والجسد . رواه الطبراني في الأوسط والبزار ، وفيه جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف .

وعن أبي مريم قال أقبل أعرابي حتى أتى النبي صلی الله عليه وسلم وعنده خلق من الناس فقال : ألا تعطيني شيئاً أتعلمه واحمله وينفعني ولا يضرك ، فقال الناس مه أجلس ، فقال النبي صلی الله عليه وسلم دعوه فإنما يسأل الرجل ليعلم ، فأفرجوا له حتى جلس فقال : أي شئ كان أول نبوتك ؟ قال : أخذ الميثاق كما أخذ من النبيين ، ثم تلا : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، وبشرى المسيح عيسى بن مريم ، ورأت أم رسول الله صلی الله عليه وسلم في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام .

فقال الأعرابي هاه وأدنى منه رأسه وكان في سمعه شئ ، فقال النبي صلی الله عليه وسلم ووراء ذلك . رواه الطبراني ورجاله وثقوا .

ـ وروى أحاديثه في كنز العمال ج ١١ ص ٤٠٩ وقال في مصادرها ( ابن سعد ، حل ـ عن ميسرة الفجر ، ابن سعد ـ عن ابن أبي الجدعاء ، طب ـ عن ابن عباس ) . وقال في هامشه : أخرجه الترمذي كتاب المناقب باب فضل النبي صلی الله عليه وسلم رقم ( ٣٦٠٩ ) وقال : حسن صحيح غريب ص .

ـ وفي ج ١١ ص ٤١٨ وص ٤٤٩ وص ٤٥٠ ، وقال في مصادره ( حم ، طب ، ك ، حل ، هب ـ عن عرباض ابن سارية ) . ( حم وابن سعد ، طب ، ك ، حل هب ـ عن عرباض

٧٨
 &

بن سارية ) ( ابن سعد ـ عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ) ( ابن سعد ـ عن عبد الله بن شقيق عن أبيه أبي الجدعاء ، ابن قانع ـ عن عبد الله بن شقيق عن أبيه ، طب ـ عن ابن عباس ، ابن سعد ـ عن ميسرة الفجر ) ( ابن عساكر ـ عن أبي هريرة )

ـ ورواها السيوطي عن المصادر المتقدمة وغيرها في الدر المنثور ج ١ ص ١٣٩ وج ٥ ص ١٨٤ وص ٢٠٧ وج ٦ ص ٢١٣

وروى إخواننا كذلك أحاديث متعددة عن اختيار الله تعالى لبني هاشم تؤيد هذه الأحاديث ، وليس هذا مقام الكلام فيها .

من روايات عالم طينة الخلق

ـ مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٨

وعن بريدة قال : بعث رسول الله صلی الله عليه وسلم علياً أميراً على اليمن ، وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : إن اجتمعتما فعلي على الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ عليٌّ جاريةً من الخمس ، فدعا خالد ابن الوليد بريدة فقال : إغتنمها فأخبر النبي صلی الله عليه وسلم ما صنع !

فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلی الله عليه وسلم في منزله ، وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة ؟

فقلت : خيراً فتح الله على المسلمين . فقالوا : ما أقدمك ؟ قلت : جارية أخذها علي من الخمس ! فجئت لأخبر النبى صلی الله عليه وسلم .

فقالوا : فأخبر النبي صلی الله عليه وسلم فإنه يسقط من عين النبي صلی الله عليه وسلم ! ورسول الله صلی الله عليه وسلم يسمع الكلام ، فخرج مغضباً فقال : ما بال أقوام ينتقصون علياً ! من تنقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فقد فارقني . إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم . يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية

٧٩
 &

التي أخذ ، وأنه وليكم بعدي !

فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً !

قال فما فارقته حتى بايعته على الإسلام . رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه جماعة لم أعرفهم وحسين الأشقر ضعفه الجمهور ، ووثقه ابن حبان .

ـ مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٠٨

وعن جابر ـ قال : لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله ، فلما نظر إلى رسول الله حجل إعظاماً لرسول الله صلی الله عليه وسلم فقبل رسول الله بين عينيه ، وقال له : يا حبيبي أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي ، وخلقت من الطينة التي خلقت منها ، يا حبيبي حدثني عن بعض عجائب أهل الحبشة . قال : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، بينا أنا قائم في بعض طرقها إذ أنا بعجوز على رأسها مكيل ، وأقبل شاب يركض على فرس فزحمها وألقى المكيل عن رأسها ، واستوت قائمة وأتبعته البصر وهي تقول : الويل لك غداً إذا جلس الملك على كرسيه فاقتص للمظلوم من الظالم ! قال جابر : فنظر إلى رسول الله صلی الله عليه وسلم وهو يقول : لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع . رواه الطبراني في الأوسط وفيه مكي بن عبد الله الرعيني وهو ضعيف . انتهى . ورواه في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٧٢ ، وروى أيضاً :

وعن أسامة بن زيد أن النبي صلی الله عليه وسلم قال لجعفر : خلقك كخلقي وأشبه خلقي خلقك فأنت مني ، وأنت يا علي فمني وأبو ولدي . رواه الطبراني عن شيخه أحمد ابن عبد الرحمن بن عفال وهو ضعيف .

ـ كنز العمال ج ١١ ص ٦٦٢

خلق الناس من أشجار شتى ، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة . ابن عساكر عن وهب بن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً ، ووهب كان يضع الحديث .

مسند جابر بن عبد الله ، عن مكي بن عبد الله الرعيني ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن

٨٠